مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 699

(74)
جلسة 26 من نيسان (أبريل) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة على ابراهيم بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل ومحمود ابراهيم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضيتان رقما 3و4 لسنة 1 القضائية

( أ ) موظف - دستورية القوانين - اختصاص القضاء الادارى - فصل بغير الطريق التأديبى - صرف من الخدمة - المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 بتاريخ 10/ 1/ 1945 - نصها على حق مجلس الوزراء فى صرف الموظفين من الخدمة، عدا القضاة، لاسباب يرجع اليه تقديرها - دستورية هذا النص - عدم أجازتها الطعن فى المرسوم الصادر بالصرف من الخدمة على هذا الوجه بأى طريق عن طرق المراجعة - غير دستورى - أساس ذلك - تعارض المادة 85 المشار اليها مع المادة 122 من دستور سنة 1950 التى أطلقت الاختصاص للمحكمة العليا فى ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو القانون أو المراسيم التنظيمية - وجوب تغليب الدستور على القانون - اختصاص هذه المحكمة بنظر طلبات الالغاء الخاصة بقرارات الصرف من الخدمة - صدور القانون رقم 55 لسنة 1959 - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر طلبات الغاء القرارات المشار اليها (1).
(ب) قرار ادارى - نشر - موظف - فصل بغير الطريق التأديبى - صرف من الخدمة - شكل القرار الادارى - التصرف القانونى لا يولد معدوما لعيب فى الشكل الا اذا كان الشكل يعتبر ركنا لقيامه، اذا لم يكن الشكل ركنا، فان كان جوهريا وجب استيفاؤه - اذا لم يكن الشكل جوهريا فلا يؤثر فى صحة القرار وسلامته - القرار الادارى تصرف قانونى - تعريف القرار الادارى - نشر القرار الادارى - اجراء لاحق لا يرتد أثره الى ذات القرار وليس يمس صحته.
(جـ) موظف - فصل بغير الطريق التأديبى - صرف من الخدمة - سلك سياسى - تسريح رؤساء البعثات السياسية - مرده الى قانون الموظفين الاساسى (ومن ذلك المادة 85 منه) والقوانين الاخرى - المادة 77 من الدستور السورى الصادر سنة 1950 - نصها على أن رئيس الجمهورية هو الذى يعتمد رؤساء البعثات السياسية لدى الحكومة الاجنبية ويقبل اعتماد رؤساء البعثات السياسية لديه - مجال هذا الاعتماد يتحدد فى نطاق العلاقات الدولية دون المساس بالقواعد التى تنظم المركز القانونى للموظف.
(د) قرار ادارى - موظف - فصل بغير الطريق التأديبى - صرف من الخدمة - تسبيب القرار الادارى - الاصل أن الادارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها الا اذا نص القانون صراحة على ذلك - المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى - لم توجب تسبيب قرار الصرف من الخدمة.
(هـ) قرار ادارى - موظف - فصل بغير الطريق التأديبى - صرف من الخدمة - اساءة استعمال السلطة - سلطة الادارة التقديرية فى صرف الموظفين من الخدمة وفقا للمادة 85 من قانون الموظفين الاساسى - لا معقب عليها فى ذلك الا اذا أساءت استعمال سلطتها بأن تغيت فى اصدار قرارها غير وجه المصلحة العامة - صدور قرار الصرف من الخدمة لغاية حزبية يصمه بعيب اساءة استعمال السلطة.
1 - أن المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 الصادر فى 10 من كانون الثانى سنة 1945، بعد تعديلها بالمرسوم التشريعى رقم 33 الصادر من 30 من تموز (يولية) سنة 1949، ثم بالمرسوم التشريعى رقم 65 الصادر فى 16 من كانون الثانى (يناير) سنة 1952، ثم بالمرسوم التشريعى رقم 161 الصادر فى 10 من آذار (مارس) 1952، اصبح نصها يجرى كالآتى: "يجوز لمجلس الوزراء لاسباب يعود اليه تقديرها أن يقرر صرف الموظف من أية مرتبة كانت من الخدمة، ويستثنى من ذلك القضاة الذين لا يجوز لمجلس الوزراء صرف أحدهم من الخدمة الا اذا خالف أحكام المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 47 المؤرخ فى 16/ 1/ 1952 والمادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 102 المؤرخ فى 3/ 2/ 1952 المعدلة للمادة 2 من المرسوم التشريعى رقم 47 المؤرخ فى 6/ 1/ 1952 - لا يشترط فى هذا القرار ان يكون معللا أو أن يتضمن الاسباب التى دعت للصرف من الخدمة - يسرح الموظف المقرر صرفه من الخدمة بمرسوم غير تابع لاى طريق من طرق المراجعة، وتصفى حقوقه وفقا لقانون التقاعد - ترد الدعاوى المقامة أو التى ستقام ضد هذا النوع من المراسيم أيا كان سببها.."
وظاهر من هذه المادة أنها تتضمن حكمين: (أولهما) حكم موضوعى هو أن مجلس الوزراء أصبح يملك سلطة صرف من أية مرتبة كانت من الخدمة - عدا القضاة الذين لصرفهم من الخدمة حكم خاص - وذلك لاسباب يرجع اليه وحده تقديرها، مما مفاده أنه يترخص فى وزن ملاءمة اصدار قرار الصرف وفقا لمقتضيات المصلحة العامة بسلطة تقديرية لا معقب عليه فيها ما دام لا يصدر هذا القرار بباعث من اساءة استعمال السلطة، ولا شبهة فى دستورية هذا النص. و(الثانى) حكم متعلق بتحديد الاختصاص القضائى، هو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة المذكورة من عدم جواز الطعن فى المرسوم الصادر بالصرف من الخدمة على هذا الوجه بأى طريق من طرق المراجعة، مما يستتبع منع جهات القضاء من نظر مثل هذا الطلب. بيد أنه يبين من تقصى المراحل التشريعية فى هذا الشأن ان المادة 122 من دستور سنة 1950 كانت تنص على أن "1 - تنظر المحكمة العليا وتبت بصورة مبرمة فى الامور الآتية: ( أ ).... (ب).... (ج)...... (د)...... (هـ) طلب ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية، اذا تقدم بالشكوى من يتضرر منها...". فاستمدت المحكمة المذكورة قيامها من هذا الدستور الذى حدد فى الوقت ذاته اختصاصها وأطلقه فى نظر طلبات ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية بدون قيد أو شرط، ولم يفوض القانون كأداة أدنى فى تقييد هذا الاختصاص، مما لا مندوحة معه من ان يظل هذا الاختصاص قائما على اطلاقه ما لم يعد له نص دستورى آخر. ولذا لما صدر فى 28 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1950 القانون رقم 57 لسنة 1950 بتحديد صلاحيات وملاك المحكمة العليا لم يتضمن بطبيعة الحال اى نص يحد من اختصاص هذه المحكمة العام المطلق بحكم الدستور بالفصل فى دعاوى ابطال الاعمال والقرارات والمراسيم الادارية. ولكن على أثر الانقلاب العسكرى الذى وقع فى 1951 عطل دستور سنة 1950، ثم صدر المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 بتعديل المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 وفى فترة تعطيل الدستور، ومنع سماع دعاوى الغاء المراسيم الصادرة من مجلس الوزارة بصرف الموظفين من الخدمة. وأعقب ذلك صدور المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1952 الصادر فى 20 من كانون الثانى (يناير) سنة 1952 بايقاف العمل ببعض الاحكام المتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا واحداث غرافة ادارية فى محكمة التمييز، الذى قضى بوقف العمل ببعض أحكام القانون رقم 57 لسنة 1950 المتضمن تحديد صلاحيات وملاك المحكمة العليا واحال اختصاصها فى طلبات الالغاء الى الغرفة الادارية التى احدثها بمحكمة التمييز. ولكن صدر بعد ذلك دستور 11 من تموز (يولية) سنة 1953 ناصا فى البند 3 من المادة 117 منه على أن "3 - تنظر المحكمة العليا بصورة أصلية أيضا وتبت بصورة مبرمة فى طلب ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية، اذا تقدم بالشكوى من يتضرر منها...". وبذلك اعاد هذا الدستور الى المحكمة العليا ولايتها المطلقة السابقة فى نظر طلبات ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية كما كانت فى دستور سنة 1950، ولما صدر قانون المحكمة العليا رقم 1 لسنة 1953 فى 15 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1953 تنفيذا للدستور المذكور ردد اختصاص المحكمة العليا فى ابطال القرارات والمراسيم بصورة مطلقة بغير قيد ولا شرط، كما وردت فى الدستورين السابقين. وفى سنة 1954 عند ما انتهت فترة اغتصاب السلطة واعيدت الحياة الدستورية الشرعية السابقة الى البلاد، اعتبر دستور سنة 1950 قائما، وكأنه لم يعطل فى تلك الفترة، وهو الذى كان يطلق الولاية للمحكمة العليا فى ابطال القرارات الادارية والمراسيم بدون قيد أو شرط. ثم تأكد ذلك بالقانون رقم 873 لسنة 1954 الصادر فى 18 من أيار (مايو) سنة 1954 بالغاء بعض القوانين والمراسيم التشريعية، الذى قضى بالغاء بعض القوانين والمراسيم التشريعية التى صدرت فى الفترة المشار اليها، ومن بينها المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1952 المتضمن وقف العمل ببعض الاحكام المتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا، واحداث غرفة ادارية فى محكمة التمييز، والقانون رقم 1 لسنة 1953 المتضمن تأليف المحكمة العليا.
ويخلص مما تقدم أن المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 معدلة بالمرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 فيما قضت به فى فقرتها الثالثة من أن "يسرح الموظف المقرر صرفه من الخدمة بمرسوم غير تابع لاى طريق من طرق المراجعة" تعتبر من الناحية الدستورية غير نافذة بالنسبة الى المحكمة العليا ما دامت تتعارض فى تقييدها لاختصاص هذه المحكمة مع المادة 122 من دستور سنة 1950 التى أطلقت الاختصاص لتلك المحكمة، ذلك الاختصاص الذى أكده الدستور الصادر فى سنة 1953 على الوجه المفصل آنفا، لما يتميز به الدستور من طبيعة خاصة تضفى عليه صفة القانون الاعلى وتسمه بالسيادة، فهو بهذه المثابة سيد القوانين جميعها بحسبانه كفيل الحريات وموئلها، ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها. ويستتبع ذلك أنه اذا تعارض قانون عادى مع الدستور فى أية منازعة من المنازعات التى تطرح على المحاكم، فقامت بذلك لديها صعوبة مثارها أى القانونين هو الاجدر بالتطبيق، وجب عند قيام هذا التعارض أن تطرح القانون العادى وتهمله وتغلب عليه الدستور وتطبقه بحسبانه القانون الاعلى الاجدر بالاتباع.
