مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1962 الى آخر سبتمبر سنة 1962) - صـ 1152

(107)
جلسة 30 من يونية سنة 1962

برياسة السيد/ الامام الامام الخريبى وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل اسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبى المستشارين.

القضيتان رقما 1505 لسنة 6 القضائية و 445 لسنة 7 القضائية

بعثات - القرار السلبى بالامتناع عن تجديد جواز سفر الطالب، والقرار الصادر برفع الاشراف العلمى والمالى عنه - قراران اداريان غير متلازمين لكل منهما كيانه الخاص وذاتيته المستقلة وآثاره القانونية المغايرة - القرار الثانى مجرد سبب للقرار الاول - جواز الطعن فى أى من القرارين استقلالا - عدم ارتباط ميعاد الطعن فى أحدهما بميعاد الطعن فى الآخر - أساس ذلك.
ان القرار الادارى الذى يستهدف المدعيان الغاءه هو القرار السلبى الصادر من وزارة الداخلية بالامتناع عن تجديد جواز سفر المدعى الثانى، وهو غير القرار الادارى الصادر من وزارة التربية والتعليم برفع الاشراف العلمى والمالى عنه، اذ لكل من هذين القرارين كيانه الخاص وذاتيته المستقلة. وما قرار رفع الاشراف الا مجرد سبب لقرار عدم تجديد جواز السفر وركن من أركانه بما لا يفنى ثانيهما فى الاول، ولا سيما ان كلا منهما صادر من جهة ادارية مختلفة، وفى تاريخ متباعد ولا يجعل من ترتب احدهما على الآخر وجها للتلازم بينهما، اذ أن كلا منهما ينشئ فى حق صاحب الشأن مركزا قانونيا مغايرا للآخر يجوز الطعن فيه استقلالا. ومن ثم لا يرتبط ميعاد الطعن فى أحدهما بميعاد الطعن فى الآخر ولا يتأثر به، خاصة وانه يبين من ملف المدعى الثانى بالادارة العامة للبعثات بوزارة التربية والتعليم أنه بارح القطر المصرى الى النمسا لدراسة الهندسة بجامعة فيما قبل صدور قرار مجلس الوزراء فى 26 من يونية سنة 1956 فى شأن تنظيم السفر للخارج الذى اشترط فيمن يرغب فى تلقى العلم بالخارج أن يحصل على اجازة خروج بعد الحصول على ترخيص من السلطات الحكومية المختصة، وقبل صدور القرار الجمهورى بالقانون رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية والمنح بالجمهورية العربية المتحدة الذى نص فى المادة 41 منه على عدم جواز منح تأشيرة الخروج أو تحويل النقد لطالب من أبناء الجمهورية العربية المتحدة الا اذا وافقت ادارة البعثات على ذلك هذا الى ان المادة 43 من القانون المشار اليه قد نصت على أن "يرفع الاشراف عن كل طالب يرسب سنتين متتاليتين فى صف واحد، أولا يكون محمود السيرة محافظا على سمعة بلاده... وفى جميع الاحوال التى يرفع فيها الاشراف ويتبين لادارة البعثات ان استمرار الطالب فى الخارج فيه اضرار بالمصلحة العامة، ان تبلغ الجهات المختصة لوقف تجديد جواز سفره ووقف تحويل النقد اليه عن طريقها كما تبلغ ادارة التجنيد أمر رفع الاشراف عنه" وبذلك جعل الشارع مناط رفع الاشراف عن الطالب الذى يدرس فى الخارج هو رسوبه سنتين متتاليتين فى وصف واحد أو كونه غير محمود السيرة غير محافظ على سمعة بلاده، وجعل مناط وقف تجديد جواز سفره ووقف تحويل النقد اليه هو أن يكون استمراره فى الخارج اضرار بالمصلحة العامة فى حالة رفع الاشراف عنه، مما يؤيد أن لكل من القرارين مجاله الخاص المستقل وان رفع الاشراف فى ذاته لا يقتضى لزوما وقف تجديد جواز سفر الطالب، اذ أن وقف التجديد هذا يتطلب الى جانب وجوب توافر أسباب رفع الاشراف تحقق شرط آخر هو ان يتبين ان استمرار الطالب فى الخارج فيه اضرار بالمصلحة العامة.
فاذا صح ان وزرة التربية والتعليم قد قررت رفع الاشراف العلمى والمالى عن الطالب، وان قرارها هذا قد تحصن بعدم الطعن فيه بطلب الغائه فى الميعاد القانونى فأصبح معصوما من الالغاء، فان عدم التلازم بينه وبين قرار عدم تجديد جواز سفر المدعى الثانى، على نحو ما سلف بيانه لا يستلزم ضمنا وبمجرد تحصن القرار الاول عدم تجديد هذا الجواز وحرمان المذكور من مواصلة دراسته بوسائله الخاصة، متى كانت الشروط الخاصة المبررة لعدم التجديد فى ذاته، وهى كون استمرار بقاء الطالب فى الخارج فى حالة رفع الاشراف عنه ضارا بالمصلحة العامة كما نصت على ذلك المادة 43 من القانون رقم 112 لسنة 1959 غير متوافرة.


