مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 468

(57)
جلسة 26 من فبراير سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز وحسنين رفعت وعزت عبد المحسن وعبد الستار آدم المستشارين.

القضية رقم 449 لسنة 8 القضائية

( أ ) - دعوى. صفة. "الدفع بعدم قبول الدعوى". مصانع حربية. الهيئة العامة للمصانع الحربية. مدير الهيئة هو الذى يمثلها أمام القضاء - اقامة الدعوى أصلا ضد وزير الحربية - حضور محامى الحكومة بالجلسات التى عقدها مفوض الدولة لتحضير الدعوى - تقدمه بحافظة أرفق بها مذكرة محررة بمعرفة الهيئة وموقعا عليها من مديرها العام تحمل دفاعها فى موضوع الدعوى - لا يقبل منه بعد ذلك الدفع بعدم قبول الدعوى خاصة وأن الهيئة العامة للمصانع الحربية انما تتبع وزارة الحربية.
(ب) - موظف. "تأديب". "تحقيق". جواز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذى يحوى الجزاء - اثبات مضمون التحقيق الشفوى بالمحضر الذى يحوى الجزاء - ليس مقصودا منه ضرورة سرد ما دار فى الموضوع محل الاستجواب تفصيليا بسرد كل الوقائع المنسوبة للموظف والأصول التى استخلصت منها وترديد دفاع الموظف وتقصى كل ما ورد فيه - يكفى اثبات مضمون التحقيق أو الاستجواب وما أسفر عنه فى شأن ثبوت الذنب الادارى قبل الموظف.
(ج) - تأديب. تحقيق. بطلان. ليس ثمة ما يوجب افراغ التحقيق مع الموظف فى شكل معين - لا بطلان على اغفال اجرائه فى وضع خاص.
1 - لئن كان السيد مدير الهيئة العامة للمصانع الحربية هو الذى يمثلها أمام القضاء طبقا للمادة 4 من القرار الجمهورى المنوه عنه التى تنص على أن "يمثل المدير المؤسسة فى صلاتها بالهيئات والأشخاص الأخرى أمام القضاء.." وكانت الدعوى قد أقيمت أصلا ضد السيد وزير الحربية - الا أن السيد محامى الحكومة الذى يحضر بالجلسات نائبا عن السيد وزير الحربية وهو الذى يحضر أيضا نائبا عن الهيئة العامة للمصانع الحربية، وقد حضر بالجلسات التى عقدها السيد مفوض الدولة لتحضير الدعوى ولم يبد هذا الدفاع بل قدم حافظة أرفق بها مذكرة مؤرخة 7 من يناير سنة 1960 - محررة بمعرفة تلك الهيئة وموقعا عليها من السيد المدير العام - أبدت فيها دفاعها فى موضوع الدعوى ومن ثم فانه لا يقبل منه بعد ذلك الدفع بعدم قبول الدعوى لتوجيه صحيفتها للسيد وزير الحربية. خاصة وأن الهيئة العامة للمصانع الحربية تتبع وزارة الحربية فقد نصت المادة الأولى من القرار الجمهورى سالف الذكر على أن "تنشأ مؤسسة عامة تلحق بوزارة الحربية ويطلق عليها "الهيئة العامة للمصانع الحربية... وتكون لهذه الهيئة اختصاصات السلطة العامة المخولة للمصالح الحكومية" ونصت المادة 6 على أنه "يجوز لوزير الحربية حضور جلسات مجلس الادارة وفى هذه الحالة تكون له الرئاسة".
2 - ليس المقصود من اثبات مضمون التحقيق الشفوى بالمحضر الذى يحوى الجزاء ضرورة سرد ما دار فى الموضوع محل الاستجواب بالمحضر تفصيليا بسرد كل الوقائع المنسوبة للموظف وبيان الأصول التى استخلصت منها وذكر ما ورد على السنة الشهود بشأنها وترديد دفاع الموظف وتقصى كل ما ورد فيه من وقائع وأدلة اثبات ونفى وترجيح الاتهام على أساس دفع أبداه الموظف اذ كل ذلك من شأنه أن يقلب التحقيق الشفوى الى تحقيق كتابى وهو مما يعطل الحكمة من أجازة التحقيق الشفوى وهو تسهيل العمل على ما نصت عليه المذكرة الايضاحية للقانون رقم 73 لسنة 1957 وانما المقصود من ذلك هو اثبات حصول التحقيق أو الاستجواب وما أسفر عنه هذا التحقيق أو الاستجواب فى شأن ثبوت الذنب الادارى قبل الموظف باعتبار أن هذا الذنب الادارى هو الذى يكون ركن السبب فى القرار التأديبى مما يمكن السلطة القضائية من بسط رقابتها القانونية على صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانونى.
