مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 435

(49)
جلسة 27 من فبراير سنة 1960

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس المجلس وعضوية السادة المستشارين على بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 428 لسنة 4 القضائية

تعيين - تعيين المعيدين فى كليات الجامعات المصرية فى ظل أحكام القانون رقم 502 لسنة 1954 - اشتراط المشرع الحصول على تقدير ممتاز أو جيد جدا فى الدرجة الجامعية الأولى أو ما فوقها من الدرجات العملية كشرط صلاحية - لا يلزم الادارة بتفضيل معين من حيث الدرجة الجماعية أو الدرجة العلمية التى تعلوها - لا وجه للنعى على تصرف الادارة بمخالفته للقانون اذا ما أغفلت عند اختيار المرشحين اجراء المفاضلة على أساس الدرجة العلمية الاعلى فى نوع التخصص أو مرتبة التقدير الخاصة بالدرجة المذكورة - من حق الادارة اجراء المفاضلة على مقتضى قواعد تنظيمية تملك سنها واتباعها فى هذا الشأن - مثال لتعيين معيد فى كلية الحقوق.
ان نظام تعيين المعيدين فى كليات الجامعات المصرية الذى صدر فى ظله القرار المطعون فيه ورد فى القانون رقم 508 لسنة 1954 باعادة تنظيم الجامعات المصرية والتعديلات التى أدخلت عليه فقد نصت المادة 86 من هذا القانون على أنه "يجوز أن يعين فى الكليات معيدون، ويكون تعيين المعيد بترشيح من القسم المختص من بين الحاصلين على تقدير "ممتاز" أو "جيد جدا" فى درجته الجامعية الاولى أو ما فوقها من الدرجات العلمية، ويعرض الترشيح على مجلس الكلية، فاذا أقره صدر قرار التعيين من مدير الجامعة، ويكون التعيين بعد الاعلان عن المحال الشاغرة وبعقد لمدة سنة قابلة للتجديد بعد أخذ رأى القسم الخاص" ومفاد هذا النص أن التعيين فى وظائف المعيدين فى كليات الجامعة المصرية رهين بترشيح القسم المختص بعد الاعلان عن المحال الشاغرة لمن يرى حاجته اليه من المتقدمين لهذه الوظائف ممن يأنس فى أشخاصهم الاستعداد والأهلية لتولى وظائف التدريس فى المستقبل مع التميز بكفاية خاصة فى المادة التى يختارهم لها فضلا عن صفات الصلاحية الأخرى ومقوماتها من القدرة على البحث والاستنباط والالقاء والبيان وقوة الشخصية وما الى ذلك من بين الحاصلين على تقدير "ممتاز" أو "جيد جدا" فى درجتهم الجامعية الاولى أو ما فوقها من الدرجات العلمية، ثم يعرض ترشيح من يقع عليهم الاختيار وفقا لهذه الاسس على مجلس الكلية، فاذا اقره صدر قرار التعيين من مدير الجامعة، واذا كان المشرع قد ناط تعيين المعيدين بالحصول على تقدير "ممتاز" أو "جيد جدا" فى الدرجة الجامعية الأولى أو ما فوقها من الدرجات العلمية محددا بذلك شروط الصلاحية الأساسية التى تطلبها لتعيين هؤلاء المعيدين، فانه لم يقيد الادارة بشروط أخرى ولم يلزمها بتفضيل معين من حيث الدرجة الجامعية أو الدرجة العلمية التى تعلوها، بل ترك الأمر فى ذلك لتقديرها واختيارها حسبما ترى فيه صالح العمل وحسن سير الدراسة بكل قسم من الأقسام، ولم يستلزم سوى وجوب أن يتوافر فى المرشح لوظيفة المعيد الى جانب الدرجة الجامعية الاولى أو الدرجة العلمية التى فوقها ما اشترطه من تقدير بمرتبة "ممتاز" أو "جيد جدا" ومن ثم فلا تثريب على الادارة أن هى رأت لحكمة تتعلق