مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 747

(76)
جلسة 26 من نيسان (أبريل) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة على بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل ومحمود محمد ابراهيم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 8 لسنة 2 القضائية

( أ ) تأديب. جزاء تأديبى. تظلم. قرار تأديبى. سحب القرار الادارى. مجلس تأديب. سلطة تأديبية - التفرقة بين القرار التأديبى الصادر من مجلس التأديب والقرار الصادر من السلطة التأديبية الرئاسية - مردها الى النصوص القانونية التى تنظم التأديب والى ما عناه المشرع بمجلس التأديب - عدم اشتراط التظلم من القرارات الصادرة من السلطة التأديبية الرئاسية أمام الهيئة الادارية التى أصدرته أو الهيئات الرئيسية قبل الطعن فيها - حكمة ذلك.
(ب) تأديب. جزاء تأديبى. تظلم. سلطة تأديبية. احالة الى الاستيداع - من الجزاءات التأديبية المخولة لمدير عام الجمارك طبقا للمادة 35 من القرار رقم 545 لسنة 1943 المتضمن النظام العائد لموظفى الجمارك فى الاقليم السورى - وجوب التظلم من قرار الاحالة الى الاستيداع قبل الطعن فيه بالالغاء.
(ج) تأديب. جزاء تأديبى. مجلس تأديب. سلطة تأديبية. مجلس الضابطة الجمركية المحدث بمقتضى القانون رقم 50 لسنة 1959 - حلوله محل المدير العام للجمارك فيما كان يملكه من صلاحيات فى اصدار الجزاءات التأديبية - القرارات التأديبية الصادرة من هذا المجلس تعتبر قرارات تأديبية رئاسية لا قرارات صادرة من مجالس تأديبية - وجوب التظلم منها قبل الطعن فيها بالالغاء - مثال.
1 - أن المرد فى التفرقة بين ما اذا كان القرار محل الطعن بالالغاء يعتبر فى التكييف القانونى قرارا صادرا من مجلس تأديب استنفد ولايته باصداره، فيطعن فيه رأسا بالالغاء أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى لعدم الجدوى فى التظلم منه مقدما، أم انه ليس كذلك ويعتبر قرارا تأديبيا صادرا من سلطة رئاسية يجب التظلم منه أولا أمام الهيئة التى أصدرته أو الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم، وما يصدر من هذه الهيئات فى التظلم هو الذى يجوز الطعن فيه بالالغاء أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى، وذلك بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة - أن مرد هذه التفرقة بين هذا القرار وذاك هو الى النصوص القانونية التى تنظم التأديب، والى تحرى ما عناه المشرع بمجلس التأديب.
ويبين من تقصى النصوص الخاصة بذلك، سواء فى النظام التأديبى فى الاقليم الشمالى أو فى الاقليم الجنوبى، أن الفيصل فى هذا الشأن هو بحسب طريقة التأديب. فيكون القرار صادرا من مجلس التأديب اذا اتخذ التأديب صورة المحاكمة أمام هيئة مشكلة تشكيلا خاصا وفقا لاوضاع واجراءات معينة رسمها القانون يتعين التزامها وتقوم أساسا على اعلان الموظف مقدما بالتهمة المسندة اليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه فيها على غرار المحاكمات القضائية، وذلك كله قبل أن يصدر القرار التأديبى فى حقه، وباصداره يستنفد مجلس التأديب ولايته ويمتنع عليه سحبه أو الرجوع فيه، وأن جاز الطعن فيه أمام هيئة أخرى قد تكون درجة استئنافية أعلى أو درجة تعقيب قانونى بشكل قضائى، أما بطريق التمييز أو ما يماثله بالطعن أمام المحكمة الادارية العليا، وقد يجمع النظام التأديبى بين الامرين، بينما القرار التأديبى الآخر يتميز بأنه يصدر رأسا من السلطة التأديبية الرئاسية بغير وجوب اتباع الاوضاع والاجراءات التى تتميز بها المحاكمات التأديبية على النحو المفصل آنفا، ولهذا لا تستنفد السلطة التى أصدرته ولايتها باصداره، بل تملك سحبه أو الرجوع فيه عند التظلم منه. ومن أجل ذلك أوجب القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة التظلم منه مقدما وانتظار المواعيد المقرر للبت فى هذا التظلم. والقرار الصريح الذى يصدر فى التظلم أو القرار الضمنى الذى يفترض انه صدر فيه بالرفض بعدم الاجابة عنه فى المواعيد المقررة هو الذى يكون محل الطعن قضائيا للحكمة التى قام عليها استلزام هذا التظلم وهى الرغبة فى تقليل المنازعات بانهائها فى مراحلها الاولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه أن رأت الادارة أن المتظلم على حق فى تظلمه.
