مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من اول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 854

(84)
جلسة 26 من نيسان ابريل سنة 1960

برياسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة على بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل ومحمود محمد إبراهيم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 28 لسنة 2 القضائية (ج)/ 32 لسنة 2 القضائية (ش).

موظف - تأديب - توظيف المال ليس بذاته عملا تجاريا أو منتفيا مع واجبات الوظيفة وكرامتها. عدم اعتباره مخالفة مسلكية - مثال.
أن توظيف المال ليس بذاته عملا تجاريا أو متنافيا مع واجبات الوظيفة وكرامتها. ومن ثم فان القرار المطعون فيه - اذ قضى ببراءة المدعى من المخالفة المسلكية المنسوبة اليه - يكون قد أصاب الحق فى النتيجة التى انتهى إليها، ذلك لأن تملك الموظف لسيارة أو حصة فيها ليس فى ذاته عملا تجاريا أن لم يقترن بنشاط خاص يضفى على هذا العمل الصفة التجارية طبقا لمفهومات القانون التجارى، ما دام لم يثبت من الاوراق أن المدعى ساهم بنشاط فى شركة تجارية أو أتى عملا آخر قد يعتبر عملا تجاريا طبقا لقانون التجارة، كما أن عضويته لمكتب الانطلاق ليس عملا تجاريا ولا يضر بواجبات وظيفته.

اجراءات الطعن

فى 9 من شباط (فبراير) سنة 1960 أودعت الحكومة طعنا فى قرار مجلس التأديب رقم 3 الصادر بجلسة 12 من كانون الثانى (يناير) سنة 1959 فى الدعوى المرفوعة من وزارة العدل ضد ميسر سليق، القاضى "بعدم مسئولية المحال من الوجهة المسلكية" وطلبت الحكومة للأسباب التى استندت إليها فى عريضة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلا ونقض القرار موضوعا"، وقد أعلن الطعن للمدعى عليه فى 19 من اذار (مارس) سنة 1960 وعين لنظره أمام هيئة فحص الطعون جلسة 23 من اذار (مارس) سنة 1960 فأحالته الى المحكمة الادارية العليا، وعين لنظره جلسة 19 من نيسان (ابريل) سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد أستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الاوراق تتحصل فى أنه فى 19 من كانون ا لأول (ديسمبر) سنة 1959 أصدر السيد وزير العدل القرار رقم 1688 بإحالة السيد ميسر سليق كاتب الضبط منطقة دمشق الاستئنافية على مجلس التأديب لمحاكمته مسلكيا لمزاولته الاعمال التجارية. وبجلسة 12 من كانون الثانى (يناير) سنة 1960 قرر مجلس التأديب بعدم مسئوولية المحال من الوجهة المسلكية، واستند المجلس فى قراره الى أنه "ولئن كان من الثابت بالتحقيق الادارى وباعتراف المحال تملكه لثلث سيارة صهريج معدة لنقل المواد المشتعلة وقبوله عضوية التعيين فى عضوية مكتب انطلاق سيارات الصهريج فى مدينة حمص المعينة بقرار من المحافظ، الا أنه لما كان تملك المحال لثلث السيارة التى يعمل عليها شريكه انما هو من قبيل توظيف المال ولا يدخل فى عداد الاعمال التجارية المعينة بالمقطع ( أ ) من الفقرة التاسعة من المادة 23 من قانون الموظفين الاساسى، وكان توظيف المال بغير الاعمال التجارية غير محظور أيضا لخلو النص من هذا الحظر مما لا يجعله مسؤولا من الوجهة المسلكية عن هذه الناحية، كما أن تسميته عضوا فى مكتب انطلاق سيارات الصهريج فى مدينة حمص كان رمزيا ولم يباشر أى عمل فى المكتب المذكور ولم ينقطع عن وظيفته الأساسية فى دمشق مما لا يؤلف العمل التبعى المقصود بالفقرة التاسعة من المادة 23 من قانون الموظفين الاساسى، وبالتالى لا يجعله مسؤولا من الوجهة المسلكية لأنه ليس من شأنه أن يضر بواجبات وظيفته أو غير متفق مع مقتضيات وظيفته".
