مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 404

(46)
جلسة 20 من فبراير سنة 1960

برياسة السيد/ سيد على الدمراوى نائب رئيس المجلس وعضوية السادة السيد ابراهيم الديوانى وعلى بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور، المستشارين.

القضية رقم 578 لسنة 4 القضائية

( أ ) طعن - طعن هيئة مفوضى الدولة - اقتصاره على الطعن فى تحديد تاريخ استحقاق الفروق المالية الناتجة عن تسوية معينة - للمحكمة الادارية العليا أن تتصدى لبحث صحة التسوية التى قضى بها الحكم لتنزيل حكم القانون على الوجه الصحيح فى المنازعة الادارية المطروحة باعتبارها وحدة مرتبطة.
(ب) كادر العمال - التطبيقات التى أوردها المشرع للتدرج فى أول مربوط الأجر لبعض العمال العاديين - تفاوته تبعا لدرجة أهمية العمل الذى يؤديه العامل وأن كان هو ذات العمل - مثال بالنسبة لمهنة محولجى.
(جـ) كادر العمال - اعتبار المحولجى المعنى بالكادر فى الفئة 140/ 300 مليم هو فقط المحولجى التملى وأن ما دون ذلك من ظهورات أو روسبيت انما هو عامل عادى فى سبيل التدرج على اعمال المحولجية لاعداده لوظيفة محولجى تملى - اطلاق اسم محولجى ظهورات أو محولجى روسبيت على العامل العادى - عدم انطوائه على تجزئة للوظيفة الواحدة أو خروج على قواعد كادر العمال - اعتباره من قبيل التنظيم الذى تقتضيه طبيعة العمل ببيان اتجاه تأهيل العامل.
1 - أنه ولئن كان طعن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة قد أقر الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الادارية فيما قضى به من تسوية حالة المدعى باعتباره فى مهنة محولجى فى الدرجة (140/ 300 مليم) من بدء التعيين مع ما يترتب على ذلك من آثار وانحصرت مخالفته له فى تحديد تاريخ استحقاق الفروق المالية الناتجة عن هذه التسوية والتى لم يلحقها التقادم الخمسى، الا أن الطعن، وقد قام أمام هذه المحكمة، يفتح أمامها الباب لوزن الحكم المطعون فيه برمته فيما تناوله قضاؤه وانزال حكم القانون على الوجه الصحيح فى المنازعة الادارية المطروحة باعتبارها وحدة مرتبطة غير قابلة للتجزئة، اذ أن استحقاق الفروق المالية هو نتيجة تترتب على أصل يتعين ثبوت تحققه أولا، وهو صحة التسوية التى قضى بها الحكم. ومن ثم وجب التصدى لبحث ما اذا كان المدعى يستحق تسوية حالته فى المهنة والدرجة اللتين قررهما له هذا الحكم وبالاجر الذى حدده له أم لا، لمعرفة ما اذا كان يستحق أو لا يستحق فروقا مالية تبعا لذلك، والمدة التى يستحق عنها هذه الفروق أن كان له وجه حق.
