مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 الى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 197

(22)
جلسة 19 من ديسمبر 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الفتاح بيومى نصار ومحمد مختار العزبى ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 933 لسنة 7 القضائية

موظف. "تعيين". أقدمية. سحب. تراخى صدور القرار المثبت للتعيين عن يوم تسلم العمل فى الوظيفة - النص بقرار التعيين على أن يكون اعتبارا من تاريخ تسلم العمل بالفعل - لا ينطوى على رجعية أو مخالفة لحكم المادة 25 من قانون الموظفين - قرار التعيين انما استمد (مقوماته) من حقيقة الواقع ولا يعدو أن يكون ذلك من قبيل القرارات المؤكدة - امتناع سحبه اذ هو قرار صحيح.
متى كان المدعى قد تسلم العمل بناء على تكليف الجهة الادارية التى يتبعها فان هذا التكليف فى حقيقة لا يخرج عن كونه تنفيذا لما اتجهت اليه الجهة الادارية من تعيينه بمصلحة السجون فاذا تراخى بعد ذلك صدور القرار المثبت لتعيينه عن يوم تسلمه العمل فى الوظيفة التى اسندت اليه فمن حقه أن تعتبر أقدمته فى درجة هذه الوظيفة من وقت تسلم أعمالها دون أن يضار بسبب تراخى المصلحة المذكورة فى اصدار قرار تعيينه. وبهذه المثابة فان قرار الصادر فى 3/ 7/ 1954 بتعيين المدعى بالدرجة السادسة الفنية العالية اعتبارا من 1/ 5/ 1954 تاريخ تسلمه العمل بمصلحة السجون يكون قد أفصح عن المركز القانونى الذى نشأ للمدعى بما انعقدت عليه نية الادارة من تعيينه بها اعتبارا من التاريخ الذى حددته فى قرارها، ومن ثم فان هذا التاريخ هو الذى يعول عليه فى تحديد بدء أقدمية المدعى فى الدرجة، وهو على هذا النحو يكون قد أستمد مقوماته من حقيقة الواقع الذى تم فى صدد تعيينه، ولا ينطوى على مخالفة لحكم المادة 25 من قانون الموظفين أو على رجعية ما بالنسبة للقرار الصادر بتعيينه اذ لا يعدو أن يكون ذلك من قبيل القرارات المؤكدة الذى كشفت به الجهة الادارية عن حقيقة مركز المدعى القانونى. الذى ترتب له من يوم تسلم العمل بناء على تكليفه بذلك تكلفيا باتا منجزا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن قد أستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن المدعى أقام دعواه طالبا الحكم بالغاء القرار رقم 60 الصادر فى 16/ 6/ 1958 الخاص بتعديل أقدميته فى الدرجة السادسة بالكادر الفنى العالى الى 3/ 7/ 1954. بدلا من 1/ 5/ 1954 مع الزام المدعى عليه بالمصروفات والأتعاب. وقال فى بيان ذلك أنه بدأ حياته الوظيفية عام 1948 فى وظيفة كاتب بوزارة الأوقاف الى أن حصل على الدبلوم العالى للخدمة الاجتماعية عام 1953 فرشح من جانب ديوان الموظفين كأخصائى اجتماعى بمصلحة السجون، ثم رفع أسمه من عداد موظفى وزارة الأوقاف يوم 2/ 4/ 1954 وفعلا استلم العمل بهذه المصلحة يوم 1/ 5/ 1954.
وفى 3/ 4/ 1954، وصدر القرار الوزارى رقم 72 بتعيينه بالدرجة السادسة بالكادر الفنى العالى اعتبارا من 1/ 5/ 1954 تاريخ بدء تعيينه واستلامه العمل فعلا - وأضاف المدعى أنه صرف راتبه من هذا التاريخ وكذلك علاوته الدورية الأولى من مايو سنة 1956، كما أدرج أسمه بكشوف منح العلاوة التالية المستحقة فى مايو سنة 1958، غير أنه بتاريخ 24/ 7/ 1958 أحيط علما بصدور القرار المطعون فيه الخاص بتعديل أقدميته فى الكادر الفنى العالى بحجة أن التاريخ المعول عليه هو تاريخ توقيع القرار المتضمن تعيينه فى 3/ 7/ 1954.