3 - أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ليس ثمة ما يوجب افراغ التحقيق مع الموظف فى شكل معين ولا بطلان على اغفال اجرائه فى وضع خاص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن السيد المهندس فكرى نجيب مصطفى (المطعون عليه) أقام الدعوى رقم 272 لسنة 14 القضائية ضد السيد وزير الحربية بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الادارى فى 21 من نوفمبر سنة 1959 طلب فيها الحكم بالغاء القرار الصادر بتاريخ 28 من يوليه سنة 1959 من السيد مدير عام مصنع رقم 99 الحربى بمجازاته بخصم عشرة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وقال شرحا لدعواه - أنه بتاريخ 13 من مارس سنة 1959 ندبه مصنع 99 الحربى للسفر الى ألمانيا مع السيد المهندس علاء خليل نايل للتفتيش على محطات المحولات التى اتفق المصنع مع شركة ايشترن على توريدها اليه من ألمانيا الغربية وفى أثناء هذه المأمورية لاحظ هو وزميله بعض عيوب فنية ومخالفات للمواصفات طلب اصلاحها ولما رفضت الشركة اتصل بمصنع 99 الحربى الذى وافقه على وجهة نظره وانتهت الشركة الى تنفيذ توصياتهما.. ثم تقابل هو وزميله مع السيد المهندس شوقى شاروده رئيس قسم الصيانة الكهربائية والسيد المهندس عبد الوهاب متولى فى مدينة فرانكفورت فى المدة من 8 الى 12 من يونية سنة 1959 وذلك لمناقشة بعض نقاط فنية خاصة بالأجهزة الموردة وقد ساءه ما فعله المهندس شاروده من الاستفهام من مندوبى الشركة عن محال اللهو الموجودة بالمدينة فأبدى رغبته فى الانصراف ليستعد للسفر ما دام الاجتماع المصلحى قد انتهى فغضب السيد شاروده من هذا التصرف ولم يظهر شعوره بالضيق وأسرها فى نفسه. ومضى المدعى قائلا أنه بعد عودته فى 13 من يونية سنة 1959 قدم الى السيد مدير المصنع تقريرا عن الرحلة وما أنجز فيها من أعمال.. وفى يوم 22 من يولية سنة 1959 طلبه السيد مدير عام المصنع حيث أبلغه أن رئيس القسم السيد المهندس شارودة قدم ضده شكوى فى منتصف شهر يونيه سنة 1959 نسب اليه فيها سوء سلوكه وهو خارج البلاد وسوء معاملته لزملائه المصريين وتعديه بالقول الذى يتنافى مع قواعد الآداب واللياقة على السادة الألمان ولكنه لم يطلعه على الشكوى بل اكتفى بتلخيص محتوياتها له على النحو السابق فطلب من سيادته أن يأمر بتحقيقها - لأن جميع ما فيها محض اختلاق ولأنها كتبت بدافع من الحقد وشهوة الانتقام بسبب اتصاله (أى المدعى) بالسيد نائب المدير العام اتصالا مباشرا عن غير طريقه ولسابقة تقديم السيد شارودة شكويين ضده كان مآلهما الحفظ - فأظهر السيد المدير العام أن هذه المسألة تعد منتهية وأنه سيعفو عنه فأجابه بأن العفو معناه ثبوت الخطأ وهو لم يخطئ فى شىء فقد كان سلوكه فى الخارج مثاليا فلم يتعد فى القول حدود اللياقة مع الألمان وفقط رفض أن يتسلم مهمات بسبب ما وجد فيها من أخطاء فنية وأخطر المصنع بها فوافقه على وجهة نظره وانتهت الشركة الى التسليم وتعديل مصنوعاتها. كما أنه لم يسئ معاملة زملائه المصريين وكل ما هنالك أنه وقع خلاف فى الرأى من الناحية الفنية لم يتعد الى حدود المعاملات الشخصية ولكن السيد المدير العام لم يستجب لطلب تحقيق الشكوى فاعتقد أن أمرها قد بت فيه بالحفظ الا أنه فوجئ فى 29 من يونية سنة 1959 بقرار أصدره السيد المدير العام فى اليوم السابق بمجازاته بخصم عشرة أيام من راتبه لما نسب اليه فى الشكوى المذكورة.. وقد نعى المدعى على قرار الجزاء مخالفته للقانون اذ لم يسبقه تحقيق طبقا لما ينص عليه قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 فضلا عن أن الأسباب التى بنى عليها أسباب مختلفة ولو حققت لثبت كذبها ومن ثم يكون الجزاء معدوم السبب مستحق الالغاء ولذلك فانه قد رفع هذه الدعوى بعد أن تظلم فى 9 من أغسطس سنة 1959 دون أن يصله أية اجابة عليه.. وقدم المدعى حافظة بمستنداته.
وقد رد السيد مدير عام مصنع 99 الحربى على الدعوى بمذكرة مؤرخة فى 7 من يناير سنة 1960 قال فيها أنه على أثر وصول السيد المهندس شاروده الى ألمانيا واتصاله بعملية التفتيش التى كان يقوم بها المدعى مع رئيس المأمورية السيد/ علاء خليل نايل وباتصاله كذلك بالمسئولين فى الشركات المختصة فوجئ بشكاوى عديدة من تصرفات المدعى ولهذا كتب تقريرا للمصنع فى 27 من يونية سنة 1959 يشرح فيه ما رآه وما سمعه من سوء معاملة المدعى للمهندسين الألمان وسوء سلوكه مع فتيات الشركة فضلا عن سوء معاملته لزملائه من المهندسين المصريين. كما قدم السيد المهندس علاء خليل نايل تقريرا من 6 من يوليه سنة 1959 أوضح فيه سوء سلوك المدعى مع عاملات الفنادق كما أنه كان يعامل مدير شركة دومينيت ومديرة المبيعات بها معاملة فيها تعسف وتجريح وكان أسلوبه مع مدير شركة كالوريماج أسلوب الآمر علاوة على تعديه فى المناقشة على رؤسائه وتعديه بالقول النابى عليهم كما أن السيد المدير العام استمع لمضمون ما جاء بهذه التقارير من أحد السادة الألمان عند مروره بألمانيا ولذلك فقد استدعى المدعى وواجهه بالشكاوى والتقارير الواردة ضده وبعد أن استمع لدفاعه تبين له صحة ما جاء بالتقارير وبأقوال المذكورين فقرر مجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه ورد المصنع على ما أثاره المدعى فى صحيفة دعواه - من أن تمسكه مع الشركات بالمواصفات الفنية آثار عليه حفيظتها وأن ما وقع بينه وبين زملائه المصريين لم يتعد الى حدود المعاملات الشخصية - رد على ذلك بأن الخلاف بين المصانع والشركات أمر عادى ولا يثير حفيظة أى طرف ولو كان المدعى قد تمسك بالمواصفات الفنية دون خروج على حدود اللياقة لما كان فى تصرفه الا ما يشكر عليه غير أنه ذهب فى تصرفاته شططا وعسفا الى الحد غير المعقول فى قول ناب ولهجة آمرة وقد ورد خطابان من شركتى كالوريماج ودومينيت بأن تصرفات المدعى معهما كانت مزرية فضلا عما قررته احدى هاتين الشركتين فى خطابها من أنها تمسك عن التمادى فى مناقشة السلوك غير العادى للمدعى من تصرفات لم ترغب الشركة فى الخوض فيها لأنها من الأمور الخاصة التى تجرى خارج دائرة العمل بها وأنه ولو كان ما ذكره المدعى صحيحا لكان حريا بالشركات أن تحمل فى نفسها حفيظة ضد المهندس علاء خليل رئيس المأمورية والذى اشترك مع المدعى فى مراحل الفحص. وأنه لا صحة كذلك لما أدعاه من وجود خلاف فى الرأى بينه وبين زملائه لأنه يعترف فى صحيفة دعواه بأن هؤلاء الزملاء اشتركوا معه فى الفحص وفى الاعتراض على الشركة. ورد المصنع على ما ذكره المدعى - من أنه لم يجر معه تحقيق - بأن التحقيق قم تم شفاها طبقا للمادة 85 من قانون الموظفين وقد اعترف المدعى فى صحيفة الدعوى بأنه ووجه بما نسب اليه.. وختم السيد مدير المصنع مذكرته بأن المدعى قد ارتكب جسيم الخطأ مما أساء لسمعة المواطنين عامة وسمعة رجال المصانع الحربية خاصة وهدد العلاقات الودية بين المصانع والهيئات الأجنبيه المتعاونة معها وكان سلوكه الشخصى أسوأ مثل لمواطن عربى فنال جزاءه وفاقا وقدم المصنع حافظة بمستنداته.
