مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1982 إلى آخر سبتمبر سنة 1983) صـ 86

(18)
جلسة 20 من نوفمبر سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عزيز بشاى سيدهم ومحمد أحمد البدرى وحسن حسنين على وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعنان رقما 843 و 922 لسنة 26 القضائية

عقد ادارى - نظرية الظروف الطارئة - تعريفها.
نظرية الظروف الطارئة فى مجال العقود الادارية وروابط القانون العام أمر رهين بأن تطرأ خلال مدة تنفيذ العقد الادارى وان تكون خلال تلك المدة وليس بعدها حوادث وظروف طبيعية أو اقتصادية أو سياسية ولو كانت من عمل جهة ادارية غير الجهة الادارية المتعاقدة او من عمل شخص آخر لم تكن فى حسبان المتعاقد مع الادارة ولا يملك لها دفعا أو علاجا ولا كان فى وسعه توقعها والتحوط لها وأن تكون هذه الحوادث استثنائية وعامة مؤثرة فى الالتزامات المتعاقدة مع الادارة بحيث تهدد، بخسارة فادحة وتجعل تنفيذه لالتزامه مرهقا له - أساس ذلك - تطبيبق - ظروق حرب اكتوبر سنة 1973 لا تشكل بالنسبة للعقد محل المنازعة حوادث استثنائية عامة تهدد المتعاقد بخسائر فادحة وتوجب على الحكومة تعويضه عنها - لم يثبت من الأوراق أن الأسعار ارتفعت فيما بين ابرام العقد ونهاية مدة التنفيذ المتفق عليها - المعروف لدى الكافة أن الأسعار لم ترتفع من جراء حرب أكتوبر سنة 1973 الا بعد مضى أكثر من سنة كاملة على انتهائها - والا أسفر ذلك عن اثابة المتعاقد من تقصيره فى تنفيذ التزاماته العقدية وتراخيه فى ذلك الى ان تم سحب العملية منه وتنفيذ ما تبقى منها على حسابه.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 19/ 4/ 1980 أودع الوكيل عن محرم محمد طلبة (المدعى) قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد فى جدول المحكمة برقم 843 لسنة 26 ق عليا ضد محافظ المنيا ورئيس مجلس مدينة الفكرية ورئيس مجلس مدينة أبو قرقاص فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى دائرة العقود الادارية والتعويضات بجلسة 2/ 3/ 1980 فى الدعوى رقم 529 لسنة 32 ق المقامة من محافظ المنيا ورئيس مجلس مدينة الفكرية ورئيس مجلس مدينة أبو قرقاص ضد محرم محمد طلبة والذى قضى بالزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعين بصفاتهم مبلغ 4998.831 جنيه أربعة آلاف وتسعمائة وثمانية وتسعين جنيها وثمانمائة وواحد وثلاثين مليما والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى أول يناير سنة 1978 وحتى تمام السداد والزام المدعى عليه بالمصروفات. وطلب الطاعن للأسباب الواردة فى تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغائه والحكم بندب خبير لتحديد الالتزامات المتقابلة وبرفض ما قضى به الحكم المطعون فيه من الزام المدعى بأن يدفع 355.456 جنيه قيمة العجز فى المواد المسلمة اليه ومبلغ 972.395 جنيه قيمة غرامات تأخير، 575 جنيها قيمة مصروفات ادارية وخصم قيمة التأمين النهائى ومقداره 486.199 جنيه من التزامات المدعى.