بسياسة التعليم الجامعى فى وقت من الاوقات قصر الترشيح للتعيين فى وظائف المعيدين على فئة أو أخرى من الحاصلين على الدرجة الجامعية الأولى فقط أو على درجات علمية أعلى معينة فى حدود ما نصت عليه المادة 86 آنفة الذكر فاشترطت فى اعلانها عن هذه الوظائف - كما هو الحال فى خصوصية هذه الدعوى - "ان يكون الطالب حاصلا على درجة الليسانس فى الحقوق بتقدير (ممتاز) أو (جيد جدا)"، ولم يفتح الباب لتزاحم الحاصلين على درجات علمية فوق درجة الليسانس، ومتى كانت هذه الرخصة مقررة لها فلا وجه للنعى على تصرفها بمخالفته للقانون اذا ما أغفلت عند اختيار المرشحين اجراء المفاضلة على أساس الدرجة العلمية الاعلى فى فرع التخصص أو مرتبة التقدير الخاصة بالدرجة المذكورة بين المتقدمين اليها من الحاصلين على هذه الدرجة الى جانب الليسانس أو الحاصلين على درجة الليسانس فقط وحصرتها فى نطاق هذه الاخيرة دون اعتداد بما فوقها من درجات علمية، كما لا حجة فى التحدى بأحكام استحدثها فى هذا المقام قانون لاحق لواقعة التعيين موضوع الطعن، ولا يبقى بعد ذلك الا أعمال المقارنة بين المتقدمين باعتبارهم حائزين جميعا للدرجة الجامعية الاولى وهى درجة الليسانس فحسب، وذلك على مقتضى القواعد التنظيمية التى تملك الادارة سنها واتباعها فى هذا الشأن فاذا كانت كلية الحقوق بجامعة القاهرة قد درجت فيما يتعلق بتعيين المعيدين بها على أن يكون المرشح الذى يختاره القسم المختص لوظيفة المعيد من الناجحين بدرجة "ممتاز" أو "جيد جدا" فى الامتحان النهائى مع مراعاة ماضيه فى السنوات السابقة وألا يكون ناجحا بدرجة مقبول فى احدى السنوات الماضية، وأن يقدم الأحدث تخرجا فى الليسانس على غيره نظرا الى تطور نظم الدراسة وموادها، وكان الثابت أن المدعية سبق أن نجحت بدرجة مقبول فى الانتقال من السنة الاولى الى السنة الثانية بقسم الليسانس وأن المطعون فى تعيينها كان تقديرها فى المادتين اللتين اختيرا معيدين فيهما أحدهما بمعهد العلوم السياسية والثانى بقسم القانون الجنائى يفوق تقدير المدعية، اذ أن متوسط درجات الاول فى مادة القانون الدولى (العام والخاص) فى السنتين الثانية والرابعة هو 16 درجة فى حين أن متوسط درجات المذكورة فى هذه المادة هو 2/ 1 14 درجة، كما أن متوسط درجات الثانى فى مادة القانون الجنائى فى السنوات الثانية والثالثة والرابعة هو 4/ 1 16 درجة بينما متوسط درجات المدعية فى هذه المادة هو 13 درجة - مع عدم انكار تقدير هذه الأخيرة أو الغض منه فى الليسانس وفى كل من دبلومى القانون الخاص والقانون العام، فان ايثار الجامعة المذكورين بالتعيين دونها يكون قائما على سند صحيح من القواعد التنظيمية والضوابط الوضعية التى قررتها الجامعة للمصلحة العامة فى هذا الشأن بسلطتها التقديرية وجرت على مراعاة التزامها فى التطبيقات الفردية بما لا ينطوى على اخلال بشروط التعيين فى وظائف المعيدين أو بأسس الموازنة بين المرشحين لهذه الوظائف، ولا يتضمن مخالفة لأحكام القانون، ومتى انتفت عن قرار التعيين المطعون فيه الذى تترخص الادارة فى شأنه والذى كشفت عن أسبابه شائبة مخالفة القانون فانه لا يمكن النعى عليه الا بعيب اساءة استعمال السلطة وهو ما لم يقم عليه دليل من الاوراق.