واذا كان القانون العادى يهمل عندئذ فمرد ذلك فى الحقيقة الى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين، تلك السيادة التى يجب أن يلتزمها كل من الشارع عند اصداره القوانين والقاضى عند تطبيقه اياها على حد سواء. ومن ثم فما أطلقه الدستور السورى فى اختصاص المحكمة العليا فى ابطال القرارات الادارية والمراسيم لا يقيده قانون ما دام لم يفوض من الدستور بنص خاص فى هذا التقييد أو التحديد. وبناء عليه يظل الاختصاص معقودا لتلك المحكمة بهذا الاطلاق على الرغم من التقييد الوارد فى المادة 85 سالفة الذكر. ولا حجة فيما نصت عليه المادة 163 من الدستور من أن التشريع القائم المخالف له يبقى نافذا مؤقتا الى أن يعمل بما يوافق أحكامه، ولا فيما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 184 لسنة 1954 من أن القوانين والمراسيم التشريعية الصادرة من غير سلطة شرعية قبل أول آذار (مارس) سنة 1954 والتى لم تلغ بنص تشريعى تبقى سارية المفعول الى ان تعدل من قبل السلطة المختصة، لعدم انصراف الاولى الى المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 الذى لم يكن قائما وقت صدور دستور سنة 1950، وعدم امتداد الثانية الى القوانين الدستورية.
ولا يغير من هذا الوضع صدور الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة فى 5 من آذار (مارس) سنة 1958 لان صدوره لا يعنى أن تسقط جميع النظم والتشريعات السابقة عليه، يسقط منها فقط ما يتعارض مع أحكامه، وهذا هو عين ما رددته المادة 68 من هذا الدستور التى نصت على أن "كل ما قررته التشريعات المعمول بها فى كل من اقليمى مصر وسورية عند العمل بهذا الدستور تبقى سارية المفعول فى النطاق الاقليمى المقرر لها عند اصدارها. ويجوز الغاء هذه التشريعات أو تعديلها وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور". وقد بان مما تقدم أنه عند صدور هذا الدستور كان الوضع القانونى القائم فى الاقليم السورى هو اطلاق الاختصاص للمحكمة العليا على الرغم من القيد الوارد فى المادة 85 من القانون رقم 135 لسنة 1945، وذلك على التفصيل السابق ايضاحه. ولم يصدر أى قانون فى ظل الدستور المؤقت يقيد هذا الاختصاص فى الاقليم المذكور. كما أنه لما صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة حدد اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى على الوجه المبين به، ولم يتضمن أى نص خاص يردد فيه التقييد الوارد فى المادة 85 المشار اليها بالنسبة الى الاقليم الشمالى. ومن ثم تكون المحكمة العليا السابقة بدمشق، ومن بعدها مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى، غير ممنوعين من نظر طلبات الغاء القرارات الادارية آنفة الذكر.
2 - لئن كان نشر المرسوم الصادر بصرف المدعى من الخدمة قد اعتوره ما أشار اليه المدعى من انه وقع باطلا لنشره فى الجريدة الرسمية بعبارة تفيد نشره برسم رئيس الجمهورية لا نشره بسلطة مجلس الوزراء الا أنه يجب التنبيه الى أن الاصل فى التصرف القانونى انه لا يولد معدوما لعيب فى الشكل الا اذا كان الشكل معتبرا بحكم القانون ركنا لقيام هذا التصرف، والقرار الادارى هو تصرف قانونى، ولم يعتبر القانون الشكل ركنا فى القرار موضوع النزاع. أما اذا كان الشكل ليس ركنا بل مجرد شرط متطلب فى القرار فان كان هذا الشكل جوهريا كان لا معدى عن استيفائه وفقا لما نص عليه القانون، أما فى ذات القرار وأما بتصحيح لاحق، أما اذا كان غير جوهرى فلا يعتبر مؤثرا فى صحة القرار وسلامته. على أن ما يزعمه المدعى من عيب فى هذا الشكل انما يلحق عملية النشر ولا يمس لا كيان القرار ذاته ولا صحته كتصرف قانونى. ذلك ان القرار الادارى هو افصاح الجهة الادارية المختصة عن ارادتها الملزمة بما لها من سلطة، بمقتضى القوانين واللوائح، فى الشكل الذى يتطلبه القانون بقصد احداث اثر قانونى معين متى كان هذا ممكنا وجائزا قانونا ابتغاء مصلحة عامة. وقد قامت أركان القرار فى هذا الخصوص ما دام لا يمارى أحد فى أن مجلس الوزراء قد اتجهت ارادته الى احداث هذا الاثر، وهو صرف المدعى من الخدمة، على الرغم من عدم اتفاق رئيس الجمهورية وقتذاك مع المجلس فى هذا الشأن. وقد استوفى المرسوم المطعون فيه بالفعل شكله القانونى من الناحية الدستورية من حيث صدوره من مجلس الوزراء مشكلا تشكيلا صحيحا فى حدود سلطته واختصاصه فى هذه الخصوصية بذاتها، وعرضه على رئيس الجمهورية، واصداره بعد اذ مضت عشرة أيام لم يوقعه خلالها الرئيس ولم يحله ضمن المدة نفسها الى المحكمة العليا، فاعتبر نافذا طبقا للمادة 81 من الدستور، أما عملية النشر فى ذاتها فهى اجراء لاحق لا يعدو أن يكون تسجيلا لما تم، فلا يرتد أثرها الى ذات القرار ولا يمس صحته. فاذا كان ثمت عيب فقد لحق عملية النشر فقط، على أن هذا العيب قد تداركته الادارة وقامت بتصحيحه فيما بعد.
3 - لا يوجد وجه لما ينعاه المدعى على المرسوم الصادر بتسريحه من الخدمة من أنه لم يصدر من رئيس الجمهورية الذى يملك وحده تسريح رؤساء البعثات السياسية بالتطبيق للمادة 77 من الدستور، والتى نص على أن رئيس الجمهورية هو الذى يعتمد رؤساء البعثات السياسية لدى الحكومات الاجنبية، ويقبل اعتماد رؤساء البعثات السياسية الاجنبية لديه - لا وجه لذلك، لان الاعتماد له مجاله الخاص بالمفهوم المقصود به فى الدستور، هذا المفهوم الذى يتحدد فى نطاق العلاقات الدولية، دون المساس بالقواعد التى تنظم المركز القانونى للموظف سواء فى تعيينه أو تسريحه أو غير ذلك، والتى مردها الى القانون الاساسى الخاص بالموظفين والقوانين الاخرى، ومن ذلك المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 التى تضمنت فى فقرتها الاولى الحكم الموضوعى الذى يخول مجلس الوزراء صرف الموظفين من الخدمة من أية مرتبة كانت للاسباب التى يترخص فى تقديرها، ولم يستثن من ذلك سوى القضاة، ولو ان الشارع أراد استثناء أعضاء البعثات السياسية لكان قد نص على ذلك أيضا بنص خاص.
4 - الاصل أن الادارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها الا اذا نص القانون صراحة على وجوب هذا التسبيب. وتأسيسا على ما تقدم فلا مقنع فيما ذهب اليه المدعى من أن المرسوم الصادر بتسريحه من الخدمة بالتطبيق للمادة 85 من قانون الموظفين الاساسى قد صدر معيبا لخلوه من التسبيب ذلك لان هذه المادة لم توجب تسبيب قرار الصرف من الخدمة، بل انها نصت فى فقرتها الثانية على انه "لا يشترط فى هذا القرار أن يكون معللا أو أن يتضمن الاسباب التى دعت للصرف من الخدمة".
5 - ان المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى قد أطلقت يد الادارة فى صرف الموظفين من أية مرتبة كانت من الخدمة الا من استثنى منهم بنص خاص للاسباب التى تترخص فى تقديرها، فلا معقب عليها والحالة هذه الا اذا ساءت استعمال سلطتها فى هذا الشأن بأن تنكبت الجادة وتغيت فى اصدار قرارها غير وجه المصلحة العامة.
فاذا كان الثابت من ظروف الدعوى وملابسات اصدار قرار صرف المدعى من الخدمة المطعون فيه أنه صدر بصورة غير عادية تنم عن الخلاف فى شأنه بين الوزارة وبين رئيس الجمهورية وقتذاك، اذ رفض توقيع هذا القرار فأصدرته الوزارة بنفسها فان هذا يؤيد صدق ما ينعاه المدعى على القرار المذكور من أنه صدر بباعث حزبى، ولم تقدم الجهة الادارية ما ينفى ذلك على الرغم من اتاحة المواعيد الكافية لها لهذا الغرض، ومن ثم فان القرار المطعون فيه يكون قد صدر مشوبا بعيب اساءة استعمال السلطة، لانحرافه عن الجادة، ولصدوره بباعث حزبى لا بغاية من المصلحة العامة، وبالتالى يكون قد وقع باطلا ويتعين الغاؤه.


