مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 509

(62)
جلسة 6 من مارس سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: على محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومى نصار ومحمد مختار العزبى ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 886 لسنة 8 القضائية

( أ ) موظف. "مدة خدمة سابقة". تعليم حر. اثبات. مدة الاشتغال بالمدارس الحرة - اثباتها - الشهادات التى يقدمها الموظفون بسابقة اشتغالهم - التحقق منها بالبحث فى ملفات المدارس الواردة فى الشهادات وتبين الخدمة فى مدرستين من هذه المدارس فى بعض المدد - اعتبار ذلك قرينة مطمئنة على صحة ما ورد بالشهادات وأن لم تثبت جميع المدد الواردة بها - ليس عدلا أن يضار الموظف بعدم اجراء البحث والتحقيق فى الوقت المناسب - عدم العثور بملفات الوزارة الخاصة باحدى المدارس على عقد بالاستخدام سابق على تاريخ نفاذ القانون رقم 40 لسنة 1934 بشأن تنظيم المدارس الحرة - لا ينال من القرينة المشار اليها لعدم انتظام القيد والتسجيل بملفات هذه المدارس.
(ب) موظف. "مدد خدمة سابقة". مدد الاشتغال بالمدارس الحرة - الشهادات التى تتعلق باثبات حرية جهة الادارة فى تقدير صحتها - مشروط بأن تكون النتيجة التى انتهت اليها مما تؤدى اليه الوقائع الثابتة بالأوراق.
1 - اذا كانت هذه الأبحاث المستقاة من ملفات المدرسة الأولى المحفوظة بالوزارة ومن سجلات المدرسة الثانية قد كشفت عن حقيقة سابقة اشتغال المدعى بهاتين المدرستين فان هذه الحقيقة التى أسفرت عنها تلك الأبحاث وبعد سنوات طويلة من تاريخ مطالبة المدعى بضم مدة اشتغاله بالتعليم الحر، لا شك تقوم قرينة مطمئنة تماما على صحة ما ورد بالشهادات الصادرة من ادارة هاتين المدرستين بسابقة اشتغال المدعى بها خلال المدد الواردة بها، وأنه اذا كانت الأبحاث لم تثبت جميع هذه المدد فان ذلك مرجعه الى التراخى فى اجراء هذه الأبحاث وليس عدلا أن يضار المدعى بعدم اجراء البحث والتحقيق فى الوقت المناسب حتى اندثرت معالم اثبات المدد بزوال المدرسة الأولى ووفاة صاحبها وكل ذلك لا يد للمدعى فيه هذا بالاضافة الى أن تنظيم المدارس الحرة لم يبدأ الا بعد صدور القانون رقم 40 لسنة 1934 بشأن تنظيم تلك المدارس الذى ألزمها بابرام العقود مع مدرسيها لا تقل مدة كل منها عن سنة بأمساك السجلات وانشاء الملفات التى تكفل انتظام وحسن سير العمل بها، ولذلك كان من الطبيعى ألا يعثر فى ملفات الوزارة الخاصة بالمدرسة الأولى على عقد باستخدام المدعى بها قبل نفاذ أحكام هذا القانون.
2 - ولئن كانت الادارة حرة فى تقدير الدليل على صحة أو عدم صحة الشهادات التى يقدمها المدرسون بسابقة اشتغالهم بالتعليم الحر وتستقل فى ذلك بسلطة تقديرية واسعة الا أن هذا مشروط بداهة بأن تكون النتيجة التى انتهت اليها الادارة فى هذا الشأن هى مما تؤدى اليه الوقائع الثابتة فى الأوراق أما اذا كان استنتاجها غير سائغ، فان الأمر يخرج عن سلطة الملاءمة والتقدير التى تستقل بها ليدخل فى دائرة التطبيق القانونى السليم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة - تتحصل حسبما يبين - من أوراق الطعن - فى أن المدعى أقام الدعوى رقم 475/ 8 قضائية أمام المحكمة الادارية لوزارة التربية والتعليم بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة فى 17/ 7/ 1961 وذكر فيها انه حاصل على كفاءة التعليم الأولى سنة 1931 والتحق بالتعليم الحر مدرسا بمدرسة الأمة الابتدائية فى 1/ 10/ 1931 الى 31/ 8/ 1935 حيث التحق مدرسا بمدرسة ولى العهد بعابدين الى أن عين فى 21/ 6/ 1937 مدرسا بمدرسة الشيخ مبارك الأميرية، وقد طالب قرارا بضم المدة التى قضاها بالتعليم الحر ولكن الوزارة لم تستجب الى طلبه مما اضطره الى اقامة الدعوى الراهنة طالبا الحكم باستحقاقه لضم تلك المدة الى مدة خدمته بالمدارس الأميرية طبقا لقرار مجلس الوزراء الصادر فى 5/ 3/ 1945، وقد ردت الوزارة على الدعوى بأنه ببحث مدة خدمة المدعى السابقة لم يثبت لديها اشتغاله بالتعليم الحر مدة سنتين ولذلك رفضت اجابته الى طلبه وبجلسة 14/ 1/ 1962 أصدرت المحكمة الادارية حكمها فى الدعوى قاضيا "بأحقية المدعى فى ضم مدتى خدمته بالتعليم الحر الى مدة خدمته الحالية بالوزارة المدعى عليها بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر فى 5 من مارس سنة 1945 على التفصيل المبين بأسباب