مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثانى (من اول فبراير سنة 1960 الى آخر مايو سنة 1960) - صـ 865

(85)
جلسة 26 من نيسان (ابريل) سنة 1960

برئاسة السيد/ السيد على السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة على بغدادى ومصطفى كامل اسماعيل ومحمود محمد ابراهيم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 29 لسنة 2 القضائية (ج)/ 24 لسنة 2 القضائية (ش):

طعن - دعوى - تقرير بالطعن - ايداعه - المادة 16 من القانون رقم 55 لسنة 1959 - لم ترسم طريقا لايداع التقرير بالطعن أمام المحكمة الادارية العليا - يكفى لكى يتم الطعن صحيحا أن يودع التقرير بالطعن فى الميعاد القانونى وبعد استيفاء البيانات المنصوص عليها فى هذه المادة.
أن المادة 16 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة تنص على أن "يقدم الطعن من ذوى الشأن بتقرير يودع قلم كتاب المحكمة الادارية العليا موقع عليه من محام من المقبولين أمامها، ويجب أن يشمل التقرير - علاوة على البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه، وبيان الاسباب التى بنى عليها الطعن، وطلبات الطاعن. فاذا لم يحصل الطعن على هذا الوجه جاز الحكم ببطلانه"، ويبين من ذلك أن المادة المذكورة لم ترسم طريقا معينا لايداع التقرير بالطعن يجب التزامه والا كان الطعن باطلا وانما يكفى لكى يتم الطعن صحيحا أن يتم ايداع التقرير فى قلم كتاب المحكمة فى الميعاد الذى حدده القانون، وبعد استيفاء البيانات التى نص عليها فى تلك المادة، سواء أكان ذلك بحضور الطاعن شخصيا أو وكيله.

اجراءات الطعن

فى 21 من كانون الثانى (يناير) سنة 1960 ارسل المدعى الى سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن عن طريق محاميه فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بدمشق فى 26 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1959 فى الدعوى رقم 16 سنة 2 ق المرفوعة منه ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، القاضى (بالأكثرية برد الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات". وطلب الطعن للأسباب التى استند اليها فى عريضة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلا، وابطال الحكم المطعون فيه، والغاء قرار التسريح مع تضمين الجهة المطعون ضدها كافة الرسوم والمصاريف"، وفى 11 من شباط (فبراير) سنة 1960 حضر المدعى أمام سكرتيرية المحكمة وقرر بالطعن فى الحكم المذكور، وقد اعلن الطعن للجهة الادارية فى 11 من شباط (فبراير) سنة 1960، وعين لنظره أمام هيئة فحص الطعون جلسة 23 من آذار (مارس) سنة 1960، فقررت احالته الى المحكمة الادارية العليا وعين لنظره أمام المحكمة المذكورة جلسة 19 من نيسان (ابريل) سنة 1960، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
عن الدفع بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد:
من حيث أن مبنى هذا الدفع الذى أثارته الجهة الإدارية فى مذكرتها المقدمة أخيرا، يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه قد صدر فى 26 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1959، وأنه فى 21 من كانون الثانى (يناير) سنة 1960، أرسل المدعى الى سكرتيرية المحكمة الادارية العليا عن طريق محاميه عريضة طعن فى الحكم المذكور، ثم حضر أمام سكرتيرية المحكمة بعد ذلك فى 11 من شباط (فبراير) سنة 1960، وقرر بالطعن فى ذلك الحكم أيضا، ولما كانت المادة 16 من القانون رقم 55 لسنة 1959، بشأن تنظيم مجلس الدولة تنص على أن "يقدم الطعن من ذوى الشأن بتقرير يودع قلم كتاب المحكمة الادارية العليا، موقع عليه من محام من المقبولين أمامها...." ومن ثم يكون الطعن الأول مقدم من المدعى عن طريق محاميه فى 21 من كانون الثانى (يناير) سنة 1960 قد جاء باطلا لمخالفته للطريق الذى رسمه المشرع فى المادة السابقة، وتكون العبرة - عند حساب مواعيد الطعن - بالطعن الذى أقامه طبقا لنص المادة 16 من 11 من شباط (فبراير) سنة 1960، ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر فى 26 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1959، فان تقديم الطعن فى 11 من شباط (فبراير) سنة 1960 يكون قد تم بعد الميعاد، وقد سبق أن تناولت هيئة مفوضى الدولة هذا الدفع بالبحث فى تقريرها المقدم فى الطعن، فقالت: أنه ولئن كان هناك رأى يذهب إلى أن العبرة فى حساب مواعيد الطعن فى الأحكام أمام المحكمة الادارية العليا طبقا لحكم المادة 16 من القانون رقم 55 لسنة 1959 هو بتاريخ التقرير بالطعن، إلا أن الهيئة لا ترى هذا الرأى اذ بارسال عريضة الطعن وورودها سكرتيرية المحكمة قد تحققت النتيجة المطلوبة التى يؤدى إليها التقرير بالطعن، ولما كانت عريضة الطعن التى أرسلها المدعى قد وردت فى الميعاد فمن ثم يكون الطعن مقبولا شكلا.
