مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 770

(78)
جلسة 26 من نيسان (أبريل) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة على بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل ومحمود محمد ابراهيم وحسنى جورجى المستشارين.

القضية رقم 11 لسنة 2 القضائية (ج)/ 4 لسنة 2 القضائية (ش)

( أ ) دعوى. قبول الدعوى. صفة فى الدعوى. موظف. تعيين. ديوان المحاسبات. مصلحة الجمارك - هى الجهة الادارية ذات الشأن فى تعيين موظفيها وصاحبة الصفة فى المخاصمة القضائية - لا يغير من ذلك مراجعة ديوان المحاسبات لقرارات الجهات الادارية فى هذا الصدد.
(ب) تظلم. ميعاد رفع الدعوى. قبول الدعوى - اقامة الدعوى قبل مضى مدة الشهر وقبل أن تجيب الادارة على التظلم - قبولها ما دامت هذه المدة قد مضت خلال نظر الدعوى دون استجابة الادارة للتظلم - رفع الدعوى رغم استجابة الادارة للتظلم وقبل مضى مدة الشهر - تعتبر سابقة لأوانها - الزام المدعى بالمصروفات.
(ج) موظف. ترفيع. مصلحة الجمارك. مسابقة. القرار رقم 545 فى 29/ 12/ 1943 - خلوه من نص يحظر الترفيع فى وظائف مصلحة الجمارك الى أكثر من درجة واحدة - هذا الحظر مستفاد ضمنا من سياسة تنظيم الدرجات وكيفية الترفيع اليها، حتى ولو كان الترفيع مسبوقا بامتحان مسابقة - المرسوم رقم 1462 فى 5/ 4/ 1956 قطع كل شبهة فى هذا الشأن.
(د) موظف. ترفيع. تعيين. مسابقة. المسابقة التى تجرى للتعيين فى وظيفة عامة ويفتح بمقتضاها باب الترشيح للكافة - تأخذ حكم التعيين - المسابقة التى يستوجبها القانون للتحقق من صلاحية المرشح للترفيع وتقتصر على موظفى الملاك - تأخذ حكم الترفيع بما يرد عليه من قيود قانونية - وجوب مراعاة نص المادة 17 من قانون الموظفين الأساسى التى تحظر الترفيع لأكثر من درجة - السماح لموظفى الملاك بدخول مسابقة يترتب على نجاحهم فيها ترفيعهم الى أكثر من درجة - لا يكسبهم حقا فى هذا الترفيع رغم نجاحهم، لمخالفة ذلك للمادة سالفة الذكر.
1 - أن ما تدفع به مصلحة الجمارك بعدم قبول الدعوى شكلا تأسيسا على أن المدعيين - مع اعترافهما بأن مدير الجمارك العام وضع مشروع قرار تعيينهما فى وظيفة (رئيس مفرزة)، وان الرفض جاء من قبل ديوان المحاسبات - قد رفعا دعواهما ضد مدير الجمارك وحده، فى حين أن المرسوم التشريعى رقم 187 المؤرخ فى 27/ 12/ 1952 بتعديل الفقرتين (ب، ج) من المادة 18 من قانون ديوان المحاسبات أجاز لمجلس الوزراء بناء على اعتراض الادارة صاحبة الشأن أن يطلب من ديوان المحاسبات اعادة النظر فى قراره، وفى هذه الحالة يعرض الامر على الهيئة العامة لديوان المحاسبات - هذا الدفاع فى غير محله، اذ أن مصلحة الجمارك هى الجهة الادارية ذات الشأن، وبهذه الصفة مارست سلطتها وصلاحيتها طبقا للقانون، فأعلنت عن المسابقة. وبهذه المثابة تكون صاحبة الصفة فى المخاصمة القضائية. ولا يغير من ذلك أن يكون القانون قد جعل لديوان المحاسبات صلاحية فى مراجعة قرارات الجهات الادارية، وأن يكون للجهة الادارية حق الطعن فى مراجعة ديوان المحاسبات لدى مجلس الوزراء، فكل هذه تنظيمات داخلية فيما بين فروع الادارة لتجرى على سنن القانون، دون المساس بمن تكون له الصفة فى الخصومة القضائية من بين جهات الادارة.
