مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 297

(36)
جلسة 9 من يناير سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الفتاح نصار ومحمد مختار العزبى ومحمد ظاهر عبد الحميد - المستشارين.

القضية رقم 1127 لسنة 8 القضائية

( أ ) موظف "تعيين". "التعيين فى الوظائف العامة". من الملاءمات التقديرية التى تترخص فيها جهة الادارة - مشروط بمراعاة ما نص عليه القانون فيما لو حدد شروطها للصلاحية - رهين عند التزاحم فى مجال الاختيار بين المرشحين بالتزام ما يحدده المشرع من عناصر لازمة فى تبين أوجه الترجيح.
(ب) شرطة. "شيخ خفراء". "تعيين" - القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس - الشروط اللازمة على موجبه فيمن يعين شيخا للخفراء - عناصر المفاضلة وضوابط الأولوية عند اجراء هذا التعيين - وجوب التزامها حسبما ورد قانونا والا وقع التعيين باطلا - تعارض رأى العمدة مع مناط المفاضلة المنصوص عليه - لا يعتد به.
1 - اذا كان التعيين فى الوظائف العامة هو من الملاءمات التقديرية التى تترخص فيها الجهة الادارية فى حدود ما تراه متفقا مع الصالح العام، الا أن ذلك مشروط بمراعاة ما نص عليه القانون فيما لو حدد شروطا للصلاحية، ورهين عند المفاضلة فى مجال الاختيار بين المرشحين للتعيين بما يحدده من عناصر يراها الشارع لازمة لتبين أوجه الترجيح والمفاضلة فيما بينهم عند التزاحم.
2 - أن الظاهر من مطالعة القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس أنه تكفل بالنص فى المادة 30 منه على الشروط اللازم توافرها فيمن يعين شيخا للخفراء وهى أن يكون مصريا حسن السيرة ولم يسبق الحكم عليه فى جريمة مخلة بالشرف وألا تقل سنه عن احدى وعشرين سنة ميلادية وأن تثبت لياقته للخدمة صحيا لم أورد النص المذكور عناصر أخرى للمفاضلة عند اجراء هذا التعيين فتضمن أن تكون الأولوية فى التعيين للملمين بالقراءة والكتابة ولمن سبق له الخدمة بالبوليس أو أدى الخدمة الالزامية بالقوات المسلحة أو بالبوليس وكانت درجة أخلاقه عند فصله لا تقل عن جيد. ومن مقتضى ايراد هذا النص على هذه الصورة أنه يتعين على الجهة الادارية التثبت من توافر شروط الصلاحية المشار اليها فيمن يعين شيخا للخفراء والتزام ضوابط الأولوية التى حرص الشارع على النص عليها عند التزاحم بغية اختيار أفضل المرشحين للتعيين تحقيقا للصالح العام المرتبط بادارة مرفق الأمن.
وترتيبا على ذلك فأنه من مقتضى أعمال الضوابط المذكورة أن يقع كل تعيين لا تراعى فيه تلك الضوابط القانونية باطلا ولا حجة فيما استمسكت به الجهة الادارية لترجيح المطعون فى تعيينه ما دام أن أولوية التفضيل منوطة أولا يتوافر العناصر التى حددها الشارع فى هذا الصدد، بحيث لو أمكن القول بأنه ليس ثمة ما يمنع جهة الادارة من اضافة شروط أخرى تهدف بها الى اختيار أفضل المرشحين للتعيين فان ذلك أنما يكون بالقدر الذى لا يتعارض مع عناصر الأولوية التى عينها القانون، وبهذه المثابة لا اعتداد برأى العمدة فى شأن هذا التعيين كلما كان هذا الرأى متعارضا مع مناط المفاضلة المشار اليه والقول بغير هذا يؤدى الى اهدار النص، وهو غير مقبول.