مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 68

(8)
جلسة 27 من نوفمبر سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخارى ورفعت حسنين وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى. المستشارين.

القضية رقم 1606 لسنة 10 القضائية

( أ ) الهيئة الزراعية المصرية. موظف "تأديب" حق الموظف أو العامل فى سماع أقواله وتحقيق دفاعه - لا يسوغ وقد أتيح له ذلك أن يمتنع عن الإجابة أو يتمسك بطلب احالة التحقيق الى جهة أخرى - لجهة الادارة أن تجرى التحقيق بنفسها - لا تلتزم باحالته الى النيابة الادارية ما دام القانون لا يلزمها بذلك.
(ب) موظف. "تأديب. تحقيق". نيابة ادارية. وليس فى القوانين المنظمة للنيابة الادارية ما يسلب الجهة الادارية حقها فى فحص الشكاوى واجراء التحقيق - للجهة الادارية حق وتقدير تقرير الجهة أو الشخص الذى يقوم بالتحقيق والمسائل التى يجرى فيها.
(جـ) موظف. "تأديب. تحقيق". النصوص الواردة فى شأن تأديب العاملين المدنيين بالدولة - ليس فيها ما يوجب احالة التحقيق الى النيابة الادارية - مباشرة الجهة الادارية التحقيق بذاتها أو بأجهزتها القانونية المخصصة - ليس ثمة ما يوجب أفراغ التحقيق فى شكل معين أو وضع مرسوم - أحجام العامل المذنب عن تسجيل أوجه دفاعه مشترطا احالة التحقيق معه الى النيابة الادارية - لا يخل بسلامة التحقيق الذى أجرته جهة الادارة أو ضماناته.
(د) موظف. "فصل. سببه". امتناع الموظف المنقول عن تسلم عمله الجديد فى الجهة المنقول اليها - استمراره على ذلك مدة خمسة عشر يوما دون عذر مقبول - يكون ركن السبب فى القرار الصادر بفصله من الخدمة.
(هـ) موظف. "معاش". فصل. الفصل من الوظيفة اذا اقترن بجزاء الحرمان من المعاش أو المكافأة - لا يقع الحرمان الا فى حدود الربع.
1 - اذا كان من حق الموظف أو العامل أن تسمع أقواله، وأن يحقق دفاعه، الا أنه وقد اتيح له ذلك كله، فلا يسوغ له أن يمتنع عن الاجابة أو يتمسك بطلب احالة التحقيق الى جهة أخرى. ذلك أن من حق جهة الادارة - وفى الطعن الراهن الهيئة الزراعية المصرية - أن تجرى التحقيق بنفسها، وهى اذا كان ذلك من حقها، فانها لا تحمل على احالته الى النيابة الادارية ما دام أن القانون لا يلزمها بذلك. واذا شعر الموظف أو العامل بعدم الاستجابة الى ما أصر عليه - تعين فى حقه أن يسارع الى ابداء أقواله - وتفنيد ما يوجه اليه من اتهامات أو مخالفات - ثم أن له الحق فى نهاية الأمر فى أن يتظلم من القرار الادارى الصادر بناء على مثل هذا التحقيق الذى لا يرتاح اليه - أما أن يمتنع عن ابداء أقواله، ويقف سلبيا ازاء ما هو منسوب اليه بل يصر على موقف التحدى من جهة الادارة دون أن يكون لذلك سبب قانونى أو منطقى سوى أن قسم قضايا الهيئة هو الذى أوصى بوقفه عن العمل فلا تثريب فى ذلك عليها، والموظف لا يلومن بعد ذلك الا نفسه، فكل امرئ وعمله، ومن أساء فعلى نفسه.
2 - ان الذى يجدر التنبيه اليه وتردده هذه المحكمة العليا أنه على الرغم من هذا الاتساع لاختصاصات النيابة الادارية من حيث مجالات تطبيق أحكام قوانينها السابقة والمعدلة لقانون (117) فلقد ظلت للجهات الادارية، وبمقتضى ذات أحكام تلك النيابة الحق فى فحص الشكاوى وفى التحقيق، بل ظل حتى اليوم للجهات الادارية ذلك الحق اطلاقا، ودون أن توضع له ضوابط محدودة وروابط معينة مما ترتب عليه أن أبقت الجهات الادارية على الأجهزة الخاصة بها للتحقيق، واستبقت لذلك أقسام قضاياها لتتولى جهة الادارة بجهازها الخاص تحقيق مالا ترى هى عرضة على النيابة الادارية، ويكون التحقيق الذى قامت به جهة الادارة قد تولته جهة، هى ولا ريب مختصة به قانونا، اذ كلفها قانونها بذلك ولم يحرمها قانون النيابة الادارية منه. فالاحالة الى النيابة الادارية ليست اجبارية عليها، وأن طلبها الموظف المتهم وأصر عليها، بل وان امتنع عن الادلاء بأقواله أمام أجهزتها الادارية فيما هو منسوب اليه من مخالفات.
3 - يخلص من استقراء النصوص الواردة فى شأن تأديب العاملين المدنيين بالدولة أنها ولئن كانت تهدف فى جملتها من غير شك الى توفير ضمانة لسلامة التحقيق وتيسير وسائل استكماله للجهة القائمة به، بغية الوصول الى اظهار الحقيقة من الجهة، ولتمكين العامل المتهم من جهة أخرى من الوقوف على هذا التحقيق وأدلة الاتهام لابداء دفاعه فيما هو منسوب اليه، ولم تتضمن هذه النصوص ما يوجب احالة التحقيق الى النيابة الادارية ولا ما يوجب افراغه فى شكل معين أو وضع مرسوم اذا ما تولته الجهة الادارية ذاتها أو بأجهزتها القانونية المتخصصة فى ذلك، كما لم ترتب جزاء البطلان على اغفال اجرائه على وجه خاص. وكل ما ينبغى هو، على حد تعبير هذه المحكمة العليا، أن يتم التحقيق فى حدود الأصول العامة، وبمراعاة الضمانات الأساسية التى تقوم عليها حكمته بأن تتوافر فيه ضمانة السلامة والحيدة والاستقصاء لصالح الحقيقة، وأن تكفل به حماية حق الدفاع للموظف تحقيقا للعدالة.
