مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والعشرون (من أول أكتوبر سنة 1982 إلى آخر سبتمبر سنة 1983) - صـ 679

(101)
جلسة 23 من ابريل سنة 1983

برئاسة السيد الاستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عزيز بشاى سيدهم والدكتور حسين توفيق ومحمد عبد الرازق خليل وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعنان رقما 454 و 694 لسنة 27 القضائية

دستور - حق التقاضى - قرار ادارى غير مشروع - خطأ - ضرر أدبى - تعويض.
المادة 68 من دستور جمهورية مصر العربية تنص على أن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة وان لكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعى - منع المدعى من قيد دعوى قضائية أمام احدى المحاكم - المنع المنسوب الى قلم كتاب المحكمة ليشكل قرارا اداريا ينطوى على عدوان صارخ على حق دستورى كفله الدستور - هذا القرار غير مشروع يشكل ركن الخطأ - مسئولية الادارة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن قراراتها الادارية غير المشروعة - الأضرار جسيمة وبالغة الخطر ولا يجبرها أى تعويض مادى - فالمال لا يعوض أبدا حرمان مواطن من حقه الدستورى - التعويض عن تعطيل ومصادرة هذا الحق تعويض رمزى لا يجبر الضرر ولكنه يدين العمل الادارى المخالف للقانون ويبرز خطره الجسيم على الحقوق الدستورية المصونة والمكفولة للناس جميعا.


اجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 4/ 3/ 1981 أودعت ادارة قضايا الحكومة نائبة عن رئيس محكمة شمال القاهرة ورئيس محكمة جنوب القاهرة ومدير عام المحاكم بوزارة العدل والنائب العام ووزير العدل قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد فى جدول المحكمة برقم 454 لسنة 27 ق ضد عبد الحليم حسن رمضان المحامى فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 6/ 1/ 1981 فى الدعوى رقم 75 لسنة 30 ق المقامة من المطعون ضده ضد الطاعنين والذى قضى بالغاء القرار المطعون فيه وبالزام الحكومة بأن تؤدى للمدعى تعويضا عن الضرر الأدبى الذى لحقه من هذا القرار قدره خمسون جنيها والزام الحكومة بالمصروفات. وطلبت الطاعنة للأسباب الواردة فى تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها والزام المطعون ضده فى أية حالة بالمصروفات وقد أعلن تقرير الطعن الى المطعون ضده فى يوم السبت 28/ 3/ 1981.
وفى يوم السبت 4/ 4/ 1981 أودع الأستاذ/ عبد الحليم حسن رمضان المحامى عن نفسه قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقرير طعن قيد فى جدول المحكمة برقم 694 لسنة 27 ق بعد أن قدم فى 7/ 3/ 1981 طلب الاعفاء رقم 95 لسنة 27 ق فى الحكم سالف الذكر ضد رئيس محكمة شمال القاهرة ورئيس محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ومدير علم ادارة المحاكم بوزارة العدل، والنائب العام، ووزير العدل، وعبد المنعم عبد الغنى القاضى - وذلك فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى - دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 6/ 1/ 1981 فى الدعوى رقم 75 لسنة 30 ق المقامة من الطاعن عن نفسه ضد المطعون ضدهم والسابق الإشارة اليه. وطلب الطاعن للأسباب الواردة فى تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمن من رفض دون المحكوم به من طلباته وقبول طلباته جميعها المطلوبة فى صحيفة افتتاح الدعوى الصادر فيها ذلك الحكم والزام المطعون ضدهم متضامنين بالمصروفات وقد أعلن تقرير الطعن الى ادارة قضايا الحكومة فى 14/ 4/ 1981. وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعنين بتقرير بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بقبول