2 - يبين من مراجعة نصوص القرار رقم 545 الصادر فى 29/ 12/ 1943 المتضمن النظام العائد لموظفى الجمارك بالاقليم السورى انه نظم فى الباب الخامس منه تأديب موظفى الجمارك على نمط يجمع بين تأديتهم بجزاءات تصدرها السلطات الادارية رأسا، وأخرى تصدر بها قرارات من مجالس تأديبية، وانه فصل الاوضاع والاجراءات والصلاحيات فى كل من الحالين على النحو المبين فى المواد من 35 الى 49. وقد أسندت المادة 44 الى المدير العام للجمارك صلاحية توقيع الجزاءات التأديبية "بحق الموظفين الداخلين فى الفئتين (ب - ج) لعقوبات الدرجتين الاولى والثانية"، وتشمل هذه الاخيرة بحسب نص المادة 35 عقوبة "الاحالة الى الاستيداع لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر". أما العقوبات من الدرجة الثالثة فيجب أن تصدر من مجلس تأديبى مركزه فى مركز مديرية الجمارك العامة. ولما كانت العقوبة التى صدر بها القرار موضوع الطعن هى عقوبة الاحالة الى الاستيداع تأديبيا لمدة ثلاثة أشهر، وهى من عقوبات الدرجة الثانية طبقا للفقرة (ب) بند (4) من المادة آنفة الذكر، فانها تصدر أصلا بقرار من المدير العام للجمارك لا من مجلس تأديب، وبهذه المثابة تقبل هذا التظلم قبل رفع الطعن بطلب الغائها أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى، والا كان الطعن غير مقبول طبقا لنص المادة 12 من قانون تنظيم مجلس الدولة.
3 - أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لعام 1959 فى شأن احداث مديرية شئون الضابطة الجمركية ومجلس ضابطة وصلاحية كل منهما فى الاقليم الشمالى من الجمهورية العربية المتحدة، اذ أحدث فى مديرية الجمارك العامة مديرية تدعى "مديرية شئون الضابطة الجمركية"، وتشكل على الوجه الذى عينه، وخولها بعض الصلاحيات، ومن بينها ما نص عليه فى مادته الثامنة من أن "يتولى مجلس يسمى (مجلس الضابطة الجمركية) مؤلف من مدير الجمارك العام رئيسا وآمر الضابطة العام وأحد المعاونين، يختاره وزير الخزانة، أعضاء، كافة صلاحيات مدير الجمارك العام فيما يتعلق بتعيين موظفى الضابطة الجمركية ونقلهم وترفيعهم وانهاء خدمتهم وفرض عقوبات الدرجة الثانية بحقهم وفى اصدار التعليمات والقرارات الناظمة لشئون الضابطة"، وما نص عليه فى مادته التاسعة من أن يرأس آمر الضابطة العام مجلس التأديب، ويحل أحد معاونيه محل المدير عضوا عندما ينعقد المجلس للنظر فى قضايا رجال الضابطة المحالين الى مجلس التأديب"، فانه يكون قد احل مجلس الضابطة الجمركية محل المدير العام للجمارك فيما كان يملكه من صلاحيات لاصدار الجزاءات التأديبية، وهى بطبيعتها من الاصل قرارات تأديبية رئيسية لاقرارات مما تصدر من مجالس تأديبية، بينما يصدر مجلس التأديب، الذى أبقى عليه فى المادة التاسعة، قرارات بعقوبات أخرى. ولا يغير من هذا الفهم أن أصبح من حل محل مدير الجمارك العام فى صلاحياته فى هذا الخصوص هيئة بعد أن كان فردا، اذا العبرة بالصلاحيات وبطبيعة القرار على مقتضى التفرقة فى التكييف القانونى.