ومن حيث ان المادة 16 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة تنص على أن "يقدم الطعن من ذوى الشأن بتقرير يودع قلم كتاب المحكمة الادارية العليا موقع عليه من محام من المقبولين امامها، ويجب ان يشتمل التقرير - علاوة على البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المطعون فيه وتاريخه وبيان بالاسباب التى بنى عليها الطعن وطلبات الطاعن، فاذا لم يحصل الطعن على هذا الوجه جاز الحكم ببطلانه"، ويبين من ذلك أن المادة المذكورة لم ترسم طريقا معينا لايداع التقرير بالطعن يجب التزامه والا كان الطعن باطلا، وانما يكفى لكى يتم الطعن صحيحا أن يتم ايداع التقرير فى قلم كتاب المحكمة فى الميعاد الذى حدده القانون، وبعد استيفاء البيانات التى نص عليها فى تلك المادة سواء أكان ذلك بحضور الطاعن شخصيا أو وكيله.
ولما كان الطاعن قد أرسل عريضة الطعن الى قلم كتاب المحكمة عن طريق محاميه، وقد أودعت فعلا خلال الموعد الذى حدده القانون - وهو ستون يوما من تاريخ صدور الحكم - فمن ثم يكون الطعن مقبولا شكلا.
عن الموضوع:
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الاوراق، تتحصل فى أنه فى 12 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1958، أقام الطاعن الدعوى رقم 16 سنة 2 ق ضد السيد وزير الشئون البلدية والقروية أمام المحكمة العليا، طالبا الحكم بقبولها وبالغاء القرار رقم 1928 الصادر من السيد رئيس الجمهورية فى 31 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958 القاضى بتسريحه وقال فى بيان ذلك انه شغل عدة وظائف فى بلدية حلب منذ سنة 1926 وقام بالوظائف التى أسندت إليه بكل أمانة واخلاص، وفى سنة 1955 سرح من الخدمة بالمخالفة لأحكام القانون، فاضطر إلى الالتجاء إلى المحكمة العليا، فأبطلت قرار تسريحه بقرارها الصادر فى 14 من كانون أول (ديسمبر) سنة 1955 فأعيد الى عمله، وكان وقتذاك فى المرتبة الثالثة والدرجة الأولى، فأسندت اليه رياسة الدائرة الصحية الادارية، وفى عام 1957 ادخل اسمه فى جدول الترفيع الى المرتبة الثانية والدرجة الثالثة، ورغم أنه الموظف الوحيد الذى يستحق الترفيع الى الدرجة الثانية، ورغم وجود وظيفتين شاغرتين من المرتبة المذكورة فقد رفضت الجهة الادارية ترفيعه، مما اضطر الى مراجعة المحكمة العليا للمرة الثانية، فأصدرت قرارها فى 9 من كانون أول (ديسمبر) سنة 1957 فى الدعوى رقم أساس 349 سنة 1957 بقبول الدعوى وابطال القرار المطعون فيه لثبوت حقه فى الترفيع الى وظيفة مفتش من المرتبة الثانية الشاغرة فى بلدية حلب، ولم تقم الادارة بتنفيذ القرار المذكور بالرغم من تكرار مطالبة المدعى بتنفيذه، وأخيرا استصدرت الادارة قرارا فى 10 من آب (أغسطس) سنة 1958 من وزارة الشئون البلدية والقروية، أسندت بموجبه وظيفة المفتش فى بلدية حلب إلى السيد مصطفى النعسانى، فاضطر المدعى إلى الالتجاء إلى المحكمة