اجراءات الطعن

فى 12 من مايو سنة 1960 و 29 من ديسمبر سنة 1960 أودعت ادارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير الداخلية بصفته سكرتيرية المحكمة عريضتى طعن أمام هذه المحكمة قيدتا بجدولها تحت رقم 1505 لسنة 6 القضائية ورقم 445 لسنة 7 القضائية فى الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الادارى "هيئة منازعات الافراد والهيئات" بجلستى 15 من مارس سنة 1960 وأول نوفمبر سنة 1960 فى الدعوى رقم 518 لسنة 14 القضائية المقامة من: أحمد محمود سالم ووجدى أحمد محمود سالم ضد وزارة الداخلية، القاضى (أولهما) "بوقف تنفيذ القرار المطعون" و "ثانيهما" برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها، وفى الموضوع بالغاء القرار السلبى الصادر من وزارة الداخلية بالامتناع عن تجديد جواز سفر المدعى، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل اتعاب المحاماة". وطلب السيد الطاعن للاسباب التى استند اليها، فى طعنه (الاول) "احالة الطعن على دائرة فحص الطعون لتقرر باحالته على المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا، وبالغاء الحكم المطعون فيه مع الزام المطعون ضدهما بالمصاريف ومقابل اتعاب المحاماة" وفى طعنه (الثانى) "احالة الطعن على دائرة فحص الطعون لتقرر باحالته على المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه مع الزام المطعون ضدهما بالمصاريف ومقابل اتعاب المحاماة" وقد اعلن هذان الطعنان الى المطعون عليهما فى 25 من مايو سنة 1960 و12 من يناير سنة 1961 فعقبت عليهما هيئة مفوضى الدولة بمذكرتين بالرأى القانونى مسببا انتهت فى (أولاهما) الى أنها ترى "أولا": "ضم هذا الطعن للطعن رقم 445 لسنة 7 قضائية عليا المتعلق بالموضوع للحكم فيهما معا. "ثانيا"، قبول الطعنين شكلا ورفضهما موضوعا والزام الحكومة الطاعنة بالمصروفات". وفى (الثانية) الى انها ترى أولا: ضم الطعن رقم 1505 لسنة 6 القضائية عليا الى هذا الطعن للحكم فيهما معا. ثانيا: قبول الطعنين شكلا ورفضها موضوعا، والزام الحكومة الطاعنة المصروفات. وذلك لما أبدته فى هاتين المذكرتين من أسباب. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من ابريل سنة 1962 التى أبلغ بها الطرفان فى 18 من مارس سنة 1962. وقد قررت الدائرة ضم الطعنين لبعضهما واحالتهما الى المحكمة العليا حيث عين لنظرهما امامها جلسة 2 من يونية سنة 1962 التى أبلغ بها الطرفان فى 22 من مايو سنة 1962. وبعد ان سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعنين المضمومين الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعنين المضمومين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى ان المدعيين اقاما الدعوى رقم 518 لسنة 14 القضائية ضد وزارة الداخلية أمام محكمة القضاء الادارى "هيئة منازعات الافراد والهيئات" بعريضة أودعاها سكرتيرية المحكمة فى 23 من ديسمبر سنة 1959 ذكرا فيها ان المدعى الاول أوفد ولده المدعى الثانى الى فينا فى سنة 1955 لدراسة الهندسة الكهربائية بجامعة فينا. وقد التحق فعلا بهذه الجامعة واستمر فى دراسته حتى أصبح حاليا بالفصل الدراسى الخامس وأدى فى علم الهندسة الامتحان الذى عقد فى 11 من يونية سنة 1958، كما أدى بنجاح مقبول امتحان الميكانيكا الذى عقد فى التاريخ ذاته، وكذلك امتحان الرياضة الذى عقد فى 23 من يونية سنة 1958. وقد كان مواظبا فى حضوره الدروس، وكان يحمل جواز سفر صادر من وزارة الداخلية برقم 3373/ 55 مؤرخ 24 من مايو سنة 1955 محافظة الاسكندرية. وبينما كان يواصل دراسته تلقى والده خطابا من الادارة العامة للبعثات تاريخه 28 من يناير سنة 1959 تخطره فيه بأن الوزارة قررت رفع الاشراف العلمى والمالى عن ولده، وتطلب منه اتخاذ الاجراءات اللازمة لاعادته الى مصر. وقد أخذ فى السعى لدى وزارة التربية والتعليم لترجع عن قرارها السابق، وما زال يواصل هذا السعى وقد اقترب تاريخ نهاية دراسته وتخرجه، غير أنه علم ان جواز سفر ولده قد انتهى فى 11 من نوفمبر سنة 1959، وانه قد اعطيت له مهلة شهرين تنتهى فى 11 من يناير سنة 1960. ولما كانت وزارة الداخلية ممتنعة عن تجديد جواز سفر المدعى الثانى، وبهذا تجرده من حق الاقامة بفينا وبالتالى تمنعه من مواصلة دراسته التى قطع فيها شوطا بعيدا واصبح على ابواب التخرج، الامر الذى فيه قضاء على مستقبله، وكان فى امتناع الوزارة عن تجديد هذا الجواز اساءة لاستعمال السلطة، وحرمان المواطن من التمتع بحقوقه التى كلفتها الدساتير وحقوق الانسان، فان المدعيين يطلبان الحكم على السيد وزير الداخلية "بصفة مستعجلة، أولا - بايقاف قرار امتناع وزير الداخلية بصفته عن تجديد جواز سفر الطالب وجدى أحمد سالم. ثانيا - وفى الموضوع الحكم باعتبار قرار الامتناع باطلا. ثالثا - الزام المعلن اليه بالمصاريف ومقابل اتعاب المحاماة".