اجراءات الطعن

فى 16 من أبريل سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 428 لسنة 4 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى (الهيئة الثالثة ب) بجلسة 20 من فبراير سنة 1958 فى الدعوى رقم 225 لسنة 10 القضائية المقامة من: هاجر محمد يونس ضد كل من (1) وزارة التربية والتعليم و(2) جامعة القاهرة، القاضى بالغاء القرار المطعون فيه الصادر فى 2 و3 من مايو سنة 1955 فيما تضمنه من تخطى المدعية فى التعيين فى وظيفة معيدة وبالزام الجامعة بالمصروفات وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى والزام المدعية بالمصروفات" وقد أعلن هذا الطعن الى وزير التربية والتعليم فى 28 من أبريل سنة 1958، والى جامعة القاهرة فى 5 من مايو سنة 1958، والى المطعون عليها فى 12 من مايو سنة 1958، وقد أودعت المطعون عليها فى 12 من يوليه سنة 1958 مذكرة بملاحظاتها انتهت فيها الى طلب "رفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه مع الزام المدعى عليهما بمقابل أتعاب المحاماة"، ولم تقدم الجهة الادارية أية مذكرة بدفاعها. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 5 من ديسمبر سنة 1959، وفى 2 من أغسطس سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى الدائرة الموضوعية لنظره بجلسة 16 من يناير سنة 1960 ثم أجل نظره الى جلسة 30 من يناير سنة 1960، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم مع الترخيص فى تقديم مذكرات فى عشرة أيام، وقد أودعت المطعون عليها مذكرة مؤرخة 3 من فبراير سنة 1960 طلبت فيها الحكم برفض الطعن المقدم من هيئة المفوضين وتأييد الحكم المطعون فيه مع الزام الجامعة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد أستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل فى أن المدعية أقامت الدعوى رقم 225 لسنة 10 القضائية ضد كل من (1) وزارة التربية والتعليم و(2) جامعة القاهرة. أمام محكمة القضاء الادارى بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة فى 20 من أكتوبر سنة 1955 ذكرت فيها أنها حصلت على ليسانس فى القوانين المصرية من كلية الحقوق بجامعة القاهرة فى دور مايو سنة 1951 بتقدير "جيد جدا" وكان ترتيبها الثامنة بين خريجى تلك الدفعة وقد عين جميع زملائها الذين يسبقونها فى الترتيب معيدين بكلية الحقوق بجامعة القاهرة أو جامعة عين شمس وبعد مضى شهرين نقل زميلها المعيد عاطف صدقى الى مجلس الدولة، وعلى الرغم من تجديد مسعاها للحلول محله، فقد أجابها المسئولون بأنهم ليسوا فى حاجة الى معيدين جدد. وفى سنة 1952 واصلت دراستها العليا وحصلت على دبلوم القانون الخاص بتقدير "جيد" وكان ترتيبها الاولى متفوقة بذلك على معيدى الكلية الذين زاملوها فى دراسة هذا الدبلوم، ثم تقدمت للمرة الثالثة بهذا الدبلوم طالبة تعيينها معيدة ولا سيما بعد ان نقل معيد ثان هو الاستاذ عبد الفتاح الشاطر الى مجلس الدولة، الا أن المسئولين لم يستجيبوا لطلبها. وفى سنة 1954 حصلت على دبلوم القانون العام بتقدير "ممتاز" وكان ترتيبها الاولى، فتقدمت من جديد بطلب تعيينها معيدة بالكلية، كما تقدمت فى الوقت ذاته الى مكتب الشكاوى بوزارة التربية والتعليم شارحه الموقف بصدد موضوع تعيينها، فرد سكرتير عام الجامعة على مدير مكتب الشكاوى فى 17 من نوفمبر سنة 1954 بأنه سوف ينظر فى طلبها اذا تقدمت برغبتها الى الكلية ضمن طلبات المتقدمين لشغل وظائف المعيدين الخالية بها، وما أن أعلنت الكلية عن حاجتها الى معيدين حتى تقدمت بطلبها مشفوعا بمؤهلاتها، ولكنها فوجئت بأن قرارا صدر فى 2 من مايو سنة 1955 بتعيين الاستاذ سمعان بطرس معيدا بالكلية. وآخر صدر فى 3 من مايو سنة 1955 بتعيين الاستاذ حامد عطية منصور معيدا كذلك وكلاهما حاصل على الليسانس فى سنة 1954 بتقدير "جيد جدا" وليس لدى أيهما مؤهل يعلو الليسانس، وبذا تكون كلية الحقوق ومن ورائها جامعة القاهرة قد أساءت الاختيار وأغفلت الكفاية والمؤهلات وهما أساس الاختيار اذ اختارت زميلين من دفعة سنة 1954 لا يمتازان عن المدعية فى شئ ولا يحملان أى مؤهل يعلو الليسانس فى الوقت الذى تحمل فيه دبلومين أحدهما فى القانون الخاص والثانى فى القانون العام. فى حين أن القانون والعرف لا يفرقان بين ذكر وأنثى فى هذا المقام، بل أن الجامعة درجت على تعيين معيدات بالكلية. وقد بادرت المدعية بالتظلم من قرارى 2 و3 من مايو سنة 1955 آنفى الذكر الى كل من السيد وزير التربية والتعليم والسيد مدير جامعة القاهرة بعريضة تقدمت بها اليهما فى 30 من يونيه سنة 1955 ومضى عليها ستون يوما دون أن تتلقى اجابة عنها. ومن ثم فانها تطلب " الحكم على المدعى عليهما متضامنين (أولا) بالغاء القرار الصادر بتعيين كل من الأستاذين سمعان بطرس وحامد عطية منصور معيدا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة باعتباره كأن لم يكن وذلك فيما تضمنه من تخطى الطالبة فى التعيين فى هذه الوظيفة. (ثانيا) الزامهما بالمصاريف وأتعاب المحاماة".
