مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 116

(14)
جلسة 11 من ديسمبر سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت محمد حسنين وعزت عبد المحسن وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشاريين.

القضية رقم 980 لسنة 8 القضائية:

أ - محاماة. "محام مختلط". معاش - القانون رقم 80 لسنة 1944 بانشاء صندوق المعاشات والمرتبات للمحاماة المختلط تحريمه الجمع بين معاش التقاعد وأى عمل من أعمال المحاماة - شمول التحريم ممارسة أى عمل من أعمال المحاماة سواء بطريق مباشر بالحضور أمام المحاكم والمرافعة أو بطريق غير مباشر كتحضير القضايا وكتابة المذكرات وابداء الفتاوى.
ب - محاماة. "محام مختلط". "معاش" القانون رقم 80 لسنة 1944 - أعمال النسخ على الآلة الكاتبة - ليست من أعمال المحاماة وأن تمت بمكاتب المحامين - لا يشملها التحريم الوارد بالقانون سالف الذكر فى شأن الجمع بين أعمال المحاماة ومعاش التقاعد.
1 - أن المادة 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944 والقوانين المعدلة له تنص على أنه "يترتب على تقرير معاش التقاعد كف المحامى عن أى عمل من أعمال المحاماة بصفة عامة أمام أية جهة قضائية..." ولا جدال فى أن التحريم الذى جاء بنص هذه المادة انما هو تحريم مطلق انصب على ممارسة أى عمل من أعمال المحاماة سواء منها ما كان متصلا بها بطريق مباشر بالحضور أمام المحاكم والمرافعة فى القضايا أو بطريق غير مباشر كتحضير القضايا وكتابة المذكرات وابداء الفتاوى وذلك لأن هذه الأعمال الأخيرة هى فى واقع الأمر جزء لا يتجزأ من أعمال المحامى لأنها، ولا شك، أنها أمور فنية لصيقة الصلة بتطبيق نصوص القانون سواء من ناحية الموضوع أم من ناحية الاجراءات.
2 - انه لا نزاع من أن أعمال النسخ على الآلة الكاتبة وأن تمت بمكاتب السادة المحامين لا تعتبر من أعمال المحاماة التى حرمتها المادة 15 سالفة الذكر على من ينتفع بمعاش التقاعد من المحامين السابقين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعن السيد/ جورج بوينو أقام الدعوى رقم 790 لسنة 14 قضائية ضد السيد وزير الخزانة والسيد مدير عام المعاشات والسيد مدير عام صندوق المعاشات ومرتبات المحامين لدى المحاكم المختلطة السابقة والسيد النقيب المحاميين بصحيفة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الادارى فى 24 من فبراير سنة 1960 وذكر بها أنه كان مقيدا بجدول المحامين المختلطة اعتبارا من عام 1931. ثم كف عن مزاولة مهنة المحاماة اعتبارا من 12 من أكتوبر سنة 1950 وتقرر صرف المعاش شهرى اليه... وقد راعى منذ ذلك الوقت الا يباشر أى عمل من أعمال المحاماة لحتراما لما نصت عليه المادة 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944... غير أنه نظرا لأن المعاش الشهرى الذى يصرف اليه ومقداره 14 جنيها و165 مليما لا يكفيه لمواجهة نفقات معيشته ومعيشة أسرته فقد أضطر الى القيام ببعض أعمال الكتابة على الآلة الكاتبة... وفى 19 من يناير سنة 1960 - وبينما كان يقوم بعمله هذا بمكتب الاستاذ رودلف شالوم المندوب السابق لنقابة المحامين المختلطة - تلقى خطابا مؤرخا فى 12 من يناير سنة 1960 من مدير عام المعاشات يخطره فيه بأن ادارة صندوق معاشات المحاميين المختلطة قد تبينت أنه يعمل فى مكتب الأستاذ رودلف شالوم المحامى ولذلك فقد تقرر قطع معاشه ابتداء من أول يناير سنة 1960 ومطالبته برد ما استولى عليه بلا حق عن المدة من أول يوليو سنة 1952 الى آخر ديسمبر سنة 1959 مع الفوائد القانونية.... وفى اليوم التالى توجه مع الأستاذ رودلف شالوم لمقابلة سكرتير صندوق معاشات المحامين المختلط حيث أكد له الأستاذ شالوم أن المدعى لا يزاول فى مكتبه سوى أعمال كتابية ولا يقوم بأى عمل من أعمال المحاماة وأنه ما كان يسمح له مطلقا بالقيام بأى عمل من هذه الأعمال مما