الطعن رقم 454 لسنة 27 ق شكلا وبرفضه موضوعا والزام الحكومة بالمصروفات وبقبول الطعن رقم 694 لسنة 27 ق شكلا وبرفضه موضوعا والزام المدعى بالمصروفات. وتحدد لنظر الطعنين جلسة 1/ 11/ 1982 أما دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة التى قررت ضم الطعن رقم 694 لسنة 27 ق الى الطعن رقم 454 لسنة 27 ق وبجلسة 20/ 12/ 1982 قررت احالة الطعنين الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الأولى) لنظرهما بجلسة 5/ 2/ 1983 وفيها نظر الطعنان ثم تأجل نظرهما بجلسة 12/ 3/ 1983 وقد سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن وقررت ارجاء اصدار الحكم فى الطعنين لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن رقم 454 لسنة 27 ق قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث انه عن الشكل فى الطعن رقم 694 لسنة 27 ق فان الثابت ان الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 6/ 1/ 1981 ثم تقدم الطاعن بطلب الاعفاء رقم 95 لسنة 27 ق فى 7/ 3/ 1981 فى الميعاد وقبل أن يبت فيه أقام الطعن رقم 694 لسنة 27 ق فى 4/ 4/ 1981 فى الميعاد مستوفيا الشروط القانونية، الأمر الذى يكون معه هذا الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى ان الأستاذ/ عبد الحليم حسن رمضان المحامى أقام الدعوى رقم 75 لسنة 30 ق أمام محكمة القضاء الادارى فى 2/ 11/ 1975 ضد رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة ومدير عام ادارة المحاكم بوزارة العدل والنائب العام ووزير العدل والسيد الأستاذ المستشار عبد المنعم عبد الغنى القاضى وطلب فيها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة برفض تقرير قبول رسوم وقيد وتحديد جلسة نظر دعوى المدعى بطلب رد وبطلان وتزوير محضر اجتماع وقرارات الجمعية العامة لقضاه ومحكمة شمال وجنوب القاهرة الابتدائية فى 28/ 9/ 1975 وفى الموضوع بالغاء القرار المطعون فيه والزام المطعون ضدهم الأول والرابع والخامس متضامنين أن يؤدوا الى كلية الحقوق بجامعة القاهرة مبلغ 500 جنيه تعويضا مؤقتا له يخصص من مجلس الكلية لاستثماره فيما يشاء استثماره فيه بصرف ربع جائزة سنوية تصرف باسم المدعى لأحسن بحث يقدم من طلاب الكلية فى سيادة القانون مع المصروفات. وأن يكون الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل بموجب مسودته بدون كفالة. وقال المدعى شرحا لدعواه انه استصدر حكما فى 11/ 6/ 1975 ضد وزير العدل وآخرين فى الدعوى رقم 1941 لسنة 1975 مستعجل القاهرة بفرض حراسة القضاء على صندوق رسوم أبنية المحاكم وتعيين المستشار السيد عبد العزيز هندى رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة بصفته الشخصية حارسا على الصندوق يعاونه نقيب المهندسين ومدير عام الميزانية بوزارة العدل فى مباشرة المأمورية المبينة فى الحكم وقد طعنت وزارة العدل على الحكم بالاستئناف رقم 1609 لسنة 1975 مستعجل مستأنف جنوب القاهرة الذى تم حجزه للحكم وبعد ذلك طلبت وزارة العدل اعادة الاستئناف الى المرافعة وقد أعيد الاستئناف الى المرافعة فى جلسة حضرها المدعى وطلب فيها التأجيل ليقدم المزيد من المستندات التى تبرر فرض الحراسة ولاعلان من لم يعلن من خصوم الدعوى المتدخلين الذين لم يخطروا باعادة الاستئناف الى المرافعة الا أن المحكمة حجزت الدعوى للحكم دون أن تجيب المدعى الى طلباته وقد التزم المدعى رد المحكمة عن حكمها. واستعرض المستشار عبد المنعم عبد الغنى القاضى رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة وعضو مجلس ادارة صندوق أبنية المحاكم طلب رد المدعى الهيئة المحكمة الاستئنافية وقرر