مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 624

(67)
جلسة 9 من أبريل سنة 1960

السيد/ السيد على السيد رئيس المجلس وعضوية السادة على بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل ومحمود محمد ابراهيم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 416 لسنة 4 القضائية

( أ ) موظف - أجازة مرضية - لائحة القومسيون الطبى العام والقومسيونات الطبية بالمديريات والمحافظات - المادة 45 فقرة أ، ب منها - تحديدها الاطباء المختصين بتحرير شهادات مرضية يمنح بمقتضاها الموظفون أجازات مرضية لمدة لا تزيد على عشرة أيام - تقرير طبيب الوحدة العلاجية عدم وجود أعراض اكلينيكية مرضية بالموظف - يمنع رئيس المصلحة من منحه أجازة مرضية - ترخصه بعد ذلك فى احالته الى القومسيون الطبى اذا رأى داعيا لذلك - مثال.
(ب) راتب - الانقطاع عن العمل - حرمان الموظف من مرتبه لانقطاعه عن العمل - القول بعدم جوازه اذا انقطع عن العمل بغير عذر فى غير الحالة المنصوص عليها فى المادة 62 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التى تشترط أن يكون الانقطاع عقب أجازة مرضية أو اعتيادية - غير صحيح - أساس ذلك - هو قيام نص المادة على حكمة تشريعية مردها الى أصل طبعى هو أن الاجر مقابل العمل.
(جـ) نقل - نقل الموظف الى وظيفة أخرى مماثلة - استهداف قرار النقل استقرار الموظف فى مقر وظيفته - النعى عليه بعيب اساءة استعمال السلطة أو أنه تضمن جزاء تأديبيا مقنعا - لا محل له - هو نقل مكانى مما تترخص فيه جهة الادارة - مثال.
1 - أن لائحة القومسيون الطبى العام والقومسيونات الطبية بالمديريات والمحافظات تنص فى الفقرة ( أ ) من المادة 45 منها على أنه "يجوز منح أجازة مرضية لمدة لا تزيد على عشرة أيام للموظفين الدائمين والمؤقتين المقيمين فى احدى مدن المحافظات، بناء على طلب رسمى من رئيسهم المباشر، وذلك بمقتضى شهادة طبية من طبيب صحة المركز أو القسم أو من مفتش صحة المديرية أو المحافظة أو من طبيب أول المستشفى ويكون لرئيس المصلحة المحلى التابع لها الموظف الحق فى أن يرسل الموظف - اذا رأى داعيا لذلك - القومسيون الطبى بالمديرية أو بالمحافظة أو القومسيون الطبى العام". وتنص الفقرة (ب) من المادة الذكورة على أنه "يجوز منح أجازة مرضية لمدة لا تزيد على عشرة أيام بالشروط نفسها بمقتضى شهادة من طبيب حكومى تابع لنفس المصلحة ومقيم فى نفس الجهة التى يقيم فيها المستخدم" ومؤدى نص هاتين الفقرتين أن الاطباء المشار اليهم فيها مختصون بتحرير شهادات مرضية يمنح بمقتضاها الموظفون المحالون عليهم أجازات مرضية لمدة لا تزيد على عشرة أيام، وبذلك يكون طبيب الوحدة العلاجية فى منطقة الجيزة التعليمية الذى أحيل اليه المدعى لتوقيع الكشف الطبى عليه غير متجاوز لاختصاصه الذى تخوله اياه لائحة القومسيونات الطبية، فاذا ما قرر أن الموظف الذى طلب منه الكشف عليه ليس به أعراض اكلينيكية مرضية فليس لرئيس المصلحة أن القومسيون الطبى اذا رأى داعيا لذلك. ولما كان الثابت من الاوراق أن المدعى تقدم بالمستندات الدالة على مرضه المزمن لاول مرة فى الدعوى فليس للمدعى أن ينعى على رئيس المصلحة عدم احالته على القومسيون الطبى مادام أنه لم يقدم له ما يبرر اطراح رأى الطبيب المختص بأنه ليس به أعراض مرضية اكلينيكية، و ليس فى المستندات التى قدمها المدعى ما يقطع بأنه حالته فى اليوم الذى تقدم فيه الى الوحدة العلاجية للكشف عليه كانت تستلزم انقطاعه عن العمل ومنحه أجازة مرضية.