وقدم السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا انتهى فيه الى أنه يرى الحكم بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بالغاء القرار الصادر من مدير عام مصنع 99 الحربى بتاريخ 25 من يولية سنة 1959 وما يترتب على ذلك من آثار والزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه.. واستند فى ذلك الى أن تأشيرة السيد مدير المصنع على تقرير السيد شاروده لا تعد مضمونا لتحقيق شفوى لأنها لا تعدو أن تكون ترديدا للتهم المنسوبة الى المدعى دون أن تثبت ما أبداه للدفاع عن نفسه وأنه اذا سلم بأن تحقيقا شفويا أجرى مع المدعى فان هذا التحقيق قد شابه قصور مخل أطاح بالضمانات التى أوجب القانون توافرها فى مثل تلك الحالات.
ثم قدمت وزارة الحربية مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة لأن المدعى خاصم الوزارة فقط مع أن هيئة المصانع الحربية مؤسسة عامة مستقلة بشخصيتها القانونية عن وزارة الحربية يمثلها مديرها طبقا للمادة 4 من القرار الجمهورية رقم 678 لسنة 1959 وفى الموضوع ردت على تقرير السيد المفوض بأنه ليس المقصود بما نصت عليه المادة 85 - من اثبات مضمون التحقيق الشفوى بالمحضر الذى يحوى الجزاء - اثبات ما ورد فى الموضوع محل الاستجواب بالمحضر تفصيليا والا انقلب التحقيق الشفوى الى تحقيق كتابى. فضلا عن أن المشرع عندما الزم الجهة الادارية ببيان مضمون التحقيق انما ألزمها بذلك ليصل الى تقدير قيام الحالة الواقعية والقانونية التى يقوم عليها القرار وليراقب مدى تبريرها له والوقائع فى الدعوى قاطعة الدلالة على سوء سلوك المدعى وسوء معاملته لزملائه فضلا عن تعديه على السادة الألمان مما كان له أسوأ الأثر فى نفوسهم.
وبجلسة المرافعة أمام محكمة القضاء الادارى طلب المدعى الترخيص له فى إدخال خصم فى الدعوى فرخصت له المحكمة بذلك.. بمذكرة أعلنت فى أول مايو سنة 1961 وجه طلباته الى كل من: - (1) السيد رئيس مجلس ادارة المصانع الحربية. (2) السيد مدير عام الهيئة العامة للمصانع الحربية. كما تمسك بمخاصمة السيد وزير الحربية السابق اختصامه فى صحيفة افتتاح الخصومة. ورد فى هذه المذكرة على الدفع الذى أبدته الوزارة بأنه لا صواب فيه بعد أن تولت المصانع الحربية الرد على الدعوى ومباشرتها منذ أودعت صحيفتها ومن ثم يكون الخصومة قد انعقدت ضدها.
