مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 الى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 171

(20)
جلسة 18 من ديسمبر سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز وحسنين رفعت وعبد الستار آدام وأبو الوفا زهدى. المستشارين.

القضية رقم 762 لسنة 9 القضائية

( أ ) - أمراض معدية. القانون رقم 137 لسنة 1958 فى شأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية وقرار وزير الصحة فى 12/ 4/ 1959 بتنظيم عمليات التطعيم ضد الجدرى - الأصل هو اتمام عملية التطعيم بواسطة مكاتب الصحة على أن يقوم بذلك الطبيب - للمندوب الصحى استثناء القيام بهذه العملية بشرط أن تسندها اليه السلطات الصحية.
(ب) - موظف "تأديب" الجزاءات التأديبية التى يجوز توقيعها على العاملين شاغلى الدرجات دون الثالثة - ليس منها خفض المرتب أو خفض الدرجة أو خفض المرتب والدرجة.
(جـ) - موظف "تأديب". نيابة ادارية. الغاء عقوبات خفض المرتب وخفض الدرجة وخفض المرتب والدرجة - المادة 61 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 - ينطوى على الغاء لهذه العقوبات أيضا فى القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية.
(د) - قانون. أثر مباشر. موظف. جزاء تأديبى. طعن. الطعن أمام المحكمة الادارية العليا فى حكم صادر من محكمة التأديبية - قيام حالة من أحوال الطعن بهذا الحكم تستوجب الغاءه - ابقاء المركز القانونى للطاعن فى شأن الجزاء التأديبى الذى صدر به الحكم معلقا الى أن يفضل فى الطعن - سريان القانون رقم 46 بأثر مباشر على حالته فيما تضمنه من الغاء جزاء خفض المرتب وخفض الدرجة وخفض المرتب والدرجة.
1 - أن القانون رقم 137 لسنة 1958 فى شأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية للاقليم المصرى ينص فى المادة (2) على أنه يجب تطعيم الطفل بالطعم الواقى من مرض الجدرى خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من يوم ولادته وذلك بمكاتب الصحة أو الوحدات الصحية الأخرى أو بواسطة المندوب الصحى الذى تسند اليه السلطات الصحية هذا العمل، ونصت المادة (9) على أن يصدر وزير الصحة القرارات اللازمة لتنظيم عمليات التطعيم أو التحصين ضد الأمراض المعدية (بما فيها الجدرى) ثم صدر قرار وزير الصحة فى 12/ 4/ 1959 بتنظيم عمليات التطعيم ضد الجدرى وناط عملية التطعيم بمكاتب الصحة أو الوحدات الصحية الأخرى أو بواسطة المندوب الصحى الذى تسند اليه السلطات الصحية هذا العمل، ومفاد نصوص القانون المذكور والقرار الوزارى أن الأصل هو اتمام عملية التطعيم بواسطة مكاتب الصحة، وأن المختص بذلك هو طبيب، ويجوز استثناء للمندوب الصحى القيام بهذه العملية ولكن بشرط أن تسند اليه السلطات الصحية هذا العمل.
2 - أن القانون رقم 46 لسنة 1964 قد حدد فى المادة (61) منه الجزاءات التأديبية التى يجوز توقيعها على العاملين شاغلى الدرجات دون الثالثة فى ستة بنود بادئا بأخفها وطأة (1) الانذار (2) الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين فى السنة (3) تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر (4) الحرمان من العلاوة. (5) الوقف عن العمل بدون مرتب أو بمرتب مخفض لمدة لا تجاوز ستة أشهر. (6) الفصل من الوظيفة. وبذلك يكون هذا القانون قد ألغى ثلاثة من الجزاءات التى يجوز توقيعها وفقا لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 هى (1) خفض المرتب (2) خفض الدرجة (3) خفض المرتب والدرجة.
3 - لما كانت المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 قد تضمنت فى شأن العاملين المدنيين بالدولة أحكاما خاصة بالجزاءات التى يجوز توقيعها عليهم تتعارض عليهم مع أحكام المادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 فان هذه المادة الأخيرة تعتبر منسوخة فى الحدود التى يتحقق فيها التعارض بين حكمها وحكم المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 ومن ثم لا يجوز الاستناد اليها للقول بأنه يجوز توقيع جزاءات خفض المرتب وخفض الدرجة وخفض المرتب والدرجة على العاملين المدنيين بالدولة الخاضعين لهذا القانون.
4 - متى بان للمحكمة أن معاقبة الطاعن بحكم المحكمة التأديبية المطعون فيه بخفض درجته الى الدرجة السادسة وخفض مرتبه الى أول مربوط هذه الدرجة يعتبر غلوا مبناه عدم الملاءمة الظاهرة بين خطورة الذنب ونوع الجزاء، فانه على هذا الوضع وقد قام بالحكم المطعون فيه حالة من أحوال الطعن أمام هذه المحكمة تستوجب الغاءه، والحكم على الطاعن بالجزاء المناسب لما ثبت وقوعه منه من مخالفات فان مركزه القانونى فى شأن هذا الجزاء يظل معلقا الى أن يفصل فى الطعن الراهن بصدور هذا الحكم، ومن ثم فان أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 فيما تضمنته من الغاء جزاءات خفض المرتب وخفض الدرجة وخفض المرتب والدرجة تسرى على حالته بأثر مباشر بحيث لا يجوز توقيع أحد هذه الجزاءات عليه.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات والمداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان واقعات الدعوى حسبما يبين من أوراقها تجمل فى أن النيابة الادارية أقامت الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية بالاسكندرية ضد الدكتور مصطفى مصطفى البلتاجى وعزيزة ابراهيم عبد الله لأنهما خلال عام 1959 بمكتب صحة كرموز ثانى التابع لبلدية الاسكندرية:
الأول: لم يؤد العمل المنوط به بدقة وأمانة وخرج على مقتضى الواجب الوظيفى بأن ارتكب المخالفات الآتية:
(1) لم يقم بنفسه شخصيا بتطعيم الاطفال ضد الجدرى تنفيذا للتعليمات.
(2) أ - أثبت غير الحقيقة بشهادات ميلاد الأطفال المبينة بالمحضر بأن ضمن البيانات ما يفيد نجاح تطعيمهم الأول ضد الجدرى حالة كونه غير ناجح.