ومن حيث أن الطعن يقوم من حيث الشكل على اختصاص المحكمة الادارية العليا بالنظر فى الطعن المقدم من الحكومة فى قرار مجلس التأديب المطعون فيه بالتطبيق لنص المادة 15 من قانون مجلس الدولة، ومن حيث الموضوع على أن القرار قد بنى على خطأ فى تطبيق أحكام قانون الموظفين رقم 135 لسنة 1945 وتأويله، ذلك أن المقطع ( أ ) من الفقرة 9 من المادة 23 من القانون المذكور قد حظر على الموظف الجمع بين وظيفته وبين أى عمل آخر جاء ذكره فيها، ومن جملة هذه الاعمال القيام بالاعمال التجارية سواء أكان ذلك بالذات أو بالواسطة. ولما كان مجلس التأديب قد أخطأ قراره اذ قضى بأن الاعمال المنسوبة للموظف المذكور لا تدخل فى الاعمال التجارية التى أرادها الشارع فى المادة 23 سالفة الذكر، ذلك أن تملك السيد سليق لثلث سيارة الصهريج واستثماره مع شريكه هذه السيارة فى نقل المحروقات واقتسام أرباحها الناتجة من الاستثمار بشكل شركة محاصة بين الطرفين وفقا لأحكام المادة 331 وما يليها من قانون التجارة، وهو ما ذهبت اليه محكمة النقض فى قرارها الصادر فى 23 من شباط (فبراير) سنة 1956 صحيفة 343 من مجلة القانون العام 1956، وبما أن عمل الموظف المحال تجارى، وقد منع قانون الموظفين الاعمال التجارية سواء أكانت بالذات أم بالواسطة، لذلك طلبت الحكومة قبول الطعن شكلا ونقض القرار.
ومن حيث ان هيئة مفوضى الدولة قد قدمت تقريرا برأيها فى الطعن المقدم من وزارة العدل ذهبت فيه الى عدم اختصاص المحكمة العليا بنظر الطعن وأن الاختصاص فى ذلك معقود لمحكمة القضاء الادارى أو المحكمة الادارية بحسب الاحوال. وتستند هيئة المفوضين فى ذلك الى مجالس التأديب ليست محاكم تأديبية وانما هى لا تعدو أن تكون هيئات ادارية قراراتها ادارية، وأن العبرة فى تكييف القرارات وما اذا كانت قضائية أم ادارية انما يكون بحسب المجال الذى تعمل فيه الهيئة التى تصدر هذه القرارات وذلك وفقا للسلطة المخولة لها قانونا، فاذا كان المجال اداريا اعتبر القرار الصادر منها قرارا اداريا، ولا شك أن مجالس التأديب تعد من السلطات التأديبية فى قانون الموظفين، اذ تنص المادة 24 منه وما يليها من مواد على فرض العقوبات المسلكية بنوعيها الخفيفة والشديدة على الموظفين الذين يرتكبون أفعالا مخالفة لواجبات الوظيفة أثناء قيامهم بها، فالخفيفة تفرض من قبل السلطة الادارية المختصة والشديدة تفرض من قبل مجلس التأديب بناء على مرسوم أو قرار الاحالة من السلطة التى تمارس حق التعيين بالاستناد الى إضبارة التحقيق أو الى قرار من رئيس مفتشى الدولة، كما وأن للمجلس أن يفرض احدى العقوبات الخفيفة اذا رأى أن ما ارتكبه الموظف من أفعال نسبت اليه لا تتناسب وفرض عقوبات شديدة، ولما كانت السلطات التأديبية من الوسائل الادارية فى تقويم سير المرافق العامة فان كل ما يصدر من الهيئات التى تباشر هذه السلطات تعد قراراتها قرارات ادارية، والتأديب بطبيعته عمل ادارى، ومن ثم يمكن الطعن فى القرارات الصادرة فى هذا الشأن، أيا