ثم قدمت المصانع الحربية مذكرة قالت فيها أن الدعوى غير مقبولة ضد الخصمين الجديدين لأن المدعى لم يتظلم اليهما من القرار المطعون فيه بل تظلم للسيد وزير الحربية كما أنه رفع دعواه ضدهما بعد فوات المواعيد القانونية.. وردت على ما قرره المدعى مذكرته المعلنة فى أول مايو سنة 1961 - من أن الخصومة قد انعقدت ضد المصانع الحربية - بأن صحيفة الدعوى أعلنت للسيد وزير الحربية وأن الحاضر عن الحكومة كان يثبت حضوره دائما عن سيادته ويقدم مذكراته باسمه فضلا عن أن الخصومة لا تنعقد أمام القضاء الادارى الا بطلب يقدم الى قلم كتاب المحكمة مستوفيا الشروط والبيانات المنصوص عليها بقانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 وعلى ذلك فان الخصومة لم تكن قد انعقدت مع الهيئة العامة للمصانع الحربية الا فى أول مايو سنة 1961 عندما أدخلها المدعى وأنه لا يجوز القول بأن الهيئة المذكرة قد تدخلت فى الدعوى عندما تقدم الحاضر عن الوزارة بأوراق ممهورة بخاتم المصانع الحربية أو بتوقيع أحد موظفيها اذ أن ذلك لم يكن مقصودا به تدخلا ولا يمكن اعتباره تدخلا لعدم اتخاذ الاجراءات الواجبة بشأنه يؤيد ذلك أن وزارة الحربية قد دفعت بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها على غير ذى صفة.. وطلبت الهيئة فى الموضوع من باب الاحتياط رفض الدعوى وأحالت فى ذلك على الدفاع الموضوعى السابق ايراده وانتهت الهيئة الى أنها تطلب أصليا الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا بالنسبة لمدير عام الهيئة ورئيس مجلس ادارتها لرفعها بدون تظلم اليهما وبعد فوات المواعيد وبعدم قبولها لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للسيد وزير الحربية واحتياطيا الحكم برفضها. وفى كلا الحالين الزم رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 6 من ديسمبر سنة 1961 قضت محكمة القضاء الادارى "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبى" بالغاء قرار الجزاء المطعون فيه وما يترتب عليه من آثار وألزمت المصانع الحربية المصروفات.. وأقامت قضاءها - بعد أن أوردت نص المادة 85 من قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951 الذى كان حينذاك والمادة 50 من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور - أن القانون أجاز للجهة الادارية استثناء أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذى يحوى الجزاء وأن المقصود من هذه الرخصة أن يسجل المستجوب ما دار فى شأن الموضوع محل الاستجواب بالمحضر الذى يحوى الجزاء أو على الأقل ملخصا لما ووجه به الموظف ولما أبداه من دفاع على أن ينتهى المحضر الى ترجيح الاتهام على أساس رفع ما أبداه الموظف فان لم يستوف المحضر هذه العناصر الأساسية فان التحقيق يكون قد جاء على خلاف الحدود العامة وغير مستكمل للضمانات الأساسية التى يقوم عليها لأنه لم يكفل به حماية حق الدفاع للموظف تحقيقا للعدالة وأن العبارات التى أوردها السيد المدير العام للمصنع الحربى على ذيل التقرير المقدم من السيد المهندس شوقى شاروده بشأن ما هو منسوب الى المدعى من مخالفات ادارية لا يمكن أن تعد مضمونا لتحقيق شفوى بحسب المعنى المفهوم من المادة 85 سالفة الذكر ذلك بأن السيد المدير العام لم يسجل كتابة ما دار فى شأن الموضوع محل التحقيق ولم يثبت كتابه ملخصا لما ووجه به المدعى ولما أبداه من دفاع كما جاء تقرير الجزاء خلوا من توقيع المدعى. وأنه على ذلك فان التحقيق الشفوى الذى أجرى مع المدعى يكون قد شابه قصور مخل لما فيه من اخلال بحق الدفاع من شأنه اهدار الضمانات التى أوجبها القانون ومن ثم يكون غير مطابق للقانون ومخالفا للأصول العامة لما يستلزمه التحقيق ويتعين لذلك القضاء بالغاء الجزاء التأديبى المطعون فيه الغاء مجردا لما شابه من عيب جوهرى يتعلق بضمانات التحقيق وقالت المحكمة أن هذا الالغاء لا يستتبع حتما أن تقف جهة الادارة مكتوفة اليد عن مساءلة المدعى اداريا من جديد فيما هو منسوب اليه من مخالفات ادارية وانما يقتضى الأمر أن تسترجع الجهة الادارية كامل سلطتها من معاودة توقيع الجزاء التأديبى على المدعى شرطا أن يسبق الجزاء تحقيق ادارى كتابة أو مشافهة مستكملا لكافة مقوماته مستوفيا لجميع عناصره طبقا للأوضاع المرسومة فى المادة 85.
وبصحيفة أودعت سكرتيرية هذه المحكمة فى 4 من فبراير سنة 1962 طعن السيد محامى ادارة قضايا الحكومة بصفته نائبا عن السيد وزير الحربية والسيد رئيس مجلس ادارة المصانع الحربية والسيد مديرها العام فى هذا الحكم طالبا قبول طعنه شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض دعوى المدعى مع الزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وبنى طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون لأن المشرع لم يقصد بالنص فى المادة 85 - على أن يثبت مضمون الاستجواب والتحقيق فى المحضر الذى يحوى الجزاء - أن يسجل المستجوب ما دار فى الموضوع محل الاستجواب أو يثبت ملخص ما ووجه به الموظف وما أبداه فى دفاعه من أقوال وترجيح الاتهام على أساس دفع ما أبداه الموظف والا كان من شأن ذلك أن ينقلب التحقيق أو الاستجواب الشفهى الى تحقيق أو استجواب كتابى يدون فيه كل عناصره ووقائعه مما يفوت قصد المشرع من اجازة التحقيق الشفهى تيسيرا على الادارة فى هذا السبيل بل أن هذا المضمون يمثل ما أسفر عنه الاستجواب أو التحقيق فى شأن الموظف.. وأنه لما كان السيد مدير المصنع قد أثبت فى محضر الجزاء أنه قد استمع لدفاع المطعون عليه فيما هو منسوب اليه كما تبين له بعدئذ صحة ما جاء بالتقارير والشكاوى المقدمة ضده من سوء سلوكه ومن ثم قرر مجازاته فان ما أثبته من ذلك يكفى لحمل قرار الجزاء ويعتبر سببا كافيا له ومن ثم يكون القرار صحيحا ومتفقا ونصوص القانون وقصد المشرع وأنه لا وجه لاستناد الحكم الى المادة 50 من اللائحة التنفيذية لأن نص هذه المادة غير خاص بالتحقيق الشفوى المنصوص عليه بالفقرة الأخيرة من المادة 85 سالفة الذكر فضلا عن أن نصوص هذه اللائحة لا تعدو أن تكون أحكاما توضيحية واردة على سبيل التوجيه والتنظيم فى حدود أحكام القانون ودون ترتيب جزاء البطلان على عدم اتباع شكلياتها.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعن انتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع الزام المطعون عليه المصروفات واستندت فى ذلك الى أن قرار الجزاء قد صدر ممن يملك اصداره قانونا وبناء على تحقيق شفوى أجرى مع المطعون عليه فى حدود القانون ومراعاة لأحكامه نصا وروحا وأن الذنب الادارى المنسوب اليه استخلص استخلاصا سائغا من وقائع وأقوال ثابتة بالأوراق تنتجه ماديا وقانونا.
