مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 730

(75)
جلسة 26 من نيسان (أبريل) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة على بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل ومحمود ابراهيم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضيتان رقما 7 و8 لسنة 1 القضائية (1)

( أ ) حكم الالغاء - مقتضاه اعدام القرار الملغى ومحو آثاره من وقت صدوره فى الخصوص وبالمدى الذى حدده الحكم - وجوب تنفيذ الحكم كاملا غير منقوص على الاساس الذى أقام عليه قضاءه، وفى الخصوص الذى عناه بالمدى وفى النطاق الذى حدده - اذا كان القرار الملغى صادرا بالتسريح استتبع الغاؤه قضائيا اعادة المدعى كما كان فى وظيفته التى كان يشغلها عند تسريحه بمرتبها ودرجتها كما لم يصدر قرار بالتسريح - أساس ذلك - وجوب اعتبار الوظيفة وكأنها لم تشغر قانونا من الموظف المسرح - التحدى بأن قانون المحكمة العليا السابقة بدمشق لم يتضمن نصا صريحا يلزم بتنفيذ الحكم على هذا الوجه، أو أن حكم الالغاء لم ينص فى منطوقه صراحة على هذه الاعادة - غير مجد - عدم جواز قصر تنفيذ الحكم على مجرد اعادة الموظف الى الخدمة فى مرتبة أدنى ودرجة أقل - اعتبار ذلك بمثابة جزاء تأديبى مقنع - عدم وجود وظيفة شاغرة بالملاك من نوع تلك التى كان يشغلها المدعى قبل تسريحه ليمكن اعادته اليها - لا يمنع من تنفيذ الحكم تنفيذا كاملا.
(ب) حكم الالغاء - موظف - تسريحه من من الخدمة - صدور حكم المحكمة العليا السابقة بدمشق باعادة الموظف المسرح الى وظيفته - تنفيذه تنفيذا مبتورا من جانب الادارة بوضعه فى مرتبة أدنى ودرجة أقل - غير جائز - اقامته دعوى جديدة ليعود كما كان فى وظيفته ذاتها بمرتبتها ودرجتها وراتبها - صدور قرار بتسريحه من الخدمة لا يقوم على عناصر جديدة مستقاة من سلوكه الوظيفى - اعتبار ذلك ردا على دعواه المذكورة وتحديا لحكم المحكمة العليا - انطواؤه على مخالفة القانون واساءة استعمال السلطة - الغاؤه.
1 - أن مقتضى الحكم الحائز لقوة الامر المقضى الذى قضى بالغاء القرار المطعون فيه، واعدام هذا القرار ومحو آثاره من وقت صدوره فى الخصوص وبالمدى الذى حدده الحكم، فان كان القرار الملغى صادرا بالتسريح - كما هو الشأن فى خصوصية هذه الدعوى - استتبع الغاؤه قضائيا بحكم اللزوم اعادة المدعى كما كان فى وظيفته التى كان يشغلها عند تسريحه بمرتبتها ودرجتها كما لو لم يصدر قرار بالتسريح. ذلك أن مقتضى اعتبار قرار التسريح كأن لم يكن هو وجوب اعتبار الوظيفة وكأنها لم تشغر قانونا من الموظف المسرح، مما يستتبع وجوب اعادته فيها وتبعا لذلك تنحية من شغلها بعد قرار التسريح بقرار ما كان من المقدور قانونا اصداره لولا أنه بنى على خلو تم بقرار التسريح الباطل قانونا، فكان لزاما اعتباره باطلا كذلك، اذ أن ما بنى على الباطل باطل. وما كان الموظف المسرح بالقرار الباطل ليعتبر أن صلته بالوظيفة قد انقطعت قانونا حتى يجوز أن تشغل وظيفته بغيره. ومن ثم فلا يصادف تعيين هذا الغير محلا صحيحا. هذا، وغنى عن القول أن اعادة الموظف الى وظيفته كما كان بمرتبتها ودرجتها هى من مقتضى حكم الالغاء بحكم اللزوم القانونى. ومن هنا يسقط التحدى بأن قانون المحكمة العليا الذى وقع النزاع فى ظله لم يتضمن نصا صريحا يلزم بتنفيذ الحكم على هذا الوجه، كما يسقط التحدى كذلك بأن الحكم الصادر من المحكمة المذكورة بالغاء قرار تسريح المدعى لم ينص فى منطوقه صراحة على هذه الاعادة، اذ أن قرار تنفيذ الحكم المشار اليه يجب أن يكون كاملا غير منقوص على الاساس الذى أقام عليه قضاءه، وفى الخصوص الذى عناه وبالمدى وفى النطاق الذى حدده، ومن هنا كان لزاما أن يكون التنفيذ موزونا بميزان القانون فى تلك النواحى والآثار كافة، حتى يعاد وضع الامور فى نصابها القانونى الصحيح، وحتى لا تمس حقوق ذوى الشأن ومراكزهم القانونية، ومن ثم فلا يكفى أن يقتصر تنفيذ الحكم على مجرد اعادة الموظف الى الخدمة، ولكن فى مرتبة ادنى ودرجة أقل، والا لكان مؤدى هذا أن الحكم لم ينفذ فى حقه تنفيذا كاملا بل نفذ تنفيذا مبتورا منقوصا، ولكان هذا بمثابة تنزيل له فى مرتبة الوظيفة أو فى درجتها، وهو جزاء تأديبى مقنع. ولا يجدى فى تبرير مثل هذا التنفيذ المنقوص أن تكون الادارة قد جازفت بعد اصدارها قرارها المعيب بشغل وظيفة المدعى، سواء بالتعيين فيها ابتداء أو بالترفيع اليها، فأقامت بتصرفها هذا صعوبة قوامها عدم وجود وظيفة شاغرة بالملاك من نوع تلك التى كان يشغلها المدعى قبل تسريحه ليمكن اعادته اليها، ما دامت الادارة هى التى تسببت بتصرفها غير السليم فى ايجاد هذه الصعوبة، وخلق الوضع غير القانونى الذى كان مثار دعوى الالغاء. فلا يجوز لها أن تتحدى بخطئها فى ايجاد هذا الوضع الذى لا ذنب للمدعى فيه؛ اذ لا يجوز أن يضار المدعى بذلك فيكون ضحية هذا الخطأ. ولا مندوحة للادارة - والحالة هذه - من تدبير الوسائل الكفيلة باعادة الحق فى نصابه نزولا على حكم الالغاء ومقتضاه وازالة العوائق التى تحول دون ذلك، أما بتخلية الوظيفة التى كان قد فصل منها المدعى بقرار التسريح الملغى وتعيينه فيها ذاتها، أو بتعيين المدعى فى وظيفة أخرى شاغرة من نفس المرتبة والدرجة، واعتباره فيها قانونا منذ تسريحه الاول، لو أرادت الادارة الابقاء على الموظف الشاغل لوظيفة المدعى الاصلية. ذلك أن الاصل فى الالغاء أنه يترتب عليه زعزعة جميع المراكز القانونية غير السليمة التى ترتبت على القرار الملغى، ويصبح من المتعين فى تنفيذ الحكم الذى قضى بالغائه ان يعاد تنظيم المراكز القانونية على مقتضى حكم الالغاء، حتى ينال كل موظف ما كان يستحقه بصورة عادية فيما لو لم يرتكب المخالفة فى القرار الملغى.
