مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 435

(54)
جلسة 12 من فبراير سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت وعزت عبد المحسن وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1042 لسنة 9 القضائية

( أ ) - اختصاص. مجلس الدولة. "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى". وروده على سبيل الحصر فى قانون مجلس الدولة - مقتضاه اعتبار جهات القضاء الأخرى التى لم يحدد القانون اختصاصها على سبيل الحصر، هى المحاكم ذات الاختصاص العام.
(ب) - قرار ادارى - "تعريفه". ليس منه الأعمال المادية التى لا يقصد بها تحقيق آثار قانونية وان رتب القانون عليها آثارا معينة - مثل هذه الآثار مصدرها ارادة المشرع مباشرة لا ارادة الادارة.
(جـ) - "شهر عقارى". تسجيل. قيد. نشأة الحقوق وزوالها - يتم بالمحررات التى تتضمنها والتى تعتبر سند انشائها أو زوالها - التسجيل أو القيد - أثره - ليس من شأنه أن يخلع الصحة على عقود ولدت باطلة ولا أن يبطل عقودا ولدت صحيحة.
(د) - شهر عقارى. قرار ادارى. اختصاص مجلس الدولة. الاجراءات التى ناط بها قانون الشهر العقارى مأموريات الشهر ومصلحة الشهر العقارى - محددة تحديدا دقيقا فى القانون - الآثار التى تترتب عليها - وليدة حكم القانون - الأعمال الصادرة منهم فى هذا الشأن - من قبيل الأعمال المادية التى لا يقصد بها تحقيق مراكز قانونية لا تتوافر فيها مقومات القرار الادارى - اختصاص المحاكم العادية بنظرها.
1 - يبين من مطالعة النصوص المختلفة لقانون مجلس الدولة أن المشرع آثر أن يحدد اختصاصه بنظر منازعات معينة على سبيل الحصر ومن مقتضيات هذه الطريقة أن تكون محاكم ذات اختصاص ضيق وأن يكون اختصاص الجهة الأخرى التى لم يحدد اختصاصها على سبيل الحصر أوسع لأنها تكون بذلك صاحبة الاختصاص العام.
2 - أن القرار الادارى هو افصاح الادارة عن ارادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد احدات مركز قانونى معين متى كان ممكنا وجائزا قانونا، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة ومن ثم لا يكون من القرارات الادارية النهائية التى يختص مجلس الدولة بنظرها الأعمال المادية التى لا يقصد بها تحقيق آثار قانونية وأن رتب عليها القانون آثارا معينة لأن هذه الآثار يكون مصدرها ارادة المشرع مباشرة لا ارادة الادارة.
3 - أن الحقوق تنشأ وتزول بالمحررات التى تتضمنها والتى تعتبر سند أنشائها أو زوالها وأن التسجيل أو القيد ليس من شأنه أن يخلع الصحة على عقود ولدت باطلة كما أنه ليس من شأن اغفاله أن يبطل عقودا ولدت صحيحة، وكذلك الحكم فى تجديد القيد اذ يأخذ حكم القيد أن تم فى الميعاد.