يتعارض مع أحكام القانون ومع تقاليد المحاماة وأنه على استعداد للادلاء بأقواله بعد أداء اليمين القانونية فى تحقيق يجرى بحضوره وبحضور المدعى.. وأضاف الأستاذ شالوم أنه قد نما الى علمه أن الأستاذ موصيرى - الذى اضطر الى الاستغناء عن خدماته - قد بلاغا كاذبا ضد المدعى يتهمه فيه باشتغاله بأعمال المحاماة وأن قرار قطع المعاش صدر استنادا الى هذا البلاغ.. غير أن الأستاذ موصيرى قد رجع فى بلاغه بموجب اقرار مؤرخ فى 21 من يناير لسنة 1960.. ثم ذكر المدعى أنه فى أول فبراير سنة 1960 توجه الى ادارة المعاشات وقدم لرئيس الحسابات مذكرة أرفق بها حافظة مستندات ثابت بها أنه لم يخالف أحكام القانون.. الا أنه تلقى فى 8 من فبراير سنة 1960 كتابا من الادارة المذكورة... يؤيد ما جاء بخطابها المؤرخ فى 12 من يناير سنة 1960.. ونظرا لأن المساعى الودية لم تؤد الى نتيجة فقد رفع هذه الدعوى طالبا الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بقطع معاشه والمعلن اليه بتاريخ 19 يناير سنة 1960 واستمرار صرف المعاش اليه ومقداره 14 جنيها و165 مليما وفى الموضوع بالغاء هذا القرار وبأحقية المدعى فى الاستمرار فى صرف هذا المعاش اعتبارا من أول يناير سنة 1960 مع الزام المدعى عليهم من الأول حتى الثالث بالمصروفات والاتعاب.. وينعى المدعى على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون وصدوره مشوبا بالتعسف فى استعمال السلطة وقال فى بيان ذلك أنه طبقا للمادة 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944 والمادة 97 من القانون رقم 96 لسنة 1957 يحظر على المحامى المتقاعد أن يزاول أى عمل من أعمال المحاماة أمام آية جهة قضائية.. وهذا الحظر - فضلا عن كونه استثنائيا فلا يجوز التوسع فى تفسيره - فان النصوص القانونية التى قررته واضحه فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها وهى لا تحظر على المحامى المتقاعد الا أن يزاول أعمال المحاماة أمام أية جهة قضائية بأن يترافع أمام المحاكم... ولا يمكن القول بأن هذا الحظر يمتد الى ممارسة أى نشاط آخر ولو كان بمكتب أحد المحامين طالما أنه لا يتضمن ممارسته لأعمال المحاماة أمام الجهات القضائية.. ثم أضاف المدعى أن الهدف من انشاء صندوق المعاشات هو ضمان إيراد للمحامى المتقاعد مع تمكنه من زيادة دخله بممارسة نشاط ضيق محدود... وليس من المعقول أن يكون المقصود هو الا يباشر المحامى المتقاعد نشاطا مختلفا كلية عن نشاطه المهنى السابق. اذ لا يقبل أن يطلب من شخص بلغ سن الستين أن يبدأ حياة جديدة على أسس جديدة. بل أن المقصود أن يستمر فى مباشرة أوجه نشاطه بشرط ألا ينافس أعضاء النقابة العاملين وكذلك فانه يحظر عليه ممارسة أعمال المحامى بالمعنى الحقيقى كالحضور فى الجلسات وكتابة المذكرات واعطاء الاستشارات واعداد العقود... أما ما عدا ذلك من أعمال فانه يحق له ممارستها كأعمال النسخ والترجمة وأعمال الصيارفة... الخ. ويستوى فى ذلك أن يمارس هذه الأعمال لدى احدى المؤسسات أو فى مكتب أحد المحامين المشتغلين. اذ هو فى الحالين أجير لا يمارس عملا من أعمال المحاماة أمام الجهات القضائية.. واستطرد المدعى قائلا أن المحامين جميعا قد أصبحت تجمعهم نقابة واحدة... الأمر الذى يقتضى المساواة بين المحاميين التابعين لصندوق ادخار المحاكم المختلطة السابقة وأولئك التابعين لصندوق ادخار المحاكم الوطنية.. وقد أوجب القانون بالنسبة لهذه الفئة الأخيرة ألا تتخذ الاجراءات التأديبية ضد أفرادها الا بحضورهم وبعد التحقق بصفة قاطعة من ارتكابهم للمخالفة.. ومع ذلك فان ادارة المعاشات لم تجر أى تحقيق معه ولم تقدم أى دليل قاطع على مخالفته لأحكام القانون وأنما استندت فى اصدار قرارها المطعون فيه الى مجرد بلاغ كاذب لم يلبث مقدمه أن رجع فيه بمجرد تهديده بتقديم شكوى جنائية ضده... ومن ثم فان الأمر لم يتعد مجرد