اجراءات الطعن

فى 27 من آب (أغسطس) و17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 أودع كل من السيد/ أحمد فؤاد القضمانى، والسيد رئيس هيئة مفوضى الدولة سكرتيرية المحكمة الادارية العليا عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدا بجدولها تحت رقمى 3 و4 لسنة 1 القضائية (الاقليم السورى) فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بدمشق بجلسة 21 من تموز (يولية) سنة 1959 فى الدعوى المقيدة بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم 1 لسنة 1959 المقامة من السيد/ أحمد فؤاد القضمانى ضد كل من (1) مجلس الوزراء السورى، (2) وزارة الخارجية السورية، القاضى بقبول الدعوى شكلا، وبالاكثرية برفضها موضوعا، والزام المدعى بالرسوم والنفقات. وطلب السيد/ أحمد فؤاد القضمانى للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه "الحكم: أولا - بقبول الطعن شكلا. ثانيا - قبول الطعن موضوعا بالغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بالغاء منشور رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه وابطال مفعوله وما ترتب عليه من آثار. ثالثا - تضمين الجهة المدعى عليها الرسوم والمصاريف والنفقات السفرية وأتعاب المحاماة، واعادة ما أسلفته من التأمينات بداية وما أكون قد دفعته أثر تقديم هذا الطعن". كما طلب السيد رئيس هيئة المفوضين فى تقرير طعنه للاسباب التى أبداها به "قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع الغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بالغاء المرسوم (المنشور) موضوع الطعن". وقد أبلغ الطعن الاول الى كل من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة فى 2 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959، كما أبلغ الطعن الثانى الى المطعون لصالحه فى 19 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959، والى كل من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة فى 24 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من شباط (فبراير) سنة 1960، وفى 9 منه أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة ضم الطعنين الى بعضهما للفصل فيهما بحكم واحد لاتحاد موضوعهما واحالتهما الى المحكمة العليا لنظرهما معا مع الترخيص فى تقديم مذكرات. وقد أودع المدعى فى 10 من اذار (مارس) 1960 مذكرة بملاحظاته، انتهى فيها الى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه مع الغاء المرسوم الصادر بتاريخ 20 أغسطس سنة 1957 والمعلن للطاعن بتاريخ 31 من أغسطس سنة 1957، والقاضى بفصل الطاعن من وظيفته كسفير لجمهورية سورية لدى مملكة الاردن، مع الحكم بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى". وقد عين لنظر الطعنين المضمومين أمام المحكمة العليا جلسة 9 من نيسان (أبريل) سنة 1960، وفى 5 من آذار (مارس) سنة 1960 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعنين الى جلسة اليوم مع الترخيص فى تقديم مذكرات تكميلية خلال أسبوع. وقد أودع كل من المدعى والجهة الادارية، بعد حجز الطعنين للحكم، مذكرة بملاحظاته، كما قدم المدعى مستندات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعنين المضمومين للفصل فيهما معا بحكم واحد لاتحاد موضوعهما قد استوفيا أوضاعها الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن السيد/ أحمد فؤاد القضمانى أقام الدعوى رقم 424 لسنة 1957 ضد كل من مجلس الوزراء السورى ووزارة الخارجية السورية أمام المحكمة العليا بدمشق بعريضة أودعها ديوان المحكمة العليا بدمشق فى 28 من أيلول (سبتمبر) سنة 1957 ذكر فيها أنه كان سفيرا لسورية لدى المملكة الاردنية الهاشمية، وفى 31 من آب (أغسطس) سنة 1957 أبلغ بصورة من المرسوم رقم (1) المؤرخ فى 20 منه والمرموز له بعبارة (نشر مرسوم رقم 1) الموقع من رئيس مجلس الوزراء، والمتضمن انهاء خدمته وتصفية حقوقه. وقد جاء هذا المنشور باطلا ومخالفا لاحكام الدستور والقانون. ذلك أنه لم يكن هو مشروع المرسوم المرفوع الى رئاسة الجمهورية، وانما هو مشروع خليط مخالف للمادتين 79 و81 من الدستور، مما يجعله باطلا. اذ نصت الفقرة الاولى من المادة 81 من الدستور على أنه اذا لم يوقع رئيس الجمهورية المراسيم خلال عشرة أيام منذ رافعها اليه أو لم يحلها ضمن المدة نفسها الى المحكمة العليا لمخالفتها الدستور أو القانون، ينشرها رئيس مجلس الوزراء وتعتبر نافذة. والمقصود بالمراسيم المشار اليها المراسيم الصحيحة المستوفية للشرائط القانونية. ويجب أن يتضمن النشر المرسوم بحروفه مع أسبابه الموجبة والنصوص التى يستند اليها، وتوقيع كل من الوزير المختص ورئيس الوزراء عملا بالمادة 79 من الدستور، مع ترك المكان المخصص لتوقيع رئيس الجمهورية خاليا. والى جانب هذا يصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا مستقلا يثبت فيه هذه الوقائع مذيلة بنص المرسوم، الا أن رئيس مجلس الوزراء أصدر منشورا لا مرسوما، واستهله بالمقدمة التى تصاغ بها قانونا المراسيم التى يصدرها رئيس الجمهورية، مع تبديل فى العبارة باضافة اصدار المرسوم اليه لا الى رئيس الجمهورية صاحب الحق الاصلى، مجاوزا بذلك حدود اختصاصه. فضلا عن خلو المنشور من توقيع وزير الخارجية، ومن أية اشارة تدل على توقيعه على مشروع المرسوم المرفوع الى رئاسة الجمهورية، مع أن حيثياته تشير الى أن انهاء الخدمة كان بناء على اقتراح الوزير المذكور. وقد اختلطت معانيه وألفاظه الى حد عدم تبين أسبابه، ليتمكن صاحب المصلحة من ممارسة حقه فى مناقشتها، هذا الى أن رئيس مجلس الوزراء نشر فى الجريدة الرسمية نص المنشور آنف الذكر بصيغة مرسوم أصلى صادر منه بقوله (يرسم ما يلى) بدلا من (ينشر المرسوم التالى). بحيث جاء النص المنشور فى الجريدة الرسمية مناقضا للنص المبلغ للمدعى، الامر الذى يوجب الغاء النصين معا، ويؤخذ من النصوص الدستورية وهى قانون البلاد الاعلى، ومما جرى عليه العرف الداخلى والعرف الدولى، أن لرئيس الجمهورية وحده حق اعتماد رؤساء البعثات السياسية لدى الحكومات الاجنبية، وقبول اعتماد رؤساء البعثات السياسية الاجنبية لديه. ومما لا مشاحة فيه أن رئيس الجمهورية - وهو الذى يمارس حق الاختيار والاعتماد - يملك ايضا حق انهاء الاعتماد، دون أن يكون لرئيس مجلس الوزراء حق نشر مراسيم اعتماد السفراء أو انهاء خدماتهم عند رفض رئيس الدولة الموافقة على ذلك، اذ أنه لا ينوب دستوريا فى هذا الاختصاص. فما لم ينزع الرئيس الاعلى من السفير الثقة التى منحه اياها فى حدود حقه واختصاصه الشرعى بموجب كتاب الاعتماد فان صفته تظل قائمة، اذ لا فرق من حيث حكم القانون والعرف الدولى بين الاعتماد وانهاء الاعتماد، ففسخ عقد التوكيل السياسى هو من حق الموكل بالذات، ولا أهلية لسواه من رجال الدولة فى انهاء مفعول هذا العقد ومن ثم فان القرار المطعون فيه يكون مشوبا: (1) ببطلان شكلى , (2) تجاوز لحدود السلطة مع مخالفة للاجراءات الاساسية التى نصت عليها القوانين. و(3) عيب اساءة استعمال السلطة، باتخاذه لغير الغاية التى استهدفها القانون، مع التعسف فى استعمال الحق. ولا حجة فى التذرع بأن تعديل المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى قد قضى بأن لا يشترط فى قرار مجلس الوزراء الصادر بصرف الموظف من الخدمة أن يكون معللا أو أن يتضمن الاسباب التى دعت للصرف، وبأن مرسوم الصرف غير تابع لاى طريق من طرق المراجعة، ذلك أن هذا التعديل الذى تم بالمرسوم التشريعى رقم 65 الصادر فى 16 من كانون الثانى (يناير) سنة 1952، ثم بالمرسوم رقم 161 الصادر فى 10 من آذار (مارس) سنة 1952، انما صدر فى فترة اغتصاب السلطة ابان عهد الحكم الفردى لاديب الشيشكلى بالمخالفة لمبادئ الدستور الاساسية، اذ أن اعطاء المراسيم الادارية الحصانة المطلقة ومنع رقابة القضاء عليها بحجة أن الادارة قد استعملت فى اصدارها سلطتها التقديرية ينطوى على انكار لحقوق الافراد الطبيعية. واستطرد المدعى بعد ذلك بالتنويه بصفاته وتضحياته الوطنية وانكاره للمظاهر وعمله للصالح العام مجردا عن الاهواء والاحزاب وأسلوب سياسته المحايد. وأضاف أن وزير الخارجية استدعاه فى 5 من أيار (مايو) سنة 1957 للمشاورة وأبلغه أنه عازم على نقله الى مثل منصبه لدى المملكة العربية السعودية لاختلافه معه فى الاجتهاد بالنسبة لبعض الاتجاهات، ثم عرض عليه النقل الى تركيا أو الى العراق ازاء اعتذاره بسبب صحته من عدم امكانه الاقامة فى جو مدينة جدة لشدة رطوبته. وفى 3 من حزيران (يونية) 1957 استدعاه ببرقية، حيث اجتمع به فى 15 منه، فدار بينهما حوار اتخذ طابعا عنيفا اختتمه الوزير بقوله: أنه سيقترح على مجلس الوزراء تعيينه فى بغداد.
وفى غضون وجوده بدمشق أثر هذا الاستدعاء أدخلت لجنة ترفيع موظفى وزارة الخارجية اسمه فى جدول الترفيع الذى أعلن بنشره فى الجريدة الرسمية. وقد صرح رئيس الوزراء فى احدى المناسبات بحضور أناس منهم السيد/ عادل الخجا رئيس الغرفة التجارية بأن القضية هى عبارة عن خلاف شخصى بحت بين المدعى ووزير الخارجية، لم يتيسر فضه بنقل الاول الى مكان آخر. والواقع أن طلب وزير الخارجية انهاء خدمة المدعى بعد ثبوت مقدرته وكفاءته وادراج اسمه فى جدول الترفيع يشهد بأن السبب نفسى محض، نتيجة تصادم الرأى بينه وبين الوزير فى المقابلتين اللتين تمتا بينهما، مما أثار الكراهية والبغض والضغينة فى نفس الوزير الذى انحرف انحرافا صريحا فى استعمال سلطته بالخروج عن أهداف الصالح العام. وخلص المدعى من هذا الى طلب "الحكم: أولا - بقبول دعواه شكلا لتقديمها ضمن المدة القانونية وفقا للأصول والقانون. ثانيا - الغاء منشور رئيس مجلس الوزراء المسمى بـ (نشر مرسوم رقم 1) المؤرخ فى 20 آب سنة 1957 والمطبوع فى الجريدة الرسمية، وابطال مفعولة وما تضمنه من وقائع ومقررات. ثالثا - اعادة السلفة والرسوم المدفوعة".
ومن حيث ان الجهة الادارية ردت على هذه الدعوى بمذكرة فى 31 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1957 دفعت فيها بعدم جواز سماع الدعوى، اذ أن صرف المدعى من الخدمة انما تم استنادا الى المادة 85 المعدلة من قانون الموظفين الأساسى التى جعلت مرسوم الصرف من الخدمة غير تابع لاى طريق من طرق المراجعة، وخولت مجلس الوزراء هذا الحق لأسباب يعود تقديرها اليه، ولم يستثن من أحكامها سوى القضاة، كما أنها لم تشترط أن يكون قرار مجلس الوزراء معللا أو متضمنا الأسباب التى دعت للصرف من الخدمة. وبالرجوع الى ما هو منشور فى الجريدة الرسمية يتضح انه يتضمن عبارة (ينشر) لا عبارة (يرسم) وهذا يدل على أن رئيس الوزراء لم (يصدر) أى مرسوم، وانما (نشر) المرسوم الذى امتنع رئيس الجمهورية عن اصداره عملا بالصلاحيات التى منحه اياها الدستور. وليس لنشر صيغة مخصوصة، وعلى أية حال فان اختلاف الصيغة لا يؤثر فى صحة النشر ولا فى صحة المرسوم. أما الزعم بمخالفة الاجراءات الاساسية فى صرف المدعى من الخدمة قبل سحب اعتماده من الدولة المعتمد لديها، فمردود بأن المخالفة التى تؤدى الى ابطال المرسوم المطعون فيه، هى تلك التى ترد على اجراءات اساسية جوهرية أو اجراءات نص عليها القانون. والاجراءات المتذرع بها ليست أساسية جوهرية ولا من شأنها التأثير فى المرسوم المطعون فيه، كما أنه ليس منصوصا عليها لا فى قانون الموظفين الأساسى ولا فى ملاك وزارة الخارجية. على أن الاجتهاد الادارى مستقر على جواز استكمال الاجراء الذى من هذا القبيل بتغطية عيب الشكل فيما بعد باجراء لاحق. ومن ثم فانه يتعين "الحكم برد دعوى المدعى وتضمينه الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة".