2 - اذا كان الثابت أن الادارة - بعد أذ نفذت حكم المحكمة العليا بدمشق الذى قضى بابطال قرار تسريح المدعى تنفيذا مبتورا بوضعه فى مرتبة أدنى لم تقف عند هذا الحد، بل انها بعد اذ رفع دعواه طالبا اعادته كما كان فى وظيفته ذاتها بمرتبتها ودرجتها وراتبها - بادرت الى اصدار قرارها بتسريحه من الخدمة مرة أخرى مستندة فى هذا التسريح الى أسباب لا تخرج فى مضمونها عن الاسباب التى استندت اليها فى قرارها الاول بتسريحه من الخدمة، وهو الذى قضى بابطاله بحكم المحكمة العليا بدمشق، ولما يمض على اعادته الى الخدمة، تلك الاعادة التى كانت محل الطعن من جانبه، وقت بدر فيه منه ما يبرر فصله بقرار جديد يقوم على عناصر جديدة مستقاة من سلوكه الوظيفى فى تلك الفترة التى يقرر أنه اقترح فيها منحه سام الاستحقاق السورى من الدرجة الثانية، بل يبدو أن هذا القرار وكأنه كان ردا على دعواه المذكورة، فانطوى بذلك على تحد لحكم المحكمة العليا السابق الذى حاز قوة الامر المقضى والذى يعتبر عنوانا للحقيقة فيما قضى به فى منطوقه، وما قام عليه فى أسبابه الجوهرية المتصلة بهذا المنطوق ومقتضاه، دون امكان العودة الى أثارة النزاع فى هذا كله، فوجب احترامه والنزول على حكمه ومقتضاه، والا كان تصرف الادارة بغير ذلك مخالفا للقانون ومشوبا باساءة استعمال السلطة واجبا الغاؤه.


اجراءات الطعن

فى 17 من أيلول (سبتمبر) 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 7 لسنة 1 القضائية (الاقليم السورى) فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية بدمشق بجلسة 22 من تموز (يولية) 1959 فى الدعوى المقيدة بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم 4 لسنة 1959، المقامة من: السيد/ عازار بن جرجس يعقوب كرم ضد السيد/ وزير الداخلية بالاضافة الى وظيفته، القاضى "بالاكثرية: 1 - بقبول الطعن شكلا. 2 - رده موضوعا، 3 - تضمين المدعى الرسوم والنفقات. حكما وجاهيا قابلا للطعن صدر فى.... علنا وأفهم حسب الاصول". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه: "قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع الغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالغاء القرار رقم 330 تاريخ 13 آذار (مارس) 1958 الصادر عن وزير الداخلية، والزام الجهة المدعى عليها بالنفقات وأتعاب المحاماة". وقد ابلغ هذا الطعن الى الجهة الادارية فى 27 من ايلول (سبتمبر) سنة 1959 والى المطعون لصالحه فى 28 منه، وبعد ان انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته، عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من فبراير سنة 1960، وفى 9 منه أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا لنظره بجلسة 12 من نيسان (أبريل) 1960، وفى 5 من آذار (مارس) 1960 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وقد سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة.