وفى يوم الأربعاء الموافق 30/ 4/ 1980 أودعت ادارة قضايا الحكومة نائبة عن محافظ المنيا ورئيس مجلس مدينة الفكرية ورئيس مجلس مدينة أبو قرقاص قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد برقم 922 لسنة 26 ق ضد محرم محمد طلبة فى الحكم السابق بيانه فيما تقدم وطلبت الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والحكم بالزام المدعى بأن يؤدى للمدعين بصفاتهم مبلغ 8139.039 جنيه ثمانية آلاف ومائة وتسعة وثلاثين جنيها وتسعة وثلاثين مليما والفوائد القانونية بواقع 4% عن هذا المبلغ من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد والزام المدعى بالمصروفات والأتعاب وقد تم اعلان تقريرى الطعن قانونا. وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعنين بتقرير بالرأى القانونى مسببا ارتأت به الحكم بقبول الطعنين شكلا، وفى الموضوع بقبول الحكم المطعون فيه وباستبعاد تطبيق نظرية الظروف الطارئة عن الدعوى وباحالة الدوى الى خبير حسابى لتحديد المبالغ التى يلزم المدعى بدفعها تمهيدا للحكم بالزامه بها مع الزامه بالمصروفات. وتحدد لنظر الطعنين جلسة 1/ 2/ 1982 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة التى قررت بجلسة 15/ 3/ 1982 احالة الطعن المحكمة الادارية العليا الدائرة الأولى وحددت لنظره أمامها جلسة 24/ 4/ 1982 وقد تداولت المحكمة نظر الطعن فى الجلسات على النحو الثابت فى المحاضر وسمعت ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن وقررت ارجاء اصدار الحكم فى الطعنين لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودة الحكم عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث ان الطعنين استوفيا أوضاعهما القانونية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى ان ادارة قضايا الحكومة نائبة عن محافظ المنيا ورئيس مجلس مدينة الفكرية ورئيس مجلس مدينة أبو قرقاص أقامت الدعوى رقم 529 لسنة 32 ق أمام المحكمة القضاء الادارى فى 1/ 1/ 1978 وطلبت فيها الحكم بإلزام المدعى عليه محرم محمد طلبة بأن يدفع للمدعين بصفاتهم مبلغ 8139.039 جنيه ثمانية آلاف ومائة وتسعة وثلاثون جنيها وتسعة وثلاثين مليما والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت الحكومة فى شرح الدعوى انه رست على المدعى عليه عملية انشاء مبنى نقطة شرطة بنى عبيد بدائرة مركز أبو قرقاص محافظة المنيا نظير مبلغ 9723.982 جنيه وذلك بالممارسة المحلية التى أجراها مجلس مدينة الفكرية فى 6/ 8/ 1973 وتحدد لهذه العملية مدة ثلاثة أشهر ونصف شهرا تبدأ من 14/ 9/ 1973 وتنتهى فى 31/ 12/ 1973 وأخطر المدعى بأمر التشغيل فى 11/ 9/ 1973، وكانت الادارة تصرف للمدعى عليه المواد اللازمة لتنفيذ العملية. الا ان المدعى عليه لم يكن يقوم بالتنفيذ بالمهمة المطلوبة الأمر الذى استدعى انذاره عدة مرات بسحب العملية منه وتنفيذها على حسابه. وفى 18/ 9/ 1975 أصدرت الادارة قرارها بسحب العملية منه وتنفيذها على حسابه. ورست عملية التنفيذ على الحساب على المقاول سعيد زكى حنس بعلاوة مقدارها 195% للأعمال الاعتيادية، 260% عن الأعمال الصحية، 280% عن الأعمال الكهربائية وذلك فرق أسعار القائمة المبينة فى المقايسة ونتج عن تنفيذ العملية على حساب المدعى عليه ان أصبحت ذمته مشغولة بالمبالغ الآتية: 6192.014 جنيه فروق فى الأسعار، 972.398 جنيه غرامات تأخير، 619.201 جنيه مصاريف ادارية، 355.426 جنبه قيمة العجز فى المواد المسلمة اليه وجملة ذلك 8138.039 جنيه ولم تجد مطالبة المدعى عليه الودية بالوفاء بهذا المبلغ ولذلك أقامت الحكومة الدعوى لاستصدار حكم بالزامه بالوفاء لها بمقدار الدين المستحق لها فى ذمته.
وعقب المدعى عليه بالقول بأن نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها فى المادة 147/ 2 مدنى تنطبق عليه إذ نشبت حرب أكتوبر سنة 1973 التى جعلت تنفيذه لاقتراحه أمرا مرهقا بسبب ارتفاع الأسعار كما ان مدة العقد قصيرة جدا ولا تتناسب مع حجم الأعمال المكلف بتنفيذها ولم تقدم الادارة تسهيلات فى صرف مواد البناء فى حينه ولم تصرف مستحقات المدعى عليه إلا بواقع أقل من النصف مما أدى إلى حدوث تأخير فى تنفيذ الأعمال فى المدة المحددة والأصل الا تفيد الحكومة من تقصيرها ولا يحق لها طلب التعويض، وبالتالى لا تستحق للحكومة فروق أسعار فى ذمة المدعى عليه، ونظرا للظروف والملابسات التى أحاطت بتنفيذ العقد فانه لا تستحق للحكومة أية غرامات تأخير، أو أية مصروفات ادارية.