وقد قدمت وزارة الداخلية مذكرتين بدفاعها ردا على هذه الدعوى قالت فيهما ان المدعى الثانى كان طالبا بجامعة فينا، وخلال العام الدراسى 1957/ 1958 اتصل بعلم الادارة العامة للبعثات أن فريقا من الطلاب المصريين الذين يدرسون بالنمسا يسيئون الى سمعة البلاد اساءة بالغة ويرتكبون من الآثام ما يجعل سمعتها مضغة فى أفواه الاجانب ويحط من كرامة المواطن فى الدولة الاجنبية وذلك من جميع النواحى السياسية والاقتصادية. وقد طلبت الوزارة من مكتب البعثات بفينا ان يوافيها بأسماء الطلاب الذين يعصفون بكرامة بلادهم ولا خير من بقائهم فى الخارج، فأرسل اليها بيانا بهؤلاء الطلاب، ومن بينهم المدعى الثانى، وذكر أنه بسبب هبوط سعر الجنيه المصرى اعتصم هو وفريق من زملائه بدار سفارة الجمهورية العربية المتحدة بفينا مطالبين بتحسين الموقف تحت ستار هذا التهديد، وقد أسدى اليهم النصح لما فى هذا الاعتصام من اساءة الى سمعة الوطن فى الخارج ولكنهم لم يرتدعوا، وكان المدعى الثانى من قادة هذه الحركة. وقد اضطر مكتب البعثات بفينا للاتصال بالوزارة لتدارك الامر. واذ كان الطالب المذكور من المتزعمين لحركة الاعتصام فقد أصدرت وزارة التربية والتعليم قرارا فى 28 من ديسمبر سنة 1958 برفع الاشراف العلمى والمالى عنه هو وزملاؤه دون استثناء، واخطرت بذلك الادارة العامة للهجرة والجوازات والجنسية بوزارة الداخلية التى أصدرت قرارها للبعثات الدبلوماسية والقنصلية فى الخارج بعدم تجديد جوازات سفر هؤلاء الطلاب بعد أن رفع عنهم الاشراف العلمى والمالى. وقد دفعت وزارة الداخلية بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد واستندت فى ذلك الى أن القرار الوزارى برفع الاشراف العلمى والمالى عن المدعى الثانى صدر فى 28 من ديسمبر سنة 1958 مستهدفا مصلحة البلاد والمحافظة على كرامتها بعد ما تبين من ان بعض الطلاب يعصفون بكرامتها ويستنزفون أرصدتها واموال ذويهم فى غير طائل أو منفعة. ولم يطعن المذكور على هذا القرار وانما قصر طعنه على قرار ادارة الهجرة والجوازات الصادرة فى 15 من ديسمبر سنة 1959 بعدم تجديده جواز سفره، وهو القرار الذى صدر تبعا لقرار وزارة التربية والتعليم برفع الاشراف الذى أصبح حصينا من الالغاء لعدم الطعن فيه فى الميعاد والذى صدر فى 28 من ديسمبر سنة 1958 وأبلغ الى والد الطالب فى 28 من يناير سنة 1959. واذ كانت عريضة الدعوى قد أودعت فى 23 من ديسمبر سنة 1959 فان الطعن يكون غير مقبول لتقديمه بعد الميعاد. وقالت فى الموضوع ان القرار المطعون فيه سليم ومشروع اذ التزم فيه مصدره حدود القانون وأملته المصلحة العامة بل السياسة العليا للبلاد مما ينفى عنه عيب الانحراف بالسلطة الذى ينعاه عليه المدعيان. ذلك أنه يبين من قرار مجلس الوزراء الصادر فى 26 من يونية سنة 1956 فى شأن تنظيم السفر للخارج. ومن المادتين 41، 43 من القرار الجمهورى بالقانون رقم 112 لسنة 1959 الصادر فى 16 من مايو سنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية أن سلطة ادارة الجوازات بالنسبة الى الطلبة الذين يتلقون العلم فى الخارج فى منحهم جوازات سفر أو تجديدها أو منحهم تأشيرات الخروج هى سلطة مقيدة بموافقة وزارة التربية والتعليم التى هى الجهة المهيمنة على الطلاب فى الخارج. ومن ثم فان قرار سحب جواز سفر المدعى الثانى هو قرار يتمشى مع قرار رفع الاشراف العلمى والمالى عنه. بل نتيجة لازمة وأثر حتمى له. واذ كان قرار رفع الاشراف قد أصبح حصينا من الالغاء بسبب عدم الطعن فيه. فان قرار ادارة الجوازات يكون بالتالى سليما ومشروعا وقائما على سببه، ويكون طلب وقف تنفيذه مستحق الرفض لعدم جدية الدعوى من ناحية، ولعدم وجود خطر يتعذر تداركه من ناحية أخرى، لان الخطر انما هو فى بقاء أمثال المدعى الثانى فى بلاد أجنبية مع ما يأتيه من أعمال تسئ الى سمعة بلاده. كما يكون طلب الغائه واجب الرفض