4 - متى ثبت أن الموظف لم ينفذ الأمر الصادر بنقله - من القاهرة الى أسيوط - ولم يقم بتسلم عمله الجديد فى الجهة المنقول اليها، واستمر على ذلك مدة خمسة عشر يوما ولم يقدم عذرا مقبولا، فإن هذه الوقائع تكون ركن السبب فى القرار الصادر بفصله من الخدمة ما دام لها أصل ثابت بالأوراق.
5 - وفق الحكم المادة (36) من القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالمعاشات وهو ذات الحكم الذى ردده القانون رقم (46) لسنة 1964 بنظام العاملين المدنيين بالدولة فى مادته (61 و67) فان الفصل من الوظيفة اذا اقترن بجزاء الحرمان من المعاش أو المكافأة فلا يتم ذلك الا فى حدود الربع نزولا على حكم القانون.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
..........................................................................
..........................................................................
...........................................................................
ومن حيث أن الهيئة الزراعية المصرية يرجع انشاؤها الى تاريخ 22 من سنة 1892 وكان يشار اليها بالجمعية الزراعية وغرضها خدمة الزراعة والزراع، وقد استعانت فى بعض عصورها بنخبة من العلماء المصريين والأجانب كان عملهم أساسا الكثير من الدراسات والابتكارات الزراعية المصرية والخروج بالزراعة من وسائلها البدائية وكان نظامها الأساسى يتضمن مبادئ لا تتفق مع النظم المعتادة للجمعيات فكانت تقوم على نظام رئاسى ليس للجمعية العمومية سلطان فيه اذ أن السلطة كلها كانت مركزة فى مجلس الادارة الذى له السلطة المطلقة فيما يتعلق بادارة الجمعية والتصرف فى شئونها. ولم يغب هذا الأمر على الجمعية العمومية فرأت ضرورة تعديل نظامها وأعربت بجلستها المنعقدة فى فبراير سنة 1953 عن رغبتها فى علاج ذلك الوضع القديم ثم قررت أن من المصلحة العامة الغاء ذلك القانون الأساسى القديم برمته ووضع قانون جديد للجمعية يتفق ونظم الجمعيات القائمة. وكان لا بد من تدخل الحكومة فى الأمر محافظة على المصلحة العامة التى يرجى تحقيقها على يد تلك الجمعية ورؤى وضع تشريع يخول مجلس ادارة مؤقت سلطة ادارة الجمعية لتقويم ما أعوج من شئونها وصدر القانون رقم (76) لسنة 1954 فى شأن الجمعية الزراعية المصرية وأنشأ لها مجلس ادارة مؤقت يختص بادارة شئونها ويكون له جميع سلطات مجلس ادارة الجمعية وجمعيتها العمومية، ويضع المجلس المؤقت لائحة داخلية لتنظيم أعماله ولائحة بنظام أساسى جديد للجمعية - صدر فى 11/ 2/ 1954 ونشر بالجريدة الرسمية بالعدد (12) مكررا - ثم فى 14 من أكتوبر سنة 1956 صدر القانون رقم (367) لسنة 1956 بانشاء الهيئة الزراعية المصرية القائمة ونصت المادة الأولى منه على أنها مؤسسة عامة لها الشخصية الاعتبارية وملحقة برئاسة الجمهورية. ويكون لهذه الهيئة مجلس ادارة يصرف أمورها طبقا لأحكام هذا القانون رقم (367) دون التقيد بالنظم الادارية والمالية المتبعة فى المصالح الحكومية. وتتولى هذه الهيئة القيام بما يتصل بالأبحاث وتحسين الانتاج الزراعى والحيوانى وتربية النباتات وتحسين واصلاح التربة وانتقاء وانتاج التقاوى واستنباط السلالات واقامة المزارع النموذجية... ومقاومة الآفات والمبيدات الحشرية. وجاء فى المادة السادسة من هذا القانون أن هذه الهيئة لا تخضع فى أنظمتها وحساباتها وادارة أموالها، وقواعد تعيين موظفيها وترقياتهم وتأديبهم وسائر شئونهم للقوانين واللوائح والتعليمات الحكومية. وفى المادة الثامنة تندمج فى الهيئة المنشأة وفق أحكام هذا القانون رقم (367) الجمعية الزراعية المصرية، وتحل الهيئة محلها، ويلغى القانون رقم (76) لسنة 1954 وكل نص يخالف أحكام هذا القانون الجديد. وفى 29 من نوفمبر سنة 1960 قرر مجلس ادارة الهيئة الزراعية المصرية اصدار اللائحة الداخلية للهيئة بناء على ما ارتآه مجلس الدولة ونصت المادة الأولى من قرار مجلس ادارة الهيئة على أن (تعمل باللوائح المرفقة لهذا القرار فى الشئون المتعلقة بادارة الهيئة وموظفيها، وفى المناقصات والمزايدات وأعمال المخازن). وجاء فى المادة الثانية من اللائحة الداخلية أن مجلس ادارة الهيئة هو السلطة العليا المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها ووضع السياسة العامة التى تسير عليها وفقا لقانون انشائها وقانون المؤسسات العامة دون التقيد بالنظم الادارية والمالية المتبعة فى المصالح الحكومية. ويختص مجلس ادارة الهيئة بما جاء ذكره على التحديد فى اللائحة، ومن بين ذلك الفقرة (4) النظر فيما يعرضه عليه المدير العام من شئون الهيئة المختلفة واصدار قراراته فيها. ونصت المادة (9) من اللائحة على أن يتولى أعمال الهيئة التنفيذية مدير عام يعين ويحدد راتبه بقرار من رئيس الجمهورية ويكون مسئولا أمام مجلس الادارة ويختص بما جاء ذكره تحديدا ومن بين ذلك الفقرة (6) الاشراف على أعمال الموظفين الذين يعملون فى الهيئة. ونصت المادة (23) من اللائحة على إنشاء لجنة تسمى (لجنة شئون الموظفين) تختص بالنظر فى تعيينهم وترقياتهم وعلاواتهم وتشكل برئاسة أحد وكلاء المدير العام للهيئة وأربعة من مديرى الأقسام وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات ويكون لها سجل خاص تدون فيه محاضر اجتماعاتها. واختص الفصل الرابع من اللائحة الداخلية للهيئة بتأديب الموظفين والعمال ونصت المادة (109) على الجزاءات التى يجوز توقيعها على الموظفين وتبدأ من الانذار فى البند (1) ثم تتدرج الى الفصل من الخدمة فى الفقرة (10) ونصت المادة (109) فى عجزها على أنه (ولا يجوز توقيع الجزاءات المذكورة الا بعد التحقيق مع الموظف فيما نسب اليه من تقصير أو اهمال أو فيما ارتكبه من مخالفات ثم المادة (110) من اللائحة على الجزاءات التى يجوز توقيعها على العمال وتبدأ من الانذار فى البند (1) الى الفصل من الخدمة فى البند (7) وجاء فى عجز المادة (110) النص الآتى: (ويباشر المدير العام سلطة توقيع هذه الجزاءات بعد التحقيق). كما نصت المادة (111) من اللائحة على أن تنتهى خدمة الموظف أو العامل باحدى الأسباب الآتية:.... ومنها البند (3) الفصل من الخدمة بقرار من رئيس مجلس ادارة الهيئة - الوزير - بالنسبة الى الموظفين، وبقرار من المدير العام بالنسبة للعمال.