4 - أن الاجراءات التى ناط بها قانون الشهر العقارى مأموريات الشهر ومصلحة الشهر العقارى نفسها محددة تحديدا دقيقا فى القانون كما أن الآثار التى تترتب على هذه الأعمال هى وليدة حكم القانون ومن ثم تكون الأعمال الصادرة منهم من قبيل الأعمال المادية التى لا تقصد بها تحقيق مراكز قانونية أو المساس بحقوق مكتسبة ولا تتوافر فيها مقومات القرارات الادارية النهائية التى نصت عليها الفقرة السادسة من المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة، واذ كان اختصاص المجلس بهيئة قضاء ادارى واردا على سبيل الحصر ويأبى بطبيعته التوسع، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر هذه المنازعة للمحاكم العادية ذات الاختصاص العام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث أن واقعات هذه المنازعة تتحصل فى أنه بتاريخ 26/ 9/ 1959 أقام المطعون ضده دعواه طالبا الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر باعتبار الطلب المقدم من السيد/ محمد على الطوبجى فى 5/ 3/ 1959 لاجراء قيد رهنى جديد تعديلا للطلب المقدم منه لمأمورية الشهر العقارى فى 2/ 2/ 1959 برقم حـ 214 وفى الموضوع بالغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وتبيانا للدعوى ذكر أنه فى سنة 1926 حرر والده والسيد محمد على الطوبجى عقد رهن نص فيه: أن يفتح له الأخير اعتمادا أقصاه 2500 جنيه كقرض وفى مقابل ذلك رهن له عقارا يملكه وأن يقوم المقترض بتوريد قطن للدائن المرتهن تخصم قيمته من الدين، وفى سنة 1946 جدد الدائن قيد الرهن ولكنه لم يحرص على تجديده فى الميعاد بعد هذا التاريخ فسقط القيد طبقا لنص المادة 43 من قانون الشهر العقارى وفى 2/ 2/ 1959 قدم طلب تجديد قيد هذا الرهن وقيد طلبه برقم 214 لسنة 1959 بمأمورية الشهر العقارى بدكرنس. ولكنه حدث أن اشترى المطعون ضده العقار المرهون من والده بعقد عرفى وقدم فعلا طلبا فى 10/ 2/ 1959 لتسجيل صحيفة دعوى صحة ونفاذ هذا البيع وقيد طلبه برقم 264 لسنة 1959 بنفس المأمورية السابقة ولما اتضح للدائن أن طلبه تجديد قيد الرهن غير جائز قانونا قدم طلبا جديدا فى 5/ 3/ 1959 لقيد الرهن مبتدئيا ضد المدين الذى توفى قبل هذا الطلب ووفاء لمبلغ 6159 جنيها وفوائده من سنة 1946 مع أن عقد القرض أقصاه مبلغ 2500 جنيه وكان من المعين أن يأخذ الطلب الجديد رقم قيد جديد ولكنه طلب أن يأخذ رقم طلبه الأول المقدم منه فى 2/ 2/ 1959 حتى تكون له الأسبقية على طلب المقدم من المطعون ضده فى 10/ 2/ 1959، ولما تبدت نية الدائن المرتهن على هذه الصورة اضطر لانذار الشهر العقارى بعدم جواز ذلك مستندا للأسباب الآتية:
(1) لا يجوز اجراء قيد ضد مدين توفى لأن طلب تجديد الرهن يختلف عن طلب اجراء قيد الرهن موضوعا وسببا.
(2) أن المنشور رقم 29058 الصادر فى 18/ 6/ 1947 نص على حالتين فقط يجوز فيهما تعديل طلبات القيد الأولى وليست هذه الحالة أحداهما.
(3) لم يشفع الدائن طلبه الأول والثانى بالمستندات التى نص عليها قانون الشهر العقارى فى المادة 22 وهى الخاصة باثبات ملكية المدين فأنذرته المأمورية لتقديمها فى خلال 15 يوما اعمالا لنص المادة 34 فعرضت الأوراق على أمين الشهر العقارى بالمنصورة ليقرر بسقوط أسبقية الطلب ولكنه لم يصدر هذا القرار رغبة فى خدمة الدائن واضرارا به بوصفه صاحب الحق المكتسب الذى يقيد الاسقاط.
(4) كان من المتعين تحصيل رسم على الطب الجديد لاختلافه عن الأول.
(5) اكتفى الشهر العقارى بأن يقدم الدائن كشف رسمى بملكية المدين الراهن وشهادة بعدم التصرف مع أنه لم يقدم مستندات ملكية هذا المدين مع أن المادة 23 من قانون الشهر العقارى صريح فى عدم قبول المحررات التى لم يسبق شهرها كدليل على ملكية المدين فيما يتعلق باثبات أصل الملكية أو الحق العينى وليست شهادة عدم التصرف أو الكشف الرسمى من المحررات المقبولة.