الشك فى ارتكابه للمخالفة المزعومة ومن المعلوم أن الشك يفسر لصالح المتهم.. بل أنه قد نفى مجرد هذا الشك لما قدمه من اقرارات كتابية من الاستاذ رودلف شالوم ومن جميع المشتغلين بمكتبه أقروا فيها بأن نشاطه فى المكتب كان قاصرا على الكتابة على الآلة الكاتبة فى مقابل نفس الأجر الذى كان يدفعه المكتب لأى كاتب يؤدى تلك الأعمال.. أما عن مطالبة ادارة المعاشات للمدعى برد المبالغ التى صرفت اعتبارا من تاريخ انتفاعه بالمعاش فى أول يوليو سنة 1952 حتى آخر ديسمبر سنة 1959 فقد قرر المدعى أنه لا أساس لهذه المطالبة من القانون اذ ليس فى قانون المعاشات نص على ذلك، لأن نصوص القانون المدنى الخاصة برد غير مستحق لا تنطبق على حالته اذ أن ما دفع اليه كان على سبيل الوفاء الصحيح مقابل اشتراكه فى الصندوق عندما كان يمارس مهنة المحاماة... وانتهى المدعى من ذلك الى أن القرار المطعون فيه مخالف للقانون ويتعين الحكم بوقف تنفيذه نظرا لما يترتب على تنفيذه من نتائج يتعذر تداركها باعتبار أن هذا المعاش هو مورد رزقه كما يتعين الحكم فى الموضوع بالغائه... وقد ردت الحكومة على الدعوى بأن ادارة صندوق المعاشات قد بلغها أن المدعى حل محل الاستاذ البير موصيرى المحامى فى العمل بمكتب الاستاذ شالوم المحامى وأنه كان يعمل أيضا بمكتب الأستاذ جربوعه المحامى ثم فى مكتب الأستاذ كود جامبو بولو... وبالتحرى الدقيق اتضح صحة هذا البلاغ ولذلك فقد تقرر قطع معاشه ومطالبته برد ما استولى عليه بغير حق وبسوء نيه مضافا اليه الفوائد القانونية.. ثم استشهدت الحكومة فى مذكرتها ببعض الأحكام الصادرة من المحاكم المدنية والتى قضت بأن يعتبر تجاوزا للحظر المفروض على المحامى المتقاعد أن يمارس أى عمل من أعمال المحاماة سواء أكان متصلا بها مباشرة كالحضور أمام المحاكم والمرافعة فى القضايا أو بطريق غير مباشر لتحضير القضايا وكتابة المذكرات وجمع الأدلة والمستندات والبحث فى كتب الفقه واعطاء الفتاوى لأن هذه الأعمال الأخيرة هى فى واقع الأمر جزء لا يتجزأ من أعمال المحامى اذ أنها أمور فنية لصيقة الصلة بتطبيق القانون.. ثم ذكرت الحكومة أنه لا يعقل ما زعمه المدعى من أن نشاطه فى مكتب المحامين المذكورين يقتصر على كتابة على الآلة الكاتبة أو أعمال الترجمة أو الحسابات وأنما الذى يتفق مع طبيعة الأمور أن يكون نشاطه فنيا ومهنيا يعد أن حل فى ذلك المكتب محل محام عامل ذى نشاط فنى ومهنى هو الاستاذ موصيرى... ولا ينفى ذلك ما قدمه المدعى من اقرارات لأنها تنطوى على روح المجاملة له والتستر عليه وأودعت الحكومة حافظة مستندات وضمت ملف المدعى بادارة صندوق المعاشات ثم قدمت الحكومة مذكرة أخرى مؤرخة فى 6 من مارس سنة 1960 طلبت فيها القضاء بالزام المدعى برد ما استولى عليه بغير حق مضافا اليه الفوائد القانونية.. وبجلسة 31 من مايو سنة 1960 قضت المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ... وبعد تحضير الدعوى قدم السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه الى أنه يرى رفض الدعوى مع الزام رافعها برد المبالغ التى استولى عليها دون حق من صندوق معاشات المحامين المختلط فى المدة من أول يوليو سنة 1952 الى آخر ديسمبر سنة 1959 وفوائدها القانونية حتى يوم الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وبجلسة 6 من فبراير سنة 1962 حكمت المحكمة (أولا) برفض الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات. و (ثانيا) بعدم اختصاصها بنظر الطلب العارض المرفوع من الحكومة والزامتها بالمصاريف المناسبة عن هذا الطلب... وأقامت المحكمة قضاءها برفض الدعوى على أساس أن الثابت من الأوراق أن المدعى رغم تقاعده كان يعمل بمكتب الأستاذ رودلف شالوم المحامى الأمر الذى يعد مخالفة لحكم المادة 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944 بانشاء صندوق المعاشات