2 - لقد أورد المشرع فى الكشف رقم 1 الملحق بكادر عمال اليومية والخاص بالعمال العاديين تطبيقات للتدرج فى أول مربوط الاجر لبعض هؤلاء العمال وتفاوته تبعا لدرجة أهمية العمل الذى يؤديه وأن كان هو ذات العمل. ولما كانت أهمية العمل هى مناط تدرج بداية مربوط الاجر وتفاوته فيما يتعلق بالعمال العاديين، وهى الاساس الذى يقوم عليه تقدير بداية أجورهم والفئة التى يوضعون فيها، ولما كان المحولجى بحكم طبيعته يتطلب مرانا فنيا خاصا، ويقتضى الالمام بطريقة تشغيل الخط المزدوج والمفرد وتنوير العربات بواسطة عصا المناورة، واشهار علامة الخطر اليدوية فى حالة تعطيل الخط، وتشغيل معداوى على الخط المفرد عند تعطيل العدد أو حالة التهدئة لوجود تصليحات فى الخط، ومقابلة القطارات الصاعدة والنازلة واعطاء علامة القيام للسائق واستعمال الإشارات فى الأجواء العادية ووقت الضباب والزوابع وعند اجراء المناورات أو سير القطارات فى اتجاه مخالف واستعمال مصباح الاشارة، وتشغيل القطارات على طريقة البلوك وغيرها بالخطوط المزدوجة والتصرف فى حالة اختلاف السيمافورات أو وقوف القطارات بسبب الحوادث أو الخلل أو المعارضات، وإدخال العربات الى المخازن المنحدرة، واجراء مناورة العربات المشحونة بمواد قابلة للكسر أو للفرقعة، واستعمال اشارات الضباب والاذرع كالاشارات، وكلها أعمال تتصل بسلامة الخطوط ويحتاج الالمام بها الى تعلمها والتدرب عليها، ولما كان هذا هو شأن عمل المحولجى وتلك هى اختصاصاته وواجباته، وكانت طبيعة عمله هذا تجعل تمرسه به لا يكتسب الا بمباشرته فعلا داخل المصلحة نظرا الى النظم الفنية والأسباب الخاصة التى تتبعها فى ادارة مرفق السكك الحديدية الذى تقوم عليه، فلا تثريب على المصلحة اذا اقتضاها صالح العمل لحسن سير المرفق أن تجعل المرشح لهذه الوظيفة يتدرج قبل التعيين فيها مبتدئا بعمل محولجى ظهورات أو بعبارة أخرى تلميذ محولجى فى أدنى فئات العامل العادى بأجر يومى بدايته 100 مليم، ثم يعين أخيرا فى وظيفة محولجى تملى بأجر يومى مقداره 140 مليما على اعتباره أن هذه الأخيرة هى وظيفة المحولجى بمعنى الكلمة، مراعية فى ذلك أهمية ما يسند اليه من أعمال وبدئه بأبسطها وأيسرها مسؤولية ثم استمرارها مرانه فى المرحلتين الاوليين بوصفها مرحلتى تمرين واعداد تمهيدا للتعيين فى وظيفة محولجى المقصودة بالكشف رقم 1 الملحق بكادر العمال، بحيث لا يمنح أجر هذه الوظيفة الا من يشغلها بالفعل.
3 - اذا اعتبرت الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية أن المحولجى وأن أطلق عليه تجاوزا اسم محولجى ظهورات أو محولجى روسبيت لمجرد بيان اتجاه تأهيله، فان هذا التنظيم الذى تقتضيه طبيعة العمل بالهيئة فى هذا الفرع من الوظائف لا ينطوى على تجزئة للوظيفة الواحدة أو خروج على قواعد كادر العمال، كما لا يعد استثناء من قبيل ما خوله الكادر لوزارة المالية وحدها، مما نقلت السلطة فيه قيما بعد الى ديوان الموظفين بقرار مجلس الوزراء الصادر فى 5 من مايو سنة 1954.


اجراءات الطعن

فى 24 من مايو سنة 1985 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 578 لسنة 4 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بجلسة 25 من مارس سنة 1958 فى الدعوى رقم 82 لسنة 5 القضائية المقامة من: على قاسم برعى ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية، والقاضى "بأحقية المدعى فى تسوية حالته باعتباره فى مهنة محولجى فى الدرجة 140 - 300 م من بدء التعيين مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبصرف الفروق المالية المستحقة من 22 يناير سنة 1953، وألزمت المصلحة المصروفات وبأن تدفع للمدعى مبلغ مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة ". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقية المدعى فى تسوية حالته باعتباره فى مهنة محولجى فى الدرجة 140 - 300 من بدء التعيين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبصرف الفروق المالية المستحقة من 19 نوفمبر سنة 1952، والزام المدعى عليها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن الى الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية فى أول يوليه سنة 1958، والى المطعون لصالحه فى 13 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 2 من يناير سنة 1960، وفى 6 من أغسطس سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا لنظره بجلسة 20 من فبراير سنة 1960. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 82 لسنة 5 القضائية ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية أمام المحكمة الادارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة فى 5 من ديسمبر سنة 1957 بناء على القرار الصادر لصالحه من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة بجلسة 7 من سبتمبر سنة 1957 فى طلب الاعفاء رقم 606 لسنة 4 القضائية، وذكر بيانا لدعواه أنه عين بوظيفة محولجى روسبيت على عمل دائم بمصلحة السكك الحديدية اعتبارا من 19 من نوفمبر سنة 1952 بأجر يومى قدره مائة مليم بلغ بعد ذلك 130 مليما. ولما كان كادر العمال يقضى بوضعه عند تعيينه فى الدرجة 140/ 240 التى رفعت بعد ذلك الى 140/ 300 وهى الدرجة المخصصة لوظيفة محولجى روسبيت من بدء التعيين، وكانت المصلحة لم تقم بتسوية حالته على هذا الأساس فانه يطلب "الحكم على المدعى عليه باستحقاق الطالب لوضعه فى الدرجة 140/ 240 التى رفعت الى الدرجة 140/ 300 المخصصة لوظيفة محولجى ومنحه أجرة قدرها 140 مليما من تاريخ التحاقه بالخدمة فى 19 من نوفمبر سنة 1952 بوظيفة محولجى، وتسوية حالته على هذا الأساس طبقا لكادر العمال، مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية، مع الزام المدعى عليه المصروفات وأتعاب المحاماة". وقد ردت الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية على هذه الدعوى بأن المدعى عين بها فى وظيفة محولجى روسبيت اعتبارا من 30 من يونية سنة 1955 فى الفئة (120/ 300 مليم). وأن وظيفة محولجى هى وظيفة فنية ذات مران خاص اذ تقتضى من القائم بها الالمام بطريقة تشغيل الخط المزدوج والمفرد، وتقدير العربات بواسطة عصا المناورة، واشهار علامة الخطر اليدوية فى حالة تعطيل العدد أو فى حالة التهدئة لوجود تصليحات فى الخط، ومقابلة القطارات الصاعدة والنازلة واعطاء علامة القيام للسائق واستعمال الاشارات فى الاجواء العادية ووقت الشابورة والزوابع ولدى اجراء المناورات أو سير القطارات فى اتجاه مخالف، واستعمال قانون الاشارة، وتشغيل القطارات على طريقة البلوك وغيرها بالخطوط المزدوجة، والاحاطة بالواجبات التى تتخذ فى حالة اختلاف السيمافورات أو وقف القطارات بسبب الحوادث أو الخلل أو المعارضات، وبطريقة ادخال العربات الى مخازن منحدرة، وباجراء مناورة العربات المشحونة بمواد قابلة للكسر أو للفرقعة، وكذا باستعمال اشارات الشابورة والأذرع كالاشارات، فالمرشح لهذه الوظيفة يدخل الخدمة بوظيفة محولجى ظهورات أو بعبارة أصح "تلميذ محولجى" ثم يعين فى وظيفة محولجى روسبيت، ثم ينقل لوظيفة محولجى تملى، وهو فى كل هذه الأدوار فى مران مستمر على أعمال هذه الوظيفة التى تتغذى منها وظائف سلك المناورة وسلك البلوك. وقد جاء كتاب وزارة المالية الدورى رقم ف 234 - 9/ 53 المؤرخ 6 من يناير سنة 1945 فى شأن تطبيق كادر العمال بصدد العمال العاديين مثل الفراشين والسعادة والجناينية مؤيدا لفكرة هذا التدرج بحسب أهمية العمل الذى قوم به هؤلاء العمال. فوظيفة محولجى تملى تزيد على سابقتها فى المسئولية والتضلع بالعمل تبعا لنظام التدرج فى التشغيل، ولذلك فانه وفقا للقاعدة التنظيمية التى جرت عليها المصلحة والتى تتبعها باطراد فى التطبيق الفردى يعين المرشح لوظيفة محولجى ظهورات فى الفئة 100/ 300 ثم ينقل لوظيفة محولجى روسبيت فى الفئة 120/ 300 ثم محولجى تملى فى الفئة 140/ 300 تبعا لتزايد مسئولية العمل، ولا يجوز النقل من فئة الى أخرى الا فى حدود الربط المقرر وبشرط وجود وظائف خالية ويبلغ العدد