ثم استند الى رأى ادارة البحوث والتشريع للشهر العقارى الذى قرر أنه لا يجوز اعتبار طلب الدائن الثانى تعديلا لطلبه الأول ولكن مع ذلك عرض الأمر على قسم التفتيش الفنى لتصدر فتوى يغطى بها خطأ مأمورية الشهر العقارى فأفتى رغم عدم اختصاصه بأنه طالما أن المأمورية اعتبرت الطلب الثانى تعديلا للأول فلا مناص من اعتباره كذلك ثم حدث أخيرا أن أرسلت المأمورية الى الدائن أوراقه فى 26/ 8/ 1959 ليعد مشروع عقد الرهن الذى سيقيد وكان يتعين على المأمورية أن ترسل أوراق (المطعون ضده) فى مدى أسبوع على الأكثر ليقدم بدوره مشروعة طبقا للمادة 23 من قانون الشهر ولكنها جريا على موقفها ضده لم ترسل الأوراق اليه الا فى 19/ 9/ 1959 بعد أن أنذرها بتسليم الأوراق وقدم مشروع الصحيفة لتسجيلها فى نفس اليوم وقيد برقم 985 ولكن اتضح أن الدائن قدم مشروعه فى 8/ 9/ 1959 برقم 968 بنفس الأسبقية وبذا أصبحت له أسبقية عليه، ولو لم تسىء استعمال سلطتها لأرسلت اليه الأوراق فى مدى غايته 2/ 9/ 1959 وعندئذ كانت الفرصة أمامه ليقدم طلبه فى نفس اليوم وبهذا يظفر بأسبقيته على الدائن ومن ثم نعى على القرار المطعون فيه بأنه خالف حكم القانون وشابه عيب التعسف وسوء استعماله السلطة.
فأجابت مصلحة الشهر العقارى على الدعوى بأن التماس التعديل لم يغير من جوهر التعامل ولم يغير الوصف ولا الاجراءات ولا العقار ومن ثم لا يستحق رسما جديدا اذ التعامل فى الحالتين رهن وسببه القانون واحد هو عقد الرهن وأن تقديم التعديل اللاحق مدعاته فرط الدقة فى تحديد وصف التصرف، وعللت عدم مطالبتها بتقديم مستندات التمليك بأن الرهن عقد فى أثناء حياة المدين الراهن وحصل قيده أولا فلا يسوغ اهدار ملكية المدين واعادة البحث مرة أخرى فيها وكل ما تهتم به هو عدم خروج العقار من ملكه قبل أن تجرى القيد الجديد وتكفى فيه المستندات التى قدمت اليها أخيرا.
ومن حيث أن ادارة قضايا الحكومة دفعت الدعوى بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظرها بمقولة أن القرار المطعون فيه ليس قرارا اداريا نهائيا وأن الطعن فيه من اختصاص جهة قضائية أخرى.
وبجلسة 16/ 2/ 1960 حكمت المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ.
وبجلسة 21/ 5/ 1963 أصدرت الحكم السابق التنويه عنه والمطعون فيه وقد أقامت قضاءها فى رفض الدفع بعدم الاختصاص على أن القانون رقم 114 لسنة 1946 وأن نظم فى المادة - 35 طريقة الطعن فى القرارات التى تصدر من مأموريات الشهر العقارى والعقارات التى تصدر من الأمناء وجعل الطعن من اختصاص جهة قضائية معينة لا أنه ليس اختصاصا مانعا من اختصاص القضاء الادارى بالنظر فى الطعون التى ترفع اليه ضد القرارات الادارية التى يصدرها الشهر العقارى بما له من سلطة بمقتضى القانون اذ أن الطعن المقابل الذى يقوم مانعا من اختصاصه هو الذى يحقق للطاعن نفس الأرضاء الذى يحققه له طعن الالغاء واذ أن الطعن الذى نظمته المادة 35 من قانون الشهر العقارى آنفة الذكر ليس كذلك ومن ثم يكون الدفع بعدم الاختصاص فى غير محله.
ثم قبلت التدخل من السيد/ محمد على الطوبجى لأن له مصلحة محققه فى التدخل اذ هو الذى صدر القرار المطعون فيه لصالحه.
وأما عن الموضوع فذكر الحكم المطعون فيه فى المادة 43 من قانون الشهر العقارى تنص على سقوط القيد الذى لم يجدد فى خلال عشر سنوات من تاريخ أجرائه ومن ثم يكون طلب تجديد القيد فى 2/ 2/ 1959 قد وقع بعد فترة العشر سنوات واذا كان الدائن المرتهن قد صحح الوضع غير المضبوط بعد ذلك فى 5/ 3/ 1959 فأن هذا الطلب الجديد لا يكون له من أثر الا بالنسبة للمستقبل ولا يكون له أثر رجعى بالنسبة للقيد السابق أو بالنسبة لطلب تجديده واذ ذهبت مصلحة الشهر العقارى فى قرارها المطعون فيه الى غير ذلك فتكون قد خالفت القانون ويكون المطعون ضده محققا فى طلب الغاء القرار الصادر منها فى هذا الشأن.
