مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 684

(73)
جلسة 23 من نيسان (أبريل) سنة 1960
القضية رقم 2 لسنة 2 القضائية (1، 2):

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة على بغدادى ومصطفى اسماعيل ومحمود ابراهيم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.
( أ ) ميعاد الستين يوما - دعوى الالغاء - تسوية - تقاعد - مدة خدمة سابقة - طلب حسم العائدات التقاعدية واعتبار مدة خدمة أديت فى وظيفة عامة داخلة فى الملاك فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد - يعتبر من قبيل دعاوى التسوية - عدم خضوعه للمواعيد المقررة للطعن بالالغاء فى ظل القانون رقم 55 لسنة 1959 - أساس ذلك.
(ب) تقاعد - فلسطين - جنسية - وظيفة عامة - المساواة بين السوريين والفلسطينيين فى جميع والمزايا المترتبة على الوظيفة العامة، مع الاحتفاظ بالجنسية الاصلية لكل - شمول الافادة من نظم التقاعد متى توافرت فى حق صاحب الشأن شروطها - أساس ذلك - المرسومان التشريعيان رقما 33 بتاريخ 17/ 9/ 1949 و72 بتاريخ 26/ 9/ 1953 والقانون رقم 260 الصادر فى 10/ 7/ 1956.
(جـ) تقاعد - جنسية - فلسطين - ثبوت اقامته بالجمهورية السورية عند نشر القانون رقم 260 لسنة 1956 وشغله وظيفة داخلة فى الملاك الدائم وادائه خدمة تدخل فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد - أفادته من أحكام المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 بنظام الرواتب التقاعدية.
1 - أن ما يطلبه المدعى من اعادة حسم العائدات التقاعدية واعتبار مدة الخدمة التى أداها فى وظيفة عامة داخلة فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد، انما ينطوى على منازعة تندرج فى عداد "المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم"، التى نص عليها بالبند (ثانيا) من المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة والتى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى دون غيره بالفصل فيها، وله فيها ولاية القضاء كاملة، بما يتفرع عنها من قرارات واجراءات ترتبط بها وتعد عنصرا من عناصرها، اذ يقوم النزاع فيها على مراكز قانونية، يتلقى اربابها الحق فيها - أن ثبت لهم - من القانون مباشرة، غير رهين بارادة الادارة أو بسلطتها التقديرية، ويهدف بها ذوو الشأن الى تقرير احقيتهم فى الافادة من مزايا قاعدة قانونية، ولا تعدو القرارات التى تصدرها الادارة فى خصوصها - ايا كان فهمها لهذه القاعدة أن تكون تنفيذا لحكم القانون. وبهذا الوصف فانها تعد من قبيل دعاوى التسوية لا الالغاء ولا يخضع قبولها فى ظل القانون رقم 55 لسنة 1959 لشرط رفعها فى المواعيد المقررة للطعن بالالغاء.
2 - ان ما نصت عليه المادة الثالثة من المرسوم التشريعى رقم 161 الصادر فى 4 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1935 من حصر الافادة من أحكامه فى الموظفين الملكيين والعسكريين المتمتعين - وأفراد أسرهم - بالجنسية السورية قبل الاحداث الخاصة بالفلسطينيين العرب وبأوضاعهم فى الاقليم السورى، وما قضت به المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 34 بتاريخ 27 من نيسان (أبريل) سنة 1949 الخاص بنظام الرواتب التقاعدية من تطبيق احكامه على موظفى الجمهورية السورية وذويهم الحائزين على الجنسية السورية، انما يتناول الاحكام المنظمة لاوضاع السوريين فيما يتعلق بافادتهم من حقوق التقاعد، بجعل الجنسية السورية شرطا لهذه الافادة، وذلك قبل نشوء الاحداث المشار اليها، فلا يصلح - والحالة هذه - حجة لمنع افادة الفلسطينيين أن كانوا يفيدون من تلك الاحكام بنصوص تشريعية لاحقة لتلك الاحداث سوت بينهم وبين السورين أصلا فى هذا الخصوص.