فاذا كان الثابت أن القرار محل النزاع قرارا صادرا من سلطة تأديبية رئاسية لا من مجلس تأديب، ولو أنه صدر من مجلس الضابطة الجمركية فقد كان يتعين وفقا لحكم الفقرة الثانية من المادة 12 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 التظلم منه أولا الى الهيئة الادارية التى أصدرته أو الى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم، والا كان طلب الغائه رأسا أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى غير مقبول. واذ كان المدعى قد بادر باقامة هذه الدعوى رأسا دون التظلم منه وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم فانها تكون غير مقبولة.


اجراءات الطعن

فى 16 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1 لسنة 2 القضائية (الاقليم السورى) فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية بدمشق بجلسة 28 من تشرين الاول (اكتوبر) سنة 1959 فى الدعوى المقيدة بجدولها العمومى (سجل الاساس) تحت رقم 48 لسنة 1959 المقامة من السيد/ توفيق بن فارس غانم ضد السيد المدير العام للجمارك فى الاقليم السورى بوصفه مديرا عاما للجمارك ورئيسا لمجلس الضابطة الجمركية بالاضافة الى وظيفته، وهو الحكم القاضى "- برفض الدعوى شكلا، 2 - الزام الجهة المدعية بالرسوم والنفقات، حكما قابلا للطعن..". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التى استند اليها فى صحيفة طعنه - "الطعن فى الحكم، لتقضى المحكمة الادارية العليا بالغائه، وباعادة الدعوى الى المحكمة الادارية لتفصل فى موضوع الدعوى". وقد أبلغ هذا الطعن الى الجهة الادارية فى 19 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1959، والى المدعى فى 20 منه. وقد عقبت الجهة الادارية على هذا الطعن فى 27 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1959 بمذكرة طلبت فيها "رد الطعن المقدم وتأييد الحكم الصادر". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من شباط (فبراير) سنة 1960. وفى 1 منه أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة العليا لنظره. ثم عينت لذلك جلسة 1 من نيسان (أبريل) سنة 1960، وفى 5 من آذار (مارس) سنة 1960 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، قررت ارجاء النطق بالحكم فى الطعن الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 48 لسنة 1959 ضد السيد/ المدير العام للجمارك فى الاقليم السورى بوصفه مديرا عاما للجمارك ورئيسا لمجلس الضابطة الجمركية أمام المحكمة الادارية بدمشق بصحيفة أودعها ديوان المحكمة فى 23 من حزيران (يونية) سنة 1959 ذكر فيها انه أبلغ فى 8 من حزيران (يونية) سنة 1959 بالقرار رقم 62 الصادر من المدير العام للجمارك باحالته الى الاستيداع تأديبيا لمدة ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ تبليغه القرار المذكور الذى جاء فيه حيثياته انه صادر عن مجلس الضابطة الجمركية. ولما كان هذا القرار الذى له صفة القرار التأديبى، مخالفا للقانون وضارا بصالحه فانه يطلب: "قبول الدعوى شكلا، واعطاء القرار المستعجل بوقف تنفيذ القرار، ومن ثم قبول الدعوى موضوعا والحكم بفسخ وابطال القرار المشكو منه وتضمين الجهة المدعى عليها الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة". ذلك أن القرار المذكور موقع من المدير العام للجمارك فى الاقليم السورى