ومن حيث أن الطعن أسس على القول بأن محكمة القضاء الادارى غير مختصة بنظر النزاع اذ الفقرة السادسة من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن مجلس الدولة تنص على أن يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى دون غيره بالفصل فى الطلبات التى يقدمها الأفراد والهيئات بالغاء القرارات الادارية النهائية. والأمر بالنسبة لاجراءات الشهر العقارى ليس من قبيل القرارات الادارية التى من شأنها انشاء مراكز قانونية للأفراد وانما يعتبر تدخل الادارة فيها من قبيل التنظيم فقط، والتسجيل ذاته لا يعتبر قرارا اداريا وهو الذى تنتهى به أعمال الشهر العقارى واذ النزاع يثور حول قيد رهن فهو نزاع مدنى بحت تختص به المحاكم ذات الاختصاص العام وقد رسم القانون 114 لسنة 1946 طريق الطعن فيما عساه أن يتخذ من اجراءات لا تروق فى نظر الخصوم ونصت عليها المادة 35 منه.
واذ قضت محكمة القضاء الادارى باختصاصها بنظر المنازعة تكون بذلك خالفت القانون.
وأما عن الموضوع فان الالتماس المقدم من الخصم الثالث فى 5/ 3/ 1959 لا يخرج فى طبيعته عن الطلب المقدم منه فى 2/ 2/ 1959 لأن القانون لم ينص على سقوط الرهن بفوات ميعاد قيده فى خلال عشر سنوات وانما نص فقط على سقوط القيد ولا يكون للقيد الجديد من أثر الا من تاريخ اجرائه على الحق العينى الذى يعتبر قائما رغم سقوط قيده أما أسقاط الأسبقية فمن حق أمين الشهر العقارى طبقا لنص المادة 34 من قانون تنظيم الشهر العقارى وقد جرى العمل على قيد الرهن الذى مضى على قيده عشر سنوات ولو حصل ذلك بعد وفاة المدين الراهن ما دام العقار لم ينتقل من ملكيته بعقد مسجل ومن ثم يكون قول الحكم المطعون فيه أن القيد الجديد ورد على معدوم بفوات مدة عشر سنوات على القيد الأول غير سديد اذ القيد الجديد لا يرد على قيد قديم يجب أن يظل قائما حتى يلاحقه وأنما يرد على الحق العينى أى على الرهن الذى يبقى رغم عدم تجديد قيده وأن اختلفت مرتبته الجديدة عن المرتبة القديمة التى فقدها بعدم تجديد القيد بالنسبة للحقوق العينية التى تترتب على العقار المرهون ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون تفسيرا وتطبيقا وتأويلا.
ومن حيث أن هيئة مفوضى الدولة قدمت تقريرا برأيها فى هذه المنازعة ذهبت فيه الى القول بأن مأمورية الشهر العقارى قد منحت الطلب المقدم من السيد/ محمد على الطوبجى بتاريخ 5/ 3/ 1959 أسبقية على الطلب الذى تقدم به المطعون ضده فى 10/ 2/ 1959 بتسجيل صحيفة دعواه وذلك أعمالا للسلطة التى خولها لها قانون الشهر العقارى وقد قصدت بذلك ترتيب أثر قانونى هو بالنسبة للمطعون ضده اسقاط أسبقية طلبه بالنسبة للطلب المقدم من السيد محمد على الطوبجى ومن ثم يكون قد توافر بقرارها كافة أركان القرار الادارى من ارادة ومحل وسبب، وبالتالى يكون الدفع المبدى من الحكومة بعدم اختصاص القضاء الادارى بمقولة أن تصرف مصلحة الشهر العقارى لا تتوافر فيه مقومات القرار الادارى على غير أساس سليم من القانون، واذ أن مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص الأصيل بنظر الطعون التى يقدمها الأفراد بالغاء القرارات الادارية النهائية الا ما استثنى منها بنص خاص، وليس فى المادة 35 من القانون رقم 114 لسنة 1946 ما يفيد أن الشارع أراد سلب اختصاص القضاء الادارى بنظر الطعون التى توجه الى قرارات أمناء الشهر العقارى بتقرير أسبقية أو اسقاطها حتى لو قيل أن