وبجلسة 2/ 3/ 1980 أصدرت محكمة القضاء الادارى دائرة العقود الادارية والتعويضات الحكم المطعون فيه بالزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعين بصفاتهم 4998.831 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد والمصروفات. وأقامت المحكمة هذا القضاء على أساس أن الثابت من الأوراق ان مدة تنفيذ العملية المسندة إلى المدعى عليه ثلاثة أشهر تبدأ من 11/ 9/ 1973. واذ لم يقم المدعى بالتنفيذ رغم انذاره أكثر من مرة فقد تقرر فى 18/ 9/ 1975 سحب العمل من المدعى، وتم طرح استكمال تنفيذ العملية فى مناقصات عامة ومحلية أعيدت تسع مرات الا انه لم يتقدم فيها أحد. وفى 1/ 11/ 1976 أعيد طرح العملية فى ممارسة فتقدم لها مقاول واحد هو سعيد زكى حنس لتنفيذها بالعلاوات الآتية المضافة الى قائمة الأسعار 195% للأعمال الاعتيادية، 260% للأعمال الصحية و 280% للأعمال الكهربائية - كل ذلك فوق قائمة الأسعار، وقضت المحكمة فى الحكم المطعون عليه بأن سحب العمل وتنفيذه على حساب المدعى عليه سليم قانونا ولا مطعن عليه. وأضاف الحكم المطعون عليه أن المدعى عليه تسلم من الادارة المواد اللازمة لتنفيذ العملية من مدة تكفى لانهاء العمل المطلوب منه. وطلبقا لأحكام المادتين 94، 105 من لائحة المناقصات والمزايدات يحق للادارة استرداد جميع ما تكبدته من مصروفات وخسائر زيادة عن قيمة العقد نتيجة سحب العمل علاوة على اقتضاء غرامة التأخير والمصروفات الادارية بواقع 5% وتعتبر حرب أكتوبر من الحوادث الاستثنائية العامة الخارجية وقد ترتب عليها ارتفاع الأسعار ارتفاعا كبيرا مما نتج عنه أن ختامى تنفيذ العملية وصل الى ما يفوق ضعف قيمة العقد. ذلك أن أسعار العقد الأصلية قامت على أساس 165% زيادة فى قائمة أسعار سنة 1973، بينما استكمال تنفيذ العملية على الحساب كان على أساس زيادة فى الأسعار فوق أسعار قائمة العقد بمقدار 190% للأعمال العادية، 260% للأعمال الصحية، 280% للأعمال الكهربائية وكانت هذه الأسعار باقرار الادارة قياسية لأسعار السوق فى تاريخ الممارسة فى 1/ 11/ 1976 وقد ترتب على ذلك زيادة أعباء المدعى عليه وتحميله خسائر فادحة الى حد الاخلال بتوازن العقد اخلالا جسيما مما يرتب للمدعى عليه حقا فى التعويض الجزئى عن الخسارة التى لحقته وقدرت المحكمة نسبة مساهمة جهة الادارة فى هذه الأعباء 50% من قيمة فروق الأسعار المطالب بها ومقدار ذلك 3096.007 جنيه والتنفيذ على الحساب لا ينهى العقد الذى يستمر منتجا لآثاره ويعتبر المدعى عليه قد واصل التنفيذ ويلزم بغرامة التأخير وهى تعويض اتفاقى جزافى عن الضرر الذى أصاب المرفق العام من جراء عدم تنفيذ الالتزام فى الميعاد، وهو ضرر مفترض كما يتحمل المصروفات الادارية التى تحملتها الادارة فى تنفيذ العملية على حسابه وتحسب بنسبة 5% من الثمن الجديد طبقا لحكم المادة 105 من لائحة المناقصات ولما كان الثمن الجديد 11500 جنيه فان قيمة المصروفات الادارية تصبح 575 جنيها يضاف الى ذلك قيمة العجز من المهمات المسلمة للمدعى عليه ومقدارها 355.426 جنيه فيكون اجمالى قيمة المبلغ الواجب الزام المدعى عليه به هو 4998.831 جنيه وتضاف اليه الفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية.