وقد رأى الشارع لحكمة عليا سياسية وقومية أملتها الظروف الاستثنائية التى يمر بها الفلسطينيون العرب أن يسوى بينهم وبين السوريين فى الحقوق والمزايا الخاصة بالوظيفة، فأصدر لهذا الغرض المرسوم التشريعى رقم 33 بتاريخ 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1949 باعفائهم من شرط الجنسية المنصوص عليه فى الفقرة الاولى من المادة 11 من قانون الموظفين الاساسى عند طلبهم التوظف فى ادارات الدولة والمؤسسات العامة، وقضى بمعاملتهم كالسوريين من هذه الوجهة مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية من أجل الاوضاع السياسية والدولية. وبازالة فارق الجنسية، وتقرير المساواة بينهم وبين السوريين يصبح شأن هؤلاء الفلسطينيين بعد ذلك شأن السوريين فيما يتعلق بباقى الشروط والصفات الاخرى اللازم توافرها لامكان الانخراط فى سلك الوظيفة العامة، والخضوع للنظم التى تحكمها، بما فى ذلك ما تفرضه على شاغلها من واجبات وما ترتبه له من مزايا، ومنها حقوق التقاعد متى تحققت للشخص الشروط المتطلبة قانونا لاكتساب المركز القانونى الذاتى فيها، وقد أكد المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1953 الصادر بتسوية أوضاع الفلسطينيين هذا المعنى فيما نص عليه من تنظيم تثبيت الفلسطينيين المتعاقد معهم فى وزارة التربية والتعلم فى الملاك الذى ينتمون اليه (الابتدائى أو الثانوى) بالطرق، ووفقا للمبادئ التى بينها، وكما أقر صراحة بحق هؤلاء الفلسطينيين فى التقاعد فيما قضى به من اعتبار بدء حساب الخدمات الفعلية من اجل التقاعد للفلسطينيين الذين يدخلون فى ملاك التعليم الثانوى أو الابتدائى بموجب أحكامه من تاريخ صدور المراسيم أو القرارات المتضمنة دخولهم فى هذا الملاك. ويتضح من هذا بما لا يدع مجالا للشك أن الشارع قد اعتبر المساواة بين السوريين اصلا وبين الفلسطينيين فى جميع الحقوق والمزايا المترتبة على الوظيفة العامة بما فى ذلك الافادة من نظم التقاعد متى توافرت فى حق صاحب الشأن شروطها، أمرا مسلما مفروغا منه من حيث المبدأ، ولذا صدرت التنظيمات التشريعية الخاصة بموظفى وزارة المعارف من الفلسطينيين من حيث التثبيت والتقاعد على هذا الاساس. ثم أكد ذلك القانون رقم 260 لسنة 1956 الصادر بعد ذلك فى 10 من تموز (يولية) سنة 1956، والذى نص فى عبارة قاطعة على المساواة التامة بين هؤلاء وأولئك فى جميع ما نصت عليه القوانين والانظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظف والعمل والتجارة وخدمة العلم، مع احتفاظ الفلسطينيين بجنسيتهم الاصلية، وظاهر من ذلك أنه اعتبر المذكورين كالسوريين تماما فى كل ما تقدم من حقوق وهى التى تندرج فيما يسمى فى الدساتير بالحقوق العامة للمواطنين، وأن كان قد احتفظ بالجنسية الاصلية لكل. وغنى عن القول أنه يقصد بالحقوق المتعلقة بالوظيفة الحقوق والمزايا المترتبة على النظام القانونى للوظيفة بمعناه العام بغير تخصيص أو تمييز أو المتفرغة منه، والمطلق يجرى على اطلاقه ما لم يقيد أو يخصص بنص خاص. ويدخل فى النظام القانونى العام للوظيفة الاحكام والمزايا الخاصة بالتقاعد، لانه فرع من النظام المذكور، فيفيد منه السورى والفلسطينى سواء بسواء متى توافرت فى حقه الشروط القانونية المتطلبة لذلك. وكون المشرع قد يعالج نظام التقاعد بقانون خاص مستقل عن قانون الموظفين الاساسى ليس معناه أن النظام المذكور منفصل عن النظام القانونى للوظيفة، بل هو فرع منه فى المفهومات القانونية الادارية العامة كما سلف البيان، وغاية الامر أن المشرع يفصل هذا النظام بقانون خاص كما يحدث فى أمور أخرى خاصة بالوظيفة العامة فيما يتعلق بقواعد التعيين أو الترفيع أو التأديب، أو بالنسبة الى فئات أو هيئات خاصة من الموظفين كالقضاة أو العسكريين أو الشرطة أو موظفى الجمارك أو غيرهم، كل هذا مع التسليم بأنها جميعا تشريعات تتعلق بالوظيفة بمعناها العام، كما أن كون الموظف لا يفيد أحيانا من مزايا التقاعد لا يرجع الى أن نظام التقاعد فى الفهم القانونى منفصل عن نظام الوظيفة العام، بل قد يرجع الى عدم الشروط الواجب تحققها لاستحقاق التقاعد، والسوريون والفلسطينيون فى ذلك على حد سواء.
3 - اذا كان الثابت أن المدعى من الفلسطينيين العرب المقيمين بأراضى الجمهورية السورية عند تاريخ نشر القانون رقم 260 لسنة 1956، وكان يشغل وظيفة داخلة فى الملاك الدائم ويؤدى خدمة تدخل فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد، فانه يفيد من أحكام المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 الخاص بنظام الرواتب التقاعدية.