العليا، طالبا أبطال القرار المذكور، فاستصدرت الجهة الإدارية المدعى عليها فى 3 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958 قرارا بتسريحه من الخدمة، فأقام المدعى هذه الدعوى. وقد ردت الجهة الادارية على الدعوى بما محصله أن قرار تسريح المدعى قد صدر غير مشوب بإساءة استعمال السلطة، ولم يقدم المدعى دليلا على ذلك. وبجلسة 26 من تشرين الثانى (نوفمبر) سنة 1959 حكمت محكمة القضاء الإدارى التى أحيلت إليها الدعوى نفاذا لحكم المادة الثانية من القانون رقم 55 لسنة 1959 "بالأكثرية برد الدعوى مع إلزام المدعى بالمصروفات" وأقامت المحكمة قضاءها على أن "القرار المطعون فيه قد صدر بالتطبيق لحكم المادة 85 من القانون رقم 135 لسنة 1945 المعدلة بالقانونين رقمى 65 و161 لسنة 1952 وذلك بمقتضى السلطات المخولة للسيد رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 1 لسنة 1958 من حيث تولى سيادته كل الصلاحيات التى كانت مقررة لرئيس الجمهورية السورية، ولمجلس الوزراء السورى، وأن المادة 85 من القانون رقم 135 لسنة 1945 معدلة تنص على أنه "يجوز لمجلس الوزراء لأسباب يعود إليه تقديرها أن يقرر صرف الموظف من أية مرتبة كانت من الخدمة باستثناء القضاة، ولا يشترط فى هذا القرار أن يكون معللا أو أن يتضمن الأسباب التى دعت للصرف من الخدمة، ويسرح الموظف من الخدمة بمرسوم غير تابع لأى طريق من طرق المراجعة، وترد الدعاوى المقامة أو التى ستقام ضد هذا النوع من المراسيم أيا كان سببها"، وأن المستفاد من هذا الحكم أن المشرع عزل كافة جهات القضاء عن النظر فى القرارات الصادرة بالتطبيق للمادة 85 سالفة الذكر، ووجه الخطاب إلى هذه الجهات برد جميع الدعاوى المقامة أو التى ستقام مستقبلا بطلب أبطال هذه القرارات لأى سبب من الأسباب، وأنه ولئن كان المنع الوارد فى المادة 85 قد نسخ صراحة بالحكم الذى تضمنته الفقرة الخامسة من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959، والذى رتب لمجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى اختصاص الفصل فى الطلبات المقدمة من الموظفين العموميين بالغاء قرارات الفصل من غير الطريق التأديبى، إلا أن هذا النسخ لا ينفذ إلا من تاريخ العمل بقانون مجلس الدولة فى 23 من آذار (مارس) سنة 1959، وبذلك يكون الحكم الوارد فى المادة 85 من القانون المشار اليه معدلة ملزما من حيث الزمان الى ذلك التاريخ، ويتعين على المحكمة انزاله على كل الدعاوى التى تستهدف إلغاء القرارات الصادرة بالتطبيق للمادة 85 طالما أن هذه القرارات قد صدرت وفات ميعاد الطعن فيها قبل العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1959"، وانه "لما كان القرار المطعون فيه قد صدر فى 3 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958، فمن ثم يتعين الحكم برد الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات".