2 - لئن كان المدعيان قد أقاما دعواهما قبل مضى مدة الشهر وقبل أن تجيب الادارة عن تظلمها، الا أنه اذ مضى الشهر المذكور خلال نظر الدعوى، ولم تستجب الادارة لتظلم المدعيين، بل صرحت برفضه، فانه بهذه المثابة يكون لرفع الدعوى محله، ويكون الدفع بعدم قبولها شكلا على أساس رفعها قبل فوات مدة الشهر على تقديم التظلم مردودا. وانما يكون لهذا الدفع محله لو أن الادارة قد استجابت فرضا لطلبات المدعيين قبل مضى الشهر سالف الذكر، فتكون اقامتهما لدعواهما عندئذ سابقة لاوانها، وكان يقضى عندئذ بالزامهما بمصروفاتها. أما وأن الادارة أصرت على عدم اجابة طلبهما، بل رفضته صراحة، فالخصومة تكون - والحالة هذه - ما زالت قائمة ولها محل، مما لا مندوحة معه من فصل المحكمة فيها قضائيا.
3 - لئن كان القرار رقم 545 الصادر فى 29/ 12/ 1943 المتضمن النظام العائد لموظفى الجمارك قد خلا من نص صريح على حظر الترفيع فى وظائف مصلحة الجمارك الى أكثر من درجة واحدة، الا أن هذا الحظر مستفاد ضمنا من سياسة تنظيم الدرجات وكيفية الترفيع اليها بحسب التصنيف والجداول الواردة به، حتى ولو كان الترفيع مسبوقا بامتحان مسابقة. على أن الرسوم رقم 1462 الصادر فى 5/ 4/ 1956 الذى نص على أن "يطبق قانون الموظفين الاساسى على ادارة الجمارك فى كل ما لم ينص عليه صراحة القرار رقم 545 الصادر فى 29/ 12/ 1943 المتضمن نظام موظفى الجمارك وتعديلاته"، وقد قطع كل شبهة فى هذا الشأن، ما دام أصبح من الواجب الرجوع الى قانون الموظفين الاساسى فيما لم يرد عليه نص خاص فى القرار رقم 545 سالف الذكر.
4 - تجب التفرقة بين مسابقة تجرى للتعيين فى وظيفة عامة يفتح بمقتضاها باب الترشيح للكافة من موظفين وغيرهم، ومسابقة يستوجبها القانون للتحقق من صلاحية المرشح للترفيع وتقتصر على الموظفين فى الملاك الذين يقصر القانون الترفيع فى نطاقهم، فالاولى تأخذ حكم التعيين، بينما تأخذ الثانية حكم الترفيع بما يرد عليه من قيود قانونية.
وبناء على ما تقدم كان يتعين على مصلحة الجمارك أن تلتزم تلك الاحكام بما تضمنته من حظر الترفيع الى أكثر من درجة من الترفيع الى الوظائف التى أعلنت عنها المسابقة موضوع خصوصية هذا النزاع. ولئن كان هذا الاعلان قد جاوز فيه مدير الجمارك العام حدود سلطته حين أجاز للخفراء من المرتبة الثامنة والدرجة الثالثة الدخول فيها للترشيح لوظائف رؤساء مفارز وهى المرتبة السابعة والدرجة الثالثة مما قد يترتب عليه الترفيع لاكثر من درجة، وهذا مخالف لنص المادة 17 من قانون الموظفين الاساسى، فغنى عن القول أن هذا الخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه ليس من شأنه أن يكسب الخفير الذى دخل هذه المسابقة - وهو فى المرتبة الثامنة والدرجة الثالثة، حقا - فى ترفيع هو محظور أصلا، ومن ثم فان امتناع الجهة الادارية - بعد المراجعة فى هذا الشأن قانونا - عن اصدار قرار بترفيع المدعيين الى تلك الوظيفة - ولو أنهما نجحا فى المسابقة وبرزا فيها - يكون مطابقا للقانون.