ومن حيث أن جامعة القاهرة ردت على هذه الدعوى بأنه حق تعيين المعيدين مقيد بأحكام نظمها القانون رقم 508 لسنة 1954 والتعديلات التى طرأت عليه فى هذا الخصوص، وأن أمر التعيين - بمقتضى هذا القانون وما لحقه من تعديل - منوط بالأقسام بعد الاعلان عن الوظيفة، وأن كل قسم يبين حاجته ويعين من المعيدين من يأنس فيهم الاهلية للقيام بوظيفة التدريس فى المستقبل مع حصولهم على تقدير "جيد جدا" فى الليسانس وتمتعهم بكفاية خاصة فى المادة التى يختارهم لها القسم وأن القانون اذ جعل للاقسام الحق فى الاختيار ممن يتقدمون اليها بعد الاعلان انما استهدف بذلك حكمه هى الاستيثاق من صلاحية المعيد للتدريس من حيث شخصه وبيانه وما الى ذلك من الصفات اللازم توافرها فيمن يتولى التدريس وهو ذلك العمل الخطير الذى يحتاج الى شخصية قوية وبيان كامل مع قدرة على البحث والاستنباط واستيعاب للمادة التى يدرسها، وان الاقسام تسير على اساس اختيار الاحدث تخرجا، لان نظم الكلية فى تطور ومادة الدراسة فيها فى تغيير من حسن الى أحسن، فاختيار الاحدث له مغزاه، لانه اختيار لمن درس وفق أحدث النظم، وأن كلية الحقوق وقع اختيارها على السيدين سمعان بطرس فرج الله معيدا بمعهد العلوم السياسية وحامد منصور عطية معيدا بالقسم الجنائى، وذلك بملاحظة انهما أحدث تخرجا وان تقديرهما فى المادتين اللتين اختيرا معيدين فيهما أكبر من تقدير المدعية، هذا بالاضافة الى ما روعى فى شخصهما من أهلية التدريس، وقد كان متوسط الدرجات فى مادة القانون الجنائى فى السنوات الثانية والثالثة والرابعة هو 4/ 3 12 يجبر الى 13 للمدعية و2/ 1 16 للسيد حامد منصور عطية ومتوسط الدرجات فى مادة القانون الدولى فى السنتين الثانية (دولى عام) والرابعة (دولى خاص) هو 2/ 1 14 للمدعية و16 للسيد سمعان بطرس فرج الله، ومن ثم تكون المدعية على غير حق فى شكواها، ويكون قرار تعيين المعيدين المطعون فيه سليما مطابقا للقانون.
ومن حيث ان السيد مفوض الدولة أودع تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه لما أبداه به من أسباب اعتنق فيها رأى الجامعة وأسانيدها الى أنه يرى الحكم بقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا مع الزام المدعية بالمصروفات.