احالة دعوى الرد الى قضاء الدائرة الرابعة المدنية بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية مع تعيين رئيسها الأستاذ/ نادر ابراهيم العزبى مع مجازاة رئيس قلم كتاب استئناف المستعجل الذى تلقى من المدعى تقرير الرد قبل استئذانه فيه بتنزيل درجته الى أمين سر احدى دوائر المحكمة الكلية. ودعا الى عقد جمعية عمومية لمحكمة شمال وجنوب القاهرة يوم 28/ 9/ 1975 من أجل توزيع العمل والقضاء على الدوائر فلم يجتمع العدد القانونى من الأعضاء الا انه نشر فى صحيفة الأخبار الصادرة فى 29/ 9/ 1975 أنباء الجمعية العامة لقضاة المحكمتين وأسندت رئاسة الدائرة الأولى الاستئنافية للأمور المستعجلة المختصة فى نظر استئناف المدعى الى الأستاذ/ نادر ابراهيم العزبى الذى أسند اليه رئاسة الدائرة المحال اليها طلب رد الدائرة رئاسة الأستاذ/ جرجس مسعود. وهذا الفعل من جانب رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة يشكل عدوانا على العدالة وتدخلا فى صميم أعمال القضاء واخلالا بمبدأ التكافؤ والمساواة بين الخصوم مستغلا سلطة وظيفته لكسب استئناف صندوق أبنية المحاكم ضد المدعى بطريق غير مشروع ولذلك بادر المدعى الى الاحتجاج برقيا لدى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل والمدعى العام الاشتراكى. وأعد المدعى صحيفة دعوى موضوعية مبتدأة بطلب رد وبطلان وتزوير محضر اجتماع الجمعية العمومية لقضاة محكمة شمال وجنوب القاهرة والقرارات المنسوبة اليها. الا أن قلم كتاب المحكمة رفض قبول أوراق الدعوى خشية أن ينال رئيس القلم المدنى وأمين عام المحكمة ما ناله رئيس قلم استئناف المستعجل من رئيس المحكمتين. وعندئذ قدم المدعى أوراق دعواه الى محمود مصطفى سالم رئيس المحكمة المختص بشئون المتابعة فاستأذن المدعى فى الاطلاع عليها وفى اطلاع رئيس المحكمتين عليها، الا أنه لم يرد صحيفة الدعوى الى المدعى بحجة استيلاء رئيس المحكمتين عليها ولذلك قدم المدعى الشكوى الى النائب العام فى 21/ 10/ 1975 وبقى الحال على ما هو عليه من منع رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة بقلم كتاب المحكمة من قبول رسوم الدعوى التى أراد المدعى رفعها ضده ويعتبر قرار رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة بمنع قبول رسم دعوى المدعى ضده وتحديد جلسة لنظرها وقيدها فى جدول المحكمة من القرارات الادارية التى تخضع لرقابة القضاء الادارى. وقد استعمل رئيس المحكمتين وظيفته فى الاخلال بمبدأ المساواة أمام القضاء فيما عقد لنفسه من سلطة التدخل فى شئون الحكم بالاستئناف المرفوع من وزارة العدل وصندوق أبنية المحاكم ضد المدعى وفى منع المدعى من مباشرة حقه الطبيعى فى التقاضى ومنع تحصيل رسوم الدعوى ضده وهذا المسلك يشكل الجريمة المنصوص عليها فى المادة 123 من قانون العقوبات. وقد دعا رئيس المحكمتين الى عقد اجتماع الجمعية العمومية لقضاة المحكمتين فى يوم 26/ 10/ 1975 لاقرار صحة تشكيل الدوائر والهيئات وتوزيع القضايا فيما بينها - ويخلص المدعى الى طلب وقف تنفيذ وابقاء قرار رئيس المحكمتين بمنع قبول أوراق الدعوى وبطلان تزوير محضر اجتماع الجمعية العمومية لقضاة المحكمتين فى 28/ 9/ 1975 وتقرير وقبول رسومها وتحديد جلسة نظرها وقيدها فى جدول قضايا محكمة جنوب القاهرة وعرضها على احدى دوائرها المختصة. وطلب المدعى الحكم له بتعويض مؤقت مقداره 500 جنيه (خمسمائة جنيه) يستثمرها مجلس كلية الحقوق بجامعة القاهرة فيما يشاء استثماره فيه وصرف ريعه جائزة سنوية تعرف باسم المدعى لأحسن بحث يقدم من طلاب الكلية فى سيادة القانون والتعويض لجبر ما أصاب المدعى من أضرار بسبب قرار رئيس محكمتى شمال وجنوب القاهرة.