ويقوم طعن المدعى عليه على أساس ان الحكم المطعون فيه لم يقض بندب خبير لتحديد حقوق جهة الادارة قبله وتحديد مستحقاته قبلها، ولا توجد أوراق ومستندات تبرر الحكم على المدعى عليه بمبلغ 355.406 جنيه قيمة العجز فى المهمات المسلمة اليه. ويستحق المدعى عليه قبل الادارة قيمة التأمين النهائى بواقع 486.199 جنيه ولا يلزم المدعى عليه بقيمة غرامة التأخير ومقدارها 972.398 للظروف الاستثنائية العامة الطارئة التى صاحبت تنفيذ ذلك العقد أمام المصروفات الادارية فتحسب بواقع 5% من قيمة باقى العملية التى تم تنفيذها على حساب المدعى عليه. وأضاف المدعى عليه ان تنفيذ الحكم من شأنه ان يصيبه بضرر بالغ من الصعب تداركه ويسئ الى سمعته فى حقل العمل، الأمر الذى يوجب وقف تنفيذ الحكم الى أن يقضى فى الموضوع.
ويقوم طعن الحكومة على أساس انه لا محل لتطبيق نظرية الظروف الطارئة على الروابط العقدية موضوع الدعوى، لأنه ولئن قامت حرب أكتوبر سنة 1973 خلال فترة الأشهر الثلاثة المحددة لتنفيذ العقد الا ان الثابت ان المدعى عليه كان قد تسلم المواد اللازمة لتنفيذ العملية من فترة كافية لإنهاء العمل المطلوب منه قبل السحب، ولذلك تجب مساءلة المدعى عليه وحده عن مغبة تقصيرة ولا تشاركه الادارة فى ذلك والأسعار لم ترتفع نتيجة لظورف حرب سنة 1973 الا ابتداء من سنة 1974 فى حين ان ميعاد انجاز العملية ينتهى فى آخر ديسمبر سنة 1973، والقول باشتراك الادارة من المدعى عليه فى الخسارة مؤاده افادة المدعى عليه من تقصيره وتحميل الخزانة العامة بأعباء لا تسأل عنها طبقا لنظرية الظروف الطارئة ولا محل أصلا لتطبيق هذه النظرية على العقد الماثل لأن ظروف الحرب كانت متوقعة وكانت مصر تستعد للحرب وقد روعيت ظروف الحرب فى تحديد الأسعار عند ابرام العقد مع المدعى ولذلك يكون تحميل الادارة بقيمة نصف فروق الأسعار بموجب الحكم المطعون فيه أمرا مخالفا للقانون. أما المصروفات الادارية فتحسب بواقع 5% من ختامى قيمة الأعمال التى نفذت على حساب المقاول وذلك بواقع 619.201 جنيه وليس 575 جنيها.