اجراءات الطعن

فى 26 من تشرين الثانى (نوفمبر) 1959 أودع السيد ممثل ادارة قضايا الحكومة بصفته نائبا عن وزارتى التربية والتعليم والخزانة بالاقليم السورى عريضة طعن أمام هذه المحكمة، قيد بجدولها تحت رقم 2 لسنة 2 القضائية (الاقليم السورى) فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية بدمشق بجلسة 28 من تشرين الاول (أكتوبر) سنة 1959 فى الدعوى المقيدة بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم 53 لسنة 1959، المقامة من: السيد/ جميل سعد الدين السعدى، ضد كل من:(1) وزارة التربية والتعليم، و(2) وزارة الخزانة. القاضى "بالاكثرية: 1 - بقبول الدعوى شكلا، 2 - الغاء القرار المشكو منه، 3 - الزام الجهة المدعى عليها باعادة ما أسلف المدعى من رسوم. حكما قابلا للطعن" وطلبت الوزارتان الطاعنتان للاسباب التى استندتا اليها فى صحيفة طعنهما: 1 - قبول الطعن شكلا، 2 - بعد تدقيق الطعن وأسبابه اعطاء القرار بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه، والحكم عليه فى الطعن بجميع الرسوم والمصاريف والاتعاب". وقد بلغ هذا الطعن الى المطعون عليه فى 3 من كانون الاول (ديسمبر) 1959، فعقب عليه السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة بتقرير بالرأى القانونى مسببا أودعه فى 30 من كانون الثانى (يناير) سنة 1960، انتهى فيه الى أنه يرى "الحكم بقبول الطعن شكلا، وبالغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من اعتبار الدعوى من دعاوى الالغاء، وبتأييده فيما قضى به من تقرير أحقية المدعى فى الافادة من أحكام المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 الخاص بنظام الرواتب التقاعدية اذا توافرت فى حقه الشروط المنصوص عليها فيه على الوجه الوارد فى التقرير مع الزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من شباط (فبراير) سنة 1960، وفى 9 منه أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا (دائرة الموضوع) لنظره بجلسة 12 من نيسان (ابريل) سنة 1960، وفى 5 من آذار (مارس) سنة 1960 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة
من حيث ان الطعن قد استوفى اوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 53 لسنة 1959 ضد كل من (1) وزارة التربية والتعليم. و(2) وزارة الخزانة، أمام المحكمة الادارية بدمشق بعريضة أودعها ديوان المحكمة فى 3 من آب (أغسطس) سنة 1959 ذكر فيها أنه من اللاجئين الفلسطينيين، وقد سبق له أن عين مدرسا بالمدارس الرسمية فى سوريا بعقد، ثم أدخل فى ملاك وزارة التربية والتعليم استنادا الى النصوص القانونية التى منحت الموظفين الفلسطينيين حق الدخول فى ملاكات الدولة واستحقاق التقاعد كالسوريين مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية. وقد شرع محاسبو الوزارة فى خصم العائدات التقاعدية منه وفق الانظمة المرعية، الا أنه فوجئ بوقف هذا الخصم استنادا الى بلاغ صدر من وزارة المالية فى 5 من أيار (مايو) سنة 1957 بتضمن أن الموظفين الفلسطينيين لا يفيدون من أحكام نظام التقاعد. وقد تقدم فى 2 من أيار (مايو) سنة 1959 بتظلم الى وزارة الخزانة عن طريق وزارة التربية والتعليم، شرح فيه قضيته، وطلب اعتباره مستحقا للتقاعد وفقا للقانون رقم 260 لسنة 1956 الذى اعتبر الموظفين الفلسطينيين المقيمين فى سوريا كالسوريين اصلا فى جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة. بيد أن الجهة الادارية رفضت اجابة طلبه. وقد أبلغ بمضمون قرار الرفض هذا فى 6 من تموز (يولية) سنة 1956، ولما كان التقاعد حقا للموظف يترتب له بمثابة تعويض عند تركه الخدمة، وكان المشرع لم يحرم الفلسطينيين المقيمين فى سوريا من هذا الحق، وكان حقوق التوظيف لا تقتصر على الرواتب والمكافآت والمزايا التى يتمتع بها الموظفون أثناء الخدمة، بل تمتد الى معاش التقاعد وكانت مدة الخدمة التى أداها المدعى فى وظيفة عامة داخلة فى الملاك تعتبر فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد، فان القرار المطعون فيه يكون مشوبا بعيب مخالفته للقانون بصورة تحتم أبطاله، ومن أجل هذا فانه يطلب "قبول الدعوى شكلا، وابطال القرار المطعون فيه، واعادة خصم العائدات التقاعدية، واعتبار مدة الخدمة التى أداها فى وظيفة عامة داخلة فى الملاك من عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد، وتضمين الجهة المدعى عليها الرسوم والمصاريف والاتعاب".
ومن حيث ان السيد مفوض الدولة أودع فى 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه الى أنه يرى "قبول الدعوى شكلا، وابطال القرار المطعون فيه فيما يتعلق برفض قبول الخدمة التى يثبت أداؤها من قبل المدعى فى وظيفة داخلة فى الملاك بعد نفاذ القانون رقم 260 تاريخ 10 من تموز (يولية) سنة 1956 فى حساب التقاعد، وتضمين الجهة المدعى عليها النفقات وأتعاب المحاماة" واستند فى ذلك الى أن المشرع قد اعتبر الفلسطينيين كالسوريين فى جميع ما نصت عليه القوانين والانظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظيف والتجارة وخدمة العلم، وذلك بمقتضى القانون رقم 260 لسنة 1956 الذى شمل ابناء فلسطين العربية المقيمين فى سوريا فى تاريخ نشره. ولما كانت حقوق التوظيف تشمل معاش التقاعد، وكانت الخدمة التى أداها المدعى فى وظيفة عامة داخلة فى الملاك بعد نفاذ هذا القانون تدخل فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد، فان القرار المطعون فيه، اذ لم يأخذ بهذا النظر يعتبر مشوبا بعيب مخالفة القانون مما يستوجب ابطاله.