دون أن يضيف الى التوقيع انه يصدره بوصفه رئيسا وممثلا لمجلس الضابطة الجمركية، مع أن مقدمة القرار تدل على أنه صادر من هذا المجلس، وأن المدير العام للجمارك لا يملك الحق المخول لهذا الاخير فى الاحالة الى الاستيداع تأديبيا. واذا صح أن مجلس الضابطة الجمركية هو الذى أصدر القرار، على الرغم من عدم قانونية الصيغة التى نفذ بها، فان المجلس المشار اليه لم يكن مؤلفا على الوجه القانونى. هذا الى انه لم يسمح للمدعى بالدفاع عن نفسه ولم يستدعه لتمكينه من ذلك". ويبين من التحقيق انه أسند اليه اهمالا فى أداء واجبه بعدم تسجيل بضائع فى سجل المستودع وتسليم صناديق لم تدفع الرسوم المستحقة عليها اضرارا بحقوق الادارة، مع أن هذا الاهمال انما وقع من سلفه فى تاريخ سابق على تعيينه فى وظيفته. ولما كان مجلس الانضباط لم يلاحظ ذلك فان قراره يكون واجب الابطال. أما ما أسند اليه من رفضه الاجابة على الاسئلة التى وجهها اليه رئيسه المباشر فحقيقته أن هذا الاخير طلب منه الادلاء باجابته بين الحمالين فى مركز يرتاده الناس، فطلب اليه أن يأمر بالاستجواب فى المخفر الا أنه لم يقبل، وعد هذا رفضا للاجابة على أسئلته - الامر الذى يدل على أن التحقيق لم يكن ليسير بطريقة عادية مألوفة. ولما كان قرار الاحالة الى الاستيداع سينفذ فور تبليغه وقبل اكتسابه الدرجة القطعية - بانقضاء مدة مراجعة مجلس الدولة، وكان هذا التنفيذ يلحق به ضررا يتعذر تدارك نتائجه لان مدة الاستيداع قد تنقضى قبل أن يصدر القضاء الادارى حكمه فى الطعن فى هذا القرار، فانه يطلب وقف تنفيذه فورا.
ومن حيث أن الجهة الادارية ردت على هذه الدعوى بمذكرة جوابية فى 14 من تموز (يولية) سنة 1959 قالت فيها عن طلب وقف التنفيذ أن قانون مجلس الدولة لا يتضمن نصا يخول المحكمة الادارية حق النظر فى طلبات وقف التنفيذ، وأن المادة 42 من القرار رقم 545 الصادر فى 21 من كانون الاول (ديسمبر) 1943 بنظام موظفى الجمارك نصت على أن الاحالة الى الاستيداع هى تدبير استثنائى بالنسبة الى الموظفين الذين يجب أبعادهم عن الملاك لحسن سير المصلحة، أو المحافظة على هيبة السلك، وهى أمور ذات طابع مستعجل لا تحتمل التأجيل. ذكرت فى الموضوع أن القرار التأديبى المطعون فيه صادر من مجلس الضابطة الجمركية الذى يرأسه المدير العام وموقع من الرئيس والعضوين فى 31 من أيار (مايو) سنة 1959 برقم 62/ ش، وقد جاء توقيع المدير العام تحت عبارة "الرئيس" كما يتضح من أصل القرار وأن كانت هذه الكلمة قد سقطت سهوا عند طبع صورة القرار المبلغة للمدعى، والعبرة بالاصل، أما قول هذا الاخير بأن مجلس الضابطية الجمركية لم يكن مؤلفا وفقا للقانون فلا يلتفت اليه ما دام المذكور لم يبين المخالفة القانونية المزعومة، هذا الى أنه ليس فى القرار بالقانون رقم 50 لسنة 1959 المتعلق بأحداث مجلس الضابطة الجمركية ما يوجب دعوة المدعى أمام مجلس الضابطة لسماع دفاعه. والثابت من التحقيقات أن المذكور ارتكب المخالفات المنسوبة اليه وانه أقر بها فى التحقيق، وهذا يسقط دفاعه بأن التقصير فى تسجيل البضائع يعود الى سلفه، كما انه امتنع عن الاجابة على أسئلة رئيسه المباشر امتناعا لا سبيل الى انكاره، ومن ثم فان القرار المطعون فيه يكون سليما مطابقا للقانون ويتعين القضاء، "برد طلب وقف التنفيذ، وفى كل حال رد الطعن موضوعا، وتضمين الطاعن الرسوم والمصاريف، واعادة الاضبارة التأديبية الى مرجعها".