وبجلسة المرافعة أمام هذه المحكمة قال الحاضر عن الحكومة أنه يدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها أصلا على غير ذى صفة لأن السيد وزير الحربية الذى رفعت ضده الدعوى لا يمثل الهيئة العامة للمصانع الحربية وانما الذى يمثلها هو السيد المدير العام طبقا للمادة 4 من القرار الجمهورى رقم 678 لسنة 1957. وانه يدفع أيضا بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وبغير الاجراءات القانونية ضد الممثل القانونى للهيئة. ثم قدم مذكرة شرح فيها الدفع بعدم القبول وطلب أصليا الحكم به واحتياطيا رفض الدعوى واستند فى ذلك الى ما جاء بصحيفة الطعن والى ما جاء بتقرير هيئة المفوضين فى الطعن وأضاف اليه أن الجزاء الذى ناله المدعى لم يخرج عن النطاق الواجب قانونا بما يتلاءم مع جسامة المخالفات والتصرفات التى ثبتت فى حقه وما لها من معوقات على الصالح العام بالنظر الى الظروف التى وقعت فيها فانه لذلك لا يكون ثمة وجه للنعى على هذا القرار ولا سبيل الى القضاء بالغائه. ثم قدم المطعون عليه مذكرة عقب فيها على ما جاء بتقرير هيئة مفوضى الدولة فقال أنه ليس معنى اضافة الفقرة الأخيرة من المادة 85 اعفاء الجهة الادارية من اثبات ملخص الاستجواب الذى أجرى مع الموظف وانما معناه عدم كتابة الاستجواب والدفاع حرفيا والاكتفاء باثبات ملخص أقوال المستجوب وملخص أوجه المدافعة التى تمسك بها وملخص ما قام به المحقق لتحقيق دفاعه فى المحضر الذى يحوى الجزاء فان لم يفعل لا يكون قد أقام حكم القانون لأن ما كتبه لا يسهل رقابة القضاء لسلامة القرار وأنه لما كانت العبارة التى أثبتها مصدر القرار لا تتضمن لأكثر من تلخيص لما اعتقد سيادته أنه أدلة على صحة الاسناد الى المطعون عليه وليس فيها شىء عما أجاب به المذكور ولا عن الخطوات التى اتخذها مصدر القرار لتحقيق أوجه مدافعة المطعون عليه ولذلك يكون القرار قد خالف القانون وأنه لذلك يرى أن هيئة المفوضين قد خلطت بين أدلة الثبوت وبين أوجه المدافعة التى كان يتعين على مصدر القرار اثباتها واثبات منهجه فى تحقيقها فاعتبر أن القرار قد استوفى ما أوجب النص استيفاءه لمجرد ايراده أدلة الثبوت.. ثم رد المطعون عليه على الأسباب الى بنى عليها القرار فردد ما ذكره فى صحيفة دعواه من أنها مختلفة ولا أساس لها ولأن تقرير المهندس شاروده كتب بدافع من الحقد نظرا للخلاف الموجود بينهما. ثم رد على ما جاء لهذا التقرير - من أنه كان يعامل الألمان معاملة الخدم - بأن الشعب الألمانى لا يفرق فى معاملة الأشخاص بحكم وظائفهم بل الجميع يحترم بعضهم البعض وأن هذه العبارة يستعملها المصريون فقط. ثم رد على ما جاء بتقرير المهندس علاء نايل فقال أن ما جاء بالبنود الأول والثالث والرابع غير صحيح أما ما جاء بالبند الثانى - من أنه كان يعطى وعودا لبعض موظفى الشركات - فانه قد حدث وكان نتيجة لاجتماع مع المهندسين الألمان ومناقشة امكان استغلال المصنع لانتاج منتجات مدنية فسأل بعضهم عما اذا كان لديهم الرغبة فى العمل فى مصر فرفض أحدهم وقبل آخر.. ثم رد المطعون عليه على المخاطبين المقدم صورتيهما من المصانع فقال أنه يؤكد أنهما كتبا بدون علم المسئولين بالشركتين محررتى هذين الخطابين.. وأن هاتين الشركتين قد اختيرتا بالذات بسبب الخلافات الفنية التى حدثت معهما واقتضت فى الشركة الأولى ادخال تعديلات كلفتها نفقات كثيرة بلغت حوالى 2000 جنيه واقتضت فى الشركة الثانية تخفيض نص العقد بحوالى 2%. وختم المطعون عليه مذكرته بأنه عندما استدعاه مدير المصنع لمكتبه كان يعتقد أنه سوف يمتدح ما قام به من مجهود ولكنه فاجأه باتهامات قاسية جعلته يفقد أعصابه فلما قال له أنه سوف يعفو عنه أخبره أنه لا يقبل العفو لأن العفو معناه ارتكاب الذنب وطالبه باجراء تحقيق فضايقه هذا الرد وتظاهر بانهاء الموضوع ثم فوجئ بقرار الجزاء يصدر بعد ذلك. وانتهى المطعون عليه الى أن هذا القرار لم يستند الى سبب مستخلص من الأوراق استخلاصا سائغا ولو كان السيد مصدر القرار قد أستمع الى أقواله وأوجه مدافعته لوجد أن الاتهامات ملفقة ولا تصلح سببا لايقاع أى جزء، اللهم الا الجزاء على ملفقيها وأنه لذلك يكون القرار المطعون فيه فاقدا لركن السبب ومستوجب الالغاء.
أولا: عن الدفع بعدم قبول الدعوى.