ب - تردد على منازل الأطفال سالفى الذكر على أثر علمه بانكشاف أمره وأعادة تطعيمهم بقصد الابهام بصحة ما أثبته فى شهادات ميلادهم من أن تطعيمهم الأول كان ناجحا.
جـ - أخفى دفتر مناظرة التطعيم الخاص بمكتب صحة كرموز ثان.
الثانية: خرجت على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفتها بأن باشرت تطعيم الأطفال ضد الجدرى بالرغم من أن هذا العمل يجاوز حدود اختصاصها ويدخل فى اختصاص الطبيب وحده.
وبجلسة 16 من مارس سنة 1963 حكمت المحكمة التأديبية بمجازاة الدكتور مصطفى مصطفى البلتاجى بخفض درجته الى الدرجة السادسة وخفض مرتبه الى أول مربوط الدرجة السادسة مع حرمانه من مرتبه عن مدة ايقافه عن العمل - وبمجازاة عزيزة ابراهيم عبد الله بخصم ثلاثة أيام من أجرها - وقد أقامت المحكمة حكمها بادانة الطاعن بالنسبة للمخالفة الأولى على أساس ما شهدت به جميع الأمهات ممن سئلن فى التحقيق الابتدائى وتحقيق النيابة الادارية ويربو عددهن على الستين أم، وقد أجمعن على أن الممرضة هى التى قامت بالتطعيم لا الدكتور، وأن المتهمة الثانية أقرت فى التحقيق بأنها باشرت التطعيم فى بعض الحالات بأمر من الدكتور الطاعن وقد طرحت المحكمة فى هذا الصدد شهادة بعض موظفى المكتب الذين شهدوا بأن الدكتور هو الذى باشر التطعيم وذلك لعدم الاطمئنان الى شهادة هؤلاء من جهة ولأنها تخالف ما شهدت به جميع الأمهات - كذلك أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للشق الأول من المخالفة الثانية على أساس أنه ثبت أن الحالات التى انحصرت فيها الاتهام تبلغ 333 بعد استبعاد الحالات الأخرى الخارجة من نطاق الاتهام وأنه ثبت نجاح 89 حالة منها بمعنى أن الحالات غير الناجحة بلغت 224 أثبت فيها المخالف نجاح التطعيم فى شهادات الميلاد على غير الحقيقية، وفيها يختص بالشق الثانى من المخالفة الثانية فقد أسست المحكمة حكمها بادانة الطاعن على أساس ما شهد به أمهات الأطفال من أن المخالف توجه إليهن فى بيوتهن لاعادة تطعيم الأطفال للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، كما أن بعضهن شهد بأن المخالف توجه إليهن أكثر من مرة ليعيد مناظرة التطعيم، واستطردت المحكمة فى هذا الصدد موضحة أن ذهاب الطبيب الى هؤلاء بمنازلهن جاء على خلاف المعتاد وفى وقت انكشفت فيه أمره وهذا المسلك منه يسفر على رغبة المخالف فى تغطية موقفه وتدارك خطئه باعادة تطعيم الحالات غير الناجحة ليوهم اللجنة بصحة ما أثبته فى شهادات الميلاد من نجاح التطعيم - وأخيرا أسست المحكمة حكمها ببراءة الطاعن فى الشق الأخير من المخالفة الثانية على أساس أنه لم يقم دليل على صحة الاتهام وتعرضت المحكمة لمرتب الطاعن عن مدة الوقف فقالت أنه أوقف عن العمل اعتبارا من 28/ 9/ 1959 لمدة ثلاثة أشهر امتدت بقرار من المحكمة التأديبية لمدة أربعة أشهر اعتبارا من 28/ 12/ 1959، ولعدم صدور قرار بمد ايقافه أعيد الى عمله اعتبارا من 2/ 6/ 1960، ثم أعيد ايقافه عن العمل بقرار من المدير العام لبلدية الاسكندرية فى 4/ 8/ 1960 وقررت المحكمة التأديبية بالاسكندرية فى 12 من نوفمبر سنة 1960 رفض طلب مد مدة الايقاف، وخلصت بأنه لما كان الوقف اجراء اقتضاه حسن سير التحقيق فيما نسب الى المتم من مخالفات ثبتت صحتها، فان المحكمة ترى حرمانه من مرتبه عن مدة الوقف المذكورة.
وبتاريخ 9 من مايو سنة 1963 أودع المخالف الأول الدكتور مصطفى مصطفى البلتاجى عريضة طعن سكرتيرية المحكمة الادارية العليا التمس فيها الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من ادانة والحكم ببراءته من التهم المنسوبة اليه وصرف مرتبه عن مدة الوقف والزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ فى تطبيق القانون للأسباب الآتية:
أولا: أنه لا يوجد ثمة دليل يمكن الاطمئنان اليه للقول بارتكاب الطاعن للمخالفة الأولى من الاتهام المنسوب اليه، بل أن الدليل قام من أقوال بعض الشهود على أن الطاعن هو الذى قام فعلا بالتطعيم، هذا بالاضافة الى أنه ولئن كانت توجد تعليمات تطالب الطبيب بأن يجرى التطعيم الا أن هذه التعليمات لا تحظر على الطبيب الاستعانة بالزائرة الصحية فى اجراء التطعيم عند قيام الضرورة الى ذلك خاصة وأنه توجد تعليمات تسمح للزائرات الصحيات باجراء التطعيم ضد الجدرى فى المدارس والمنازل وغيرها، فالتطعيم والحالة هذه ليس مقصورا على الأطباء ومحظورا على غيرهم وأنما هو اجراء تجيز التعليمات للزائرات الصحيات القيام به.
ثانيا: أخطأت اللجنة التى شكلت لفحص عمل الطاعن، فقد حصرت الحالات موضوع الاتهام فى 370 حالة، على حين أنه من بين هذه الحالات يوجد 173 حالة خارجة عن الفترة الزمنية موضوع الاتهام، 30 حالة لا يمكن مساءلة الطاعن عنها لعدم وجود شهادات الميلاد الخاصة بها، وأخيرا 35 حالة أشرت أمامها اللجنة بنجاح التطعيم - فاذا كانت اللجنة أقامت التهمة بالنسبة لحالات بلغت فى تقديرها 370 فى حين أن أوراق اللجنة ذاتها لا تسند الاتهام فى ظاهرة الا بالنسبة لحالات عددها 133 حالة فقط، فانه يكون من حق الطبيب أن يشكك فى قيمة أعمال اللجنة وأن يلتمس من المحكمة الموقرة عدم التعويل عليها كدليل ينقض صحة دفاعه وبراءته من التهمة المنسوبة اليه - وأنه اذا أضيف على ذلك أن ثمة اضطهادا سلط على الطاعن وأن هذا الاضطهاد سجلته أحكام قضائية صادرة لصالح الطاعن من المحكمة التأديبية فى الطلب رقم 1 لسنة 3 القضائية بجلسة 25 من فبراير سنة 1961 والحكم الصادر من المحكمة التأديبية فى الدعوى رقم 54 لسنة 2 القضائية بتاريخ 21/ 2/ 1961 فانه يبين وجه المغالطة والتضخم فى الاتهام التى اشتملت عليه الأوراق.