ومن حيث أن السيد مفوض الدولة قدم فى 30 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 تقريرا بالرأى القانونى مسببا ذهب فيه الى انه يرى"1 - قبول عريضة الدعوى شكلا، 2 - رد الدعوى موضوعا، وتضمين المدعى الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة". واستند فى ذلك الى أن المادة 8 من القرار بقانون رقم 50 الصادر فى 14 من شباط (فبراير) سنة 1959 قد خولت مجلس الضابطة الجمركية كافة صلاحيات مدير الجمارك العام فيما يتعلق بتعيين موظفى الضابطة الجمركية ونقلهم وترفيعهم وانهاء خدمتهم وفرض عقوبات الدرجة الثانية عليهم، وان الاحالة الى الاستيداع المنصوص عليها فى المادة 42 من القرار رقم 545 لسنة 1943 قد أصبحت من اختصاصه، وانه لا يوجد نص قانونى يلزم المجلس المذكور بدعوة الموظف للمثول أمامه، خاصة وأن الاختصاصات التى أسندت اليه كانت سابقا من صلاحية المدير العام للجمارك الذى كان يفرض العقوبة بناء على محاضر التحقيق فقط، ولما كان مجلس الضابطة الجمركية قد أصدر قراره المطعون فيه بالاستناد الى محاضر التحقيق التى تضمنت أقوال المدعى ودفاعه أمام المحقق، وبعد أن اقتنع بالادلة الواردة فى محاضر التحقيق المشار اليها، الامر الذى يخرج عن رقابة القضاء الادارى، وكان الثابت بأصل القرار المطعون فيه أن المدير العام للجمارك قد وقعه بوصفه رئيسا للمجلس المذكور، وكان سقوطه كلمة الرئيس من الصورة المبلغة للمدعى لا يؤثر فى صحة القرار المطعون فيه، فان الطعن يكون غير جدير بالبحث.
ومن حيث أن المحكمة الادارية بدمشق قضت بجلسة 28 من تشرين الاول (أكتوبر) سنة 1959 "1 - برفض الدعوى شكلا، 2 - الزام الجهة الادارية بالرسوم والنفقات حكما قابلا للطعن..". واقامت قضاءها على أن التظلم من القرارات النهائية للسلطات التأديبية هو طبقا لقانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 اجراء سابق على رفع الدعوى يجب اتخاذه والتربص الى حين انتهاء المواعيد المقررة للبت فيه صراحة أو ضمنا والا كانت الدعوى بطلب الغاء القرارات المذكورة غير مقبولة، ولا يستثنى من ذلك الا ما كان من هذه القرارات صادرا من مجالس تأديبية، والقرار الذى يطلب المدعى الغاءه، وأن كان قرارا صادرا من سلطة تأديبية، الا انه ليس صادرا من مجلس تأديب، ذلك أن مجلس الضابطة الجمركية يجمع فى شئون الموظفين بين صفتين: (الاولى) صفته كسلطة تأديبية حلت محل المدير العام للجمارك فى اختصاصه بتوقيع عقوبات الدرجة الثانية على غير موظفى الفئة "أ" الملاك العالى. (والثانية) صفته كمجلس تأديب يختص بتوقيع عقوبات الدرجة الثالثة بالنسبة لموظفين من كافة الفئات. وهو عندما يباشر سلطته المخولة له بهذه الصفة الاخيرة يعرض حكمه على مجلس الجمارك لاقراره عملا بالمادة 47 من القرار رقم 545 لسنة 1943. والثابت أن القرار المطعون فيه انما صدر من مجلس الضابطة بصفته الاولى، بدليل أن تشكيله لم يكن على النحو الذى يشكل به عندما ينعقد كمجلس تأديب، ولهذا اشترك المدير العام فيه كرئيس له، كما أنه لم يتبع الاجراءات المقررة فى شأن مجالس التأديب، ولم يعرض قراره على مجلس الجمارك لاقراره، وهو قرار قاض بعقوبة من الدرجة الثانية، ومن ثم فانه كان من المتعين التظلم من هذا القرار الى السلطة التأديبية التى أصدرته قبل اللجوء الى المحكمة بطلب الغائه، وانتظار المدة المقررة فى المادة 11 من القانون رقم 55 لسنة 1959 للبت فيه. وهذا ما لم يفعله المدعى الذى بادر فى اليوم الخامس عشر من تاريخ ابلاغه بالقرار المذكور برفع هذه الدعوى رأسا، الامر الذى يجعلها غير مقبولة، ولو لم يدفع بهذا الدفع من الجهة المدعى عليها أو من هيئة مفوضى الدولة، ولذا فان الدعوى تكون غير مقبوله شكلا.
