مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1982 إلى آخر سبتمبر سنة 1983) - صـ 325

(51)
جلسة 25 من ديسمبر سنة 1982

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعزيز بشاى سيدهم والدكتور حسين توفيق وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 884 لسنة 26 القضائية

تعهد - طعن بالتزوير - سلطة المحكمة فى شأنه.
تعهد الكفيل بالزامه بالتضامن من المدعى عليه الأول فى سداد النفقات والرواتب التى صرفت للأخير أثناء أجازته الدراسية - الطعن عليه بالتزوير - حق المحكمة فى سبيل استجلاء الحقيقة أن تناقش الخصوم وكل من ورد توقيعه على التعهد المطعون فيه بالتزوير - كما لها ان تجرى المضاهاه فى دعوى التزوير بنفسها دون الاستعانة بخبير اذ للقاضى ان يبنى قضاءه على ما يشاهده بنفسه فى الأوراق المطعون فيها بالتزوير باعتباره صاحب التقرير الأول فى كل ما يتعلق بوقائع الدعوى - أساس ذلك - تطبيق.


اجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 26 من ابريل سنة 1980 أودعت الأستاذ محمد محمد حسن فراج المحامى نائبا عن السيد الدكتور مدير معهد التخطيط القومى (بصفته) قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 884 لسنة 26 القضائية ضد حامد سعد الازهرى عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 2 من مارس 1980 فى الدعوى رقم 15لسنة 33 القضائية المقامة من الطاعن ضد كمال أحمد سلامة بدر وحامد سعد الازهرى - الذى قضى بالزام المدعى عليه الأول فقط بأن يدفع للمدعى بصفته 722 و 7443 (سبعة آلاف وأربعمائة وثلاثة وأربعون جنيها وسبعمائة واثنين وعشرين مليما) والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 5 من أكتوبر سنة 1978. والزامه المصروفات.
وطلب الطاعن لما بينه من أسباب فى تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به قبل المطعون ضده من عدم الزامه بالطلبات الواردة فى الدعوى الأصلية والزامه بها مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة واحتياطيا وقبل الحكم فى الدعوى - احالة الاستكتاب والتعهد الى خبراء مصلحة الطب الشرعى لابداء الرأى فى نسبة التوقيع الى المطعون ضده من عدمه.
وأعلن تقرير الطعن قانونا لذوى الشأن وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع الزام الطاعن المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 15 من مارس 1982 ثم قررت الدائرة بجلسة 21 من يونيه سنة 1982 احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الأولى ) وحددت لنظره أمامها جلسة 6 من نوفمبر 1980 حيث عرض عليها فى هذه الجلسة , وبعد ان سمعت المحكمة ما رأت لزوما لسماعه من ايضاحات قررت اصدار الحكم بجلسة اليوم. وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن فى انه بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الادارى بتاريخ 5 من أكتوبر 1978 أقام السيد الدكتور مدير معهد التخطيط القومى (بصفته) الدعوى رقم 15 لسنة 33 القضائية ضد كل من:
1- السيد كمال أحمد سلامة بدر.