من حيث أن السيد محامى الحكومة قد دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها أصلا على غير ذى صفة وبعدم قبولها بالنسبة للهيئة العامة للمصانع الحربية لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث انه عن الشق الأول من هذا الدفع الخاص بعدم قبول الدعوى لرفعها أصلا على غير ذى صفة فقد بنى على أساس أن السيد وزير الحربية الذى أقيمت ضده الدعوى لا يمثل الهيئة العامة للمصانع الحربية وانما الذى يمثلها هو السيد المدير العام طبقا للمادة 4 من القرار الجمهورى رقم 678 لسنة 1957 بانشاء الهيئة العامة للمصانع الحربية.
ومن حيث انه - ولئن كان السيد مدير الهيئة العامة للمصانع الحربية المشار اليها هو الذى يمثلها أمام القضاء طبقا للمادة 4 من القرار الجمهورى المنوه عنه التى تنص على أن "يمثل المدير المؤسسة فى صلاتها بالهيئات والأشخاص الأخرى أمام القضاء..." وكانت الدعوى قد أقيمت أصلا ضد السيد وزير الحربية - الا أن السيد المحامى الحكومة، الذى يحضر بالجلسات نائبا عن السيد وزير الحربية وهو الذى يحضر أيضا نائبا عن الهيئة العامة للمصانع الحربية، وقد حضر بالجلسات التى عقدها السيد مفوض الدولة لتحضير الدعوى ولم يبد هذا الدفاع بل قدم حافظة أرفق بها مذكرة مؤرخة 7 من يناير سنة 1960 - محررة بمعرفة تلك الهيئة وموقعا عليها من السيد المدير العام - أبدت فيها دفاعها فى موضوع الدعوى ومن ثم فانه لا يقبل منه بعد ذلك الدفع بعدم قبول الدعوى لتوجيه صحيفتها للسيد وزير الحربية. خاصة وأن الهيئة العامة للمصانع الحربية تتبع وزارة الحربية فقد نصت المادة الأولى من القرار الجمهورى سالف الذكر على أن "تنشأ مؤسسة عامة تلحق بوزارة الحربية ويطلق عليها "الهيئة العامة للمصانع الحربية"... وتكون لهذه الهيئة اختصاصات السلطة العامة المخولة للمصالح الحكومية" ونصت المادة 6 على انه "يجوز لوزير الحربية حضور جلسات مجلس الادارة وفى هذه الحالة تكون له الرئاسة".
ومن حيث أنه عن الشق الثانى من الدفع بعدم قبول الدعوى فقد بنى على أن الدعوى قد رفعت بعد الميعاد لأن المدعى - طبقا لاقراره - قد علم أن بقرار الجزاء فى 29 من يوليو سنة 1959 ولم يختصم الهيئة العامة للمصانع الحربية الا فى أول مايو سنة 1961 ولا يعتد بالتظلم المقدم منه لأنه لم يقدمه للهيئة المذكورة بل قدمه للسيد وزير الحربية.
ومن حيث أن المادة الأولى من قرار السيد رئيس مجلس الوزراء الصادر فى 6 من أبريل سنة 1955 ببيان اجراءات التظلم الادارى وطريقة الفصل فيه قد نصت على أن "يقدم التظلم من القرار الادارى الى الوزير المختص وذلك بطلب يقدم اليه مقابل ايصال أو بكتاب موصى عليه بعلم وصول" ويبين من الاطلاع على ملف التظلم رقم 642 لسنة 1959 المقدم من الهيئة العامة للمصانع الحربية أن المدعى قد تظلم للسيد وزير الحربية فى 11 من أغسطس سنة 1959 وأخطر بوصول تظلمه فى 13 من ذات الشهر وعلى ذلك فانه يكون قد تظلم فى الميعاد القانونى للسيد الوزير المختص تتبعه الهيئة العامة للمصانع الحربية وذلك اعمالا لنص المادة الأولى من قرار السيد رئيس مجلس الوزراء سالف الذكر.. ولما كان الثابت من أن هذا التظلم قد حفظ ولم يخطر المدعى بذلك. فأنه وقد أقام دعواه بعد ذلك فى 21 من نوفمبر سنة 1959 فان الدعوى تكون لذلك قد أقيمت فى الميعاد القانونى. خاصة وأن الثابت من ملف التظلم المنوه عنه أن التظلم قد أحيل للهيئة العامة للمصانع الحربية وتولت هى الرد عليه بخطابها المؤرخ فى 10 من سبتمبر سنة 1959.
ومن حيث انه لذلك يكون الدفع بعدم قبول الدعوى بشقيه على غير أساس سليم من القانون يتعين رفضه.
ثانيا: وعن الموضوع.
من حيث ان المدعى ينعى على قرار الجزاء المطعون فيه مخالفته للقانون لوجهين:
الأول: انه لم يسبقه تحقيق طبقا لما نص عليه قانون الموظفين رقم 210 لسنة 1951.
والثانى: أن الأسباب التى بنى عليها أسباب مختلفة.
ومن حيث أنه عن الوجه الأول فقد ردت الهيئة العامة للمصانع الحربية بأن التحقيق قد تم مع المدعى شفاها طبقا للمادة 85 من قانون الموظفين سالف الذكر.
ومن حيث ان المادة 85 من قانون نظام موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 - الذى كان ساريا حينذاك - قد نصت، بعد تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957، فى فقرتها الأولى على أن "لوكيل الوزارة أو للوكيل المساعد أو لرئيس المصلحة كل فى دائرة اختصاصه توقيع عقوبتى الانذار والخصم من المرتب عن مدة لا تجاوز 45 يوما فى السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة عن 15 يوما وذلك بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه. ويكون قراره فى ذلك مسببا...." وبعد أن نصت المادة المذكورة فى فقراتها التالية على السلطات الأخرى التى تتولى توقيع الجزاء الادارى نصت فى فقرتها الأخيرة على أنه "وفى جميع الأحوال يجوز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذى يحوى الجزاء" وقد أضيفت هذه الفقرة الأخيرة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وجاء فى المذكرة الايضاحية للقانون انه قد نص فيه على "جواز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاها تسهيلا للعمل مع المحافظة على كافة الضمانات" ومن ثم يتعين البحث فيما اذا كان قد قم تحقيق أو استجواب شفوى صحيح مع المدعى وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من هذه المادة من عدمه.