ومن حيث أن المحكمة الادارية بدمشق قضت بجلسة 28 من تشرين الاول (أكتوبر) سنة 1959 "بالاكثرية: 1 - بقبول الدعوى شكلا، 2 - الغاء القرار المشكو منه، 3 - الزام الجهة المدعى عليها باعادة ما أسلف المدعى من رسوم. حكما قابلا للطعن".. وأقامت قضاءها على أن حق التقاعد حق من حقوق الموظف يترتب له بمثابة تعويض عند تركه الخدمة، وأن النصوص الخاصة بنظام الرواتب التقاعدية تشترط للافادة من القواعد المتعلقة بالتقاعد شرطين: هما أن يكون الشخص من موظفى الجمهورية السورية، وأن يكون حائزا على الجنسية السورية، وذلك بصريح نص المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949، وقد اعتبر القانون رقم 260 لسنة 1956 الفلسطينيين المقيمين فى أراضى الجمهورية السورية فى تاريخ نشره كالسوريين اصلا، أى أنه قرر لهم سائر المزايا التى يتمتع بها السوريون، مما نصت عليه القوانين والانظمة. ولما كانت مناقشات المجلس النيابى حين اقرار هذا القانون لا تدل على أنه قصد حرمانهم من حق التقاعد، وكانت الآثار المترتبة على هذا توجب منح المدعى حق التقاعد أسوة بالموظف السورى، وحرمانه منه لا يجعله كالسورى، فان القرار المطعون فيه يكون مخالفا للقانون مستحقا للالغاء.
ومن حيث أن وزارتى التربية والتعليم والخزانة قد طعنتا فى هذا الحكم بعريضة أودعت سكرتيرية المحكمة الادارية العليا فى 26 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1959 طلبتا فيه "1 - بقبول الطعن شكلا، 2 - بعد تدقيق الطعن وأسبابه اعطاء القرار بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه، والحكم على المدعى عليه فى الطعن بجميع الرسوم والمصاريف والاتعاب".. واستندتا فى ذلك الى أنه ليس ثمت تلازم بين كون الشخص موظفا وبين استحقاقه التقاعد، اذ أن لهذا الاستحقاق شروطا غير شروط التوظف، وقد لا تتوافر هذه الشروط فى كثير من الموظفين السوريين أنفسهم فلا يفيدون من حق التقاعد. ولما كان شرط استحقاق التقاعد أن يكون الموظف حائزا على الجنسية السورية، وكان المدعى فلسطينى الجنسية، فانه لا يستحق التقاعد، وقد وردت الحقوق التى منحها القانون رقم 260 لسنة 1956 للفلسطينيين على سبيل الحصر، ومنها حقوق التوظيف التى نصت عليها قوانين التوظف، والتى تتضمن شروط التوظف ومراتب الموظف ودرجاته ورواتبه وكيفية أداء واجباته الوظيفية، أما حق التقاعد وشروط استحقاقه فقد نظمها قانون خاص هو قانون التقاعد الصادر بالمرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949، وهو يتطلب شرط الجنسية السورية فيمن يستحق راتب التقاعد، كما يشترط استمرار هذه الجنسية لاستمرار استحقاق الراتب المذكور، ويسقط حق ورثة الموظف فيه اذا لم يكونوا متمتعين بتلك الجنسية أو اذا فقدوها، الامر الذى يدل على مدى أهمية ارتباط الجنسية بحق التقاعد. ويؤخذ من مناقشات المجلس النيابى الخاصة بمشروع القانون رقم 260 لسنة 1956 أن السلطة التشريعية لم توافق على مساواة الفلسطينيين بالسوريين فى كافة الحقوق المنصوص عليها فى القوانين، بل قصرت هذه المساواة على بعض الحقوق التى أوردت بيانها حصرا، وأن التعيين لا يشمل التقاعد، وان كلمة التوظيف التى استبدلت بكلمة التعيين بناء على اقتراح وزير الداخلية لا تتضمن حق التقاعد، وأقل ما يقال فى هذا الموضوع أن ثمت شكا كبيرا فى أن الشارع أراد منح الفلسطينيين حق التقاعد، وان احتمال عدم شمول حق التوظيف لحق التقاعد أكثر رجحانا من الفرض الآخر. وترتيبا على هذا فانه لا يجوز التوسع فى هذا المقام فى تفسير النصوص بطريق الاجتهاد أو القياس متى كان فى هذا التفسير ترتيب اعباء مالية جسيمة على خزانة الدولة، مما لا يصح الا بنص صريح واضح قاطع. ومن ثم فان حكم المحكمة الادارية المطعون فيه يكون قد وقع مخالفا للقانون.