ومن حيث أنه قد ثبت لهذه المحكمة من العديد من المذكرات وأوراق التحقيقات المرفقة بملف هذا الطعن أن السيد/ وصيف عبد الوصيف كان يرفض الاجابة على ما يوجه اليه من أسئلة أو يمتثل لما يصدر اليه من أوامر رؤسائه. كما أنه عندما توجه السيد مندوب قسم القضايا بالهيئة لاجراء التحقيق معه فيما قرره بشأنه مفتش زراعة ديرب نجم من أن هذا الأخير توجه الى بلدة المجفف فوجد أن العمل فى حالة شبه اضراب وأن السيد وصيف حرض ويحرض العمال على التوقف عن العمل، وان المقاومة توقفت فعلا وتعطل العمل لمدة ثلاثة أيام، ورفض المطعون عليه الملاحظ وصيف ابداء أقواله فيما هو منسوب اليه وفيما هو واقع للعيان بل كان ذلك ديدنه مع جميع رؤسائه ومع كل محقق يسعى اليه لسماع أقواله واثبات دفاعه، وما كان عليه أن يقف كذلك بل كان واجب الدفاع عن نفسه يقتضى منه أن يجيب على ما يوجه اليه من أسئلة، وله بعد ذلك أن يتظلم من التحقيق اذا كان له عليه مأخذ وذلك بالطرق التى رسمها كل قانون لكل تحقيق مع كل متهم أو مذنب. أما أن يصدر اليه أمر بالنقل من بلدة المجفف الى ديرب نجم أو الزقازيق، فيجادل فى أسبابه ويحاور فى مبرراته ويعرقل أو يمتنع عن تنفيذه خاصة فى شهر أغسطس وقد أعلنت دودة القطن على المحصول البلاد وباءها والدولة كلها والشعب بأسره قائم ساهر للقضاء عليها. فهذا من ذاك الملاحظ غير مقبول ولا معقول. وثابت أيضا أنه أصر على الامتناع عن تسليم اللجنة المبيدات والسجلات والأوراق وكل ما فى عهدته الى زميله الملاحظ الجديد مهران المكلف بالجملة بدلا منه. والمتهم يرد على أسئلة رؤسائه بألفاظ وعبارات ماسة وجارحة، وينسب الى بعضهم أمورا لا أصل لها ويتمسح تارة فى السيد محافظ الشرقية وغيره من رجال القلم، كل ذلك ان دل على شئ فانما يدل على أن المطعون عليه لا يحترم نفسه ولا يوقر رؤساءه ولا يطيع أوامرهم أو يمتثل الى توجيهاتهم وتعليماتهم المصلحية، وفى ذلك كله أو فى بعض منه أضرار ولا ريب بالصالح العام واخلال صريح وجرئ بواجبات الوظيفة العامة التى يشغلها منذ بضع سنين وبمقتضياتها.
واذا كان من حق الموظف أو العامل أن تسمع أقواله، وأن يحقق دفاعه، الا أنه وقد أتيح له ذلك كله، فلا يسوغ له أن يمتنع عن الاجابة، أو يتمسك بطلب احالة التحقيق الى جهة أخرى. ذلك أن من حق جهة الادارة - وفى الطعن الراهن الهيئة الزراعية المصرية وقد استعرضنا نصوص قوانينها المتعاقبة منذ انشائها قديما وكذلك أحكام لائحتها الداخلية - أن تجرى التحقيق بنفسها، وهى اذا كان ذلك من حقها، فانها لا تحمل على احالته الى النيابة الادارية ما دام أن القانون لا يلزمها بذلك. واذا شعر الموظف أو العامل بعدم الاستجابة الى ما أصر عليه، تعين فى حقه أن يسارع الى ابداء أقواله، وتنفيذ ما يوجه اليه من اتهامات أو مخالفات. ثم أن له الحق فى نهاية الأمر أن يتظلم من القرار الادارى الصادر بناء على مثل هذا التحقيق الذى لا يرتاح اليه، أما أن يمتنع عن ابداء أقواله، ويقف سلبيا ازاء ما هو منسوب اليه بل يصر على موقف التحدى من جهة الادارة دون أن يكون لذلك سبب قانونى أو منطقى سوى أن قسم قضايا الهيئة هو الذى أوصى بوقفه عن العمل، فلا تثريب فى ذلك عليها، والموظف لا يلوم عندئذ الا نفسه، فكل امرئ وعمله ومن أساء فعلى نفسه.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد جانبه الصواب حقا اذ ذهب فى أهم أسبابه الى القول بأن النيابة الادارية لم تجر تحقيقا فى المواضيع والاتهامات التى نسبت الى المدعى وصيف، وأن الهيئة الزراعية المصرية كان عليها أن تحيل الموضوع برمته الى تلك النيابة لتحققه بمعرفتها لتعلق حق المدعى بذلك الاجراء بعد أن رفض ابداء أقواله أمام المحقق الذى كلفته جهة الادارة بتولى تحقيق الموضوع. وهذا النظر غير سديد، ولا سند له من أحكام القانون.