وفى 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 8 لسنة 1 القضائية (الاقليم السورى) فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية بدمشق بجلسة 22 من تموز (يولية) 1959 فى الدعوى المقيدة بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم 1 لسنة 1959 المقامة من: السيد/ عازار بن جرجس يعقوب كرم ضد السيد/ المدير العام للشرطة والامن بالاضافة الى وظيفته، والقاضى "بالاكثرية: 1 - بقبول الدعوى شكلا، 2 - ردها موضوعا، تضمين المدعى الرسوم والمصاريف. حكما وجاهيا قابلا للطعن صدر..... علنا وأفهم حسب الاصول". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للاسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع الغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالغاء القرار المطعون فيه رقم 6 وتاريخ كانون الثانى (يناير) سنة 1957 والزام الجهة المدعى عليها بالنفقات وأتعاب المحاماة". وقد أبلغ هذا الطعن الى الجهة الادارية فى 27 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959، والى المطعون لصالحه فى 28 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أى من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من شباط (فبراير) سنة 1960، وفى 29 منه أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن الى المحكمة العليا لنظره بجلسة 13 من نيسان (ابريل) سنة 1960 وفى 5 من آذار (مارس) سنة 1960 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ضم الطعنين الى بعضهما للفصل فيهما معا بحكم واحد، للارتباط، وارجاء النطق بالحكم فيهما الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات، وبعد المداولة
من حيث أن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث ان عناصر المنازعة موضوع الطعن الاول، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى ان المدعى أقام الدعوى رقم 114 لسنة 1958 ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة العليا بدمشق بعريضة أودعها ديوان المحكمة فى 12 من نيسان (أبريل) 1958، ذكر فيها أنه فى 16 من آذار (مارس) سنة 1957 اصدر وزير الداخلية القرار رقم 343 بتسريحه من وظيفة مراقب أمن بالاستناد الى المادة 65 من المرسوم التشريعى رقم 78 المؤرخ 30 من حزيران (يونية) سنة 1947، فطعن فى القرار المذكور امام المحكمة العليا التى قضت فى 30 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1957 بابطاله، وعندما طالب بتنفيذ هذا الحكم أعيد الى الوظيفة بعد تنزيله ثلاث درجات، فلما طعن فى قرار التنزيل وأبلغت صحيفة طعنه الى المديرية العامة للشرطة والامن، استصدرت هذه الاخيرة القرار رقم 330 فى 13 من آذار (مارس) سنة 1958 بتسريحه من الخدمة للمرة الثانية، وقد جاء هذا القرار مستوجبا الابطال: (اولا) لان اقتراح المدير العام للشرطة والامن قد صدر بعد زوال صفته كمدير عام، أى ممن لا يحق له اصداره، اذ أن القائد العام لقوى الامن الداخلى قد صدر قرار تعيينه فى هذا المنصب فى يوم 13 من آذار (مارس) سنة 1958، على أن يكون نافذا اعتبارا من هذا التاريخ، وبذا أصبح هو صاحب الحق فى اقتراح تسريح موظفى الامن من التاريخ المذكور الذى انتهت فيه وظيفة مدير الشرطة العام، ولم يعد من الجائز له أن يصدر اى قرار أو اقتراح فى هذا الشأن، و(ثانيا) لمخالفة القرار المطعون فيه للقضية المقضية، بعد اذ قضت المحكمة العليا بابطال القرار السابق صدوره بتسريح المدعى، اذ أن حكم هذه المحكمة هو قرينة قانونية تسرى على الكافة، بحيث لا يجوز بعدها تسريحه مرة ثانية ما لم تظهر اسباب جديدة يمكن ان تبرر ذلك، فى حين أن خدمته القصيرة بعد اعادته الى الوظيفة لم يتخللها ما يوجب تسريحه، لانه قام بواجبات وظيفته خير قيام، مما أدى الى اقتراح منحه وسام الاستحقاق السورى من الدرجة الثانية. وقد جاء هذا التسريح عقوبة على الطعن فى قرار تنزيله ثلاث درجات. ومن ثم فانه يكون قد وقع مخالفا للقانون، و(ثالثا) لانه مشوب بالانحراف لبنائه على اسباب يدحضها ما هو وارد بملف خدمته من أنه يتمتع بصفات ومزايا تتحقق بها المصلحة العامة.
ومن حيث ان الجهة الادارية أجابت عن هذه الدعوى بمذكرة مؤرخة 25 من آيار (مايو) سنة 1958 قالت فيها: أن تسريح المدعى من الخدمة بالقرار المطعون فيه تم بناء على المادة 65 من المرسوم التشريعى رقم 78 الصادر فى 30 من حزيران (يونية) سنة 1947 التى تخول وزير الداخلية حق تسريح مراقبى الامن بناء على اقتراح المدير العام للشرطة والامن العام. وقد استكملت جميع الاجراءات الاساسية المنصوص عليها فى المادة المذكورة، وصدر قرار التسريح من السيد وزير الداخلية بناء على اقتراح المدير العامة للشرطة والامن العام. أما القول بأن الاقتراح صدر من هذا المدير بعد زوال صفته فمردود بأن العبرة فى نفاذ القرارات قانونا هى بتاريخ نشرها وتبليغها عملا بالمرسوم التشريعى رقم 5/ أس المعدل، وطبقا للمرسوم التشريعى رقم 22 يتمتع وزير الداخلية بسلطة واسعة فى تسريح مراقبى الامن العام، لأن هؤلاء لا ينطبق عليهم قانون الموظفين الاساسى، اذ أنهم يعينون بدون شرط المسابقة والشهادة. والمدعى لم يبرهن خلال مدة خدمته عن فعالية وكفاءة، بالاضافة الى استغلال الوظيفة لمآرب وأغراض حزبية معينة وشخصية، كما أنه غير مضمون سياسيا من ناحية الامن العام، ويخشى من تسرب ما يؤتمن عليه من اسرار، الامر الذى يجعله غير أهل لان يكون من عداد مراقبى الامن، والذى يتعين معه رد دعواه مع تضمينه الرسوم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث انه عملا بأحكام المادة الثانية من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة فى الجمهورية العربية المتحدة، أحيلت هذه الدعوى بحالتها الى المحكمة الادارية بدمشق وقيدت بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم 4 لسنة 1959.