ثالثا: أخطأت المحكمة التأديبية فى تحصيل عدد حالات التطعيم موضوع الاتهام ورتبت على هذا التحليل الخاطئ ادانه الطاعن، ذلك أن المحكمة رفضت الأخذ بوجهة نظر الطاعن من أن الحالات الوارد عنها التأثيم وقعت فى تواريخ ثلاثة هى 27/ 8/ 1959، 3/ 9/ 1959، 10/ 9/ 1959، وليس طوال عام سنة 1959 كما ذهبت المحكمة.
رابعا: بنت المحكمة التأديبية عقيدتها على أساس ما جاء بتقرير اللجنة التى شكلت لفحص عمل الطاعن، حين انه كان حريا بالمحكمة التأديبية أن تشك فى أعمال هذه اللجنة، وخاصة أنها لمست تحايل اللجنة ضد الطاعن عند اصرارها على اعتبار أن التطعيم غير ناجح فى حالة تخلف بثره واحدة فقط.
خامسا: أخطأ الحكم المطعون فيه حين أهدر الخصومة المحققة بين الطاعن ورئيس اللجنة بالرغم من المستندات الرسمية التى تقطع بهذه الخصومة، والحكم المطعون فيه على هذا النحو قد حصل الوقائع تحصيلا خاطئا أفسد عقيدة المحكمة التأديبية وسيطر عليها فيما انتهت اليه من ادانه الطاعن ومعاقبته بالعقوبة الجسيمة التى قضت بها ضده.
سادسا: أخطأت المحكمة التأديبية فى تحصيل الواقعة بالنسبة للشق الثانى من التهمة الثانية اذ أسست حكمها على أساس ما شهد به بعض الأهالى حين أنه لا يمكن الارتكان على أقوال هؤلاء لأنهم ليسوا فنيين وليست لهم دراية بنجاح التطعيم أو عدم نجاحه، ولئن كان بعض الأطفال وجدت بهم آثار أكثر من تطعيم، الا أنه لا يمكن القطع ما اذا كان الذى أجرى التطعيم المذكور هو المتهم نفسه أم أنه أحد الأطباء العديدين الذى كلفتهم اللجنة بالقيام بحملة واسعة لتطعيم أطفال المنطقة أو اعادة تطعيمهم.
سابعا: أن المحكمة التأديبية وان كانت قد قضت ببراءة الطاعن من الشق الأخير من المخالفة الثانية، الا أنها نسيت ذلك عند ادانتها الطاعن وتحديد العقوبة التى قضت بها ضده، ويؤيد هذا ما جاء بحيثيات الحكم من محاسبته عن المخالفات المسندة اليه، فضلا عن أنها لم تقض فى منطوق حكمها ببراءة الطاعن من المخالفة المذكورة.
وقد قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا خلصت فيه الى تأييد الحكم المطعون فيه وطلبت قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وقد قدمت ادارة قضايا الحكومة بصفتها مذكرة قالت فيها أن الحكم المطعون فيه قد استخلص من الوقائع الثابتة بالأوراق والادلة القاطعة الثابتة بالتحقيق ومن ثم يكون الحكم قد جاء صحيحا ومطابقا لأحكام القانون ومن ثم لا يجوز لهذه المحكمة أن تستأنف النظر بالموازنة والترجيح ما قام لدى المحكمة من أسباب ودلائل وقرائن سواء فى الأثبات والنفى - وأضافت أنه فيما يتعلق بما أثير عن مدى انطباق قانون العاملين الجديد رقم 46 لسنة 1964 فانها تقرر بادئ ذى بدء بأن الحكم المطعون فيه صدر فى 26/ 3/ 1963 أى فى ظل القانون 210 لسنة 1951 وأن العقوبة الموقعة على الطاعن وردت ضمن العقوبات الجائز توقيعها الجائز توقيعها فى ظل أحكام هذا القانون الأخير، وأنه لا يجوز الاستناد الى القانون الأصلح لأعمال الجزاءات الواردة فى القانون رقم 46 لسنة 1964 المشار اليه لأن قاعدة القانون الأصلح لا تسرى الا بالنسبة للمسئولية الجنائية، أما القول بأعمال القانون الجديد على النزاع.. طبقا لقاعدة الأثر المباشر فانه مردود عليه بأن هذه القاعدة لا تسرى الا على القواعد الاجرائية وقواعد الاختصاص - كما قدم الطاعن مذكرة أشار فيها الى ما قدمه فى عريضة الطعن من أسباب تنفيذا للحكم المطعون عليه، وأضاف أن نص المادة (2) من القانون رقم 137 لسنة 1958 فى شأن الاحتياطيات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية لا يوجب أن يباشر الطبيب التطعيم بنفسه، وأن ورود النص على أن يتم التطعيم بمكاتب الصحة ليس معناه أن يتم بمعرفة الطبيب، بل أن اشارة النص الى أباحة التطعيم بمعرفة المندوب الصحى مما يجعل قيام الزائرة الصحية بأعمال التطعيم قانونية.
وأضاف بأن الطاعن قد أسندت اليه وظيفة مدير المعهد الفنى الصحى بالندب بعد زوال العهد الذى كان مضطهدا فيه، وهى وظيفة تحمل معنى الاقرار بكفاية الطاعن وصلاحيته، كما أن قضاء المحكمة العليا قد استقر على أن لها الرقابة على الملائمة بين الذنب الادارى والعقوبة المقضى بها - كما أن للمتهم فى الدعاوى التأديبية أن يستفيد من القانون الأصلح للمتهم لأن القضاء التأديبى صنو القضاء الجنائى وقد سوى قانون العاملين الجديد بين الآثار التى تترتب على التقديم للمحاكمة الجنائية وتلك التى تترتب على التقديم للمحاكمة التأديبية، فضلا عن أن المحاكم التأديبية تسير فيما يتعلق بحرية الدفاع والاجراءات وتسبيب الأحكام سيرة المحاكم الجنائية - وخلص الطاعن فى أقواله الى أن الحكم المطعون فيه مشوب بالغلو لأنه وضعه بعد خدمة خمسة عشرة عاما - بمنزلة سواء مع الشباب المتخرج اليوم من احدى كليات الطب.
