مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1982 إلى آخر سبتمبر سنة 1983) صـ222

(37)
جلسة 4 من ديسمبر سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم نائب رئيس مجلس الدولة وعصوية السادة الأساتذة محمود عبد العزيز الشربينى ونصحى بولس فارس ومحمد عزيز أحمد على وعادل عبد العزيز بسيونى - المستشارين.

الطعنان رقما 188 و 237 لسنة 24 القضائية

( أ ) موظف - مرتب انتهاء الخدمة - تعويض - تقادم.
التعويض عن الاضرار المترتبة على قرار فصل الموظف بدون وجه حق هو مقابل حرمان الموظف من مرتبه - هذا الحق فى التعويض يسقط بمضى مدة التقادم المسقط للمرتب ذاته - تطبيق.
(ب) تقادم - التقادم المسقط لحقوق الموظف فى المرتب أو التعويض عنه.
مناطه السكوت عن المطالبة بهذه الحقوق المدة المقررة فى القانون ما لم يطرأ على هذا التقادم ما يستلزم وقفه أو قطعه - الفرق بين الوقف والانقطاع - القانون رقم 31 لسنة 1963 باعتبار قرارات فصل الموظفين بغير الطريق التأديبى من أعمال السيادة - مؤداه منع التعقيب القضائى الغاء وتعويضا - الأثر المترتب على ذلك: وقف سريان التقادم لحين زوال هذه العقبة - بيان ذلك - تطبيق (1)


اجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق 23 من فبراير سنة 1978 أودع الأستاذ محمد نجيب كامل المستشار المساعد بادارة قضايا الحكومة نائبا عن السيد رئيس الجمهورية بصفته والسيد وزير الخارجية بصفته قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 188 لسنة 24 القضائية فى الحكم الصدر من محكمة القضاء الادارى - دائرة الجزاءات بجلستها المنعقدة فى 12 من يناير سنة 1978 فى الدعوى رقم 690 لسنة 29 القضائية المرفوعة من السيد/ محمود يسرى أحمد القرمانى ضد السيد رئيس الجمهورية والسيد وزير الخارجية الذى قضى بالزام الحكومة بأن تؤدى للمدعى تعويضا يساوى الفرق بين المرتب الأساسى والمعاش المستحق قانونا من تاريخ حساب المعاش له حتى بلوغه سن الستين والزام الحكومة بالمصروفات. وطلب الطاعنان للأسباب المبينة بتقرير الطعن تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، واحالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بالغاء الحكم المذكور وبرفض الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وفى يوم الأحد الموافق 12 من مارس سنة 1978 أودع الأستاذ محمد محفوظ عزام المحامى نائبا عن الاستاذ حامد عبد العال المحامى بصفته وكيلا عن السيد/ محمود يسرى أحمد القرمانى قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 237 لسنة 24 القضائية فى الحكم المذكور. وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبوله شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم للطاعن بأحقيته لتعويض قدره عشرة آلاف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته وذلك بالاضافة الى ما قضى به الحكم من الفرق بين المعاش والمرتب حتى بلوغه سن الستين. مع ما يترتب على ذلك من آثار. مرتبه ومدة خدمته ومعاشه بفرض استمرار خدمته حتى سن الستين وحتى الآن مع الزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وبعد أن تم اعلان تقرير الطعنين الى ذوى الشأن على النحو المبين فى الأوراق أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه بالنسبة للطعن رقم 188 لسنة 24 القضائية. الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بقبول