ومن حيث انه عملا بأحكام المادة الثانية من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة، أحيلت الدعوى بحالتها الى محكمة القضاء الادارى بدمشق، حيث قيدت بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم (1) لسنة 1959، وذلك فى 13 من نيسان (أبريل) سنة 1959.
ومن حيث انه فى 9 من آيار (مايو) سنة 1959 أودع السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا ذهب فيه الى أنه يرى "1 - قبول الدعوى شكلا، 2 - قبولها موضوعا والغاء المنشور المطعون فيه من الناحية المذكورة بالتقرير وما يترتب على هذا الالغاء من آثار، دون حاجة الى مناقشة النواحى الاخرى التى أثارها المدعى فى دعواه، وخاصة ما يتعلق بكتاب الاعتماد لعدم جدوى هذه المناقشة. بعد طلب الغاء المرسوم المطعون فيه لما تقدم من أسباب". واستند فى ذلك الى أن المرسوم الذى يصدر بتسريح موظف من الخدمة بالاستناد الى المادة 85 المعدلة من قانون الموظفين الأساسى يجب أن يكون مستكملا شكله القانونى وأن يتضمن الاشارة الى قرار مجلس الوزراء بصرف هذا الموظف بالاستناد الى المادة المذكورة لكى يكتسب الحصانة التى تضفيها عليه. كما يجب أن يكون مذيلا بتوقيع رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص وفقا لنص المادة 79 من الدستور. ويلزم فى المراسيم التى تنشر طبقا للمادة 81 من الدستور أن يتم نشرها كما هى بشكلها الأصلى كما لو كانت موقعة من رئيس الجمهورية، ولا يجوز الاستعاضة عن ذلك بشكل آخر، اذ أن هذه المراسيم لا تختلف عن غيرها الا ببقاء مكان توقيع رئيس الجمهورية خاليا على أن يشار فى ذيل المرسوم المنشور او فى أعلاه الى أن هذا النشر قد تم من قبل رئيس مجلس الوزراء. والحال أن المرسوم المطعون فيه لم يتضمن الاشارة الى قرار مجلس الوزراء ولا الى المادة 85 المعدلة من قانون الموظفين الأساسى، ولا الى ما يدل على توقيع كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية المختص على اصل المرسوم. ومن ثم فانه لا يجوز اعتباره مرسوما صادرا وفقا للمادة 85 سالفة الذكر ومصونا من الطعن، بل هو قد اتخذ خلافا للاجراءات الاساسية المنصوص عليها فى المادة 81 من الدستور، وصدر مشوبا بالعيوب الشكلية التى أورد المدعى بيانها فى عريضة طعنه، والتى تجعله جديرا بالالغاء عملا بالفقرة الاخيرة من المادة 8 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث ان المدعى أودع فى 10 من آيار (مايو) سنة 1959 مذكرة أضاف فيها الى دفاعه السابق ابداؤه فى صحيفة دعواه أن فصله من الخدمة كان من غير الطريق التأديبى، الامر الذى يجعل دعواه مسموعة بالتطبيق لنص البند الخامس من المادة 8 من قانون مجلس الدولة، طالما أنها مبنية على اسباب البطلان التى قامت عليها، اذ يمتد أثر هذه المادة الى الماضى، ولو سكت القانون عن ذلك. ولا يزيل عيب الشكل الذى وقع فى النشر فعلا منذ البداية اجراء تصحيح لاحق لهذا النشر بعد اقامة الدعوى ببضعة أشهر. ولما كان قانون مجلس الدولة هو الذى أصبح الآن مطبقا على الدعوى الحالية، وكانت للقضاء الادارى ولاية بالقضاء كاملة فى المسائل الداخلة فى اختصاصه، ومنها استئثاره دون غيره بالفصل فى طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها فى المادة 8 من قانونه، سواء رفعت اليه بصفة أصلية أو تبعية، فانه يطلب الحكم له بصفة تبعية بالتعويض المادى والأدبى عما لحقه من ضرر بسبب فصله الخاطئ بغير الطريق التأديبى. وقد عقب المدعى بعد ذلك على دفاع الجهة الادارية بأن البند الخامس من المادة 8 من قانون تنظيم مجلس الدولة قد ألغى المنع غير المشروع الوارد بتعديل المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى من سماع الدعوى، وبأن عدد الجريدة الرسمية الذى نشر فيه صك انهاء خدمته المطعون فيه وردت فيه عبارة (يرسم ما يلى) كما جاء بصحيفة الدعوى، لا كلمة (ينشر) كما جاء باجابة الادارة خلافا للواقع، وبأن أوامر الدستور الذى هو القانون الاعلى واجبة الاتباع، لانها من النظام العام، وكذا العرف الدولى، وكل مخالفة لذلك تعتبر مخالفة لاجراءات أساسية وجوهرية وتستوجب بطلان العمل المبنى عليها. هذا الى أن ما طلبه من تحقيق بسماع من ذكرهم من شهود للتدليل على تصرف السلطة غير المشروع لم يتم باستدعاء هؤلاء الشهود لاخذ أقوالهم اكتفاء بالسؤال الخطى لبعضهم، وقد لاذ أغلبهم بالصمت، عدا الحاج عادل الخجا رئيس الغرفة التجارية بدمشق، الذى قال أنه سمع السيد/ صبرى العسلى يقول أن توقيعه لمرسوم انهاء خدمة المدعى كان فوق ارادته، كما سمع بالخلاف بين هذا الاخير ووزير الخارجية. أى أن ثمت اكراها فى التوقيع يبطل العمل ويخرجه عن دائرة المشروعية، كما أن ثمت خلافا شخصيا له دلالته على التعسف فى استعمال السلطة. وانتهى المدعى من هذا الى طلب " الحكم: أولا - بقبول دعواه شكلا لتقديمها ضمن المدة القانونية ووفقا للاصول والقانون. ثانيا - الغاء منشور رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه وابطال مفعولة وما تضمنه من وقائع وما ترتب عليه من آثار. ثالثا - حفظ حقوقه بالترفيع الذى يستحقه وفقا لأحكام القانون النافذ اذ ذاك، كما لو كان صك الفصل لم يصدر من أساسه، وما يترتب على ذلك من آثار. رابعا - الحكم بطريق التعويض - بقدر ما فاته من راتب الوظيفة ومتممات الراتب، مما كان يصرف له أثناء وجوده على رأس وظيفته فى الاردن من بدل اغتراب وبدل تمثيل وعلاوات قانونية اخرى، وذلك اعتبارا من اول شهر ايلول سنة 1957 الذى وقع فيه قطع الراتب (أى من اليوم التالى لتبليغه صك الفصل)، والى حين عودته الى الوظيفة، باعتبار أن هذا القدر بحكم التعويض المقدر بنص فى قانون الموظفين والأحكام القانونية الأخرى (تراجع المادة 222 من القانون المدنى). خامسا - الحكم بأداء ما تقدره له المحكمة من تعويض لقاء ما أصابه خلال فترة الفصل غير المشروع من ضرر أدبى واجتماعى على الوجه المفصل فى موضع سابق من هذه المذكرة. سادسا - الزام الجهة المدعى عليها بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة، وباعادة السلفة الى دافعها، مع التحفظ".
ومن حيث ان محكمة القضاء الادارى بدمشق قضت بجلسة 21 من تموز (يولية) سنة 1959 "بقبول الدعوى شكلا، وبالاكثرية برفضها موضوعا، وألزمت المدعى بالرسوم والنفقات".. وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الطعن شكلا، على تسريح الموظفين بمقتضى أحكام المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى رقم 135 لسنة 1945 لا يخرج عن كونه فصلا يتناولهم من غير الطريق التأديبى، وهو فصل أصبح بعد صدور قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 خاضعا لرقابة القضاء الادارى المنصبة على عيوب عدم المشروعية التى عددها هذا القانون فى مادته الثامنة، وهو القانون الذى يعد بمثابة قانون معدل للاختصاص فى هذا الشأن، وبذلك يسرى منذ تاريخ العمل به على ما لم يكن قد أقفل فيه باب المرافعة من الدعاوى، عملا بالمادة الأولى من قانون أصول المحاكمات. وقالت فى الموضوع أن المرسوم الذى رفع الى رئيس الجمهورية بانهاء خدمة المدعى يستند الى قرار مجلس الوزراء رقم 701 الصادر فى 24 من تموز (يولية) سنة 1957 والى المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى، وقد وقعه كل من رئيس الوزراء والوزير المختص وفقا للمادة 79 من الدستور، وأصبح له بعد مضى عشرة أيام طبقا لنص المادة 81 من الدستور كيانه القانونى شأن المراسيم المقترنة بالتوقيع. وقد حوت الصيغة التى وضعها رئيس الوزراء بنشر هذا المرسوم غير الموقع من رئيس الجمهورية وعنونها بعبارة (نشر المرسوم رقم 1) بالاضافة الى حيثيات المرسوم ذاته سردا لواقعة رفعه الى القصر الجمهورى ونصا حرفيا لمتنه، ولم تنتقص من مؤداه ومضمونه مما مكن المدعى بالفعل من ممارسة حق الطعن، بحيث لم تعد له مصلحة بعد اقامة الدعوى فى التمسك بوجوب ابلاغه المرسوم ونشره فى غير القالب. على أن النشر فى الجريدة الرسمية انما يعنى الغير ولا يضر المدعى أن يقع خطأ فى الجريدة ثم يصحح فيما بعد، ما دام قد علم بمرسوم تسريحه بطريق التبليغ وانقطعت بذلك علاقته بالوظيفة. واذا كان رئيس الجمهورية هو الذى يعود اليه اعتماد رؤساء البعثات لدى الحكومات الأجنبية، فان مفهوم هذه الصلاحية لا يتعدى مداه أمر تزويدهم بكتب اعتماد يوقعها رئيس الجمهورية، دون أن يشمل ذلك أمر التعيين والتسريح اللذين يجريان وفق الأحكام المقررة فى القانون، بحيث يتم التعيين وفق نصوص المرسوم التشريعى رقم 85 الصادر فى 25 من آب (أغسطس) سنة 1952، ويخضع الصرف من الخدمة لحكم المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى الذى لم يستثن سوى القضاة، وليس ثمت نص يجعل التسريح معلقا على سحب الاعتماد. وقد اتخذ مجلس الوزراء بسلطته المستمدة من أحكام هذه المادة قراره رقم 701 فى 24 من تموز (يولية) سنة 1957 بصرف المدعى من الوظيفة على وجه لا ينال منه النعى على هذا القرار بعدم تسبيبه، لأن قانون الموظفين لم ينص على التسبيب فضلا عن التعديل الذى أدخل على المادة 85 منه بالمرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 الذى أقره المجلس النيابى صريح فى عدم اشتراط تعليل القرار ولا تضمينه الأسباب الداعية الى الصرف من الخدمة. ولا ريب أن خدمة الموظف يجوز أن تنتهى بالفصل الادارى من قبل السلطة المختصة على النحو اللورد فى المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى، ومرد ذلك الى أصل طبيعى هو وجوب هيمنة الادارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام، ولما كان الموظفون هم عمال هذه المرافق، فقد لزم أن تكون للحكومة الحرية فى اختيار من تأنس فيهم الصلاحية لهذا الغرض، وفصل من تراه منهم غير صالح لذلك، وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها، ما دام قرارها قد خلا من اساءة استعمال السلطة، ويقع عبء اثبات هذه الاساءة على الموظف المفصول، اذا كان المدعى ينعى على قرار فصله وقوعه معيبا بشائبة اساءة استعمال السلطة لما قام بينه وبين وزير الخارجية من خلاف بسبب النقاش الذى دار بينهما، والذى أورد تفصيله فى صحيفة دعواه، فان هذه الواقعة غير المقرونة بالدليل أن صحت ليس من شأنها أن ينعكس أثرها على القرار الذى اتخذه مجلس الوزراء صاحب السلطة فى الفصل فتصمه بعيب اساءة استعمال السلطة، اذ أن هذا العيب المبرر لالغاء القرار يجب أن يشوب الغاية منه ذاتها، بأن تكون الادارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة وعدم استطاعة المدعى اثبات انحراف مجلس الوزراء باستعمال سلطته فى فصله فى شأنه أن يجعل قرار فصل بمنأى عن الالغاء، اذ المفروض فيه أصلا أنه صدر بدافع من المصلحة العامة دون أن تكون الادارة ملزمة بتسبيبه، ودون أن يمنعها من اصداره سبق ادراج اسم المدعى فى جدول المقترح ترفيعهم، ونشر الوزير لهذا الجدول، اذ أنها هى التى تقدر ما اذا كانت المصلحة العامة تقضى بعدم استمرار الموظف فى خدمة الدولة. ومن ثم فان الدعوى تكون على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضها.