عن الشكل:
من حيث أن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 16 من مارس سنة 1963 ثم قام الدكتور مصطفى مصطفى البلتاجى بايداع صحيفة الطعن فى 9 من مايو سنة 1963 أى خلال الستين يوما التالية لصدور الحكم ومن ثم يكون الطعن مقبولا شكلا.
عن الموضوع:
تتحصل وقائع الموضوع فى أن ادارة القسم الطب الوقائى بالاسكندرية كانت قد تلقت مذكرة من مكتب صحة الرمل فى 9 من سبتمبر سنة 1959 تفيد أن طبيب هذا المكتب لاحظ ضآلة نجاح نسبة تطعيم الأطفال ضد الجدرى فى الأسابيع الأخيرة وارجع ذلك الى أسباب تتعلق بعدم فاعلية المادة الجدرية المستعملة فى التطعيم - لذلك استوضحت ادارة القسم مكاتب الصحة الأخرى بالمدينة عن نتائج نسبة التطعيم بها فورد فيها ما يؤيد طبيب صحة الرمل فيما عدا مكتب صحة كرموز ثان الذى أفاد بأن نسبة التطعيم 100% فى الفترة من 27/ 8/ 1959 الى 10/ 9/ 1959 وقد لفت هذا الاخطار نظر المختصين لأنه على خلاف ما أجمعت عليه مكاتب الصحة الأخرى، وقد رأت ادارة الطب الوقائى اجراء الجاشنى على عمليات التطعيم التى أجريت للاطفال المقيمين بدائرة ذلك المكتب فى الفترة المذكورة وقامت اللجنة بالمرور على الأطفال لمناظرة التطعيم واختارت 22 طفلا فاتضح لها من مناظرة التطعيم أن هناك حالات نجح فيها التطعيم ببثرة واحدة كبيرة - الا أنه بفحص شهادات ميلادهم تبين أن طبيب المكتب وهو المتهم الأول أثبت بخط يده أن عدد البثرات الناجحة ثلاثة وأن تسعة عشر حالة لم يوجد بها أثر لتطعيم ناجح بينما أثبت المتهم بشهادات ميلادهم أن التطعيم ناجح بثلاث بثرات - ويبين من مذكرات الادارة الصحية المؤرخة فى 14/ 1/ 1959 أن اللجنة قامت بسؤال أمهات الأطفال الذين وقع الاختيار عليهن فقررن أن الدكتور البلتاجى المتهم الأول بالاشتراك مع ممرضات المكتب قد أعاد تطعيم أطفالهن يوم مناظرة التطعيم الذى يقع عادة فى اليوم السابع من التطعيم الأول ونبه عليهن بعدم العودة - وجاء فى تقرير الادارة الصحية المؤرخ فى 18/ 1/ 1960 أنه نتيجة لما كشفت عنه اللجنة، وما قد يترتب عليه من حدوث ثغرة فى الحصن الوقائى ضد مرض الجدرى بمدينة الأسكندرية اضطرت الادارة الصحية لنقل فرق التطعيم من مراكزها الأصلية الى قسم كرموز ثان مع انتداب أطباء من الادارة الصحية لمرافقتهم وذلك للكشف على جميع الأطفال السابق اثبات نجاح تطعيمهم على شهادات الميلاد ولتطعيم جميع سكان المنطقة لاعادة الحصن الوقائى ضد الجدرى الى ما كان يجب أن يكون عليه، وبعد انتهاء عمل هذه الفرق خلصت الادارة الصحية الى النتائج الآتية:
(1) الأسبوع الأول: من 27/ 8/ 1959 بلغ عدد الأطفال الذين طعموا 76 حالة، وموضح بسجل التطعيم أن جميعهم نجح بثلاث بثرات أى بنسبة النجاح 100% ولم يستدل على عدد 12 منهم والباقى 64 موضح بشهادات ميلادهم بخط يد الطاعن وتوقيعه أنه نجح تطعيمهم جميعا بثلاث بثرات أى 100% وبمناظرة الأطفال وجد أن من نجح تطعيمهم فعلا عدد 26 فقط فتكون نسبة النجاح 40% وليست 100%.
(2) الأسبوع الثانى: من 3/ 9/ 1959 بلغ عدد الأطفال الذين طعموا 94 طفلا موضح بسجل التطعيم أن جميعهم نجحوا بثلاث بثرات أى نسبة النجاح 100% وقد اتضح أن ثلاثة منهم توفوا، كما لم يستدل على 18 طفلا والباقى عددهم 72 موضح بشهادات ميلادهم بخط يد المتهم وتوقيعه أنه نجح تطعيمهم بثلاث بثرات وبمناظرة الأطفال تبين أن عدد الذين نجح تطعيمهم عدد 13 فقط أى بنسبة 17%.
(3) الأسبوع الثالث: من 10/ 9/ 1959 بلغ عدد الأطفال الذين طعموا 83 موضح بسجل التطعيم أن جميعهم نجحوا بثلاث بثرات أى بنسبة 100% غير أنه لم يستدل على 18 منهم وثبت وفاة اثنين فيكون الباقى 63 طفلا موضح بشهادات ميلادهم بخط يد المتهم الأول وتوقيعه أنه نجح تطعيمهم ضد الجدرى بثلاث بثرات أى بنسبة 100% وبمناظرة هؤلاء الأطفال وجد أن عدد الذين نجح تطعيمهم ثلاثة أطفال أى بنسبة 5% - هذا وباجراء الجاشنى على بعض الأطفال السابق تطعيمهم بمعرفة المتهم الأول قبل الأسابيع الثلاثة المذكورة والذين عثر عليهم أثناء عمل الفرق وجد أن 96 طفلا أثبت المتهم فى شهادات ميلادهم بخطه وتوقيعه أن تطعيمهم نجح بثلاثة بثرات بينما لم ينجح تطعيمهم فعلا - ويضيف التقرير أنه عند ما شعر المتهم أن الادارة الصحية تقوم بالمرور على منازل الأطفال اندفع فى تطعيم الأطفال الذين لم ينجح تطعيمهم مستغلا موظفى المكتب فى التنبيه على الأهالى بتقديم أطفالهم الى مكتب الصحة لاعادة التطعيم، وأنه قد رأت الادارة الصحية تنحيته عن عملية التطعيم وتخصيص طبيب آخر للتطعيم والمناظرة بالمكتب فما كان منه الا أن قام بسيارته بالمرور على منازل الأطفال مستعينا بموظفى المكتب لا يبالى بتعقيم وتطهير الأدوات التى كان يستعملها، وكان من نتيجة ذلك أن أصيب بأضرار أدت الى عزل أحدهم بمستشفى الحميات وعولج طفل آخر باحدى المستوصفات، وانتهت الادارة الصحية فى مذكرتها سالفة الذكر الى حصر المخالفات التى ارتكبها الطبيب المذكور وباقى موظفى المكتب.