كانت الجهة التى أصدرتها، باعتبار أنها قرارات ادارية، كما أنه لا سبيل الى منع الطعن فيها أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى الا بنص صريح فى القانون كما هو الحال بالنسبة الى الاحكام الصادرة من المحاكم التأديبية المشكلة طبقا للقانون رقم 117 لسنة 1958 والتى وان كانت حقيقة قراراتها قرارات ادارية لانها صادرة فى مسائل التأديب، الا أن المشرع لم يجز الطعن فيها الا أمام المحكمة الادارية العليا وفى أحوال معينة أوردها على سبيل الحصر، ولا يوجد مثل هذا النص بالنسبة الى مجلس التأديب، يؤيد هذا النظر وهو أن مجلس التأديب ليس محكمة تأديبية - أن المشرع نفسه لم يخلع عليها اسم المحكمة ولو أراد ذلك لسماها كذلك صراحة، كما يؤكد الصفة الادارية لمجلس التأديب أنه بحسب المرسوم التشريعى رقم 37 الصادر فى 5 من شباط (فبراير) سنة 1950 بشأن مجلس التأديب يشكل من رئيس وعضوين أصيل وملازم وعضو كمقرر يتولى الادعاء ويعينون من الموظفين دون أن يشترط فى أحد منهم أن يكون من رجال القانون، وهذا التشكيل بهذه الصورة من شأنه أن يجعل المجلس فى مستوى السلطة التأديبية ولا يختلف عنها الا بفارق واحد وهو فرضه العقوبة الشديدة ضمانا للحياد فى التحقيق والحكم، وهى بذلك لا تعتبر محكمة تأديبية ويطعن فى قراراتها كما يطعن فى قرارات السلطة الرئاسية التأديبية أمام محكمة القضاء الادارى أو المحكمة الادارية حسب الحلقة التابع لها الموظف، وهو ما كان عليه الحال فى الاقليم المصرى قبل إنشاء المحاكم التأديبية بالقانون رقم 117 لسنة 1958. والمحاكم التأديبية التى أنشئت فى الاقليم المصرى بالقانون رقم 117 لسنة 1958 تختلف كل الاختلاف عن مجالس التأديب من حيث تشكيلها اذ اشترط القانون فى تشكيلها لمحاكمة الموظفين من الدرجة الاولى فما فوقها أن يكون من أعضائها الثلاثة اثنان من رجال القانون أيضا مستشار أو مستشار مساعد رئيسا ونائب من مجلس الدولة عضوا، يضاف الى ذلك أن من يتولى الادعاء أمام المحاكم التأديبية يجب أن يكون من رجال القانون كذلك وهو أحد أعضاء النيابة الادارية لهذا أضفى عليها المشرع صفة المحاكم التأديبية وسماها كذلك وأجاز الطعن فى احكامها صراحة أمام المحكمة الادارية العليا حسبما جاء فى المادة 15 من قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959، واذا ما تبين هذا الفارق بين المحاكم التأديبية فى الاقليم المصرى ومجلس التأديب فى الاقليم السورى، فانه مما لا شك فيه أنه تستحيل المقارنة بينهما الأمر الذى من أجله يدينه من مجالس التأديب فى الاقليم المصرى والتى لم تزل موجودة فى بعض المؤسسات العامة للنظر فى قضايا موظفيها كالجامعات والتى لا شك ان قراراتها يطعن فيها أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى، والى أن تشكل محاكم تأديبية فى الاقليم السورى تظل محكمة القضاء الادارى أو المحاكم الادارية مختصة بالنظر فى طعون قرارات مجلس التأديب أسوة بقرارات السلطة الرئاسية التأديبية).