اجراءات الطعن

فى يوم 7 من كانون الاول (ديسمبر) سنة 1959 حضر الى سكرتيرية هذه المحكمة الاستاذ محمود التل المحامى بصفته ممثلا لادارة قضايا الحكومة بالاقليم السورى النائبة عن السيد مدير عام الجمارك وقرر بالطعن أمام هذه المحكمة فى الحكم الصادر من المحكمة الادارية بدمشق بجلسة 18 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1959 فى الدعوى رقم 15 لسنة 2 القضائية المقامة من السيدين محمد نزيه عبد الرازق المهاينى وعيسى جريس الريس، ضد السيد مدير عام الجمارك بالاقليم السورى والقاضى "بقبول الدعوى شكلا وبالغاء القرار السلبى بالامتناع عن تعيين المدعيين فى وظيفة رئيس مفرزة والزام الادارة بالمصروفات" وذكر الطاعن أنه يبنى طعنه على مخالفة الحكم المطعون فيه لاحكام المادة 17 من قانون الموظفين الاساسى - وقد أعلن هذا الطعن الى المطعون ضدهما بتاريخ 12 من كانون الاول (ديسمبر) 1959 وعرض على دائرة فحص الطعون المنعقدة بدمشق بتاريخ 21 من آذار (مارس) 1960 فقررت احالة الدعوى الى المحكمة الادارية العليا التى ستنعقد بدمشق فى 16 من نيسان (أبريل) سنة 1960، وفى هذه الجلسة حضر الطرفان وسمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات وأرجأت النطق بالحكم الى جلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات فى أسبوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون ضدهما أقاما فى 27 من كانون الثانى 1959 الدعوى رقم 82 أساس عام 1959 أمام المحكمة العليا بدمشق ضد السيد مدير عام الجمارك بالاقليم الشمالى طالبين الحكم "بقبول عريضة الدعوى شكلا وبقبولها موضوعا وابطال القرار المطعون فيه واعادة ما أسلفه المدعيان رسوم وتأمين احتياطى والزام الجهة المدعى عليها بالنفقات وأتعاب المحاماة". وقال المدعيان شرحا لدعواهما بأنه فى 17 من مارس 1958 أعلن مدير عام الجمارك عن اجراء مسابقة حدد لها يوم 10 من أكتوبر سنة 1958 لانتقاء رؤساء مفارز فى الجمارك فتقدم فى هذه المسابقة خمسة وسبعون خفيرا نجح منهم واحد وأربعون كان أولهم المدعى الاول وثانيهم المدعى الثانى، ولما كانت الوظائف الشاغرة سبع عشرة وظيفة لذلك وضع سيادة المدعى عليه القرار رقم 3 فى 3 من كانون الثانى سنة 1959 بتعيين سبعة عشر ناجحا فى طليعتهم المدعيان، وبعد أن وافق المجلس الاعلى للجمارك على هذا القرار أحيل الى ديوان المحاسبات للتأشير عليه ولكن الديوان المذكور رفض هذا التأشير بحجة أن القرار مخالف لقانون الموظفين الاساسى من حيث الترفيع. وأضاف المدعيان فى عريضة دعواهما الأساسى من حيث الترفيع. وأضاف المدعيان فى عريضة دعواهما أنهما قدما طلبا فى 24 من يناير سنة 1959 لتعيينهما ولكن دون جدوى، وذكرا أن الاعتراض الذى أبداه ديوان المحاسبات على قرار تعيينهما مخالف للقانون، وذلك لأن: أولا: قانون الموظفين الاساسى لا ينطبق على موظفى الجمارك لوجود نصوص تشريعية خاصة بهم وقد صدر فى 5 من ابريل سنة 1956 المرسوم رقم 1462 ونص فيه على أن قانون الموظفين الاساسى يطبق على موظفى الجمارك فى كل ما لم ينص عليه فى نظامهم الخاص، ولما كانت المسابقة التى نجح فيها المدعيان قد أجريت طبقا لأحكام المادة 14 من نظام موظفى الجمارك الصادر بالقرار رقم 545 فى 29/ 10/ 1943 فلا محل لتطبيق قانون الموظفين الاساسى عليهما، ثانيا: سبق أن اتخذ ديوان المحاسبات بهيئته العامة قرارا بتاريخ 3/ 11/ 1956 جاء فيه "نص المرسوم 1462 بتاريخ 