2 - أن ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه من أن فترة انقطاع الموظف عن عمله التى تبرر حرمانه من راتبه مدة الانقطاع يجب أن تكون طبقا للمادة 62 من قانون التوظف عقب أجازة اعتيادية أو مرضية بعد انتهاء مدتها، وأنه ليس لجهة الادارة أن تقرر حرمان الموظف اذا انقطع عن عمله بغير عذر فى غير هذه الحالة - هذا القول مردود بأن هذه المادة انما تردد اصلا عاما يقوم على حكمة تشريعية يستوجبها حسن سير العمل فى الدولاب الحكومى، مردها الى اصل طبعى، هو أن يحرم الموظف الذى ينقطع عن عمله بدون مبرر من راتبه مدة غيابه، لأن الأصل أن الأجر مقابل العمل، فاذا تغيب الموظف بدون مبرر فلا حق له فى الاجر، وهذا مع عدم الاخلال بالمحاكمة التأديبية بسبب اهماله فى أداء واجبه لتغيبه عن عمله بدون مبرر.
3 - اذا كان الثابت ان المدعى نقل من مدرسة الهلال بكرداسة الى مدرسة المعرقب، وأن كلتا المدرستين تابعة لمنطقة الجيزة التعليمية، ومن نفس المرتبة، وقد نقل المدعى الى وظيفة مماثلة لتلك التى كان يشغلها فى المدرسة المنقول منها، وظاهر من قرار النقل أن الادارة استهدفت من ورائه استقرار المدعى فى مقر وظيفته، فلا يمكن أن يعاب تصرفها بسوء استعمال السلطة أو أنه تضمن جزاء تأديبيا مقنعا، وهو قرار نقل مكانى تترخص فيه جهة الادارة بلا معقب عليها، ما دام أن قرارها قد خلا من اساءة استعمال السلطة. ومن ثم يكون الحكم اذ قضى بالغاء قرار النقل قد خالف القانون ويتعين الغاؤه.


اجراءات الطعن

فى 15 من ابريل سنة 1958 أودعت سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن مقدم من السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والارشاد القومى بجلسة 13 من فبراير سنة 1958 فى القضية رقم 320 لسنة 3 ق المرفوعة من محمد محمد منير جادو ضد وزارة التربية والتعليم، والقاضى بالغاء القرار الصادر بنقل المدعى من مدرسة الهلال بكرداسة الى مدرسة المعرقب وخصم أيام الانقطاع من مرتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الوزارة المصروفات ورفض طلب التعويض والزام المدعى مصروفاته.
ويطلب السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة للاسباب الواردة فى صحيفة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه. ورفض الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات.
وقد أعلنت صحيفة الطعن للحكومة فى 14 من مايو 1958 وللمدعى فى 22 منه وعين لنظره أمام هيئة فحص الطعون جلسة 5 من ديسمبر سنة 1959 ثم تأجل لجلسة 30 من يناير سنة 1960 وأحيل الى المحكمة العليا بجلسة 12 من مارس 1960، وبعد سماع ما رؤى لزوما لسماعه من ايضاحات ارجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع ما رؤى لزوما لسماعه من ايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى اوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن وقائع هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل فى أن المدعى رفع الدعوى رقم 320 لسنة 3 ق أمام المحكمة الادارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والارشاد القومى طلب فيها الحكم أولا: بوقف تنفيذ قرار منطقة الجيزة التعليمية القاضى بنقله من مدرسة الهلال بكرداسة الى مدرسة المعرقب والغائه. وثانيا: بالغاء قرار المنطقة المذكورة القاضى بخصم 12 يوما من راتبه عن فترة مرضه فى المدة من 27 من سبتمبر سنة 1955 الى 10 من أكتوبر 1955. ثالثا: الحكم بمبلغ 200 جنيه. وقال بيانا لدعواه أنه عين بمدرسة الهلال بكرداسة، وبتاريخ 