ومن حيث ان الطعن يقوم على أن ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه فى تأويل المادة 85 المذكورة يخالف القانون ويخالف اجتهاد المحكمة العليا فى قرارها رقم 15 فى 24 من كانون الثانى (يناير) سنة 1957 صحيفة 138 من مجلة القانون العام 1957، وقد جاء فيه أنه "لا يشترط فى القرار الذى يصدر بصرف موظف من الخدمة على الوجه المذكور سرد العلل أو الأسباب التى دعت إلى اتخاذه كما هو نص المادة الآنفة الذكر، بل حسبه أن يقع بقصد المشرع من دون تعسف". أى أن وجود التعسف يخول المحكمة العليا حق فسخ قرار التسريح، والتعسف فى تسريح الطاعن ظاهر جلى من الأسباب والوقائع المعروضة، هذا الى أن الفقرة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 قد منحت القضاء الادارى حق الفصل فى الطلبات المماثلة لطلب الطاعن، ومن المعلوم أن قوانين أصول المحاكمات هى من القوانين التى تطبق فورا وتسرى على كافة الدعاوى القائمة لدى المحاكم من تاريخ صدورها، ولما كانت هذه الدعوى مقامة لدى المحكمة العليا ولم يفصل فيها بعد عند صدور القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار اليه مما يستوجب تطبيق حكم الفقرة الخامسة المشار اليها لكونها من أحكام أصول المحاكمات النافذة فورا، لذلك يكون ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه مخالفا للقانون، وقد قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا فى موضوع الطعن قالت فيه أن النزاع يدور حول ما اذا كان مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى يختص بالفصل فى طلبات إلغاء القرارات الصادرة بالتطبيق للمادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945، والتى صدر قرار تسريح الطاعن بالاستناد اليها، وقالت: ان وجوه الرأى قد تفرقت فى هذا الصدد إلى عدة آراء: يتحصل أولها فيما ذهبت اليه أكثرية المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه من أن المادة 85 المشار اليها، وان كانت تمنع الطعن فى قرارات فصل الموظفين، الا ان حكمها قد نسخ بصدور القانون رقم 55 لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة، اذ تقضى الفقرة الخامسة من المادة الثامنة منه باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى دون غيره بالفصل فى إلغاء القرارات الإدارية الصادرة بفصل الموظفين العموميين من غير الطريق التأديبى، إلا أن انزال هذا الحكم لا يكون الا حيث تكون هذه القرارات صادرة فى ظل هذا القانون، أما القرارات الصادرة قبل العمل به فإنها تكون خاضعة للحكم المنصوص عليه فى المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى الذى يضفى الحصانة على هذه القرارات، ويمنع القضاء من سماع الدعاوى بالطعن فيها. أما الرأى الثانى فيذهب إلى أن القضاء الإدارى يختص بإلغاء هذه القرارات سواء منها ما كان صادرا قبل نفاذ قانون مجلس الدولة، أو بعد نفاذه، طالما أن الطعن بالإلغاء فيها قد أقيم فى الميعاد القانونى الذى نص عليه القانون رقم 57 لسنة 1950 الخاص بتحديد صلاحيات المحكمة العليا. وأما الرأى الثالث فيذهب الى أن الحكم الوارد فى المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى غير دستورى لانه سلب جزءا من اختصاص المحكمة العليا فى قضاء الالغاء، وهو اختصاص تقرر لها فى الدستور ذاته، وعلى ذلك يمتنع القضاء عن تطبيقه، وترى هيئة المفوضين أنه وقد ألغى الدستور السورى، فإنه يتعين نظر الموضوع فى ضوء نصوص الدستور الجديد خصوصا وأن القرار المطعون فيه قد صدر فى ظله، وبالرجوع إلى الدستور المؤقت يبين أن ينص فى المادة 61 منه على أن "يرتب القانون جهات القضاء ويعين اختصاصها"، وتنص المادة 68 على أن "كل ما قررته التشريعات المعمول بها فى كل من إقليمى مصر وسورية عند العمل بهذا الدستور تبقى سارية المفعول فى النطاق الإقليمى المقرر لها عند اصداره ويجوز الغاء هذه التشريعات او تعديلها وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور". ويستفاد من ذلك أمران: (أولهما) أن ترتيب جهات القضاء وتعيين اختصاصها أصبح تنظيمه بقانون، ولم يشأ واضع الدستور نفسه أن ينفرد وحده بهذا التنظيم. ويترتب على ذلك أن المشرع يملك أن يوسع أو يضيق من اختصاص القضاء، (وثانيهما) أن الدستور فى المادة 68 أقر الوضع التشريعى القائم والنظم القانونية الموجودة، وأن التشريعات المعمول بها تظل سارية المفعول، ومعنى ذلك أن الدستور قد أوجب الاحترام اللازم لهذه التشريعات، وأنه فى ضوء الوضع الجديد يستمر نفاذ أثرها إلى أن يتقرر إلغاؤها، ويترتب على ذلك أن قانون الموظفين الأساسى رقم 135 لسنة 1945 وما تضمنه من أحكام يستمر نافذ المفعول فى الإقليم السورى إلى أن يعدل بالاداة التى تصدر من السلطة التى تملك وضع وتعديل القوانين. وانتهت الهيئة إلى طلب الحكم برفض الطعن.
ومن حيث أنه يتعين بادئ ذى بدء البحث فيما اذا كان القضاء الإدارى قد أصبح ممنوعا من سماع هذه الدعوى بالتطبيق للفقرة الثالثة من المادة 85 من قانون الموظفين الأساسى رقم 135 لسنة 1945 أم لا.
