مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1982 إلى آخر سبتمبر سنة 1983) - صـ 407

(62)
جلسة 15 من يناير سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عزيز بشاى سيدهم والدكتور حسين توفيق وحسن حسنين على وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين

الطعن رقم 1228 لسنة 25 القضائية

الاتحاد الاشتراكى العربى - المجلس المصرى للسلام - حله - اختصاص - عدم اختصاص مجلس الدولة بنظر المنازعة فيه - قرار رئيس الاتحاد الاشتراكى العربى بحل المجلس المصرى للسلام وأيلولة جميع ممتلكاته وحقوقه الى الاتحاد الاشتراكى العربى - ما كان يصدره الاتحاد الاشتراكى العربى من قرارات فى نطاق مباشرته لوظيفته الدستورية وفقا لما رسمه الدستور وبينه نظامه الأساسى لا يعد من القرارات الادارية بمعناها المفهوم فى القانون بالنظر الى ان السلطة التى أصدرتها ليست سلطة ادارية وانما سلطة سياسية شعبية مستقلة عن سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية وبهذه المثابة تنأى قراراته فى هذا النطاق عن دائرة الرقابة القضائية طبقا للقانون رقم 47 لسنة 1972 باصدار قانون مجلس الدولة - القرار الصادر فى هذا الشأن كان لتنظيم يعمل فى فلك الوظيفة السياسية للاتحاد الاشتراكى العربى ولأسباب تتعلق بنشاطاته السياسية - القول بان القرار المطعون فيه انطوى فى شق منه على قرار مصادرة عادى ليس له من سند قانونى أو سياسى طبقه القرار لا تزايله فى أى شطر من اشطاره فهو كل لا يتجزأ فى أحكامه وآثاره - لا اختصاص المحاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة فيه على أى وجه من الوجوه.


اجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق التاسع من أغسطس سنة 1979 أودع الأستاذ أحمد مختار قطب المحامى بصفته وكيلا عن السيد/ خالد محيى الدين قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1228 لسنة 25 القضائية ضد:
1- السيد رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكى العربى،
2- السيد الأمين العام للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 26 من يونية سنة 1979 فى الدعوى رقم 717 لسنة 32 القضائية المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهما الذى قضى - بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والزام المدعى بالمصروفات.
وطلب الطاعن لما بينه من أسباب فى تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها والحكم بالغاء القرار المطعون فيه والزام المطعون ضدهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن تقرير الطعن قانونا، وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتقرير بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع الزام الطاعن بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19 من يناير 1981 ثم قررت الدائرة بجلسة 21 من يونية 1982 احالته الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الأولى) لتنظره بجلسة 6 من نوفمبر 1982 وتداول نظر الطعن أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضرها، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوما لسماعه من ايضاحات قررت بجلسة 4 من ديسمبر 1982 اصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن وقائع المنازعة تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن فى أنه بتاريخ 30 من يناير 1978 أقام السيد/ خالد محيى الدين الدعوى رقم 717 لسنة 32 القضائية أمام محكمة القضاء الادارى ضد:
1- السيد/ رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكى العربى.