عن الدفع بعدم جواز الطعن فى قرار مجلس التأديب السورى رأسا أمام المحكمة الادارية العليا:
من حيث أن مبنى هذا الدفع هو أن القرارات الصادرة من مجلس التأديب بالاقليم السورى وان كان حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة يطعن فيها بالنقض أمام محكمة التمييز خلال عشرة أيام من تاريخ تبليغها لغيب فى الشكل أو لمخالفة القانون، الا أنه لما كان المجلس المذكور يؤلف طبقا للمرسوم التشريعى رقم 37 الصادر فى 5 من شباط (فبراير) سنة 1950 من رئيس وعضوين أصيل وملازم وعضو مقرر يتولى الادعاء، ويعينون جميعا من الموظفين دون أن يشترط فى أي منهم أن يكون من رجال القانون مما يجعل من المجلس مجرد سلطة ادارية تأديبية تصدر قرارات ادارية بجزاءات تأديبية ولا ترقى الى مستوى المحكمة التى تصدر أحكاما قضائية، ولما كان الأمر كذلك فبهذه المثابة يطعن فى قراراتها أمام محكمة القضاء الادارى أو المحكمة الادارية بحسب الحلقة التابع لها الموظف وذلك بالتطبيق للمادة 8 فقرة رابعا والمادة 13 فقرة 1 والمادة 14 من قانون مجلس الدولة، ولا يجوز الطعن أمامها فى غير الاحكام الصادرة من محكمة القضاء الادارى أو المحكمة الادارية أو المحاكم التأديبية فى الاقليم المصرى وذلك كله بالتطبيق للمادة 15من القانون المشار إليه، ومن ثم فان الطعن رأسا فى قرارات مجلس التأديب فى الاقليم السورى أمام المحكمة الادارية العليا يكون والحالة هذه غير جائز القبول، بل يجب الطعن فى قراراتها أمام محكمة القضاء الادارى أو المحكمة الادارية بحسب الاحوال كما سلف البيان. وما تصدره من أحكام هو الذى يكون محل الطعن أمام المحكمة الادارية العليا.
ومن حيث انه ولئن كان الشارع قد ناط بالمحكمة الادارية فى الأصل مهمة التعقيب النهائى على الاحكام الصادرة من محكمة القضاء الادارى أو المحاكم الادارية فى الاحوال التى بينتها المادة 15 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة حتى تكون كلمتها القول الفصل فى تأصيل أحكام القانون الادارى وتنسيق مبادئه واستقرارها ومنع التناقض فى الاحكام، الا أن هذا لا يمنع الشارع من أن يجعل فى حدود هذه المحكمة استثناء التعقيب على بعض القرارات الادارية الصادرة من الهيئات التأديبية لحكمة يراها قد تجد سندها من حيث الملاءمة التشريعية فى اختصار مراحل التأديب حرصا على حسن سير الجهاز الحكومى، كما قد تجد سندها القانونى فى أن قرارات تلك الهيئات وان كانت فى حقيقتها قرارات ادارية الا أنها أشبه ما تكون بالاحكام ولكنها ليست بأحكام ما دام الموضوع الذى تفصل فيه ليس منازعة قضائية بل محاكمة مسلكية تأديبية، وذلك ان القرار القضائى هو الذى تصدره المحكمة بمقتضى وظيفتها القضائية ويحسم على أساس قاعدة قانونية خصومة قضائية تقوم بين خصمين تتعلق بمركز قانونى خاص أو عام، ولا ينشئ القرار القضائى مركزا قانونيا جديدا وإنما يقرر فى قوة الحقيقة القانونية وجود حق أو عدم وجوده فيعتبر عنوان الحقيقة فيما قضى به متى حاز قوة الشئ المقضى فيه ويكون القرار قضائيا متى توافرت هذه الخصائص ولو صدر من هيئة لا تتكون من قضاة، وإنما أسندت إليها بسلطة قضائية استثنائية للفصل فيما نيط بها من خصومات، وعلى العكس من ذلك فإن القرار التأديبى لا يحسم خصومة قضائية بين طرفين متنازعين على أساس قاعدة قانونية تتعلق بمركز قانونى