2- السيد/ حامد سعد الازهرى طالبا الحكم بالزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 7443.722 مليم جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد والمصروفات. وجاء فى بيان الدعوى ان مجلس ادارة المعهد وافق بتاريخ 2/ 10/ 1969 على ايفاد المدعى عليه الأول الباحث بدرجة مدرس مساعد بالمعهد الى هولندا للدراسة والحصول على درجة الماجستير من معهد الدراسات الاجتماعية بلاهاى واعتباره فى اجازة دراسية بمرتب لمدة عام اعتبارا من 20/ 7/ 1971 وقد سافر فعلا لهذا الغرض بعد أمن ضمنه المدعى عليه الثانى فى تنفيذ التزاماته بطريق التضامن معه فى سداد كل ما يظهر عليه من التزامات أو ديوان تنشأ أثناء اقامته فى الخارج سواء لادارة البعثات أو لغيرها من الجهات أو الأفراد وكذلك فى رد المرتبات التى تصرف اليه طوال مدة دراسته فى حالة انهاء أجازاته الدراسية أو مهمته العملية وعدم عودته تنفيذا للقرار الصادر بذلك بتاريخ 20/ 3/ 1973 وافق المعهد على مد اجازته الدراسية حتى سبتمبر 1972 للحصول على درجة الماجستير وبعد حصوله عليها وافق المعهد على ما اجازته الدراسية بمرتب لمدة عام آخر ينتهى فى أكتوبر 1973 للحصول على درجة الدكتوراه ثم مدت هذه الاجازة لعام آخر بمرتب ينتهى فى أكتوبر 1974 على أن ينظر فى أمر المد على ضوء المنحة الهولندية. وقد جاء بالمذكرة التى عرضت على اللجنة التنفيذية للبعثات بهذا الشأن أن المذكور طلب تغيير مقر دراسته لتعذر حصوله على الدكتوراه من هولندا وقررت اللجنة بجلسة 3/ 3/ 1975 انهاء اجازته الدراسية، بيد أنه بناء على طلبه الموافقة على مد الاجازة الدراسية لمدة ثلاث سنوات لحصوله على منحة شخصية لمدة ثلاث سنوات من جامعة غرب استراليا للدراسة بها للحصول على درجة الدكتوراه فقد قررت اللجنة التنفيذية بجلسة 16/ 5/ 1975 الموافقة على قبول هذه المنحة وعلى مدة الاجازة الدراسية حتى أكتوبر 1976 بمرتب الا أن المعهد أفاد ادارة البعثات بأن موافقته تتضمن امتداد الاجازة الدراسية بمرتب حتى 19/ 2/ 1976 فقط لتكملة الخمس سنوات وباقى المدة حتى 1/ 10/ 1976 بدون مرتب ووافقت اللجنة التنفيذية للبعثات على ذلك. وقد انتهت أجازة العضو المذكور الدراسية فى 1/ 10/ 1976 ورغم مطالبته وانذاره بضرورة العودة الى أرض الوطن الا أنه لم يعد ولم ترد أى معلومات عنه ومن ثم فقد عرض أمره على اللجنة الادارية التى قررت رفع اسمه من عداد العاملين اعتبارا من 2/ 10/ 1976 التاريخ التالى لانتهاء اجازته الدراسية واذ خالف العضو المذكور أحكام القانون رقم 112 لسنة 1959 التى تلزم عضو البعثة أو الاجازة الدراسية أو المنحة بخدمة الجهة التى أوفدته كما خالف أحكام القانون رقم 49 لسنة 1972 فى شأن تنظيم الجامعات ومن ثم فقد حق للمدعى مطالبة المدعى عليهما بالتضامن فيما بينهما بجميع المبالغ التى حصل عليها المدعى الأول خلال الاجازة الدراسية من مرتبات وغيرها وبيانها كالآتى:
مليم جنيه
2557.834 مرتبات صرف من ميزانية المعهد
319.500 بدل جامعة صرف من ميزانية المعهد
4566.388 مبالغ منصرفة من الجهة المانحة