2- السيد/ الأمين العام للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى طالبا الحكم بايقاف تنفيذ القرار رقم 17 بتاريخ 18/ 12/ 1977 الصادر من رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكى العربى وفى الموضوع بالغاء هذا القرار وجميع الآثار المترتبة عليه مع الزام المدعى عليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وجاء فى بيان الدعوى أن المدعى تلقى خطابا مؤرخا 19/ 12/ 1977 من مكتب السيد/ الأمين العام للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى يبلغه فيه أن السيد/ رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراطى العربى أصدر القرار رقم 17 بتاريخ 18/ 12/ 1977 بحل المجلس المصرى للسلام وفروعه واللجان المنبثقة عنه وايقاف جميع أنشطته على أن تؤول جميع ممتلكاته وحقوقه الى الاتحاد الاشتراكى العربى وقد تم هذا التبليغ الى المدعى بوصفه سكرتير عام المجلس المصرى للسلام لكى يبلغ عن كل ممتلكات المجلس وايقاف جميع أنشطته، ولقد فهم المدعى مما نشر عن قرار الحل المطعون فيه أنه بنى على أن للمجلس نشاطا تخريبيا وأن له اتصالات خارجية تخالف ما نص عليه القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بالأحزاب السياسية فضلا عن سيطرة العناصر الشيوعية عليه وما تجلى أخيرا فى عدائه لمبادرة السلام الأخيرة - عدد جريدة الأخبار 7959 الصادر فى 9 من محرم سنة 1398/ 19 من ديسمبر سنة 1977 - ولأن هذه الأسباب التى بنى عليها القرار المطعون فيه لا أساس لها من الواقع نظرا الى أن المجلس المصرى للسلام أيد المبادرة التى قام بها السيد رئيس الجمهورية فضلا عن أن اتصالاته الخارجية كانت دائما فى اطار الاتحاد الاشتراكى وباشرافه ورعايته ومن ثم فان قرار حل المجلس يكون قد صدر على غير أساس سليم وعزل المجلس لأسباب غير صحيحة عن حركة السلام العالمى التى هى صلب نشاط مجلس السلام المصرى وصلب مبادرة السلام، ولذلك فقد أقيمت هذه الدعوى للحكم بالطلبات المتقدمة.
ودفع الاتحاد الاشتراكى العربى الدعوى أصليا بعدم اختصاص القضاء بنظرها استنادا الى أن القرار المطعون فيه صدر من رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للاتحاد الاشتراكى اعمالا للوظيفة السياسية التى كانت منوطة بهذا الاتحاد والذى تنأى قراراته فى نطاق تلك الوظيفة عن رقابة القضاء واحتياطيا طلب رفض الدعوى تأسيسا على أن المجلس المصرى للسلام كان أحد تنظيمات الاتحاد الاشتراكى التى اعتبرت ملغاة بما فيها هذا المجلس تطبيقا لأحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية الصادرة فى 2/ 7/ 1977 الذى ترتب على نفاذه أن صار العمل السياسى مما تختص به الأحزاب وحدها ومن حق الأحزاب السياسية أن تضمن برامجها ما تراه مناسبا من مبادئ السلام وبالتالى لم تعد ثمة ضرورة لاستمرار وجود منظمة مستقلة للسلام خاصة وأن اللجنة المركزية لم تصدر - اعمالا لما ناطه بها هذا القانون - قرارا بتحديد وتنظيم المجلس المصرى للسلام لكى يستمر وجوده، ولذا يكون قرار حله سليما لزوال كيانه القانونى منذ العمل بذلك القانون.