ومن حيث أن المدعى طعن فى هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الادارية العليا فى 27 من آب (أغسطس) سنة 1959 طلب فيها "الحكم: أولا - بقبول الطعن شكلا. ثانيا - قبول الطعن موضوعا بالغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بالغاء منشور رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه وابطال مفعولة وما ترتب عليه من آثار. ثالثا - تضمين الجهة المدعى عليها الرسوم والمصاريف والنفقات السفرية وأتعاب المحاماة، واعادة ما أسلفه من التأمينات بداية وما يكون قد دفعه أثر تقديم هذا الطعن". وبنى طعنه على وجود نقص فى تشكيل طرفى الخصومة مبطل لاجراءات محكمة القضاء الادارى بسبب عدم تبليغ وزارة خارجية الجمهورية العربية المتحدة، وهى خصم أصلى فى الدعوى، بصورة من قرار احالة الدعوى أو من مذكرتها أو دعوتها لحضور المحاكمة، وذلك حسب نص المادة 39 من قانون أصول المحاكمات، وعلى وقوع عيب شكلى فى الحكم المطعون فيه موجب لبطلانه بناء على المادة ذاتها بسبب عدم تعقب المحكمة لكل ما أبدى فى الدعوى من طلبات ودفاع ودفوع وحجج وأسانيد والرد عليها، ثم رد على اسباب الحكم المطعون فيه بما لا يخرج فى مضمونه وخلاصته عما سبق أن ابداه تفصيلا فى دفاعه، وزار عليه انه ليس صحيحا أن كل مرسوم غير موقع من رئيس الجمهورية شأنه شأن المرسوم الموقع منه سواء بسواء بمجرد مضى عشرة الايام المحددة بالمادة 81 من الدستور، وأن الذى بلغ اليه والذى وضع موضع التنفيذ الفعلى من قبل السلطة هو الصك الابتر المعيب الذى أذاعه رئيس مجلس الوزراء والخالى من توقيع وزير الخارجية، وأن محاولة التوفيق بين نص المنشور المطعون فيه وبين مآل مشروع المرسوم الذى رفض رئيس الجمهورية توقيعه لا تصحح العيب الذى شابه بمجرد تقريب العبارات من بعضها، وأن من الخطأ تعديل اجراءات نشر المرسوم المرفوض من قبل رئيس الجمهورية على وجه مخالف للشكل الذى نص عليه الدستور، اذ أن ما أمر الدستور باجرائه لا يعد اجراء واجبا فحسب، بل هو اجراء جوهرى يترتب على الاخلال به جزاء البطلان، وليست الاجراءات الشكلية أمورا كمالية متروكة للادارة أن شاءت اتبعتها وأن شاءت أهملتها، بل هى ضمانات ممنوحة للافراد ضد عسف الادارة لايجاد التوازن ضد سلطات هذه الأخيرة التى لا مقابل لها فى علاقات الأفراد بعضهم ببعض، ولذا كانت القاعدة أن مخالفة الاجراءات الشكلية تعرض القرار للالغاء دون حاجة الى النص على ذلك صراحة، وليس من شك فى أن جميع أحكام الدستور هى من النظام العام، ويكفى لقبول الدعوى أن تكون للطاعن مصلحة شخصية يؤثر فيها القرار المشوب بالعيب الشكلى بحيث يفيد من اختصامه اذا ما قضى بالغائه باستمرار مركزه القانونى الذى أضير به، والخطأ فى النشر يعتبر قانونا من العيوب الشكلية التى توجب الالغاء، وللمدعى كل المصلحة فى هذا الالغاء، لأنه هو الخصم الاصلى للمرسوم الذى وقع الخطأ فى نشره، كما أن تصحيح الخطأ ان تم أو محاولة تصحيحه على نحو ما فعلت الادارة بعد فوات ميعاد الطعن لا يزيل العيب الواقع وأثره، واذا كان اعتماد رؤساء البعثات السياسية يعود لرئيس الجمهورية بحكم الدستور فلا سبيل الى قصر صلاحية هذا الاخير على اعطاء كتاب الاعتماد دون التعيين والتسريح مع ارتباط العمليتين ارتباطا وثيقا، واخضاع التعيين والتسريح للقانون الادنى، الذى لا يمكن أن يعلو على الدستور. واستطرد المدعى بعد ذلك الى تعييب خلو المنشور من بيان اسباب انهاء خدمته لتمكين القضاء من فحصها، ومعرفة ما اذا كانت الدوافع الى تسريحه بغير الطريق التأديبى هى المصلحة العامة أو شهوة الحكم فى التنكيل والانتقام، ثم تطرق الى التدليل على اساءة استعمال السلطة الذى شاب القرار بسبب حقد وزير الخارجية عليه لامتناعه عن مناصرة أى حزب من الاحزاب السياسية ضد الاحزاب الاخرى، الى حد تهديد الوزير بالاستقالة اذا لم يوافق رئيس الوزراء على اقتراحه بانهاء خدمته، وطلب استدعاء السيد/ صبرى العسلى لسؤاله عن كل هذا، وذكر أن محكمة القضاء الادارى قد جانبت الصواب اذ ذهبت الى القول بعدم قيام الدليل على واقعة اساءة استعمال السلطة مع أن من أدلتها اقوال الشهود الذين طلب سماع شهادتهم، وأغفلت المحكمة الاستجابة الى هذا الطلب، ومع أنه كان من واجب المحكمة بصدد الطعن يتجاوز حدود السلطة أن تقوم بفحص أوراق الدعوى والموازنة بين ادعاءات كل من الطرفين ومبلغ نصيبها من الصحة وسماع البيانات لتكوين اقتناعها. وأضافت أنه اذا كان مجلس الوزراء هو الذى أصدر القرار المطعون فيه لكونه هو صاحب السلطة فى الفصل من الخدمة، فان الثابت أن هذا القرار انما صدر بناء على اقتراح وزير الخارجية، وهذا يعنى أن المجلس الذى من أعضائه وزير الخارجية لم يكن هو المصدر الاساسى، على أن اساءة استعمال السلطة قد شارك فيها رئيس الوزراء كذلك، الذى كانت له ثلاثة أصوات بوصفه رئيسا للمجلس ووزيرا للداخلية ووزيرا للمالية وقتذاك، بالاضافة الى صوتين لوزير الخارجية الذى كان فى الوقت ذاته وزيرا للاقتصاد الوطنى بالوكالة، وبذا كان هذان الوزيران يمثلان خمسة مقاعد وزارية، ولولا ذلك لما حصلت أكثرية قانونية فى مجلس الوزراء، ولما صدر المنشور موضوع الطعن.
ومن حيث ان السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة طعن من قبله فى حكم محكمة القضاء الادارى بدمشق آنف الذكر بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الادارية العليا فى 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 طلب فيها " قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع الغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بالغاء المرسوم (المنشور) موضوع الطعن" واستند فى أسباب طعنه الى ما ورد فى مذكرة المدعى فى شأن نقص طرفى الخصومة وعيب اجراءات التبليغ، وكذا الى ما سبق أن أبداه السيد مفوض الدولة من وجهة نظر قانونية فى تقريره المقدم للمحكمة، وما تضمنته دعوى الطعن من أسانيد. وعقب على حيثيات الحكم المطعون فيه بترديد ذات المعنى والحجج القانونية التى قام عليها طعن المدعى فى عمومه وتفصيله.