المقرر لكل فئة 245 وظيفة لمحولجى ظهورات و351 لمحولجى روسبيت و433 وظيفة لمحولجى تملى. وعلى هذا الاساس لا تلتزم المصلحة بتعيين المدعى وأمثاله فى الفئة 140/ 300 مباشرة، اذ يجب التزام حدود الاعتمادات المقررة فى الميزانية مادمت هذه الاعتمادات مربوطة على أساس متوسط الدرجات. يضاف الى هذا أن كادر العمال قسم درجات العمال العاديين تبعا لأهمية أعمالهم الى فئات ثلاث تتحد فى نهاية المربوط، وتتراوح أجورها فى بداية هذا المربوط بين مائة مليم و120 مليما و140 مليما، وأن مجلس الوزراء أشار فى قراره الصادر فى 23 من نوفمبر سنة 1944 بوضع العمال العاديين فى الدرجة 120/ 240 مع تخفيض البداية الى 100 مليم بالنسبة للمشتغلين بأعمال بسيطة، ثم وافق بقراره الصادر فى 28 من ديسمبر سنة 1944 على ما جاء بمذكرة اللجنة المالية من أنها ترى أن هناك طائفة من هؤلاء العمال يشتغلون داخل الورش وأن وزارة المالية تقترح رفع بداية الدرجة بالنسبة لهذه الطائفة الى 140 مليما. وعند تطبيق كادر العمال على طائفة المحولجية روعيت فى تحديد بداية مربوط أجورهم الاعتبارات سالفة الذكر تبعا لأهمية العمل وتزايد المسئولية، بحيث يكون هناك محولجى ظهورات أو تلميذ محولجى ومحولجى روسبيت فى الفئتين الأدنيين، ولا يشغل وظيفة محولجى الواردة بالكشوف الملحقة بكادر العمال والمخصصة لها الدرجة 140/ 300 حسب نظام العمل وتدرجه بالمصلحة الا المحولجى التملى الذى يشغل هذه الوظيفة فعلا فى حدود الربط المقرر. ولما كانت المصلحة قد وضعت المدعى طبقا لهذه الاحكام فى الدرجة 140/ 300 من تاريخ شغله لوظيفة محولجى تملى فى حدود الربط، فلا يكون المذكور محقا فى طلب وضعه فى هذه الدرجة من بدء تعيينه. وخلصت الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية من هذا الى طلب "الحكم برفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات. واحتياطيا بسقوط الحق بالتقادم الخمسى". وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأي القانونى مسببا انتهى فيه للأسباب التى أبداها به الى أنه يرى "الحكم بالآتى: أولا - تسوية حالة المدعى بالتطبيق لقواعد كادر عمال الحكومة بوصفه فى الدرجة 140/ 300 المخصصة لوظيفة محولجى منذ بدء تعيينه بتاريخ 22 من يناير سنة 1953 ثالثا - الزام هيئة السكك الحديدية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وبجلسة 25 من مارس سنة 1958 قضت المحكمة الادارية "بأحقية المدعى فى تسوية حالته باعتباره فى مهنة محولجى فى الدرجة 140/ 300 من بدء التعيين مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبصرف الفروق المالية المستحقة من 22 من يناير سنة 1953، وألزمت المصلحة المصروفات، وبأن تدفع للمدعى مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن مهنة محولجى وردت فى الكشف رقم (1) الملحق بكادر العمال تحت عنوان العمال العاديين وخصصت لها الدرجة 140/ 240 التى رفعت بعد ذلك الى 140/ 300 وليس فى هذا الكشف أي تمييز بين المحولجى الروسبيت والمحولجى الدائم، اذ وردت كلمة "محولجى" مطلقة من كل قيد أو وصف مما لا يدع مجالا لتخصيصها أو تقسيمها الى فئات. واذا كانت وزارة المالية قد أشارت فى كتبها الدورية الى وجود ثلاث فئات من العمال العاديين بحسب أهمية أعمالهم، فان هذا لا يؤثر على ما تكفلت به الكشوف المحلقة بكادر العمال من بيان أنواع المهن والوظائف التى تندرج تحت كل فئة، بما لا يسوغ معه السماح لجهة الادارة بالخروج عنه أو الترخص فى أوضاع المهن ومقدراتها حتى لا تتجزأ الوظيفة الواحدة على الفئات الثلاث المخصصة للعمال العاديين، اذ ينبغى التوزيع من الوجهة التى حددها الكادر مع مراعاة هذه الدرجات بحيث لا تعطى أية مهنة غير الدرجة والأجر المحددين لها فى احدى الفئات المذكورة. ولما كان كادر العمال قد خول وزارة المالية وحدها سلطة القيام على حسن تطبيق هذا الكادر وضبط قواعده وتنسيقها بحسب مقتضيات المصلحة العامة وحالة العمل، كما أجاز لها حق الاستثناء من أحكامه دون تفويض غيرها