والمرتبات للمحاماة المختلطة - والتى تنص على أنه يترتب على تقرير معاش التقاعد كف المحامى عن أى عمل من أعمال المحاماة بصفة عامة أمام أية جهة قضائية.. ويكون لذلك من حق جهة الادارة قطع معاشه ومطالبته برد ما حصل عليه دون وجه حق.. وأنه لا عبرة بما ذهب اليه المدعى - من أنه كان يعمل بهذا المكتب بصفته كاتبا على الآلة الكاتبة - ذلك لأنه وأن كان مثل هذا القول يصح الأخذ به فيما لو كان المدعى يعمل لدى هيئة أو فرد لا صلة له بطريق مباشر أو غير مباشر بأعمال المحاماة.. الا أنه لا يقبل الأخذ به عن شخص يعمل بمكتب أحد المحامين لأنه، فضلا عن أن مثل هذا القول يعد بمثابة ستار لمحاولة اخفاء المخالفة القانونية، فانه لا يتصور أن يصبح المحامى زميلا لفئة كانت تأتمر بأمره ومرءوسا لزميل سابق.. خاصة وأن جميع الأعمال التحضيرية، التى تهيأ لتجهيز الدعاوى أو الاجراءات القضائية والقانونية، تدخل فى صميم عبارة "مباشرة أعمال المحاماة" وردت المحكمة على ما ذكره المدعى - من أنه كان يتعين صدور قرار قطع معاشه بعد تقديمه للمحاكم التأديبية أسوة بما هو متبع بالنسبة للمحامى المشتغل - ردت المحكمة على ذلك بأن مثل هذا القول، فضلا عن أنه لا يجد له أى سند من القانون، فانه لا يصح اجراء المقارنة بين المحامى المتقاعد والمحامى المشتغل بالمهنة فالمحامى الأخير وحده لا يصح اتخاذ اجراء ذى صفة تأديبية ضده بسبب مزاولته لمهنة أخرى أو ارتكابه أحد الأفعال التى يحرمها القانون الا بعد احالته للمحاكمة التأديبية وصدور قرار صريح بذلك. أما المحامى المتقاعد فان شرط القانون لاستحقاق المعاش هو كفه عن مزاولة المهنة فاذا تخلف الشرط سقط استحقاقه.. كما أقامت المحكمة قضاءها بعدم اختصاصها بنظر الطلب العارض المرفوع من الحكومة برد المبالغ التى تقاضاها المدعى بدون وجه حق - على أنه فضلا عن أن المنازعة فى هذا الطلب تخرج عن ولاية القضاء الادارى وتدخل فى صميم اختصاص القضاء العادى فان المدعى لم يتقاضى معاشا بصفته موظفا عموميا سابقا لأن هذه الصفة لم تلتصق به فى يوم من الأيام بل قبض معاشه باعتباره محاميا سابقا أمام القضاء المختلط.. وفى يوم 4 من أبريل سنة 1962 أودع المدعى السيد/ جورج بوينو صحيفة طعن فى هذا الحكم طلب فيه قبول طعنه شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم له بطلباته الأصلية مع الزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة... وأقام طعنه على سببين: الأول أن الحكم قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله... وقال الطاعن فى بيان ذلك أن الحكم المطعون فيه يقوم على أن مدير عام المعاشات يملك حق اصدار قرار ادارى بقطع معاش المحامى المختلط المتقاعد... مع أن هذا المدير لا يملك هذا الحق.. ذلك لأن اسقاط الحق فى تقاضى هذا المعاش لا تكفى فيه الطرق الادارية ولا الأحكام التأديبية أو الجنائية لأن تقاضى المحامى المتعاقد للمعاش انما يقوم على عقد شركة مدنى فى تكوين رأس مال صندوق المعاشات وعلى ملكية حصة شائعة فى مال هذا الصندوق ومن ثم يجب الحصول على حكم من المحاكم المدنية باسقاط الحق فى المعاش يقوم على تحقيق قضائى يثبت اخلال المحامى بعقد المشاركة فى مال الصندوق وبشروط هذا الصندوق لاستحقاق المعاش.. فالعلاقة التى تربط المستحقين فى صندوق المعاشات المختلط بالدولة هى نفس العلاقة التى كانت تربطهم بنقابتهم وصندوق معاشاتهم وهى علاقة تقوم على تعاقد مدنى وشركة فى أموال الصندوق بسبب شائع فهى ليست مجرد علاقة لائحية كعلاقة الموظف العادى بالدولة بل هى علاقة أصلها تعاقدى وقد أقرتها القوانين بحالتها الى أن انتقلت الى وزارة الخزانة ولهذا كان مدير صندوق المعاشات لا يملك الفصل فى المنازعات التى تنشأ عن هذه العلاقة التعاقدية بأمر ادارى بل يجب أن يفصل فيها بحكم قضائى.. أما السبب الثانى للطعن فهو أن الحكم المطعون فيه قد