ومن حيث انه بعد أن قررت دائرة فحص الطعون بجلسة 25 من شباط (فبراير) سنة 1960 ضم الطعنين للفصل فيهما معا بحكم واحد وأحالتهما الى المحكمة العليا لنظرهما، أودع المدعى فى 10 من اذار (مارس) سنة 1960 مذكرة تكميلية بملاحظاته ردد فيها أسانيده السابقة، وأضاف اليها وجهين جديدين: (الاول) بطلان المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 الصادر بتعديل المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى فيما تضمنه من منع التقاضى. و(الثانى) عيب الانحراف ونتائجه القانونية وتطبيق هذه النتائج على وقائع الدعوى. وقال عن الوجه الاول أن المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 صدر فى فترة الانقلاب الذى قام به الزعيم الشيشكلى فى عام 1951 المعروفة بعهد اغتصاب السلطة، وأنه تضمن فى مادته الأولى مبدأين أساسيين: أولهما - فصل الموظفين لأسباب تقدرها الادارة دون أبداء هذه الاسباب. وثانيهما - منع المحاكم من سماع دعاوى الموظفين المفصولين، وانه وقع باطلا لأسباب ثلاثة هى: (1) صدوره فى عهد اغتصاب السلطة عن طريق غير المجلس النيابى. (2) عدم عرضه على المجلس النيابى عقب اعادة العمل بالدستور فى سنة 1954. (3) اهداره لحقوق الافراد بتحصينه قرارات فصل الموظفين من الرقابة القضائية. على أن ثمت وجها لبطلان هذا المرسوم التشريعى فيما تضمنه من منع التقاضى على أساس دستورى جديد. لذلك أن قضاء الالغاء مقرر بالدستور السورى فى المادتين 116 و122، وقد استهدف الدستور بذلك تقرير ضمانات محددة للافراد، مما يدخل فى اختصاص القانون العادى ليكسبها الحصانة الدستورية حتى لا يمكن للمشرع العادة المساس بأصل الحقوق المقررة فيها، مع ترك تنظيم اجراءات التقاضى بصددها للقانون العادى. وقد استمد المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 كيانه القانونى من حكومة الشيشكلى الفعلية حتى كان الدستور معطلا، فلما أعيد العمل بالدستور السورى فى سنة 1954 بعودة الوضع الشرعى الى البلاد أصبح التعديل الذى تضمنه المرسوم التشريعى المشار اليه متعارضا مع أحكام هذا الدستور وتعين ابطاله أو على الاقل وجب على القاضى الامتناع عن تطبيقه. واذا اعترض بأن المادة 163 من الدستور نصت على أن التشريع القائم المخالف لاحكامه، يبقى نافذا مؤقتا الى أن يعدل بما يوافق هذه الاحكام، فان هذا الاعتراض يرد عليه بأن المقصود بذلك انما هو الاحكام الانتقالية التى رؤى العمل بها لصفة مؤقتة فى فترة الانتقال التالية لصدور الدستور فى سنة 1950 وهى التى انتهت بالموافقة عليه. وبذا تكون هذه الاحكام قد استنفدت أغراضها، ولا يجوز تكرار تطبيقها عند اعادة العمل بالدستور فى سنة 1954 للمرة الثانية. هذا الى أن المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 لم يكن قائما عند صدور الدستور السورى فى سنة 1950، كذلك قد يعترض بأن القانون رقم 184 لسنة 1954 الذى أقره المجلس النيابى السورى عقب اعادة العمل بالدستور، قد نص فى مادته الثالثة على أن القوانين والمراسيم التشريعية الصادرة من سلطة غير شرعية فى فترة اغتصاب السلطة، والتى لم تلغ بنص تشريعى تبقى سارية المفعول الى أن تعدل من قبل السلطة المختصة، ولكن هذا الاعتراض مردود أيضا بأن المقصود بالقوانين والمراسيم التشريعية المشار اليها فى هذه المادة انما هو القوانين العادية والمراسيم التى لها قوة هذه القوانين، اذ أن السلطة التشريعية لا تختص الا بالقوانين العادية، وأن السلطة التأسيسية هى وحدها المختصة بالقوانين الدستورية، والتعديل الذى أدخله المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 على المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى هو تعديل دستورى لانه يلغى نص المادة 122 من الدستور، ولا يملك المجلس النيابى بقانون عادى تعديل الدستور اذا كان مجتمعا بصفته سلطة تشريعية لا سلطة تأسيسية. وهو لم يقر القانون رقم 184 لسنة 1954 بهذه الصفة الاخيرة، ذلك القانون الذى زعزع القيمة القانونية لقوانين فترة اغتصاب السلطة. ومن ثم يتحتم على القضاء الامتناع عن تطبيق المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 نزولا على مبدأ سيادة الدستور، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضه. أما عن الوجه الثانى وهو عيب الانحراف، فان قرار فصل المدعى الذى لم تسببه الحكومة، والذى اعتصمت ازاءه بالصمت اعتمادا على قرينة المصلحة العامة قد قامت به حالتان من حالات الانحراف، أولاهما انعدام الدافع المعقول لاصداره، اذ أن المدعى كان يقوم بمهام منصبه خير قيام بدليل الاعمال المشرفة التى حققها فى سبيل تحقيق أهداف القومية العربية وتكرار ترقيته فى أمد وجيز، والثانية كون ملف خدمته ناصع البياض زاخرا بكفايته ونزاهته خاليا من الشوائب سواء من ناحية عمله أو ناحية سلوكه، الأمر الذى يشهد بأن قررا الفصل المطعون فيه قد صدر بغير مسوغ شرعى، مما يستوجب الغاءه. واذا ظل عبء الاثبات على عاتقه فان الدليل القاطع على انحراف الادارة عند اصدارها هذا القرار هو رفض رئيس الجمهورية توقيعه، مع أن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية وجزء منها، كما أنه سلطة دستورية مستقلة عن الوزارة، وبذا يكون لرفض توقيعه المراسيم المرفوعة اليه من الوزارة وزن خاص عند تقدير ما قررته هذه المراسيم، مما له دلالته عند تقدير عناصر الانحراف ويضاف الى ذلك شهادة الشاهد المحايد فى التحقيق الذى أجرى وهو السيد/ عادل الخجا رئيس الغرفة التجارية، وكذا الاجتماع المعقود بالقصر الجمهورى برياسة رئيس الجمهورية فى أبريل سنة 1957، الذى أدلى المدعى فيه باحتجاجات حكام الأردن على تصرفات حزب البعث فى بلادهم، اذ قرر حقائق أثارت عليه حفيظة وزير الخارجية، وقد أيد هذه الحقائق فى تقرير رفعه الى كل من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية فى 22 من نيسان (ابريل) سنة 1957 تحت رقم 22، كما سبق أن رفع تقريرا تضمن بواعث الخلاف الحزبى التى أدت الى فصله، والتى مردها الى شهوة حزب البعث فى الانتقام منه لرفضه القيام بالدور الحزبى الذى أراده له وزير الخارجية البعثى، هذا الى أن السيد/ صبرى العسلى قد أبدى استعداده للادلاء بالظروف التى أدت الى فصل المدعى اذا ما طلبت اليه المحكمة ذلك، الامر الذى يدل على أن الفصل انما كان مرده الى أسباب حزبية لا الى المصلحة العامة. وانتهى المدعى من هذا الى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه مع الغاء المرسوم الصادر بتاريخ 20 من أغسطس سنة 1957 والمعلن للطاعن بتاريخ 31 من أغسطس سنة 1957، والقاضى بفصل الطاعن من وظيفته كسفير لجمهورية سورية لدى مملكة الأردن، ومع الحكم بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى".
ومن حيث ان وزارتى الخارجية والخزانة أودعتا بعد حجز الطعنين للحكم، مذكرة بملاحظاتهما تمسكتا فيها بالدفع بعدم سماع الدعوى. استنادا الى نص المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 معدلة بالمرسومين التشريعيين رقم 33 لسنة 1949 ورقم 65 لسنة 1952، والى نص المادة الثالثة من القانون رقم 184 لسنة 1954 التى قضت بأن القوانين والمراسيم التشريعية الصادرة من سلطة غير شرعية قبل تاريخ أول آذار (مارس) سنة 1954 والتى لم تلغ بنص تشريعى تبقى سارية المفعول الى أن تعدل من قبل السلطة المختصة. وقالتا: أن المرسوم التشريعى المطعون بعدم دستوريته لم يلغ فاستمر قائما ونافذا ثم أكده الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر فى 5 من اذار (مارس) سنة 1958 فى المادة 68 منه. وقد ألغى هذا الدستور المؤقت دستور سنة 1950 المتضمن المادة 122 الخاصة باختصاص المحكمة العليا، ونص فى المادة 61 منه على أن يرتب القانون جهات القضاء ويعين اختصاصاتها. وعلى هذا لم يكن أمام المحكمة العليا التى كانت تنظر الطعن قبل الغائها بالقانون رقم 55 لسنة 1959 سوى المرسوم رقم 65 لسنة 1952 دون أى نص دستورى مخالف، وبذا يكون الدفع بعدم دستورية هذا التشريع فى غير محله وتكون الدعوى غير جائز سماعها. أما عن العيب المقول بوقوعه فى نشر المرسوم المطعون فيه فلا يؤثر فى جوهره، ومع ذلك فقد تم تصحيحه بأثر مرتد الى تاريخ صدوره. ولا حجة فى النعى عليه بعدم توقيعه من وزير الخارجية خلافا لحكم المادة 71 من الدستور، اذ أن هذه المادة لم تشترط توقيع وزير الخارجية بالنسبة الى هذا النوع من المراسيم. واذا كان اعتماد رؤساء البعثات السياسية وسحب اعتمادهم لا يكون الا من رئيس الجمهورية وفقا للمادة 77 من الدستور. فان كتاب الاعتماد مقصور على علاقة الجمهورية السورية بالدولة الأجنبية ولا أثر له فى خصوص المركز القانونى للموظف بالنسبة الى الوظيفة. ولا يتضمن القانون أى نص يوجب على الادارة تسبيب المرسوم المطعون فيه الصادر بانهاء خدمة الطاعن. أما عن عيب الانحراف، فان ما ساقه الطاعن من أقوال ومحادثات شفوية لا ينهض دليلا على خروج المرسوم موضوع الطعن على المصلحة العامة، أو على ابتنائه على أسباب حزبية، طالما أن مصدر هذا الادعاء هو اعتقاد الطاعن الشخصى. بل انه يخلص من دفاعه أنه كان غير متضامن مع حكومته فى سياستها الخارجية، وغير متعاون معها فى تنفيذها. وأبلغ رد على اقواله هو أن الوزارة التى فصلته لم تكن بعثية بل ائتلافية، وقد كان مكونة من عشرة أشخاص منهم اثنان فقط بعثيان، ليس من بينهما رئيس مجلس الوزراء الذى وقع مرسوم التسريح. هذا الى أن الطاعن لم يحدد طلبه فى شأن التعويض الادبى، الامر الذى يجعله غير مقبول لتجهيله. وانتهت الادارة من هذا الى طلب "الحكم أصليا بعدم سماع أو قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها".
ومن حيث ان المدعى قد مذكرة تكميلية أخرى استعرض فيها دفاعه السابق، ثم تنازل بالشرح الطريقة التى أعيد بها العمل بدستور سنة 1950 فى أول مارس سنة 1954، وما ترتب على ذلك من امتناع العمل رقم 1 لسنة 1953 حق المنع الوارد فى المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 فيما تضمنه من منع قبول دعاوى الغاء مراسيم فصل الموظفين. وذكر أن دستور الشيشكلى وقانون محكمته العليا قد ألغيا هذا المرسوم التشريعى، اذ أن الشيشكلى ألغى دستور سنة 1950، ثم أصدر المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1952 بوقف العمل بأحكام القانون رقم 57 لسنة 1950 الخاص بالمحكمة العليا، وأصدر فى 10 من تموز (يولية) سنة 1953 دستورا جديدا للبلاد أعاد حق طلب الغاء القرارات والمراسيم بصورة مطلقة غير مقيدة. وقد ألغى قانون المحكمة العليا رقم 1 لسنة 1953 حق المنع الوارد فى المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952، وبذا انحصر النطاق الزمنى لاعمال هذا المرسوم التشريعى فى الفترة ما بين تاريخ نشره وتاريخ صدور دستور الشيشكلى، او على أبعد فرض تاريخ صدور قانون المحكمة العليا. وقد اكد القانون رقم 173 لسنة 1954 الغاء منع التقاضى. وما دام الحكم الوارد فى المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى لم يعد له وجود فيما يتعلق بمنع النظر فى دعاوى الالغاء. فلا وجه للاحتجاج بالمادة 68 من الدستور المؤقت الموحد، اذ أنها لا تحمى الا القوانين الشرعية القائمة فعلا. ثم تطرق المدعى بعد هذا الى الكلام عن عيب الانحراف الذى شاب القرار المطعون فيه لانعدام الدافع المعقول الى اصدار هذا القرار، ولأن فصله كان يرجع الى سبب حزبى لا الى المصلحة العامة، وساق الادلة التى يستند اليها فى اثبات العيب المشار اليه، وبخاصة رفض رئيس الجمهورية تعيين خلف له، واسناد نفاذ ترقيته الى تاريخ لاحق لفصله، واختتم مذكرته بالتصميم على طلب الالغاء.