كذلك لصدوره بباعث المحافظة على مصلحة عليا للبلاد وخلوه من عيب اساءة استعمال السلطة. ولا حجة فى القول بأن ما نسب الى المدعى الثانى ليس من الجسامة بحيث يبرر حرمانه من مواصلة دراسته وان كان يعد تهورا وطنيا لان تقدير ذلك، انما هو من ملاءمات الادارة التى تترخص فيها بما لا معقب عليها. وقد رأت الدولة فى مسلك المذكور وما ارتكبه من أمور شائنة خطورة لا يمكن أن تقف امامها مكتوفة اليد. فاتخذت ازاءه الاجراء الذى استوجبته مصلحة البلاد والمحافظة على كرامتها وسمعتها. وخلصت الحكومة من هذا الى طلب "الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد. واحتياطيا برفض الدعوى. وفى طلب وقف التنفيذ برفضه وذلك مع الزام المدعيين بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة فى جميع الاحوال ".
وقد قدم المدعيان مذكرة بأقوالهما رددا فيها دفاعهما الواردة بصحيفة دعواهما واضافا اليه أنهما حصلا من جامعة فينا على تقرير مفصل فى 10 من فبراير سنة 1959 بأوجه نشاط المدعى الثانى من الناحيتين العلمية والعملية يبين منه أنه لا يوجد أى سبب يؤدى الى رفع الاشراف عنه وحرمانه من دراسته التى سار فيها شوطا بعيدا حتى أصبح على وشك الانتهاء منها والحصول على الشهادة النهائية مما يجعله جديرا بحماية القانون ورعاية الجمهورية العربية المتحدة التى تعمل على نشر التعليم بدلا من القضاء على مستقبله، مع ماهو مشهود له به من حسن السير والسلوك. واختتما مذكرتهما بالتصميم على طلباتهما المبينة بصحيفة الدعوى.
وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهت فيه لما أبدته به من أسباب الى أنها ترى "الحكم بالغاء القرار الادارى السلبى بامتناع وزير الداخلية عن تجديد جواز سفر المدعى الثانى مع الزام الحكومة بالمصروفات".
وبجلسة 15 من مارس سنة 1960 قضت محكمة القضاء الادارى "بوقف تنفيذ القرار المطعون" واستندت فى ذلك الى أنه ثبت لها من الاوراق أن مكتب البعثات بفينا قدم تقريرا بأن المدعى الثانى أدى عددا مهما من الامتحانات وأنه واصل دراسته بجد واجتهاد بعد رفع الاشراف العلمى عنه ونجح فى امتحان عقد فى 21 من مايو 1959، وان المكتب يرى اختباره باعادة وضعه تحت الاشراف العلمى لمدة فترة دراسية أخرى حتى نهاية العام الدراسى الصيفى ثم يعاد النظر فى أمره، ولكن الوزارة لم توافق على هذا الرأى. وقد استعلمت المحكمة من ادارة البعثات بوزارة التربية والتعليم عن الافعال التى نسبت الى المدعى الثانى وأدت الى رفع الاشراف العلمى عنه، فأجابت الوزارة بأن كل ما نسب اليه هو اعتصامه بمبنى السفارة مع بعض زملائه احتجاجا على هبوط سعر الجنيه المصرى وتذمرهم من سوء حالتهم المالية ورفع الاشراف العلمى عن طالب يدرس خارج البلاد لا يقتضى بذاته ضرورة عدم تجديد جواز سفره لارغامه على العودة قبلما يستكمل دراسته. الا اذا كان رفعه يرجع الى أسباب تنبئ عن عدم جدوى استمرار الطالب فى دراسته لتكرار رسوبه أو عن سلوكه مسلكا مشينا يحط من قدر مواطنيه فى نظر الاجانب. ولم تقل ادارة البعثات بأن المدعى الثانى غير مجد فى دراسته، بل شهدت له بالمواظبة وبأداء عدد مهم من الامتحانات. كما أن اعتصامه مع فريق من زملائه بمبنى السفارة احتجاجا على خفض سعر الجنيه المصرى. وان كان يعد منه تهورا وطنيا، الا أنه ليس من الجسامة بحيث يبرر حرمانه من مواصلة دراسته، وهو ان صح سببا لرفع الاشراف العلمى والمالى عنه حتى لا تتحمل الحكومة عبء الاشراف العلمى على دراسته فى الخارج ومسئولية تدبير المال اللازم لمواصلة هذه الدراسة. فانه لا يصلح سببا لعدم تجديده جواز سفره حتى يتسنى له اتمام دراسته التى قطع فيها شوطا مهما بوسائله الخاصة وتحت مسئوليته. وبذلك يكون طلب وقف التنفيذ قائما على أسباب جدية تبرر اجابته اليه، لما يترتب على التنفيذ من نتائج قد يتعذر تداركها مستقبلا وأضرار قد لا يعوضها مال.