ومن حيث أن النيابة الادارية تولت تحقيق الواقعة وبسؤال الدكتور نصار اسماعيل وكيل القسم الطبى الوقائى ردد ما جاء بمذكرة الادارة الصحية السالفة ذكرها - وبسؤال الدكتور على الدين أحمد حمزة المفتش بالقسم الطبى الوقائى قرر أنه تم تكليف لجنة من الدكتور نصار اسماعيل ومنه والسيد برهوم حنين وتوجهت هذه اللجنة يوم 21/ 9/ 59، واختير ثلاثون طفلا وبالبحث عنهم لم يستدل الا على 22 طفلا بمناظرة تطعيمهم تبين أن ثلاثة منهم نجح تطعيمهم، أما الباقى فلا يوجد عليهم آثار تطعيم ناجح هذا فى الوقت الذى أثبت فيه الطاعن على شهادة ميلادهم بخطة وتوقيعه بنجاح التطعيم بثلاثة بثرات، ولذلك أخذت أقوال أمهات هؤلاء الأطفال فقررن أن الزائرة الصحية هى التى كانت تقوم فى غالبية الأحيان بتطعيم الأطفال وأن الطبيب كان يعيد التطعيم فى اليوم السابع لعدم نجاح التطعيم الأول، وعرض الأمر على القسم الطبى حيث استقر الرأى على اتخاذ الاجراءات المختلفة - وبسؤال الدكتور رمسيس يعقوب مسعود طبيب التطعيم بصحة البلدية قرر أنه كلف بعمليات التطعيم بصحة كرموز ثان وأثناء تواجده مع الطاعن فى مكتب الصحة حضرت سيدة ومعها طفلها وشهادة الميلاد، وبسؤال أياها عن سبب حضورها أجابت بأنها حضرت بناء على تكليف من بعض الموظفين، فلما تقدم لأخذ شهادة الميلاد سبقه الطاعن وطلب اليه أن يترك هذه الحالة الا أنه رفض وناظر التطعيم فوجده غير ناجح بينما ثابت بشهادة الميلاد بخط الطاعن بنجاح التطعيم بثلاثة بثرات، وأضاف الى ذلك أنه ناظر تطعيم بعض أطفال الحى فوجده غير ناجح فى حين أن الطاعن أثبت نجاحه وذكر أن الدكتور البلتاجى كان يعيد تطعيم الأطفال وأنه لاحظ أن هناك طفلا مطعما فى زراعه وساقه كما أن أمهات الأطفال قررن أن الدكتور المتهم كان يعيد تطعيم أطفالهن بالمنزل - بسؤال الدكتور عبد الغنى أبو السعود الطبيب بالقسم الطبى العلاجى أجاب أنه قام والدكتور نجيب بمناظرة الأطفال الذين قامت اللجنة بالمرور عليهم فى منازلهم وأخذ أقوال أمهاتهم - فتبين أن أغلب الأطفال لم يكن بهم آثار تطعيم ناجح ضد الجدرى فى حين أن الثابت فى شهادة ميلادهم أن التطعيم ناجح بثلاث بثرات - وأضاف أن بعض الأمهات قررن أن الدكتور المتهم أعاد تطعيم أطفالهن يوم مناظرة التطعيم وأضاف أنه قام بالاشتراك مع اللجنة أيضا بالمرور على الأطفال بمنازلهم وأن بعض أمهات الأطفال قررن أن الدكتور البلتاجى كان يمر عليهن بمنازلهن وأعاد تطعيم الأطفال - وأنه لاحظ أن بعض الأطفال كانوا يطعمون فى أكثر من موضع وأنه أخطر وكيل القسم الوقائى بهذه الواقعة - وعلى العموم فقد جاءت أقواله فى جملتها بما لا يخرج عن الوقائع التى أشار اليها الشهود السالف ذكرهم - وبسؤال الدكتور عاطف بولص ميخائيل طبيب صحة الرمل أجب أنه ندب مع الدكتور عبد الغنى أبو السعود والدكتور على الدين حمزة لمراجعة مناظرة التطعيم ضد الجدرى - ولم تخرج أقواله فى جملتها عما ذكر زميله الدكتور أبو السعود - وبسؤال محمود حنفى كاتب صحة كرموز ثان فى ذلك الوقت قرر أنه فى يوم 17/ 9/ 1959 وردت اشارة من الادارة الصحية لبيان نسبة نجاح التطعيم وعرضها على الطاعن ثم قام بالرد على الادارة من واقع سجلات التطعيم - وأضاف عند مواجهته بما قررته الامهات من أن بعض الامهات قررن أن الممرضة عزيزة عبد الله هى التى قامت بتطعيم أطفالهن، فانه لا يجزم مائة فى المائة أن الدكتور البلتاجى كان يتولى التطعيم شخصيا ولكنه كان يرى الدكتور المذكور يطعم الأطفال، وأضاف أنه فى الاونة الأخيرة من وجوده بمكتب صحة كرموز حضرت بعض أمهات الأطفال يطالبن بشهادات ميلاد أطفالهن وقررن أن الدكتور البلتاجى كان يمر عليهن بمنازلهن وأعاد تطعيم أطفالهن - وبسؤال أحمد على عثمان كاتب الصحة قرر أن الطعن كان يقوم بعملية التطعيم دون الممرضة عزيزة، وقرر كذلك أنه سمع من أمهات الأطفال أن الطاعن كان يمر عليهن بالمنازل وأنه أعاد تطعيم أطفالهن - وبسؤال الزائرة الصحية عزيزة ابراهيم عبد الله قررت أن الدكتور (الطاعن) هو الذى يباشر بنفسه تطعيم الأطفال ضد الجدرى وكانت مهمتها تقتصر على مساعدته بتهيئة زراع الطفل ومناولته المشارط، وبمواجهتها بما قررته بعض أمهات الأطفال قررت أنها كانت تقوم بتطعيم بعض الأطفال الذين يحضرون الى المكتب بعد خروج الطبيب المكشف على المتوفين وأنها باشرت هذا العمل بأمر من الطبيب، وجاء هذا القول مؤيدا لما تبين وقررته بالحقيق الابتدائى - وبسؤال بعض الأمهات أجابت كل من أم الهنا سالم وكوكب عزيز ابراهيم، ونعيمة زكى حجاج أن الممرضة هى التى قامت بتطعيم طفلها، وأن الطاعن ناظر التطعيم بعد ذلك وأعاد التطعيم نظرا لعدم نجاحه، وأشر على الشهادات بما يفيد نجاح التطعيم، وشهدت رشيدة رزق ابراهيم أن الطاعن هو الذى أجرى التطعيم أول مرة وفى ثانى مرة كذلك - أما بهيجة حبيب عبد النور قد شهدت بأن الممرضة هى التى قامت بتطعيم طفلها ثم ناظره الطبيب بعد أسبوع وأشر على شهادة الميلاد وشهدت حميدة أبو حلاوة بأن الممرضة هى التى قامت بتطعيم طفلها فى أول مرة وبعد أسبوع مرة أخرى.