خالف قواعد الاثبات بأن أسند للطاعن تهمة غير ثابتة بالأوراق وعاملته على أساس أن الشك يفسر ضد المتهم وليس لمصلحة المتهم أو المتعاقد.. ذلك لأنه قدم مستندات تثبت أنه كان يعمل على الآلة الكاتبة ليس فقط بمكاتب المحاميين بل لدى بعض الجمعيات والأفراد اللذين لا صلة لهم بالمحاماة.. كما أن تقرير الشرطة لم يثبت أن له أى نشاط أمام الجهات القضائية أو أنه يشغل وظيفة محام بمكتب الأستاذ شالوم بل وصفه بأنه مجرد موظف.. ولكن ادارة المعاشات أخذته بمجرد الشك بأنه ربما يتدخل فى الأعمال القضائية داخل المكتب.. ومحكمة القضاء الادارى لم تقم باجراء أى تحقيق لاثبات التهمة.. فكان لزاما عليها أن تطالب مدير الصندوق الذى أصدر الأمر الادارى اما بأوراق تقطع بثبوت هذه التهمة أو تطالبه بأوراق تحقيق يكون قد أجراه فى مواجهة المدعى أو على الأقل كان لزاما على المحكمة أن تتأكد من وجود شىء من هذه الأوراق بملف الحالة الادارى ولكن المحكمة اكتفت بقولها أنه لا يتصور أن يعمل المدعى فى مكتب محام ولا يشتغل بشئ من أعمال المحاماة ومن ثم يكون قضاؤها باطلا لأنه يقوم على تفسير الشك لغير مصلحة المتهم كما يقوم على مخالفة ما يقضى به القانون المدنى فى شأن العقود المدنية من أن الشك يفسر لمصلحة المتعهد وأنه لذلك تكون التهمة التى بنى عليها قطع المعاش تهمة غير ثابتة بدليل قانونى قائم بأوراق الدعوى.. وقد ردت الادارة العامة للمعاشات بوزارة الخزانة على الطعن بمذكرة مؤرخة 20 من يونية سنة 1962 قالت فيها أن الطاعن أغفل عمدا ذكر نشاطه فى مكتب محاماة موريس غالى واميل جربوعه فى المدة من سنة 1951 الى سنة 1956 وأنه ثبت من شكوى زوجة المحامى البير موصيرى فى سنة 1959 ثم من التحريات الادارية فى سنة 1960 أن الطاعن حل محل زميله الذى كان يعمل فى مكتب محاماة رودلف شالوم وأن الانتفاع بمعاش يمنع من كل نشاط مهنى أمام المحاكم وداخل المكاتب.. وردت على ما ذكره الطاعن - من أن مدير عام المعاشات لا يملك اصدار قرار بقطع المعاش - بأن هذا المدير هو الذى يملك حق اصدار ربط المعاش ويملك كذلك بمقتضى المنطق اصدار قرار القطع. ثم ذكرت الادارة العامة للمعاشات أنه ليس للصندوق المختلط أى مورد وأن الحكومة تحمل عبء ميزانيته بأكمله تبرعا وتبعا لوعد كريم فى مؤتمر منترو الدولى لالغاء الامتيازات الأجنبية وأن ادخار الصندوق النقابى فقد قبل زوال القضاء المختلط... وأضافت الادارة المذكورة أن المشرع قضى بالكف عن أى عمل من أعمال المحاماة بصفة عامة وأمام أية جهة قضائية وذلك لتعدد هذه الجهات وكثرتها فى سنة 1944 وأن نشاط المحامى فى الجمهورية العربية المتحدة واسع جدا على خلاف بعض البلاد الأجنبية فهو يضم نشاط المترافع ووكيل الدعوى وموثق العقود والمحضر... وختمت الادارة مذكرتها بأنها تصمم على طلبها العارض وانتهت الى أنها تطلب أصليا برفض الطعن مع الزام الطاعن بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. واحتياطيا تأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض دعوى الطاعن مع الزامه بالمصروفات والغاءه فيما قضى به من عدم الاختصاص بنظر الطلب العارض مع الزامه برد غير المستحق زائدا الفوائد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة... ثم قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعن انتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا واستندت فى ذلك الى نفس الأسانيد التى أشارت إليها ادارة المعاشات وأضافت اليها أن علاقة المحامى المتقاعد بصندوق المعاش هى علاقة لائحية لا تعاقدية. وان اختيار الطاعن للعمل بمكاتب المحامين بالذات دون غيرها هو أمر واضح الدلالة على أنه يمارس مهنة المحاماة سرا مستترا تحت صفة الأعمال الكتابية... وقد عقب الطاعن على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة وردد فيها ما جاء بصحيفة دعواه