وبجلسة أول نوفمبر سنة 1960 قضت المحكمة "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها، وفى الموضوع بالغاء القرار السلبى الصادر من وزارة الداخلية بالامتناع عن تجديد جواز سفر المدعى، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل اتعاب المحاماة" واقامت قضاءها فيما يتعلق بقبول الدعوى على أن دفع الحكومة مردود بأن الدعوى رفعت للطعن فى القرار السلبى بامتناع وزرة الداخلية عن تجديد جواز سفر المدعى الثانى، ولم يوجه أى طعن ضد وزارة التربية والتعليم عن قرارها برفع الاشراف العلمى عنه. وما دام الطعن موجها لقرار سلبى بالامتناع فان الميعاد يظل مفتوحا، ولا يجوز أن يتأثر ميعاد الطعن فى هذا القرار بفوات ميعاد الطعن فى قرار وزارة التربية والتعليم اذ لا رابطة بين الاثنين، ومن ثم يكون دفع الحكومة فى غير محله متعينا رفضه. ورددت فى الموضوع ذات الاسباب التى بنت عليها قضاءها فى وقت التنفيذ، وانتهت منها الى ان القرار المطعون فيه قد وقع مخالفا للقانون متعينا الحكم بالغائه.
وبتقرير طعن مودع سكرتيرية هذه المحكمة فى 12 من مايو سنة 1960 طعنت وزارة الداخلية فى حكم وقف التنفيذ الصادر بجلسة 15 من مارس سنة 1960 بالطعن رقم 1505 لسنة 6 القضائية طالبة "احالة الطعن على دائرة فحص الطعون لتقرر احالته على المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه، مع الزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة". واستندت فى اسباب طعنها الى ان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون واخطأ فى تأويله وتطبيقه لان القرار المطعون فيه القاضى بعدم تجديد جواز سفر المدعى الثانى انما صدر تبعا لقرار وزارة التربية والتعليم برفع الاشراف العلمى والمالى عن المذكور وهو الذى اكتسب حصانة تعصمه من الالغاء بعدم الطعن فيه فى الميعاد القانونى كما ان سلطة ادارة الجوازات بالنسبة الى الطلبة الذين يتلقون العلم بالخارج فى منح جواز سفر أو تجديده أو منح تأشيرة الخروج، هى سلطة مقيدة بموافقة وزارة التربية والتعليم المهيمنة على هؤلاء الطلاب والتى لقرارها برفع الاشراف العلمى عنهم أثره فى بقائهم فى الخارج ومنحهم التأشيرات المؤدية لذلك. وحكم القانون فى هذا واضح من قرار مجلس الوزراء الصادر فى 26 من يونية سنة 1956 فى شأن تنظيم السفر للخارج ومن المادتين 41، 43 من القرار الجمهورى رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية. ولما كان قرار سحب جواز السفر قد صدر نتيجة لقرار رفع الاشراف الذى أصبح حصينا من الالغاء، فانه يكون سليما ومشروعا وقائما على سببه المبرر له قانونا. والثابت من تقرير ادارة البعثات ان المدعى الثانى قد اساء سمعة البلاد، وتقدير خطورة مسلكه فى الاعتصام مع فريق من زملائه بمبنى السفارة الذى اعتبره الحكم المطعون فيه أنه ليس من الجسامة بحيث يبرر حرمانه من مواصلة دراسته، هو من الملاءمات التى تترخص الادارة فى تقديرها بما لا معقب عليها فى ذلك.