الطعن شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى. وبالنسبة للطعن رقم 237 لسنة 24 القضائية الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وقد عين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون جلسة 10 من مارس سنة 1982. وفى 14 من ابريل سنة 1982 قررت الدائرة احالة الطعنين الى المحكمة الادارة العليا - الدائرة الرابعة - وحددت لنظرهما أمامها جلسة 24 من ابريل سنة 1982. وتداول نظر الطعنين بالجلسات على الوجه المبين بمحضر الجلسة الى جلسة 23 من أكتوبر سنة 1982، وفيها استمعت المحكمة الى ما رأت لزوما لسماعه من ايضاحات ذوى الشأن وقررت اصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تتحصل فى أنه فى 6 من ابريل سنة 1975 أقام السيد/ محمود يسرى أحمد القرمانى الدعوى رقم 960 لسنة 29 القاضائية ضد السيد رئيس الجمهورية بصفته والسيد وزير الخارجية بصفته وطلب الحكم بالزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض المادى والأدبى عن الاضرار التى اصابته بصدور القرار الجمهورى رقم 1565 لسنة 1958 مع الزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وذكر شرحا لدعواه أنه التحق بوزارة الخارجية فى 25 من يوليه سنة 1930 وتدرج فى وظائفها الى أن عين وزيرا مفوضا فى الأول من ديسمبر سنة 1955 ثم اختير سفيرا لمصر فى طهران فى 14 من ديسمبر سنه 1956، وقد حاز طوال مدة خدمته على تقدير رؤسائه وزملائه وكل الجهات المتصلة بعمله فى مختلف الادارات بالوزارة والبعثات الدبلوماسية والقنصلية، ونظرا لما قام به من تدعيم أواصر العلاقات والصداقة بين مصر والدول الأخرى فقد أنعم عليه بأوسمة من حكومات البرازيل وأسبانيا ولبنان. وأضاف المدعى أنه فوجئ بكتاب الوزارة رقم 14 سرى المؤرخ فى 22 من ديسمبر سنة 1958 الذى يبلغه بصدور القرار الجمهورى رقم 1565 لسنة 1958 باحالته الى المعاش مع ضم سنتين الى مدة خدمته. وقال المدعى أن هذا القرار فصله من الخدمة بالمخالفة لأحكام القانون رقم 166 لسنة 1954 بنظام السلكين الدبلوماسى والقنصلى الذى حدد فى المادة 25 منه القواعد الخاصة بتأديب الموظفين وفصلهم، وقد تقدم الى وزارة الخارجية فى 23 من ديسمبر سنة 1971 على أثر صدور حكم المحكمة العليا الصادر فى 6 من نوفمبر سنة 1971 بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963، بطلب لتعويضه عن الضرر الأدبى والمادى الذى أصابه بنقله الى المعاش قبل بلوغه سن الستين فى 27 من ديسمبر سنة 1963 مع تسوية معاشه على أساس ضم المدة التى كانت ناقصة له حتى بلوغه سن الستين - وفضل المدعى عناصر التعويض المطالب به وقال انه يتمثل فيما ضاع عليه من فروق بين ما كان يتقاضى من مرتب وبدلات وتدرجه بالعلاوات حتى سن الستين وبين المعاش الذى صرف له فعلا. وما فاته من تحسين معاشه لو ظل بالخدمة حتى بلوغ سن الستين، وما أصابه من آلام نفسية لازمته وستظل تلازمه لاحالته الى المعاش قبل الآوان - وختم المدعى دعواه بأنه صرف له عند احالته الى المعاش 811ر66 ج ثم معاشا استثنائيا قدره 100 جنيه شهريا وذلك بالقرار الجمهورى الصادر فى 18 من مايو سنة 1974، وأضاف أن المعاش الاستثنائى الممنوح له لا يعتبر تعويضا له عن الأضرار التى أصابته، وان أحكام القانون رقم 30 لسنة 1974 لا تنطبق عليه نظرا لاحالته الى المعاش قبل العمل بأحكامه.