وبصحيفة الطعن وذكر أن هيئة المفوضين لم تعرض للوجه الأول من أوجه الطعن ولم تبد فيه برأى فى تقريرها. كما أن الحكم المطعون فيه قد أغفل الرد على ما ذكره الطاعن فى صحيفة دعواه وكذلك فى مذكراته من اشتغاله بالعمل على الآلة الكاتبة لدى جهات وأفراد ليسوا محامين اذ أنه قد اشتغل بتلك المهنة لدى شركة الرخام الأهلية ومبرة قطرة اللبن ومحلات علاء الدين لهندسة الزخارف - وهى لا صلة لها بالمحاماة - كما أنه كان يزاول المهنة المذكورة بمكاتب المحامين قبل حصوله على ليسانس الحقوق واشتغاله بالمحاماة (وقدم شهادة بذلك من كتب الأستاذ أونيج مجاريان المحامى بحافظته المقدمة مع المذكرة)... وانتهى الطاعن من ذلك الى أن الحكم المطعون فيه قد جاء قاصرا عن الرد على مال تمسك به الطاعن... وختم مذكرته بالتصميم على طلباته.. ثم قدم المذكرة أخرى أرفق بها حافظة مستندات.. وقد أشار فى هذه المذكرة الأخيرة الى المادة 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944 وقال أنه لا دليل على اشتغاله بمهنة المحاماة ورد على شكوى السيدة زوجة الأستاذ موصيرى بأن زوجها كان يعمل كاتبا بذلك المكتب أما عن تقرير شرطة عابدين المؤرخ 10 من ديسمبر سنة 1959 فقرر الطاعن فى مذكرته المنوه عنها أن هذا التقرير قد تضمن أن الطاعن يعمل موظفا طرف الأستاذ شالوم وفارق كبير بين عمل الموظف وعمل المحامى ثم ردد ما سبق أن ذكره أن عمله كان قاصرا على عمله بصفة كاتب اختزال وآله كاتبة وأرفق بحافظته المنوه عنها شهادات صادرة من مكاتب بعض المحاميين تفيد ذلك.. وانتهى الى التصميم على طلباته الواردة بصحيفة الطعن... كما قدمت الحكومة مذكرة رددت فيها ما جاء بمذكرتها الأولى وأضافت اليها أن الطاعن نفسه قدم ضمن أوراقه اقرارا باشتغاله منذ سنة 1952 حتى سنة 1959 بمكاتب ثلاثة من المحامين ولكنه حدد عمله بها بالكتابة على الآلة الكاتبة فقط دون الاشتغال بأعمال المحاماة وردت على ذلك بأن المحكمة حينما استخلصت أنه كان يمارس مهنة المحاماة سرا مستترا بستار الأعمال الكتابية فان استخلاصها يكون سائغا ومقبولا اذ او كان الطاعن غير راغب فى هذا التستر ما كان يلجأ للعمل بمكاتب المحامين دون غيرهم وأبلغ دليل على أنه كان يعمل بأعمال المحاماة فانه حل محل الأستاذ موصيرى المحامى بمكتب الأستاذ شالوم مما أوغر صدر زميله فقامت زوجته بتقديم الشكوى... وانتهت الحكومة الى طلب رفض الطعن والزام الطاعن بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على الأوراق أن السيدة فكتورين جوريان حرم الأستاذ ألبير موصيرى المحامى تقدمت بشكوى مؤخة 22 من نوفمبر سنة 1959 للسيد وزير الخزانه تتضمن أن السيد جورج بوينو (الطاعن) يتقاضى معاشا من صندوق المعاشات المحامين المختلط منذ سنة 1951 رغم أنه كان يعمل بمكتب الأستاذ موريس جاستون جربوعة وعند تصفية هذا الأخير لمكتبه التحق بمكتب الأستاذ كودجمبوبولو المحامى. وأنه فى أكتوبر سنة 1959 تقدم بطلب للالتحاق بمكتب الأستاذ رودلف شالوم المحامى ليحل محل زوجها ألبير موصيرى المحامى وفعلا قبل طلبه وعمل بمكتبه ابتداء من 26 من أكتوبر سنة 1959 ثم فصل زوجها فى 5 من نوفمبر سنة 1959 وأنه لما كان القانون يحرم الجمع بين العمل بالمحاماة واقتضاء معاش من وزارة الخزانة فقد طلبت من السيد الوزير اتخاذ اللازم تحقيقا للعدالة.. ولذلك فقد كلفت الوزارة أحد رجال الشرطة بالتحرى عما اذا كان الطاعن يعمل هو وشخص آخر يدعو أميل عيزرى بمكتب الأستاذ شالوم من عدمه.. فقام هذا لشرطى بذلك وقدم تقريرا مؤرخا فى 10 ديسمبر سنة 1959 ذكر فيه ما يلى حرفيا: - "بالتحرى الدقيق اتضح أن المحامين المذكورين يعملون فى هذا المكتب وموظفين طرف السيد المحامى رودلف شالوم وهما موجودان بالمكتب...." وبتاريخ 12 من يناير سنة 1960 حرر السيد مدير عام المعاشات بوزارة الخزانة خطابا للطاعن أخطره فيه بانه تبين