وبتقرير طعن ثان مودع سكرتيرية هذه المحكمة فى 29 من ديسمبر سنة 1960 طعنت وزارة الداخلية فى حكم محكمة القضاء الادارى الصادر فى الدفع والموضوع بجلسة أول نوفمبر سنة 1960 بالطعن رقم 445 لسنة 7 القضائية طالبة "احالة الطعن على دائرة فحص الطعون لتقرر باحالته على المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه، مع الزام المطعون ضدهما بالمصاريف ومقابل اتعاب المحاماة" واستندت فى ردها على ما قضى به الحكم المطعون فيه من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى الى ان قرار رفض تجديد جواز السفر انما جاء نتيجة لقرار وزارة التربية والتعليم برفع الاشراف العلمى لكون سلطة ادارة الجوازات فى هذا الشأن سلطة مقيدة بموافقة وزارة التربية والتعليم، ومن ثم فان قرار رفض تجديد جواز السفر يتمشى مع قرار رفع الاشراف ويترتب عليه، ولما كان قرار رفع الاشراف قد صدر فى 28 من ديسمبر سنة 1958 واخطر به المدعى الاول فى 28 من يناير سن 1959 ولم ترفع الدعوى الا فى 23 من نوفمبر سنة 1959 فان الطعن يكون مرفوعا بعد الميعاد. ورددت فى تعقيبها على ما قضى به الحكم المطعون فيه فى الموضوع ذات الاسانيد التى سبق أن أبدتها فى طعنها الاول فى الحكم الصادر فى طلب وقف التنفيذ.
وقد عقبت هيئة مفوضى الدولة على هذين الطعنين بمذكرتين بالرأى القانونى مسببا انتهت فيهما الى أنها ترى ضم الطعنين رقم 1505 لسنة 6 القضائية ورقم 445 لسنة 7 القضائية احدهما الى الآخر للحكم فيهما معا. مع قبولهما شكلا ورفضهما موضوعا، والزام الحكومة الطاعنة بالمصروفات. وأسست رأيها على ان القرار المطلوب الغاؤه هو القرار السلبى بامتناع جهة الادارة عن تجديد جواز سفر المدعى الثانى، وهو غير القرار الصادر برفع الاشراف العلمى عنه، ولا تلازم بين القرارين اذ ان كلا منهما ينشئ مركزا قانونيا يجوز الطعن فيه استقلالا، ولا يتأثر ميعاد الطعن فى أحدهما بميعاد الطعن فى الآخر. وعلى هذا يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق حين قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى. على ان قرار رفع الاشراف العلمى عن المدعى الثانى لا يستتبع حتما سحب جواز سفره، اذ لكل من هذين القرارين كيانه وذاتيته المستقلة، ولا تلازم بينهما. ومناط رفع الاشراف عن الطالب وفقا لنص المادة 42 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 112 لسنة 1959 هو رسوبه سنتين متتاليتين أو كونه غير محمود السيرة أو غير محافظ على سمعة البلاد، أما وقف تجديد جواز السفر فمناطه ان يكون وجوده فى الخارج فيه اضرار بالمصلحة العامة، ومن ثم فلكل من القرارين مجاله المستقل، ولا حجة فى القول بأن القرار الثانى نتيجة وأثر للقرار الاول الذى اكتسب حصانة بعدم الطعن فيه مما يجعل القرار الثانى مشروعا، ولا حجة فى ذلك لانه من الجائز الطعن فى أى من القرارين استقلالا عن الآخر. وبذا يكون ما قرره الحكم المطعون فيه من ان رفع الاشراف لا يقتضى بالضرورة عدم تجديد جواز سفر الطالب فى محله. واذا كان لادارة البعثات حرية تقدير ما اذا كان مسلك الطالب يسئ الى سمعة البلاد أم لا، وما اذا كان استمراره فى الخارج يضر بالصالح العام من عدمه فان سلطتها فى ذلك ليست مطلقة بل يجب أن يكون تقديرها للافعال وتكييفها للوقائع قائما على أساس سليم ومستخلصا استخلاصا سائغا، الامر الذى يخضع بلا ريب لرقابة القضاء الادارى والحال ان واقعة اعتصام المدعى الثانى مع زملائه بمنى السفارة احتجاجا على خفض سعر الجنيه المصرى لا تدل بذاتها على مسلك مشين يسئ الى سمعة البلاد، أو على أن وجوده فى الخارج مما يضر بالصالح العام. وحتى لو جاز لجهة الادارة أن تتذرع باستنكار التعبير عن الرأى بهذه الصورة لرفع الاشراف عنه، فان هذا لا يرقى الى درجة الجسامة والخطورة التى تبرر عدم جواز تجديد جواز سفره وحرمانه من مواصلة دراسته. ومن ثم يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون واجب الرفض.