وعقب المدعى بأن المجلس المصرى للسلام - وكان يطلق عليه حتى عام 1972 المجلس القومى للسلام - ليس جمعية أو حزبا ولكنه حركة جماهيرية غير حكومية يستمد شرعيته من اقرار الحكومات المتعاقبة له وتعاملها معه وهو ليس جزءا من الاتحاد الاشتراكى أو أحد تنظيماته على ما يبين من لائحة المجلس والتنظيمات الواردة فى القانون الأصلى للاتحاد وان كان المجلس يتعاون مع الاتحاد الاشتراكى باعتباره التنظيم الأوحد فى البلاد - وبجلسة 26 من يونية 1979 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات - وهو الحكم موضوع الطعن الماثل - وأقام قضاءه على أن الاتحاد الاشتراكى العربى بحسب أصل نشأته وتاريخ وجوده فى النظام الأساسى لبناء الدولة ووفقا للمادة الخامسة من الدستور الدائم، هو سلطة سياسية مستقلة عن سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وليس مشتقا عنها ولا فرعا منها وهو بهذه المثابة وبالنظر الى طبيعته كتنظيم سياسى لا يعتبر من الجهات الادارية، ويترتب على ذلك أن ما يصدر عنه من قرارات فى نطاق ما يباشره من أمور سياسية لا ينتدرج فى عداد القرارات الادارية التى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر المنازعات الناشئة عنها، وأنه ولئن كانت وظيفة هذا التنظيم السياسى ومدى دوره ونشاطه فى شئون السياسية قد تعدل تعديلا جوهريا وهاما فى السنوات الأخيرة بعد ظهور الأحزاب فى الحياة السياسية للبلاد وصدور القانون المنظم لهذه الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 الا أنه ظل على طبيعته السياسية فى حدود متغيرات قيام تلك الأحزال والعمل بأحكام القانون المذكور، لتبقى قراراته فى نطاق تلك الحدود قرارات سياسية لا إدارية كلما تعلقت بالوظيفة السياسية التى يباشرها، ولما كان الثابت فى الأوراق أن القرار المطعون فيه أصدره رئيس الاتحاد الاشتراكى العربى بحل المجلس المصرى للسلام الذى كان يباشر نشاطا سياسيا وذلك بناء على أسباب سياسية، ومن ثم يكون هذا القرار صادرا من الاتحاد فى نطاق وظيفته السياسية، ويخرج بالتالى عن نطاق القرارات الادارية التى تختص بها هذه المحكمة وعن ولاية القضاء عموما بالنظر الى طبيعته السياسية ولعدم وجود محكمة أخرى مختصة بنظر هذا النزاع.
ومن حيث أن الطعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى القانون وذلك من وجهين، حاصل أولهما أن القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مصادرة جميع ممتلكات مجلس السلام المصرى وحقوقه بكافة أنواعها وضمها الى الاتحاد الاشتراكى العربى، لا يعتبر قرارا سياسيا بل هو قرار مصادرة عادى ليس له أى سند قانونى أو سياسى، اذ المفروض أن تخضع هذه الممتلكات لقواعد التصفية العادية فى حالة انهاء نشاط هذا المجلس وهى القواعد القانونية الخاصة بتصفية الأشخاص المعنويين والطبيعيين أما ضم هذه الأموال إلى الدولة فليس له سند من القانون ولا يمكن وصفه بأنه عمل سياسى، ومبنى الوجه الثانى للطعن أن الشىء الوحيد الذى يمتنع على المحاكم الخوض فيه طبقا لقانون مجلس الدولة هو أعمال السيادة وهى أعمال محددة ولا علاقة لها بالسياسة وما يكتنفها من اختلاف فى الرأى وتباين فى وجهات النظر هو من طبيعتها وقد أخطأ الحكم المطعون فيه اذ أضاف هذه الأعمال الى أعمال السيادة.