فى ذلك، فان قيام مصلحة السكك الحديدية وهى سلطة أدنى من السلطة واضعة الكادر، ولا تملك تفويضا من هذه الاخيرة بتوزيع وظيفة المحولجى على درجات ثلاث بفئات بحسب أهمية العمل، يكون فى التطبيق العملى خروجا على قواعد كادر العمال واستثناء من أحكامه، وهى سلطة تنفرد بها وزارة المالية دون غيرها من الوزارات والمصالح، بل لا تملك التفويض فيها. ولما كان المدعى قد ألتحق بخدمة مصلحة السكك الحديدية فى فبراير سنة 1943 بوظيفة محولجى، فانه يتعين تسوية حالته بوضعه فى الفئة 140/ 240 المعدلة الى 140/ 300 منذ بدء تعيينه مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية عدا ما سقط من هذه الفروق بالتقادم الخمسى ما لم يكن قد قدم طلبا بذلك قاطعا للتقادم. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة فى هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة فى 24 من مايو سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقية المدعى فى تسوية حالته باعتباره فى مهنة محولجى فى درجة 140/ 300 من بدء التعيين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبصرف الفروق المالية المستحقة من 19 من نوفمبر سنة 1952 والزام المدعى عليها المصروفات". واستند فى أسباب طعنه الى أن تسوية حالة المدعى حسبما قضى به الحكم المطعون فيه يترتب عليها استحقاقه للفروق المالية الناتجة عن هذه التسوية، وهى فروق تسقط بالتقادم الخمسى ما لم يكن صاحب الشأن قد قام باجراء قاطع لهذا التقادم. وقد كان المدعى يشغل وظيفة خفير منفذ، ثم امتحن فى 19 من نوفمبر سنة 1952 لوظيفة محولجى ووجد لائقا والحق فى العمل بمأموريات المحولجية، ولما كان قد قدم تظلما فى 5 من يناير سنة 1957، فانه يستحق الفروق المالية الناجمة عن التسوية المقررة له طبقا لكادر العمال اعتبارا من 19 من نوفمبر سنة 1952، واذ ذهب الحكم المطعون فيه الى غير ذلك فانه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن فى الأحكام أمام المحكمة الادارية العليا.
ومن حيث أن الطعن أمام المحكمة الادارية العليا يفتح الباب أمام هذه المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزنا مناطه استظهار ما اذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الاحوال التى تعيبه فتلغيه ثم تنزل حكم القانون فى المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائبا فى قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن. وللمحكمة العليا عند نظر المنازعة الادارية بناء على الطعن المرفوع اليها أن تنزل حكم القانون فى هذه المنازعة على الوجه الصحيح غير مقيدة بطلبات هيئة مفوضى الدولة أو الأسباب التى تبديها، اذ المرد فى هذا الى مبدأ المشروعية نزولا على سيادة القانون فى روابط هى من روابط القانون العام التى تختلف فى طبيعتها عن روابط القانون الخاص.
ومن حيث أنه ولئن كان طعن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة قد أقر الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الادارية فيما قضى به من تسوية حالة المدعى باعتباره فى مهنة محولجى فى الدرجة 140/ 300 من بدء التعيين مع ما يترتب على ذلك من آثار، وانحصرت مخالفته له فى تحديد تاريخ استحقاق الفروق المالية الناتجة عن هذه التسوية والتى لم يلحقها التقادم الخمسى، الا أن الطعن، وقد قام أمام هذه المحكمة، يفتح أمامها الباب لوزن الحكم المطعون فيه برمته فيما تناوله قضاؤه وانزال حكم القانون على الوجه الصحيح فى المنازعة الادارية المطروحة باعتبارها وحدة مرتبطة غير قابلة للتجزئة، اذ أن استحقاق الفروق المالية هو نتيجة تترتب على أصل يتعين ثبوت تحققه أولا، وهو صحة التسوية التى قضى بها الحكم. ومن ثم وجب التصدى لبحث ما اذا كان المدعى يستحق تسوية حالته فى المهنة والدرجة اللتين قررهما له هذا الحكم وبالأجر الذى حدده له أم لا، لمعرفة ما اذا كان يستحق أو لا يستحق فروقا مالية تبعا لذلك، والمدة التى يستحق عنها هذه الفروق أن كان له وجه حق فيها.