لادارة صندوق معاشات المحاميين المختلط أنه يعمل بمكتب الأستاذ رودلف شالوم المحامى رغم انتفاعه بمعاش التقاعد وأنه لذلك وطبقا للمادة رقم 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944 والقوانين المعدلة له قد تقرر قطع معاشه ابتداء من أول يناير سنة 1960 ومطالبته برد ما استولى عليه بلا حق عن المدة من أول يوليو سنة 1952 الى آخر ديسمبر سنة 1959 مع الفوائد القانونية.... فتظلم الطاعن وتقدم لادارة المعاشات باقرار من زوج الشاكية واقرارات أخرى من بعض المحامين والموظفين الذين يعملون بمكتب الأستاذ شالوم تفيد أن الطاعن لا يقوم بأى عمل من أعمال المحاماة بالمكتب المذكور ولم يباشر أى اجراء من الاجراءات القانونية سواء أبداء آراء قانونية فى الدعاوى أو تحضيرها أو تحرير مذكرات فيها فضلا عن أنه يجهل اللغة العربية وانما كان يقوم ببعض أعمال الآلة الكاتبة باللغتين الفرنسية والانجليزية... كما قدم اقرارا موقعا عليه من الأستاذ شالوم نفسه يؤيد ما جاء بالاقرارات المنوه عنها واشفعه باقرار آخر من الاستاذ ديمترى كود جمبوبولو بنفس معنى اقرار الأستاذ شالوم عن مدة سابقة على المدة التى كان يعمل فيها بمكتب هذا الأخير... وكذلك قدم شهادتين أحداهما من مبرة اللبن بأنه كان يعمل بها فى المدة من 10 من فبراير سنة 1958 الى آخر أغسطس سنة 1958 بصفة سكرتير ومراقب (Secrètaire Surveillant). والاخرى من محلات علاء الدين بالقاهرة بأنه كان يعمل بها سكرتيرا Secrètaire فى المدة من 27 من نوفمبر سنة 1958 الى آخر يناير سنة 1959.. ولكن الوزارة أصرت على موقفها مما اضطره الى رفع الدعوى بطلب الغاء القرار الصادر بقطع معاشه وقدم فى هذه الدعوى اقرارات مماثلة لتلك الاقرارات التى قدمها للوزارة بعضها من محامين آخرين كما قدم شهادة من شركة الرخام الاهلية المصرية مماثلة للشهادة التى قدمها من محلات علاء الدين.
ومن حيث أن المادة 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944 والقوانين المعدلة له تنص على أنه "يترتب على تقرير معاش التقاعد كف المحامى عن أى عمل من أعمال المحاماة بصفة عامة أمام أية جهة قضائية..." ولا جدال فى أن التحريم الذى جاء بنص هذه المادة أنما هو تحريم مطلق انصب على ممارسة أى عمل من أعمال المحاماة سواء منها ما كان متصلا بها بطريق مباشر بالحضور أمام المحاكم والواقعة فى القضايا أو بطريق غير مباشر كتحضير القضايا وكتابة المذكرات وابداء الفتاوى وذلك لأن هذه الأعمال الأخيرة هى فى واقع الأمر جزء لا يتجزء من أعمال المحامى لأنها، ولا شك أمور فنية لصيقة الصلة بتطبيق نصوص القانون سواء من ناحية الموضوع أم من ناحية الاجراءات. والطاعن لا ينازع فى انه قد عمل بمكاتب بعض السادة المحامين الا أنه يقرر أنه لم يقم فيها بأى عمل من أعمال المحاماة المنوه عنها بل كان عمله فيها مقصورا على أعمال النسخ على الآلة الكاتبة استنادا الى الاقرارات التى قدمها للوزارة وتلك التى قدمها للمحكمة كما أنه معين كذلك بأماكن أخرى لا صلة لها بأعمال المحاماة حسبما ورد بالشهادات الصادرة منها والتى قدمها للوزارة وللمحكمة.
ومن حيث أنه لا نزاع من أن أعمال النسخ على الآلة الكاتبة وأن تمت بمكاتب السادة المحامين لا تعتبر من أعمال المحاماة التى حرمتها المادة 15 سالفة الذكر على من ينتفع بمعاش التقاعد من المحامين السابقين وعلى ذلك يتعين البحث عما اذا كان الطاعن اقتصر فى عمله على الآلة الكاتبة أم تعدى ذلك الى القيام بأعمال المحاماة آنفة الذكر.. ولما كانت الوزارة المطعون عليها قد استندت فى قولها بأن الطاعن كان يقوم بأعمال المحاماة بمكاتب بعض المحامين، على الشكوى التى قدمتها السيدة حرم الأستاذ ألبير موصيرى المحامى والمؤرخة فى 22 من نوفمبر سنة 1959 وعلى تحريات رجال الشرطة الثابتة بتقريره المؤرخ فى 10 من ديسمبر سنة 1959 فيتعين بحث هذين الأمرين.