خاص أو عام، وانما هو ينشئ حالة جديدة فى حق من صدر عليه شأنه فى ذلك شأن كل قرار قرار إدارى، ولو صدر القرار التأديبى من هيئة تتكون كلها أو أغلبها من قضاة اذ العبرة كما سلف القول هى بالموضوع الذى صدر فيه القرار، فيما دام هذا الموضوع إداريا كالتأديب مثلا فالقرارات التى تصدر فيه تكون بحكم اللزوم ادارية ولا يزايلها هذه الصفة لكون من أصدرها قضاة كالجزاءات التأديبية التى يوقعها رؤساء المحاكم فى حق موظفيها من كتبة أو محضرين، اذ تعتبر قرارات تأديبية لا قضائية، ومن ثم يسقط التحدى بالمفارقة بين القرارات التأديبية الصادرة من المحاكم التأديبية فى الاقليم المصرى بالتطبيق للقانون رقم 117 لسنة 1958 وبين مثيلاتها الصادرة من المجالس التأديبية بالاقليم السورى بالتطبيق المرسوم التشريعى رقم 37 الصادر فى 5 من شباط (فبراير) سنة 1950 فجميعها قرارات ادارية بجزاءات تأديبية فى مؤاخذات مسلكية تنشئ فى حق الموظفين الصادرة فى شأنهم مراكز قانونية جديدة ما كانت لتنشأ من غير هذه القرارات، بينما القرارات القضائية - كما سلف البيان - انما تقرر فى قوة الحقيقة القانونية وجود حق أو عدم وجوده، ولا يغير من هذه الحقيقة أن يعبر عن الهيئة التأديبية بلفظ المحكمة كما فعل القانون رقم 117 لسنة 1958 اذ العبرة بالمعانى لا بالالفاظ والمبانى.
ومن حيث أنه ليس بدعا فى التشريع أن يطعن رأسا فى قرار ادارى أمام المحكمة الادارية العليا، اذ لهذا نظير فى النظام الفرنسى حيث يطعن رأسا أمام مجلس الدولة الفرنسى بهيئة نقض فى بعض القرارات الادارية، وقد كان هذا هو الشأن فى تمييز القرارات التأديبية الصادرة من المجالس التأديبية فى الاقليم السورى، اذ كانت قابلة للطعن طبقا للمادة 28 من المرسوم التشريعى سالف الذكر أمام الغرفة المدنية بمحكمة التمييز بعد اذ ألغى مجلس الشورى بالقانون رقم 82 الصادر فى 31 من كانون الثانى (يناير) سنة 1951 سواء من قبل الموظف او من قبل الادارة المختصة، وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ التبليغ لعيب فى الشكل أو مخالفة القانون، دون أن يكون للمحكمة المذكورة بأى حال أن تبحث فى مادية الوقائع، ومفاد ذلك أن المرسوم التشريعى المشار إليه قد ناط بمجلس التأديب فى الاقليم السورى مهمة المحاكمات المسلكية المتعلقة بالموظفين الخاضعين لقانون الموظفين الاساسى كدرجة تأديبية وحيدة لا يطعن فى قرارها الا بطريق التمييز على الوجه السالف بيانه، فاختصر بذلك إجراءات التأديب ومراحله كى يفصل فيه على وجه السرعة، وهذا التنظيم فى التأديب هو الذى انتهى اليه الشارع فى الاقليم المصرى بالقانون رقم 117 لسنة 1958، فبعد أن كان التأديب يمر فى إجراءات مطولة وفى مرحلتين ابتدائية واستئنافية ثم يطعن فى القرار التأديبى النهائى أمام المحاكم الادارية أو محكمة القضاء الادارى بحسب الاحوال ثم فى أحكام هذه أو تلك أمام المحكمة الادارية العليا، اختصر الشارع هذه الاجراءات والمراحل وجعل التأديب فى مرحلة وحيدة أمام هيئة تأديبية عبر عنها بالمحكمة التأديبية يطعن فى قراراتها رأسا أمام المحكمة الادارية العليا للأسباب المشار إليها آنفا، والتى أفصحت عنها المذكرة الايضاحية للقانون المذكور بقولها: "ويقوم المشروع على أساس تلافى العيوب التى اشتمل عليها النظام الحالى فى شأن المحاكمات التأديبية - ولما كان