ومن حيث انه جاء فى البند 7 من مذكرة وزارة المالية الخاصة بكادر عمال الحكومة التى وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر فى 23 من نوفمبر سنة 1944 فيما يتعلق بالعمال العاديين "مثل الفراشين والسعادة والعتالين والجناينية ومن شابههم" - هؤلاء تقرر لهم درجة من 120 مليما الى 240 مليما على أن تخفض البداية الى 100 بالنسبة للمشتغلين بالاعمال البسيطة كما جاء فى الفقرة 3 من "القواعد العامة" الواردة فى هذا القرار أنه "لا يجوز الاستثناء من هذه القواعد الا بموافقة وزارة المالية". وقد ردد كتاب وزارة المالية الدورى ملف رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر فى 19 من ديسمبر سنة 1944 بشأن انصاف عمال اليومية ما تقدم بنصه. كذلك ورد فى مذكرة اللجنة المالية المكملة لقرار مجلس الوزراء آنف الذكر والتى وافق عليها المجلس بقراره الصادر فى 28 من ديسمبر سنة 1944 فى البند الخاص بالعمال العاديين "مثل الفراشين والعتالين والسعادة والجناينية - نص قرار مجلس الوزراء المشار اليه على أن يوضعوا فى درجة من 120 مليما الى 240 مليما مع تخفيض البداية الى 100 مليم بالنسبة للمشتغلين بالاعمال البسيطة - وترى وزارة المالية أن هناك طائفة من هؤلاء يشتغلون داخل الورش ولعملهم أهمية خاصة وتقترح وزارة المالية أن ترفع بداية الدرجة بالنسبة لهذه الطائفة الى 140 مليما.....". وتنفيذا لهذا القرار صدر فى 6 من يناير سنة 1945 كتاب وزارة المالية الدورى ملف رقم ف 234 - 9/ 53 ناصا فى البند 4 منه على ما يأتى: "العمال العاديين: مثل الفراشين والسعادة والجناينية - فالذين يشتغلون منهم داخل الورش ولعملهم أهمية خاصة تكون فئة درجاتهم من 140 مليم الى 240 مليما، والذين يشتغلون منهم داخل الورش وعملهم يقل أهمية عن السابقين تكون فئة درجاتهم من 120 مليم الى 240 مليم، أما الذين يقومون منهم بالاعمال العادية فتكون فئة درجاتهم من 100 مليم الى 240 مليما". ثم صدر كتاب وزارة المالية الدورى ملف رقم ف 234 - 1/ 53 فى 16 من أكتوبر سنة 1945 وجاء فى البند 9 منه الخاص بالعمال العاديين "هؤلاء تنقسم درجاتهم حسب أهمية أعمالهم الى ثلاث فئات: الاولى من 100 مليم الى 240 مليما، والثانية من 120 مليم الى 240 مليما، والثالثة من 140 مليم الى 240 مليما". وقد وافق مجلس الوزراء بقراره الصادر بجلسة 12 من أغسطس سنة 1951 على رأى اللجنة المالية بزيادة نهاية ربط درجات هؤلاء العمال العاديين بجعله 300 مليم بدلا من 240 مليما دون تعديل لبداية هذا الربط. وقد تضمن الكشف رقم (1) الخاص بالعمال العاديين والملحق بكادر العمال بعض فئات من هؤلاء العمال تتحد فى طبيعة العمل الذى تقوم به وتتفاوت مع ذلك فى بداية مربوط الاجر وفى الدرجة المخصصة لكل منهم تبعا لاهمية العمل، كعامل الرش بالطرق وعامل الغسيل المقرر لكل منهما بداية قدرها 100 مليم فى أدنى الفئات الفرعية الواردة بالكشف المذكور، وعامل الرش والغسال المقرر لأولهما بداية 120 مليما فى الفئة الفرعية المتوسطة وللثانى بداية 140 مليما فى الفئة الاعلى بالكشف عينه. وكعامل البنزين العادى وعامل طلمبة البنزين المقرر لاولهما 100 مليم وللثانى 120 مليما، وكالعتال خارج الورش والعتال داخلها المقرر لاولهما 120 مليما وللثانى 140 مليما.