فقد كانت الجهات الادارية تقوم وحدها، بأجهزتها الخاصة بالتحقيق فيما يظهر لديها من مخالفات وظيفة، وعندما صدر ونفذ قانون نظام موظفى الدولة رقم (210) من أول يوليه سنة 1952 وبقى الوضع على ذلك حتى أدرك المشرع قيام خلل، وفى بعض الأجهزة الادارية، يتمثل فى عدم كفالة الحيدة التامة لدى بعض المحققين حينا، وافتقارهم احيانا للضمانات اللازمة لاداء رسالتهم على أكمل وجه فبادر المشرع الى توحيد الادارات العامة للشئون القانونية ومراقبتها وادارتها توحيدا يحقق استقلال موظفى هذه الادارات وحيدتهم، ويخلق منها هيئة موحدة جديدة صالحة للقيام على ما يناط بها فى سبيل اصلاح الادارة الحكومية وتدعيمها. وصدر القانون رقم (480) لسنة 1954 فى 16 من سبتمبر سنة 1954 - الوقائع المصرية 16/ 9/ 1954 العدد 74 مكرر - بانشاء النيابة الادارية ونص فى المادة الرابعة فيه على أن: (تختص النيابة الادارية باجراء التحقيقات الادارية مع موظفى الدولة الدخلين فى الهيئة والمستخدمين الخارجين عنها، والعمال فيما يحال اليها من الجهات الادارية المختصة، وما تتلقاه من شكاوى ذوى الشأن، ولا يسرى هذا الحكم على الموظفين اللذين تنظم التحقيق معهم وتأديبهم قوانين خاصة.....) وأوضح أن اختصاص النيابة الادارية بالتحقيق قد جاء قاصرا على ما يحال اليها من الجهة الادارية المختصة، واخرج بذلك عنها مالا يحال اليها، فتتولى الجهة الادارية تحقيقه بجهازها الخاص، وهو أمر لا شك فى أنها تملكه بغير منازع. ثم ظل على ذلك وضع النيابة الادارية واختصاصها بالتحقيق الى أن أعيد تنظيمها من جديد فى عام 1958 اذ صدر فى 11 من أغسطس سنة 1958 القانون رقم (117) على أساس استكمال مقومات النيابة الادارية، ومنحها الاختصاصات اللازمة لتساهم فى اصلاح أجهزة الدولة بنصيب فعال. فصار لها وفقا للتنظيم الجديد، اجراء الرقابة والتحريات اللازمة للكشف عن المخلفات المالية والادارية، وفحص الشكاوى التى تحال اليها من الرؤساء المختصين أو من أية جهة رسمية عن مخالفة القانون أو الاهمال فى أداء واجبات الوظيفة، وكذلك اجراء التحقيق فى المخالفات الادارية والمالية التى يكشف عنها اجراء الرقابة، وفيما يحال اليها من الجهات الادارية المختصة، وفيما تتلقاه من شكاوى الأفراد والهيئات التى يثبت الفحص جديتها (المادة الثالثة) من القانون رقم 117 لسنة 1958 وفضلا عن ذلك فان اللائحة التنفيذية لهذا القانون قد أيدت فى مادتها السابعة، وما سبق أن أقرته اللائحة التنفيذية لقانون نظام موظفى الدولة من أن التحقيق يتناول كل ما يتكشف من مخالفات، ولو لم يتصل بالواقعة الأصلية. ثم امتد اختصاص النيابة الادارية بعد ذلك بالقانون رقم (19) لسنة 1959 الى العاملين بالمؤسسات والهيئات العامة، والعاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية. وتطبيقا لذلك صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (1456) لسنة 1959 بسريان أحكام قانون النيابة الادارية على الشركات والهيئات القائمة على التزامات المرافق العامة طبقا للقانون رقم (129) لسنة 1947 وتطبيقا لذلك صدر أيضا قرار رئيس الجمهورية رقم (2062) لسنة 1960 باخضاع بعض الجمعيات والهيئات الخاصة لأحكام قانون النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية. وامتد اختصاص النيابة الادارية بالقانون رقم (19) لسنة 1959 الى العاملين بالشركات التى تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات أو الهيئات العامة بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها، أو تضمن لها حدا أدنى من الأرباح. وكذلك امتد اختصاص النيابة الادارية بالقانون رقم (143) لسنة 1963 الى أعضاء مجالس ادارة التشكيلات النقابية المشكلة طبقا لقانون العمل، والى أعضاء مجالس الادارة المنتخبين فى الشركات والجمعيات والمؤسسات الخاصة. على أن الذى يجدر التنبيه اليه وتردده هذه المحكمة العليا أنه على الرغم من هذا الاتساع لاختصاصات النيابة الادارية من حيث مجالات تطبيق أحكام قوانينها السابقة والمعدلة للقانون (117) فلقد ظلت للجهات الادارية وبمقتضى ذات الأحكام تلك القوانين، الحق فى فحص الشكاوى، وفى التحقيق، بل ظل حتى اليوم للجهات الادارية ذلك الحق اطلاقا، دون أن توضع له ضوابط محددة وروابط معينة مما ترتب عليه أن أبقت الجهات الادارية على الأجهزة الخاصة بها للتحقيق، واستبقت لذلك أقسام قضاياها لتتولى جهة الادارة بجهازها الخاصة تحقيق مالا ترى هى عرضه على النيابة الادارية، ويكون التحقيق الذى قامت به جهة الادارة قد تولته جهة، هى ولا ريب مختصة به قانونا، اذ كلفها قانونها بذلك ولم يحرمها قانون النيابة الادارية منه. فالاحالة الى النيابة الادارية ليست اجبارية عليها، وان طلبها الموظف المتهم أو أصر عليها، بل وان امتنع عن الادلاء بأقواله أمام أجهزتها الادارية فيما هو منسوب اليه من مخالفات.