الجملة 7443.722 جنيه واذ لم تفلح المطالبة الودية التى أخطر بها المدعى عليهما بتاريخ 7/ 8/ 1978 لسداد هذا المبلغ فقد أقيمت هذه الدعوى للحكم بالطلبات المتقدمة. وبجلسة 2 من مارس 1980 أصدرت المحكمة حكمها موضوع الطعن الماثل على الوجه السالف بيانه وأقامت قضاءها بعدم التزام المدعى عليه الثانى (الكفيل المطعون ضده) بالتضامن مع المدعى عليه الأول فى سداد المبالغ المطالب بها - وهو الشق المطعون فيه - على ان المدعى عليه الثانى قرر بجلسة 2/ 12/ 1979 انه لم يوقع على التعهد الصادر من المدعى عليه الأول وطعن بالتزوير على توقيعه بقرير أودعه قلم كتاب المحكمة بتاريخ 12/ 12/ 1979 مدعيا بان التعهد قد كتب ووقع عليه سواء من المدعى عليه الأول أو من الشهود بخط واحد، وقام باعلان شواهد التزوير الى المدعى بتاريخ 16/ 2/ 1979 وقد تم ذلك طبقا لنص المادة 49 من القانون رقم 25 لسنة 1968 بشأن الاثبات فى المواد المدنية والتجارية، وان المحكمة تتصدى لبحث هذا الادعاء لبيان صحة توقيع المدعى عليه الثانى على التعهد المشار اليه وقد قامت باستكتاب مدعى التزوير وطلب منه التوقيع على ما استكتب وبمقارنة ما كتبه وتوقيعه عليه بتوقيعه على التعهد المرفق بحافظة مستندات الجهة الادارية استبان للمحكمة بالعين المجردة أن التعهد قد كتب فى خاناته الفارغة بخط واحد وكذلك كتب أسماء المدعى عليه الأول والثانى وأسماء الشاهدين عبد العظيم سعد الأزهرى بدر وأحمد سعد الأزهرى بدر ومهنهم ومحال اقامتهم بخط واحد وان التوقيع على التعهد المنسوب صدوره الى المدعى عليه الثانى يخالف توقيعه أمام المحكمة ومن ثم تقنع المحكمة بصحة أقوال المدعى عليه الثانى من أنه لم يوقع على التعهد ويتعين لذلك عدم إلزامه بالتضامن مع المدعى عليه الأول فى سداد المبالغ المطلوبة لكى يلتزم بها المدعى عليه الأول وحده لاخلاله بتعهده الذى وقعه وذلك بعدم العودة إلى الوطن عقب انتهاء أجازته الدراسية.
ومن حيث ان الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله بمقولة ان المحكمة المطعون فى حكمها قد خالفت أحكام المادتين 52 و 53 من قانون الاثبات رقم 25 لسنة 1968. فهى لم تصدر حكما تمهيديا باجراء التحقيق الذى أجرته بجلسة 10/ 1/ 1980 (والصحيح 20/ 1/ 1980) مغفلة بذلك اجراء جوهريا استوجبه القانون، كما خالف هذا الحكم من ناحية أخرى نص المادة 58 من ذات القانون فلم يوضح فى أسبابه الظروف والقرائن الكافية فيما استند اليه من اعتبار توقيع المطعون ضده على التعهد مخالفا لتوقيعه أمام هيئة المحكمة وذلك ببيان أوجه المغايرة والاتفاق بين أحرف الكلمات بعضها وبعض فى التعهد المطعون فيه بالتزوير والاستكتاب الذى أجرته المحكمة ورغم أن النظر يفيد بتحقق التوافق فى الميل والشكل والمد فى أكثر من موضوع من الخطوط والتوقيعات الواردة بالتعهد والاستكتاب وهو ما يقطع بأن توقيع المطعون ضده واحد فى كليهما على خلاف ما توصل اليه الحكم المطعون فيه فضلا عن ان الواقع الثابت من التعهد يفيد بأنه لم يكتب بخط واحد على غير ما استظهره الحكم المطعون فيه وهو مما يعد مسألة فنية يفصل فيها خبير فى الخطوط بمصلحة الطب الشرعى الأمر الذى لم تقم به المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يطلب منها وفقا لنص المادتين 30 و 31 من قانون الاثبات.
ومن حيث ان الثابت من الأوراق ان المدعى عليه الأول قد خالف أحكام القانون رقم 112 لسنة 1959 بتنظيم شئون البعثات والاجازات الدراسية والمنح وأيضا التعهد الصادر منه، فلم يعد الى عمله عقب انتهاء اجازته الدراسية فى الخارج فى أول أكتوبر سنة 1976، رغم مطالبته بالعودة وإنذاره، ومن ثم كان من حق المعهد الذى أوفده فى هذه الاجازة مطالبته بما أنفق عليه عملا بالمادة 33 من هذا القانون والزاما بما تعهد به وهو ما قضى به فعلا ضده بمقتضى الحكم الصادر فى الدعوى مثار الطعن.