ومن حيث ان السيد مفوض الدولة اودع فى 30 من أيار (مايو) سنة 1959 تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه الى أنه يرى "1 - قبول الدعوى شكلا لورودها ضمن المدة القانونية ووفق الاصول، 2 - ابطال قرار وزير الداخلية المطعون فيه رقم 330 تاريخ 13 آذار (مارس) 1958، 3 - تضمين الجهة المدعى عليها المصاريف وأتعاب المحاماة". واستند فى ذلك الى أن الاقتراح الذى بنى عليه قرار التسريح المطعون فيه قد صدر من المدير العام للشرطة والامن قبل أن يعهد بهذا المنصب الى غيره، وأن استناد وزير الداخلية الى هذا الاقتراح فى محله، طالما أنه صدر من المرجع المختص قبل صدور القرار بتكليف موظف آخر بالمديرية العامة للشرطة والأمن، ومن ثم فان طعن المدعى من هذه الجهة يكون على غير أساس سليم من القانون. بيد أنه اذا كانت المادة 65 من المرسوم التشريعى رقم 78 الصادر فى 30 حزيران (يونية) 1947 المعدلة بالمرسوم التشريعى رقم 23 الصادر فى 20 من تموز (يولية) سنة 1949 قد خولت وزير الداخلية الحق فى تسريح مراقبى الامن العام بناء على اقتراح المدير العام للشرطة والامن العام، الا أن هذا الحق يجب الا يساء استعماله والا ينحرف عن الغاية التى شرع من اجلها، وعيب الانحراف او اساءة استعمال السلطة هو عيب موضوعى يستخلص من وقائع الدعوى وظروفها. وبالرجوع الى ملف المدعى يبين أن رئيس شعبة الخراج فى محافظة دمشق يصفه بأنه يقوم منذ تعيينه فى وظيفته بعمله خير قيام، وأن الشعبة تقدر له اخلاصه، وأن الغالب على الظن ذهابه ضحية وشاية مغرضة، وعلى هذا فان قرار تسريحه لا تؤيده عناصر الملف، بل يستند الى أسباب لم تظهر صحتها، ومن ثم فانه يعتبر مشوبا بعيب الانحراف بصورة تستتبع ابطاله ولا سيما أنه يتضح من السجل الذاتى للمدعى أنه موظف كفء وثقافته ومعلوماته المسلكية جيدة وأنه نشيط أمين كتوم مخلص للمصلحة العامة، ويمكن الوثوق به، الامر الذى يدحض ما أسندته اليه وزارة الداخلية فى مذكرتها من مثالب وقد اعتمدت المحكمة العليا على مشروحات هذا السجل فى حكمها بالغاء قرار تسريحه السابق، وليس فى الأوراق ما يدل على انه قد غير مسلكه الوظيفى أو ارتكب أفعالا مخالفة لواجبات وظيفته فى الفترة القصيرة التالية لاعادته اليها، وانما صدر القرار المطعون فيه بتسريحه مرة ثانية من وظيفته على أثر اقامته لدعواه التى طلب فيها اعادته الى مثل مرتبته وراتبه اللذين كان عليهما عند تسريحه الاول، وذلك ردا على هذه الدعوى وليس بدافع المصلحة العامة، مما يجعله مشوبا باساءة استعمال السلطة وجديرا بالابطال.
ومن حيث أنه بجلسة 22 من تموز (يولية) سنة 1959 قضت المحكمة الادارية بدمشق "بالاكثرية: 1 - بقبول الطعن شكلا، 2 - رده موضوعا 3 - تضمين المدعى الرسوم والنفقات. حكما وجاهيا قابلا للطعن صدر..... علنا وأفهم حسب الاصول". وأقامت قضاءها على أن الاقتراح بتسريح المدعى رفع الى وزارة الداخلية قبل تعيين الجراح، وقد كان مقدمه والحالة هذه يملك حق تقديمه حال قيامه بوظيفته، ولا ينكر المدعى أن الاقتراح قدم من مرجعه وهو يملك هذه الصفة، ومن ثم فان التسريح يكون قد بنى على اقتراح المدير العام فى وقت كان يتمتع فيه بسائر صلاحياته. وقد منحت المادة 65 من المرسوم التشريعى رقم 78 لسنة 1948 المعدلة بالمرسوم التشريعى رقم 23 لسنة 1949 وزير الداخلية بناء على اقتراح المدير العامة للشرطة والامن حق تسريح مراقبى الامن دون أن تخضع هذا الحق للمبادئ المقررة بقانون الموظفين الاساسى أو تلزم مقدم الاقتراح بالتسريح بالتقيد بسجل الموظف، بل تركت له حق تقدير كل حالة بقدرها تبعا لاقتناعه، ولم ترتب على اقتراحه أى بطلان أو تخضعه لاجراءات أصولية أو ضوابط معينة. فاذا كانت الادارة قد قدرت أن المدعى غير صالح للخدمة لعدم صلاحه سياسيا، فان قرارها بتسريحه والحالة هذه لا يعتبر مشوبا بالانحراف. بل هو جامع لاسبابه القانونية.
ومن حيث أن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة طعن فى هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة فى 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 طلب فيها "قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع الغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالغاء القرار رقم 330 تاريخ 13 آذار (مارس) سنة 1958 الصادر عن وزير الداخلية والزام الجهة المدعى عليها بالنفقات وأتعاب المحاماة". واستند فى أسباب طعنه الى ذات الأسباب التى تضمنها تقرير السيد مفوض الدولة المقدم الى المحكمة الادارية. وانتهى من ذلك الى أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد ذهب مذهبا مخالفا فانه يكون قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه خطأ يستوجب الطعن فيه.