وقد يكون ذلك شرعا صارما ولكنه قائما مكتوب، وأحكام القضاء تبنى على نصوص القوانين فقد حرص كل من القوانين أرقام (480) لسنة 1954، (117) لسنة 1958، وحتى رقم (54) لسنة 1964 باعادة تنظيم الرقابة الادارية، المنشور بالجريدة الرسمية فى 16 من مارس سنة 1964 العدد 62 - حرص كل على تأكيد حق الجهة الادارية فى اجراء التحقيق فالقانون الأول يترك للادارة الخيار فى اجراء التحقيق بنفسها أو أن تطلب من النيابة الادارية اجراءه. والقانون الثانى يشير صراحة فى مادته الثانية الى أن اختصاص النيابة الادارية لا يخل بحق الجهة الادارية فى الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق - (مع عدم الاخلال بحق الجهة الادارية فى الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق، تختص النيابة الادارية بالآتى..)، والقانون الثالث حرص أيضا على أن يورد فى مادته الثانية أنه: (مع عدم الاخلال بحق الجهة الادارية فى الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق، تختص الرقابة الادارية بالآتى..) كل هذه النصوص التشريعية المتعاقبة أكدت قصد الشارع فى أن تحتفظ الجهة الادارية - رغم قيام النيابة الادارية ثم حديثا الرقابة الادراية - بوحداتها التى تتولى التحقيق تحت مسميات مختلفة. وقد نصت المادة (46) من مرسوم اللائحة التنفيذية للقانون رقم (210) لسنة 1951 - منشور بالوقائع المصرية العدد الرابع فى 12 من يناير سنة 1953 - (وهذه اللائحة تظل نافذة حتى يتم وضع اللائحة التنفيذية الجديدة للقانون رقم (46) لسنة 1964 باصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة) - تنص المادة (46) من هذه اللائحة على أنه (اذا كانت الشكوى أو التبليغ أو المخالفة خاصة بموظف يعين بمرسوم أو من درجة مدير عام تعين على قسم المستخدمين اعداد مذكرة عن موضوعها خلال أسبوع لرفعها بمعرفة وكيل الوزارة الى الوزير المختص للنظر فى أمر احالة الموظف الى مجلس التأديب الأعلى بعد التحقيق معه أو حفظ الموضوع تبعا لظروف الحال. أما بالنسبة الى غير هؤلاء من الموظفين فيعرض الأمر على وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة بحسب الأحوال لتقرير اجراء التحقيق مع الموظف أو حفظ الموضوع تبعا لظروف الحال. وفى حالة صدور قرار وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة المختص باجراء التحقيق، تعين أن يتضمن القرار الجهة أو الشخص الذى يقوم بالتحقيق والمسائل المطلوب تحقيقها بصفة عامة). ويظهر من ذلك أن أمر الاحالة الى التحقيق يصدر من الوزير بالنسبة الى العاملين من درجة مدير عام - وهى تقابل بعد صدور القانون رقم 46 لسنة 1964 - الدرجة الثانية، أو الذين يعينون بقرارات جمهورية. يصدر فيما عدا ذلك من وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة على حسب الأحوال. وحكمه هذا القيد هو أن يصدر الأمر بعد ترو، وتمهل حتى لا يحل العاملون الى التحقيق جزافا. وعبارات النص جملة وتفصيلا، لفظا ومعنى، قاطعة فى أن للجهة الادارية وحدها حق تقدير وتقرير الجهة أو الشخص الذى يقوم بالحقيق والمسائل التى تريد جهة الادارة وتقدر أن يجرى فيها التحقيق - فاذا ما أحيل الموظف أو العامل الى التحقيق كان للمحقق الادارى الاطلاع على الأوراق ولو كانت سرية، وكان له كذلك سماع الشهود عاملين كانوا أم غير عاملين. وقد وردت هذه الأحكام فى المادة (93) من القانون رقم (210) كما نصت المادة (60) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم (46) لسنة 1964 على أنه تنظم اللائحة التنفيذية للقانون اجراءات التحقيق الادارى.
ومن حيث أنه يخلص من استقراء النصوص الواردة فى شأن تأديب العاملين المدنيين بالدولة أنها ولئن كانت تهدف فى جملتها من غير شك الى توفير ضمانه لسلامة التحقيق وتيسير وسائل استكماله للجهة القائمة به، بغية الوصول الى اظهار الحقيقة من جهة، ولتمكين العامل المتهم من جهة أخرى من الوقوف على عناصر هذا التحقيق وأدلة الاتهام لابداء دفاعه فيما هو منسوب اليه، ولم تتضمن هذه النصوص ما يوجب احالة التحقيق الى النيابة الادارية ولا ما يوجب افراغه فى شكل معين أو وضع مرسوم اذا ما تولته الجهة الادارية ذاتها أو بأجهزتها القانونية المتخصصة فى ذلك، كما لم يترتب جزاء البطلان على اغفال اجرائه على وجه خاص. وكل ما ينبغى هو على حد تعبير هذه المحكمة العليا أن يتم التحقيق فى حدود الأصول العامة، وبمراعات الضمانات الأساسية التى تقوم عليها حكمته بأن تتوافر فيه ضمانة السلامة والحيدة والاستقصاء لصالح الحقيقة، وأن تكفل به حماية حق الدفاع للموظف تحقيقا للعدالة.