ومن حيث أن الطاعن بسط وجهة نظره فى مرحلة الطعن الماثل وحاصلها أن طبيعة القرار الطعين لا تنأى عن القرارات الادارية، فقد صدر ذلك القرار من رئيس الجمهورية وبوصفه رئيسا للسلطة التنفيذية وبوصفه رئيسا للاتحاد الاشتراكى العربى ونظرا لاستقلال المجلس المصرى للسلام عن الاتحاد الاشتراكى سواء من ناحية نشأته أو من ناحية تنظيمه وتسيير أموره أو تمويله أو نشاطاته الانسانية ولأن المطعون ضده عجز عن اثبات تبعية المجلس للاتحاد بما لا يجعل لرئيس الاتحاد أى اختصاص فى شأن وجود هذا المجلس أو حله أو تنظيمه، فلا يبقى عندئذ سوى صفة مصدر القرار كرئيس للجمهورية أى رئيس السلطة التنفيذية وبهذه المثابة يغدو قراره بحل المجلس قرارا اداريا بالمعنى المقصود فى القانون، وقد اعتور قراره هذا العديد من العيوب التى تقضى الى الحكم بالغائه كعيب عدم الاختصاص الجسيم المبنى على استقلال المجلس المصرى للسلام عن الاتحاد الاشتراكى العربى كما سبق البيان، واستقلاله أيضا عن أجهزة الدولة ومصالحها التى يصح لرئيس السلطة التنفيذية أن يصدر بشأنها القرارات التنظيمية اللازمة، كما انعدم ركن السبب فى هذا القرار اذ بنى على أسباب غير صحيحة فوقع باطلا خليقا بالالغاء فضلا عن مخالفته القانون فقد انتهك شرعية وجود المجلس المذكور المستمدة من العرف الادارى واقرارات الحكومات المتعاقبة لنشاطاته منذ ما قبل الثورة وما بعدها الى جانب مخالفته القواعد الدستورية العامة التى تقدس حرية الرأى والتعبير مستندا فى ذلك الى قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 وهو غير منطبق على المجلس الذى لا يعد حزبا سياسيا ولما كان المجلس المصرى للسلام نشأ بعيدا عن اختصاص رئيس الجمهورية بحسبانه تنظيما غير حكومى وأهدافه المعروفة لا تخرج عن الدفاع عن السلام العالمى ومقاومة أعداء الوطن والسعى لنزع السلاح وتحريم الحرب العالمية فان انتهاك هذه الغاية بالقرار المطعون فيه الذى استهدف التخلص من العناصر التى يختلف معها رئيس الجمهورية فى العقيدة والرأى انما يشكل مخالفة للمبادئ الدستورية وينحدر بالقرار الى درجة الانحراف بالسلطة - وتعقيبا على هذا الدفاع استعرض المطعون ضده فى مذكراته المقدمة أثناء نظر الطعن نشأة فكرة حركة السلام العالمية وقد انها نشأت بديلا عن الجهاز الذى كان قد أنشأه الحزب الشيوعى السوفييتى للاتصال بالأحزاب الشيوعية فى جميع أنحاء العالم، وأن هذه الحركة فى تطورها نشأت عنها لجان سلام فى جميع دول العالم وهى فى الحقيقة بالنسبة الى الدول التى تحارب الشيوعية تعتبر بديلا عن الأحزاب الشيوعية وقد نشأت فكرة أنصار السلام فى مصر فى أواخر عام 1950 وعندما أنشئ الاتحاد الاشتراكى وافق الرئيس الراحل على اعادة تكوين المجلس القومى للسلام بأسلوب جديد وعضوية جديدة على أساس أن يلعب المجلس دوره من خلال الاتحاد الاشتراكى وكان ذلك عام 1965 ثم أخذ المجلس يباشر نشاطه فى هذا النطاق اذ أن الرئيس الراحل لم يوافق على أن يباشر المجلس نشاطه خارج الاتحاد الاشتراكى تطبيقا للنظام السياسى الذى تباشر الدولة نشاطها من خلاله ومن ثم اعتبر المجلس بمثابة أمانة متخصصة من أمانات التنظيم مثله مثل منظمة الشباب والتنظيم الطليعى والتنظيم النسائى وكلها تنظيمات متخصصة تقوم على أغراض محددة واذا كان المجلس لم يتغير اسمه ليكون مشتقا من الاتحاد الاشتراكى فلأن ذلك كان بغرض الابقاء على تسميته باعتبار أنه متصل بمجالس السلام فى العالم، ونظرا لأن المجلس المصرى للسلام