من أهم عيوب نظام المحاكمات التأديبية: (1) تعدد مجالس التأديب التى تتولى المحاكمة، (2) بطء إجراءات المحاكمة، (3) غلبة العنصر الادارى فى تشكيل مجالس التأديب. ذلك أنه طبقا للقانون رقم 210 لسنة 1951 تتعدد المجالس التى تتولى المحاكمات التأديبية.. وما من شك فى أن هذا التعدد ضار بهذه المحاكمات، فضلا عما تثيره من التعقيدات، لذلك نص المشروع على أن المحاكمات التأديبية تتولاها محكمتان تأديبيتان تختص إحداهما بمحاكمة الموظفين لغاية الدرجة الثانية وتتولى الاخرى محاكمة الموظفين من الدرجة الاولى فما فوقها، وبذلك قضى على التعدد المعيب الذى احتواه النظام الحالى، وقد قضى المشروع على ما يعيب النظام الراهن من بطء فى إجراءات المحاكمة التأديبية ضار بالجهاز الحكومى من ناحيتين: (1) أن ثبوت إدانة الموظف بعد وقت طويل يفقد الجزاء الذى يوقع عليه كل قيمة من حيث ردعه هو، وجعل العقاب عبرة لغيره، لان العقاب يوقع فى وقت يكون قد انمحى فيه أثر الجريمة التى وقعت من الاذهان (2) من الخير ألا يظل الموظف البرئ معلقا أمره مما يصرفه عن أداء عمله الى الاهتمام بأمر محاكمته.. كما يدخل فى هذا المجال أن المشروع عدل عما كان يقضى به القانون الحالى من جواز استئناف القرارات التأديبية، لما يترتب على إباحة الاستئناف من إطالة إجراءات المحاكمة، وبكل هذه التعديلات يستقر وضع الموظف المحال الى المحاكمة التأديبية فى وقت قريب". واذا كان النظامان التأديبيان فى كل من الاقليمين المصرى والسورى قبل العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1959 قد أصبحا متماثلين فى جوهرهما من حيث اختصار اجراءات ومراحل المحاكمة التأديبية وصارا كلاهما مقصورا على مرحلة موضوعية وحيدة لا تقبل التعقيب الا بطريق التمييز فى النظام السورى وما يماثله وهو الطعن أمام المحكمة الادارية العليا فى النظام المصرى، وبذلك تلاقى النظامان وسارا فى خط واحد للحكمة التشريعية عينها، بحيث لا يتصور أن يكون الشارع قد قصد فى القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة، العودة بنظام التأديب فى الاقليم السورى الى تعدد مراحل التأديب وحول اجراءاته، وهى عيوب كانت تعتور ما قبيل القانون المشار اليه نظام التأديب فى الاقليم المصرى، مما أدى الى علاجها بالقانون رقم 117 لسنة 1958، والقول بغير ذلك فيه تحريف لقصد الشارع ومسخ لفهم القانون على وجه ينتكس بالنظام الى مساوئ وعيوب أفصح الشارع عنها من قبل غير مرة، ويؤدى فى الاقليم السورى الى الاخلال، فلا وجه والحالة هذه للإخلال بما استقرت عليه الاوضاع وذلك تحت ستار تأويل نصوص قانون مجلس الدولة الموحد تأويلا لا تحتمله هذه النصوص بمقولة أن قرارات المجالس التأديبية فى الاقليم الشمالى، وتلك مجرد حجة لفظية داحضة فجميعها قرارات ادارية فى حقيقتها وليست أحكاما قضائية كما سلف ايضاحه، بل ان الشارع فى القانون رقم 117 لسنة 1958، وان كان قد غلب العنصر القضائى فى تشكيل هيئة التأديب التى عبر عنها بالمحاكم التأديبية، الا انه لم يعتبر قراراتها احكاما قضائية وان كان شبهها بالاحكام، فقال فى هذا الصدد فى المذكرة الايضاحية ما نصه وقد حرص المشروع على تغليب العنصر القضائى فى تشكيل المحاكم التأديبية وذلك بقصد تحقيق هدفين: (1) توفير ضمانة واسعة لهذه المحاكمات لما يتمتع به القضاة من حصانات