لئن كان ذلك كله كذلك، فانه متى ثبت للمحكمة أن جهة الادارة قد استجمعت الوقائع المكونة للذنب التأديبى، واستخلصت عناصر الاتهام بأسلوب مشروع من مصادرها الصحيحة وضمت الأوراق المؤيدة لها وأكملت بأقوال الشهود من الموظفين وغيرهم أو بالتحريات والايضاحات أو التقارير المقدمة منهم ثم واجهت الادارة بعد ذلك العامل المحال الى التحقيق بهذا كله، سواء باستجوابه عن تلك الوقائع أو بمناقشته فيها أو تبليغه بها لابداء ملاحظاته أو رده عليها، فاذا ما تحقق هذا ولم يقع اخلال به، فان الغاية التى استهدفها المشرع من الأحكام الخاصة باجراءات التأديب فى هذا الخصوص تكون ولا شك قد تحققت تماما، ولا يقدح فى صحة هذا النظر امتناع العامل المذنب عن الادلاء بأقواله عما هو منسوب اليه، أو احجامه عن تسجيل أوجه دفاعه مطالبا ومشترطا احالة التحقيق معه الى النيابة الادارية وصمم على موقفه هذا لا لسبب سوى أن قسم القضايا بالهيئة الزراعية هو الذى سبق وأشار بايقافه عن العمل تمهيدا للتحقيق معه وقد شرع القسم فى ذلك فعلا فى محضر تاريخه 9/ 9/ 1962 أجراه السيد رئيس قسم القضايا الذى استدعى المطعون عليه الملاحظ وصيف عبد الوصيف فحضر ووجه اليه المحقق السؤال الآتى: (وردت المذكرة رقم (9184) وارد الهيئة الزراعية فى 27/ 8/ 1962 وتحولت من السيد وكيل المدير العام الى قسم القضايا وهى مرسلة من السيد مفتش الزراعة بديرب نجم، وقد جاء فيها أنه فى يوم 14/ 8/ 1962 توجه المفتش الى ناحية المجفف، فوجد أن العمل فى حالة شبه اضراب، وأنك تحرض العمال على عدم العمل، وأن العمل تعطل فعلا لمدة ثلاثة أيام فما دفاعك؟ فأجاب الموظف المتهم بما يأتى: (ان ايقافى عن العمل من يوم 3/ 9/ 1962 قد صدر بناء على رأى قسم القضايا هذا باعتبار ادانتى فى التحقيق الذى كان فى نيابة جنوب القاهرة يوم 5/ 4/ 1962 حيث ان سيادتكم شخصيا تعلمون أن النيابة العمومية تديننى وبالرغم من هذا طلبتم ايقافى عن العمل مستندا الى هذه الواقعة وذلك بمناسبة شكوى السيد مفتش زراعة ديرب نجم، ولولا استنادكم الى هذه الواقعة فى طلب إيقافى لما أوقفتنى الهيئة الزراعية ولا استمر التحقيق معى وأنا قائم بعملى. لذلك ولسابقة ابداء رأيكم فى القضية قبل اجراء تحقيق فيها يجعلنى ارجوا احالة التحقيق بكامله الى النيابة الادارية لاجرائه - توقيع وصيف) ثم استمر المحقق فى سماع أقوال ما يزيد على ست من الموظفين والعمال وبلغت صفحات هذا التحقيق وحده (28) صفحة خلافا لما سبق تحريره من محاضر تحقيقات بديرب نجم والزقازيق قام بها موظفون مسئولون مكلفون بذلك ومن ثم يكون هذا الملاحظ هو الذى قد فوت على نفسه فرصة سماع أقواله وتحقيق دفاعه أمام رئيس قسم قضايا الهيئة، وأن كان قد أدلى بأقواله ودفاعه فى محاضر التحقيقات السابقة وكلها موجودة بملف هذا الطعن، فلا يجوز لمثل هذا المطعون عليه بعد ذلك كله التحدى بالقول ان ضمانات التحقيق معه لم تتوفر وان أقواله لم تسمع وأن دفاعه لم يتحقق. فما كان له، والحالة هذه، ان يفرض ارادته على جهة الادارة مستنجدا بالنيابة الادارية آمرا بوجوب احالة ملف التحقيق اليها. ذلك ما أخطأ فيه الحكم المطعون فحق عليه هذا الطعن السديد بالالغاء.
ومن حيث ان تقرير السيد مفوض الدولة لدى هذه المحكمة العليا قد انتهى الى أنه ولئن كانت كافة الوقائع الأخرى ثابتة فى حق المطعون عليه الملاحظ وصيف وكان للادارة تقدير الجزاء التأديبى فى حدود النصاب القانونى الا أن مناط ذلك أن يكون التقدير على أساس قيام سببه بجميع أشطاره، فاذا تبين أنه قدر على أساس عدة تهم لم يقم فى حق الموظف سوى بعضها دون البعض الآخر مثل تهمة تحريض العمال على الاضراب فان الجزاء والحالة هذه لا يقوم على كامل سببه ويتعين اذن الغاء القرار لاعادة التقدير على أساس استبعاد ما لم يقم فى حق الموظف وبما يتناسب صدقا وعدلا مع ما قام فى حقه.
ومن حيث أن الثابت على وجه اليقين فى جميع أوراق التحقيقات السالف التنويه اليها أن السادة مفتش وزارة الزراعة، ومدير مشروع مقاومة الآفات، ومهندس الوحدة، والمهندس المساعد، والمعاون الزراعى، والملاحظ وغيره كلهم قد أجمعوا على أن الملاحظ وصيف يسيئ غاية الاساءة معاملة كل من رؤسائه على اختلاف درجاتهم وذواتهم، وزملائه معا، وانه يوجه الى كل منهم أمام الناس الفاظا ماسة ومخلة، وانه لا يمتثل لما يصدر اليه من أوامر ولا ينفذ تعليمات الهيئة التى يعمل فيها ويتقاضى أجره من خزائنها، وأنه غير مخلص فى اداء واجبات عمله، وغير أمين على ما فى عهدته حتى اضطرت الهيئة الزراعية تبليغ النيابة العامة عن جريمتى التبديد والاختلاس فى 5/ 11، 29/ 8/ 1962 - مستند رقم 35، ورقم 63 ملف الخدمة - وفضلا عن ذلك فقد تسربت اليه الشائعات ولاكته الأقاويل فى الأرياف مما دفع الرؤساء الى طلب نقله فورا بعيدا عن بلدة المجفف وذلك حفاظا على سمعة الهيئة الزراعية ورعاية لنشاطها المقيد فى خدمة المرفق العام الذى تباشره. والملاحظ وصيف غير مرغوب فى العمل معه، ولا فى بقائه بلجنة المجفف الزراعية، وليس يبين من الأوراق ولا من الأوامر والتعليمات أن أحدا من رؤساء هذا الملاحظ كان متحاملا عليه وانما هى وحدها أفعاله وأقواله وتصرفاته وسمعته التى جعلتهم جميعا يطالبون بابعاده من اللجنة المذكورة. وجدير بالذكر أن بعض الرؤساء المشرفين على العمل الذى يتولاه من رجال وزارة الزراعة، وليسوا من أبناء الهيئة الزراعية التى ينتسب اليها المطعون عليه وقد أجمع كلهم على أن المذكور غير مرغوب فيه. ثم بعد أن صدر أمر النقل اليه وكلف بتسليم اللجنة ما فى عهدته بكل متعلقاتها الى ملاحظ آخر ندب مكانه كان يتحتم عليه أن يقوم فورا بتسليمها وينفذ أمر النقل فور صدوره ولكنه تحدى كل ذلك وضاعت عبثا كل محاولات اقناعه بتنفيذ قرار النقل. ولا حجاج فيما دافع به الملاحظ وصيف عن نفسه فى ذلك عندما سئل فى تحقيقات ديرب نجم من أنه