5/ 4/ 1956 على أن يطبق قانون الموظفين الاساسى على موظفى الجمارك فى كل ما لم ينص عليه نظامهم الخاص، ولما كان القانون رقم 289 المؤرخ 3/ 11/ 1956 المعدل لاحكام المادة 21 من قانون الموظفين الاساسى يتعلق بأحكام الترفيع لدى اجتياز الحلقة الثالثة الى الثانية والحلقة الثانية الى الاولى، وكان نظام موظفى الجمارك قد تضمن أحكام كاملة للترفيع كما أنه لم يقسم وظائف الجمارك الى حلقات بل الى مراتب ودرجات لذلك أصبح موظفو الجمارك غير مشمولين بأحكام المادة 21 من قانون الموظفين" وقال المدعيان أن هذا الرأي الصريح صدر من ديوان المحاسبات عندما طالب موظفو الجمارك بالاستفادة من أحكام القانون رقم 289 الصادر فى 3/ 11/ 1956 المشار اليه فى رأى ديوان المحاسبات وقد أخذ بهذا الرأى وقتئذ فلم يطبق القانون المذكور على موظفى الجمارك وبذلك لم يقيدوا من أحكام اجتياز الحلقة الواردة فيه وهى أحكام تؤدى الى الترفيع درجتين فى حالة ما اذا كان الترفيع درجة واحدة لا يترتب عليه زيادة الراتب، ثالثا: سبق لديوان المحاسبات أن أبدى فى الرأى رقم 99 بتاريخ 19/ 6/ 1957 أن نظام موظفى الجمارك نص على أصول تنظيم جدول الترفيع لهؤلاء الموظفين وهى أصول تختلف عن تلك الواردة فى قانون الموظفين الأساسى. رابعا: وضع ديوان المحاسبات التأشير على قرار مماثل تضمن الأساسى. مراقبين مساعدين من المرتبة السابعة على مراقبين من المرتبة الخامسة وذلك نتيجة للمسابقة التى تمت طبقا للمادة 7 من القرار رقم 545 سالف الذكر وكان تأشير ديوان المحاسبات فى 31/ 10/ 1956 برقم 3913 دفتر 3 وأنه ليس ثمت فرق بين مسابقة تتم طبقا للمادة 7 من القرار المذكور وأخرى تتم طبقا للمادة 14 منه، خامسا: أن اعتراض ديوان المحاسبات يقوم على أن التعيين بموجب المادة 14 يجب أن يتم وفقا لقواعد الترفيع العادى المنصوص عليها فى قانون الموظفين الاساسى أي من الدرجة الاعلى فى المرتبة الدنيا الى الدرجة الدنيا فى المرتبة التى تليها وهذا التفسير يخالف نص المادة 14 المشار اليها لان رتبة رئيس مفرزة لا يجوز الحصول عليها بطريق الترفيع العادى وانما لا بد من النجاح فى مسابقة يحدد شروطها المدير العام للجمارك وقد وضع سيادته هذه الشروط وليس من بينها الشرط الذى يقول به ديوان المحاسبات.
ردت ادارة الجمارك على الدعوى "بلائحة جوابية" مؤرخة 18/ 2/ 1959 ذكرت فيها أنا الدعوى واجبة الرد لعدم وجود رفض صريح أو ضمنى من المدعى عليه وأن المدعيين يعترفان بأن المدير العام للجمارك اتخذ قرارا ايجابيا مؤرخا 3/ 1/ 1959 رقم 3 بتعينهما مع غيرهما فى الوظيفة التى علمت المسابقة من أجلها ونجحا فيها، كما يعترفان بأن ديوان المحاسبات رفض التأشير بالمصادفة على هذا القرار لعدم قانونية ترفيع المدعيين ورفاقهما وأنه على الرغم من تمسك ادارة الجمارك برأيها الايجابى بحق المدعيين وزملائهما فى الافادة من نجاحهم فى المسابقة فان ديوان المحاسبات أصر على رأيه فلم تتخذ ادارة الجمارك أى قرار جديد بالرفض وأن المدعيين يقرران فى دعواهما المقدمة فى 27/ 9/ 1959 أنهما قدما طلبا لتعيينهما فى 24/ 1/ 1959 ومع أنه لم يكون قد مضى سوى ثلاثة أيام بين طلبهما وبين رفع دعواهما فان المدعيين اعتبرا أن هناك قرارا ضمنيا برفض تعيينهما وطعنا فى دعواهما فى هذا القرار الضمنى المزعوم مع العلم أن الفقرة الرابعة من المادة 19 القانون رقم 57 الصادر فى 28/ 12/ 1957 صريحة بأن الرفض الضمنى لا يتحقق الا بعد مرور