وبجلسة 12 من يناير سنة 1978 حكمت المحكمة بالزام الحكومة بأن تؤدى للمدعى تعويضا يساوى الفرق بين المرتب الأساسى والمعاش المستحق قانونا من تاريخ حساب المعاش وحتى بلوغه سن الستين والزمت الحكومة بالمصروفات وأقامت المحكمة حكمها على أن القرار الجمهورى باحالة المدعى الى المعاش غير قائم على أساس سليم نظرا لأنه لم يثبت فى الأوراق وجود أية وقائع يمكن أن تؤدى الى استخلاص عقيدة الحكومة من عدم صلاحية المدعى فى عمله بالسلك السياسى. وأن المدعى يستحق الحكم له بالتعويض لثبوت جميع أركان مسئولية الادارة عن قراراتها الادارية غير المشروعة، وهى خطأ الادارة المتمثل فى اصدارها قرار احالة المدعى الى المعاش غير المشروع، والضرر الذى لحق المدعى نتيجة انهاء خدمته قبل بلوغه سن الاحالة الى المعاش وحرمانه من مرتبه ومن الترقى فى وظائف السلك الدبلوماسى ومن تدرج مرتبه بالعلاوات. ووجود رابطة السببية بين هذا الخطأ والضرر. ثم تناولت المحكمة طلب التعويض وذكرت أن دعوى التعويض عن حرمان الموظف من مرتبه بسبب فصله من الخدمة بدون وجه حق تسقط بمضى مدة التقادم المسقطة للراتب، وهى خمس سنوات طبقا لحكم المادة 50 من القسم الثانى من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، وأضافت أن قواعد القانون المدنى قد وضعت لتحكم روابط القانون الخاص وعلى ذلك فلا تطبق وجوبا على روابط القانون العام الا اذا وجد نص خاص يقضى بذلك، فان لم يوجد هذا النص فلا يلتزم القضاء الادارى بتطبيق القواعد المدنية حتما كما هى، ذلك أن للقضاء الادارى منهجه الخاص وطريقة المستقل فهو يأخذ من قواعد القانون المدنى ما يتلائم مع طبيعة روابط القانون العام، وله أن يطورها وفقا لاحتياجات سير المرفق العام، كما أن له أن يوفق بين حقوق الأفراد وامتيازات الادارة واستطردت المحكمة الى القول بأنه ولئن كان القانون رقم 31 لسنة 1963 باعتبار القرارات الجمهورية الصادرة بانهاء خدمة الموظفين العموميين بغير الطريق التأديبى من أعمال السيادة يعد مانعا يحول دون الموظف واقامة الدعوى بطلب الغاء القرار الجمهورى الذى يصدر بانهاء خدمته بغير الطريق التأديبى الا أن مقتضيات النظام الادارى قد انتهت الى تقرير قاعدة أكثر تيسيرا فى علاقة الحكومة بموظفيها بمراعاة طبيعة هذه العلاقة وما يفترض فى السلطة الادارية من انطباق الموظف بتطبيق القانون حتى ينصرف الموظف الى عمله هادئ البال والنفس، وهذه القاعدة هى اعتبار القانون رقم 31 لسنة 1963 من أسباب قطع التقادم بحيث تبدأ مدة تقادم جديدة تسرى من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع، وعلى ذلك تبدأ مدة تقادم جديدة مدتها خمس سنوات من تاريخ نشر حكم المحكمة العليا بعدم دستورية القانون المذكور فيما تضمنه من اعتبار قرارات فصل الموظفين من أعمال السيادة، وخلصت المحكمة الى أنه لما كان الثابت أنه لم تنقضى خمس سنوات كاملة فيما بين صدور القرار الجمهورى رقم 1565 لسنة 1958 بفصل المدعى من الخدمة بغير الطريق التأديبى فى 17 من ديسمبر سنة 1958 وبين العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963 فى 11 من مارس سنة 1963، كما لم تنقض خمس سنوات فيما بين نشر حكم المحكمة العليا المذكور فى الجريدة الرسمية فى 22 من نوفمبر سنة 1971 ورفع المدعى دعواه فى 6 من ابريل سنة 1975، لذلك لا يكون حق المدعى فى التعويض عن الأضرار التى لحقته من قرار انهاء خدمته بغير الطريق التأديبى قد سقط بالتقادم الخمسى المسقط للمرتبات، وانتهت الى أحقيته فى تعويض يساوى الفرق بين مرتبه الأصلى وبين معاشه المستحق قانونا من تاريخ حساب المعاش له وحتى بلوغه سن الستين، وذلك لجبر جميع الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من جراء قرار انهاء خدمته المذكور.