ومن حيث ان المدعية عقبت على دفاع الجامعة ورأى السيد المفوض بمذكرتين قالت فيهما أن القاعدة التى وضعتها الاقسام لاختيار المعيدين هى التى تعطيها الاولوية فى التعيين اذ أنها كانت حتى سنة 1954 تدرس بالجامعة وتعاصر كل تغيير فى نظم التدريس ومناهجه ولم تنقطع عن الدراسة منذ تخرجها فى سنة 1951 بل تابعت هذه الدراسة حتى حصلت على دبلومى القانون الخاص والعام فى سنتى 1952 و1954 بما يجعلها أكثر كفاية من المطعون فى تعيينهما ولا سيما أنها نالت دبلوم القانون العام فى سنة 1954 بتقدير "ممتاز" وان المادة 86 من القانون رقم 508 لسنة 1954 نصت على أن يكون تعيين المعيد بترشيح من القسم المختص من بين الحاصلين على تقدير "ممتاز" أو "جيد جدا" فى درجته الجامعية الاولى او ما فوقها من الدرجات العلمية "وأن دراسة الدبلوم العام تشمل القانون الجنائى والقانون الدولى وهما المادتان اللتان اختير المطعون فى تعيينهما معيدين فيهما، وقد اشترط الاعلان الخاص بوظائف المعيدين أن يكون الطالب حاصلا على درجة الليسانس فى الحقوق بتقدير "ممتاز" أو "جيد جدا" ولم يتطلب أية شروط أخرى، كما أن المذكرة المرفوعة من القسم بترشيح المطعون فى تعيينهما لم يرد فيها أن الجامعة راعت الدرجات الحاصل عليها كل مرشح فى سنوات الدراسة أو أنها استنت قواعد أخرى للترشيح لوظائف المعيدين بالكلية، بل ان جميع الاوراق المقدمة من الجامعة تدل على أن الكلية اتخذت موقفا سلبيا مع المدعية، اذ لم يرد بها ما يفيد ان الكلية عقدت مقارنة بين هذه الاخيرة وبين زميليها انتهت منها الى ترجيح كفتها، وقد كان لزاما عليها أن توضح الاسباب التى دعتها الى ترجيح مرشح على آخر، الامر الى يخلص منه أن القرار المطعون فيه صدر مشوبا بعيب الانحراف واساءة استعمال السلطة بما يجعله متعين الالغاء.
ومن حيث أن محكمة القضاء الادارى (الهيئة الثالثة "ب") قضت بجلسة 20 من فبراير سنة 1958 فى هذه الدعوى "بالغاء القرار المطعون فيه الصادر فى 2 و3 من مايو سنة 1955 فيما تضمنه من تخطى المدعية فى التعيين فى وظيفة معيدة وبالزام الجامعة بالمصروفات" وأقامت قضاءها على أنه يؤخذ من نص المادة 86 من القانون رقم 508 لسنة 1954 الخاص باعادة تنظيم الجامعات المصرية وهو القانون الذى تم فى ظله التعيين المطعون فيه أن الاختيار للتعيين فى وظائف المعيدين هو من اختصاص الاقسام بالكليات المختلفة بعد الاعلان عن الوظائف الشاغرة اذ خلولها القانون سلطة الاختيار من بين المرشحين دون أن يقيدها بشروط معينة سوى مراعاة أن يكون المرشح من الحاصلين على تقدير ممتاز أو جيد جدا فى درجته الجامعية أو ما فوقها من درجات علمية، ومن ثم يكون للاقسام المختلفة أن تضع فى حدود هذه القاعدة الضوابط اللازمة للاختيار بما يتفق والمصلحة العامة، ويتضح من الضوابط التى وضعتها الاقسام المختصة ثم الكلية فالجامعة للترجيح بين المرشحين لوظائف المعيدين من حيث الحداثة فى التخرج والتخصص فى المواد المطلوب الترشيح لها انها انما ترجح المدعية على المطعون فى تعيينهما، وتصلح حجة فى هذا السبيل لها قبلهما اذ أنها استمرت فى الدراسات العليا بعد الليسانس حتى حصلت قبل القرار المطعون فيه على دبلوم القانون الخاص فى سنة 1952 ثم على دبلوم القانون العام فى سنة 1954 ولم يبق لها سوى مرحلة الدكتوراه فهى بذلك أعلا وأحدث مؤهلا دراسيا وأقرب الى الحصول على الدكتوراه وهو من الشروط الأساسية للترقية الى وظيفة مدرس، هذا الى أن حصولها على هذين الدبلومين يجعلها أكثر صلاحية وتخصصا فى تدريس المواد التى تم ترشيح المعيدين اليها من المطعون فى تعيينهما، اذ أن الدراسات العليا قد شملت تلك المواد على نطاق أوسع وأعمق. وقد استهدفت المادة 86 من القانون رقم 508 لسنة 1954 للتعيين فى وظيفة معيد صلاحية معينة وتأهيلا خاصا توافرا فى المدعية بدرجة تفوق درجة المطعون فى تعيينهما ولم تراع الجامعة ذلك، علما بأن دراسة الدبلوم العام تشمل القانون الجنائى والقانون الدولى وهما المادتان اللتان اختير المطعون فى تعيينهما معيدين فيهما، وبذا تكون الجهة الادارية قد خالفت حكم القانون وصدر قرارها معيبا. والثابت من الاوراق أن الكلية اتخذت موقفا سلبيا من المدعية، فلم تعقد مقارنة بينها وبين المطعون فى تعيينهما، بل أنها أغفلت طلباتها المتكررة المتوالية، وتقدمت بمرشحين آخرين الى مجلس الكلية، وكان لزاما عليها أن ترشح المدعية مع المطعون فى تعيينهما كى تعمل اختيارها على الوجه السليم عند التطبيق فى الحالات الفردية، ولكنها اكتفت بمن رشحتهما دون المدعية، وبذلك تكون الجامعة قد خالفت القانون وشاب قرارها المطعون فيه عيب الانحراف بالسلطة مما يتعين معه القضاء بالغائه.