شهر من استلام الادارة العريضة. وانتهت الادارة من ذلك الى أن الطعن فى قرار الرفض الضمنى المزعوم سابق لاوانه مستوجب الرد شكلا، وفضلا عن ذلك فان الدعوى موجهة الى مدير عام الجمارك مع أنها فى الحقيقة طعن فى قرار رفض التأشير الصادر عن ديوان المحاسبات وأن هذا الرفض الصادر عن ديوان المحاسبات لا يجوز الطعن فيه فى مواجهة مدير عام الجمارك وانما رسم المرسوم التشريعى رقم 187 بتاريخ 27/ 12/ 1952 طريقة خاصة للاعتراض عليه، اذ أجاز لمجلس الوزراء بناء على اعتراض الادارة صاحبة الشأن يطلب من ديوان المحاسبات اعادة النظر فى قراره وفى هذه الحالة يعرض الامر على الهيئة العامة لديوان المحاسبات، ومن ثم فتكون دعوى المدعيين غير مقبولة مما يستوجب ردها شكلا، ثم اختتمت المذكرة بالعبارة الآتية "اطلب رد الطعن شكلا واستطرادا أترك تقدير الطعن موضوعا لمحكمة هيئتكم الموقرة".
وبمناسبة صدور القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة أحيلت الدعوى الى المحكمة الادارية وقيدت بها تحت رقم 15 لسنة 1 قضائية. وفى 17/ 10/ 1959 قدم مفوض الدولة مذكرة بالرأى القانونى فى الدعوى ارتأى فيها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بابطال القرار المطعون فيه، والزام الجهة المدعى عليها النفقات وأتعاب المحاماة - وفى 28/ 10/ 1959 قدمت ادارة قضايا الحكومة مذكرة فى الدعوى قالت فيها أن المادة 14 من القرار رقم 545 الصادر فى 29/ 12/ 1943 الناظم لشئون موظفى مصلحة الجمارك نصت على أنه لا يمكن الحصول على مرتبة عريف برى أو بحرى (رئيس مفرزة) الا بعد اجتياز مسابقة يحدد مدير الجمارك العام برنامجها وشروطها، ونصت المادة الثانية من المرسوم رقم 1462 بتاريخ 5/ 4/ 1956 على أن يطبق قانون الموظفين الاساسى على ادارة الجمارك فى كل ما لم ينص عليه صراحة فى القرار رقم 545 الصادر فى 29/ 12/ 1943، ونصت المادة 17 من قانون الموظفين الاساسى على أن يكون الترفيع درجة درجة فى المرتبة الواحدة ومن الدرجة الاولى فى المرتبة الادنى الى الدرجة الاخيرة فى المرتبة الاعلى. وخلصت ادارة قضايا الحكومة من هذه النصوص الى أن ترفيع المدعيين من المرتبة الثامنة الى المرتبة السابعة مخالف القانون لانه يعطيهم أكثر من درجة واحدة ودون أن يستكملا شروط الترفيع، وان المادة 14 من القرار رقم 545 التى يستند اليها المدعيان لا تخولهما حق تجاوز القواعد المتبعة فى الترفيع لان هذه المادة انما اشترطت للحصول على رتبه رئيس مفرزة اجتياز مسابقة وهذا الشرط جاء بالاضافة الى شروط الترفيع العامة المنصوص عليها فى نظام موظفى الجمارك وفى قانون الموظفين الاساسى وهذا هو ما جرى عليه العمل فى ملاكات الدولة الاخرى، وانتهت ادارة قضايا الحكومة بأن طلبت رد الدعوى موضوعا وتضمين المدعيين النفقات وأتعاب المحاماة. وفى 18 من تشرين الثانى (نوفمبر) 1959 أصدرت المحكمة الادارية حكما فى الدعوى وهو يقضى برفض الدفوع التى تقدمت بها جهة الادارة وبقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بالغاء القرار السلبى بالامتناع عن تعيين المدعيين فى وظيفة رئيس مفرزة وألزمت الادارة بالمصروفات - فطعن السيد مدير عام الجمارك فى هذا الحكم امام هذه المحكمة بتقرير طعن أمام سكرتيرية المحكمة فى يوم 7 من كانون الاول (ديسمبر) 1959 وبنى طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام المادة 17 من قانون الموظفين الاساسى، وفى ذات اليوم وهو 