2 من أكتوبر 1955 عرض نفسه على الوحدة العلاجية لمنطقة الجيزة شاكيا من مرض عينيه وآلام حوض الكليتين والمثانة وعلى الرغم من حضوره مبكرا فقد تركه اطباء الوحدة حتى حوالى الساعة الحادية عشرة بدون كشف. ونظرا لسوء حالته الصحية فقد دخل حجرة الكشف طالبا توقيع الكشف الطبى عليه، فأمره احد الاطباء بالانتظار بالخارج، فأفهمه أن حالته الصحية لا تحتمل الانتظار، فثار وقذفه بعبارة مهينة، فلما دافع عن كرامته رفض منحه الاجازة المستحقة، كما رفض زميله اخصائى المجارى البولية توقيع الكشف الطبى عليه تضامنا مع الطبيب الآخر، وازاء هذا وتحت تأثير المرض فقد اضطر لملازمة الفراش بدون كشف وسجل على الوحدة ما حدث من اطبائها بموجب خطاب مسجل مؤرخ 2 من أكتوبر سنة 1955، كما اخطر السيد ناظر المدرسة بصورة من شكواه طالبا توقيع الكشف الطبى عليه بمعرفة قومسيون طبى الوحدة الرئيسية ليكون حكما فى الموضوع لجيدة الطبيب وقد احالته المدرسة للمنطقة للتصرف، ولكن المنطقة أهملت هذا الطلب وتركته بدون كشف حتى يوم 9 من أكتوبر سنة 1955 حيث تماثل للشفاء فتوجه للمدرسة وأقامته بالعمل دون الكشف الطبى عليه أيضا.
وفى 14 من نوفمبر سنة 1955 أبلغ بقرار المنطقة باحتساب مدة مرضه اجازة بدون مرتب واخطر بتاريخ 14 من ديسمبر سنة 1955 بنقله الى بلدة المعرقب النائية، فقدم تظلما للسيد مدير المنطقة بتاريخ 21 من نوفمبر سنة 1955 وللسيد الوزير بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1955 وأخيرا أفادت المنطقة بأن السبب فى نقله هو كثرة انقطاعه على العمل وشكوى المدرسة من غيابه لانتسابه للجامعة وغيابه اثنى عشر يوما بدون مرض. ويؤسس المدعى طعنه على قرار المنطقة على مخالفته للقانون، لانه تقدم للوحدة شاكيا من مرض الكليتين والمثانة والعينين، وقد دون طبيب العيون وحده تقريرا ووقع عليه وحده، بينما رفض الطبيب الثانى أخصائى المجارى البولية توقيع الكشف عليه أو تدوين تقريره عن حالته الصحية مما جعل أحد عنصرى الكشف متخلفا وأن ما صدر من طبيب العيون هو قرار فردى يجوز الطعن فيه ولا ينصرف اليه حكم النص الذى يقضى بحجية قرارات القومسيونات الطبية، وأنه حدث نزاع بينه وبين أطباء الوحدة مما يجعله غير مطمئن لعدالتهم، كما أنه طلب من المدرسة فى حينه احالته على قومسيون الوحدة الرئيسية للفصل فى النزاع لحيدة الطبيب ولكن المنطقة أهملت هذا الطلب. وأن الثابت من شهادة قدمها من ناظر المدرسة أنه لم ينقطع عن العمل ولم تجر معه تحقيقات أو استجوابات عن التأخير والانقطاع مما ينفى معه ادعاء المنطقة التى تتذرع به كمبرر للنقل، وأن الثابت من المستند رقم 4 المقدم بحافظة مستنداته وهو شهادة صادرة من الادارة الطبية لجامعة عين شمس، انه يعالج طرفها من تلك الحالة اعتبارا من 14 من مايو سنة 1955، ثم احالته الى كلية الطب بتاريخ 25 من سبتمبر 1955 لتقرير حالته الصحية لمواصلة العلاج، وأنه جاء بتقرير السيد عميد كلية الطب المؤرخ 2 من أكتوبر سنة 1955 أنه مصاب بالتهاب مزمن بالمثانة نتج عنه مغص كلوى مفاجئ أحيانا، ويقول المدعى أن هذا المستند يدحض ادعاء المنطقة، ويقول أيضا أنه منح أجازة من مفتش الصحة نتيجة لالتهاب حوض الكليتين والمثانة، وقد اعتمدت تلك الاجازة من الوحدة العلاجية نفسها، وهذا يؤكد حالة مرضه، وأن المنطقة لم تتبع معه ما اتبعته مع زميل له هو الاستاذ محمد عبد الفتاح عمر الذى انقطع عن العمل من 6 من مايو الى 14 من مايو، وقرر الطبيب عدم وجود أعراض اكلينيكية مرضية، ومع ذلك لم تقم المنطقة بخصم تلك المدة بل نقلته الى امبابة.