ومن حيث انه بسؤال الطاعن فى تحقيق النيابة الادارية قال أنه لا يعلم بأمر الاشارة التى أرسلت للمكتب لبيان نسبة النجاح فى التطعيم، وبمواجهته أن سجل التطعيم وشهادات ميلاد الأطفال تفيد نجاح التطعيم بنسبة 100% أجاب بأنه يحتمل تغيير السجل بقصد ايذائه كما أن أعضاء اللجنة التى اطلعت على الشهادات هم خصوم له ذلك لأن الدكتور محمود العروسى وكيل القسم الطبى الوقائى والدكتور نصار اسماعيل وكيل نصار وكيل هذا القسم أخذا منذ شغلهما للمنصب فى توقيع الجزاءات عليه واضطهاده بقصد حرمانه من الترقية، وأنها استغلا رغبة الدكتور على الدين فى تخطيه فى الترقية للدرجة الرابعة وأوعزا اليه بهذه الأقوال، وكذلك سايرهم باقى أعضاء اللجنة حتى لا ينقلوا الى أماكن بعيدة - وخلص الى أن النتيجة التى توصل اليها هؤلاء الأعضاء من عدم نجاح تطعيم ضد الجدرى سبق أن قرر نجاحه - هذه النتيجة مشكوك فيها اذ استخلصت بقصد ايذائه بالاضافة الى أن رأى اللجنة هو رأى فنى فى موضوع يمكن أن يتخلف معها فيه وعلى ذلك لا يمكن القطع أو الاطمئنان الى نتيجة فى هذا الخلاف الا اذا كان قد احتكم الى هيئة طبية لا يرقى اليها الشك فى الوقت المناسب كالطبيب الشرعى - كذلك لا يمكن البت فى مسألة نجاح أو عدم نجاح التطعيم الى قول الأهالى لأنهم غير فنيين، واستطرد الطاعن يقول أنه ليس صحيحا أنه كان يعيد تطعيم الأطفال الذين لم ينجح تطعيمهم فى يوم المناظرة ذلك لأن مصل الجدرى لا يصرف الا صباح يوم التطعيم فقط وبكميات لا تكاد تكفى المطلوب تطعيمهم وتفسد اذا خزنت فضلا عن أن هذا المصل لا يتداول فى السوق وأنه يوجد استحالة مطلقة لتصديق ما يصوره الدكتور نصار، وحتى على فرض اعادة التطعيم يوم المناظرة فليس فيه أيه مخالفة كما لا تؤدى هذه الاعادة الى حدوث التهابات فى المخ كما قيل، ونفى أنه كان يمر على منازل الأهالى وخلص الى أنه كان يقوم بنفسه بالتطعيم ونفى أنه أصدر أمرا للزائرة الصحية بالقيام بالتطعيم وأن ما ذكرته فى هذا الصدد بالتحقيق انما جاء نتيجة لرغبتها فى مشايعة الدكتور نصار.
ومن حيث أن المحكمة التأديبية قد استخلصت ادانة المتهم عن المخالفة الأولى والتى تنسب الى المتهم أنه لم يقم بنفسه شخصيا بتطعيم الأطفال ضد الجدرى استخلاصا سائغا وسليما، يؤيد هذا الاستخلاص ما أثبتته المحكمة التأديبية من واقع محاضر اللجنة التى قامت بمناظرة التطعيم (التحقيق الابتدائى) من أن كثيرا من أمهات الأطفال اللاتى سمعت أقوالهن قد شهدن بأن المتهم الأول يقم بتطعيم أطفالهن أما يوم التطعيم الأول وأما عند اعادة المناظرة وأنه فاق عدد الذين شهدن بهذه الواقعة الستين شاهدة، وبما هو ثابت بمحاضر تحقيق النيابة الادارية من أن المتهمة الثانية كانت تقوم بتطعيم الأطفال - وقد تأكدت الواقعة أيضا بأقوال المتهمة الثانية التى قررت فى تحقيق هذه النيابة، وأنها كانت تقوم بتطعيم الأطفال الذين يحضرون الى المكتب بعد خروج الطبيب للكشف على المتوفين، وأنها باشرت ذلك بأمر من الطبيب، ولا يغير من ذلك ما ردده الطاعن فى طعنه من أن بعض الشهود من موظفى المكتب قد شهدوا بأنه كان يقوم بعملية التطعيم دون غيره اذ أنه لا تثريب على المحكمة التأديبية وهى توازن بين الادلة أن تطرح شهادة الموظفين المذكورين لعدم الاطمئنان الى شهادتهم لمخالفتهم للشهادات التى جاءت على لسان الأمهات وليس لهن مصلحة ظاهرة أو جدية فى تحريف شهادتهن.