ومن حيث أن عناصر المنازعة موضوع الطعن الثانى، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل فى أن المدعى أقام المدعى رقم 82/ أساس لسنة 1958 ضد المدير العام للشرطة والامن العام بالاضافة الى وظيفته أمام المحكمة العليا بدمشق بعريضة أودعها ديوان المحكمة فى 18 من شباط (فبراير) 1958 ذكر فيها أنه فى 10 من حزيران (يونية) سنة 1956 أصدرت وزارة الداخلية قرارها رقم 1124 المتضمن اعلان جدول ترفيع موظفى الامن، وقد ورد فى هذا الجدول أن لجنة الترفيع قررت ترفيعه الى المرتبة الخامسة والدرجة الثانية. على أن يعمل به اعتبارا من أول تموز (يولية) 1956 حتى آخر حزيران (يونية) 1957، وقد بات بعد نشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية ينتظر صدور قرار ترفيعه بين يوم وآخر، الا أنه فوجئ بقرار وزير الداخلية المؤرخ 16 من آذار (مارس) سنة 1957 رقم 343 الذى تضمن تسريحه من الخدمة. وقد رفع دعوى الى المحكمة العليا طالبا ابطال القرار المذكور، فأصدرت المحكمة بجلسة 30 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1957 حكمها برقم 430 أساس 252 الذى قضى بابطال القرار المشار اليه والزام الجهة المدعى عليها بالرسوم والنفقات، وتنفيذا لهذا الحكم أصدرت المديرية العامة للشرطة والامن العام فى 6 من كانون الثانى (يناير) 1958 القرار المطعون فيه رقم 6 متضمنا اعادته الى الخدمة مع تنزيله ثلاث درجات أى تنزيله الى المرتبة السابعة والدرجة الاولى براتب شهرى مقطوع قدره 290 ليرة سورية اعتبارا من تاريخ التبليغ بحجة عدم وجود شاغر. وقد جاء هذا القرار مستوجبا الابطال: (أولا) لمخالفته القضية المقضية التى هى عين مخالفة القانون. اذ أن حكم المحكمة العليا قضى بابطال قرار التسريح والنتيجة المباشرة لهذا هى أن يعتبر القرار المبطل كما لو لم يكن موجودا، كما يعتبر المدعى كما لو كان مستمرا فى الخدمة لم ينقطع عنها، ويحتفظ بكامل حقوقه ووضعه القانونى من التاريخ الذى صدر فيه القرار المذكور فيظل فى المرتبة السادسة والدرجة الاولى مع استحقاقه للترفيع الى المرتبة الخامسة والدرجة الثانية. و(ثانيا) لابتنائه على سبب مخالف للقانون، اذ لو صح فرضا عدم وجود شاغر فى المرتبة السادسة والدرجة الاولى - مع عدم ثبوت ذلك - فان هذا الشاغر موجود فى المرتبة الخامسة التى يستحق المدعى الترفيع اليها، على ان عدم وجود شاغر أصلا لا يصلح سببا لوقف النتائج القانونية المترتبة على حكم المحكمة العليا الذى يستتبع تنفيذه ابطال جميع القرارات الاخرى التى بنيت على القرار الملغى واستندت الى وجوده، ومنها قرار شغل وظيفة المدعى بموظف آخر سواء بطريق الترفيع أو التعيين المجدد، لان ما بنى على الباطل فهو باطل حتما. ومتى انهار الاساس القانونى للقرار الادارى نتيجة لحكم الابطال، فان القرارات اللاحقة المرتكزة عليه تنهار فى مجموعها معه، ويسترد المدعى كامل حقوقه المترتبة على الحكم، وذلك باعادته الى مكانه الذى كان فيه قبل تسريحه بنفس رتبته وراتبه، واذا كانت المادة 83 من قانون الموظفين الاساسى تنص على الكيفية التى يجب أن يعامل بها الموظف الذى ألغيت وظيفته، فان هذه المادة انما تتعلق بحالة الغاء الوظيفة فقط، أما المدعى فلم تلغ وظيفته، كما أن حكم المادة المذكورة لم يطبق بصورة صحيحة، اذ كان على الجهة المدعى عليها فى حالة توافر شروط تطبيق المادة المشار اليها، أن تخير المدعى بين قبول وظيفة أدنى مع الاحتفاظ بحقه لأول وظيفة تشغر، وبين تصفية حقوقه التقاعدية، ولكن الذى تم هو أن الادارة عمدت الى تنزيله ثلاث درجات وافرضت عليه العقوبة دون سبب مبرر وخلافا للاصول القانونية. و(ثالثا) لان القرار المطعون فيه صادر عن سلطة غير مختصة، اذ لا يملك المدير العام للشرطة والامن العام حق تنزيل أى موظف ثلاث درجات، ولو أن المدعى ارتكب خطأ مسلكيا خطيرا لجاز عن طريق مجلس التأديب معاقبته بتنزيله درجة واحدة فقط، أما التنزيل ثلاث درجات فليس له أى سند من القانون. وخلص المدعى من هذا الى طلب الحكم: "1 - بقبول عريضة الدعوى شكلا، 2 - بقبولها موضوعا وابطال القرار المطعون فيه من الجهة التى يتناولها الطعن، 3 - باعادة ما أسلفه المدعى من تأمين ورسوم وتضمين الجهة المدعى عليها النفقات وأتعاب المحاماة، 4 - بابلاغ الفريقين الحكم الذى سيصدر".
ومن حيث أن الجهة الادارية ردت على هذه الدعوى بمذكرة مؤرخة فى 3 من نيسان (أبريل) سنة 1958 قالت فيها: أنه تنفيذا لحكم المحكمة العليا واستنادا الى المادة 65 من المرسوم التشريعى رقم 78 الصادر فى 30 من حزيران (يونية) سنة 1947 اتخذت المديرية العامة للشرطة والامن قرارا باعادة المدعى الى الخدمة مراقبا أولا فى المرتبة السابعة والدرجة الاولى مع الاحتفاظ له بالعودة الى المرتبة التى كان يشغلها والراتب الذى كان يتقاضاه، وقت صدور قرار تسريحه حال حدوث شاغر فى ملاك الامن العام، وقد أشر على هذا القرار من ديوان المحاسبات فى 13 من كانون الثانى (يناير) سنة 1958، وباشر المدعى العمل فى وظيفته فى 19 منه، وقد أطلقت المادة 65 المعدلة من المرسوم التشريعى رقم 78 الصادر فى 30 من حزيران (يونية) 1947 يد المدير العام للشرطة والامن فى تعيين مراقبى الامن فى اية مرتبة او درجة دون التقيد بأحكام قانون الموظفين الاساسى، ولا سيما المسابقة والاعلان والشهادة. ومن ثم فان الميزات الممنوحة للموظفين المعينين بموجب قانون الموظفين الاساسى لا يمكن أن تسرى جميعها على مراقبى الامن العام. وقد صدر القرار المطعون فيه على هذا النحو لعدم وجود شاغر فى المرتبة التى كان فيها المدعى قبل تسريحه، مع حفظ حقه فى العودة الى هذه المرتبة، وعلى هذا يكون القرار المذكور أصوليا لا شائبة فيه، وليس على وزارة الداخلية بعد أن سرحت المدعى بقرارها رقم 343 المؤرخ 16 من آذار (مارس) 1957 أن تحبس مكانه الشاغر عن مستحقى الترفيع، كما أنه ليس عليها أن تعطل هذا الشاغر حتى ظهور النتيجة القضائية النهائية لدعواه، ولا سيما أن وظائف الامن الشاغرة كانت فى حاجة ماسة الى شغلها بالنسبة الى الظروف التى كانت سائدة وقتذاك. وليس فى تعيين المدعى بالقرار المطعون فيه رقم 6 فى المرتبة السابعة والدرجة الاولى أى معنى للعقوبة المزعومة. ولذا فانه يتعين رد الدعوى وتضمين المدعى الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
ومن حيث أنه عملا بأحكام المادة الثانية من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة فى الجمهورية العربية المتحدة أحيلت الدعوى بحالتها الى المحكمة الادارة بدمشق حيث قيدت بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم 1 لسنة 1959.