ومن حيث أنه جاء بتقرير رجال الشرطة السابق بيان نصه فانه غير قاطع فى قيام الطاعن بأعمال المحاماة بمكتب الأستاذ شالوم المحامى اذ قرر رجل الشرطة فى هذا التقرير أن الطاعن كان يعمل مع آخر بالمكتب المذكور وأنهما موظفان فيه ولكنه لم يبين نوع هذه الوظيفة ولا العمل الذى كانا يباشرانه فى المكتب وهل كان يشمل أعمال المحاماة أم أعمال النسخ على الآلة الكاتبة وعلى ذلك فانه لا يمكن الاستناد الى هذا التقرير للقول بأن الطاعن كان يقوم بمكتب الاستاذ شالوم المحامى بأعمال المحاماة. أما عن الشكوى فانه وان كانت السيدة الشاكية قد قررت فيها أن الطاعن قد حل محل زوجها الذى كان يعمل محاميا بمكتب الأستاذ شالوم الا أن هذه الواقعة لم تؤيد بأى دليل آخر بل أن زوج الشاكية قد نفى ما جاء بها وأيده فى ذلك كثير من المحامين منهم الاستاذ شالوم نفسه.. يضاف الى ذلك أن الثابت بالأوراق أن الطاعن كان يتقاضى مرتبا مقداره خمسة عشر جنيها شهريا على أعماله بمكتب الاستاذ شالوم كما هو ثابت من خطاب هذا الأخير الى مصلحة الضرائب والمؤرخ فى 2 أبريل سنة 1960 - والمقدم صورته الفوتوغرافية بحافظة الطاعن رقم 6 دوسيه محكمة القضاء الادارى - وهذا المرتب يتناسب وأعمال النسخ على الآلة الكاتبة ولا يتناسب البته مع عمل محام يقام بأعمال المحاماة خاصة اذا كان هذا المحامى، كالطاعن، قيد بجدول المحاماة المختلطة فى سنة 1930 وظل يعمل محاميا الى 12 من أكتوبر سنة 1950 - تاريخ كفه عن مزاولة هذه المهنة وهذا يدل على أن الطاعن ما كان يقوم بأعمال المحاماة بمكتب الاستاذ شالوم المحامى وأن عمله بذلك المكتب انما كان مقصورا على أعمال النسخ على الآلة الكاتبة.
ومن حيث أنه لا وجه لاستشهاد الحكومة بالحكم الصادر من محكمة أسكندرية الابتدائية فى 17 من أكتوبر سنة 1955 والذى تأيد استئنافيا فى 30 من مارس سنة 1957 - والمقدم صورة منه ومن الحكم الاستئنافى بحافظتها رقم 8 دوسيه محكمة القضاء الادارى - ذلك لأنه يبين من الاطلاع على هذين الحكمين أنهما خاصان بالسيد/ أنستاس فاتميلا وقد أقر سيادته باقراره المؤرخ فى 30 من يونيو سنة 1954 أنه كان يقوم بتحضير القضايا وقد اعتبرت المحكمة - بحق - أنه بذلك يكون قد قام بعمل من أعمال المحاماة مخالفا حكم المادة 15 من القانون رقم 80 لسنة 1944 - أما الطاعن فانه لم يثبت - حسبما تقدم - انه قام بعمل من تلك الأعمال.
ومن حيث أنه لا حجة فيما ذهب اليه الحكم المطعون فيه - من أنه لا يتصور أن يعمل الطاعن بمكتب أحد المحامين كاتبا على الآلة الكاتبة حتى لا يضحى زميلا لفئة كانت تأتمر بأمره ومرءوسا لزميل سابق - لا حجة فى ذلك لأن الطاعن قد اضطر الى مزاولة هذا العمل كسبا لرزقة وسدا لنفقات معيشته لأن مبلغ المعاش، ومقداره أربعة عشر جنيها وبضعة قروش، لا تكفى لمواجهة هذه النفقات وفضلا عن ذلك فان الطاعن قد قدم ما يدل على أنه كان يقوم بهذا العمل فى أماكن أخرى خلاف مكاتب السادة المحامين - على ما سبق بيانه.
ومن حيث أنه لكل ما تقدم فانه لم يقم دليل قاطع على أن الطاعن قد قام بعمل من أعمال المحاماة رغم انتفاعه بمعاش التقاعد بالمخالفة لحكم المادة 5 من القانون رقم 80 لسنة 1944 آنفه الذكر وبذلك تكون النتيجة التى وصلت اليها الادارة المعاشات بوزارة الخزانة فى قرارها المطعون فيه بقطع معاش الطاعن لا تتفق مع الثابت بالأوراق ولا مع حكم القانون ومن ثم يكون القرار المذكور قد قام على غير أساس سليم من الواقع والقانون متعين الالغاء. واذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب فانه يكون قد خالف الواقع والقانون ويتعين لذلك القضاء بألغائه وبالغاء القرار الصادر من السيد مدير عام المعاشات بوزارة الخزانة بقطع معاش الطاعن مع الزام الحكومة المصروفات. وذلك بلا حاجة الى بحث السبب الآخر من سببى الطعن.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبالغاء القرار الصادر من السيد مدير عام المعاشات بوزارة الخزانة بقطع معاش المدعى اعتبارا من أول يناير سنة 1960 وألزمت الحكومة المصروفات.