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن المدعى أقام دعواه طالبا الحكم بالغاء القرار الصادر فى 15/ 5/ 1961 بتعيين حسن على حسن شيخا للخفر ببلدة بنيان البحرى مركز كوم أمبو محافظة أسوان. وقال فى بيان ذلك أنه خلت وظيفة شيخ خفر بلدة بنيان مركز كوم أمبو فتقدم المدعى بمسوغات تعيينه الدالة على أنه أمضى مدة الخدمة العسكرية بدرجة قدوة حسنة وليس له سوابق ووالده من أعيان البلدة ويمتلك ثلاثة أفدنة ويجيد القراءة والكتابة وعدد عائلته لا يقل عن ثلث تعداد البلدة وفى نفس الوقت تقدم حسن على محمد بترشيح نفسه وهو فى سن المدعى وأعفى من الخدمة العسكرية لعدم لياقته طبيا وكان قد ترك البلدة وعمل فراشا بمقاهى القاهرة، غير أنه بالنظر الى قرابته للعمدة أهملت جهة الادارة ترشيح المدعى على الرغم من تزكيته من جانب مشايخ البلد والاتحاد القومى. ومن ثم تظلم للوزير ومحافظ أسوان فى 8/ 6/ 1961 ولما لم يتلق ردا أقام الدعوى. وأجابت الجهة الادارية على الدعوى بأنه خلت وظيفة شيخ خفراء ناحية بنيان البحرى مركز كوم أمبو بعد فصل شيخها السابق لبلوغه السن القانونية. وطبقا للقانون استعرضت المديرية حالة خفراء الناحية فلم تجد واحدا منهم يصلح لشغل الوظيفة باعتبارها من الوظائف الهامة المتصلة بالأمن فى الريف، وقد تقدم المدعى والمطعون فى تعيينه للترشيح للوظيفة من غير خفراء البلدة فشكلت لجنة بالمديرية للمفاضلة بين المرشحين واختيار أصلحهما للوظيفة فانتهت الى أن المطعون فى تعيينه أصلح من المدعى لأسباب أهمها أنه من عائلة قوية مرهوبة الجانب، وابن عم العمدة الحالى، ومن أكبر قبائل الناحية، وأنه ابن شيخ الخفراء السابق الذى خدم بأمانة واخلاص حتى بلغ السن، وأن التعاون يتحقق بينه وبين العمدة فى حين أنه يستحيل ذلك لو تم اختيار المدعى. واذا كان المدعى ملما حقا بالقراءة والكتابة وسبق تجنيده وأن بعض أعضاء الاتحاد القومى بالناحية يؤيدون ترشيحه لهذين السببين فان عدم موافقة العمدة على تعيينه وهو شرط أساسى نصت عليه المادة 131 من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة الشرطة يجعل من المستحيل التعاون معه مما يعرض الأمن بالناحية الى الاضطراب ويؤدى الى قيام الفتن والشاحنات ومن ثم أصدرت الادارة قرارها بتعيين المطعون عليه دون المدعى بعد أن تحققت أنه أصلح المرشحين للوظيفة.
وبجلسة 13/ 3/ 1962 قضت المحكمة بالغاء القرار الصادر فى 11/ 5/ 1961 فيما تضمنه من تخطى المدعى فى التعيين فى وظيفة شيخ خفراء ناحية بنيان مركز كوم أمبو محافظة أسوان وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على أن المستفاد من نص المادتين 130 و 131 من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس أنه ينبغى أن يتم تعيين شيخ الخفراء من بين وكلاء مشايخ الخفراء إن وجد والا فمن الخفراء الأكفاء، فان تعذر ذلك، كما هو الشأن فى النزاع المعروض، جاز التعيين من غير وكلاء مشايخ الخفراء والخفراء بشرط استيفاء الشروط التى عددتها المادة 130 وظاهر من نصها أنها أوردت شروطا تتناول صحة التعيين وهى الخاصة بالجنسية وحسن السيرة وعدم السوابق واللياقة الطبية، وهذه الشروط ينبغى توافرها جميعا بحيث اذا تخلف شرط منها فى المرشح فقد الصلاحية للتعيين فيما عدا اللياقة الطبية اذ يجوز الاعفاء منها بقرار من المحافظ. أما ما ورد فى عجز النص من اعتبارات خاصة بالالمام بالقراءة والكتابة وسبق الخدمة الالزامية مع الحصول على درجة جيد على الأقل - فهى اعتبارات قصد المشرع من ايرادها أن تلتزمها الادارة كأساس للمفاضلة اذا تعدد المرشحون للوظيفة فيمن توافرت فيهم شروط التعيين - ولا جناح على جهة الادارة أن هى وضعت ضوابط أخرى استكمالا للضوابط القانونية الواردة بنص المادة 130 سابقة الذكر عند تعذره المفاضلة على أساس تلك الضوابط التى حددها الشارع بمعنى أنها