ومن حيث أن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة طعن فى هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة فى 16 من أبريل سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى والزام المدعية بالمصروفات" واستند فى أسباب طعنه الى أن المطعون فى تعيينهما قد توافرت فيهما كافة الشروط التى يتطلبها القانون فيمن يعين معيدا باحدى كليات الجامعة، ومن ثم لا يمكن أن ينسب الى قرار تعيينهما عيب مخالفة القانون، كما أنه لم يقم دليل على صدوره مشوبا بعيب الانحراف، ذلك السبب الذى يشترط لقيامه اثبات أن مصدر القرار قد قصد الى تحقيق غاية أخرى غير الصالح العام فمجلس القسم ثم مجلس الكلية لم يخرجا عن الضوابط العامة التى التزاماها فى شأن تعيين المعيدين وهى تتلخص فى تعيين الاحدث تخرجا والاكثر درجات فى نوع التخصص وذلك بالنظر الى سنى دراسة الليسانس باعتباره المؤهل المشترط للتعيين فى وظائف المعيدين والاساس الذى على مقتضاه تجرى الموازنة بين كافة المرشحين.
ومن حيث أن المدعية عقبت على طعن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة بمذكرة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة فى 12 من يوليه سنة 1958 رددت فيها دفاعها السابق وأضافت اليه أن الطعن استند الى أسباب موضوعية مع أنه لا يجوز العودة الى مناقشة وقائع الدعوى على النحو الوارد فيه، وأن عيب الانحراف ثابت قيامه مما أورده الحكم المطعون فيه من أسباب فضلا عن عيب مخالفة القانون اذ أن ما ذهبت اليه الجامعة من أنها وضعت ضوابط فى شأن تعيين المعيدين انما هو مخالفة صريحة لنص المادة 86 من القانون رقم 508 لسنة 1954 لخروج تلك الضوابط عن حدود القاعدة التى قررتها هذه المادة، ولان الكلية أغفلت تقديم أوراق ترشيح المدعية على الرغم من استيفائها للشروط التى نصت عليها المادة المذكورة وخلصت المدعية من هذا الى طلب "رفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه مع الزام المدعى عليهما بمقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث أن المدعية أودعت مذكرة ثانية مؤرخة 3 من فبراير سنة 1960 ضمنتها دفاعها السابق وزادت عليه أنه يؤخذ من نص المادة 86 من القانون 508 لسنة 1954 أن باب الترشيح للمعيدين يكون مفتوحا للحاصلين على درجة الليسانس أو ما فوقها من درجات علمية كدبلوم القانون الخاص أو العام وأن المفاضلة يجب أن تجرى بين هؤلاء وأولئك جمعيا، يؤيد هذا ما ورد فى المادة 92 من القانون رقم 184 لسنة 1958 فى شان تنظيم الجامعات من أنه عند التساوى يفضل الحاصل على درجة علمية أعلى فى فرع التخصص، الامر الذى يفهم منه أن المتقدمين لا يجب أن يكونوا جمعيا من آخر دفعة وأن الموازنة تجرى بينهم على أساس ما نالوه من تقديرات فى الليسانس، فان تساوت هذه التقديرات فضل الحاصل على درجة علمية أعلى فى فرع التخصص، وهذا ما يؤيد أحقية المدعية فى هذا التفضيل ويدحض حجة الجامعة فيما ذهبت اليه من ايثار الأحدث تخرجا بالتعيين اذ أن فرع التخصص فى المنازعة الراهنة هو القانون العام ومادتا الدولى العام والجنائى ولما كانت قد حصلت على تقدير ممتاز فى هذا النوع فهى تفضل ولا شك المطعون فى تعيينهما، أما قول الجامعة بأنها تراعى الأهلية واللياقة فى اختيار المرشحين لوظائف المعيدين، فاذا كان المقصود به أن يكون القائم بهذا العمل ذكرا لا أنثى فانه يكون مردودا بأن القوانين لا تفرق بين ذكر وأنثى فضلا عن أن تقاليد الجامعة أباحت قيام الاناث بالتدريس سواء فى