أجابت الجهة الادارية على الدعوى بكتاب مرسل من منطقة الجيزة التعليمية لادارة الشئون القانونية مؤرخ 17 من مارس سنة 1956 ومقدم بملف الدعوى، وقد تضمن ردها أن المدعى انقطع عن العمل من يوم 27 من سبتمبر سنة 1955 وأخطر المدرسة لتوقيع الكشف الطبى بالمنزل، ولما لم يقم الطبيب المختص بعيادته بمنزله لعدم امكان الطبيب الاستدلال على عنوان منزله توجه للمدرسة يوم أول أكتوبر سنة 1955 عليه أخطرت الوحدة بدورها المدرسة بأن المذكور ليس به أى أعراض اكلينيكية مرضية على أن يعود لعمله فى ذات اليوم، ولكن سيادته لم يتسلم العمل بالمدرسة الا يوم 10 من أكتوبر سنة 1955، أما عن الاسباب التى دعت الى نقله فهى انقطاعه عن عمله بسبب انتسابه للجامعة وتعدد شكاوى المدرسة من هذا الانقطاع كما جاء بمذكرة السيد مفتش القسم المختص.
ومن حيث ان المحكمة الادارية لوزارة التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والارشاد القومى قضت فى طلب وقف التنفيذ بجلسة 23 من مايو سنة 1956 برفضه، وقضت فى الموضوع بجلسة 13 من فبراير سنة 1958 بالغاء الصادر بنقل المدعى من مدرسة الهلال بكرداسة الى مدرسة المعرقب وخصم أيام الانقطاع من مرتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الوزارة المصروفات ورفض طلب التعويض مع الزام المدعى مصروفاته. وأقامت قضاءها على أن المدعى طلب فى 27 من سبتمبر 1955 توقيع الكشف الطبى عليه بمنزله، ولما لم يجده الطبيب حضر للمدرسة فى أول أكتوبر سنة 1955 وطلب تحويله الى الكشف الطبى وأحيل الى الوحدة العلاجية بالجيزة فى 2 من أكتوبر سنة 1955 ثم أرسل طلبا فى نفس التاريخ يطلب توقيع الكشف الطبى عليه، ولكن جهة الادارة لم تتخذ اجراءات الاحالة الى الكشف الطبى حتى عاد الى عمله بتاريخ 10 من أكتوبر سنة 1955، فتكون فترتا الغياب لمدة أحد عشر يوما من 27 الى 29 من سبتمبر سنة 1955 ويوم 30 جمعة، وقد حضر لمقر عمله فى اول اكتوبر سنة 1955 ثم من 2 الى 9 من اكتوبر سنة 1955، وأن الطبيب الذى أحيل اليه طلب الكشف الطبى حسب نص القانون، وحتى اعتبر جهة اختصاص فان فترتى الغياب المذكورتين لم تكونا عقب أجازة اعتيادية أو مرضية منحت للمدعى حتى يعمل فى شأنها حكم المادة 62 من قانون التوظف بحرمان المدعى من مرتبه، لان النص المذكور يشترط لهذا الحرمان أن تكون هناك اجازة منحت للموظف، والا يعود الموظف بعد انتهاء الاجازة مباشرة وأن يكون عدم عودته بغير مبرر يجيز هذا التخلف، فان تخلف شرط من هذه الشروط فليس لجهة الادارة أن تطبق حكم المرض بالحرمان من المرتب، والا كانت مبتدعة لحكم لم يرد به نص فى القانون، وهو ما لا تملكه، وأنه لا محل لمؤاخذة المدعى عن عدم اهتداء الطبيب الى مسكنه فى القترة الاولى وقد ثبت من تقرير ناظر المدرسة أن العنوان الذى ذكر هو العنوان الموجود بسجلات المدرسة والذى كانت ترسل اليه المكاتبات الرسمية الخاصة بالمدعى وكان يتسلمها، وانه