ومن حيث ان السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة طعن فى هذا الحكم بعريضة اودعها سكرتيرية المحكمة الادارية العليا فى 16 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1959 طلب فيها "الطعن فى الحكم لتقضى المحكمة الادارية العليا بالغائه، وباعادة الدعوى الى المحكمة الادارية لتفصل فى موضوع الدعوى" واستند فى أسباب طعنه الى أن التظلم الوجوبى السابق الذى هو شرط لقبول طلب الغاء القرارات التى أوجب الشارع فيها هذا التظلم لا يصدق الا بالنسبة الى ما كان منها قابلا للسحب للحكمة التى قام عليها استلزام التظلم وهى الرغبة فى تقليل المنازعات الادارية بانهائها فى مراحلها الاولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه أن رأت الادارة أن المتظلم على حق فى تظلمه. فاذا امتنع على الادارة اعادة النظر فى القرار، كان التظلم فى هذه الحالة غير مجد، وزالت الغاية من التربص طوال المدة المقررة للبت فيه. وقد صدر القرار التأديبى المطعون فيه من مجلس الضابطة الجمركية وفقا للمادة 8 من القانون رقم 50 الصادر فى 14 من شباط (فبراير) سنة 1959، وهو قرار تأديبى صادر من مجلس أسند اليه المشرع سلطة التأديب وفرض عقوبات الدرجة الثانية، فهو بهذه المثابة مجلس تأديب بغض النظر عن طريقة تشكيله. وقد سبق للمحكمة العليا أن قضت بأن لجنة الشياخات حين تمارس سلطتها فى تأديب العمد والمشايخ تمارسها كمجلس تأديب وتستنفذ ولايتها التأديبية باصدار قرارها الذى يمتنع التظلم منه. ومتى كان الامر كذلك، وكان القرار المطعون فيه صادرا من مجلس الضابطة الجمركية بوصفه مجلس تأديب، فلا يجدى التظلم منه الى المجلس المذكور لانه استنفد ولايته باصداره، كما لا يجدى التظلم الى أية جهة ادارية أخرى لان المشرع اعتبر هذا القرار نهائيا، واذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فانه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن بالالغاء أمام المحكمة الادارية العليا.
ومن حيث أن الجهة الادارية عقبت على هذا الطعن بمذكرة فى 27 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1959 قالت فيها أن ما ذهب اليه رئيس هيئة مفوضى الدولة من اعتبار ما نص عليه القرار بقانون رقم 50 فى 14 من شباط (فبراير) سنة 1956 فى مادته الثامنة فى شأن اختصاص مجلس الضابطة الجمركية اضفاء صفة المجلس التأديبى على هذا الاخير، لا يأتلف وباقى نصوص القانون المشار اليه التى نصت صراحة على قيام مجلس تأديبى وأوضحت تكوينه بما لا يدع مجالا بعد ذلك للتأويل، اذ نصت المادة التاسعة منه على أن يرأس آمر الضابطة العام مجلس التأديب ويحل أحد معاونيه محل المدير عضوا عندما ينعقد المجلس التأديبى للنظر فى قضايا رجال الضابطة المحالين على مجلس التأديب. أما موضوع لجنة الشياخات فهو قياس مع الفارق، ولا مساغ للاعتداد به حيال نصوص واضحة حددت المجلس التأديبى وعرفت تكوينه. وخلصت الجهة الادارية من هذا الى طلب رد الطعن المقدم وتأييد الحكم الصادر.