هناك طعنا مقابلا للطعن أمام مجلس الدولة بالنسبة لهذا القرار فليس من شأنه أن يحول دون قبول دعوى الالغاء أمامه اذ ليس فى قانون مجلس الدولة المصرى نص يمنع من اختصاصه فى هذه الحالة كما هو الشأن فى فرنسا ومع أن المادة 35 من قانون الشهر العقارى لا تحقق لصاحب الشأن ما تحققه دعوى الالغاء، فقد يستغلق طريق الطعن أمام قاضى الأمور الوقتية فيما لو امتنع أمين المكتب أن يستجيب لما فرضه عليه النص القانونى كما أن قاضى الأمور الوقتية يصدر قرارا ولائيا وعلى وجه السرعة وليس فى خصومة كما هو الحال فى دعوى الالغاء ومن ثم يكون طريق الطعن الذى استحدثته المادة 35 من قانون الشهر ليس فيه من الضمانات التى تتوافر لدعوى الالغاء وليس فيها من الارضاء الذى تكفله هذه الدعوى لكل ذى شأن كما أن قرار قاضى الأمور الوقتية الولائى غير قابل للطعن وفى هذا ما يجعله مغايرا لدعوى الالغاء، ثم خلص التقرير الى القول بأن الدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى فى غير محله ومتعين الرفض وبعد ذلك عالج التقرير موضوع المنازعة فذكر أن قيد الرهن يسقط اذا لم يجدد فى خلال عشر سنوات من قيده السابق وتضيع مرتبته واذ ثبت أن وقت أن قدم الدائن طلبه فى 2/ 2/ 1959 كان قيده السابق قد سقط فعلا لعدم تجديده فى الميعاد فيكون طلبه معدوم الأثر وبالتالى لا يحمل على أنه طلب قيد جديد لما فى ذلك من مجافاة لقانون الشهر العقارى ولمساسه بحقوق أصحاب الشأن، ولأنه لا يسوغ ترتيب أى أثر لطلب معدوم ومن ثم كان على مأمورية الشهر العقارى أن تعتبر طلب قيد الرهن الجديد مقدما لها فى 5/ 3/ 1959 اذ هناك فرق بين تجديد قيد الرهن وقيده من جديد اذ الأول يحفظ للرهن مرتبته السابقة بينما مرتبة الرهن فى الحالة الثانية تكون من تاريخ اجرائه ومن ثم طلب التقرير فى خاتمته الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع ألزام الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث أن ادارة قضايا الحكومة قدمت مذكرة بدفاع وزارة العدل ردا على ما جاء فى تقرير هيئة مفوضى الدولة ذكرت فيها أن اختصاص مجلس الدولة فى المنازعات التى تكون الادارة طرفا فيها ليس شاملا وإنما هو اختصاص مقيد حدده الشارع على سبيل الحصر وأن القرار المعنى فى دعوى الالغاء هو الذى يرتب أثرا قانونيا أى يكون من شأنه انشاء مركز قانونى أو تغييره أو زواله أو الغاؤه، أما اذا كان من شأنه انشاء نتائج مادية لا تنشئ أى مركز قانونى فى حق ذوى الشأن فلا يكون القرار اداريا نهائيا وبالتالى يخرج من اختصاص مجلس الدولة ويدخل فى اختصاص جهة القضاء العادى صاحبه الولاية العامة واذا كان القانون يرتب آثارا معينة لأعمال الادارة المادية فأن تلك الآثار هى وليدة ارادة المشرع لا ارادة الادارة ومن ثم لا تدخل أيضا فى اختصاص مجلس الدولة فى قضاء الالغاء واذ أن قانون الشهر العقارى وقد نظم عمليات الشهر وقيد الرهن وسائر الحقوق العينية فان القواعد التى وصفها لا تنشئ أى مركز قانونى من حقوق ذوى الشأن فاذا كان المحرر باطلا فأن شهره أو قيده لا ينشآن أية حقوق أو مراكز قانونية وللمحاكم أن تقرر ما تراه فى شأنه، والقول بغير ذلك يؤدى الى نتائج غير مقبولة اذ يكفى أن يتمكن أى فرد من اجراء قيد أو شهر محرر باطل ويمضى على ذلك ستون يوما فيكسب المحرر حصانة تعصمه من الالغاء، ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى فى محله وقام على سند من القانون.