وعقبت الحكومة على الدعوى فقالت انه فى 28/ 9/ 1975 انعقدت الجمعية العمومية لمحكمتى شمال وجنوب القاهرة الابتدائيتين لتوزيع العمل القضائى وأصدرت قراراتها بعد اكتمال العدد القانونى. وفى 26/ 10/ 1975 اجتمعت الجمعية العمومية لذات المحكمتين مرة ثانية وأيدت قرارات الجمعية المنعقدة فى 28/ 9/ 1975 وأقرت توزيع العمل وتشكيل الهيئات وتوزيع القضايا على الدوائر المختلفة بمعرفة الجمعية العمومية المنعقدة فى 28/ 9/ 1975 وبانها تمت باجراءات صحيحة وبقرارات مطابقة للقانون وقد اعتمدها وزير العدل. وكانت هناك خصومة بين المدعى وبين وزارة العدل مطروحة على الدائرة مستأنف مستعجل بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية تتمثل فى استئناف أقامته ادارة قضايا الحكومة برقم 1066 لسنة 1975 وآخر أقامه المدعى برقم 1042 لسنة 1975 عن الحكم الصادر من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى دعوى المدعى رقم 1941 لسنة 1975 فى 11/ 6/ 1975 بفرض الحراسة القضائية على صندوق أبنية المحاكم، وخصومة أخرى تتمثل فى الاستئناف رقم 1225 لسنة 1975 مستأنف مستعجل جنوب القاهرة الذى أقامته ادارة قضايا الحكومة نيابة عن محافظة القاهرة عن الحكم الصادر فى الدعوى المستعجلة المقامة من المدعى ذاته برقم 3079 سنة 1975 مستعجل القاهرة بفرض الحراسة على رسوم النظافة بمحافظة القاهرة - قد انتهز المدعى من أنباء المداولات التى تسربت الى الصحف من الجمعية العمومية لمحكمة شمال وجنوب القاهرة الابتدائيتين فى 28/ 9، 26/ 10/ 1975 حول اعتراض الأستاذين رئيس المحكمتين يحيى اسماعيل عبد الواحد بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية وعماد الدين محمود اسماعيل بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية على عدم استمرار كل منهما رئيسا لدائرة الاستئناف المستعجل التى كان يرأسها وكان الأخير يرأس الدائرة الأولى مستأنف مستعجل جنوب القاهرة التى تنظر أمامها الاستئنافات الثلاثة وأقام المدعى الدعوى الماثلة. ودفعت الحكومة الدعوى بعدم الاختصاص الولائى على أساس انه بافتراض صحة ما ذهب اليه المدعى من ان رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة الابتدائيتين قد رفض قيد دعوى المدعى بطلب رد وبطلان وتزوير محضر الجمعية العمومية للمحكمتين برئاسته فى 28/ 9/ 1975 فان هذا العمل هو عمل مادى لا يمس أى مركز قانونى للمدعى ولا ينشئ له مركزا يضار منه، كما أنه عمل قضائى خاص بسير مرفق القضاء فى هاتين المحكمتين مما تستقل جهة القضاء العادى به بلا رقابة عليها من القضاء الادارى بشأنه. وجدير بالذكر انه قد قضى فى الاستئنافين المستعجلين رقمى 1042، 1066 لسنة 1975 من الدائرة الأولى مستأنف مستعجل جنوب القاهرة بجلسة 4/ 1/ 1976 بالغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة المستعجلة نوعيا بنظر الدعوى. وقضى فى الاستئناف رقم 1225 لسنة 1975 المرفوع من محافظ القاهرة ضد المدعى بشأن رسم النظافة بعدم اختصاص المحكمة المستعجلة نوعيا بنظر الدعوى، لان الأموال العامة تتأبى الخضوع للحراسة القضائية والعهدة بادارتها للغير ثم ان الجمعية العمومية التى ينعى المدعى على قرارها بتزوير محضرها الخاص بجلسة 28/ 9/ 1975 قد تم تنفيذ قرارها طوال عام قضائى كامل وقد تأيد هذا القرار بقرارها بجلسة 26/ 10/ 1975 أما عن الموضوع فان تصرف رئيس المحكمة بافتراض صدوره عنه فعلا عمل مادى بحت ولا يؤيد ادعاء المدعى فيه أى دليل وطلبت الحكم فى الموضوع برفض الدعوى وبالزام المدعى بالمصروفات.
وبجلسة 17/ 1/ 1978 قضت محكمة القضاء الادارى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والزام الحكومة بالمصروفات على أساس ان أوراق الدعوى تنبئ فى ظاهرها بصحة ما ساقه المدعى من منعه من رفع دعوى قضائية أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية - منعا يشكل قرارا اداريا للجهاز الادارى المختص فى هذه المحكمة، وهذا المنع ليس له سند يبرره من الواقع أو القانون لان حق التقاضى من الحقوق التى كفلها الدستور كضمان نهائى لسادة القانون والمساس بذلك الحق أو محاولة تعطيله ووضع العقبات أمام ممارسته شأن القرار المطعون فيه أمر عاجل بطبيعته يتوافر فيه الاستعجال - وأكدت المحكمة ان الطعن وارد على قرار من الجهاز الادارى بمحكمة جنوب القاهرة، اذ لم يصدر من المستشار رئيس محكمة شمال وجنوب القاهرة أى قرار بالمعنى الذى ينعى عليه المدعى بطلب وقف التنفيذ وطلب الالغاء.