ومن حيث أن مبنى الطعن رقم 188 لسنة 24 القضائية المرفوع من السيدين رئيس الجمهورية ووزير الخارجية أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون عندما قضى باعتبار القانون رقم 31 لسنة 1963 من أسباب انقطاع مدة تقادم دعوى التعويض، وليس من أسباب ايقاف سريان التقادم، بحيث تبدأ مدة تقادم جديدة تسرى من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع، وتكون مدة هذا التقادم هى مدة التقادم الأول. وذلك لأن هذا القضاء يخالف حكم المادتين 383, 384 من القانون المدنى، كما يخالف ما استقر عليه فقه القضاء الادارى من أن ما كانت تنص عليه بعض القوانين وقانون مجلس الدولة من عدم جواز الطعن فى بعض القرارات هو من الأسباب الموقفة للميعاد لا القاطعة له. فاذا كان القانون المانع للطعن قد صدر بعد سريان الميعاد - وهو من الأسباب الاضطرارية العامة المانعة من وصول الدائن لحقه فان الميعاد يعود للالتئام بما بقى من تاريخ زوال المانع ولما كان المدعى قد علم بقرار انهاء خدمته بغير الطريق التأديبى فى 22 من ديسمبر سنة 1958 فان سريان مدة التقادم يبدأ من هذا التاريخ حتى تاريخ صدور القانون رقم 31 لسنة 1963 فى 11 من مارس سنة 1963 ثم يقف سريان هذه المدة حتى تاريخ نشر حكم المحكمة العليا بعدم دستورية هذا القانون فى 22 من نوفمبر سنة 1972، ثم تستكمل مدة التقادم من هذا التاريخ، وبحساب هذه المدة حتى تاريخ رفعه دعواه فى 6 من ابريل سنة 1975 يكون قد مضى أكثر من الخمس سنوات المقررة فى المادة 50 من القسم الثانى من اللائحة المالية للميزانية والحسابات. ومن ثم يبقى الحكم برفض دعواه.
ومن حيث أن مبنى الطعن رقم 237 لسنة 24 القضائية المرفوع من السيد/ محمود يسرى أحمد القرمانى أن الحكم المطعون فيه صدر مشوبا بالتناقض بين أسبابه ومنطوقه الأمر الذى يعيبه ويستوجب تعديله بما يتمشى مع أسبابه وذلك لأن الحكم بعد ما أثبت أن القرار الجمهورى الصادر بفصل المدعى من الخدمة بغير الطريق التأديبى غير قائم على سبب قانونى صحيح، وأن المدعى أصيب من جراء ذلك بحرمانه من البقاء فى الخدمة حتى بلوغه سن الاحالة الى المعاش، وحرمانه من مرتبه ومن الترقية فى وظائف السلك السياسى ومن التدرج بمرتبه كما أصيب بجرح أدبى لما أصابه من انهاء خدمته. وبعد ما خلص الحكم الى توافر أركان مسئولية الادارة عن قرارها غر المشروع، صدر منطقه على خلاف ما هو ثابت فى أسبابه إذ قضى للمدعى بتعويض يساوى الفرق بين مرتبه الأساسى والمعاش المستحق له قانونا من تاريخ حساب المعاش له وحتى بلوغه الستين - وعلى ذلك يكون الحكم قد شابه التناقض لإهداره العناصر المادية والأدبية التى أثبتها لحكم فى حيثياته والتى لم يدرجها فى قضائه. وهذه العناصر هى ما ضاع على المدعى من مرتب وعلاوات وبدلات حتى بلوغه سن الستين وما فاته من تحسين معاشه لو ظل بالخدمة حتى بلوغه هذه السن، وما أصابه من آلام نفسية لازمته وستظل تلازمه طول حياته نتيجة احالته الى المعاش قبل الأوان.
ومن حيث أن الثبت فى الأوراق أن المدعى محمود يسرى أحمد القرمانى من مواليد 27 من ديسمبر سنة 1903، وعين بوزارة الخارجية المصرية وتدرج فى وظائفها الى أن عين وزير مفوضا بها، وفى 17 من ديسمبر سنة 1958 صدر القرار الجمهورى رقم 1565 لسنة 1958 باحالته الى المعاش مع ضم المدة الباقية له بحيث لا تجاوز سنتين الى مدة خدمته فى المعاش. وقد استحق معاشا شهريا قدره 68.423. ثم صدر القرار الجمهورى رقم 729 لسنة 1974 فى 18 من مايو سنة 1974 بمنحه معاشا استثنائيا قدره مائة جنيه شهريا.