أما بالنسبة للموضوع فقد كان لمصلحة الشهر العقارى أن تعتد بطلب تجديد قيد الرهن فى 2/ 2/ 1959 حتى ولو لم يتقدم بعد ذلك فى 5/ 3/ 1959 يطلب التعديل بغض النظر عن الآثار التى تترتب على العقد اذ العبرة بمبنى الطلب لا بما ورد فيه من ألفاظ لأن القيد الجديد لا يرد على قيد سقط وأنما يرد على الرهن ذاته واذا كان الأمر كذلك فيكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيق أحكامه وتأويلها على الوجه السليم مما يتعين معه الغاؤه.
ثم قدمت وزارة العدل مذكرة أشارت فيها الى مذكرات الحكومة أمام محكمة القضاء الادارى وما جاء فيها من أوجه دفاع والى ما تضمنه تقرير الطعن وكذلك الى مذكرة ادارة قضايا الحكومة السابقة ثم انتهت الى طلب الحكم:
أصليا: بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى.
احتياطيا: برفض الدعوى مع الزام المطعون ضده بالمصروفات.
ومن حيث أنه يبين من وقائع هذه المنازعة أن الجدل يثور أولا حول اختصاص مجلس الدولة بنظر هذه المنازعة ومن ثم تعرض المحكمة بادئ الرأى لمسألة الاختصاص فأن وجدت أنها مختصة تسير فى بحث موضوع المنازعة وأن رأت أنها ليست مختصة تسلبت من نظره وتركته للمحكمة التى عقد لها القانون هذا الاختصاص.
ومن حيث أنه يبين من مطالعة النصوص المختلفة لقانون مجلس الدولة أن المشرع آثر أن يحدد اختصاصه بنظر منازعات معينة على سبيل الحصر ومن مقتضيات هذه الطريقة أن تكون محاكم ذات اختصاص ضيق وأن يكون اختصاص الجهة الأخرى التى لم يحدد اختصاصها على سبيل الحصر أوسع لأنها تكون بذلك ذات الاختصاص العام.
ومن حيث أن المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة واردة فى الفصل الثانى من الباب الأول الذى عقده المشرع لتحديد الاختصاص نصت على أنه يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى دون غيره بالفصل فى المسائل الآتية:... ثم عددتها على سبيل الحصر فى تسع فقرات وأوردت من بين هذه الفقرات الفقرة السادسة التى نصت على "الطلبات التى يقدمها الأفراد أو الهيئات بالغاء القرارات الادارية النهائية".
ومن حيث أنه من المسلمات أن دعوى الالغاء تختلف فى كنهها واجراءاتها عن دعوى التضمينات التى يكفلها القضاء الكامل.
ومن حيث أن المطعون ضده استهدف من دعواه الغاء القرار الصادر باعتبار الطلب المقدم من السيد محمد على الطوبجى فى 5/ 3/ 1959 لاجراء قيد رهنى جديد تعديلا للطلب المقدم منه لمأمورية الشهر العقارى بدكرنس فى 20/ 2/ 1959 برقم 214 وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث أن المحكمة لا ترى حاجة بها أن تخوض فى بحث ما اذا كان المشرع المصرى أوجد فى المادة 35 من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقارى طريق طعن مقابل لدعوى الالغاء لأن ذلك يكون له ما يبرره اذا كان القرار الصادر قرارا اداريا، أما اذا لم يكن كذلك أو أن هذه المادة تعنى حالة غير الحالة التى تسير حولها المنازعة فلا جدوى لهذا البحث ولا وجه للتغلغل فيه وبيان ما اذا كان هذا الطريق يقوم على قدم وساق موازيا لدعوى الالغاء ومحققا لذات الارضاء الذى يتغياه رافعها.
ومن حيث أنه سبق لهذه المحكمة فى العديد من أحكامها أن عرفت القرار الادارى وأبانت أركانه وهو كما سبق تعريفه: افصاح الادارة عن ارادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد أحداث مركز قانونى معين متى كان ممكنا وجائزا قانونا، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة. ومن ثم لا يكون من القرارات الادارية النهائية التى يختص مجلس الدولة بنظرها الأعمال المادية التى لا يقصد بها تحقيق آثار قانونية وأن رتب عليها القانون آثارا معينة لأن هذه الآثار يكون مصدرها ارادة المشرع مباشرة لا ارادة الادارة. ومن ثم لا تكون الاجراءات التى اتخذتها لادارة مستهدفة منها تنفيذ حكم القانون حتى وإن غم عليها تفسيرها لصحيح موضوعا لدعوى الالغاء وأن صلحت أن تكون موضوعا لدعوى التضمينات فى القضاء الكامل أن نشأ عنها ضرر لذى الشأن وتوافرت عناصر المسئولية التقصيرية التى يتطلبها هذا القضاء.