عن الفترة الثانية فان الاجراءات التى اتخذتها الادارة من اجابة لطلب المدعى احالته الى الكشف الطبى، وان كانت تنفيذا لقواعد وضعتها خاصة بموظفيها وتقضى باحالتهم الى طبيب الوحدة العلاجية، الا انها لا يمكن أن تنتج من الاثر ما رتبه القانون على الاحالة الى القومسيون الطبى المختص وما يتبعه من اقراره بحالة الموظف الصحية، وأنه جاء بشهادة الادارة الطبية لجامعة عين شمس المؤرخة 14 من ديسمبر سنة 1955 أن المدعى تقدم للعلاج فى 14 من مايو سنة 1955 وتبين أنه مصاب بزلال واسطوانات والتهاب بالمجارى البولية وقامت الوحدات العلاجية بعلاجه ثم ادخلته مستشفى دار الشفاء وخرج منها فى 22 من أغسطس سنة 1955، ولما كان فى اجازة لاستمرار العلاج فقد احيل الى كلية الطب، فقرر السيد العميد فى 2 من أكتوبر سنة 1955 أنه مازال مصابا بالتهاب مزمن بالمثانة ينتج عنه مغص كلوى مفاجئ احيانا، كما ان مفتش صحة القطورى قرر عند توقيع الكشف الطبى على المدعى فى 18 من ديسمبر سنة 1955 أن عنده التهابا بالمثانة وحوض الكليتين، ومنحه اجازة عشرة أيام، مما يتضح معه أن المدعى كان فى حالة مرض فى المدة المشار اليها، وكان على الادارة أن تتدارك موقفها حينما أعاد المدعى طلب توقيع الكشف الطبى فى 2 من أكتوبر سنة 1955 وخلصت المحكمة من ذلك الى "أن القرار المطعون فيه فى شطره الاول غير قائم على اساس من القانون" واقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للشطر الثانى من القرار المتضمن نقل المدعى على أنه، وان كان لجهة الادارة الحرية المطلقة فى نقل موظفيها نقلا مكانيا بما يحقق المصلحة العامة دون رقابة من القضاء الادارى، الا أنه اذا اتسم هذا النقل بطابع خاص يخرجه عن نطاق المصلحة العامة وأفصحت الادارة فى قرارها عن تبيان ذلك كان للمحكمة أن تجرى رقابتها على القرار لتقصى مشروعيته، ويبين من القرار أنه جاء بالموافقة على اقتراح مفتش القسم الذى وكل اليه أمر التحقيق والذى تضمن نقل المدعى "الى جهة نائبة لا يستطيع فيها الحضور الى القاهرة وليستقر فى محل عمله لانه كثير الاجازات، وقد ضجت المدرسة من كثرة انقطاعه، لانه منتسب للدراسات الجامعية بكلية الحقوق" فتعدى النقل - فى هذه الصورة - الغاية التى شرع من أجلها، وهى تنسيق الوظائف والموظفين حسب حاجة العمل فى مراكزه المختلفة بما يتفق وتحقيق المصلحة العامة، وجاء عقب تحقيق اجرى مع المدعى استخلصت منه وقائع لم تثبت فى الاوراق ولم يقم عليها دليل فلم تتحقق كثرة اجازات المدعى، ولم يتعال صوت المدرسة بالشكوى من كثرة انقطاعه، بل أن أقوال ناظر المدرسة فى التحقيق لا يشتم منها ما انتهى اليه المحقق فى اقتراحه لا صراحة ولا دلالة، كما أن النقل كان مصاحبا لجزاء الخصم من المرتب ومقترنا به، يؤيد ذلك ما جاء بالكتاب الصادر للمدعى من مكتب السيد وزير التربية والتعليم المؤرخ 25 من يناير سنة 1956 ردا على الشكوى المرسلة منه بشأن نقله