وظائف معيدات أو مدرسات أو استاذات، هذا الى أنه يبين من التقرير الذى رفع من القسم المختص بكلية الحقوق الى مجلس الكلية خاصا بالترشيح فى هذا الموضوع أن القسم المذكور لم يذكر شيئا الا عن المطعون فى تعيينهما وكان الواجب أن يورد أسماء جميع من تقدموا ويذكر أمام اسم كلم نهم مؤهلاته ثم يعقب برأيه فى اختيار من يقترح ترشيحه من المتقدمين حتى يستطيع مجلس الكلية اعمال سلطته فى الاختيار على وجه سليم مادامت الاماكن الخالية المراد التعيين فيها هى مكانان فقط، وما دام التعيين فى هاتين الوظيفتين مرجعه الى المفاضلة بين المرشحين المتقدمين لهما فاذا اتخذ القسم المختص اجراء لا يستطيع معه مجلس الكلية أن يعمل سلطته فى الاختيار أو المفاضلة كان فى هذا منحرفا فى استعمال سلطته فى الاختيار أو المفاضلة كان فى هذا منحرفا فى استعمال سلطته ووقع قراره مشوبا بعيب اساءة استعمال السلطة فضلا عن مخالفته للقانون. وانتهت المدعية من هذا الى طلب الحكم برفض الطعن المقدم من هيئة المفوضين وبتأييد الحكم المطعون فيه مع الزام الجامعة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث أن نظام تعيين المعيدين فى كليات الجامعات المصرية الذى صدر فى ظله القرار المطعون فيه ورد فى القانون رقم 508 لسنة 1954 باعادة تنظيم الجامعات المصرية والتعديلات التى أدخلت عليه، فقد نصت المادة 86 من هذا القانون على أنه "يجوز أن يعين فى الكليات معيدون ويكون تعيين المعيد بترشيح من القسم المختص من بين الحاصلين على تقدير "ممتاز أو جيد جدا" فى درجته الجامعية الأولى أو ما فوقها من الدرجات العلمية - ويعرض الترشيح على مجلس الكلية فاذا أقره صدر قرار التعيين بعد الاعلان عن المحال الشاغرة وبعقد لمدة سنة قابلة للتجديد بعد أخذ رأى القسم الخاص" ومفاد هذا النص أن التعيين فى وظائف المعيدين فى كليات الجامعة المصرية رهين بترشيح القسم المختص بعد الاعلان عن المحال الشاغرة لمن يرى حاجته اليه من المتقدمين لهذه الوظائف ممن يأنس فى أشخاصهم الاستعداد والاهلية لتولى وظائف التدريس فى المستقبل مع التميز بكفاية خاصة فى المادة التى يختارهم لها فضلا عن صفات الصلاحية الاخرى ومقوماتها من القدرة على البحث والاستنباط والالقاء والبيان وقوة الشخصية وما الى ذلك من بين الحاصلين على تقدير "ممتاز" أو "جيد جدا" فى درجتهم الجامعية الاولى أو ما فوقها من الدرجات العلمية، ثم يعرض ترشيح من يقع عليهم الاختيار وفقا لهذه الاسس على مجلس الكلية، فاذا أقره صدر قرار التعيين من مدير الجامعة. واذا كان المشرع قد ناط تعيين المعيدين بالحصول على تقدير "ممتاز" أو "جيد جدا" فى الدرجة الجامعية الاولى أو ما فوقها من الدرجات العلمية محددا بذلك شروط الصلاحية الاساسية التى تطلبها لتعيين هؤلاء المعيدين فانه لم يقيد الادارة بشروط أخرى ولم يلزمها بتفضيل معين من حيث الدرجة الجامعية أو الدرجة العلمية التى تعلوها بل ترك الامر فى ذلك لتقديرها واختيارها حسبما ترى فيه صالح العمل وحسن سير الدراسة بكل قسم من الاقسام ولم يستلزم سوى وجوب أن يتوافر فى المرشح لوظيفة المعيد الى جانب الدرجة الجامعية الاولى أو الدرجة العلمية التى فوقعها ما اشترطه من تقدير بمرتبة "ممتاز" أو "جيد جدا"، ومن ثم فلا تثريب على الادارة أن هى رأت لحكمة تتعلق بسياسة التعليم الجامعى فى وقت من الاوقات قصر الترشيح للتعيين فى وظائف المعيدين على فئة أو أخرى من الحاصلين على الدرجة الجامعية الاولى فقط أو على درجات علمية أعلى معينة فى