ومن حيث ان السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة اودع فى 30 من كانون الثانى (يناير) سنة 1960 تقريرا بالرأى القانونى مسببا، انتهى فيه الى أنه يرى "الحكم بقبول الطعن شكلا، وبالغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من اعتبار الدعوى من دعاوى الالغاء، وبتأييده فيما قضى به من تقرير أحقية المدعى فى الافادة من أحكام المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 الخاص بنظام الرواتب التقاعدية اذا توافرت فى حقه الشروط المنصوص عليها فيه على الوجه الوارد فى التقرير، مع الزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبنى رأيه على أن التكييف القانونى الصحيح لطلبات المدعى هو أنها ليست من قبيل دعاوى الالغاء التى يشترط لقبولها أن ترفع فى المواعيد المقررة لذلك، اذ انه انما يهدف فى الحقيقة الى تقرير أحقيته فى الافادة من أحكام المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 استنادا الى المرسوم التشريعى رقم 33 لسنة 1949 والقانون رقم 260 لسنة 1956، مما يدخل فى الاختصاص الكامل للقضاء الادارى لتعلقه بمراكز قانونية مستمدة مباشرة فى القانون، اذ ان الطلبات الخاصة بالرواتب التقاعدية انما تندرج تحت المنازعات الخاصة بالمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم، وهى المنصوص عليها فى البند "ثانيا" من المادة الثامنة من قانون مجلس الدولة. ومن ثم فان الحكم المطعون فيه اذ ذهب مذهبا يخالف هذا التكييف فاعتبر الدعوى من دعاوى الالغاء، يكون قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه. أما عن الموضوع فى فيتنازعه رأيان:
(الاول) يذهب الى عدم افادة الفلسطينيين من أحكام التقاعد المقررة للموظفين السوريين استنادا الى أن المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 قصر الافادة من هذا النظام على الموظفين الحائزين على الجنسية السورية دون غيرهم، وأن القانون رقم 260 لسنة 1956 قد حدد المجال الذى تجرى فيه معاملة الفلسطينيين المقيمين فى الاراضى السورية فى تاريخ نشره معاملة السوريين فيما يختص بالقوانين والانظمة المتعلقة بحقوق التوظيف، وهى الخاصة بالرواتب والاجازات وغيرها، ولا يدخل فيها حق المعاش. هذا الى أنه يبين من مناقشات المجلس النيابى بصدد هذا القانون أن تمتع الفلسطينيين بحق التوظيف لا ينصرف الى حقوق التقاعد.
و(الثانى) يتجه الى القول بافادة الفلسطينيين من النظام المقرر للحقوق التقاعدية، اذ هدف القانون رقم 260 لسنة 1956 الى منحهم سائر الحقوق والمزايا التى يتمتع بها السوريون طبقا للقوانين والانظمة وهو الذى ترجحه هيئة المفوضين لما قام عليه من أسانيد، ولان حقوق التوظف المتعارف عليها فقها وقضاء، تتناول جميع مزايا الوظيفة العامة ومنها حقوق التقاعد، ما دام النص الذى ورد بشأنها عاما مطلقا شاملا لجميع هذه الحقوق، ولا سيما أنه يتضح من مذكرات المجلس النيابى ومن صياغة مشروع القانون رقم 260 لسنة 1956، ومن التعديلات التى أخلت عليه أن الشارع هدف الى مساواة الفلسطينيين بالسوريين فى جميع الحقوق الواردة فيه، وبعد أن كان المشروع ينص على هذه المساواة فيما يتعلق بحقوق التعيين استبدلت بهذه العبارة عبارة حقوق التوظيف بناء على ما طلبه أحد النواب من اضافة كلمة "التقاعد"، وليس المشرع بحاجة الى النص على المفهوم حكما. وما دام المدعى من الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون بأراضى الجمهورية السورية عند نشر القانون رقم 260 لسنة 1956، وقد كان يشغل وظيفة داخلة فى الملاك الدائم، فانه يفيد من أحكام المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949، اذا توافرت فى حقه الشروط المنصوص عليها فيه.
ومن حيث أن ما يطلبه المدعى من اعادة خصم العائدات التقاعدية، واعتبار مدة الخدمة التى أداها فى وظيفة عامة داخلة فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد، انما ينطوى على منازعة تندرج فى عداد "المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم"، التى نص عليها بالبند (ثانيا) من المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة، والتى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى دون غيره بالفصل فيها، وله فيها ولاية القضاء كاملة، بما يتفرع عنها من قرارات واجراءات ترتبط بها، عنصرا من عناصرها، اذ يقوم النزاع فيها على مراكز قانونية يتلقى أربابها الحق فيها - ان ثبت لهم - من القانون مباشرة، غير رهين بارادة الادارة أو بسلطتها التقديرية، ويهدف بها ذوو الشأن الى تقرير احقيتهم فى الافادة من مزايا قاعدة قانونية، ولا تعدو القرارات التى تصدرها الادارة فى خصوصها - أيا كان فهمها لهذه القاعدة أن تكون تنفيذا لحكم القانون. وبهذا الوصف فانها تعد من قبيل دعاوى التسوية لا الالغاء، ولا يخضع قبولها فى ظل القانون رقم 55 لسنة 1959 لشرط رفعها فى المواعيد المقررة للطعن بالالغاء. ومن ثم فان ما ذهب اليه حكم المحكمة الادارية المطعون فيه من اعتبار الدعوى الحالية من دعاوى الالغاء يكون فى غير محله، لقيامه على خطأ فى تأويل القانون وتطبيقه.