ومن حيث أن السيد مفوض الدولة أودع تقريرا مسببا انتهى فيه الى أنه يرى "1 - قبول الدعوى شكلا لورودها ضمن المدة القانونية وفقا للاصول، 2 - قبولها موضوعا والغاء القرار المطعون فيه رقم 6 المؤرخ 6 كانون الثانى (يناير) سنة 1958، 3 - الزام الجهة المدعى عليها بالنفقات وأتعاب المحاماة". واستند فى ذلك الى أن الاحكام القضائية القاضية بابطال القرارات الادارية لتجاوز السلطة ذات مفعول رجعى، مما يجعل القرار المبطل منعدما كأن لم يكن. وعلى الادارة أن تعيد الحال الى ما كانت عليه لو لم يصدر هذا القرار اطلاقا مهما كانت النتائج، وليس لها أن تمتنع عن تنفيذ حكم الالغاء بحجة وجود صعوبات مادية معينة. وذلك أن أحكام الالغاء تتولد عنها بالضرورة بعض الآثار فى الماضى، لما يستتبعه الحكم بالالغاء من اختبار القرارات الملغاة منعدمة من يوم صدورها، بحيث تملك الادارة أن تعيد النظر فى حالة الموظفين الذين مسهم الحكم بالالغاء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن تصدر وفقا للاجراءات القانونية القرارات التى تتضمن اعادة وضع الموظف فى مكانه الذى يستحقه لو لم ترتكب المخالفة القانونية التى كانت سببا للحكم بالالغاء. أما تمسك الادارة بعدم وجود شاغر واعادتها الموظف الذى أبطل قرار تسريحه الى وظيفة أدنى وبراتب أقل خلافا لمنطوق حكم المحكمة العليا فليس له سند من القانون، لأن تنفيذ حكم ابطال قرار التسريح يلزم الادارة باتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لاعادة الموظف الى وظيفته السابقة بنفس المرتبة والراتب وكأن قرار التسريع لم يصدر.
ومن حيث أنه بجلسة 22 من تموز (يولية) سنة 1959 قضت المحكمة الادارية بدمشق (بالاكثرية 1 - بقبول الدعوى شكلا، 2 - ردها موضوعا 3 - تضمين المدعى الرسوم والمصاريف. حكما وجاهيا قابلا للطعن صدر... علنا وأفهم حسب الاصول" وأقامت قضاءها على أن تعيين المدعى فى ذات الوظيفة التى سبق أن سرح منها يستدعى لزاما وجود الوظيفة شاغرة فى الميزانية، والمدعى لا يزعم وجود وظيفة شاغرة، كما أن حكم المحكمة العليا لا يتضمن لزاما اعادته اليها لعدم وجود نص فى قانونها على ذلك، وهو القانون النافذ فى شأن النزاع القائم. ولما كان قانون المحكمة العليا لا يلزم بالتنفيذ الفورى لخلوه من نص يفيد هذا المعنى، وكان القرار المطعون فيه قد منح المدعى الحق فى المطالبة باعادته الى وظيفته فى حالة وجود شاغر، وكان تعيينه فى درجة أقل من درجته لا يشكل عقوبة، بل سببه عدم وجود شاغر بالملاك، فان المطاعن التى يستند اليها المذكور لا تستوجب ابطال القرار المطعون فيه، ومن ثم فان دعواه تكون حقيقة بالرفض.
ومن حيث أن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة طعن فى هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الادارية العليا فى 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 طلب فيها "قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع الغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالغاء القرار المطعون فيه رقم 6 المؤرخ 6 كانون ثانى (يناير) سنة 1958 والزام الجهة المدعى عليها بالنفقات وأتعاب المحاماة". واستند فى أسباب طعنه الى أنه اذا كان قانون المحكمة العليا لم يتضمن نصا على الزام الجهات المختصة بتنفيذ أحكامها لعدم الحاجة الى ذلك، فان الاحكام التى تصدر من المحكمة المذكورة وهى أعلى محكمة فى الدولة تكون قابلة للتنفيذ دون حاجة لايراد نص يفيد ذلك، اذ المبدأ العام أن أحكام المحاكم واجبة التنفيذ ولا لزوم للنص على ذلك. أما التفسير الذى تبنته المحكمة الادارية فانه ينزع عن المحكمة العليا صفتها القضائية ويجعل منها مجلسا استشاريا فقط. وقد استقر الاجتهاد على أن الاحكام القضائية بابطال القرارات الادارية لتجاوز السلطة ذات مفعول رجعى مما يجعل القرار المبطل منعدما كأنه لم يصدر، وعلى الادارة أن تعيد الحال الى ما كانت عليه لو لم يصدر هذا القرار اطلاقا مهما كانت النتائج، وليس لها أن تمتنع عن تنفيذ حكم الالغاء بحجة وجود صعوبات مادية معينة ولما كان حكم المحكمة العليا رقم 431 الصادر فى 30 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1957 قد قضى بابطال قرار وزير الداخلية رقم 343 الصادر فى 16 من آذار (مارس) سنة 1957، فليس للادارة أن تتذرع بعدم وجود شاغر لكى تعيد المدعى الى وظيفته بمرتبة أدنى وراتب أقل خلافا لمنطوق هذا الحكم، لان تنفيذ حكم ابطال قرار التسريح يلزم الادارة باتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لاعادة المذكور الى وظيفته السابقة بنفس المرتبة والراتب، وكأن قرار التسريح لم يصدر. واذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فانه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تأويله مما يجعله مستوجبا للطعن عملا بأحكام المادة 15 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث أنه نظرا للارتباط القائم بين الدعويين قررت المحكمة بجلسة 12 من نيسان (أبريل) سنة 1960 ضم الطعنين أحدهما الى الآخر للفصل فيهما بحكم واحد.
