مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 41

(6)
جلسة 21 من نوفمبر سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة على محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومى نصار ومحمد مختار العزبى ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 819 لسنة 9 القضائية

( أ ) قضاء ادارى. "اختصاص القضاء الادارى". ترقية. اختصاص القضاء الادارى بنظر الطعن فى قرارات الترقية - ينصرف أساسا الى تعيين الموظف فى درجة مالية أعلى من درجته - يشمل كذلك تقليد الموظف وظيفة تعلو بحكم طبيعتها الوظيفة التى يشغلها فى مدارج السلم الادارى وأن لم يصاحب ذلك نفع مادى.
(ب) موظف. "ترقية". ندب. نقل مدرس أول الى وظيفة مفتش فى التعليم الاعدادى - يعتبر بمثابة ترقية حقيقية وأن لم يصاحبه منح درجة مالية - أساس ذلك أن وظيفة المفتش أرقى فى مدارج السلم الادارى من وظيفة مدرس أول - الندب فى هذه الحالة له مدلوله الخاص وأحكامه المتميزة ولا ينصرف الى الندب المؤقت المنصوص عليه بقانون نظام موظفى الدولة - بيان ذلك.(*)
1 - لئن كانت الترقية التى جعل القانون الطعن فى القرارات الصادرة فى شأنها تنصرف أساسا الى تعيين الموظف فى درجة مالية أعلى من درجته الا أنه لا شك فى أنه يندرج فى مدلولها وينطوى فى معناها تعيين الموظف فى وظيفة تعلو بحكم طبيعتها الوظيفة التى يشغلها فى مدارج السلم الادارى، اذ أن الترقية بمعناها الأعم هى ما يطرأ على الموظف من تغيير فى مركزه القانونى يكون من شأنه تقديمه على غيره فى مدارج السلم الوظيفى والادارى، ويتحقق ذلك أيضا بتقليد الموظف وظيفة تعلو وظيفته فى مجال الاختصاص وان لم يصاحب هذا التقليد نفع مادى.
2 - لئن كان التعيين فى وظيفة مفتش فى التعليم الاعدادى لا يصاحبه منح درجة مالية الا أنه يعتبر بمثابة ترقية حقيقية لأن هذه الوظيفة كما هو واضح من القرار الوزارى رقم 225 الصادر فى 16 من يونية سنة 1955 من وزير التربية والتعليم بشأن القواعد التى تتبع فى شغل الوظائف الفنية فى مدارج السلم الادارى من وظيفة مدرس أول. كما ينص القرار المذكور على انه عند الترقية الى وظائف النظار والوكلاء والمفتشين والمدرسين الأوائل يرتب المرشحون حسب أقدميتهم فى كشوف الترشيح وفق الشروط المنصوص عليها فى هذا القرار وترتب الأماكن حسب أفضليتها ويعطى الأقدم المكان الأفضل وهكذا.... وعلى مقتضى ذلك يكون النقل من وظيفة مدرس أول الى مفتش معتبرا بمثابة الترقية فى مدارج السلم الادارى مما يجعلها خاضعة لرقابة القضاء الادارى. ولا يغير من طبيعة القرار المطعون فيه، وكونه منطويا على ترقية وظيفية ما نص عليه من نقل المطعون ضدهم الى وظائف مفتشين بالاعدادى ندبا، ذلك أن الندب فى الحالة المعروضة له مدلوله الخاص وأحكامه التى ينفرد بها، ولا ينصرف الى الندب المؤقت المنصوص عليه فى المادة 48 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة، وآية ذلك ما نصت عليه المادة السادسة من القرار رقم 255 لسنة 1955 ذاته من انه اذا كان عدد المرشحين المستوفين للشروط فى أية حالة أقل من العدد المطلوب يجوز التجاوز عن بعض الشروط التى تؤهل للترشيح وفى هذه الحالة يكون شغل الوظيفة بطريق الندب الى أن تستوفى الشروط، ويتضح من ذلك أن هذا النص لا ينفى حسب مؤداه أن اسناد الوظيفة للمرشح هو بمثابة ترقية أو أن شغله لها يقع بصورة دائمة مستقرة، يقطع فى ذلك أن تقلد احدى الوظائف المشار اليها فى القرار التنظيمى سالف الذكر حسبما سلف الايضاح يتم عن