ومن حيث ان المادة الثالثة من المرسوم التشريعى رقم 161 الصادر فى 4 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1935 نصت على أنه "ينحصر حق الاستفادة من أحكام هذا المرسوم التشريعى بالموظفين الملكيين والعسكريين الحائزين وأفراد أسرهم على الجنسية السورية". كما نصت المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 34 الصادر فى 27 من نيسان (أبريل) سنة 1949، والمتضمن نظام الرواتب التقاعدية على أن "تطبق أحكام هذا المرسوم التشريعى على موظفى الجمهورية السورية وعيالهم الحائزين على الجنسية السورية". كذلك نصت المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 33 الصادر فى 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1949 والخاص بعدم تطبيق شرط الجنسية المنصوص عليه فى الفقرة الاولى للمادة 11 من قانون الموظفين الأساسى على الفلسطينيين العرب على أنه "لا يطبق شرط الجنسية المنصوص عليه فى الفقرة الاولى للمادة 11 من قانون الموظفين الاساسى على الفلسطينيين العرب عند طلبهم التوظف فى ادارات الدولة والمؤسسات العامة، ويعاملون - كالسوريين مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية". وتنص الفقرة الاولى من المادة 11 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 المشار اليها على أن "يشترط فى قبول الطالب لاحدى الوظائف العامة الشاغرة أن يكون: 1 - سوريا منذ خمس سنوات على الاقل متمتعا بحقوقه المدنية". وقد نص المرسوم التشريعى رقم 72 الصادر فى 26 من أيلول (سبتمبر) سنة 1953 فى شأن تسوية أوضاع الفلسطينيين فى مادته الاولى على "ان الفلسطينيين المتعاقد معهم فى وزارة المعارف الذين لم تنته عقودهم بانتهاء العام الدراسى 1952 - 1953 مكلفون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ هذا المرسوم التشريعى أن يقدموا طلبات الى الوزارة يختارون فيها احدى الطريقتين التاليتين: الطريقة الاولى - التثبيت فى الملاك الذى ينتمون اليه (الابتدائى أو الثانوى)، ويتم هذا التثبيت بالاستناد الى المبادئ الآتية:... الطريقة الثانية - الاستمرار على التعاقد معهم بعقود جديدة..." كما نص فى المادة الرابعة منه على أن "يعتبر بدء حساب الخدمات الفعلية من أجل التقاعد للفلسطينيين الذين يدخلون فى ملاك التعليم الثانوى أو الابتدائى (بموجب أحكام هذا المرسوم التشريعى) من تاريخ صدور المراسيم أو القرارات المتضمنة دخولهم فى هذا الملاك". وقد صدر القانون رقم 260 لسنة 1956 فى 10 من تموز (يولية) سنة 1956 ناصا فى مادته الأولى على أن "يعتبر الفلسطينيون المقيمون فى أراضى الجمهورية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلا فى جميع ما نصت عليه القوانين والانظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية". وفى 7 من آب (أغسطس) سنة 1957 أصدرت الهيئة العامة لديوان المحاسبات رأيها رقم 118 بأن النص الوارد فى القانون رقم 260 لسنة 1956 آنف الذكر ليس مطلقا فى اعتبار الفلسطينيين مماثلين تماما للسوريين، اذ اقتصر على الحقوق المتعلقة بالتوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم. وعلى هذا الاساس لا يمكن أن يمنحوا حقوقا تتجاوز هذه الخصوصيات أما حقوق التوظيف فلا تشمل الحقوق التقاعدية استنتاجا، لان كثيرين من الموظفين لا يشملهم قانون التقاعد. وقد حصرت المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 الافادة من أحكامه فى الموظفين الحائزين للجنسية السورية، والموظفون الفلسطينيون ليسوا حائزين لهذه الجنسية. كما أن النص الوارد فى المادة الرابعة من المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1953 ليس صريحا فى منح حقوق تقاعدية لمن كان منهم معينا فى وزارة التربية والتعليم. وعلى أثر ذلك صدر من وزارة الخزانة فى 14 من تشرين الاول (أكتوبر) سنة 1957 البلاغ العام رقم 106/ ب - 8/ 27 مثبتا لهذا الرأى ومؤيدا له.