ومن حيث انه عن الدفع بسقوط حق المدعى فى رقع دعوى التعويض عن قرار انهاء خدمته بغير الطريق التأديبى رقم 1565 فان قضاء هذه المحكمة قد جرى بأنه وان كانت قواعد القانون المدنى قد وضعت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص ولا تسرى وجوبا على روابط القانون العام - الا أن القضاء الادارى له أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع هذه الضوابط وله أن يطورها بما يحقق هذا التلاؤم، ولذلك لا يطرح كلية تطبيق النصوص المدنية الخاصة بالتقادم، وانما يطبقها فى مجال روابط القانون العام بالقدر الذى يتفق مع طبيعة هذه الروابط الا اذا وجد نص فى مسألة معينة فيجب عندئذ التزام هذا النص، وتتركز مدة التقادم المسقط على اعتبارات تتصل بالمصلحة العامة اذ الحرص على استقرار المعاملات وتوفير الطمأنينة فى المراكز القانونية يتطلب دائما العمل على سرعة البت فيما يثور من منازعات. وطالما أن التطور القانونى قد وصل الى حد الاقرار للأفراد بحق منازعة السلطات العامة فيما تجريه من تصرفات، فان ذلك يستتبع بالضرورة وجوب تنظيم وسائل هذه المنازعة بما لا يكون من شأنه تعليقها أمدا لا نهاية له، واذا كان التقادم المسقط للمطالبة بالحقوق فى روابط القانون الخاص حكمته التشريعية المتصلة بالمعاملات فان حكمة هذا التقادم فى مجال روابط القانون العام تجد تبريرها على نحو ادعى وأوجب فى استقرار الأوضاع الادارية والمراكز القانونية لعمال المرافق العامة استقرارا تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام، ولما كان قانون مجلس الدولة لم يحدد مددا لرفع الدعاوى فى المنازعات الادارية التى يختص بنظرها بهيئة قضاء ادارى الا ما يتعلق منها بطلبات الالغاء. إذ نص على أن ميعاد رفعها هو ستون يوما على التفصيل الوارد به، ومن ثم فان غيرها من الطلبات يجوز رفعها متى كان الحق المطالب به لم يسقط بالتقادم طبقا لقواعد القانون المدنى ما دام لا يوجد نص خاص فى قانون مجلس الدولة يخالف هذه القواعد، وأن أحكام القانونى المدنى فى المواد (374 - 388) قد تكفلت ببيان أنواع مختلفة للتقادم الطويل أو القصير غير أن هذا التعدد لأنواع التقادم لا يمكن أن يهدر الأصل العام الذى يجعل من التقادم الطويل القاعدة الأساسية فى سقوط حق المطالبة.
ومن حيث ان مسئولية الادارة عن قراراتها الادارية المخالفة للقانون لا تنسب الى العمل غير المشروع كمصدر من مصادر الالتزام، وانما الى القانون مباشرة باعتبار أن هذه القرارات تصرفان قانونية وليست أعمالا مادية، فلا تسقط مساءلة الادارة عنها بثلاث سنوات وهى المدة المقررة للتقادم فى دعوى العمل غير المشروع، وانما تسقط كأصل عام بالتقادم الطويل المقرر فى المادة 374 من القانون المدنى، وهو خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التى ورد عنها نص خاص فى القانون.
ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن التعويض المترتب على الاخلال بالالتزام هو من طبيعة الحق الناشئ عن هذا الالتزام لانه هو المقابل له فيسرى بالنسبة للتعويض مدة التقادم التى تسرى بالنسبة للحق الأصلى. وترتيبا على ذلك فان التعويض عن الأضرار المترتبة على قرار فصل الموظف دون وجه حق، وهو مقابل حرمان الموظف من مرتبه، يسقط الحق فيه بمضى مدة التقادم المسقط للمرتب ذاته. وقد نصت المادة 50 من القسم الثانى من اللائحة المالية للميزانية والحسابات على أن (الماهيات التى لم يطالب بها فى مدة خمس سنوات تصبح حقا مكتسبا للحكومة) وهذه المادة، بما قررته من حق الحكومة فى المرتبات التى لم يطالب بها أصحابها خلال المدة المذكورة، قد تضمنت قاعدة قانونية واجبة التطبيق فى علاقة الحكومة بموظفيها تقوم على اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة استقرارا للأوضاع الادارية، وهو ما يقتضى الحكم بسقوط حق الموظف فى المرتب أو التعويض عنه بمضى المدة ما لم يكن ثمة اجراء قاطع أو سبب موقف لسريان هذه المدة فى حقه طبقا للقواعد العامة.