لا يندرج فى عداد الأشخاص المعنوية العامة أو الخاصة على أية صورة من الصور أو أى شكل من الأشكال على النحو الذى حددته المادة 52 من القانون المدنى فانه يعد - والحالة هذه - من جماعات الأشخاص الذين ينظم القانون أوضاعهم، واذ كان النشاط الحزبى ممنوعا بمقتضى المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 عدا التنظيم السياسى الوحيد المتمثل فى البداية فى هيئة التحريم ثم الاتحاد القومى ومن بعده الاتحاد الاشتراكى العربى فان ذلك يكون هو المجال الوحيد الذى يمكن أن ينشط المجلس فى نطاقه وحيث احتواه الاتحاد الاشتراكى كى يصبح جهازا أو أمانة متخصصة من أماناته، وبصدور القانون رقم 40 لسنة 1977 ألغيت أمانات ومؤتمرات الاتحاد الاشتراكى العربى ومن ثم صدر نفاذا لذلك القرار المطعون فيه.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 18 من ديسمبر 1977 أصدر رئيس الاتحاد الاشتراكى العربى قراره رقم 17 لسنة 1977 بحل المجلس المصرى للسلام وقرر فى مادته الأولى "حل المجلس المصرى للسلام وفروعه واللجان المنبثقة عنه وايقاف جميع أنشطته وتؤول جميع ممتلكاته وحقوقه الى الاتحاد الاشتراكى العربى" وقد تضمن ذلك القرار فى ديباجته الاشارة الى القانون رقم 40 لسنة 77 بنظام الأحزاب السياسية كما حدد الأسباب الداعية لصدوره فأوردها على النحو الآتى " وبالنسبة لما ثبت من أن المجلس المصرى للسلام الذى تسلطت بعض العناصر الشيوعية على هيئة مكتبه وأعضائه والذى ظلت هذه العناصر تمارس نشاطها من خلاله كامتداد للمجلس القومى السابق للسلام وجماعة أنصار السلام التى كونتها بعض العناصر الشيوعية. ولما ثبت من أنه يقوم بنشاط تخريبى لمبادرة السلام ضد اجماع الشعب على تأييدها استطرادا لما سبق له اتخاذه من مواقف تتعارض مع المصالح القومية وفى اطار علاقته بمجلس السلام العالمى أحد التنظيمات الشيوعية الدولية التى تعمل بتوجيهات الاتحاد السوفييتى وتتبنى مواقفة تحت ستار الدعوة للسلام، ولما كان هذا المجلس قد أنشئ بقرار من أمين الاتحاد الاشتراكى العربى سنة 1964، ولما كان بنشاطه هذا يشكل نشاطا سياسيا مخالفا لقانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 الذى حظر الاتصال أو التعاون مع أى حزب أو تنظيم سياسى أجنبى الا طبقا للقواعد التى تضعها اللجنة المركزية، كما قرر الغاء جميع التنظيمات التى نشأت أصلا فى ظل الاتحاد الاشتراكى العربى فيما عدا ما يصدر بتحديده وتنظيمه قرار من اللجنة المركزية... قرر... "
ومن حيث أن البين من الأوراق أن قيام المجلس المصرى للسلام الذى كان يطلق عليه من قبل المجلس القومى للسلام - فى ظل النظام السياسى الذى كان سائدا بعد حل الأحزاب السياسية بمقتضى المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 فى شأن الأحزاب السياسية، وانما كان بموافقة رئيس الدولة الذى كان يتولى أيضا رئاسة الاتحاد القومى ومن بعده الاتحاد الاشتراكى العربى وقد تمت الموافقة على قيام هذا المجلس تحت شرط جوهرى هو فى الواقع شرط لوجوده ولاستمرار نشاطه ألا وهو أن يلعب ذلك المجلس دوره من خلال الاتحاد الاشتراكى العربى وقد وجدت هذه الحقيقة - وهى تمثل حكم القانون فى هذه الأثناء - صداها فى مشروع لائحة المجلس المصرى للسلام ذاتها وفى غيرها من أوراق الطعن الأخرى.