ومن حيث أنه يؤخذ مما تقدم أن ما نصت عليه المادة الثالثة من المرسوم التشريعى رقم 161 لسنة 1935 من حصر الافادة من أحكامه فى الموظفين الملكيين والعسكريين المتمتعين وأفراد أسرهم بالجنسية السورية قبل الاحداث الخاصة بالفلسطينيين العرب وبأوضاعهم فى الاقليم السورى، وما قضت به المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 الخاص بنظام الرواتب التقاعدية من تطبيق أحكامه على موظفى الجمهورية السورية وذويهم الحائزين على الجنسية السورية، انما يتناول الاحكام المنظمة لاوضاع السوريين فيما يتعلق بافادتهم من حقوق التقاعد، بجعل الجنسية السورية شرطا لهذه الافادة، وذلك قبل نشوء الاحداث المشار اليها، فلا يصلح والحالة هذه حجة لمنع افادة الفلسطينيين ان كانوا يفيدون من تلك الاحكام بنصوص تشريعية لاحقة لتلك الاحداث سوت بينهم وبين السورين أصلا فى هذا الخصوص. وقد رأى الشارع لحكمة عليا سياسية وقومية أملتها الظروف الاستثنائية التى يمر بها الفلسطينيون العرب أن يسوى بينهم وبين السوريين فى الحقوق والمزايا الخاصة بالوظيفة فأصدر لهذا الغرض المرسوم التشريعى رقم 33 لسنة 1949 باعفائهم من شرط الجنسية المنصوص عليه فى الفقرة الاولى من المادة 11 من قانون الموظفين الاساسى، عند طلبهم التوظف فى ادارات الدولة والمؤسسات العامة، وقضى بمعاملتهم كالسوريين من هذه الوجهة مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية من أجل الاوضاع السياسية والدولية. وبازالة فارق الجنسية، وتقرير المساواة بينهم وبين السوريين، يصبح شأن هؤلاء الفلسطينيين بعد ذلك شأن السوريين فيما يتعلق بباقى الشروط والصفات الاخرى اللازم توافرها لامكان الانخراط فى سلك الوظيفة العامة والخضوع للنظم التى تحكمها، بما فى ذلك ما تفرضه على شاغلها من واجبات وما ترتبه له من مزايا، ومنها حقوق التقاعد متى تحققت للشخص الشروط المتطلبة قانونا لاكتساب المركز القانونى الذاتى فيها، وقد اكد المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1953 الصادر بتسوية أوضاع الفلسطينيين هذا المعنى فيما نص عليه من تنظيم تثبيت الفلسطينيين المتعاقد معهم فى وزارة التربية والتعليم فى الملاك الذى ينتمون اليه (الابتدائى أو الثانوى) بالطرق ووفقا للمبادئ التى بينها، وكما أقر صراحة بحق هؤلاء الفلسطينيين فى التقاعد فيما قضى به من اعتبار بدء حساب الخدمات الفعلية من أجل التقاعد للفلسطينيين الذين يدخلون فى ملاك التعليم الثانوى أو الابتدائى بموجب أحكامه من تاريخ صدور المراسيم أو القرارات المتضمنة دخولهم فى هذا الملاك. ويتضح من هذا بما لا يدع مجالا للشك أن الشارع قد اعتبر المساواة بين السوريين اصلا وبين الفلسطينيين فى جميع الحقوق والمزايا المترتبة على الوظيفة العامة، بما فى ذلك الافادة من نظم التقاعد، متى توافرت فى حق صاحب الشأن شروطها، أمرا مسلما مفروغا منه من حيث المبدأ، ولذا صدرت التنظيمات التشريعية الخاصة بموظفى وزارة المعارف من الفلسطينيين من حيث التثبيت والتقاعد على هذا الاساس. ثم أكد ذلك القانون رقم 260 لسنة 1956 الصادر بعد ذلك، والذى نص فى عبارة قاطعة على المساواة التامة بين هؤلاء وأولئك فى جميع ما نصت عليه القوانين والانظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظف والعمل والتجارة وخدمة العلم، مع احتفاظ الفلسطينيين بجنسيتهم الاصلية، وظاهر من ذلك أنه اعتبر المذكورين كالسوريين تماما فى كل ما تقدم من حقوق، وهى التى تندرج فيما يسمى فى الدساتير بالحقوق العامة للمواطنين، وان كان قد احتفظ بالجنسية الاصلية لكل. وغنى عن القول انه يقصد بالحقوق المتعلقة بالوظيفة الحقوق والمزايا المترتبة على النظام القانونى للوظيفة بمعناه العام بغير تخصيص او تمييز أو المتفرغة منه، والمطلق يجرى على اطلاقه ما لم يقيد أو يخصص بنص خاص. ويدخل فى النظام القانونى العام للوظيفة الاحكام والمزايا الخاصة بالتقاعد لانه فرع من النظام المذكور، فيفيد منه السورى والفلسطينى سواء بسواء، متى توافرت فى حقه الشروط القانونية المتطلبة لذلك. وكون المشرع قد يعالج نظام التقاعد بقانون خاص مستقل عن قانون الموظفين الاساسى ليس معناه أن النظام المذكور منفصل عن النظام القانونى للوظيفة، بل هو فرع منه فى المفهومات القانونية الادارية العامة سلف البيان، وغاية الامر أن المشرع يفصل هذا النظام بقانون خاص كما يحدث فى أمور اخرى خاصة بالوظيفة العامة فيما يتعلق بقواعد التعيين أو الترفيع أو التأديب، أو بالنسبة الى فئات أو هيئات خاصة من الموظفين كالقضاة أو العسكريين أو الشرطة أو موظفى الجمارك أو غيرهم، كل هذا مع التسليم بأنها جميعا تشريعات تتعلق بالوظيفة بمعناها العام، كما أن كون الموظف لا يفيد من مزايا التقاعد لا يرجع الى أن نظام التقاعد فى الفهم القانونى منفصل عن نظام الوظيفة العام، بل قد يرجع الى عدم توافر الشروط الواجب تحققها لاستحقاق التقاعد، والسوريون والفلسطينيون فى ذلك على حد سواء.