7 من كانون الاول 1959 قدمت إدارة قضايا الحكومة عن الجهة المدعى عليها مذكرة أبدت فيها ذات الاسباب التى كانت مطروحة أمام محكمة القضاء الادارى، واختتمتها بالعبارة الآتية: "اطلب قبول الطعن شكلا تاركا لمقامكم تقدير اسباب الطعن". وفى 20 من شباط (فبراير) 1960 قدم السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة مذكرة بالرأى القانونى فى الطعن ارتأى فيها قبول الطعن شكلا وفى موضوعه برفضه مع الزام الطاعن بالمصروفات، كما قدمت ادارة قضايا الحكومة مذكرة مؤرخة فى 23 من نيسان (أبريل) 1960 عن مديرية الجمارك العامة ذكرت فيها ان ترفيع المدعيين الى وظيفة رئيس مفرزة مخالف لنص المادة 17 من قانون الموظفين الاساسى وانتهت الى طلب الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم اصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها والزام رافعيها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
ومن حيث ان مصلحة الجمارك دفعت بعدم قبول الدعوى شكلا بوجهين أولهما: أن المدعيين مع اعترافهما بأن مدير الجمارك العام وضع مشروع قرار بتعيينهما فى وظيفة رئيس مفرزة وأن الرفض جاء من قبل ديوان المحاسبات فانهما رفعا دعواهما ضد مدير الجمارك وحده فى حين أن المرسوم التشريعى رقم 187 المؤرخ فى 27 من كانون الاول 1952 أجاز لمجلس الوزراء بناء على اعتراض الادارة صاحبة الشأن أن يطلب من ديوان المحاسبات اعادة النظر فى قراره وفى هذه الحالة يعرض الامر على الهيئة العامة لديوان المحاسبات. أما الوجه الثانى: فهو أن المدعيين قدما تظلمهما فى 24 من كانون الثانى (يناير) سنة 1959 وقبل فوات شهر على تظلمهما رفعا هذه الدعوى طالبين الحكم بابطال القرار السلبى بالامتناع عن تعيينهما بينما هذا القرار لا يستفاد الا بعد فوات شهر على تقديم التظلم دون أن تجيب الادارة عنه وبذلك تكون الدعوى سابقة لاوانها.
ومن حيث انه فيما يتعلق بالوجه الاول فان مصلحة الجمارك هى الجهة الادارية ذات الشأن وبهذه الصفة مارست سلطتها وصلاحيتها طبقا للقانون فأعلنت عن المسابقة، وبهذه المثابة تكون صاحبة الصفة فى المخاصمة القضائية، ولا يغير من ذلك أن يكون القانون قد جعل لديوان المحاسبات صلاحية فى مراجعة قرارات الجهات الادارية وأن يكون للجهة الادارية حق الطعن فى مراجعة ديوان المحاسبات لدى مجلس الوزراء فكل هذه تنظيمات داخلية فيما بين فروع الادارة فتجرى على سنن القانون دون المساس بمن تكون له الصفة فى الخصومة القضائية من بين جهات الادارة ومن ثم فيكون هذا الوجه فى غير محله.
ومن حيث انه عن الوجه الثانى فلئن كان المدعيان قد اقاما دعواهما قبل مضى شهر وقبل أن تجيب الادارة عن تظلمها الا أنه ما دام قد مضى الشهر المذكور خلال نظر الدعوى ولم تستجب الادارة لتظلم المدعيين بل صرحت برفضه، فانه بهذه المثابة يكون لرفع الدعوى محله ويكون هذا الوجه والحالة هذه مردودا - وانما يكون لهذا الوجه محله لو ان الادارة قد استجابت فرضا لطلبات المدعيين قبل مضى الشهر سالف الذكر فتكون اقامتهما لدعواهما عندئذ سابقة لاوانها وكان يقضى عندئذ بالزامهما بمصروفاتها، اما وان الادارة أصرت على عدم اجابة طلبهما بل رفضته صراحة فالخصومة تكون والحالة هذه ما زالت قائمة ولها محل مما لا مندوحة معه من فصل المحكمة فيها قضائيا، ومن ثم فيكون هذا الوجه أيضا فى غير محله مما يتعين معه الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا.