فقد ورد فى الصفحة رقم (3) من مشروع اللائحة المشار اليها - وهى مودعة حافظة مستندات الاتحاد الاشتراكى العربى - ما يلى "... وقد وافق السيد الرئيس على قيام مجلس جديد للسلام على الأسس الآتية..." وفى الصفحة رقم (2) وما بعدها من ذات المشروع ورد النص الآتى: ولما كان الاتحاد الاشتراكى العربى هو وحدة التنظيم السياسى لتخالف قوى الشعب العامل الذى يضم القوى المؤمنة بأهدافه والتى تناضل لتحقيق مبادئ جمهوريتنا التى تنادى بالسلام والتحرر فان ذلك قد خلق ضرورة اعادة تنظيم مجلس السلام فى بلادنا على أسس تكفل خلق أشكال نضال سلامى جديدة تسمح باتساع العمل من أجل السلام من خلال الاتحاد الاشتراكى العربى" وفى موضوع آخر من الصفحة رقم (4) من نفس المشروع تحت عنوان "تنظيمات المجلس" ورد النص فى الفقرة (1) على أنه ".. ويقوم المجلس بوضع خطوط النشاط السلامى حسب الخط السياسى العام للاتحاد الاشتراكى" كما ورد النص فى الفقرة (2) على أن "يضم المجلس المصرى للسلام أعضاء... وممثلين لقطاعات... والمكاتب التنفيذية بالاتحاد الاشتراكى فى المحافظات التى بها لجان سلام" ونص كذلك فى الفقرة (4) على أن "يشكل المجلس لجان سلام فى عدد من المحافظات بهدف توسيع القاعدة الجماهيرية لحركة السلام، وتكون مسئولية هذه اللجان من أحد أعضاء المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتراكى العربى بالمحافظة وتمارس اللجان نشاطها من خلال المكاتب التنفيذية بالمحافظات بالتعاون مع مكتب السلام بالاتحاد الاشتراكى العربى" وفى مذكرة لعضو الأمانة العامة وأمين شئون الأعضاء والشئون المالية والادارية مؤرخة 10/ 5/ 1972 للعرض على السيد المهندس سكرتير أول اللجنة المركزية بشأن تحمل الاتحاد الاشتراكى العربى بنفقات البريد والبرقيات الخاصة بالمجلس القومى للسلام - مودع صورتها الضوئية حافظة مستندات الاتحاد - وردت الاشارة الى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وافق على اعادة تكوين المجلس القومى للسلام بأسلوب جديد وبعضوية جديدة على أساس أن يلعب المجلس دوره من خلال الاتحاد الاشتراكى العربى وقد أشارت المذكرة الى أن ذلك ورد على لسان الطاعن وفى كتاب آخر صدر من الطاعن الى السيد عبد الرحمن أبو العينين رئيس المكتب المالى (وزير) بالاتحاد الاشتراكى العربى مؤرخ 25/ 7/ 1970 - مودع صورته حافظة مستندات الطاعن - قال أن جميع نشاطات المجلس ليست خاصة به بل خاصة بأهداف الاتحاد الاشتراكى وهى العمل فى المجال العالمى لخدمة القضية العربية..." وبذلك فقد اتفق الواقع الذى بدا من هذه الأوراق مع حكم القانونى الذى قضى بحل الأحزاب السياسية عام 1953 وتمشى كذلك مع النظام السياسى الذى ساد بعد ذلك وهو حظر كل نشاط سياسى أيا كانت مبادئه وأهدافه الا فى اطار النظام السياسى الذى أخذت به الدولة وتمثل أخيرا فى الاتحاد الاشتراكى العربى الذى قضى التعديل الدستورى فى عام 1980 بالغائه لكى تقوم الأحزاب السياسية بدورها فى النطاق الذى رسمه لها القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية وتعديلاته.