طريق الترقية اليها، وليس أدل على أن القرار المطعون فيه انطوى على ترقية المطعون ضدهم مما ورد فى محضر لجنة شئون الموظفين التى صدر عنها الترشيح للترقيات المطعون عليها من أنها فى صدد التفتيش الخاص بالمواد الاجتماعية انتهت الى ترقية السادة المدرسين الأوائل بالثانوى ودور المعلمين والمعلمات المبينة أسماؤهم الى وظائف مفتشين بالاعدادى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن المدعى أقام دعواه طالبا الحكم بالغاء القرار رقم 280 الصادر فى 24/ 8/ 1961. متضمنا ترقية المدرسين الأوائل للعلوم الاجتماعية الى وظائف مفتشين فى التعليم الاعدادى فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية الى هذه الوظيفة مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال فى بيان ذلك انه رقى الى مدرس أول فى 1/ 10/ 1955 قبل زملائه المعينين معه لتفوقه وامتيازه كما رقى الى الدرجة الرابعة بالاختيار فى 31/ 3/ 1959 قبل زملائه المذكورين وكانت الوزارة قد تخطته فى الترقية الى هذه الدرجة ولكنها عادت ورقته اعتبارا من التاريخ المذكور تنفيذا لحكم محكمة القضاء الادارى الصادر لصالحه فى الدعوى رقم 1317 لسنة 13 القضائية وفى ذات الوقت فانه حاصل على دبلوم الدراسات العليا فى سنة 1951 ولم يحصل معظم المرقين الى وظيفة مفتش بالقرار المطعون فيه على هذا المؤهل، وفضلا عن ذلك فان التقارير السرية للمدعى فى السنوات 1959، 1960، 1961 كلها تدل على كفايته وامتيازه وجدارته بالترقية بالاختيار، كما أن جميع الشروط التى حددها القرار الوزارى رقم 255 لسنة 1955 فى شأن القواعد التى تتبع فى شغل الوظائف الفنية قد توافرت فيه ورغم ذلك فقد تخطى فى هذه الترقية بمن هم أحدث منه خدمة وأقل كفاية - ولا يجدى فى شأن تخطية التحدى بما أوصى به الوزير فى الاجتماع الذى عقد فى 30/ 7/ 1960 من اجراء اختبار شخصى للمرشحين للترقية الى وظائف أعلى للتحقق من صلاحيتهم للترقية، لأن المقصود بالاختبار الشخصى الموصى به أن يكون تاليا للتدريب الموظفين المرقين الى الوظائف الأعلى، وعلاوة على أن قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 قد جعل الأساس فى تقدير الكفاية ما هو ثابت بتقارير كفاية المرشحين للترقية وفى الاعتماد على الاختبار الشخصى مخالفة للقانون.
وأجابت الوزارة على الدعوى بأن دفعت بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر الدعوى مؤسسة هذا الدفع على أن القرار المطعون فيه صدر بالترقية لوظائف مفتشين بالتعليم الاعدادى بطريق الندب ولذلك فالقرار المطعون فيه لا يدخل فى عداد القرارات التى تختص المحكمة بنظرها. وقالت فى الموضوع أنه يشترط للترقية من وظيفة مدرس أول بالمدارس الثانوية أو بدور المعلمين والمعلمات الى وظيفة مفتش بالتعليم الاعدادى اجتياز المرشح ثلاث مراحل الأولى استيفاء الشروط التى نص عليها القرار الوزارى رقم 255 لسنة 1955 والثانية اجتياز المرشح الاختبار الشخصى المنصوص عليه فى القرار الوزارى الصادر بناء على اجتماع الوزير بالسادة مديرى الادارات وكبار المفتشين فى 30/ 7/ 1960 والمرحلة الثالثة اجتياز الاختبارات التى تعقدها ادارة التدريب بالوزارة طبقا لما نص عليه القرار الوزارى رقم 73 الصادر فى 15/ 4/ 1958 - وانه وان كان المدعى قد اجتاز المرحلة الأولى سالفة الذكر فانه لم ينجح فى المرحلة الثانية اذ انه حصل فى الاختبار الشخصى على 65 درجة بينما حصل المطعون ضدهم على 75 درجة فأكثر، ثم انتهت الوزارة الى طلب رفض الدعوى.