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على ملف العملية انه فى 13/ 8/ 1973 أخطر رئيس مجلس مدينة الفكرية المدعى عليه بقبول أسعاره فى الممارسة التى أجراها مجلس المدينة المذكورة فى 6/ 8/ 1973 لانشاء مبنى نقطة شرطة بنى عبيد بنسبة علاوة مقدارها 16.5% من قيمة العملية التى بلغت باضافة الزيادة المذكورة اليها مبلغ 982، 9723 جنيه - إذ كانت الادارة قد قدرت العملية بحسب سعر السوق بدون العلاوة بواقع 8346.766 جنيه وابرم رئيس مجلس مدينة الفكرية العقد مع المدعى عليه فى 11/ 9/ 1973 وجعلت مدة تنفيذ العملية ثلاثة أشهر من تاريخ اخطار المدعى عليه بأمر التشغيل فى 11/ 9/ 1973 وتنتهى فى 31/ 12/ 1973. وقد تراخى المدعى عليه فى التنفيذ وفى يونية سنة 1976 بلغت القيمة الاجمالية لبنود العملية التى لم ينفذها المقاول 3491.690 جنيه - مفرداتها كالآتى 115.688 جنيه أعمال كهرباء و 1719.282 جنيه أعمال اعتيادية، 1656.720 جنيه قيمة الأعمال الصحية. وانذر المدعى عليه لهذه العملية مرارا كان آخر انذار فى 29/ 10/ 1974 وأعطى فرصة حتى 15/ 11/ 1974 وأخيرا تقرر سحب العملية منه فى 22/ 9/ 1975، وطرح ما لم يتم تنفيذه من العملية فى عشرة مناقصات وممارسات فلم يتقدم أحد للقيام بها، وفى الممارسة الحادية عشرة المنعقدة فى 1/ 11/ 1976 تقدم للتنفيذ مقاول واحد هو سعيد زكى حنس الذى تقدم بعطاء لتنفيذ الأعمال المطلوبة بعلاوة مقدارها 195% من الأعمال الاعتيادية فرق أسعار القائمة المبينة بالمقايسة، وبعلاوة مقدارها 260% للأعمال الصحية و 280% للأعمال الكهربائية. وقد قبلت الإدارة اسناد باقى بنود العملية للمدعى عليه بالعلاوات سالفة الذكر لأنها مناسبة مع الأسعار "الحالية" للسوق وأخطرت المقاول الجديد باسناد العملية له فى 26/ 1/ 1977 وأمرته بالتشغيل وبهذا العمل فى مدة أربعة أشهر تنتهى فى 25/ 5/ 1977. وإذ بلغت جملة المبالغ المنصرفة للمدعى عليه عما تم تنفيذه من بنود العملية 4439.008 جنيه فان الباقى المستحق له كان بواقع 5284.974 جنيه كما يستفاد من أوراق العملية، من هذا المبلغ توجد أعمال لم يقم المدعى عليه بتنفيذها قيمتها 3491.690 جنيه كما توجد خصومات بواقع 1793.284 جنيه أما المقاول الذى أتم العملية فقد بلغت جملة ما صرفه من الادارة 9423.538 جنيه وبلغت قيمة فروق الأسعار التى تحملتها الحكومة من جراء التنفيذ على حساب المدعى عليه 6192.014 جنيه وبلغت القيمة الكلية الشاملة لعمليات التكملة التى أنجزها المقاول الجديد 11475.638 جنيه.
ومن حيث ان تطبيق نظرية الظروف الطارئة فى مجال العقود الادارية وروابط القانون العام أمر رهين بأن تطرأ خلال مدة تنفيذ العقد الادارى حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو سياسية ولو كانت من عمل جهة ادارية غير الجهة الادارية المتعاقدة أو من عمل شخص آخر - لم تكن فى حسبان المتعاقد مع الادارة ولا يملك لها دفعا أو علاجا، ولا كان فى وسعه توقعها والتحوط لها، وان تكون هذه الحوادث استثنائية وعامة ومن شأنها ان تجعل تنفيذ التزام المتعاقد مع الادارة مرهقا يتهدد المتعاقد بخسائر فادحة - دون ان يكون هذا التنفيذ مستحيلا - بحيث تختل اقتصاديات العقد اختلالا جسيما، فان توافرت فى الظروف المحيطة بتنفيذ العقد الادارى شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة التزمت الجهة الادارية المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها فى نصيب من الخسائر التى نزلت به طوال فترة قيام الظروف الطارئة، وذلك حتى يتحقق تنفيذ العقد الادارى ويستمر سير المرافق العامة التى يخدمها العقد الادارى تحقيقا للصالح العام ويحكم القاضى الادارى فى هذه الحالة بالتعويض دون ما تعديل للالتزامات العقدية التى يرتبها العقد الادارى والثابت فى خصوص العقد محل هذه المنازعة ان المدعى عليه (محرم محمد طلبة) تعاقد فى 11/ 9/ 1973 على انشاء مبنى نقطة شرطة بنى عبيد بدائرة مركز أبو قرقاص محافظة المنيا على ان يتم التنفيذ فى ميعاد أقصاه يوم 31/ 12/ 1973، الا ان المدعى عليه تأخر فى تنفيذ العملية المقدر لها ثلاثة أشهر ونصف شهر حوالى سنة وتسعة أشهر ولم يكن قد أنجز من العملية حتى يوم سحب العملية منه فى 22/ 9/ 1975 الا حوالى 90% من