ومن حيث أن تلك المادة بعد تعديلها بالمرسوم التشريعى رقم 33 الصادر فى 30 من تموز(يوليه) سنة 1949 ثم المرسوم التشريعى رقم 65 الصادر فى 16 من كانون الثانى (يناير) سنة 1952، ثم بالمرسوم التشريعى رقم 161 الصادر فى 10 من آذار (مارس) سنة 1952، أصبح نصها يجرى كالآتى: "يجوز لمجلس الوزراء لأسباب يعود إليه تقديرها أن يقرر صرف الموظف من أية مرتبة كانت من الخدمة، ويستثنى من ذلك القضاة الذين لا يجوز لمجلس الوزراء صرف أحدهم من الخدمة الا اذا خالف أحكام المادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 47 المؤرخ فى 6/ 1/ 1951، والمادة الاولى من المرسوم التشريعى رقم 102 المؤرخ فى 2/ 2/ 1952 المعدلة للمادة 2 من المرسوم التشريعى رقم 47 المؤرخ فى 6/ 1/ 1952 - لا يشترط فى هذا القرار أن يكون معللا أو أن يتضمن الاسباب التى دعت للصرف من الخدمة. يسرح الموظف المقرر صرفه من الخدمة بمرسوم غير تابع لاى طريق من طرق المراجعة، تصفى حقوقه وفقا لقانون التقاعد. ترد الدعاوى المقامة أو التى ستقام ضد هذا النوع من المراسيم أيا كان سببها"، وظاهر من هذه المادة أنها تتضمن حكمين: (أولهما) حكم موضوعى هو أن مجلس الوزراء أصبح يملك سلطة صرف الموظف من أية مرتبة كانت من الخدمة - عدا القضاة الذين لصرفهم من الخدمة حكم خاص - وذلك - لأسباب يرجع اليه وحده تقديرها، مما مفاده أنه يترخص فى وزن ملاءمة اصدار الصرف وفقا لمقتضيات المصلحة العامة بسلطة تقديرية لا معقب عليه فيها ما دام لا يصدر هذا القرار بباعث من اساءة استعمال السلطة، ولا شبهة فى دستورية هذا النص، و(الثانى) حكم متعلق بتحديد الاختصاص القضائى، هو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة المذكورة من عدم جواز الطعن فى المرسوم الصادر بالصرف من الخدمة على هذا الوجه بأى طريق من طرق المراجعة، مما يستتبع منع جهات القضاء من نظر مثل هذا الطلب، بيد انه يبين من تقصى المراحل التشريعية فى هذا الشأن ان المادة 122 من دستور سنة 1950 كانت تنص على "1 - تنظر المحكمة العليا وتبت بصورة مبرمة فى الأمور الآتية: أ.. ب.. جـ.. د.. هـ - طلبات ابطال الأعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم إذ تقدم بالشكوى من يتضرر منها.." فاستمدت المحكمة المذكورة قيامها من هذا الدستور الذى حدد فى الوقت ذاته اختصاصها وأطلقه فى نظر طلبات ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو القانون أو المراسيم التنظيمية دون قيد ولا شرط ولم يفوض القانون كأداة أدنى فى تقييد هذا الاختصاص، مما لا مندوحة معه من أيظل هذا الاختصاص قائما على اطلاقه مما لم يعد له نص دستورى آخر. ولذا لما صدر فى 28 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1950 القانون رقم 57 لسنة 1950 بتحديد صلاحيات وملاك المحكمة العليا لم يتضمن بطبيعة الحال أى نص يحد من اختصاص هذه المحكمة العام المطلق بحكم الدستور بالفصل فى دعاوى أبطال الاعمال والقرارات والمراسيم الادارية، ولكن على أثر الانقلاب العسكرى الذى وقع فى سنة 1951 عطل دستور سنة 1950، ثم صدر المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1945 فى فترة تعطيل الدستور، ومنع سماع دعاوى إلغاء المراسيم الصادرة من مجلس الوزراء بصرف الموظفين من الخدمة، وأعقب ذلك صدور المرسوم التشريعى رقم 27 لسنة 1952 الصادر فى 20 من كانون الثانى (يناير) سنة 1952 بايقاف العمل ببعض الأحكام المتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا واحداث غرفة ادارية فى محكمة التمييز الذى قضى بوقف العمل ببعض أحكام القانون رقم 57 لسنة 1950، المتضمن تحديد صلاحيات وملاك المحكمة العليا واحال اختصاصها فى طلبات الالغاء الى الغرفة الادارية التى احدثها بمحكمة التمييز، ولكن بعد ذلك صدر دستور 11 من تموز (يولية) سنة 1953 ناصا فى البند 3 من المادة 117 منه على أن "3 - تنظر المحكمة العليا بصورة أصلية أيضا وتبت