ومن حيث انه عن الموضوع فان يخلص من مساق الوقائع على النحو السالف ايراده أن مثار المنازعة هو ما اذا كان يجوز الترفيع فى وظائف مصلحة الجمارك الى أكثر من درجة واحدة باعتبار أن موظفى المصلحة تحكم توظيفهم بما فى ذلك ترفيعهم قواعد خاصة صدر بها القرار رقم 545 فى سنة 1943 الذى لم يتضمن حظرا على الترفيع مماثلا لما ورد فى قانون الموظفين الاساسى فى المادة 17 منه، أم أن الترفيع فى هذه الوظائف حتى ولو كان من اللازم أن يكون مسبوقا بامتحان مسابقة مقيد بمثل هذا الحظر الذى ورد فى قانون الموظفين الاساسى.
ومن حيث انه ولئن كان القرار رقم 545 قد خلا من نص صريح على هذا الحظر الا انه يستفاد ضمنا من سياسة القانون فى تنظيم الدرجات وكيفية الترفيع اليها بحسب التصنيف والجداول الواردة به حتى ولو كان الترفيع مسبوقا بامتحان مسابقة، أن المرسوم رقم 1462 الصادر فى 5 من نيسان (ابريل) 1956 - الذى نص على أن "يطبق قانون الموظفين الاساسى على ادارة الجمارك فى كل ما لم ينص عليه صراحة القرار رقم 545 الصادر فى 29/ 12/ 1943 المتضمن نظام موظفى الجمارك وتعديلاته - قطع كل شبهة فى هذا الشأن ما دام أصبح من الواجب الرجوع الى قانون الموظفين الاساسى فيما لم يرد عليه نص خاص فى القرار رقم 545 سالف الذكر.
ومن حيث انه تجب التفرقة بين مسابقة تجرى للتعيين فى وظيفة هامة يفتح بمقتضاها باب الترشيح للكافة من موظفين وغيرهم، ومسابقة يستوجبها القانون للتحقق من صلاحية المرشح للترفيع وتقتصر على الموظفين فى الملاك الذين يقصر القانون الترفيع فى نطاقهم، فالاولى تأخذ حكم التعيين، بينما تأخذ الثانية حكم الترفيع بما يرد عليه من قيود قانونية.
ومن حيث انه بناء على ما تقدم كان يتعين على مصلحة الجمارك أن تلتزم تلك الاحكام بما تضمنته من حظر الترفيع الى أكثر من درجة من الترفيع الى الوظائف التى أعلنت عنها المسابقة موضوع خصوصية هذا النزاع، ولئن كان هذا الاعلان قد جاوز فيه مدير الجمارك العام حدود سلطته حين أجاز للخفراء من المرتبة الثامنة والدرجة الثالثة الدخول فيها للترشيح لوظائف رؤساء مفارز وهى المرتبة السابعة والدرجة الثالثة مما قد يترتب عليه الترفيع لاكثر من درجة، وهذا مخالف لنص المادة 17 من قانون الموظفين الاساسى المشار اليها، فغنى عن القول أن هذا الخطأ فى تأويل القانون وتطبيقه ليس من شأنه ان يكسب الخفير الذى دخل هذه المسابقة - وهو فى المرتبة الثامنة والدرجة الثالثة حقا فى ترفيع هو محظور أصلا، ومن ثم فان امتناع الجهة الادارية - بعد المراجعة فى هذا الشأن قانونا - عن اصدار قرار بترفيع المدعيين الى تلك الوظيفة - ولو انهما نجحا فى المسابقة وبرزا فيها - يكون مطابقا للقانون ويكون الحكم المطعون فيه والحالة هذه قد اخطأ فى تطبيق القانون وتأويله متعينا الحكم بالغائه ورفض الدعوى المدعيين.

فلهذه الاسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى المدعيين والزامهما بالمصروفات.