ومن حيث انه بالنسبة الى الطعن رقم 8 لسنة 1 القضائية، فان الحكم الصادر لصالح المدعى من المحكمة العليا بدمشق فى 30 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1957 برقم 430 اساس 252 عام 1957 اذ قضى بابطال القرار رقم 343 الصادر من وزير الداخلية فى 16 من آذار (مارس) 1957 بتسريح المدعى من وظيفة مراقب أمن، أقام قضاءه على أن القرار المطعون فيه صدر مشوبا بعيب الانحراف بمقولة أن السلطة التى خولها وزير الداخلية فى تسريح مراقبى الامن وتقدير الاسباب الموجبة لهذا التسريح بمقتضى المرسوم التشريعى رقم 78 لسنة 1947 المعدل بالمرسوم الاشتراعى رقم 23 لسنة 1949 ليست سلطة تعسفية، بل هى مقيدة بعدم مخالفة الوقائع الثابتة وباستهداف الصالح العام. وقد وصف القرار المذكور المدعى بأنه من العناصر الفاسدة التى لا تتوافر فيها الامانة والحرص على الاخلاق والغيرة على المصلحة، وذلك خلافا للواقع الثابت من الاوراق بشهادة رؤسائه من أنه عنصر جيد نشيط سريع الادراك للاوامر والتعليمات مستحق للتشجيع حسن السلوك والسمعة ميال للمطالعة لم يلحظ عليه ميل سياسى - وبذا يكون قد بنى على اسباب اتضح عدم صحتها من الوجهة الواقعية مما يجعله مشوبا بعيب الانحراف عن الغابة التى شرع من أجلها التسريح.
ومن حيث أن مقتضى الحكم المذكور الحائز لقوة الامر المقضى، الذى قضى بالغاء القرار المطعون فيه، هو اعدام هذا القرار ومحو آثاره من وقت صدوره فى الخصوص وبالمدى الذى حدده الحكم، فان كان القرار الملغى صادرا بالتسريح - كما هو الشأن فى خصوصية هذه الدعوى - استتبع الغاؤه قضائيا بحكم اللزوم اعادة المدعى كما كان فى وظيفته التى كان يشغلها عند تسريحه بمرتبتها ودرجتها كما لو لم يصدر قرار بالتسريح. ذلك أن مقتضى اعتبار قرار التسريح كأن لم يكن هو وجوب اعتبار الوظيفة وكأنها لم تشغر قانونا من الموظف المسرح، مما يستبع وجوب اعادته فيها، وتبعا لذلك تنحيه من شغلها بعد قرار التسريح بقرار ما كان من المقدور قانونا اصداره لولا أنه بنى على خلو تم بقرار التسريح الباطل قانونا، فكان لزاما اعتباره باطلا كذلك، اذ أن ما بنى على الباطل باطل. وما كان الموظف المسرح بالقرار الباطل ليعتبر أن صلته بالوظيفة قد انقطعت قانونا حتى يجوز أن تشغل وظيفته بغيره. ومن ثم فلا يصادف تعيين هذا الغير محلا صحيحا. هذا وغنى عن القول أن اعادة الموظف الى وظيفته كما كان بمرتبتها ودرجتها هى من مقتضى حكم الالغاء بحكم اللزوم القانونى. ومن هنا يسقط التحدى بأن قانون المحكمة العليا الذى وقع النزاع فى ظله لم يتضمن نصا صريحا يلزم بتنفيذ الحكم على هذا الوجه، كما يسقط التحدى كذلك بأن الحكم الصادر من المحكمة المذكورة بالغاء قرار تسريح المدعى لم ينص فى منطوقه صراحة على هذه الاعادة.
ومن حيث أن تنفيذ الحكم المشار اليه يجب أن يكون كاملا غير منقوص على الاساس الذى قام عليه قضاءه وفى الخصوص الذى عناه وبالمدى وفى النطاق الذى حدده، ومن هنا كان لزاما أن يكون التنفيذ موزونا بميزان القانون فى تلك النواحى والآثار كافة حتى يعاد وضع الامور فى نصابها القانونى الصحيح، وحتى لا تمس حقوق ذوى الشأن ومراكزهم القانونية، ومن ثم فلا يكفى أن يقتصر تنفيذ الحكم على مجرد اعادة الموظف الى الخدمة، ولكن فى مرتبة أدنى ودرجة أقل، والا لكان مؤدى هذا أن الحكم لم ينفذ فى حقه تنفيذا كاملا، بل نفذ تنفيذا مبتورا منقوصا، ولكان هذا بمثابة تنزيل له فى مرتبة الوظيفة أو فى درجتها، وهو جزاء تأديبى مقنع. ولا يجدى فى تبرير مثل هذا التنفيذ المنقوص أن تكون الادارة قد جازفت بعد اصدار قرارها المعيب بشغل وظيفة المدعى، سواء بالتعيين فيها ابتداء أو بالترفيع اليها، فأقامت بتصرفها هذا صعوبة قوامها عدم وجود وظيفة شاغرة بالملاك من نوع تلك التى كان يشغلها المدعى قبل تسريحه ليمكن اعادته اليها، ما دامت الادارة هى التى تسببت بتصرفها غير السليم فى ايجاد هذه الصعوبة، وخلق الوضع غير القانونى الذى كان مثار دعوى الالغاء. فلا يجوز لها أن تتحدى بخطئها فى ايجاد هذا الوضع الذى لا ذنب للمدعى فيه، اذ لا يجوز أن يضار المدعى بذلك فيكون ضحية هذا الخطأ. ولا مندوحة للادارة - والحالة هذه - من تدبير الوسائل الكفيلة باعادة الحق فى نصابه نزولا على حكم الالغاء ومقتضاه، وازالة العوائق التى تحول دون ذلك، أما بتخلية الوظيفة التى كان قد فصل منها المدعى بقرار التسريح الملغى وتعيينه فيها ذاتها، أو بتعيين المدعى فى وظيفة أخرى شاغرة من نفس المرتبة والدرجة، واعتباره فيها قانونا منذ تسريحه الاول، لو ارادت الادارة الابقاء على الموظف الشاغل لوظيفة المدعى الاصلية. ذلك أن الاصل فى الالغاء أنه يترتب عليه زعزعة جميع المراكز القانونية غير السليمة التى ترتبت على القرار الملغى، ويصبح من المتعين فى تنفيذ الحكم الذى قضى بالغائه أن يعاد تنظيم المراكز القانونية على مقتضى حكم الالغاء، حتى ينال كل موظف ما كان يستحقه بصورة عادية فيما لو لم يرتكب المخالفة فى القرار الملغى.