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على أوراق الطعن والمستندات المقدمة فيه من الطرفين أنه على أثر عودة المدعى من مأمورية التفتيش بألمانيا الغربية قدم السيد المهندس شوقى شاروده رئيس قسم الصيانة الكهربائية بالمصانع الحربية، الذى يعمل به المدعى، تقريرا للسيد مدير عام المصانع مؤرخا فى 27 من يونية سنة 1959 أشار فيه الى سوء سلوك المدعى الشخصى أثناء قيامه بتلك المأمورية وسوء معاملته لزملائه المصريين فيها وسوء معاملته لبعض موظفى الشركتين الألمانيتين المتعاقد معهما مما دعاهم الى الشكوى من تصرفاته معهم وقال مدير احدى هاتين الشركتين أن المدعى كان يعامله معاملة الخادم كما قدم السيد المهندس علاء خليل نايل، الذى كان يرأس المدعى فى المأمورية المنوه عنها تقريرا آخر لنفس المدير مؤرخا فى 6 من يوليو سنة 1959 نسب فيه الى المدعى أنه كان يبالغ فى الدعاية عن مصر حتى يجعل الذى يستمع الى حديثه يعتقد أنه كاذب.. وكان يعطى وعودا كاذبة لبعض موظفى الشركات.. كما كان يعامل بعض موظفى الشركتين المنوه عنهما معاملة فيها تعسف وتجريح وبأسلوب شاذ فضلا عن سوء معاملته له (أى لمقدم التقرير) ولرئيس القسم السيد شوقى شاروده ثم أشار التقرير الى سوء سلوك المدعى الشخصى مع عاملات الفندق الذى كانا يقيمان فيه مما أدى الى استيائهن ودعا مدير الفندق الى أن يطلب منهما مغادرته اذا استمر المدعى على هذا السلوك غير المهذب.. وقد أشر السيد المدير العام على التقرير الأول بالعبارة التالية "سبق أن استمعت لمضمون ما جاء بهذا التقرير من أحد السادة الألمان وتأيد ما جاء به من مقابلة المهندس شوقى شاروده والمهندس عبد الوهاب متولى بمدينة دوسلدورف بألمانيا يوم 23/ 6/ 1959 وكما جاء بتقرير السيد المهندس علاء خليل نايل. وقد أحضرت السيد المهندس المذكور فكرى نجيب مصطفى (المدعى) للمكتب واستمعت لدفاعه فيما هو منسوب اليه وقد تبين لى صحة ما جاء بتقرير السادة المذكورين من سوء سلوكه ومعاملته لزملائه المصريين فضلا عن تعديه بالقول الذى يتنافى مع قواعد اللياقة والأدب على السادة الألمان مما كان له أسوأ الأثر فى نفوسهم وما يهدد العلاقات الودية القائمة بينهم وبيننا ولذلك تقرر مجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه جزاءا وفاقا لما ارتكب من آثام" والثابت من هذه الاشارة، بما لا يدع مجالا لأى شك "أن السيد المدير العام قد قام باستجواب المدعى والتحقيق معه شفاها وأثبت مضمون ذلك بالمحضر الذى يحوى الجزاء وعلى ذلك فانه يكون قد استعمل الرخصة التى أشارت اليها الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951.. ذلك لأنه ليس المقصود من اثبات مضمون التحقيق الشفوى بالمحضر الذى يحوى الجزاء ضرورة سرد ما دار فى الموضوع محل الاستجواب بالمحضر تفصيليا بسرد كل الوقائع المنسوبة للموظف وبيان الأصول التى استخلصت منها وذكر ما ورد على ألسنة الشهود بشأنها وترديد دفاع الموظف وتقصى كل ما ورد فيه من وقائع وأدلة اثبات ونفى وترجيح الاتهام على أساس دفع ابداه الموظف اذ أن كل ذلك من شأنه أن يغلب التحقيق الشفوى الى تحقيق كتابى وهو مما يعطل الحكمة من اجازة التحقيق الشفوى وهى تسهيل العمل على ما نصت عليه المذكرة الايضاحية للقانون رقم 73 لسنة 1957، وانما المقصود من ذلك اثبات حصول التحقيق أو الاستجواب وما أسفر عنه هذا التحقيق فى شأن ثبوت الذنب الادارى قبل الموظف باعتبار أن هذا الذنب الادارى هو الذى يكون ركن السبب فى القرار التأديبى مما يمكن السلطة القضائية من بسط رقابتها القانونية على صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانونى.
ومن حيث انه لذلك يكون قرار الجزاء المطعون فيه قد صدر بناء على تحقيق شفوى سليم أجرى مع المدعى فى حدود القانون. واذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب فانه يكون قد خالف القانون حقيقا بالالغاء. ولا صحة لما ذكره الحكم المذكور - من أن التحقيق الشفوى المشار اليه قد شابه قصور مخل لما فيه من اخلال بحق الدفاع - ذلك لأنه يبين من قرار الجزاء، والسابق بيان نصه، من اعتراف المدعى نفسه بصحيفة دعواه أن السيد المدير العام قد استدعاه الى مكتبه وواجهه بالتهم المنسوبة اليه تهمة تهمة وبالمصادر التى استمدها منها ثم استمع الى دفاعه فى كل مها ورجح ثبوت هذه التهم قبله لاطمئنانه الى المصادر المستمدة منها ورأى لذلك مجازاته بخصم عشرة أيام من راتبه وعلى ذلك فان هذا التحقيق الشفوى يكون قد استكمل الضمانات الأساسية التى يقوم عليها كل تحقيق - سواء أكان تحقيقا كتابيا أو شفويا - بما يكفل حق الدفاع للموظف.. تلك الضمانات التى أشارت اليها المذكرة الايضاحية للقانون رقم 73 لسنة 1957، على ما سبق بيانه.