وبجلسة 14/ 3/ 1963 قضت المحكمة بالغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصاريف. وأقامت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص المبدى فى الدعوى بأنه يبين من الاطلاع على القرار المطعون فيه انه الصادر بترقية المطعون ضدهم الى وظائف مفتشين بالاعدادى ندبا، ومقتضى ذلك أن القرار صادر بالترقية وان وصفت هذه الترقية بأنها ندب، فان هذا الوصف لا يغير من طبيعته القرار المطعون فيه، وبالتالى تكون المحكمة مختصة بنظره. وقالت المحكمة بالنسبة للموضوع أن الوزارة لم تنكر على المدعى أسبقيته فى الأقدمية على المطعون ضدهم، كما أن كفايته قدرت بدرجة ممتاز فى السنوات 1959 و1960 و1961 وقد حصل فى كل من السنتين الأخيرتين على 98 درجة، بينما أحد المطعون ضدهم وهو السيد/ أحمد محمد صادق حصل على درجة جيد جدا فى سنتى 1959 و1961 وعلى درجة ممتاز فى سنة 1960 وحصل الثلاثة الآخرون على درجة ممتاز فى السنوات الثلاثة بدرجات تقل فى معظم التقديرات عن درجات المدعى. ولما كانت الترقية الى وظيفة مفتش تتم بالاختيار من بين المرشحين الذين تتوافر فيهم الشروط التى يتطلبها القرار الوزارى رقم 255 لسنة 1955 المشار اليه وهى شروط تحدد المؤهل الدراسى والمدة التى يكون المرشح قضاها فى الوظيفة السابقة ودرجات الكفاية خلال الثلاث سنوات السابقة على الترقية وأخيرا المدة التى قضيت فى التدريس ومن ثم فقد حددت فى هذا القرار جميع عناصر الصلاحية التى تؤهل للترقية، وعلى ذلك يكون من حق من تتوافر فيهم هذه الشروط ويسمح ترتيبهم فى الأقدمية وفى مرتبة الكفاية بالترقية الى الوظائف الشاغرة، يكون من حقهم أن يرقوا الى هذه الوظائف. ولما كان اجتياز المرحلة الثانية الخاصة بأداء اختيار بعد توافر شروط الصلاحية اجراء يتعارض مع ما رسمه القانون لتقدير درجات الكفاية التى تكون قد ثبتت بالتقارير السرية السنوية، فانه لا يجوز بعد ذلك اهدار هذه الكفاية نتيجة لقرار يصدر من الوزير، اذ لا يملك الوزير، بقرار منه أن يصدر قرار يؤدى الى الاخلال بالمركز القانونى المكتسب وفقا لأحكام القانون. وترتيبا على ذلك فانه لما كان تخطى المدعى بمن يلونه فى ترتيب الأقدمية وممن لا يقل عنهم كفاية أن لم يكون مخالفا للقانون، فانه يتعين الحكم بالغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث ان الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قضى بالغاء القرار محل الدعوى الغاء كليا فى حين انه اذا صح ما ذهبت اليه المحكمة فى أسبابها فانها لا تؤدى الا الى الغائه جزئيا فيما تضمنه من تخطى المدعى فى الترقية الى درجة مفتش فضلا عن أن فى القضاء بالالغاء المجرد الذى صدر به الحكم مما يؤدى الى قيامه على قاعدة قانونية خاطئة طالما انه قضى بما لم يطلبه صاحب الشأن وغنى عن البيان أن مدى الالغاء يتحدد بطلبات الخصوم وما تنتهى اليه الحكومة فى قضائها - كما تضمن الطعن وجها آخر مقتضاه أن ما ذهب اليه قضاء الحكم المطعون فيه من أن أداء اختبار شخصى للمرشح لوظيفة مفتش بعد توافر شروط الصلاحية اجراء يتعارض مع ما رسمه قانون الموظفين لتقدير درجات الكفاية - هذا النظر من جانب محكمة القضاء الادارى مخالف للقانون ولم أستقر عليه قضاء المحكمة الادارية العليا من أن معيار الترقية بالاختبار يرتكن الى الحق الثابت للادارة فيما تقرره كعنصر من عناصر المفاضلة من مقام هذا النوع من الترقية، ومن ثم فلا جناح على الجهة الادارية حرصا منها على اصطفاء الأصلح أن تضع لنفسها قاعدة تلتزمها فى الترقية. وتأسيسا على ذلك فانه ليس هناك ما يمنع الوزارة من اصدار قرار تنظيمى لاحق للقرار الوزارى رقم 255 لسنة 1955 يتضمن شروطا أخرى طالما أنه صادر من نفس السلطة التى تملك اصداره وبهذه المثابة فان تخلف المدعى عن اجتياز شرط الاختبار الشخصى الذى نص عليه القرار التنظيمى الصادر فى 30/ 7/ 1960 اذ حصل على 65 درجة بينما حصل المطعون فى ترقيتهم على 75 درجة فأكثر يؤدى الى أن يكون القرار الصادر بترقية هؤلاء دون المدعى قد صدر صحيحا متفقا مع حكم القانون.