ومن حيث أنه لما تقدم يكون المدعى على حق فى دعواه رقم (1) أساس لسنة 1959، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة على أساس سليم من القانون. واذ قضى حكم المحكمة الادارية بدمشق المطعون فيه برفض الدعوى، فانه يكون قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه ويتعين الغاؤه والقضاء بالغاء القرار المطعون فيه رقم 6 الصادر من المدير العام للشرطة والامن فى 6 من كانون الثانى (يناير) سنة 1958 فيما تضمنه من اعادة المدعى الى الخدمة فى مرتبة وبراتب أدنى مما كان عليه وقت تسريحه، وما يترتب على ذلك من آثار، مع الزام الجهة الادارية بالمصروفات.
ومن حيث أنه بالنسبة الى الطعن رقم 7 لسنة 1 القضائية يبين من مساق الوقائع على النحو السالف ايضاحه أن الادارة بعد اذ نفذت حكم المحكمة العليا بدمشق الذى قضى بابطال قرار تسريح المدعى هذا التنفيذ المبتور بوضعه فى مرتبة أدنى، لم تقف عند هذا الحد بل أنها - بعد اذ رفع فى 18 من شباط (فبراير) سنة 1958 دعواه رقم (1) أساس لسنة 1959 طالبا الغاء هذا القرار رقم 6 الصادر فى 6 من كانون الثانى (يناير) سنة 1958 ليعود كما كان فى وظيفته ذاتها بمرتبتها ودرجتها وراتبها - بادرت الى اصدار قرارها رقم 330 فى 13 من آذار (مارس) سنة 1958 بتسريحه من الخدمة مرة أخرى مستندة فى هذا التسريح الى أسباب لاتخرج فى مضمونها عن لاسباب التى استندت اليها فى قرارها الاول رقم 343 الصادر فى 16 من آذار (مارس) سنة 1957 بتسريحه من الخدمة. وهو الذى قضى بابطاله بحكم المحكمة العليا بدمشق الصادر فى 30 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1957 فى الدعوى رقم 430 أساس 252 عام 1957، ولما يمض على اعادته الى الخدمة - تلك الاعادة التى كانت محل الطعن من جانبه - وقت بدر فيه منه ما يبرر فصله بقرار جديد يقوم على عناصر جديدة مستقاة من سلوكه الوظيفى فى تلك الفترة التى يقرر أنه اقترح فيها منحه سام الاستحقاق السورى من الدرجة الثانية، بل يبدو أن هذا القرار وكأنه كان ردا على دعواه المذكورة فانطوى بذلك على تحد لحكم المحكمة العليا السابق الذى حاز قوة الامر المقضى، والذى يعتبر عنوانا للحقيقة فيما قضى به فى منطوقه وما قام عليه فى أسبابه الجوهرية المتصلة بهذا المنطوق ومقتضاه، دون امكان العودة الى اثارة النزاع فى هذا كله، فوجب احترامه والنزول على حكمه ومقتضاه، والا كان تصرف الادارة بغير ذلك مخالفا للقانون ومشوبا باساءة استعمال السلطة واجبا الغاؤه، ومن ثم يكون حكم المحكمة الادارية بدمشق المطعون فيه الصادر بجلسة 22 من تموز (يولية) سنة 1959 فى الدعوى رقم 4 لسنة 1959، اذ قضى برفض الدعوى، قد أخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة على أساس سليم من القانون، ويتعين والحالة هذه الغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بالغاء الحكم المطعون فيه رقم 330 الصادر من وزير الداخلية فى 13 من آذار (مارس) 1958 بتسريح المدعى من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار مع الزام الجهة الادارية بالمصروفات.

فلهذه الاسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوع الطعن رقم 8 لسنة 1 ق بالغاء الحكم المطعون فيه، وبالغاء القرار رقم 6 الصادر من المدير العام للشرطة والامن فى 6 من كانون الثانى (يناير) سنة 1958 فيما تضمنه من اعادة المدعى الى الخدمة فى مرتبه وبراتب أدنى مما كان عليه وقت تسريحه وما يترتب على ذلك من آثار. وفى موضوع الطعن رقم 7 لسنة 1 ق بالغاء الحكم المطعون فيه وبالغاء القرار رقم 330 الصادر من وزير الداخلية فى 13 من آذار (مارس) سنة 1958 بتسريح المدعى من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الادارية بمصروفات الدعويين.


(1) بمثل هذين المبدأين قضت المحكمة فى الجلسة نفسها فى القضيتين رقمى 5، 6 لسنة 1ق.