ومن حيث ان حكمى محكمة القضاء الادارى المطعون فيهما قد أصابا الحق فيما انتهيا اليه من قضائهما سواء فيما يتعلق بطلب وقف التنفيذ أو فى الدفع بعدم قبول الدعوى أو فى الموضوع، وذلك لما بنيا عليه من أسباب تضيف اليها هذه المحكمة تأييدا لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى ولقبولها: ان القرار الادارى الذى يستهدف المدعيان الغاءه هو القرار السلبى الصادر من وزارة الداخلية بالامتناع عن تجديد جواز سفر المدعى الثانى، وهو غير القرار الادارى الصادر من وزارة التربية والتعليم برفع الاشراف العلمى والمالى عنه، اذ لكل من هذين القرارين كيانه الخاص وذاتيته المستقلة. وما قرار رفع الاشراف الا مجرد سبب لقرار عدم تجديد جواز السفر وركن من أركانه بمالا يفنى ثانيهما فى الاول، ولا سيما ان كلا منهما صادر من جهة ادارية مختلفة، وفى تاريخ متباعد، ولا يجعل من ترتب احدهما على الآخر وجها للتلازم بينهما، اذ ان كلا منهما ينشئ فى حق صاحب الشأن مركزا قانونيا مغايرا للآخر يجوز الطعن فيه استقلالا ومن ثم لا يرتبط ميعاد الطعن فى أحدهما بميعاد الطعن فى الآخر ولا يتأثر به، خاصة وانه يبين من ملف المدعى الثانى بالادارة العامة للبعثات بوزرة التربية والتعليم رقم 1028 انه بارح القطر المصرى الى النمسا لدراسة الهندسة بجامعة فينا فى أول نوفمبر سنة 1955 قبل صدور قرار مجلس الوزراء فى 26 من يونية سنة 1956 فى شأن تنظيم السفر للخارج الذى اشترط فيمن يرغب فى تلقى العام بالخارج أن يحصل على اجازة خروج بعد الحصول على ترخيص من السلطات الحكومية المختصة، وقبل صدور القرار الجمهورى بالقانون رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية والمنح بالجمهورية العربية المتحدة الذى نص فى المادة 41 منه على عدم جواز تأشيرة الخروج أو تحويل النقد لطالب من أبناء الجمهورية العربية المتحدة الا اذا وافقت ادارة البعثات على ذلك هذا الى أن المادة 43 من القانون المشار اليه قد نصت على أن "يرفع الاشراف عن كل طالب يرسب سنتين متتاليتين فى صف واحد، أولا يكون محمود السيرة محافظا على سمعة بلاده.. وفى جميع الاحوال التى يرفع فيها الاشراف، ويتبين لادارة البعثات ان استمرار الطالب فى الخارج فيه اضرار المصلحة العامة ان تبلغ الجهات المختصة لوقف تجديد جواز سفره ووقف تحويل النقد اليه عن طريقها كما تبلغ ادارة التجنيد أمر رفع الاشراف عنه" وبذلك جعل الشارع مناط رفع الاشراف عن الطالب الذى يدرس فى الخارج هو رسوبه سنتين متتاليتين فى صف واحد أو كونه غير محمود السيرة غير محافظ على سمعة بلاده، وجعل مناط وقف تجديد جواز سفره ووقف تحويل النقد اليه هوأن يكون فى استمراره فى الخارج اضرار بالمصلحة العامة فى حالة رفع الاشراف عنه، مما يؤيد ان لكل من القرارين مجاله الخاص المستقل وان رفع الاشراف فى ذاته لا يقتضى لزوما وقف تجديد جواز سفر الطالب، اذ ان وقف التجديد هذا يتطلب الى جانب وجوب توافر اسباب رفع الاشراف تحقق شرط آخر هو ان يتبين ان استمرار الطالب فى الخارج فيه اضرار بالمصلحة العامة.
ولما كانت النشرة رقم 50/ وثائق/ 59 الصادر من وزارة الداخلية بعدم تجديد جواز سفر المدعى الثانى لرفع الاشراف العلمى والمالى عنه قد صدرت فى 15 من ديسمبر سنة 1958 كما هو ثابت من ملف المذكور رقم 47535/ 100 وكانت الدعوى الحالية قد رفعت بايداع صحيفتها سكرتيرية محكمة القضاء الادارى فى 23 من ديسمبر سنة 1959 بطلب الغاء هذا القرار، فانها تكون مقبولة شكلا لرفعها فى الميعاد القانونى ويكون دفع الحكومة بعدم قبولها فى غير محله واجب الرفض على نحو ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه.