وبجلسة 6/ 1/ 1981 أصدرت محكمة القضاء الادارى - دائرة منازعات الأفراد والهيئات الحكم المطعون فيه قاضيا بالغاء القرار المطعون فيه وبالزام الحكومة بأن تؤدى للمدعى تعويضا عن الضرر الأدبى الذى لحقه من هذا القرار قدره خمسون جنيها والزام الحكومة المصروفات. وأقامت المحكمة هذا القضاء على أساس ان الثابت من الأوراق ان وزارة العدل امتنعت عن قبول رسوم وقيد الدعوى التى أراد المدعى أقامتها أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية. وانه اذا كانت الحكومة قد أنكرت صدور هذا القرار من المستشار رئيس محكمتى شمال وجنوب القاهرة الا ان هذا الانكار له لا يقطع فى نفس صدور هذا القرار عن الجهاز الادارى المختص بتلقى الدعاوى واستيفاء اجراءات قيدها - وهذا القرار لا يقوم على سبب من الواقع والقانون وهو يصادر حقا عاما كفله الدستور للمواطنين كضمان نهائى لسيادة القانون، ولذلك يكون هذا القرار مخالفا للقانون حقيقا بالالغاء - وبذلك يتوافر ركن الخطأ فى دعوى المسئولية بالتعويض ولم يترتب على القرار المحكوم بالغائه أية أضرار مادية خلاف مصروفات الدعوى ولكن قد ترتب عليه ضرر أدبى محقق للمدعى هو حرمانه من استعمال حقه المشروع فى الالتجاء الى القضاء فى المدة السابقة على صدور الحكم فى الشق المستعجل وبذلك تتوافر أركان المسئولية فى جانب الجهة الادارية وقضت المحكمة بتعويض المدعى عن هذا الضرر بمبلغ خمسين جنيها.
ويقوم طعن الحكومة رقم 454 لسنة 27 ق على أساس ان الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بوقف التنفيذ حكم واجب النفاذ وقد تنازلت الادارة عن الطعن فيه، الا ان المدعى قعد عن تنفيذه ولم يرفع دعواه وبذلك يكون المدعى هو المتسبب فيما أصابه من ضرر مادى وأدبى ولا وجه لمساءلة الادارة عن التعويض عن هذا الضرر. لثبوت خطأ المضرور. كما ان الغاء القرار الادارى يعتبر جبرا لكل الأضرار الأدبية لان مقتضاه استعادة المدعى كل حقوقه المتنازع عليها وهو تعويض كاف عن الضرر الأدبى. ولذلك يكون الحكم فوق الالغاء بالتعويض عن الضرر الأدبى تكرار للتعويض بغير سند ومجرد تقديم الشكوى من المدعى لا يكفى بذاته لاثبات امتناع الادارة عن قيد دعواه. وقد عجز المدعى عن اثبات امتناع جهة الادارة عن قيد دعواه وبالتالى فقد عجز عن اثبات الخطأ فى جانبها ولذلك يكون الحكم بالتعويض غير قائم على سند من القانون.
ويقوم طعن المدعى رقم 694 لسنة 27 ق على أساس أن الضرر المادى الذى تكبده هو يزيد كثيرا على مجرد رسوم الدعوى التى ضاعت عليه ويتمثل ذلك فى مصروفات الانتقال المناسبة التى تكبدها بضياع وقته الثمين فى اجراءات الخصومة، كما أن مصادره حق المدعى فى التقاضى لا يعوض عنها بخمسين جنيها ولاسيما وان هناك اضرارا نفسيه قد أصابت المدعى من جراء القرار المطعون فيه. وقد أخطأ الحكم المطعون فيه بالزام الحكومة بالتعويض وبالمصروفات وقد اختار المدعى من الحكومة أخصام مجددين بالوظيفة كما أخلى الحكم مسئولية المطعون ضده الأخير من التعويض والمصروفات من دون أى وجه حق ولم يفصل الحكم فى طلب الزامه بالتضامن مع مسئول وظيفة ورؤسائه حاله ان المدعى الطاعن يترصده فى ذمته الشخصية وفى ماله الخاص بتنفيذ حكم التعويضات عليه ويأبى أن يحمل خزانة مصر بدين هو وحده المسئول فيه بسبب خطئه فى اصدار القرار محل مسئوليته وسبب التعويض.