ومن حيث انه لا وجه لاستناد الحكم المطعون فيه الى نص المادة 50 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 - التى تنص على أن يوقع الموظف على محضر التحقيق أو يثبت المحقق امتناعه عن التوقيع عليه - لا وجه لذلك لأن هذه المادة قد وردت فى شأن التحقيق الكتابى المنصوص عليه بالمواد السابقة عليها. فضلا عن أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ليس ثمة ما يوجب افراغ التحقيق مع الموظف فى شكل معين ولا بطلان على اغفال اجرائه فى وضع خاص.
ومن حيث أنه عن الوجه الثانى من وجهى الطعن على قرار الجزاء المطعون فيه فيقول المدعى فى بيان هذا الوجه أن القرار المذكور قد قام على أسباب مختلفة كتبت بدافع من الحقد وشهرة الانتقام لأن سلوكه فى الخارج كان مثاليا ولم يتعد حدود اللياقة مع الموظفين الألمان وفقط رفض أن يتسلم مهمات بسبب ما وجد فيها من اخطاء فنية - كما أنه لم يسئ معاملة زملائه المصريين وان كل ما حدث هو خلاف فى الرأى.
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على قرار الجزاء أنه قام على أسباب ثلاثة: سوء سلوك المدعى مع موظفات الفندق الذى كان يقيم فيه مع زميله المهندس نايل. وسوء معاملته لزملائه المصريين وتعديه بالقول الذى يتنافى مع قواعد اللياقة والأدب على موظفى الشركتين الالمانيتين الذى كان يتعامل معهم. وقد استخلصت هذه الأسباب، استخلاصا سليما من تقريرى المهندسين شوقى شاروده وخليل نايل حيث أشار اليها - حسبما نقدم. كما قرر تفصيليا والسيد المدير العام أن ما جاء بهذين التقريرين قد تأيد بما سمعه شخصيا من أحد أولئك الموظفين الألمان ومن السيد المهندس عبد الوهاب متولى عند مقابلته له بمدينة دوسلدورف بألمانيا يوم 23 من يونية سنة 1959 ولا اعتداد بما ذهب اليه المدعى من أن تقريرى المهندسين المذكورين قد كتبا بدافع من الحقد وشهوة الانتقام - ذلك لأن قرار الجزاء لم يقم على ما جاء بهذين التقريرين فحسب بل استند كذلك الى مصادر أخرى هى أقوال المهندس عبد الوهاب متولى وأقوال ذلك الألمانى بالاضافة الى أنه قد ورد للمصانع الحربية خطابان - أحدهما من شركة كالوريماج Calor - Iamag والثانى من شركة دومينيتورك Dominitwerke - يحويان الشكوى من تصرفات المدعى معهما وقد جاء فى الخطاب الأول فضلا عن ذلك أن الشركة لا تود مناقشة السلوك غير العادى Unusual Conduct للمدعى من تصرفات لا ترغب الشركة فى الخوض فيها لأنها من الأمور الخاصة التى تجرى من ضيوفها خارج دائرة عمل الشركة.. ولا اعتداد كذلك بما قاله المدعى - من أن ما حدث بينه وبين زملائه لا يعدو أن يكون خلافا فى الرأى - ذلك لأن الثابت مما جاء بالتقريرين المنوه عنهما انه كان يناقش موظفى الشركة دون الرجوع الى زملائه للاتفاق معهم على وجهة نظر واحدة تخاطب بها الشركة ولما وجها نظره الى ذلك خاطبهما بلهجة قاسية وعنيفة وبصوت مرتفع كما انه كان يتعالى عليهما وينسب اليهما الغفلة وقلة الدراية، على ما ورد تفصيليا بالتقريرين المذكورين، مع أن المهندس نايل كان رئيسا للمأمورية وكان المهندس شاورده رئيسا للقسم الذى كان يعمل المدعى به وكان ينبغى لذلك أن يعاملها المدعى معاملة حسنة. أما قول المدعى - انه لم يتعد حدود اللياقة مع الموظفين الألمان وفقط رفض أن يتسلم منهم مهمات بسبب ما وجد فيها من أخطاء فنية - هذا القول مردود عليه بأن رفض استلام مهمات للسبب المنوه عنه ما كان ليدعو المدعى الى معاملة أولئك الموظفين معاملة فيها تجريح وتعسف وبأسلوب شاذ، كما قال المهندس نايل فى تقريره، أو معاملة مدير الشركة معاملة الخادم كما جاء بتقرير المهندس شاورده حسبما تقدم.
ومن حيث انه لكل ما تقدم يكون قرار الجزاء المطعون فيه قد قام على أسباب صحيحة تبرر اصداره استخلصت استخلاصا سائغا وسليما من مصادر لها أصل ثابت - كما انه صدر ممن يملك اصداره ولا غلو فيه لأن الجزاء يتناسب مع الذنب الادارى الذى اقترفه المدعى. وقد توقع هذا الجزاء بعد تحقيق شفوى سليم يتفق وأحكام القانون ومن ثم فهو قرار صحيح قانونا ولا مطعن عليه وبالتالى تكون دعوى المدعى (المطعون عليه) بطلب الغائه غير قائمة على أساس سليم من القانون متعينا رفضها واذا ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب، وقضى بالغاء ذلك القرار، فانه يكون قد خالف القانون ويتعين لذلك القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفى الموضوع برفضها مع الزام المدعى المصروفات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة قبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وبرفضها موضوعا وألزمت المدعى بالمصروفات.