مجموع الأعمال التى تتألف منها المقاولة ولئن كان تنفيذ الأعمال المتبقية على حسابه بمعرفة المقاول سعيد زكى حنس قد أسفر عن زيادة فى الأسعار بلغت 195% للأعمال العادية فرق قائمة الأسعار، 260% علاوة للأعمال الصحية فرق قائمة الأسعار و280 علاوة للأعمال الكهربائية فرق قائمة الأسعار- الا ان هذه الزيادات لا تنسب الى ظروف حرب أكتوبر سنة 1973 اذ يتعين فى المقام الأول ان تطرأ الحوادث الاستثنائية العامة خلال مدة تنفيذ العقد الادارى وأن تكون خلال تلك المدة - وليس بعدها - مؤثرة فى التزامات المتعاقد مع الادارة بحيث تهدده بخسارة فادحة وتجعل تنفيذه لالتزامه مرهقا له. ولما كانت مدة التعاقد مع المطعون ضده تنتهى بنهاية سنة 1973 فى 31/ 11/ 1973 ولم يثبت من الأوراق ان الأسعار ارتفعت فيما بين ابرام العقد مع المدعى عليه ونهاية مدة التنفيذ المتفق عليها فيه فى يوم 31/ 12/ 1973 على نحو يتهدد المدعى عليه بخسارة فادحة ويخل باقتصاديات العقد معه ويجعل تنفيذ التزاماته مرهقا له، وكان المعروف لدى الكافة ان الأسعار لم ترتفع من جراء حرب أكتوبر سنة 1973 الا بعد مضى أكثر من سنة كاملة على انتهائها - لذلك فانه يتعين الحكم بأن ظروف حرب أكتوبر سنة 1973 لا تشكل بالنسبة للعقد محل المنازعة حوادث استثنائية عامة تهدد المدعى عليه بخسائر فادحة وتوجب على الحكومة تعويضه عنها القول بالنظر الذى اعتنقته محكمة القضاء الادارى يسفر عن إثابة المدعى عليه عن تقصيره فى تنفيذ التزاماته العقدية وتراخيه فى ذلك الى ان تم سحب العملية منه وتنفيذ ما تبقى منها على حسابه، وهو أمر يخالف التطبيق السليم لأحكام القانون، وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون فيما قضى به من الزام الحكومة بالمساهمة فى تحمل فروق الأسعار بمقدار النصف، أى بمقدار 3096.007 جنيه، ويتعين الحكم بالغائه فى هذا الشق من قضائه والحكم بالزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعين بصفاتهم قيمة فروق الأسعار كاملة وهى 6192.014 جنيه.
ومن حيث ان التنفيذ على الحساب فى مجال العقود الادارية هو وسيلة الادارة فى تنفيذ الالتزام عينا اعمالا لامتيازات الادارة، وهو تنفيذ تقوم به الادارة بنفسها وعلى حساب المتعاقد معها وتحت مسئوليته بحيث يتحمل المتعاقد المقصر فى التنفيذ بفروق الأسعار تطبيقا لقاعدة تنفيذ الالتزام عينا ولا يعتبر التنفيذ على الحساب عقوبة عقدية توقعها الادارة على المتعاقد المقصر فى التنفيذ ولكنه اجراء تستهدف به الادارة ضمان حسن سير المرافق العامة لاطراد سيرها ومنعا من تعطيلها بما قد يعرض المصلحة العامة للضرر اذا توقفت هذه المرافق، وغرامات التأخير فى العقود الادارية ضمانة لتنفيذ هذه العقود فى المواعيد المتفق عليها حرصا على حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد، وتقوم الادارة بتوقيع هذه الغرامات دون ما حاجة الى صدور حكم بها وذلك متى توافرت شروط استحقاقها بحصول الإخلال العقدى فى جانب المتعاقد المقصر. وينص البند السابع من العقد المبرم مع المدعى عليه على ان تعتبر لائحة المناقصات والمزايدات مكملة لشروط العقد فيما لم يرد به نص صريح فيه ويحق للادارة تطبيق أحكامها على الطرف الثانى. وطبقا لحكم المادة 93 من لائحة المناقصات والمزايدات تحسب غرامة التأخير فى حالة عدم إتمام العمل وتسليمه كاملا فى المواعيد المتفق عليها فى العقد - تحسب بواقع 10% فى حالة زيادة التأخير على أربعة أسابيع من قيمة ختامى العملية اذا كان الجزء المتأخر بمنع من الانتفاع بما تم انجازه من العمل بطريق مباشر أو غير مباشر على الوجه الأكمل فى المواعيد المحددة. ولما كان الثابت ان المدعى عليه تأخير فى تنفيذ العملية بلا عذر مقبول أكثر من سنة وتسعة أشهر ولم ينفذ من العمليات الا بمقدار 60% من عمليات العقد ولم يثبت ان ما تم تنفذه بمعرفته من الأعمال كان يسمح للادارة بالانتفاع به بطريق مباشر أو غير مباشر لذلك تستحق الادارة غرامة تأخير بواقع 10% من قيمة العقد المبرم مع المدعى عليه كلها أى 972.398 جنيه، وقد أصاب الحكم المطعون فيه وجه الحق فيما قضى به من الزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعين بصفتها قيمة غرامة التأخير بواقع المبلغ سالف الذكر.