يظهر أثرها ولا ريب فى هذه المحاكمات، ولأن هذه المحاكمات أدخل فى الوظيفة القضائية منها فى الوظيفة الادارية (2) صرف كبار موظفى الدولة الى أعمالهم الاساسية، وهى تصريف الشئون العامة، وذلك باعفائهم من تولى هذه المحاكمات التى تعد بعيدة عن دائرة نشاطهم الذى ينصب أساسا على ادارة المرافق العامة الموكولة اليهم، أما هذه المحاكمات فمسألة عارضة تعطل وقتهم". وغنى عن القول أن اعتبار المحاكمات التأديبية أدخل فى الوظيفة القضائية منها فى الوظيفة الادارية على حد تعبير المذكرة الايضاحية، ليس معناه أنها فى ذاتها خصومات قضائية تنتهى بأحكام بالمعنى المقصود من هذا، وإنما هى فقط شبيهة بها وأن كانت ليست منها.
عن الموضوع:
ومن حيث أنه يجب التنبيه بادئ ذى بدء الى أن القرار التأديبى - شأنه فى ذلك شأن أى قرار ادارى آخر - يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الادارة لإحداث أثر قانونى فى حق الموظف هو توقيع الجزاء للغاية التى استهدفها القانون وهى الحرص على حسن سير العمل، ولا يكون ثمت سبب للقرار الا اذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ هذا التدخل وللقضاء الادارى فى حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانونى، وهذه الرقابة القانونية لا تعنى أن يحل القضاء الادارى نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية من دلائل وبيانات وقرائن أحوال اثباتا أو نفيا فى خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التى تكون ركن السبب، أو أن يتدخل فى تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل ان الادارة حرة فى تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الاحوال تأخذها دليلا اذا اقتنعت بها، وتطرحها اذا تطرق الشك الى وجدانها، وانما الرقابة للقضاء الادارى تجد حدها الطبيعى - كرقابة قانونية - فى التحقق مما اذا كانت النتيجة التى انتهى اليها القرار التأديبى فى هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة او اثبتتها السلطات المذكورة، وليس لها وجود، وما اذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصا سائغا من اصول تنتهجها ماديا أو قانونيا، فاذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتهجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها ماديا لا ينتج النتيجة التى يتطلبها القانون، كان القرار فاقدا لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفا للقانون. أما اذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا أو قانونا، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقا القانون وسبب القرار التأديبى بوجه عام هو اخلال الموظف بواجبات وظيفته، أو اتيانه عملا من الاعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التى تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء فى حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب فى اعمال وظيفته - تلك التى يجب أن يقوم بها بنفسه اذا كان منوطا به، وأن يؤديها بذمة وأمانة - أن هذا الموظف إنما يرتكب ذنبا إداريا هو سبب القرار يسوغ تأديبه فتتجه ارادة الادارة الى انشاء أثر قانونى فى حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والاوضاع المقررة قانونا، وفى حدود النصاب المقرر.