ومن حيث أن المادة 34 من القانون رقم 114 لسنة 1946 آنف الذكر تنص على أنه اذا لم يتيسر اتمام الاجراءات الخاصة بالطلب الأسبق بسبب نقص أو عيب فى البيانات أو الأوراق أخطر صاحب الشأن بكتاب موصى عليه مصحوب بأخطار وصول لتلافى هذا النقض أو العيب فى خلال أجل لا يجاوز خمسة عشر يوما فاذا لم يفعل رفع الأمر الى أمين مكتب الشهر. وللأمين أن يصدر قرارا مسببا بسقوط أسبقية هذا الطلب أو بوقف الاجراءات الخاصة بالطلبات الآتية على حسب الأحوال....
كما نصت المادة 43 من نفس القانون على ما يأتى:
يسقط القيد اذا لم يجدد فى خلال عشر سنوات من تاريخ اجرائه على أن للدائن أن يجرى قيدا جديدا أن أمكن ذلك قانونا تكون مرتبته من وقت اجرائه. وكل تجديد لا يكون له أثر الا لمدة عشر سنوات من التاريخ الذى أجرى فيه.
ومن حيث أن المادة الأولى تحدثت عن الاجراءات التى يقوم بها الشهر العقارى بالنسبة للطالبات التى تقدم اليه وتحدثت الثانية عن آثر القيد الذى لم يجدد فى ميعاده فجعلته معدوم الأثر (يراجع حكم محكمة النقض الصادر فى 11/ 6/ 1942 مجموعة القواعد القانونية س 3 رقم 171).
ومن حيث أنه لا مشاحة فى أن الحقوق تنشأ وتزول بالمحررات التى تتضمنها والتى تعتبر سند انشائها أو زوالها وأن التسجيل أو القيد ليس من شأنه أن يخلع الصحة على عقود ولدت باطلة كما أنه ليس من شأنه اغفاله أن يبطل عقودا ولدت صحيحة، وكذلك الحكم فى تحديد القيد اذ يأخذ حكم القيد أن تم فى الميعاد.
ومن حيث أن المادة 1053 من القانون المدنى تنص على أنه لا يكون الرهن نافذا فى حق الغير الا اذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب الغير حقا عينيا على العقار كما تنص المادة 12 من القانون 114 لسنة 1946 الآنف الذكر على أن جميع التصرفات المنشئة لحق من الحقوق العينية العقارية التبعية أو المقررة لها وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشىء من ذلك يجب شهرها بطريق القيد ويترتب على عدم القيد أن هذه الحقوق لا تكون حجة على الغير.
ومن حيث أنه يتضح من هذه النصوص أن الاجراءات التى ناط بها قانون الشهر العقارى مأموريات الشهر ومصلحة الشهر العقارى نفسها محددة تحديدا دقيقا فى القانون كما أن الآثار التى تترتب على هذه الأعمال هى وليدة حكم القانون ومن ثم تكون الأعمال الصادرة منهم من قبيل الأعمال المادية التى لا تقصد بها تحقيق مراكز قانونية أو المساس بحقوق مكتسبة ولا تتوافر فيها مقومات القرارات الادارية النهائية التى نصت عليها الفقرة السادسة من المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة، واذ كان اختصاص هذا المجلس بهيئة قضاء ادارى واردا على سبيل الحصر ويتأبى بطبيعته التوسع، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر هذه المنازعة للمحاكم العادية ذات الاختصاص العام. وفقا لهذا النظر السديد يكون الدفع المبدى على أساس سليم من القانون ويتعين قبوله.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه اذ قضى باختصاصه بنظر المنازعة وبرفض الدفع بعدم الاختصاص قد جانبه التوفيق ومن ثم حق الغاؤه.
ومن حيث أن المطعون ضده قد أصابه الخسر فى الدعوى فيحمل عبء مصروفاتها وذلك أعمالا لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى وألزمت المطعون عليه بالمصروفات..