بأن منطقة الجيزة التعليمية أفادت بأن السبب فى نقله "هو كثرة انقطاعه عن عمله لسبب انتسابه للجامعة وتعدد شكاوى المدرسة من هذا الانقطاع وكذلك انقطاعه 12 يوما من 27 من سبتمبر سنة 1955 الى أول أكتوبر سنة 1955 ثم من 2 من أكتوبر بادعائه المرض بعد أن قرر طبيب الوحدة أنه غير مريض والعودة لعمله" مما يخرجه عن وصفه نقلا مكانيا الى اعتباره جزاء مقنعا أضيف الى الشطر الاول من الجزاء، وهذا الجزاء غير منصوص عليه فى المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التى أوردت الجزاءات على سبيل الحصر، فليس لجهة الادارة أن تبتدع من الجزاءات لتنزلها على موظفيها والا كان تصرفها متسما بالانحراف فى استعمال السلطة. وأسست المحكمة رفض طلب التعويض على أنه وقد حكم بالغاء القرار الصادر بنقل المدعى وبالخصم من مرتبه فانه يتضمن تعويضا ادبيا يغنى عن التعويض المادى المطلوب.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الثابت من الاوراق أن المدعى انقطع عن عمله مدة أثنى عشر يوما، ولم يكن هذا الانقطاع فى حدود ما تقضى به المادة 57 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التى تنص على أنه "لا يجوز لاى موظف أن ينقطع عن عمله الا لمدة معينة فى الحدود المسموح بها لمنح الاجازات". وعلى ذلك فان جهة الادارة تكون على حق اذا هى قررت احتساب مدة الغياب أجازة بدون مرتب استنادا الى المبدأ المقرر من أن الاجر مقابل العمل. ولا وجه لما اشترطه الحكم المطعون فيه من وجوب أن يكون انقطاع الموظف بغير مبرر تاليا مباشرة لاجازة منحها حتى يمكن تطبيق نص المادة 62 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951، اذ أن هذا النص أن هو الا تقرير لمبدأ الاجر مقابل القيام بالعمل وهو ما تقتضيه طبائع الامور، خاصة وأن المدعى عاد بعد انقطاعه مدة يومين الى محل عمله فى أول أكتوبر سنة 1955، وتسلم خطابا بتحويله الى الوحدة الصحية بالجيزة وبالكشف عليه تبين عدم وجود أعراض اكلينيكية مرضية وتنبه عليه بالعودة لعمله فى نفس اليوم ولكنه لم يعد الا فى يوم 10 من أكتوبر سنة 1955، الامر الذى يستفاد منه اصراره على انقطاعه عن العمل بغير مبرر، ولا اعتداد بما قدمه المدعى من شهادات لاثبات مرضه فى فترة غيابه، طالما أن الجهة المنوط بها تقرير حالته الطبية انتهت الى عدم وجود أعراض اكلينيكية مرضية يوم الكشف عليه. أما عن قرار نقل المدعى من مدرسة الهلال بكرداسة الى مدرسة المعرقب فان النقل قد تم الى وظيفة لا تقل درجتها عن وظيفة المدعى ولم تتضمن أى تنزيل له وبذلك يتمخض القرار عن نقل مكانى تترخص فيه الادارة بما لا معقب عليها الا اذا انحرفت بسلطتها عن الصالح العام الامر الذى لم يقم عليه دليل من الاوراق، بل أن فى سلوك المدعى وما أسفر عنه التحقيق من ضرورة نقله الى مكان بعيد عن القاهرة ليستقر فيه ما ينبئ بأن القرار المطعون فيه استهدف تحقيق الصالح العام.