ومن حيث أنه يتعين بادئ ذى بدء البحث فيما اذا كان القضاء الادارى قد أصبح ممنوعا من سماع هذه الدعوى بالتطبيق للفقرة الثالثة من المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 أم لا.
ومن حيث ان تلك المادة بعد تعديلها بالمرسوم التشريعى رقم 33 الصادر فى 30 من تموز (يولية) سنة 1949، ثم بالمرسوم التشريعى رقم 65 الصادر فى 16 من كانون الثانى (يناير) سنة 1952 أصبح نصها يجرى كالآتى: "يجوز لمجلس الوزراء لاسباب يعود اليه تقديرها أن يقرر صرف الموظف من أية مرتبة كانت من الخدمة، ويستثنى من ذلك القضاة الذين لا يجوز لمجلس الوزراء صرف أحدهم من الخدمة الا اذا خالف أحكام المادة الأولى من المرسوم التشريعى رقم 47 المؤرخ فى 6/ 1/ 1952 والمادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 102 المؤرخ فى 3/ 2/ 1952 المعدلة للمادة 2 من المرسوم التشريعى رقم 47 المؤرخ فى 6/ 1/ 1952. لا يشترط فى هذا القرار أن يكون معللا أو أن يتضمن الاسباب التى دعت للصرف من الخدمة. يسرح الموظف المقرر صرفه من الخدمة بمرسوم غير تابع لأى طريق من طرق المراجعة. وتصفى حقوقه وفقا لقانون التقاعد - ترد الدعاوى المقامة أو التى ستقام ضد هذا النوع من المراسيم أيا كان سببها.." وظاهر من هذه المادة أنها تتضمن حكمين: (أولهما) حكم موضوعى هو أن مجلس الوزراء أصبح يملك سلطة صرف من أية مرتبة كانت من الخدمة - عدا القضاة الذين لصرفهم من الخدمة حكم خاص - وذلك لأسباب يرجع اليه وحده تقديرها، مما مفاده أنه يترخص فى وزن ملاءمة اصدار قرار الصرف وفقا لمقتضيات المصلحة العامة بسلطة تقديرية لا معقب عليه فيها ما دام لا يصدر هذا القرار بباعث من اساءة استعمال السلطة، ولا شبهة فى دستورية هذا النص. و(الثانى) حكم متعلق بتحديد الاختصاص القضائى هو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة المذكورة من عدم جواز الطعن فى المرسوم الصادر بالصرف من الخدمة على هذا الوجه بأى طريق من طرق المراجعة، مما يستتبع منع جهات القضاء من نظر مثل هذا الطلب. بيد أنه يبين من تقصى المراحل التشريعية فى هذا الشأن أن المادة 122 من دستور سنة 1950 كانت تنص على أن "1 - تنظر المحكمة العليا وتبت بصورة مبرمة فى الأمور الآتية: أ - .... ب - .... ج - ...... د - ...... هـ - طلب ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية، اذا تقدم بالشكوى من يتضرر منها..". فاستمدت المحكمة لمذكورة قيامها من هذا الدستور الذى حدد فى الوقت ذاته اختصاصها واطلقه فى نظر طلبات ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية بدون قيد أو شرط، ولم يفوض القانون كأداة أدنى فى تقييد هذا الاختصاص، مما لا مندوحة معه من أن يظل هذا الاختصاص قائما على اطلاقه ما لم يعد له نص دستورى آخر. ولذا لما صدر، فى 28 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1950 القانون رقم 57 لسنة 1950 بتحديد صلاحيات وملاك المحكمة العليا لم يتضمن بطبيعة الحال أى نص يحد من اختصاص هذه المحكمة العام المطلق بحكم الدستور بالفصل فى دعاوى ابطال الاعمال والقرارات والمراسيم الادارية. ولكن على أثر الانقلاب العسكرى الذى وقع فى 1951 عطل دستور سنة 1950، ثم صدر المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1942 بتعديل المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 وفى فترة تعطيل الدستور، ومنع سماع دعاوى الغاء المراسيم الصادرة من مجلس الوزارة بصرف الموظفين من الخدمة. وأعقب ذلك صدور المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1952 الصادر فى 20 من كانون الثانى (يناير) سنة 1952 بايقاف العمل ببعض الاحكام المتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا واحداث غرافة ادارية فى محكمة التمييز، الذى قضى بوقف العمل ببعض أحكام القانون رقم 57 لسنة 1950 المتضمن تحديد صلاحيات وملاك المحكمة العليا وأحال اختصاصها فى طلبات الالغاء الى الغرفة الادارية التى أحدثها بمحكمة التمييز. ولكن صدر بعد ذلك دستور 11 من تموز (يولية) سنة 1953 ناصا فى البند 3 من المادة 117 منه على أن "3 - تنظر المحكمة العليا بصورة أصلية أيضا وتبت بصورة مبرمة فى طلب ابطال الأعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية، اذا تقدم بالشكوى من يتضرر منها..". وبذلك أعاد هذا لدستور الى المحكمة العليا ولايتها المطلقة السابقة فى نظر طلبات ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية، كما كانت فى دستور سنة 1950، ولما صدر قانون المحكمة العليا رقم 1 لسنة 1953 فى 15 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1953 تنفيذا للدستور المذكور ردد اختصاص المحكمة العليا فى ابطال القرارات والمراسيم بصورة مطلقة بغير قيد ولا شرط، كما وردت فى الدستوريين السابقين. وفى سنة 1954 عندما انتهت فترة اغتصاب السلطة وأعيدت الحياة الدستورية الشرعية السابقة الى البلاد، اعتبر دستور سنة 1950 قائما وكأنه لم يعطل فى تلك الفترة، وهو الذى كان يطلق الولاية للمحكمة العليا فى ابطال القرارات الادارية والمراسيم بدون قيد أو شرط. ثم تأكد ذلك بالقانون رقم 173 لسنة 1954 الصادر فى 18 من أيار (مايو) سنة 1954 بالغاء بعض القوانين والمراسيم التشريعية الذى قضى بالغاء التشريع رقم 72 لسنة 1952 المتضمن وقف العمل ببعض الأحكام المتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا واحداث غرفة ادارية فى محكمة التمييز، والقانون رقم 1 لسنة 1953 المتضمن تأليف المحكمة العليا.
ومن حيث انه يخلص مما تقدم أن المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى رقم 135 لسنة 1945 معدلة بالمرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 فيما قضت به فى فقرتها الثالثة من أن "يسرح الموظف المقرر صرفه من الخدمة بمرسوم غير تابع لاى طريق من طرق المراجعة.." تعتبر من الناحية الدستورية غير نافذة بالنسبة الى المحكمة العليا ما دامت تتعارض - فى تقييدها لاختصاص هذه المحكمة - مع المادة 122 من دستور سنة 1950 التى أطلقت الاختصاص لتلك المحكمة، ذلك الاختصاص الذى أكده الدستور الصادر فى سنة 1953 على الوجه المفصل آنفا، لما يتميز به الدستور من طبيعة خاصة تضفى عليه صفة القانون الأعلى وتسمه بالسيادة، فهو بهذه المثابة سيد القوانين جميعها بحسبانه كفيل الحريات وموئلها، ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها. ويستتبع ذلك أنه اذا تعارض قانون عادى مع الدستور فى أية منازعة من المنازعات التى تطرح على المحاكم، فقامت بذلك لديها صعوبة مثارها أى القانونين هو الأجدر بالتطبيق، وجب عليها عند قيام هذا التعارض أن تطرح القانون العادى وتهمله وتغلب عليه الدستور وتطبقه بحسبانه القانون الأعلى الأجدر بالاتباع. واذا كان القانون العادى يهمل عندئذ فمرد ذلك فى الحقيقة الى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين، تلك السيادة التى يجب أن يلتزمها كل من الشارع عند اصداره القوانين، والقاضى عند تطبيقه اياها على حد سواء. ومن ثم فما أطلقه الدستور السورى فى اختصاص المحكمة العليا فى ابطال القرارات الادارية والمراسيم لا يقيده قانون، ما دام لم يفوض من الدستور بنص خاص فى هذا التقييد أو التحديد.
وبناء عليه يظل الاختصاص معقودا لتلك المحكمة بهذا الاطلاق على الرغم من التقييد الوارد فى المادة 85 سالفة الذكر، ولا حجة فيما نصت عليه المادة 163 من الدستور من أن التشريع القائم المخالف له يبقى نافذا مؤقتا الى أن يعدل بما يوافق أحكامه، ولا فيما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 184 لسنة 1954 من أن القوانين والمراسيم التشريعية الصادرة من غير سلطة شرعية قبل أول آذار (مارس) سنة 1954 والتى لم تلغ بنص تشريعى تبقى سارية المفعول الى أن تعدل من قبل السلطة المختصة، لعدم انصراف الاولى الى المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 الذى لم يكن قائما وقت صدور دستور سنة 1950، وعدم امتداد الثانية الى القوانين الدستورية.
ومن حيث انه لا يغير من هذا الوضع صدور الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة فى 5 من اذار (مارس) سنة 1958، لان صدوره لا يعنى أن تسقط جميع النظم والتشريعات السابقة عليه، يسقط منها فقط ما يتعارض مع أحكامه، وهذا هو عين ما رددته المادة 68 من هذا الدستور التى نصت على أن "كل ما قررته التشريعات المعمول بها فى كل من اقليمى مصر وسورية عند العمل بهذا الدستور تبقى سارية المفعول فى النطاق الاقليمى المقرر لها عند اصدارها. ويجوز الغاء هذه التشريعات أو تعديلها، وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور". وقد بان مما تقدم انه عند صدور هذا الدستور كان الوضع القانونى القائم فى الاقليم السورى هو اطلاق الاختصاص للمحكمة العليا على الرغم من القيد الوارد فى المادة 85 من القانون رقم 135 لسنة 1945، وذلك على التفصيل السابق ايضاحه. ولم يصدر أى قانون فى ظل الدستور المؤقت يقيد هذا الاختصاص فى الاقليم المذكور. كما أنه لما صدر القانون رقم 55 لسنة 1949 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة حدد اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى على الوجه المبين به، ولم يتضمن أى نص خاص يتردد فيه التقييد الوارد فى المادة 85 المشار اليها بالنسبة الى الاقليم الشمالى. ومن ثم تكون المحكمة العليا السابقة بدمشق، ومن بعدها مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى، غير ممنوعين من نظر طلبات الغاء القرارات الادارية آنفة الذكر.