ومن حيث ان الطاعن قد اثار طعنه بصدد هذه المخالفة أن التعليمات وأن كانت قد ناطت بالطبيب القيام بالعملية التطعيم بنفسه، فانها من ناحية أخرى لم تمنع غيره من القيام بها واستدل على ذلك بأن الزائرات الصحيات والحكيمات يقمن بتطعيم تلاميذ المدارس، فان هذا الذى ذهب اليه الطاعن مردود عليه بأن التعليمات الصادرة من المختصين ببلدية الاسكندرية (الأمر المكتبى فى 14/ 12/ 1957) تقضى بأن يقوم الطبيب باجراء التطعيم، ومردود عليه كذلك بأن القانون رقم 137 لسنة 1958 فى شأن الاحتياطيات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية للأقليم المصرية ينص فى المادة (2) على أنه يجب تطعيم الطفل بالطعم الواقى من مرض الجدرى خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من يوم ولادته وذلك بمكاتب الصحة أو الوحدات الصحية الأخرى أو بواسطة المندوب الصحى الذى تسند اليه السلطات الصحية هذا العمل، ونصت المادة (9) على أن يصدر وزير الصحة القرارات اللازمة لتنظيم عمليات التطعيم أو التحصين ضد الأمراض المعدية (بما فيها الجدرى) - ثم صدر قرار وزير الصحة فى 12/ 4/ 1959 بتنظيم عمليات التطعيم ضد الجدرى وناط عملية التطعيم بمكاتب الصحة أو الوحدات الصحية الأخرى أو بواسطة المندوب الصحى الذى تستند اليه السلطات الصحية هذا العمل، ومفاد نصوص القانون المذكور والقرار الوزارى أن الاصل هو اتمام عملية التطعيم بواسطة مكاتب الصحة، وأن المختص بذلك هو طبيب، ويجوز استثناء للمندوب الصحى القيام بهذه العملية ولكن بشرط أن تسند اليه السلطات الصحية هذا العمل، وبتطبيق ما سلف على الواقعة المعروضة، يبين أنه لم يثبت من الأوراق أو من أقوال المتهم نفسه أن السلطات الصحية قد ناطت بالزائرة الصحية وهى المتهمة الثانية مهمة تطعيم الأطفال حديثى الولادة، فانه ما كان يسوغ لهذه الأخيرة مباشرة مثل هذه العملية، وبالتالى ما كان يجوز للطبيب المتهم أن يكلفها بذلك.
ومن حيث ان المحكمة التأديبية قد استخلصت كل ذلك استخلاصا سائغا ادانة المتهم فى الشق الأول من التهمة الثانية والتم نسبت اليه قيامه باثبات غير الحقيقة فى شهادات ميلاد الأطفال بأن ضمنها ما يفيد نجاح التطعيم الأول حالة كونه غير ناجح - يؤيد ذلك ويدعمه الكشوف التى زخرت بها محاضر اللجنة التى شكلت لفحص حالة التطعيم بقسم كرموز ثان - والمحررة بمعرفة الموظفين المختصين - والتى تبين منها لهذه اللجنة أن الطاعن كان يثبت بشهادات الميلاد نجاح التطعيم فى حين أن هذا التطعيم لم يكن ناجحا.
ومن حيث انه يبين ايضا من مطالعة الأوراق، أن المحكمة التأديبية قد استخلصت ادانة الطاعن عن الشق الثانى من التهمة الثانية - والذى نسب الى المتهم تردده على منازل الأطفال سالفى الذكر على أثر علمه بانكشاف أمره واعادة تطعيمهم بقصد الايهام بصحة ما أثبته فى شهادات ميلادهم من أن تطعيم كان ناجحا - استخلصت الادانة من أصول ثابتة بالاوراق اذ يؤيد ذلك حسبما ذهبت المحكمة المذكورة بحق ما شهد به العديد من الأمهات ممن ورد ذكرهن فى محاضر اللجنة من أن الطاعن قد توجه اليهن فى بيوتهن لاعادة تطعيم أطفالهن وبما أثبتته اللجنة فى المحاضر والكشوف من حالات تطعيم حديث.
ومن حيث انه لا يقدح فيما انتهى اليه الحكم المطعون فيه ما أثاره الطاعن من أن المحكمة التأديبية قد أخطأت فى تحصيل عدد حالات التطعيم ورتبت على هذا التحصيل الخاطئ ادانه المتهم ذلك ان الاتهام يقوم على أن المدة هى عن عام 1959 وليست أيام معينة بذاتها، وقد جاء قرار الاتهام فى هذا الصدد صريحا لا يحتاج الى تأويل أو تفسير، وغنى عن البيان أن المحكمة التأديبية قد فحصت هذه الحالات واستبعدت منها ما لا يدخل فى الفترة الزمنية للاتهام بما لا يجوز معه للطاعن أن يعود للمنازعة فى هذا البيان المؤيد من واقع الأوراق.
ومن حيث أنه فيما يثيره المتهم فى طعنه عن صلاحية اللجنة للاعتبارات الشخصية التى نوه عنها فى العريضة، ومن أن نجاح التطعيم أو عدمه مسألة فنية يمكن أن يختلف الرأى فيها وكان يتعين الاحتكام الى هيئة طبية فى الوقت المناسب كالطبيب الشرعى - فان هذه المحكمة لا ترى فيما اثاره الطاعن ما يحملها على التشكك فى أعمال اللجنة - ذلك أن الاعتبارات الشخصية والخصومات التى نوه عنها المتهم هى - أن صحت - فهى خصومات حسب الظاهر من الأوراق بينه وبين مدير القسم الطبى العلاجى، فى حين أن اللجنة ومن كلف بالعمل فيها من أطباء هم من أقران الطاعن وأنداده، كما أن المحكمة لم تستظهر من مطالعتها لأوراق التحقيق أن مثل هذه الخصومات قد انعكست على أعمال اللجنة أو التقرير الذى انتهت اليه، وقد قامت النيابة الادارية - وهى جهة تحقيق محايدة - باجراء تحقيق فى الموضوع وخلصت الى ذات النتيجة التى انتهت اليها الجهة الادارية - أما ما ذهب اليه الطاعن من أن نجاح التطعيم وعدمه هو من الأمور الفنية التى كان ينبغى الاحتكام فيها الى هيئة فنية فى الوقت المناسب، فهو قول مرسل لأن سلطة الادارة فى الرقابة والاشراف على أعمال موظفيها هى من مظاهر السلطة الرئاسية الداخلة فى صميم اختصاصها والتى تباشرها بنفسها، وأن مناظرة الحالات التى قام الطاعن بتطعيمها بواسطة هيئة من الاطباء المتخصصين التابعيين لذات المرافق هى صورة من صور الاشراف والرقابة التى يمكن لهذه الجهة أن تتولاها بنفسها لتوافر الوسيلة لديها، هذا فضلا عن أن الفصل فى نجاح التطعيم وأن كان يمس مسألة فنية الا أنه حسبما هو معروف وثابت فى أقوال الفنيين ممن سمعت أقوالهم فى التحقيق لا يحتاج الى كثير من الخبرة أو الفن أو التخصص اذ تقوم عليه دلائل واضحة معلومة تظهر بالرؤية المجردة.