ومن حيث أنه وقد استبان ذلك فان المجلس المصرى للسلام - وهو لا يتمتع بشخصية معنوية مستقلة يكون قد انطوى تحت لواء الاتحاد الاشتراكى العربى وأضحى أداة من أدوات تحقيق مبادئه وأهدافه، اذ لا يتسنى مع هذا النظام السياسى الذى كان سائدا فى البلاد - النظر الى هذا المجلس الا من خلال الاتحاد الاشتراكى العربى الذى عبرت عنه المادة الخامسة من الدستور قبل الغائها بمقتضى التعديل الدستورى الأخير فى 30 من أبريل 1980 بأنه "التنظيم الذى يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة.. الأمر الذى لا يستقيم معه وجود تنظيم سياسى آخر قائم بذاته ومستقل عن الاتحاد مهما كانت أوضاع هذا التنظيم فى الداخل أو صلاته فى الخارج ولو لم يكن حزبا من الأحزاب السياسية التى سبق أن قضى القانون بالغائها بمقتضى المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 المشار إليه وينبنى على ذلك بالضرورة خضوع المجلس المذكور لسلطان الاتحاد الاشتراكى وسلطاته وعلى القمة منها رئيس الاتحاد، واذ صدر القرار المطعون فيه متعلقا بحل المجلس المصرى للسلام الذى تحدد وضعه واطار نشاطه على هذا الوجه ولأسباب تخص نشاط هذا المجلس السياسى، فان الصفة التى تفرض نفسها فى هذه الحالة لاتخاذ مثل هذا القرار لابد وأن تكون صفة رئيس الاتحاد الاشتراكى العربى للصلة الوثيقة التى تربط بين تلك الصفة والتصرف القانونى الذى تم استنادا اليها من ناحية، ولما أبانت عنها المادة 29 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية من ناحية أخرى وهى تنص على أنه "فيما عدا ما يصدر بتحديده وتنظيمه قرار من رئيس اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى خلال ثلاثين يوما من تاريخ العمل بهذا القانون تلغى أمانات وتنظيمات ولجان ومؤتمرات الاتحاد المذكور " ولا يخلع عن مصدر القرار المطعون فيه صفته هذه كونه - وقت أن أصدر القرار - رئيسا للجمهورية نظرا الى أن اجتماع هاتين الصفتين فى شخص واحد ليس من شأنه - وكما سبق أن قضت هذه المحكمة - أن تذوب كل منها فى الأخرى أو تندمج فيها اندماجا يفقدها وجودها واستقلالها وانما الصحيح فى القانون أن تمارس كل منهما فى الاطار الذى رسم لها، فالخلط بينهما يجافى مقتضيات التنظيم السليم وينأى عن الأصول الواجبة فى الادارة فضلا عن مخالفته للقانون.
ومن حيث أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن ما كان يصدره الاتحاد الاشتراكى العربى من قرارات فى نطاق مباشرته لوظيفته الدستورية وفقا لما رسمه الدستور وبينه نظامه الأساسى لا يعد من القرارات الادارية بمعناها المفهوم فى القانون، بالنظر الى أن السلطة التى أصدرتها ليست سلطة ادارية وإنما هى سلطة سياسية شعبية مستقلة عن سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية وبهذه المثابة تنأى قراراته فى هذا النطاق عن دائرة الرقابة القضائية طبقا للقانون رقم 47 لسنة 1972 باصدار قانون مجلس الدولة.
ومن حيث أنه تبعا لذلك فان القرار المطعون فيه وهو صادر من رئيس الاتحاد الاشتراكى العربى بحل المجلس المصرى للسلام وأيلولة جميع ممتلكاته وحقوقه الى الاتحاد الاشتراكى العربى، لهو قرار من ذات طبيعة السلطة التى أصدرته وهى بالقطع سلطة سياسية فقد استمدت صفتها من الوظيفة السياسية للاتحاد الاشتراكى العربى وجاء القرار الذى أصدرته فى شأن تنظيم كان يعمل فى فلك تلك الوظيفة ولأسباب تتعلق بنشاطاته السياسية، ولا يصح تبعيض القرار المطعون فيه لا نتزاع اختصاص للقضاء فى خصوصه بمقولة أنه انطوى فى شق منه على قرار مصادرة عادى ليس له من سند قانونى أو سياسى ذلك أن طبيعة القرار لا تزايله فى أى شطر من إشطاره فهو كل لا يتجزأ فى أحكامه وآثاره ولذا فلا اختصاص لمحاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة فيه على أى وجه من الوجوه، ولأن القانون لم يحدد جهة قضائية معينة مختصة بنظر هذه المنازعة. ومن ثم فقد تعين القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظرها والزام المدعى المصروفات.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بهذا النظر فانه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح وبالتالى يكون الطعن عليه فى غير محله حقيقا بالرفض والزام الطاعن المصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الطاعن المصروفات.