ومن حيث انه عن المصروفات الادارية فانها تحسب بواقع 5% من قيمة العمليات التى تم تنفيذها على حساب المقاول طبقا لحكم المادة 105 من لائحة المناقصات والمزايدات - وهذه المصروفات تعويض قانونى للإدارة يستحق مقابل إعادة الإدارة إجراءات المناقصة والممارسة من جديد وما يستلزمه ذلك من تشكيل اللجان وفحص العطاءات والبت فيها وما يستلزمه ذلك من وقت وجهد ونفقات ما كانت لتتحملها الادارة لولا تقصير المتعاقد معها فى تنفيذ التزاماته العقدية ولما كانت القيمة الكلية الشاملة للأعمال التى تم تنفيذها على حساب المدعى عليه هى 11475.638 جنيه فان المصروفات الادارية المستحقة للادارة تكون بواقع 573.782 جنيه وليس 575 جنيه كما قضى الحكم المطعون فيه، وليس 619.201 جنيه كما جاء فى صحيفة افتتاح الدعوى المرفوعة من الحكومة، ويتعين الغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به فى هذا الخصوص الحكم بالزام المدعى بأن يؤدى للمدعين بصفاتهم المصروفات الادارية المستحقة قانونا للادارة بواقع 573.782 جنيه وقد أصاب الحكم المطعون فيه فيما قضى به من الزام المدعى عليه بأن يؤدى للمدعين بصفتهم قيمة العجز فى المهمات المستحقة اليه بواقع 355.426 جنيه.
ومن حيث انه لما تقدم تستحق الادارة قبل المدعى عليه قيمة فروق الأسعار كاملة بواقع 6192.014 جنيه وقيمة غرامة التأخير بواقع 972.398 جنيه وقيمة المصروفات الادارية بواقع 573.782 جنيه وقيمة العجز فى المواد المسلمة اليه بواقع 355.426 جنيه - وجملة ذلك 8093.620 جنيه ثمانية آلاف وثلاثة وتسعون جنيها وستمائة وعشرون مليما فقط لا غير، مع الفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 1/ 1/ 1978.
ومن حيث انه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله فيما قضى به من الحكم بالزام المدعى عليه بمبلغ 4998.831 جنيه بما يوجب الحكم بالغائه، والحكم بقبول الطعنين شكلا، وفى موضوعهما بالغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بالزام المدعى عليه (محرم محمد طلبة) بأن يؤدى للمدعين بصفاتهم مبلغ 8093.620 جنيه (ثمانية آلاف وثلاثة وتسعين جنيها وستمائة وعشرين مليما) والفوائد القانونية بواقع4%من تاريخ المطالبة القانونية الحاصلة فى 1/ 1/ 1978 وحتى تمام تسديد الدين وبالمصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا وفى موضوعهما بالغاء الحكم المطعون فيه وبالزام المدعى عليه محرم محمد طلبه بأن يؤدى الى المدعين بصفاتهم مبلغ 8093.620 فقط ثمانية آلاف وثلاثة وتسعين جنيها وستمائة وعشرين مليما والفوائد القانونية بواقع 4 % من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 1/ 1/ 1978 حتى تمام السداد والمصروفات.