ومن حيث أن المخالفة المسلكية المنسوبة للمدعى هو أنه وهو يعمل كاتب ضبط فى منطقة دمشق الاستثنائية يزاول أعمالا تجارية بالمخالفة لأحكام المادة 23 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 بمقولة أنه يمتلك سيارة صهريج معدة لنقل المواد المشتعلة وأنه عضو فى مكتب انطلاق سيارات الصهريج فى مدينة حمص بوصفه من ملاك السيارات وقد أحيل من أجل ذلك الى مجلس التأديب لمحاكمته، فقضى المجلس فى 12 من كانون الثانى (يناير) 1960 بعدم مسئوليته من الوجهة المسلكية، استنادا الى أن ما أتاه المدعى لا يدخل فى عداد الاعمال التجارية المعنية بالفقرة التاسعة من المادة 23 من قانون الموظفين، وانما هو توظيف للمال فى غير الاعمال التجارية، وهو أمر غير محظور لخلو النص من هذا الحظر مما لا يجعله مسئولا من الوجهة المسلكية عن هذه الناحية، كما أن تسميته عضوا فى مكتب انطلاق سيارات الصهريج فى مدينة حمص كان رمزيا ولم يباشر أى عمل فى المكتب المذكور، ولم ينقطع عن وظيفته الاساسية فى دمشق مما لا يؤلف العمل التبعى المقصود بالفقرة التاسعة من المادة 23 من قانون الموظفين الأساسى، وبالتالى لا يجعله مسئولا من الوجهة المسلكية، لانه ليس من شأنه أن يضر بواجبات وظيفته، أو غير متفق مع مقتضيات وظيفته.
ومن حيث أن المدعى يدفع التهمة بأنه لم يجمع بين وظيفته وبين أى عمل تبعى آخر سواء بالذات أو بالواسطة من شأنه أن يضر بأداء واجبات وظيفته أو غير متفق مع ما يقتضيه المنصب، وانه وان كان مسجلا باسمه ثلث السيارة، الا أن السبب فى ذلك هو أنه أقرض أخاه مبلغا من المال يستعين به على مواجهة أعباء الحياة وبوجه خاص لما يتعرض له أمثاله من السائقين من ظروف قاسية بسبب استغلال متعهدى السيارات اياهم، وتأمينا لدينه الذى اقرضه لاخيه، سجل باسمه ثلث ملكية السيارة، وان عضويته لمكتب انطلاق السيارات لا تخل بكرامة الوظيفة أو بأداء واجباته، كما يدل على ذلك كتاب المحامى والذى جاء به ما يلى: أما من جهة جمعه بين العمل والوظيفة فأرى أن هذا العمل لا يشغل له وقتا، يعوقه فيه من أداء واجبات وظيفته، وان وجوده فى حمص بتاريخ 19/ 10/ 1959 كان بناء على استئذانه المرفق بالتغيب لأسباب عائلية. وأن الذى دفعه الى الانتساب الى المكتب غيرته على فئة السائقين، ولمعاونتهم وللدفاع عن حقوقهم قبل المتعهدين المستغلين، وأن هذا ليس عملا تجاريا كما أنه لا يخل بواجبات وظيفته أو مقتضياتها بل على العكس من ذلك هو عمل شريف فى غايته.
ومن حيث ان القرار المطعون فيه قد أصاب الحق فى النتيجة التى انتهى اليها ببراءة المدعى من المخالفة المسلكية المنسوبة إليه للأسباب التى استند إليها وقوامها أن توظيف المال ليس بذاته عملا تجاريا أو متنافيا مع وجبات الوظيفة وكرامتها، لأن تملك الموظف لسيارة أو حصة فيها ليس فى ذاته عملا تجاريا ان لم يقترن بنشاط خاص يضفى على هذا العمل الصفة التجارية طبقا لمفهومات القانون التجارى، وتضيف المحكمة إليها أنه لم يثبت من الاوراق أن المدعى ساهم بنشاط فى شركة تجارية أو أتى عملا آخر قد يعتبر عملا تجاريا طبقا لقانون التجارية كما أن عضويته لمكتب الانطلاق ليس عملا تجاريا ولا يضر بواجبات وظيفته كما بان من كتاب المحامى العام سالف الذكر. ومن ثم يكون الطعن قد قام على غير أساس من القانون متعينا رفضه.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه (برده) موضوعا وألزمت الجهة الادارية بالمصروفات.