ومن حيث ان القانون رقم 210 لسنة 1951 الذى وقع فى ظله هذا الاخلال قد ألغى بمقتضى قانون نظام العاملين المدنين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 الذى تضمن فى المادة الثانية من مواد اصداره النص على هذا الالغاء صراحة وعلى أن يلغى كل حكم يخالف أحكامه.
ومن حيث ان هذا القانون الاخير قد حدد فى المادة (61) منه الجزاءات التأديبية التى يجوز توقيعها على العاملين شاغلى الدرجات دون الثالثة فى ستة بنود بادئا بأخفها وطأة وهى (1) الانذار (2) الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين فى السنة. (3) تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر. (4) الحرمان من العلاوة. (5) الوقف عن العمل بدون مرتب أو بمرتب منخفض لمدة لا تجاوز ستة أشهر. (6) الفصل من الوظيفة.
وبذلك يكون هذا القانون قد ألغى ثلاثة من الجزاءات التى يجوز توقيعها وفقا لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 هى (1) خفض المرتب، (2) خفض الدرجة، (3) خفض المرتب والدرجة وهذا هو الجزاء الأخير الذى قضى به الحكم المطعون فيه.
ومن حيث انه لا محل للقول بأن الجزاءات الثلاثة المذكورة لا زالت قائمة ويجوز توقيعها على العاملين المدنين بالدولة اذ ورد النص عليها فى القانون رقم 117 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية ذلك بالاضافة الى أن القانون رقم 46 لسنة 1964 باصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة قد أشار فى ديباجته الى القانون 117 لسنة 1958 وقضى فى مادته الثانية بأن يلغى كل حكم يخالف أحكامه - فان المادة (2) من القانون المدنى اذ قضت على أنه لا يجوز الغاء نص تشريعى الا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الالغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع - ان ما قصدته فى ضوء المذكرة التفسيرية لذلك القانون الى تقرير صورتين للنسخ التشريعى وهما النسخ الصريح والنسخ الضمنى، وأن للنسخ الضمنى صورتين، فأما أن يصدر تشريع جديد يشتمل على نص يتعارض تعارضا تاما مع نص التشريع القديم وفى هذه الحالة يقتصر النسخ على الحدود التى يتحقق فيها التعارض، وأما أن يصدر تشريع جديد ينظم تنظيما كاملا وضعا من الأوضاع أفراد له تشريع سابق، وفى هذه الحالة يعتبر التشريع السابق منسوخا جمله وتفصيلا اذ تعلق التعارض بين التشريع السابق والتشريع اللاحق بالمبدأ الذى أسس عليه التشريع السابق، وفى غير هذه الحالة لا يتناول النسخ الا النصوص التى تتعارض تعارضا مطلقا مع نصوص التشريع الجديد - ولما كانت المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 قد تضمنت فى شأن العاملين المدنيين بالدولة أحكاما خاصة بالجزاءات التى يجوز توقيعها عليهم تتعارض مع أحكام المادة 31 من القانون 117 لسنة 1958 فان هذه المادة الأخيرة تعتبر منسوخة فى الحدود التى يتحقق فيها التعارض بين حكمها وحكم المادة 61 من القانون رقم 46 لسنة 1964 ومن ثم لا يجوز الاستناد اليها للقول بأنه يجوز توقيع جزاءات خفض المرتب وخفض الدرجة وخفض المرتب والدرجة على العاملين المدنيين بالدولة الخاضعين لهذا القانون.
ومن حيث انه اذا بأن للمحكمة من استقراء أوراق الدعوى أن ما بدر من الطاعن من خروج على مقتضى واجبات وظيفته كان وليد عدم الرؤية والتبصر، ولم يصل فعله الى حد العمد ومن ثم فان معاقبة الطاعن بخفض درجته الى الدرجة السادسة وخفض مرتبه الى أول مربوط هذه الدرجة يعتبر غلوا مبناه عدم الملائمة الظاهرة بين خطورة الذنب وبين نوع الجزاء وانه على هذا الوضع وقد قام بالحكم المطعون فيه حالة من أحوال الطعن أمام هذه المحكمة تستوجب الغاءه والحكم على الطاعن بالجزاء المناسب لما ثبت وقوعه منه من مخالفات فان مركزه القانونى فى شأن هذا الجزاء يظل معلقا الى أن يفصل فى الطعن الراهن بصدور هذا الحكم، ومن ثم فان أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 فيما تضمنته من الغاء جزاءات خفض المرتب وخفض الدرجة وخفض المرتب والدرجة تسرى على حالته بأثر مباشر بحيث لا يجوز توقيع أحد هذه الجزاءات عليه.
ومن حيث انه متى كان الأمر على هذا الوضع، وقد قام بالحكم سبب يستوجب الغاءه لقيامه على غلو مبناه عدم التناسب الظاهر بين الذنب والعقوبة كما سلفت الاشارة، فان المحكمة ترى فى ضوء العقوبات الأخرى المنصوص عليها قانونا، أن الجزاء الذى يتناسب مع ذنب الطاعن هو مجازاته بخصم شهرين من مرتبه مع حرمانه من المرتب عن مدة الوقف الذى كان له يقتضيه وفقا لأحكام القانون.
ومن حيث انه لذلك يتعين الغاء الحكم المطعون فيه والحكم بمجازاته بخصم شهرين من مرتبه وذلك مع حرمانه من المرتب عن مدة وقفه عن العمل والزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة الدكتور مصطفى البلتاجى بالخصم من مرتبه لمدة شهرين اثنين وذلك مع حرمانه من المرتب عن مدة الوقف، والزامه المصروفات.