ومن حيث ان الثابت من اوراق الدعوى والمستندات المقدمة فيها أن المدعى كان معينا بوظيفة مدرس بمدرسة الهلال بكرداسة التابعة لمنطقة الجيزة التعليمية، وكان فى نفس الوقت ملتحقا بكلية الحقوق التابعة لجامعة عين شمس، ومقيما بالزيتون، وفى 27 من سبتمبر سنة 1955 طلب من المدرسة التابع لها توقيع الكشف الطبى عليه بمنزله بشارع عبد الرحمن نصر بالزيتون، وقد أحيل هذا الطلب الى الوحدة العلاجية لمنطقة القاهرة الشمالية التى يقع منزله فى دائرتها، فأفادت بعدم الاستدلال عليه، واستمر المدعى منقطعا عن عمله الى اليوم الاول من اكتوبر سنة 1955 اذ حضر للمدرسة وقبض راتبه، وطلب فى اليوم التالى احالته على الكشف الطبى، فأحيل فى يوم 2 من أكتوبر سنة 1955 الى الوحدة العلاجية بالجيزة فأشرت على أوراقه فى نفس اليوم بأنه "ليس به أعراض اكلينيكية مرضية ويعود لعمله اليوم"، ولكن المدعى استمر منقطعا عن عمله حتى يوم 10 من اكتوبر سنة 1955 حيث عاد مقررا انه شفى. وقد ارسل المدعى فى نفس يوم 2 من أكتوبر سنة 1955 الى مراقب الوحدة العلاجية لمنطقة الجيزة التعليمية شاكيا من طبيب الوحدة أنه تعنت معه لمشادة حصلت بينهما بسبب تأخير الكشف عليه، وقد أرسل مدير الادارة هذه الشكوى بتاريخ 9 من أكتوبر سنة 1955 الى المنطقة التعليمية بالجيزة لاتخاذ اللازم، حيث أن الموظف المذكور حضر للادارة لتوقيع الكشف الطبى عليه، واتضح انه غير مريض وكلف بالعودة لعمله، وأن ما جاء بالشكوى يجافى الحقيقة. وبعد أن تولت المنطقة التحقيق مع المدعى لانقطاعه دون اجازة، واعتبرت مدة انقطاعه اجازة بدون مرتب، وصدر القرار بنقله من مدرسة الهلال بكرداسة الى مدرسة المعرقب، تقدم المدعى بتاريخ 13 من ديسمبر سنة 1955 الى الادارة الطبية بجامعة عين شمس بصفته طالبا بكلية الحقوق طالبا اعطاءه شهادة بحالته المرضية وتشخيصه ليقدمها للمحكمة الادارية. وقد دونت هذه الادارة على هذا الطلب الشهادة الآتى نصها:
أن طالب الحقوق محمد محمد منير جادو قد تقدم بها لعلاجه اعتبارا من 14 من مايو سنة 1955، وبالكشف عليه تبين أنه مصاب بزلال واسطوانات والتهاب بالمجارى البولية. وقد قامت الوحدة العلاجية بعلاجه، ثم أدخلته مستشفى دار الشفاء للعلاج وخرج منها بتاريخ 22 من أغسطس سنه 1955، ولما كان فى حاجة الى استمرار العلاج فقد أحلناه على كلية الطب بتاريخ 25 من سبتمبر سنة 1955 لتقرير حالته الصحية، وقد جاء بتقرير السيد العميد المؤرخ 2 من أكتوبر سنة 1955 أنه مازال مريضا بالتهاب مزمن بالمثانة ينتج عنه مغص كلوى مفاجئ أحيانا". وقدم المدعى هذه الشهادة بحافظة مستنداته فى الدعوى.