ومن حيث أن حجة الادارة فى أن منافسات المجلس النيابى بمناسبة أصدار القانون رقم 260 لسنة 1956 تتجه الى عدم اعتبار التقاعد فى ضمن مزايا الوظيفة العامة، وهى حجة داحضة، لان هذه المناقشات لم تتجه مثل هذا الاتجاه، بل هى ترشح لفهم العكس من ذلك. اذ أن مشروع هذا القانون كما ورد من الحكومة كان ينص بعبارة عامة مطلقة على أن يقبل الفلسطينيون كالسوريين فى جميع ما نصت عليه القوانين والانظمة النافذة مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية". ثم عدلت اللجنة الداخلية هذا المشروع على الوجه الآتى: "يقبل الفلسطينيون المقيمون فى أراضى الجمهورية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلا فى جميع ما نصت عليه القوانين والانظمة النافذة المتعلقة بحقوق التعيين والعمل والتجارة وخدمة العلم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية" مما قد يبدو معه عند المقابلة بين نص المشرع المقترح من الحكومة والنص المعدل فى اللجنة أن النص الاخير قصد به قصر المساواة بين السوريين والفلسطينيين على حقوق التعيين فى الوظيفة فقط، وكأنه تقييد للاطلاق الوارد فى المشروع الاول. الا ان هذه الشبهة البادية فى الظاهر قد زالت تماما عند تقصى مناقشة المجلس النيابى فى هذا الشأن، واذ اقترح بعض الاعضاء اضافة كلمة "التقاعد" الى كلمة "التعيين" فى النص المعدل، حتى يفيد الفلسطينيون من مزايا التقاعد، فرأى وزير الداخلية أن تستبدل بكلمة "التعيين" كلمة "التوظيف" على اعتبار أن هذه العبارة الاخيرة تشمل فى عموم معناها الافادة من جميع مزايا الوظيفة بما فى ذلك حق التقاعد. وانتهى الفهم الى هذا الحد، فتمت الموافقة على حذف كلمة "التعيين" من النص المعدل والاستعاضة عنها بكلمة "التوظيف"، الحاصل بعد الصياغة الاخيرة بالفهم المذكور، وبذلك انقطع كل شك باليقين فى هذا الخصوص، ولو أن قصد الشارع انصرف الى مجرد الاقتصار على تقرير حق الفلسطينيين فى التعيين فحسب مع حرمانهم من حق التقاعد لما كان بحاجة الى ترديد هذا الحق مرة ثانية بالقانون رقم 260 لسنة 1956 بعد أن سبق له تقريره بالمرسوم التشريعى رقم 33 لسنة 1949 بالنسبة الى التوظف فى ادارات الدولة وفى المؤسسات العامة.
ومن حيث أنه بناء على ما تقدم، ولما كان المدعى من الفلسطينيين العرب المقيمين بأراضى الجمهورية السورية عند تاريخ نشر القانون رقم 260 لسنة 1956، وكان يشغل وظيفة داخلة فى الملاك الدائم ويؤدى خدمة تدخل فى عداد الخدمات المقبولة فى حساب التقاعد، فانه يفيد من أحكام المرسوم التشريعى رقم 34 لسنة 1949 الخاص بنظام الرواتب التقاعدية. ومن ثم فان حكم المحكمة الادارية بدمشق المطعون فيه يكون قد صادف الحق فى النتيجة التى انتهى اليها فى هذا الخصوص، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الجهة الادارية بالمصروفات.


(1) بمثل هذه المبادئ قضت المحكمة فى ذات الجلسة فى القضايا أرقام 1 لسنة 2 ق، 12 لسنة 2 ق (ج)/ 11 لسنة 2 ق (ش)، 13 لسنة 2 ق (ج)/ 12 لسنة 2 ق (ش)، 14 لسنة 2 ق (ج)/ 13 لسنة 2 ق (ش)، 15 لسنة 2 ق (ج)/ 14 لسنة 2 ق (ش).
(2) رمز (ج) يفيد رقم قيد الطعن فى جدول الاقليم الجنوبى ورمز (ش) يفيد رقم قيد الطعن فى جدول الاقليم الشمالى. وعدم ذكر أى من الرمزين مفاده اتفاق الرقمين.