كانت لديه عهدة وذلك قول مردود بأن الأمر الصادر كتابة اليه انطوى على أن يسلم كل ما فى عهدته وليحل محله ولكن وصيف رفض تسليمه العهدة وأعلن تصميمه على عدم تنفيذ أمر النقل الى المعسكر الزراعى بديرب نجم. فلما انتقل اليه مهندس المشروع لاقناعه بالعدول عن اصراره وتحديه لأمر النقل صمم المطعون عليه وركب رأسه ممعنا فى التحدى. فاذا ما أضيف الى كل ما تقدم جريمة تحريض العمال على الاضراب عن العمل وأن تحريضه انقلب فعلا الى اضراب أدى بالفعل الى توقف العمل لمدة ثلاثة أيام فى منتصف شهر أغسطس سنة 1962 فى أحرج ظروف المقاومة لدودة القطن وأشدها ضراوة على محصول البلاد وكل ذلك ثابت تفصيلا فى الأوراق وفى التحقيقات من المعاينة وأقوال مختلف الشهود بأن المحرض على وقف العمل هو الملاحظ وصيف وللاسباب السالف تسجيلها فى وقائع هذا الطعن، وقد يثبت من الأوراق أن الملاحظ المذكور حتى بعد نقله بالقوة بعد منتصف الليل لأنه بعد أن تلقى أمر النقل فى أول أغسطس سنة 1962 ظل قائما ببلدة المجفف رافضا تنفيذ أمر النقل الى معسكر الزراعة بديرب نجم والزقازيق وبقى على ذلك ما يقرب من أسبوعين، فانه حتى بعد هذا النقل الذى نفذا جبرا عنه فانه كان يعود الى لجنة البلده (المجفف) ويتردد عليها لتحريض العمال على وقف العمل تضامنا معه فى تحدياته للادارة واحتجاجا على نقله بين صفوف أخوانه ثم أنه وقد ثبت عجز ما فى عهدته بمحضر الجرد المرفق بأوراق ملف خدمته، فانه لم يبق هنالك متسع لسماع ما انتهى اليه تقرير السيد مفوض الدولة لدى هذه المحكمة ويكون القرار الصادر بفصله من الخدمة بعد وقفة عن العمل، وبعد تحقيق طويل جاء بعد تحقيقات مفصله، قد قام ولا شك على أسباب عدة مختلفة كل منها كاف وحدة لتبريره قانونا ولحملة يقينا. فلا محل لاقناع مقتنع.
ومن حيث أنه قد سبق لهذه المحكمة العليا أن قضت بأنه متى ثبت أن الموظف لم ينفذ الأمر الصادر بنقله - من القاهرة الى أسيوط - ولم يقم بتسلم عمله الجديد فى الجهة المنقول اليها، واستمر على ذلك مدة خمسة عشر يوما ولم يقدم عذرا مقبولا، فان هذه الوقائع تكون ركن السبب فى القرار الصادر بفصله من الخدمة ما دام لها أصل ثابت بالأوراق. وليس يغنى عن ذلك ارسال الموظف كتابا الى رئيسه يبدى فيه استعداده لتنفيذ قرار نقله، دون أن يقوم من جانبه بأى عمل ايجابى لتنفيذ هذا النقل بالفعل، فهذا الكتاب يدل على امعانه فى موقفه السلبى من قرار النقل. - الطعن رقم (477) لسنة 3 القضائية عليا بجلسة أول مارس سنة 1958 - والطعن رقم 1603 لسنة 8 القضائية عليا بجلسة 27 من أبريل سنة 1963 الآنسة نهاد حسن أنور حفيظ ضد وزارة التربية والتعليم، لم ينشر بعد - وكذلك سبق لهذه الدائرة الأولى أن قضت بجلستها المنعقدة فى 5 من يونية سنة 1965 فى الطعن رقم (1274) لسنة 9 القضائية، السيدة/ زبيدة عبد الحميد محمد ضد وزارة الصحة العمومية، بأن اداء أعمال الوظيفة وواجباتها هو أول وأهم التزام على الموظف الذى ينبغى عليه أن يقوم بما يعهد به اليه رئيسه ويكون اداؤه ذلك العمل دون تعقيب منه على مدى ملاءمة العمل المذكور أو مناسبته. فتوزيع العمل هو من اختصاص الرئيس الادارى وحده. والمفروض أن العامل بتعيينه انما يقبل الخضوع لكافة مقتضيات المرفق الذى أضحى ينتمى اليه بعد صدور قرار التعيين. ومن أولى هذه المقتضيات ضرورة سير المرفق بانتظام واضطراد ودون تقطع خصوصا اذا تعلق الأمر بمرفق يقدم خدمات مباشرة إلى الجمهور كالمستشفيات فى وقائع طعن السيدة زبيدة عبد الحميد، وكالهيئة الزراعية المصرية ومقاومة آفات القطن الزراعية بالأقاليم. وفى مقدمة الواجبات التى يتعين على العاملين مراعاتها أثناء العمل واجب طاعة الرؤساء Obéissance hierarahique فالرئيس هو المسئول الأول عن سير العمل فى الوحدة التى يرأسها فالطاعة فى هذا المجال أمر تمليه طبائع الأمور، والطاعة تحقق وحدة الجهاز الادارى الذى يقوم على أساس التدرج الهرمى والذى يفترض فى قمته وجود رئيس واحد. وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة (35) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم (46) لسنة 1964 على أنه يجب على العامل أن ينفذ ما يصدر اليه من أوامر بدقة وأمانة) فهو مكلف بتنفيذ الأوامر والتعليمات التى تصدر اليه ومكلف بانجاز القدر من العمل المطلوب منه اداؤه فى الوقت المخصص لذلك. تقتضى طاعة الرؤساء من العامل الى جانب تنفيذ ما يصدرونه اليه من أوامر وقرارات، احترامه لهم بالقدر الذى يجب أن يسود بين الرئيس والمرؤس فيستحق العامل الجزاء اذا ثبت أنه أخل بواجب هذا الاحترام. وقالت هذه المحكمة فى الطعن رقم (1274) لسنة 9 القضائية زبيدة/ الصحة، أن الطاعنة زبيدة برفضها تنفيذ أمر رئيسا على النحو التكرر بروح تنطوى على الاصرار والعناد فى عدم الطاعة ومخالفة الأوامر قد أخلت فى كل مرة من ذلك بواجبات وظيفتها، فلا تثريب على جهة الادارة اذا هى أدانت سلوك الطاعنة فأوقفتها عن العمل أولا ثم قررت فصلها من الخدمة ما دامت الطاعنة قد دأبت على التمرد على أوامر الرؤساء وجرت على غير ما يصدرونه اليها من تعليمات. ورفضت هذه المحكمة ما ذهبت الية السيدة زبيدة من أن جزاء الفصل لا يتناسب مع ذنبها الادارى الذى وقعت فيه ثم ندمت عليه.