حدود ما نصت عليه المادة 86 آنفة الذكر فاشترطت فى اعلانها عن هذه الوظائف - كما هو الحال فى خصوصية هذه الدعوى أن يكون الطالب حاصلا على درجة الليسانس فى الحقوق بتقدير "ممتاز أو جيد جدا" ولم يفتح الباب لتزاحم الحاصلين على درجات علمية فوق درجة الليسانس، ومتى كانت هذه الرخصة مقررة لها فلا وجه للنعى على تصرفها بمخالفته للقانون اذا ما اغفلت عند اختيار المرشحين اجراء المفاضلة على أساس الدرجة العلمية الاعلى فى فرع التخصص أو مرتبة التقدير الخاصة بالدرجة المذكورة بين المتقدمين اليها من الحاصلين على هذه الدرجة الى جانب الليسانس أو الحاصلين على درجة الليسانس فقط وحصرتها فى نطاق هذه الاخيرة دون اعتداد بما فوقها من درجات علمية، كما لا حجة فى التحدى بأحكام استحدثها فى هذا المقام قانون لاحق لواقعة التعيين موضوع الطعن، ولا يبقى بعد ذلك الا أعمال المقارنة بين المتقدمين باعتبارهم حائزين جميعا للدرجة الجامعية الأولى وهى درجة الليسانس فحسب، وذلك على مقتضى القواعد التنظيمية التى تملك الادارة سنها واتباعها فى هذا الشأن، فاذا كانت كلية الحقوق بجامعة القاهرة قد درجت فيما يتعلق بتعيين المعيدين بها على أن يكون المرشح الذى يختاره القسم المختص لوظيفة المعيد من الناجحين بدرجة "ممتاز" أو "جيد جدا" فى الامتحان النهائى مع مراعاة ماضيه فى السنوات السابقة، وألا يكون ناجحا بدرجة مقبول فى احدى السنوات الماضية، وأن يقدم الأحدث تخرجا فى الليسانس على غيره نظرا الى تطور نظم الدراسة وموادها، وكان الثابت أن المدعية سبق أن نجحت بدرجة مقبول فى الانتقال من السنة الاولى الى السنة الثانية بقسم الليسانس وأن المطعون فى تعيينهما كان تقديرهما فى المادتين اللتين اختيرا معيدين فيهما أحدهما بمعهد العلوم السياسية، والثانى بقسم القانون الجنائى يفوق تقدير المدعية، اذ أن متوسط درجات الاول فى مادة القانون الدولى (العام والخاص) فى السنتين الثانية والرابعة هو 16 درجة فى حين أن متوسط درجات المذكورة فى هذه المادة هو 2/ 1 14 درجة، كما أن متوسط درجات الثانى فى مادة القانون الجنائى فى السنوات الثانية والثالثة والرابعة هو 4/ 1 16 درجة، بينما متوسط درجات المدعية فى هذه المادة هو 13 درجة. مع عدم انكار تقدير هذه الأخيرة أو الغض منه فى الليسانس وفى كل من دبلومى القانون الخاص والقانون العام فان ايثار الجامعة للمذكورين بالتعيين دونها يكون قائما على سند صحيح من القواعد التنظيمية والضوابط الوضعية التى قررتها الجامعة للمصلحة العامة فى هذا الشأن بسلطتها التقديرية وجرت على مراعاة التزامها فى التطبيقات الفردية بما لا ينطوى على اخلال بشروط التعيين فى وظائف المعيدين أو بأسس الموازنة بين المرشحين لهذه الوظائف ولا يتضمن مخالفة لاحكام القانون، ومتى انتفت عن قرار التعيين المطعون فيه - الذى تترخص الادارة فى شأنه والذى كشفت عن أسبابه - شائبة مخالفة القانون، فانه لا يمكن النعى عليه الا بعيب اساءة استعمال السلطة وهو ما لم يقم عليه دليل من الاوراق.
ومن حيث انه لما تقدم فان القرار المطعون فيه يكون قد صدر صحيحا سليما مطابقا للقانون ويكون حكم محكمة القضاء الادارى المطعون فيه اذ قضى بالغاء هذا القرار فيما تضمنه من تخطى المدعية فى التعيين فى وظيفة معيدة قد جانب الصواب ويتعين الغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع الزام المدعية بمصروفاتها..

فلهذه الاسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى والزمت المدعية بالمصروفات.