وبتاريخ 18/ 3/ 1965 تمسكت الحكومة من مذكرتها المقدمة للمحكمة بالدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر الدعوى تأسيسا على أن القاعدة فى الترقيات انها تكون من درجة مالية الى درجة مالية تعلوها وهو الحكم المستفاد من نصوص مواد القانون رقم 210 لسنة 1951 الواردة فى الفصل الثالث الخاص بالترقيات فكلها عن الترقية من درجة مالية الى درجة مالية تعلوها، وعلى ذلك فاذا كان الأمر يتعلق بشغل وظائف معينة من بين شاغلى درجات مالية متساوية فان الأمر لا يعدو فى هذه الحالة أن يكون توزع عمل واختصاصات شغل هذه الوظائف أيا كانت التسمية التى تطلقها الادارة على عملها هذا أى سواء أسمتها ندبا أو نقلا أو ترقية فهى فى حقيقتها ما هى الا اجراء ادارى تختار به الادارة الشخص المناسب لشغل الوظيفة المناسبة ولا يمكن اعتبار هذا الأمر ترقية اذ انه لا يترتب عليه أية ميزة مالية ولا يسبق الشخص الذى يختار لوظيفة معينة كناظر أو مفتش فى الترقية الى الدرجة المالية تميزه عن زملائه الذين يشغلون نفس درجته المالية، ولا يترتب على شغله هذه الدرجة أن يقدم عليهم ويختار للترقية دونهم. يؤكد ذلك أن المشرع حين أراد أن يخرج على هذه القاعدة نص عليها صراحة كما هو الأمر بالنسبة لوظائف الكادر الفنى العالى بمصلحة الرى الواردة بالقانون رقم 152 لسنة 1958 اذ المستفاد من هذا القانون أن الترقية من درجة الى درجة التى تعلوها يكون بين شاغلى الوظائف العليا الموجودة قرين كل درجة فمثلا فى الترقية من الدرجة الرابعة الى الدرجة الثالثة يشترط أن يكون المهندس قد حصل على وظيفة مساعد مدير أعمال ووكيل هندسة وعلى هذا الأساس يكون النقل من وظيفة مهندس الى وظيفة مساعد مدير أعمال ووكيل هندسة ترقية يطعن عليها الموظف الذى يتخطى فيها بالالغاء، ومثل ذلك أيضا القانون رقم 493 لسنة 1955 الخاص بوظائف الكادر الفنى العالى بمصلحة الميكانيكا. ومن البديهى أن تختلف هذه الحالة عن الحالة التى ترغب فيها الادارة شغل وظيفة معينة كسكرتير قسم أو رئيس قلم مما لا يترتب عليه أية ميزة مالية لمن يشغل هذه الوظيفة ولا يترتب عليه أن يسبق غيره فى الترقية اذ أن القانون رقم 210 لسنة 1951 لم يترتب على شغل مثل هذه الوظائف ميزة أو أفضلية للترقية الى درجات مالية معينة ومما يؤكد هذا المعنى انه بصدور القانون رقم 208 لسنة 1959، أصبحت الترقية فى درجات الكادرين الفنى العالى والادارى الى الدرجة الثانية وما دونها وفى درجات الكادرين الفنى المتوسط والكتابى بالأقدمية المطلقة فى الدرجة وذلك طبقا لقواعد الترقية بالأقدمية المنصوص عليها فى قانون الموظفين. وعلى ذلك فطالما أن المطعون ضده يشغل درجة أقل من الدرجة الثانية فانه لا يترتب على شغله وظيفة معينة سواء أكانت هذه الوظيفة مدرس أول أو مفتش أو ناظر مدرسة ترقيته بالاختيار دون غيره من زملائه ولما كان الأمر لا يعدو أن يكون توزيعا للعمل فانه يعتبر من الملاءمات المتروكة للادارة فلها أن تضع من الشروط ما تشاء لاختيار من تراه صالحا لشغل الوظائف الشاغرة لديها بما تراه محققا للغاية والهدف الذى من أجله أنشأت هذه الوظائف بلا معقب عليها فى ذلك والقول بغير هذا يؤدى الى التدخل فى طريقة ادارة المرفق العام ومن ثم يكون القرار الصادر من وزير التربية