ومن حيث أنه يخلص من كل ما تقدم أن مجلس الوزراء اعتبر الفراشين والسعاة والعتالين والجناينية الذين أورد بيانهم على سبيل المثال ومن شابههم من العمال العاديين فى درجة موحدة وقضى فى بادئ الأمر بأن تكون هذه الدرجة من 120 مليما الى 240 مليما على أن تخفض بداية مربوطها الى 100 مليم بالنسبة للمشتغلين بالاعمال البسيطة. ثم رأت وزارة المالية أن هناك طائفة من هؤلاء العمال يشتغل أربابها داخل الورش ولعملهم أهمية خاصة، فقرر مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزارة، تكملة لقراره السابق، رفع بداية الدرجة بالنسبة لهذه الطائفة الى 140 مليما وبذا يكون وضع العمال العاديين، فى الواقع من الامر طبقا لقرارى مجلس الوزراء الصادرين فى 23 من نوفمبر سنة 1944 و28 من ديسمبر سنة 1944 بكادر عمال اليومية، أنهم أصلا فى درجة مربوطها من 120 مليما الى 240 مليما، مع تخفيض بداية هذا المربوط الى 100 مليم بالنسبة للمشتغلين منهم بالاعمال البسيطة، ورفع تلك البداية الى 140 مليما لمن يشتغلون داخل الورش ولعملهم أهمية خاصة. وعلى هذا انتظمت درجة العمال المذكورين ثلاث فئات متدرجة فى بداية مربوطها بحسب أهمية أعمالهم ومتحدة فى نهايته التى عدلت بزيادتها الى 300 مليم فيما بعد. واتخذ الشارع فى تحديد بداية الاجر وتفاوتها بالنسبة الى أفراد كل فئة من هذه الفئات الثلاث معيارا مناطه بساطة العمل أو أهميته بقطع النظر عن نوعه أو طبيعته وان اتحد فيهما ما دام داخلا فى نطاق ما يقوم به العمال العاديون. وقد خول مجلس الوزراء وزارة المالية سلطة الاستثناء من جميع قواعد الكادر. كما أورد الكشف رقم (1) الملحق بهذا الكادر والخاص بالعمال العاديين تطبيقات للتدرج فى أول مربوط الأجر لبعض هؤلاء العمال وتفاوته تبعا لدرجة أهمية العمل الذى يؤديه وان كان هو ذات العمل. ولما كانت أهمية العمل هى مناط تدرج بداية مربوط الاجر وتفاوته فيما يتعلق بالعمال العاديين، وهى الاساس الذى يقوم عليه تقدير بداية أجورهم والفئة التى يوضعون فيها، ولما كان المحولجى بحكم طبيعته يتطلب مرانا فنيا خاصا، ويقتضى الالمام بطريقة تشغيل الخط المزدوج والمفرد وتنوير العربات بواسطة عصا المناورة، واشهار علامة الخطر اليدوية فى حالة تعطيل الخط، وتشغيل معداوى على الخط المفرد عند تعطيل العدد أو حالة التهدئة لوجود تصليحات فى الخط، ومقابلة القطارات الصاعدة والنازلة واعطاء علامة القيام للسائق واستعمال الاشارات فى الاجواء العادية ووقت الضباب والزوابع وعند اجراء المناورات أو سير القطارات فى اتجاه مخالف واستعمال مصباح الاشارة، وتشغيل القطارات على طريقة البلوك وغيرها بالخطوط المزدوجة والتصرف فى حالة اختلاف السيمافورات أو وقوف القطارات بسبب الحوادث أو الخلل أو المعارضات، وادخال العربات الى المخازن المنحدرة، واجراء مناورة العربات المشحونة بمواد قابلة للكسر أو للفرقعة، واستعمال اشارات الضباب والاذرع كالاشارات، وكلها أعمال تتصل بسلامة الخطوط ويحتاج الالمام بها الى تعلمها والتدرب عليها، ولما كان هذا هو شأن عمل المحولجى وتلك هى اختصاصاته وواجباته، وكانت طبيعة عمله هذا تجعل تمرسه به لا يكتسب الا بمباشرته فعلا داخل المصلحة نظرا الى النظم الفنية والاسباب الخاصة التى تتبعها فى ادارة مرفق السكك الحديدية الذى تقوم عليه، فلا تثريب على المصلحة اذا اقتضاها صالح