وأجابت الجهة الادارية على الدعوى بأنه بتاريخ 3/ 7/ 1954 صدر قرار وزير الحربية رقم 72 بتعيين المدعى بالدرجة السادسة اعتبارا من 1/ 5/ 1954 تاريخ تسلمه العمل، ثم تتبعت مصلحة السجون الى وزارة الداخلية وتطبيقا للمادة 25 من قانون موظفى الدولة وكتاب دورى ديوان الموظفين رقم 220 لسنة 1956 استصدرت مصلحة السجون القرار الوزارى المطعون فيه رقم 60 لسنة 1958 بتعديل أقدمته المدعى الى 3/ 7/ 1954 تاريخ صدور القرار الوزارى بتعيينه، عندما تظلم المدعى أشار مفوض الوزارة بسحب هذا القرار الأخير بالنظر الى مضى المواعيد المقررة لسحبه أو الغائه وأن القرار الساحب قد صدر مخالفا للقانون لمساسه بمركز ذاتى استقر للمدعى منذ سنة 1954، ومن ثم وافق وكيل الوزارة على اجراء هذا السحب فصدر القرار رقم 12 بتاريخ 18/ 2/ 1959 بسحب القرار المطعون فيه، غير أنه استنادا لحكم المادة 25 من قانون موظفى الدولة ولما أفتت به الجمعية العمومية للقسم الاستشارى بمجلس الدولة من أن ما تصدر الجهة الادارية من قرارات تطبيقا لقواعد آمرة مقيدة تنعدم فيها سلطتها التقديرية لا تعد من قبيل القرارات الادارية المنشئة لمركز قانونى وانما تكون تلك القرارات مجرد تنفيذ وتقرير للحق الذى يستمد من القانون مباشرة، ومن ثم يجوز للجهة الادارية سحب قراراتها التى من هذا القبيل فى أى وقت متى استبان لها مخالفتها للقانون، وعلى هذا الأساس سحبت الوزارة القرار رقم 12 لسنة 1959 الصادر فى 18/ 2/ 1959 سالف الذكر ورأت الاستمرار فى الدعوى وانتهت الى طلب رفضها تأسيسا على أن القرار المطعون فيه صدر صحيحا مستندا الى ما يقضى به صريح نص المادة 25 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفى الدولة.
وبجلسة 4/ 1/ 1961 قضت المحكمة بالغاء القرار المطعون فيه الصادر برقم 60 فى 16/ 6/ 1958 القاضى بتعديل أقدمية المدعى فى الدرجة السادسة الى 3/ 7/ 1954 بدلا من أول مايو سنة 1954 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها بمصروفات الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامى المدعى وأقامت المحكمة قضاءها على أنه من الأصول المسلم بها أن التعيين فى الوظائف يتم بالادارة المقررة فى المادة 20 من قانون موظفى الدولة، ومن الطبيعى أن يكون استلام الموظف لعمله من تاريخ تعيينه أو بعده، ومؤدى ذلك أن تسلم العمل لا يكون الا لمن يعين فى وظائف الحكومة ومن مستلزماته - ومن ثم فانه بناء على ما جاء بديباجة القرار رقم 72 الصادر بتعيين المدعى يعتبر أنه قد عين فى وظيفته اعتبارا من التاريخ الذى حدد فيه وهو 1/ 5/ 1954 تاريخ استلامه العمل بمصلحة السجون بعد أن تم رفع اسمه من عداد موظفى وزارة الأوقاف اعتبارا من 1/ 5/ 1954، ولا يجوز أن يضار المدعى بتراخى الوزارة فى اصدار قرار التعيين حتى 3/ 7/ 1954، ولم يكن له شأن فى هذا التأخير، وقد استوفيت مسوغات تعيينه. وانتهت المحكمة الى أن القرار رقم 72 المشار اليه صدر باتا غير معلق على شرط مفسرا كافة ما سبق صدوره من وقائع ثابتة، وذكرت أنه من ناحية أخرى فان المادة 25 من قانون موظفى الدولة نصت على أن تعتبر الأقدمية فى الدرجة من تاريخ التعيين فيها والمفهوم أن تحديد تاريخ التعيين من اختصاص الجهة مصدرة القرار فهى تملك التعيين وتحديد ميعاده حسب الملاءمة بما يتفق وحكم القانون. ولما كان قرار تعيين المدعى قد صدر صحيحا ولا يخالف القانون، ومن ثم ما كان يجوز سحبه بعد انقضاء المواعيد المقررة قانونا. وتأسيسا على ذلك فانه يتعين الحكم بالغاء القرار المطعون فيه القاضى بتعديل أقدمية المدعى مع الزام الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث ان الطعن يقوم على أن نص المادة 25 من قانون موظفى الدولة واضح الدلالة فى تحديد الأقدمية فى الدرجة من تاريخ صدور قرار التعيين وذلك اعمالا لقاعدة الأثر المباشر للقرار الادارى أما تاريخ استلام العمل فهو مجرد واقعة مادية يترتب عليها بدء استحقاق المرتب. والادارة لا تملك كقاعدة عامة سلطة تقديرية فى تحديد آثار قرارات التعيين، ذلك انه رغما من أن المشرع ناط بها اصدار القرار الا أنه بعد اصداره تترتب آثاه القانونية بمقتضى النظام القانونى للوظيفة العامة، فلا يجوز لها بالمخالفة للقانون أن تنص فى قرار التعيين على أن الأقدمية فى الوظيفة تحسب من تاريخ استلام العمل. ومن جهة أخرى فان قرارات التعيين وهى ليست الا تطبيقا لقواعد آمرة مقيدة تنعدم فيها سلطة الادارة التقديرية ومن ثم لا يكون فى شأنها ثمة قرار ادارى منشىء لمركز قانونى وانما يكون القرار مجرد تنفيذ وتقرير للحق الذى يستمد من القانون مباشرة، ولذلك يكون للادارة سحبه فى أى وقت متى استبان لها مخالفته للقانون.