ومن حيث أن قرار فصل المطعون عليه الملاحظ وصيف عبد الوصيف، والصادر من الدكتور وزير الزراعة فى 13 من نوفمبر سنة 1961 بعد موافقة السيد المستشار القانونى لوزارة الزراعة ولجنة شئون الموظفين بالهيئة الزراعية المصرية لم يكن محمولا فحسب على أن وصيف رفض استلام أمر نقله وامتنع عن تنفيذه وتسليم ما فى عهدته من أدوات وكيماويات مقاومة الآفات فى وقت اعلان الحرب ضد دودة القطن، ولم يكن محمولا فحسب على ما دأب عليه وصيف من الاستهتار بعمله وعدم المبالاة بالتعليمات التى تصدر اليه من رؤسائه على اختلاف ذواتهم ودرجاتهم حتى بلغ تحديه فى هذا المضمار أن قاوم رئيسه المباشر بالقوة البدنية عندما توجه لصرف أجور عمال اللجنة الذين يشتغلون مع هذا الملاحظ مما اضطر رئيسه الى تسليم مبالغ الاجور اليه - الملاحظ وصيف - مخالفا بذلك أوامر وتعليمات الصرف، وقد فعل الرئيس ذلك حتى لا يتأخر الصرف وتفاديا لما قد يترتب عليه ذلك من تعطيل أعمال مقامة الدودة. بل لم يكن قرار الفصل محمولا فحسب على ما اقتضاه صالح العمل لسوء سمعة المذكور، وكل سبب من هذه الأسباب الثابتة المتضافرة انما هو كاف وحدة لحمل القرار ودعم صحته. بل ارتكز قرار الفصل على ركن آخر لا يقل خطورة فى ذاته عما تقدم من أسباب ذلك أن المذكور تمادى فى تحريض العمل على الاضراب لمدة أربعة أيام مما عطل أعمال مقاومة دودة القطن فى عنفوانها معرضا بفعله هذا انتاج البلاد الى كارثة واقتصادها الى طامة محققة ولا رعاية من الله. وفات الملاحظ المطعون عليه، كما فات الحكم المطعون أن الاضراب عن العمل بين العاملين المدنيين بالدولة، وكذلك مجرد التحريض عليه (ľincitation à participer à une grève) هو الاخلال الخطير بالواجبات الوظيفية والخرق الجسيم لمبدأ انتظام سير المرافق العامة ولقد اعتبره الشارع جريمة جنائية قد يترتب على ارتكابها الفصل من الوظيفة بمقتضى أحكام قانون العقوبات. (المادة 124) من قانون العقوبات بعد تعديلها بالقانون رقم 24 لسنة 1951 تنص على أنه: اذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو فى صورة الاستقالة أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه - وكل موظف أو مستخدم عمومى ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الاخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز خمسين جنيها - المادة (124) - يعاقب بضعف العقوبات المقررة بالمادة (124) كل من اشترك بطريق التحريض فى ارتكاب جريمة من الجرائم المبينة بها. ويعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة الأولى من المادة المذكورة كل من حرض أو شجع موظفا أو مستخدما عموميا أو موظفين أو مستخدمين عموميين بأية طريقة على ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة اذا لم يترتب على تحريضه أو تشجيعه أية نتيجة - وفضلا عن العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل اذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين أو المستخدمين العموميين - ويعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع الاجراء الذين يشتغلون بأية صفة كانت فى خدمة الحكومة أو خدمة سلطة من السلطات الأقليمية أو البلدية أو القروية، والأشخاص الذين يندبون لتأدية عمل معين من أعمال الحكومة أو السلطات المذكورة. وغنى عن البيان أن العامل قد يتعرض فوق العقوبة الجنائية حسبما تقدم من نصوص قانون العقوبات للمحاكمة التأديبية، ولاحتمال توقيع جزاء قد يؤدى الى حرمانه - فرق الفصل - من جزء من مكافأته أو معاشه. والثابت من أوراق وتحقيقات وقائع هذا الطعن ومن محضر الانتقال والمعاينة والتحقيق أن اضرابا عن العمل قد وقع من عمال مقاومة الدودة ببلدة المجفف وان التوقف عن عمليات المقاومة ورش القطن قد استمر الى ما يقرب من خمسة أيام خلال منتصف شهر أغسطس سنة 1962 وأن الشهود قد اجمعوا على كثرتهم وتعدد وظائفهم أن الذى حرض العمال على الاضراب عن العمل انما هو الملاحظ وصيف الذى عاصر بعض أيام الاضراب فى البلدة بعد نقله جبرا عنه منهما الى ديرب نجم والزقازيق ومع ذلك أقر بعض الشهود أنه كان يعود الى بلدة المجفف ليحرض العمال على التوقف عن العمل تضامنا معه فى استنكار أمر نقله واغراء العمال بأن سلاح الاضراب سوف يحمل الهيئة الزراعية على تثبيتهم فى أعمالهم المؤقتة وبمقولة أن للاضراب أثر فعال فى قبض وقدر أجورهم وترتيبا على كل ذلك أو بعض منه يكون قرار الفصل المطعون فيه سليما صحيحا مع وجوب مراعاة حكم المادة (36) من القانون رقم (50) لسنة 1963 الخاص بالمعاشات وهو ذات الحكم الذى ردده القانون رقم (46) لسنة 1964 بنظام العاملين المدنيين بالدولة فى مادتيه (61، 67) فان الفصل من الوظيفة اذا اقترن بجزاء الحرمان من المعاش أو المكافأة فلا يتم ذلك الا فى حدود الربع نزولا على حكم القانون. وفى غير ذلك يكون قرار فصل الملاحظ وصيف عبد الوصيف محمد، قد قدم على سبب يحمله وصدر ممن يملك اصداره بالتطبيق السليم لأحكام التشريع، وتكون دعوى المدعى لا سند لها خليقة بالرفض، واذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبا مغايرا يكون طعن الحكومة فيه على حق ويكون هذا الطعن جديرا بالاعتبار.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبالغاء القرار المطعون، وذلك فقط فيما تضمنه من حرمان المدعى من ما يزيد على ربع المكافأة التى قد يستحقها، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات والزامته المصروفات.