ومن حيث انه يخلص من كل ما تقدم أن مثار البحث هو ما اذا كان القرار محل الطعن بالالغاء يعتبر فى التكييف القانونى قرارا صادرا من مجلس تأديب استنفذ ولايته باصداره فيطعن فيه رأسا بالالغاء أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى لعدم الجدوى من التظلم منه مقدما، أم أنه ليس كذلك ويعتبر قرارا تأديبيا صادرا من سلطة رئاسية يجب التظلم منه أولا أمام الهيئة التى أصدرته أو الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم، وما يصدر من هذه الهيئات فى التظلم هو الذى يجوز الطعن فيه بالالغاء أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى، وذلك بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة.
ومن حيث أن المرد فى التفرقة بين هذا القرار وذاك هو الى النصوص القانونية التى تنظم التأديب، والى تحرى ما عناه المشرع بمجلس التأديب. ويبين من تقصى النصوص الخاصة بذلك سواء فى النظام التأديبى فى الاقليم الشمالى أو فى الاقليم الجنوبى، أن الفيصل فى هذا الشأن هو بحسب طريقة التأديب. فيكون القرار صادرا من مجلس التأديب اذا اتخذ التأديب صورة المحاكمة أمام هيئة مشكلة تشكيلا خاصا وفقا لاوضاع واجراءات معينة رسمها القانون يتعين التزامها وتقوم أساسا على اعلان الموظف مقدما بالتهمة المسندة اليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه فيها على غرار المحاكمات القضائية، وذلك كله قبل أن يصدر القرار التأديبى فى حقه، وباصداره يستنفد مجلس التأديب ولايته ويمتنع عليه سحبه أو الرجوع فيه، وان جاز الطعن فيه أمام هيئة أخرى قد تكون درجة استئنافية أعلى أو درجة تعقيب قانونى بشكل قضائى، أما بطريق التمييز أو ما يماثله بالطعن أمام المحكمة الادارية العليا، وقد يجمع النظام التأديبى بين الامرين. بينما القرار التأديبى الآخر يتميز بأنه يصدر رأسا من السلطة التأديبية الرئاسية بغير وجوب اتباع الاوضاع والاجراءات التى تتميز بها السلطات التأديبية على النحو المفصل آنفا، ولهذا لا تستنفد السلطة التى أصدرته ولايتها باصداره، بل تملك سحبه أو الرجوع فيه عند التظلم منه. ومن أجل ذلك أوجب القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة التظلم منه مقدما وانتظار المواعيد المقرر للبت فى هذا التظلم. والقرار الصريح الذى يصدر فى التظلم أو القرار الضمنى الذى يفترض انه صدر فيه بالرفض بعدم الاجابة عنه فى المواعيد المقررة هو الذى يكون محل الطعن قضائيا للحكمة التى قام عليها استلزام هذا التظلم وهى الرغبة فى تقليل المنازعات بانهائها فى مراحلها الاولى بطريق أيسر الناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه أن رأت الادارة أن المتظلم على حق فى تظلمه.