بصورة مبرمة فى طلب ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية اذا تقدم بالشكوى من يتضرر منها.." وبذلك اعاد هذا الدستور إلى المحكمة العليا ولايتها المطلقة السابقة فى نظر طلبات ابطال الاعمال والقرارات الادارية والمراسيم المخالفة للدستور أو للقانون أو للمراسيم التنظيمية، كما كانت فى دستور سنة 1960، ولما صدر قانون المحكمة العليا رقم 1 لسنة 1953 فى 15 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1953. تنفيذا للدستور المذكور، ردد اختصاص المحكمة العليا فى ابطال القرارات والمراسيم بصورة مطلقة بغير قيد ولا شرط، كما وردت فى الدستورين السابقين، وفى سنة 1954 عندما انتهت فترة اغتصاب السلطة واعيدت الحياة الدستورية الشرعية السابقة الى البلاد، اعتبر دستور سنة 1950 قائما وكأنه لم يعطل فى تلك الفترة، وهو الذى كان يطلق الولاية للمحكمة العليا فى ابطال القرارات الادارية والمراسيم بدون قيد ولا شرط، ثم تأكد ذلك بالقانون رقم 173 لسنة 1954 الصادر فى 18 من أيار (مايو) سنة 1954 بإلغاء بعض القوانين والمراسيم التشريعية الذى قضى بالغاء بعض القوانين والمراسيم التشريعية التى صدرت فى الفترة المشار اليها، ومن بينها المرسوم التشريعى رقم 72 لسنة 1952 المتضمن وقف العمل ببعض الاحكام المتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا واحداث غرفة ادارية فى محكمة التمييز، والقانون رقم 1 لسنة 1952 المتضمن تأليف المحكمة العليا.
ومن حيث أنه يخلص مما تقدم أن المادة 85 من قانون الموظفين الاساسى رقم 135 لسنة 1945 المعدلة بالمرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 فيما قضت به فى فقرتها الثالثة من أن "يسرح الموظف المقرر صرفه من الخدمة بمرسوم غير تابع لأى طريق من طرق المراجعة..." تعتبر من الناحية الدستورية غير نافذة بالنسبة للمحكمة العليا ما دامت تتعارض - فى تقييدها لاختصاص هذه المحكمة - مع المادة 122 من دستور سنة 1950 التى اطلقت الاختصاص لتلك المحكمة، ذلك الاختصاص الذى أكده الدستور الصادر فى سنة 1953 على الوجه المفصل آنفا، لما يتميز به الدستور من طبيعة خاصة تضفى عليه صفة القانون الاعلى وتسمه بالسيادة، فهو بهذه المثابة سيد القوانين جميعها بحسبانه كفيل الحريات وموئلها ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها، ويستتبع ذلك أنه اذا تعارض قانون عادى مع الدستور فى أية منازعة من المنازعات التى تطرح على المحاكم، فقامت بذلك لديها صعوبة مثارها أى القانونين هو الاجدر بالتطبيق، وجب عليها عند قيام هذا التعارض، أن تطرح القانون العادى وتهمله وتغلب عليه الدستور وتطبقه، بحسبانه القانون الأعلى الاجدر بالاتباع، واذا كان القانون العادى يهمل عندئذ فمرد ذلك إلى الحقيقة الى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين، تلك السيادة التى يجب أن يلتزمها كل من الشارع عند اصداره القوانين، ومن القاضى عند تطبيقه اياها على حد سواء، ومن ثم فإن ما أطلقه الدستور السورى فى اختصاص المحكمة العليا فى ابطال القرارات الادارية والمراسيم لا يقيده قانون ما دام لم يفوض من الدستور بنص خاص فى هذا التقييد أو التجديد. وبناء عليه يظل الاختصاص معقودا لتلك المحكمة بهذا الاطلاق على الرغم من التقييد الوارد فى المادة 85 سالفة الذكر، ولا حجة فيها نصت عليه المادة 163 من الدستور من أن التشريع القائم المخالف له يبقى نافذا مؤقتا الى أن يعدل بما يوافق احكامه، ولا فيما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 184 لسنة 1954 من أن القوانين والمراسيم التشريعية الصادرة من سلطة غير شرعية قبل آذار (مارس) سنة 1954، والتى لم تلغ بنص تشريعى تبقى سارية المفعول الى ان تعدل من قبل السلطة المختصة، ولعدم انصراف الاول الى المرسوم التشريعى رقم 65 لسنة 1952 الذى لم يكن قائما وقت صدور مرسوم سنة 1950 وعدم امتداد الثانية إلى القوانين الدستورية.