ومن حيث أن التقادم المسقط لحقوق الموظف التى تتمثل فى حقه فى مرتبه أو فى التعويض عن الحرمان منه فى حالة الفصل من الخدمة وما اليه، مناطه الأستهداء بأحكام المواد 382، 383، 384، 385 من القانون المدنى التى لا تتعارض مع أحكام القانون الادارى ومبادئه - السكوت عن المطالبة بهذه الحقوق المدة المقررة قانونا لم يطرأ على هذا التقادم أثناء سريانه ما يستلزم وقفه أو قطعة فى ضوء ما يكون قد اتخذه الموظف من اجراءات فى سبيل المطالبة بحقه. ووقف التقادم يقوم أساسا كلما وجد مانعا يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه مضطرا الى الوقوف من المطالبة بحقه هذا موقفا سلبيا الى أن ينجلى هذا المانع فيستأنف التقادم سريانه، وعندئذ يعتد فى حساب مدة التقادم بالمدة السابقة على الموقف واللاحقة له. أما انقطاع التقادم فهو على العكس من ذلك يستلزم صدور أمر إيجابى من الدائن يكشف عن تمسكه بحقه ومطالبته به أو اقرار صريح أو ضمنى من المدين بحق الدائن، ويترتب على هذا الاجراء أو هذا الاقرار بداهة اسقاط المدة السابقة عليه وبدء سريان مدة التقادم من جديد.
ومن حيث أنه لما كان الأمر كذلك، فان فيصل النزاع ينحصر فيما اذا كانت أحكام القانون رقم 31 لسنة 1963 الذى حظر على الموظف الطعن بالالغاء فى قرار انهاء خدمته بغير الطريق التأديبى أو طلب التعويض عنه، يعتبر سببا موقفا أو قاطعا لسريان مدة التقادم المسقط للمرتب فى ضوء حكم المادة 50 سالفة الذكر.
ومن حيث أن القانون رقم 31 لسنة 1963 المشار اليه قد اضفى على قرارات رئيس الجمهورية باحالة الموظفين العموميين الى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم عن غير الطريق التأديبى، صفة أعمال السيادة، مما مؤداه منع التعقيب القضائى على هذه الطائفة من القرارات، ومن ثم فانه قد سد السبيل أمام مطالبة الموظف بحقه وذلك بمنعه من المنازعة فى شأن القرار الصادر بانهاء خدمته. وطبقا للقواعد العامة فان هذا القانون قد وضع عقبه من شأنها أن يستحيل على الموظف المطالبة بحقه سواء طلب الغاء القرار أو طلب التعويض عنه. مما يتعين معه ترتيب الأثر القانونى لهذه العقبة. وذلك بوقف سريان التقادم حتى تزول هذه العقبة. وفى ضوء ذلك فانه لا يستقيم القول بأن صدور هذا القانون يعد قاطعا للتقادم مراعاة لمصلحة الموظفين اذ أن قطع التقادم يستلزم - كما سبق القول - صدور تصرف أو اجراء ايجابى من الموظف يكشف عن رغبته فى استئداء حقه، وهو ما لا يؤدى اليه حكم القانون المذكور. كما أنه لا غناء فى القول بأن للقضاء الادارى أن يبتدع الحلول المناسبة لما يعرض عليه من أقضية وأن يستعير من القواعد العامة ما يراه متوائما مع طبيعة المنازعات الادارية انتصافا للموظف فى علاقته بالحكومة وهى الطرف الأقوى فى المنازعة، اذ أنه مع التسليم بحق القضاء الادارى فى سلوك هذا النهج، الا أن حريته فى هذا الشأن مناطها اعتبارات المصلحة العامة التى تقوم على تحقيق التوازن بين مصالح أطراف المنازعة الادارية واحترام الأوضاع المستقرة.