العمل لحسن سير المرفق أن تجعل المرشح لهذه الوظيفة يتدرج قبل التعيين فيها مبتدئا بعمل محولجى ظهورات أو بعبارة أخرى تلميذ محولجى فى أدنى فئات العامل العادى بأجر يومى بدايته 100 مليم، ثم يعين أخيرا فى وظيفة محولجى تملى بأجر يومى مقداره 140 مليما على اعتبار أن هذه الاخيرة هى وظيفة المحولجى بمعنى الكلمة. مراعية فى ذلك أهمية ما يسند اليه من أعمال، وبدئه بأبسطها وأيسرها مسئولية ثم استمرار مرانه فى المرحلتين الاوليين بوصفهما مرحلتى تمرين واعداد تمهيدا للتعيين فى وظيفة محولجى المقصودة بالكشف رقم (1) الملحق بكادر العمال، بحيث لا يمنح أجر هذه الوظيفة الا من يشغلها بالفعل. ويعزز هذا أن عدد الوظائف المخصصة لكل من المحولجى ظهورات والمحولجى روسبيت والمحولى تملى محدد فى كل فئة من هذه الفئات، وان الاعتمادات المالية المقررة فى ميزانية الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية مربوطة على أساس متوسط الدرجات وقد نص قرار مجلس الوزراء الصادر بكادر العمال فى 23 من نوفمبر سنة 1944 فى الفقرة (1) من "القواعد العامة" الواردة به على أن "تحدد كل وزارة أو مصلحة عدد كل فئة من فئات الصناع فى كل قسم حسب ما تقتضيه حالة العمل، وأن يكون متوسط هذه الفئات مضروبا فى عدد الوظائف لا يجاوز الاعتماد المقرر" وهو ما يصدق على العمال كذلك.
فاذا اعتبرت الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية أن المحولجى المعنى بالكادر فى الفئة 140/ 300 م هو فقط المحولجى التملى، وأن ما دون ذلك من ظهورات أو روسبيت انما هو عامل عادى فى سبيل التدريب على أعمال المحولجية لاعداده وتهيئته لوظيفة محولجى تملى، وان أطلق عليه تجاوزا اسم ظهورات او محولجى روسبيت لمجرد بيان اتجاه بأهلية، فان هذا التنظيم الذى تقتضيه طبيعة العمل بالهيئة فى الفرع من الوظائف لا ينطوى على تجزئة للوظيفة الواحدة أو خروج على قواعد كادر العمال، كما لا يعد استثناء من قبيل ما خوله الكادر لوزارة المالية وحدها، مما نقلت السلطة فيه فيما بعد الى ديوان الموظفين بقرار مجلس الوزراء الصادر فى 5 من مايو سنة 1953.
ومن حيث أنه باستظهار حالة المدعى من واقع ملف خدمته يبين أنه التحق بخدمة مصلحة السكك الحديدية بوظيفة خفير منفذ ظهورات فى 6 من أبريل سنة 1950، ثم نقل الى وظيفة محولجى روسبيت من 22 من نوفمبر سنة 1952 فى الفئة 120/ 300 م وذلك بالقرار رقم 81 لسنة 1955 الصادر فى 30 من يونيه سنة 1955 على أساس تاريخ تشغيله فى هذه الوظيفة، ونقل اعتبارا من 2 من يناير سنة 1958 الى الدرجة 140/ 300 م، وبذا وضع فى هذه الدرجة من تاريخ شغله وظيفة محولجى تملى.
ومن حيث لما تقدم فان المدعى - وقد وضع طبقا لاحكام كادر العمال فى الدرجة 140/ 300 م المخصصة لوظيفة محولجى من تاريخ شغله لوظيفة محولجى تملى المرادفة لها فى حدود الربط المقرر - لا يكون على حق فيما تطلبه من استحقاقه لان يوضع فى هذه الدرجة من تاريخ بدء التحاقه بالخدمة وما يترتب على ذلك من آثار. واذ أخذ حكم المحكمة الادارية المطعون فيه بغير هذا النظر، فانه يكون قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه ويتعين إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع الزام المدعى بمصروفاتها.

فلهذه الاسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى والزمت المدعى بالمصروفات.