لا تملك الخروج عليها، ومن ثم فاذا ما تجاوزت هذه الضوابط القانونية وأعملت الضوابط التى وضعتها - كالعصبية وما الى ذلك مما أشارت اليه الجهة الادارية فى دفاعها - فان قرارها الذى يصدر فى هذا الشأن يقع مخالفا للقانون - ومن ثم فأنه لا اعتداد أيضا بموافقة العمدة على تعيين المرشح الذى لم تتوافر فيه ضوابط الاختيار التى وضعها الشارع، خاصة وأن نص المادة 131 من ذات القانون لم تستلزم تلك الموافقة وكل ما عنته هو أخذ رأى العمدة، ومعنى ذلك أن رأى العمدة فى التعيين هو مجرد رأى استشارى لا الزام على سلطة التعيين فى الاعتداد به وأشارت المحكمة الى أن حجة الادارة فى عدم التعاون بين العمدة وشيخ الخفراء بسبب عدم موافقة الأول على تعيين المدعى هى حجة (داحضة) لأن الأخذ بها يسلب جهة الادارة كل سلطة فى تعيين شيخ الخفراء ويجعل سلطة العمدة فى التعيين السلطة الجديرة بالاعتبار دون سواها وهو ما يخالف نصوص القانون مخالفة صريحة وليس ثمة شك أن كلا من وظيفة العمدة ووظيفة شيخ الخفراء هى من الوظائف العامة التى تخضع لسلطان الادارة وأن عدم التعاون بين شاغلى الوظيفتين لا يغل يد الادارة عن بتر المقصر فيهما من وظيفته. وتأسيسا على ذلك فانه وقد ثبت أن الجهة الادارية لم ترع فى التعيين لوظيفة شيخ الخفر الخالية الضوابط القانونية المنصوص عليها فى المادة 130 من القانون رقم 234 لسنة 1955 سابق الذكر على الرغم من توافرها فى أحد المرشحين وهو المدعى الذى ثبت أنه ملم بالقراءة والكتابة وأنه أدى الخدمة الالزامية، ومع هذا تغاضت الادارة عن تلك الاعتبارات جميعا متخذة ضوابط أخرى وضعتها وهى لا تملك بفرض التسليم بحقها فى مراعاتها ضمن ضوابط الاختيار - أعمالها الا بعد أن تستنفذ سلطتها فى الضوابط القانونية واذ ثبت أن القرار المطعون فيه قد قام على تلك الضوابط الادارية دون تلك الضوابط القانونية التى ألزم بها المشرع جهة الادارة، فان هذا القرار يكون قد وقع مخالفا للقانون ويتعين لذلك الحكم بالغائه فيما تضمنه من تخطى المدعى فى التعيين لوظيفة شيخ خفراء الناحية المذكورة.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ اذ قضى بالغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطى المدعى فى وظيفة شيخ خفراء اذ أن فى ذلك قضاء له بأكثر مما يطلبه فالمدعى عندما أقام دعواه قصرها على طلب الغاء القرار المطعون فيه فقط دون أن يطلب الغاءه فيما تضمنه من تخطيه فى التعيين، فضلا عن أن فى ذلك القضاء الزام الادارة بتعيين شيخين للخفراء فى بلدة واحدة، وهذا غير جائز قانونا اذ أن كل بلدة لا يجوز أن يكون لها سوى شيخ خفراء واحد يتبعه عدد وافر من الخفراء. ومن جهة أخرى فان الادارة قررت أن المدعى غير صالح لوظيفة شيخ الخفراء للأسباب التى ذكرتها فى الأوراق وهى مستفادة من تحريات المركز ورئيس مباحث المحافظة، ومن ثم فلم يكن هناك محل للمفاضلة بينه وبين المطعون على تعيينه اذ أن مناط أعمال المفاضلة هو الصلاحية للتعيين فى تلك الوظيفة. ولا يمكن التحدى بأن القانون لم يشترط فى شيخ الخفراء أن يكون قادرا على صيانة الأمن وحفظ النظام وأن كل ما يشترط فيه أن يكون بالغاء سن الرشد وحسن السمعة اذ أن قدرته على صيانة الأمن وحفظ النظام هى شرط ضرورى ملاصق لوظيفته التى تقوم أساسا على صيانة الأمن والنظام فى القرية، وهذا الشرط بدهى تتمتع جهة الادارة بسلطة تقديرية كاملة فى شأن لا يحد منها الا أن تنحرف بالسلطة وهو ما لم يقدم المدعى دليلا عليه. ومن ناحية ثالثة فان أخذ رأى العمدة ضرورى فى هذه الحالة ما دام أن جهة الادارة وأن كان لها الحق فى أن تخالف رأيه الا أن هذا الرأى أن كان مبنيا على أسباب سليمة فانها تلتزم به، ولا يمكن فى هذه الحالة القول بأن فى ذلك سلبا لسلطة الادارة فى التعيين المشار اليه طالما أن جهة الادارة هى المرجع الأخير فى الأخذ بهذا الرأى.