وهو ما لا يتأتى بالخلط بين آثار وقف التقادم وانقطاعه، والذى لا هدف من ورائه الا تبرير خطأ للتقاعس عن المطالبة بحقه فى الموعد المقرر قانونا، وهو هدف لا يستوى مع مفاهيم القانون أو مقتضيات المصلحة العامة. واذا كان القضاء الادارى لم يقتصر فى شأن قطع التقادم على المطالبة القضائية كاجراء قاطع للتقادم بل اعتد بالتظلم أو طلب الاعفاء أو أى طلب آخر يفيد تمسك صاحب الشأن بحقه. فأن مرد ذلك الى أن كلا من هذه الاجراءات هو تعبير عن موقف ايجابى ينشط اليه صاحب الشأن فى سبيل المطالبة بحقه. ولا يعد كذلك الموقف السلبى الذى يخضع له صاحب الشأن أو يلتزمه ازاء وجود مانع يحول بينه وبين المطالبة بحقه. ومن ثم فانه اذا استمر فى هذا الموقف السلبى من زوال مقتضاه وتراخى فى المطالبة بحقه بارادته ورضاه الى أن اكتملت مدة التقادم فان حقه هذا يسقط وفقا لحكم القانون.
ومن حيث أنه بتطبيق المبادئ السابقة على النزاع الراهن، يبين أن السيد/ محمود يسرى أحمد القرمانى قد أحيل الى المعاش قبل بلوغه سن المعاش بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 1565 لسنة 1958 وعلم بهذا القرار فى 22 من ديسمبر سنة 1958 وفقا لما هو ثابت فى صحيفة دعواه ومن ثم فانه فى هذا التاريخ نشأ حقه فى التعويض عن هذا القرار وبدأت مدة التقادم الخمسى فى السريان، وكان الباب أمامه مفتوحا للمطالبة بحقه اداريا أو قضائيا فلم يكن ثمة مانع قانونى يحول بينه وبين هذه المطالبة، الا أنه لم يثبت أنه اتخذ أى اجراء فى هذا الشأن حتى صدور القانون رقم 31 لسنة 1963 المشار اليه الذى عمل به اعتبارا من تاريخ نشره فى الجريدة الرسمية فى 11 من مارس سنة 1963 مما ترتب عليه وقف سريان التقادم فى حقه واستمرار هذا الوقف قائما منتجا لآثاره الى أن قضت المحكمة العليا بعدم دستورية هذا القانون ونشر حكمها هذا فى الجريدة الرسمية بتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1971 مما مؤداه زوال المانع أمام المطعون ضده للمطالبة بحقه. وفى ذات الوقت استئناف سريان التقادم فى مواجهته. ولم يثبت أنه اتخذ ثمة إجراء اداريا أو قضائيا فى سبيل المطالبة بحقه قبل اقامة دعواه محل الطعن الراهن. وبالتالى فانه تسرى فى شأنه أحكام وقف التقادم التى تقضى بحساب المدة السابقة على وقف التقادم والمدة اللاحقة له مع استبعاد مدة الوقف من الحساب.
ومن حيث ان الثابت من الأوراق أن المدة السابقة على الوقف والتى بدأت من تاريخ علم السيد/ محمود يسرى أحمد القرمانى بقرار انهاء خدمته فى 17 من ديسمبر سنة 1958 حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963 فى 11 من مارس سنة 1963 تزيد على أربع سنوات، كما أن المدة التالية لتاريخ نشر حكم عدم دستورية القانون المذكور فى 22 من نوفمبر سنة 1971 حتى تاريخ اقامة الدعوى فى 6 ابريل سنة 1975 تجاوز الثلاث سنوات فمن ثم فان مدة التقادم المسقط للمرتب أو التعويض عنه وقدرها خمس سنوات تكون قد اكتملت قبل اقامة الدعوى وبالتالى يتعين القضاء بقبول الدفع الذى أثارته الجهة الادارية بسقوط الحق فى المطالبة بالتعويض بمضى المدة المسقطة.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه وقد ذهب على خلاف ذلك فانه يكون قد جانب الصواب وخالف صحيح حكم القانون ويتعين القضاء بالغائه وبسقوط الحق فى المطالبة بالتعويض مع الزام المدعى المصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة أولا: بقبول الطعن رقم 188 لسنة 24 القضائية شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط الحق فى المطالبة بالتعويض والزمت المدعى بالمصروفات.
ثانيا: بقبول الطعن رقم 237 لسنة 24 القضائية شكلا ورفضه موضوعا مع الزام الطاعن بالمصروفات.


(1) يراجع حكم المحكمة العليا فى الدعوى رقم 2 لسنة 1 دستورية جلسة 6/ 11/ 1971 والذى قضى بعدم دستورية القانون رقم 31 لسنة 1963