ومن حيث انه بالرجوع الى الأوراق يبين أنه على أثر ترشيح ديوان الموظفين للمدعى للتعيين بمصلحة السجون بعد حصوله على دبلوم الخدمة الاجتماعية وما اتجهت اليه هذه المصلحة من اتخاذ الاجراءات اللازمة لتعيينه بها، وافقت لجنة شئون الموظفين بوزارة الأوقاف على نقله بتاريخ 16/ 2/ 1954 ثم اعتمد قرار النقل من وزير الأوقاف فى 22/ 2/ 1954، وعندئذ أخطرت مصلحة السجون وزارة الأوقاف بكتابها المؤرخ فى 27/ 4/ 1954 بأنها وافقت على تعيينه بها، ومن ثم أخلى طرفه من وزارة الأوقاف ورفع اسمه من عداد موظفيها اعتبارا من أول مايو سنة 1954 ومن ثم تسلم عمله بمصلحة السجون فى أول مايو سنة 1954. والمستفاد مما تقدم أن المدعى قد تسلم العمل بناء على تكليف الجهة الادارية التى يتبعها وهذا التكليف فى حقيقته على التفضيل السابق ايضاحه لا يخرج عن كونه تنفيذا لما اتجهت اليه الادارة من تعيينه بمصلحة السجون فاذا ما ترخى بعد ذلك صدور القرار المثبت لتعيينه عن يوم تسلمه العمل فى الوظيفة التى أسندت اليه فمن حقه أن تعتبر أقدميته فى درجة هذه الوظيفة من وقت تسلم أعمالها دون أن يضار بسبب تراخى المصلحة المذكورة فى اصدار قرار تعيينه. وبهذه المثابة فان القرار الصادر فى 3/ 7/ 1954 بتعيين المدعى بالدرجة السادسة الفنية العالية اعتبارا من 1/ 5/ 1954 تاريخ تسلمه العمل بمصلحة السجون يكون قد أفصح عن المركز القانونى الذى نشأ للمدعى بما انعقدت عليه نية الادارة من تعيينه بها اعتبارا من التاريخ الذى حددته فى قرارها، ومن ثم فان هذا التاريخ هو الذى يعول عليه فى تحديد مبدأ اقدمية المدعى فى الدرجة، وهو على هذا النحو الذى أستمد مقوماته من حقيقة الواقع الذى تم فى صدد تعيينه لا ينطوى على مخالفة لحكم المادة 25 من قانون الموظفين أو على رجعية ما بالنسبة للقرار الصادر بتعيينه اذ لا يعدو أن يكون ذلك من قبيل القرارات المؤكدة الذى كشفت به الجهة الادارية عن حقيقة مركز المدعى القانونى الذى ترتب له من يوم تسلم العمل بناء على تكليفه بذلك تكليفا باتا منجزا وتأسيسا على ذلك فان القرار المؤرخ فى 3 من يوليه سنة 1954 يكون قد صدر صحيحا غير منحرف عن التطبيق السليم للقانون اذ ليس فى استناده الى تاريخ استلام المدعى فى العمل رجعية محظورة أو مخالفة لما نصت عليه المادة 25 من قانون موظفى الدولة ومن ثم فانه لا يجوز سحبه أصلا.
ولذلك فان القرار الساحب الصادر فى 16/ 6/ 1958 وهو القرار المطعون فيه الذى تضمن تعديل أقدمية المدعى فى الدرجة السادسة يجعلها مردودة الى تاريخ 3/ 7/ 1954 بدلا من 1/ 5/ 1954 (التاريخ الذى حدده قرار التعيين) يكون قد وقع باطلا ويتعين لذلك الغاءه. واذ جرى الحكم المطعون فيه بهذا النظر فان الطعن عليه يكون غير قائم على سند صحيح من التطبيق السليم للقانون حقيقا بالرفض مع الزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الحكومة بالمصروفات.