ومن حيث ان هذه المحكمة تضيف ايضا الى ما جاء بأسباب الحكم المطعون فيما يتعلق بالموضوع ان الثابت من ملف الادارة العام للبعثات بوزارة التربية والتعليم الخاص بالمدعى الثانى رقم 1028 أن التقارير الدراسية المقدمة عنه من مدير البعثة التعليمية بفيينا حتى 16 من نوفمبر سنة 1961، وكذا من مدير مدرسة الهندسة العليا بفينا التى يدرس بها الهندسة الكهربائية تدل على أدائه عددا من الامتحانات ونجاحه فيها ومكافحته لمواصلة دراسته وانتظامه وتفوقه فيها ومواظبته على الحضور واستقامة أحواله وتصرفاته وقطعه مرحلة دراسية، وتوصى باعادة وضعه تحت الاشراف على سبيل الاختبار لفترة دراسية مع خمسة آخرين من زملائه من بين اثنين وعشرين طالبا ممن نسب اليهم الاعتصام بدار سفارة الجمهورية العربية المتحدة بفينا على أثر هبوط سعر الجنيه المصرى مطالبين بتحسين الموقف. وظاهر من الاوراق، ومن مذكرات الحكومة ودفاعها أن كل ما هو مأخوذ على المذكور مما كان السبب فى رفع الاشراف العلمى والمالى عنه هو اشتراكه فى هذا الاعتصام بين متزعمين، وان موافقة مكتب البعثات على اعادة وضعه تحت الاشراف على سبيل الاختبار لفترة دراسية مع خمسة آخرين من زملائه دون باقى الاثنين والعشرين طالبا الذين أخذت على مسلكهم أمور تسئ الى سمعة البلاد فى الخارج دليل على عدم اشتراكه مع هؤلاء الآخرين فيما نسب اليهم من هفوات لم ير المكتب ازاء جسامتها امكان التجاوز عنها معهم، على عكس الحال بالنسبة الى المدعى الثانى وزملائه الخمسة. واذا كان مسلك المذكور وزملائه فى هذا الاعتصام فيما يحمله من معانى التهديد والاحتجاج والتذمر هو لا ريب تهور وطيش وتطرف فى التعبير عن الرأى ما كان ينبغى أن يلجئوا اليه كأسلوب مشروع للشكوى من سوء حالتهم المالية لما قد يكون له من صدى سيئ فى ذلك البلد الاجنبى يمكن أن يستغل ضد الوطن استغلالا ضارا به أو أن يؤثر فى سمعته الاقتصادية تأثيرا ما كان يجدر أن يفوتهم ادارك نتائجه وهم أبناء هذا الوطن، الا أنه من ناحية أخرى ينطوى على معنى الالتجاء الى بقعة من أرض وطنهم فى رحاب أهلهم وذويهم التماسا لحدبهم ومعونتهم، والاحتماء ببيتهم الكبير وملاذهم الذى يتطلعون اليه فى غربتهم وقت الشدة لا سماع أولى الامر القوامين على رعاية مصالحهم ظلامتهم الصادرة عن باعث لا من العبث المجرد أو الاستهتار بل من الحرص على توفير الطمأنينة المالية لانفسهم حتى ينصرفوا الى دراستهم غير مشغولى البال بشئون اقامتهم ومعاشهم. وبين براءة القصد وخطأ الوسيلة مجال تشفع المصلحة العامة ذاتها فى ترجيح جانب التسامح فيه على شرعة القصاص، حتى لا يعصف بمستقبل طالب يعد نفسه لخدمة وطنه ونفع بلاده بثقافة علمية عالية، ولا سيما اذا روعى انه يدرس على نفقته الخاصة الهندسة الكهربائية التى تحتاج البلاد فى وثبتها الصناعية والانشائية الراهنة الى الاستزادة من المتخصصين فيها، وأنه قطع فى هذه الدراسة شوطا غير يسير، وان تقاريره الدراسية تنبئ عن انتظامه فيها ونجاحه فى امتحاناتها واستقامة سلوكه بعد الذى بدر منه، مما لا شك معه أن فى تمكينه من استكمالها مصلحة عامة أجدى على البلاد من اعادته اليها فردا تافها أو عضوا عاطلا عالة على المجتمع، وهى مصلحة تربو على تلك التى يمكن أن تتحقق بالاقتصاص منه على تصرفه الخاطئ بحرمانه من مواصلة تلك الدراسة.
واذا صح ان وزارة التربية والتعليم قد قررت رفع الاشراف العلمى والمالى عنه، وان قرارها هذا قد تحصن بعدم الطعن فيه بطلب الغائه فى الميعاد القانونى فأصبح معصوما من الالغاء، فان عدم التلازم بينه وبين قرار عدم تجديد جواز سفر المدعى الثانى، على نحو ما سلف بيانه، لا يستلزم ضمنا وبمجرد تحصن القرار الاول عدم تجديد هذا الجواز وحرمان المذكور من مواصلة دراسته بوسائله الخاصة، متى كانت الشروط الخاصة المبررة لعدم التجديد فى ذاته، وهى كون استمرار بقاء الطالب فى الخارج فى حالة رفع الاشراف عنه ضارا بالمصلحة العامة كما نصت على ذلك المادة 43 من القانون رقم 112 لسنة 1959 غير متوافرة.
وتقدير ما اذا كان استمرار الطالب فى الخارج فيه اضرار بالمصلحة العامة أم لا، وان كان من الملاءمات التى تترخص فيها الادارة الا أن سلطتها فى ذلك ليست سلطة مطلقة اذ يجب ان يكون تقديرها للافعال وتكييفها للوقائع المكونة لهذا الشرط متى ثبت قيامها ماديا مستخلصا استخلاصا سائغا سليما يؤدى الى النتيجة التى انتهت اليها الامر الذى يخضع ولا ريب لرقابة القضاء الادارى.
ومن حيث انه لكل ما تقدم يكون الحكمان المطعون فيهما قد صادفا الصواب فى قضائها ويكون الطعنان المضمومان المرفوعان عنهما من الحكومة على غير اساس سليم من القانون متعينا رفضهما مع الزام الحكومة بمصروفاتهما.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفى الموضوع برفضهما، والزمت الحكومة بالمصروفات.