والتعليم رقم 255 لسنة 1955 وكذلك القرار الصادر فى 30/ 7/ 1960 والقرار الصادر فى 15/ 4/ 1958 كلها قرارات صحيحة ومثلها فى ذلك القرار الصادر من وكيل الوزارة المساعد لشئون التعليم الفنى بوجوب اجتياز المرشح للترقية لمدرس أول لاختبار شخصى. ولا محل للقول بعدم مشروعيتها ذلك لأنها قرارات داخلية تنظيمية تنتظم بها الادارة طريقة شغل بعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة ومن ثم لا تثريب على الادارة اذ وضعت ما تراه من الشروط لازما لشغل الوظائف الشاغرة لديها ولا يمكن أن تحاج الادارة فى ذلك بتقارير الكفاية الموضوعة عن المطعون ضده اذ أن الكفاية الفنية قد تختلف عن نوع الكفاية التى تتطلبها الادارة لشغل منصب معين وان اتخذت الادارة الكفاية الفنية أحيانا عنصرا من عناصر تقديرها. وانتهت الحكومة فى مذكرتها المشار اليها الى طلب الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى واحتياطيا برفضها مع الزام رافعها فى الحالتين بالمصروفات مقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث انه فيما يتعلق بالدفع المبدى فى الدعوى بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظرها فانه: ولئن كانت الترقية التى جعل القانون الطعن فى القرارات الصادرة فى شأنها منصرف أساسا الى تعيين الموظف فى درجة مالية أعلى من درجته الا أنه لا شك فى أنه يتدرج فى مدلولها وينطوى فى معناها تعيين الموظف فى وظيفة تعلو بحكم طبيعتها الوظيفة التى يشغلها فى مدارج السلم الادارى اذ أن الترقية بمعناها الأعم هى ما يطرأ على الموظف من تغيير فى مركزه القانونى يكون من شأنه تقديمه على غيره فى مدارج السلم الوظيفى والادارى، ويتحقق ذلك أيضا بتقليد الموظف وظيفة تعلو وظيفته فى مجال الاختصاص وان لم يصاحب هذا التقليد نفع مادى.
ومن حيث انه ولئن كان التعيين فى وظيفته مفتش فى التعليم الاعدادى لا يصاحبه منح درجة مالية الا أنه بمثابة ترقية حقيقية لأن هذه الوظيفة كما هو واضح من القرار الوزارى رقم 255 الصادر فى 16 من يونيو سنة 1955 من وزير التربية والتعليم بشأن القواعد التى تتبع فى شغل الوظائف الفنية أرقى فى مدارج السلم الادارى من وظيفة مدرس أول التى يشغلها المدعى. كما ينص القرار المذكور على أنه عند الترقية الى وظائف النظار والوكلاء والمفتشين والمدرسين الأوائل يرتب المرشحون حسب أقدميتهم فى كشوف الترشيح وفق الشروط المنصوص عليها فى هذا القرار وترتب الأماكن حسب أفضليتها ويعطى الأقدم المكان الأفضل وهكذا... وعلى مقتضى ذلك يكون النقل من وظيفة مدرس أول الى مفتش معتبرا بمثابة الترقية فى مدارج السلم الادارى مما يجعلها خاضعة لرقابة القضاء الادارى. ولا يغير من طبيعة القرار المطعون فيه، وكونه منطويا على ترقية وظيفية ما نص عليه من نقل المطعون ضدهم الى وظائف مفتشين بالاعدادى ندبا، ذلك أن الندب فى الحالة المعروضة له مدلوله الخاص وأحكامه التى ينفرد بها، ولا ينصرف الى الندب المؤقت المنصوص عليه فى المادة 48 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة، وآية ذلك ما نصت عليه المادة السادسة من القرار رقم 255 لسنة 1955 ذاته من انه اذا كان عدد المرشحين المستوفين للشروط فى أية حال أقل من العدد المطلوب يجوز التجاوز عن بعض