ومن حيث ان المادة 68 من دستور جمهورية مصر العربية تنص على أن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة وأن لكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعى. والثابت من الأوراق ان قلم كتاب محكمة جنوب القاهرة الابتدائية قد منع المدعى من قيد دعوى قضائية أمام تلك المحكمة بطلب رد وبطلان وتزوير محضر اجتماع الجمعية العامة لقضاة محكمتى شمال وجنوب القاهرة فى يوم 28/ 9/ 1975 واعتباره كأن لم يكن والزام المدعى عليهم بالمصروفات والمدعى عليهم هم رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ورئيسى محكمتى شمال وجنوب القاهرة وأمين عام كل من محكمة شمال وجنوب القاهرة والثابت أن المدعى تظلم من هذا التصرف الى النائب العام والى وزير العدل. وليس من ريب ان هذا المنع المنسوب الى قلم كتاب محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ليشكل قرارا اداريا ينطوى على عدوان صارخ على حق دستورى كفله الدستور لجميع المواطنين ألا وهو حق الالتجاء الى القضاء، وهو حق مصون ومكفول للناس كافة، ولا يجوز لأقلام الكتاب بالمحاكم الامتناع عن قيد الدعاوى التى يرغب المواطنون فى اقامتها، لان هذا الامتناع يصادر بغير حق وبغير سند من القانون الضمان الدستورى لسيادة القانون ألا وهو حق الالتجاء الى القضاء. وعلى ذلك فان قرار قلم كتاب محكمة جنوب القاهرة الابتدائية المطعون فيه يكون لذلك قرارا غير مشروع حقيقا بالالغاء، وما اعتبر هذا القرار من مخالفة للقانون يشكل ركن الخطأ فى مسئولية الادارة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن قراراتها الادارية غير المشروعة. وقد ترتب على هذا الخطأ الحاق الضرر المادى والضرر الأدبى بالمدعى، اذ اضطر المدعى الى رفع الدعوى رقم 75 لسنة 30 ق أمام محكمة القضاء الادارى، ثم أقام الطعن رقم 694 لسنة 27 ق عليا أمام المحكمة الادارية العليا عن الحكم المطعون فيه الصادر فى تلك الدعوى، أما الضرر الأدبى الذى أصاب المدعى من جراء امتناع قلم كتاب محكمة جنوب القاهرة عن قبول وقيد وتحصيل الرسوم المقررة عن الدعوى التى كان يقصد الى اقامتها فهو ضرر بالغ الخطر والجسامة لما ينطوى عليه من تعمد قلم كتاب المحكمة الابتدائية المذكورة تعطيل حق دستورى مقرر للمدعى بوصفه مواطنا مصريا، وهذا الحق هو حق الالتجاء الى القضاء. وهذه الأضرار جسيمة وبالغة الخطر ولا يجبرها أى تعويض مادى، وكل ما يمكن أن يقضى به من تعويض عن هذه الأضرار لا يقصد به إلى جبرها فالمال لا يعوض أبدا حرمان مواطن من حقه الدستورى المصون والمكفول فى الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، والتعويض عن تعطيل ومصادرة هذا الحق تعويض رمزى لا يجبر الضرر ولكنه يدين العمل الادارى المخالف للقانون ويبرز خطره الجسيم على الحقوق الدستورية المصونة والمكفولة للناس جميعا بأغلظ المواثيق وفى عقيدة هذه المحكمة ان ما قضت به محكمة القضاء الادارى من تعويض للمدعى عن الضرر الأدبى بمبلغ خمسين جنيها هو تعويض كاف عن جميع الأضرار التى أصابته من جراء صدور قرار محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بالامتناع عن قبول وقيد وتحصيل رسوم الدعوى التى كان المدعى يريد أن يقيمها - ولاسيما وأن حكم محكمة القضاء الادارى قد ألزم الحكومة بمصروفات الدعوى وفى ذلك جبر للأضرار المادية التى أصابت المدعى من جراء صدور القرار المحكوم بالغائه وبالتعويض عما نتج عنه من ضرر مادى - واذ قضى الحكم المطعون فيه بالزام الحكومة بأن تؤدى للمدعى تعويضا عن الضرر الأدبى الذى لحقه من هذا القرار مقداره خمسون جنيها والزام الحكومة بالمصروفات - فانه - أى الحكم المطعون فيه - يكون قد صادف الحق والصواب - ويكون الطعن فيه من قبل الحكومة ومن قبل المدعى - كلاهما - فى غير محله وعلى غير أساس سليم من القانون، الأمر الذى يتعين معه الحكم بقبول الطعنين شكلا، وفى موضوعهما برفضهما، وبالزام المدعى والحكومة كل بمصروفات طعنه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا وبرفضهما موضوعا وألزمت كل طاعن بمصروفات طعنه.