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه أصاب الحق فيما قضى به للأسباب التى قام عليها، وتضيف اليها هذه المحكمة أنه اذا كان التعيين فى الوظائف العامة هو من الملاءمات التقديرية التى تترخص فيها الجهة الادارية فى حدود ما تراه متفقا مع الصالح العام، الا أن ذلك مشروط بمراعاة ما نص عليه القانون فيما لو حدد شروطا للصلاحية ورهين عند المفاضلة فى مجال الاختيار بين المرشحين للتعيين بما يحدده من عناصر يراها الشارع لازمه لتبين أوجه الترجيح والمفاضلة بينهم عند التزاحم واذا كان الظاهر من مطالعة القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس أنه تكفل بالنص فى المادة 30 فيه على الشروط اللازم توافرها فيمن يعين شيخا للخفراء وهى أن يكون مصريا حسن السيرة ولم يسبق الحكم عليه فى جريمة مخلة بالشرف وألا تقل سنة عن احدى وعشرين سنة ميلادية وأن تثبت لياقته للخدمة صحيا ثم أورد النص المذكور عناصر أخرى للمفاضلة عند اجراء هذا التعيين فتضمن أن تكون الأولوية فى التعيين للملمين بالقراءة والكتابة ولمن سبق له الخدمة بالبوليس أو أدى الخدمة الالزامية بالقوات المسلحة أو بالبوليس وكانت درجة أخلاقه عند فصله لا تقل عن جيد. ومن مقتضى ايراد هذا النص على هذه الصورة أنه يتعين على الجهة الادارية التثبت من توفر شروط الصلاحية المشار اليها فيمن يعين شيخا للخفراء والتزام ضوابط الأولوية التى حرص الشارع على النص عليها عند التزاحم بغية اختيار أفضل المرشحين للتعيين تحقيقا للصالح العام المرتبط بادارة مرفق الأمن. وترتيبا على ذلك فانه من مقتضى أعمال الضوابط المذكورة أن يقع كل تعيين لا تراعى فيه تلك الضوابط القانونية باطلا. ولا حجة فيما استمسكت به الجهة الادارية لترجيح المطعون فى تعيينه ما دام أن أولوية التفضيل منوطة أولا بتوافر العناصر التى حددها الشارع فى هذا الصدد، بحيث لو أمكن القول بأنه ليس ثمة ما يمنع جهة الادارة من اضافة شروط أخرى تهدف بها الى اختيار أفضل المرشحين للتعيين فان ذلك أنما يكون بالقدر الذى لا يتعارض مع عناصر الأولوية التى عينها القانون، وبهذه المثابة لا اعتداد برأى العمدة فى شأن هذا التعيين كلما كان هذا الرأى متعارضا مع مناط المفاضلة المشار اليه والقول بغير هذا يؤدى الى اهدار النص، وهو غير مقبول.
كما أنه لا وجه لما يثيره الطعن من أن المحكمة تجاوزت حدود طلبات المدعى عندما قضت لصالحه بالالغاء النسبى فى حين أنه لم يطلب سوى مجرد الغاء القرار المطعون فيه الصادر بتعيين السيد/ حسن على محمد، ذلك أن طلب المدعى على الصورة المقدم بها يستتبع بحكم اللزوم نزولا على الاعتبارات المستمدة من توافر شروط التعيين فيه وحده من حيث الصلاحية وتحقق عناصر التفضيل فيه كذلك وخاصة وأنه لم يكن ثمة من مرشحين سوى المدعى والمطعون على تعيينه، الأمر الذى يقتضى وجوب أن يصدر الالغاء نسبيا لصالح المدعى.
ومن حيث أنه لكل ما تقدم فان الطعن يكون غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون ومن ثم فانه يتعين القضاء برفضه مع الزام الحكومة بمصروفاته.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الحكومة بالمصروفات.