الشروط التى تؤهل للترشيح وفى هذه الحالة يكون شغل الوظيفة بطريق الندب الى أن يستوفى الشروط، ويتضح من ذلك أن هذا النص لا ينفى حسب مؤداه أن اسناد الوظيفة للمرشح هو بمثابة ترقية أو أن شغله لها يقع بصورة دائمة مستقرة، يقطع فى ذلك أن تقلد احدى الوظائف المشار اليها فى القرار التنظيمى سالف الذكر حسبما سلف الايضاح يتم عن طريق الترقية اليها، وليس أدل على أن القرار المطعون فيه انطوى على ترقية المطعون ضدهم مما ورد فى محضر لجنة شئون الموظفين التى صدر عنها الترشيح الترقيات المطعون عليها من أنها فى صدد التفتيش الخاص بالمواد الاجتماعية انتهت الى ترقية السادة المدرسين الأوائل بالثانوى ودور المعلمين والمعلمات المبينة أسمائهم الى وظائف مفتشين بالاعدادى.
ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى غير سليم ولا يتفق مع القانون مما يتعين معه القضاء برفضه.
ومن حيث انه يبين من استظهار أوراق ملف خدمة المدعى انه حصل على ليسانس الآداب سنة 1946 وعلى دبلوم معهد التربية العالى سنة 1948 وعلى دبلوم الدراسات العليا فى التاريخ سنة 1951، والتحق بالخدمة فى 1/ 10/ 1955 ورقى الى الدرجة الرابعة اعتبارا من 31/ 3/ 1959 وتنفيذا للحكم الصادر لصالحه من محكمة القضاء الادارى بجلسة 13/ 10/ 1960 بالغاء القرار الصادر فى 31/ 3/ 1959 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية الى الدرجة الرابعة بالاختيار وتقديراته فى الثلاث سنوات السابقة على حركة الترقيات المطعون فيها وهى سنوات 1959، 1960، 1961 تشهد بكفايته اذ صل فيها جميعا سواء منها التقارير السنوية أو تقارير التفتيش الفنى على درجة ممتازة ومن ثم يكون قد توافرت فى حقه الشروط التى استلزمها القرار الوزارى رقم 255 لسنة 1955 فى شأن الترقية الى وظيفة مفتش بالتعليم الاعدادى بالاختيار واذ كان الثابت من الأوراق أنه يفضل بعض المرقين بالقرار المطعون فيه حيث كانت تقديرات السيد/ أحمد محمد صادق بدرجة جيد جدا فى سنتى 1959، 1961 ولم يحصل على درجة ممتاز الا فى سنة 1960 وتقديرات السيد/ عثمان لطفى على يوسف بدرجة جيد فى سنة 1959 وبدرجة ممتاز فى العامين الأخيرين، فانه لذلك ما كان يجوز تخطيه فى الترقية بمن هم أقل منه كفاية وأحدث منه فى أقدمية الوظيفة والدرجة فالظاهر من كشف المقارنة المودع أن أقدمية كل من السيدين/ أحمد محمد صادق وعثمان لطفى يوسف ترجع فى وظيفة مدرس أول ثانوى الى سنة 1957 وفى الدرجة الرابعة الى 11/ 11/ 1959 بينما أن أقدمية المدعى فيهما طبقا لما سبق تفصيله من 1/ 10/ 1955 بالنسبة لوظيفة مدرس أول ومن 31/ 3/ 1959 بالنسبة للدرجة الرابعة. وبناء على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه خالف القانون ويتعين القضاء بالغائه فيما تضمنه من تخطى المدعى فى الترقية الى وظيفة مفتش بالتعليم الاعدادى ولا حجة فيما استمسكت به الحكومة من أن المدعى تخلف عن اجتياز شروط الاختبار الشخصى الذى نص عليه القرار التنظيمى الصادر فى 30/ 7/ 1960 لحصوله على 65 درجة بينما حصل المطعون فى ترقيتهم على 75 درجة فأكثر، ذلك انه وقد توفرت للمدعى مرتبة الكفاءة التى تؤهله للترقيات بالاختيار على أساس التقارير السنوية التى نص عليها القانون الموظفين والشروط التى فصلها