ومن حيث انه لا يغير من هذا الوضع صدور الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة فى 5 من آذار (مارس) سنة 1958، لأن صدوره لا يعنى أن تسقط جميع النظم والتشريعات السابقة عليه، بل يسقط منها فقط ما يتعارض مع أحكامه، وهذا هو عين ما رددته المادة 68 من هذا الدستور التى نصت على أن "كل ما قررته التشريعات المعمول بها فى كل من إقليمى مصر وسوريا عند العمل بهذا الدستور تبقى سارية المفعول فى النطاق الاقليمى المقرر لها عند اصدارها، ويجوز الغاء هذه التشريعات او تعديلها وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور"، وقد بان مما تقدم أنه عند صدور هذا الدستور كان الوضع القانونى القائم فى الاقليم السورى هو إطلاق الاختصاص للمحكمة العليا على الرغم من القيد الوارد فى المادة 85 من القانون رقم 135 لسنة 1945 وذلك على التفصيل السابق ايضاحه، ولم يصدر أى قانون فى ظل الدستور المؤقت يقيد هذا الاختصاص فى الاقليم المذكور، كما انه لما صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة حدد اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى على الوجه المبين به، ولم يتضمن أى نص خاص يردد فيه التقييد الوارد فى المادة 85 المشار اليها بالنسبة الى الاقليم الشمالى، ومن ثم تكون المحكمة العليا السابقة بدمشق ومن بعدها مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى غير ممنوعين من نظر طلبات الغاء القرارات الادارية آنفة الذكر.
ومن حيث ان المدعى ينعى على القرار المطعون فيه انه صدر بباعث من اساءة استعمال السلطة بمقولة أن السبب الحقيقى فى فصله هو أنه سبق أن سرح من الخدمة فى سنة 1955 فلجأ إلى المحكمة العليا، فقضت بالغاء قرار تسريحه، ثم ادخل اسمه فى سنة 1957 فى جدول الترفيع الى المرتبة الثانية والدرجة الثالثة، على أية الموظف الوحيد الذى يستحق الترفيع، ومع ذلك رفضت الجهة الإدارية ترفيعه، فلجأ للمرة الثانية إلى المحكمة العليا فقضت فى 9 من كانون أول (ديسمبر) سنة 1957 بابطال القرار المطعون فيه لثبوت حقه فى الترفيع، وفى 10 من آب (اغسطس) سنة 1958 أصدرت وزارة الشئون البلدية قرارا باسناد وظيفة مفتش فى بلدية حلب الى السيد مصطفى النعسانى، متخطية المدعى، فلجأ للمرة الثالثة الى المحكمة العليا، فاستصدرت الوزارة فى 3 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958 قرارا بتسريحه، فأقام هذه الدعوى ولما كان الظاهر من الاوراق أنه فى 3 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958 صدر قرار من سيادة رئيس الجمهورية بتسريح خمسة عشر موظفا من بينهم المدعى، فان المحكمة ترى قبل التصرف فى موضوع الطعن تحرى مبلغ هذا الدفاع من الصحة، وبيان السبب الحقيقى لفصل المدعى ازاء ما ادعاه مع ايداع اضبارة خدمته وجميع التقارير المقدمة فى حقه خلال مدة خدمته.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبالغاء الحكم المطعون فيه، وبجواز سماع الدعوى، وقبل الفصل فى موضوع الطعن باستيفاء ما هو مبين بأسباب هذا الحكم خلال شهرين، ورخصت فى الاطلاع، وتقديم مذكرات خلال الشهر التالى، وعينت لنظر الطعن جلسة 10 من سبتمبر (ايلول) سنة 1960