ومن حيث انه فيما يتعلق بموضوع الدعوى فان حاصل ما ينعاه المدعى على المرسوم الصدر بتسريحه من الخدمة من عيوب شكلية وأساسية هو: (1) أن هذا المرسوم وقع باطلا لنشره فى الجريدة الرسمية بعبارة تفيد نشره برسم رئيس الجمهورية لانشره بسلطة مجلس الوزراء، (2) أنه لم يصدر من رئيس الجمهورية الذى يملك وحده تسريح رؤساء البعثات السياسية بالتطبيق للمادة 77 من الدستور، (3) انه صدر غير مسبب، (4) أنه وقع مشوبا بعيب اساءة استعمال السلطة لصدوره بباعث حزبى.
ومن حيث انه فيما يتعلق بالعيب الاول فلئن كان نشر المرسوم الصادر بصرف المدعى من الخدمة قد اعتوره ما أشار اليه المدعى الا انه يجب التنبيه الى أن الأصل فى التصرف القانونى أنه لا يولد معدوما لعيب فى الشكل الا اذا كان الشكل معتبرا بحكم القانون ركنا لقيام هذا التصرف، والقرار الادارى هو تصرف قانونى. ولم يعتبر القانون الشكل ركنا فى القرار موضوع النزاع. أما اذا كان الشكل ليس ركنا بل مجرد شرط متطلب فى القرار، فان كان هذا الشكل جوهريا كان لا معدى عن استيفائه وفقا لما نص عليه القانون، اما فى ذات القرار، واما بتصحيح لاحق، أما اذا كان غير جوهرى فلا يعتبر مؤثرا فى صحة القرار وسلامته. على أن ما يزعمه المدعى من عيب فى هذا الشكل انما يلحق عملية النشر ولا يمس لا كيان القرار ذاته ولا صحته كتصرف قانونى؛ ذلك أن القرار الادارى هو افصاح الجهة الادارية المختصة عن ارادتها الملزمة بما لها من سلطة، بمقتضى القوانين واللوائح، فى الشكل الذى يتطلبه القانون بقصد احداث اثر قانونى معين متى كان هذا ممكنا وجائزا قانونا ابتغاء مصلحة عامة. وقد قامت أركان القرار فى هذا الخصوص ما دام لا يمارى أحد فى أن مجلس الوزراء قد اتجهت ارادته الى احداث هذا الاثر، وهو صرف المدعى من الخدمة، على الرغم من عدم اتفاق رئيس الجمهورية وقتذاك مع المجلس فى هذا الشأن. وقد استوفى المرسوم المطعون فيه بالفعل شكله القانونى من الناحية الدستورية من حيث صدوره من مجلس الوزراء مشكلا تشكيلا صحيحا فى حدود سلطته واختصاصه فى هذه الخصوصية بذاتها، وعرضه على رئيس الجمهورية، واصداره بعد اذ مضت عشرة أيام لم يوقعه خلالها الرئيس، ولم يحله ضمن المدة نفسها الى المحكمة العليا، فاعتبر نافذا طبقا للمادة 81 من الدستور. أما عملية النشر فى ذاتها فهى اجراء لاحق لا يعدو أن يكون تسجيلا لما تم، فلا يرتد أثرها الى ذات القرار ولا يمس صحته. فاذا كان ثمت عيب فقد لحق عملية النشر فقط، على أن هذا العيب قد تداركته الادارة وقامت بتصحيحه فيما بعد.
ومن حيث انه فيما يختص بالعيب الثانى وهو مخالفة المرسوم الصادر بتسريح المدعى لحكم الفقرة الثالثة من المادة 77 من الدستور والتى تنص على أن رئيس الجمهورية هو الذى يعتمد رؤساء البعثات السياسية لدى الحكومات الأجنبية ويقبل اعتماد رؤساء البعثات السياسية الأجنبية لديه، فان هذا الاعتماد له مجاله الخاص بالمفهوم المقصود به فى الدستور، هذا المفهوم الذى يتحدد فى نطاق العلاقات الدولية، دون المساس بالقواعد التى تنظم المركز القانونى للموظف سواء فى تعيينه أو تسريحه أو غير ذلك، والتى مردها الى القانون الأساسى الخاص بالموظفين والقوانين الاخرى، ومن ذلك المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 التى تضمنت فى فقرتها الاولى الحكم الموضوعى الذى يخول مجلس الوزراء صرف الموظفين من الخدمة من أية مرتبة كانت للأسباب التى يترخص فى تقديرها، ولم يستثن من ذلك سوى القضاة، ولو أن الشارع أراد استثناء أعضاء البعثات السياسية لكان قد نص على ذلك أيضا بنص خاص.
ومن حيث أنه فيما يتعلق بالعيب الثالث وهو خلو القرار المطعون فيه من التسبيب فان الاصل ان الادارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها الا اذا نص القانون صراحة على وجوب هذا التسبيب. ولم توجب المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى فى حكمها المشار اليه تسبيب قرار الصرف من الخدمة، بل أنها نصت فى فقرتها الثانية على انه "لا يشترط فى هذا القرار أن يكون معللا أو أن يتضمن الأسباب التى دعت للصرف من الخدمة".
ومن حيث انه فيما يتعلق بالعيب الاخير وهو صدور القرار المطعون فيه بباعث من اساءة استعمال السلطة لغاية حزبية بعيدة عن المصلحة العامة، فقد بان مما سلف ايضاحه أن المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى فى حكمها الموضوعى آنفى الذكر - الذى لا شبهة فى دستوريته كما تقدم - قد أطلقت يد الادارة فى صرف الموظفين من أية مرتبة كانت من الخدمة الا من استثنى منهم بنص خاص للاسباب التى تترخص فى تقديرها، فلا معقب عليها والحالة هذه الا اذا اساءت استعمال سلطتها فى هذا الشأن بأن تنكبت الجادة وتغيت فى اصدار قرارها غير وجه المصلحة العامة، كما لو صدر القرار بباعث حزبى على النحو الذى يزعمه المدعى. ومن ثم فانه يتعين استظهار هذا الباعث وتبين وجه الحق فيه على مقتضى الأصول والعناصر والشواهد والامارات الثابتة فى الدعوى.
ومن حيث ان المدعى حدد الظروف والملابسات التى انتهت بصرفه من الخدمة بما محصلة انه وهو يعمل سفيرا للجمهورية بالأردن أراد وزير الخارجية وقتذاك، وهو ينتمى الى حزب معين وهو حزب البعث، أن يحمله على انتهاج سياسة خاصة تقوم على مساندة نشاط حزبه فى الأردن، فى حين أن حكومة الأردن شكت من نشاط هذا الحزب فيها، وطلبت ابلاغ ذلك الى الجهات العليا فى الجمهورية السورية، فلم يقبل المدعى أن يسخر للغاية التى حاول وزير الخارجية الحزبى وقتذاك أن يدفعه اليها، لما يعتقده من أن هذا لا يتفق والسياسة الحكيمة التى يجب أن ينتهجها فى علاقة الدولتين، وان مركزه بصفته ممثلا لدولته لدى دولة عربية أخرى يقتضيه أن يكون منفذا لسياسة الدولة العليا فى بلاده لا لسياسة حزبية خاصة، وان يزيل ما قد يعلق من شوائب فى علاقات الدولتين، وانه فصل ذلك فى تقريره السياسى المقدم الى وزارة الخارجية تحت رقم 16 فى 16 من نيسان (أبريل) سنة 1957 الذى قدم صورة منه فى اضبارة الدعوى، والذى أشار فيه الى شكوى حكومة الاردن من تصرفات الحزب المذكور، والى محاولته اصلاح الامر بالتأكيد لحكومة الاردن بأن سياسة الجمهورية السورية، وعلى رأسها فخامة الرئيس شكرى القوتلى، انما تهدف الى أن يسود الصفاء فى علاقة الدولتين، حرصا على وحدة الصف واتفاق الكلمة، وانه ادلى بذلك أيضا فى مناسبات واجتماعات رسمية بحضور المسئولين، وكان موضع حديث بينه وبينه وزير الخارجية لدى استدعائه اياه. ولما لم يرضخ للسياسة التى أراد ذلك الحزب املاءها عليه، أثار موقفه هذا حفيظة وزير الخارجية ضده، فبيت بليل صرفه من الخدمة، واستطاع أن يحمل مجلس الوزراء على تقرير تسريحه منتهزا وضع الحزب الخاص فى الوزارة، وما له من دور مؤثر فى القرارات التى يتخذها المجلس وقتذاك حتى لا يتصدع الائتلاف، وكان رئيس الجمهورية على بينة من هذا كله ويوقن بأن المدعى ليس على مسلكه أى غبار، ولذ رفض أن يوقع قرار صرفه من الخدمة، مما ألجأ رئيس مجلس الوزراء الى أن يصدر القرار بنفسه وعلى مسئوليته.
ومن حيث انه ليس من شكل فى أن القرار المطعون فيه لو صدر عن مثل هذا الباعث لكان مشوبا بعيب اساءة استعمال السلطة لانحرافه عن الجادة، ولصدوره بباعث حزبى لا بغاية من المصلحة العامة.
ومن حيث ان المحكمة ترى من ظروف الدعوى وملابسات اصدار القرار المطعون فيه، وبوجه خاص من انه صدر بصورة غير عادية تنم عن الخلاف فى شأنه بين الوزارة وبين رئيس الجمهورية وقتذاك، اذ رفض توقيع مرسوم صرف المدعى من الخدمة فأصدرته الوزارة بنفسها، ترى فى هذا ما يؤيد صدق ما ينعاه المدعى على القرار المذكور من أنه انما صدر بالباعث الحزبى الذى أوضحه. ولم تقدم الجهة الادارية ما ينفى ذلك على الرغم من اتاحة المواعيد الكافية لها لهذا الغرض. ومن ثم فان القرار المطعون فيه يكون اذ صدر مشوبا بهذا العيب، قد وقع باطلا. ويتعين الغاء حكم محكمة القضاء الادارى المطعون فيه، والقضاء بالغاء هذا القرار، وهو الطلب الذى اقتصر عليه المدعى فى مذكرته الختامية فى 12 من نيسان (أبريل) سنة 1960، وهو وشأنه فيما يتعلق بطلب لتعويض عنه بدعوى أخرى، أن كان له فى ذلك وجه.

فلهذه الاسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفى موضوعهما بالغاء الحكم المطعون فيه، وبجواز سماع الدعوى، وبالغاء القرار الادارى المطعون فيه الصادر من مجلس الوزراء فى 20 من آب (أغسطس) سنة 1957 بانهاء خدمة المدعى - مع ما يترتب على ذلك من آثار - وألزمت الجهة الادارية بالمصروفات.


(1) يمثل هذا المبدأ قضت المحكمة فى ذات الجلسة فى القضية رقم 10 لسنة 2 والقضية رقم 29 لسنة 2 ق (ج)/ 24 لسنة 2 ق (ش).