القرار الوزارى رقم 255 لسنة 1955 وما تسفر عنه من الاحاطة التامة بجميع عناصر الصلاحية التى تؤهل للترقية سواء من ناحية المؤهل والخبرة الفنية أو درجة الكفاية المستمدة من التقارير السنوية السرية فى الثلاث سنوات السابقة على اجراء الترقية، وبهذه المثابة فانه لا يسوغ اهدار كافة تلك العناصر الثابتة للمدعى بالموافقة لأحكام القانون استنادا الى نتيجة الاختبار الشخصى وحده خاصة وان استحداث هذا الشرط حتى بفرض اعتباره عنصرا من عناصر المفاضلة فى مقام الترقية بالاختيار لم يكن الى تاريخ الترقية المطعون فيها قد صدر بقرار تنظيمى عام حتى يرتفع ذلك الى مرتبة القرار الوزارى رقم 255 لسنة 1955 الصادر فى 16/ 6/ 1955 أو القاعدة التنظيمية وبالتالى يكون حريا بأن يضيف الى شروطه قيدا جديدا أو يعدل منها بصورة أو بأخرى والثابت من الأوراق أن ثمة توصية صدرت فى الاجتماع الذى عقده وزير التربية والتعليم بتاريخ 30/ 7/ 1960 مع مديرى الادارات التعليمية وكبار المفتشين بضرورة اجراء اختبار شخصى للمرشحين للترقية للوظائف العليا بالوزارة، وأن الوزير قد وافق عليها، ولا شك أن تلك التوصية على هذا النحو لا تعد من قبيل القرارات التنظيمية العامة ما دامت لم تتضمن تحديدا لنطاق هذا الاختبار الشخصى ولم ترسم حدوده كما لم تضع ضوابط هذا الاختيار وتعين أثره فى تحديد درجة كفاية الموظف بما لا يتعارض مع أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن موظفى الدولة أو القرار التنظيمى رقم 255 لسنة 1955 المشار اليه، وليس أدل على قصورها وعدم انضباطها فى هذا الشأن ما ثبت من الأوراق من أن اجتماعا عقد بتاريخ 13/ 6/ 1962 أى بعد حوالى السنتين من صدور التوصية سالفة الذكر برئاسة وكيل الوزارة المساعد للخدمات المركزية لبحث أوضاع الاختبار الشخصى الذى يعقد للسادة المرشحين للوظائف العليا ولتحديد أسمائهم وترتيبا على ذلك فان تخطى المدعى فى الترقية بالاختيار على أساس نتيجة الاختبار الشخصى دون نظر لسائر عناصر الاختبار مما يشوب القرار المطعون فيه ويصمه بعيب مخالفة القانون واذ جاء الحكم المطعون فيه متفقا مع هذا النظر فى النتيجة التى انتهى اليها فانه يكون قد أصاب الحق والقانون فى قضائه ويكون الطعن فيه غير قائم على أساس سليم، ويتعين من ثم القضاء برفضه. والحكم المطعون فيه وان جاء منطوقه خاليا من النص على الغاء القرار المطعون فيه الغاء نسبيا فيما تضمنه من تخطى المدعى من الترقية الى وظيفة مفتش بالتعليم الاعدادى الا أن أسبابه المرتبطة بهذا المنطوق لا تدع مجالا للشك فى أن الالغاء الذى قصد اليه أنما هو الالغاء النسبى لصالح المدعى ولا شك فى أن هذه المحكمة وهى تقتضى برفض الطعن موضوعا ترفضه على أساس ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه فى أسبابه من الغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطى المدعى فى الترقية الى وظيفة مفتش فى التعليم الاعدادى مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا على الوجه المبين بالأسباب وألزمت الحكومة بالمصروفات.


(*) بمثل هذا المبدأ قضت المحكمة الادارية العليا فى حكمها الصادر فى القضية رقم 389 لسنة 8 القضائية بجلسة 27 من يونيه 1965 والمنشور بمجموعة السنة العاشرة - العدد الثالث.