ومن حيث أنه يبين من مراجعة نصوص القرار رقم 545/ ق س لسنة 1943 المتضمن النظام العائد لموظفى الجمارك بالاقليم السورى أنه نظم فى الباب الخامس منه تأديب موظفى الجمارك على نمط يجمع بين تأديبهم بجزاءات تصدرها السلطات الادارية رأسا، وأخرى تصدر بها قرارات من مجالس تأديبية، وأنه فصل الاوضاع والاجراءات والصلاحيات فى كل من الحالين على النحو المبين فى المواد من 25 الى 49. وقد أسندت المادة 44 الى المدير العام للجمارك صلاحية توقيع الجزاءات التأديبية "بحق الموظفين الداخلين فى الفئتين (ب - ج) لعقوبات الدرجتين الاولى والثانية"، وتشمل هذه الاخيرة بحسب نص المادة 35 عقوبة "الاحالة الى الاستيداع لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر". أما العقوبات من الدرجة الثالثة فيجب أن تصدر من مجلس تأديبى مركزه فى مركز مديرية الجمارك العامة. ولما كانت العقوبة التى صدر بها القرار موضوع الطعن هى عقوبة الاحالة الى الاستيداع تأديبيا لمدة ثلاثة أشهر، وهى من عقوبات الدرجة الثانية طبقا للفقرة (ب) بند (4) من المادة 35 آنفة الذكر، فانها تصدر أصلا بقرار من المدير العام للجمارك لا من مجلس تأديب، وبهذه المثابة تقبل التظلم أمام من أصدر الجزاء أو أمام الهيئات الرئيسية، بل يتعين فيها هذا التظلم قبل رفع الطعن بطلب الغائها أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى والا كان الطعن غير مقبول طبقا لنص المادة 12 من قانون تنظيم مجلس الدولة.
ومن حيث ان قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لعام 1959 فى شأن احداث مديرية شئون الضابطة الجمركية ومجلس ضابطة وصلاحية كل منهما فى الاقليم الشمالى من الجمهورية العربية المتحدة، اذ أحدث فى مديرية الجمارك العامة مديرية تدعى "مديرية شئون الضابطة الجمركية"، وتشكل على الوجه الذى عينه، وخولها بعض الصلاحيات ومن بينها ما نص عليه فى مادته الثامنة من أن يتولى مجلس يسمى (مجلس الضابطة الجمركية) مؤلف من مدير الجمارك العام رئيسا وآمر الضابطة العام وأحد المعاونين، يختاره وزير الخزانة، أعضاء، كافة صلاحيات مدير الجمارك العام فيما يتعلق بتعيين موظفى الضابطة الجمركية ونقلهم وترقيتهم وانهاء خدمتهم وفرض عقوبات الدرجة الثانية بحقهم وفى اصدار التعليمات والقرارات الناظمة لشئون الضابطة" وما نص عليه فى مادته التاسعة من أن "يرأس آمر الضابطة العام مجلس التأديب ويحل أحد معاونيه محل المدير عضوا عندما ينعقد المجلس للنظر فى قضايا رجال الضابطة المحالين الى مجلس التأديب"، فانه يكون قد أحل مجلس الضابطة الجمركية محل المدير العام للجمارك فيما كان يملكه من صلاحيات لاصدار الجزاءات التأديبية، وهى بطبيعتها من الاصل قرارات تأديبية رئاسية لاقرارات مما تصدر من مجالس تأديبية، بينما يصدر مجلس التأديب، الذى أبقى عليه فى المادة التاسعة، قرارات بعقوبات أخرى. ولا يغير من هذا الفهم أن أصبح من حل محل مدير الجمارك العام فى صلاحياته فى هذا الخصوص هيئة بعد أن كان فردا، اذ العبرة بالصلاحيات وبطبيعة القرار على مقتضى التفرقة فى التكييف القانونى حسبما سلف ايضاحه.
ومن حيث انه متى كان الامر كذلك، وكان القرار محل النزاع يعتبر قرارا صادرا من سلطة تأديبية رئاسية لا من مجلس التأديب، ولو أنه صدر من مجلس الضابطة الجمركية، فقد كان يتعين وفقا لحكم الفقرة الثانية من المادة 12 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 التظلم منه أولا الى الهيئة الادارية التى أصدرته أو الى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم، والا كان طلب الغائه رأسا أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى غير مقبول. واذ كان المدعى قد بادر فى اليوم الخامس عشر من تاريخ ابلاغه بالقرار المطعون فيه باقامة هذه الدعوى رأسا دون التظلم منه وانتظار المواعيد المقررة للبت فى هذا التظلم فانها تكون غير مقبولة. ومن ثم يكون حكم المحكمة الادارية بدمشق المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى اليه، ويكون طعن هيئة مفوضى الدولة غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين رفضه.

فلهذه الاسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه (برده) موضوعا.