ومن حيث انه عن تعهد الكفيل (المطعون ضده) بالزامه بالتضامن مع المدعى عليه الأول فى سداد النفقات والرواتب التى صرفت للأخير أثناء أجازته الدراسية - وهو المجال الذى انصب عليه الطعن - فانه لما كان أساس هذا الالتزام هو ذلك التعهد المنسوب صدوره الى المطعون ضده وقد طعن على توقيعه عليه بالتزوير، ومن ثم كان من حق المحكمة فى سبيل استجلاء الحقيقة أن تناقش الخصوم وكل من ورد توقيعه على التعهد المطعون فيه بالتزوير، كما ان لها ان تجرى المضاهاة فى دعوى التزوير بنفسها دون الاستعانة بخبير، اذ للقاضى أن يبنى قضاءه على ما يشاهده بنفسه فى الأوراق المطعون فيه بالتزوير باعتباره صاحب التقرير الأول فى كل ما يتعلق بوقائع الدعوى، ولأن رأى الخبير استشارى فى جميع الأحوال ولا ينال من صدق هذا النظر ما نصت عليه المادة 52 من قانون الاثبات فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 وهى تقضى بأنه اذ كان الادعاء بالتزوير منتجا فى النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقناع المحكمة بصحة المحرر أو بتزويره ورأت ان اجراء التحقيق الذى طلبه الطاعن فى مذكرته منتج وجائز أمرت بالتحقيق فهذا النص على ما هو ظاهر من صريح عباراته لا يجد محله فى التطبيق الا اذا غم الأمر على المحكمة بأن كانت وقائع الدعوى ومستنداتها غير كافية لاقناع المحكمة بصحة المحرر أو بتزويره فعندئذ فقط تصدر حكما بالتحقيق مشتملا على الوقائع والاجراءات والبيانات التى نصت عليها المادة 53 من هذا القانون أما فى غير هذه الحالة بأن كان وجه الحقيقة فى المحرر قد استبانته المحكمة من حالة المحرر ذاته أو من وقائع ودلائل شاهدتها المحكمة بنفسها نتيجة اعمال سلطتها فى اجراء المضاهاة فى دعوى التزوير، فلا يكون من ثمة مقتضى للأمر بالتحقيق، ولا تثريب على المحكمة أن التفتت عن اصداره بعد أن زال مقتضاه وانتفت الغاية منه. وهذا هو ما تؤكده المادة 58 من ذلك القانون حين نصت على انه (يجوز للمحكمة ولو لم يدع أمامها بالتزوير بالاجراءات المتقدمة - ان تحكم برد أى محرر وبطلانه اذا ظهر لها بجلاء من حالته أو من ظروف الدعوى انه مزور، ويجب عليها فى هذه الحالة أن تبين فى حكمها الظروف والقرائن التى تبينت منها ذلك) ومن ثم فلا قيد على المحكمة فى القضاء بما تقدم الا أن تبين فى حكمها الظروف والقرائن التى تبينت منها ما قضت به، دون ما الزام عليها فى هذا الصدد ببيان الطريقة التى تم بها التزوير أو التصدى لكل حرف أو كلمة تضمنها المحرر الذى قضت بتزويره فحسب المحكمة ان يثبت لديها ان المحرر لم يصدر ممن نسب اليه لكى تقضى بتزويره.
ومن حيث انه على مقتضى هذا النظر فاذا كان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه بعدم صحة توقيع المطعون ضده على التعهد وبالتالى عدم الزامه بالتضامن مع المدعى عليه الأول فى سداد المبالغ المطلوبة فى الدعوى على ما استظهرته المحكمة بالعين المجردة من حالة هذا التعهد لكونه قد كتبت فى خاناته الفارغة بخط واحد سواء بالنسبة الى المدعى عليه الأول أو كفيلة (المطعون ضده) أو الشاهدين الموقعين عليه وعلى ما تكشف من المضاهاة التى تولتها المحكمة بنفسها بين توقيع المطعون ضده على التعهد وتوقيعه أمام المحكمة وافصح عن ذلك كله فى أسبابه على النحو السالف بيانه، وهى تؤدى واقعا وقانونا الى ما انتهى اليه فى قضائه، فانه لا يصح النعى على هذا الحكم بانه قد خالف القانون لاغفاله الأمر بالتحقيق وعدم اللجوء الى أهل الخبرة أو لأن أسبابه قد خلت من بيان الظروف والقرائن التى تبين منها عدم صحة توقيع المطعون ضده على التعهد وعلى هذا يغدو الطعن فى غير محله متعينا القضاء برفضه والزام رافعه المصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الطاعن بالمصروفات.