ومن حيث أن لائحة القومسيون الطبى العام والقومسيونات الطبية بالمديريات والمحافظات تنص فى الفقرة ( أ ) من المادة 45 منها على أنه "يجوز منح أجازة مرضية لمدة لا تزيد على عشرة أيام للموظفين الدائمين والمؤقتين المقيمين فى احدى مدن المحافظات، بناء على طلب رسمى من رئيسهم المباشر، وذلك بمقتضى شهادة طبية من طبيب صحة المركز أو القسم أو من مفتش صحة المديرية أو المحافظة أو من طبيب أول المستشفى، ويكون لرئيس المصلحة المحلى التابع لها الموظف الحق فى أن يرسل الموظف اذا رأى داعيا لذلك للقومسيون الطبى بالمديرية أو بالمحافظة أو القومسيون الطبى العام". وتنص الفقرة (ب) من المادة الذكورة على أنه "يجوز منح أجازة مرضية لمدة لا تزيد على عشرة أيام بالشروط نفسها بمقتضى شهادة من طبيب حكومى تابع لنفس المصلحة ومقيم فى نفس الجهة التى يقيم فيها المستخدم" ومؤدى نص هاتين الفقرتين أن الاطباء المشار اليهم فيها مختصون بتحرير شهادات مرضية يمنح بمقتضاها الموظفون المحالون عليهم أجازات مرضية لمدة لا تزيد على عشرة أيام، وبذلك يكون طبيب الوحدة العلاجية فى منطقة الجيزة التعليمية الذى أحيل اليه المدعى لتوقيع الكشف الطبى عليه غير متجاوز لاختصاصه الذى تخوله لائحة القومسيونات الطبية، فاذا ما قرر أن الموظف الذى طلب منه الكشف عليه ليس به اعراض اكلينيكية مرضية، فليس لرئيس المصلحة أن القومسيون الطبى اذا رأى داعيا لذلك. ولما كان الثابت من الاوراق أن المدعى تقدم بالمستندات الدالة على مرضه المزمن لأول مرة فى الدعوى فليس للمدعى أن ينعى على رئيس المصلحة عدم احالته على القومسيون الطبى مادام أنه لم يقدم له ما يبرر اطراح رأى الطبيب المختص بأنه ليس به أعراض مرضية اكلينيكية، و ليس فى المستندات التى قدمها المدعى ما يقطع بأن حالته فى اليوم الذى تقدم فيه الى الوحدة العلاجية للكشف عليه كانت تستلزم انقطاعه عن العمل ومنحه أجازة مرضية.
ومن حيث ان ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه من أن فترة انقطاع الموظف عن عمله التى تبرر حرمانه من راتبه مدة الانقطاع يجب أن يكون طبقا للمادة 62 من قانون التوظف عقب اجازة اعتيادية أو مرضية بعد انتهاء مدتها، وأنه ليس لجهة الادارة أن تقرر حرمان الموظف اذا انقطع عن عمله بغير عذر فى غير هذه الحالة - هذا القول من جانب الحكم المطعون فيه مردود بأن هذه المادة انما تردد أصلا عاما يقوم على حكمة تشريعية يستوجبها حسن سير العمل فى الدولاب الحكومى، مردها الى أصل طبعى، هو أن يحرم الموظف الذى ينقطع عن عمله بدون مبرر من راتبه مدة غيابه، لان الاصل ان الاجر مقابل العمل، فاذا تغيب الموظف بدون مبرر فلا حق له فى الاجر، وهذا مع عدم الاخلال بالمحاكمة التأديبية بسبب اهماله فى اداء واجبه لتغيبه عن عمله بدون مبرر.
ومن حيث انه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه اذ قضى باستحقاق المدعى راتبه عن مدة انقطاعه، مخالفا للقانون ويتعين الغاؤه ورفض هذا الطلب.
ومن حيث انه بالنسبة لقرار نقل المدعى من مدرسة الهلال بكرداسة الى مدرسة المعرقب، فان كلتا المدرستين تابعة لمنطقة الجيزة التعليمية، ومن نفس المرتبة، وقد نقل المدعى الى وظيفة مماثلة لتلك التى كان يشغلها فى المدرسة المنقول منها، وظاهر من قرار النقل أن الادارة استهدفت من ورائه استقرار المدعى فى مقر وظيفته، فلا يمكن أن يعاب تصرفها بسوء استعمال السلطة أو أنه تضمن جزاء تأديبيا مقنعا وهو قرار نقل مكانى تترخص فيه جهة الادارة بلا معقب عليها ما دام أن قرارها قد خلا من اساءة استعمال السلطة. ومن ثم يكون الحكم اذ قضى بالغاء قرار النقل قد خالف القانون ويتعين الغاؤه، ورفض الدعوى مع الزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الاسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعى بالمصروفات.