هذا الحكم وألزمت المدعى عليها بالمصروفات ومبلغ مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة" وجاء بأسباب الحكم انه باستظهار حالة المدعى من واقع ملف خدمته تبين أنه حاصل على كفاءة التعليم الأولى سنة 1931 وقد عين معلما بمدرسة الشيخ مبارك الالزامية فى 20/ 9/ 1937 وذلك بناء على طلب مقدم منه فى 14/ 10/ 1936 الى السيد/ مفتش منطقة القاهرة ذكر فيه انه حاصل على شهادة الكفاءة للتعليم الأولى سنة 1931 وانه قد مارس مهنة التدريس بالمدارس الحرة مدة خمس سنوات وقضى أربع سنوات بالأقسام الليلية بمحافظة القاهرة والتمس تعيينه مدرسا باحدى المدارس الالزامية التابعة لوزارة المعارف العمومية، كما تبين للمحكمة انه بتاريخ 11/ 5/ 1945 تقدم المدعى الى ناظر مدرسة امبابة الأولية للبنين التى كان يعمل بها فى ذلك الحين بطلب أشار فيه الى سبق اشتغاله بالمدارس الحرة الخاضعة لتفتيش الوزارة اعتبارا من 1/ 10/ 31 يدرس بها مادة اللغة العربية حتى 21/ 9/ 1937 حيث عين بمدرسة الشيخ مبارك الالزامية وطلب ضم تلك المدة الى مدة الخدمة بالوزارة وأرفق بطلبه هذا الشهادات المثبتة لاشتغاله خلالها بالتعليم الحر وقد أرسل ناظر المدرسة هذا الطلب فى ذات التاريخ مشفوعا بالشهادتين المثبتتين لاشتغاله بالتعليم الحر الى السيد رئيس مجلس مديرية الجيزة وبتاريخ 10/ 11/ 1945 تقدم المدعى بطلب آخر يطلب فيه ضم المدة ورفع الى الجهة المختصة فى نفس التاريخ، وأعاد الطلب فى 28/ 9/ 1947 كما قدم طلبات مماثلة فى 3/ 1/ 1950 وفى 5/ 12/ 1951 وبعد أن استظهرت المحكمة حالة المدعى على نحو ما تقدم قالت فى أسباب حكمها انه ولئن كانت الوزارة هى صاحبة الرأى فى تقدير قيمة الشهادات المقدمة من المدعى لاثبات مدد خدماته السابقة بالتعليم الحر، وليس للقضاء الادارى أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيع فيما قام لديها من دلائل وشواهد وقرائن أحوال اثباتا أو نفيا فى خصوص صحة أو عدم صحة قيام الواقعة المراد التدليل عليها بالشهادات المقدمة الا أن محل ذلك أن تكون الوزارة قد بذلت قصارى جهدها ولم تدخر وسعافى الوصول الى الحقيقة دون تراخ، ولما كان من الثابت من الأوراق أن المدعى - وقت أن كان قرار 5/ 3/ 1945 يظهر الغيب - وقد أثبت فى طلب استخدامه فى 14/ 10/ 1936 أنه قد مارس مهنة التدريس بالمدارس الحرة مدة خمس سنوات كما انه لم يكف عن المطالبة بضم تلك المدة فى العديد من الطلبات حسبما سبق بيانه مرفقا بطلباته الشهادات المؤيدة، فأهملت الوزارة بحث طلبه ولم تبدأ على ما ظهر فى التحقيق بأمر هذه المدة الا فى 5/ 1/ 1952 ورغم فوات هذه المدة أثبت التفتيش الادارى بمنطقة القاهرة الجنوبية أن للمدعى مدة خدمة سابقة بمدرسة ولى العهد بعابدين سابقا من 21/ 10/ 1936 وصرف ماهيته لغاية أغسطس سنة 1937 كما ثبت من الاطلاع على الملف الخاص بمدرسة الأمة الابتدائية المودع بالوزارة وجود عقد يفيد اشتغال المدعى مدرسا بها لمدة سنة تبدأ من 1/ 9/ 1934 كما عثر بالملف المذكور على جدول توزيع الحصص بالمدرسة وارد به اسم المدعى، لما كان ذلك فانه لا جدال فى أنه مع تراخى الوزارة رغم طلبات المدعى المتلاحقة فى بحث هذه المدة وهو يلح فى طلب ضمها من 11/ 1/ 1945 بعد تقديمه الشهادات المؤيدة لطلبه حتى عام 1952 حيث فقد من السجلات ما فقد وأغلق من المدارس ما أغلق فان هذا الموقف يسوغ للمحكمة ازاء الشواهد والقرائن التى تراءت لها أن تستأنف النظر بالموازنة والترجيح فى وقائع الدعوى ما تستظهره من دلائل وشواهد وقرائن وما تضمنته من مستندات للوصول الى ما تطمئن اليه من أنه عنوان للحقيقة وترتيبا على ذلك وفى ضوء ما كشفت عنه ملابسات الدعوى انتهت المحكمة الى الاطمئنان الى صحة ما ورد بالشهادات المقنعة من المدعى، وقضت لصالحه بضم المدة التى قضاها بالتعليم الحر من 1/ 10/ 1931 الى 31/ 5/ 1935 ومن 21/ 10/ 1936 الى 20/ 9/ 1937 لمدة خدمته الحالية بالوزارة وما يترتب على ذلك من آثار مع مراعاة التقادم الخمسى بالنسبة للفروق المالية، وقد طعنت الوزارة فى هذا الحكم لمخالفة القانون وعلى وفق ما استقر عليه قضاء المحكمة الادارية العليا متى كان الثابت أن والخطأ فى تطبيقه وأقامت طعنها على أنه الوزارة أتبعت فى تحديد المدة التى قضيت فى التعليم الحر اجراءات تقوم على تحقيق المدة التى قضيت بكل مدرسة وتلك بواساطة أحد المفتشين الاداريين، بحيث يكون قوام هذا التحقيق الاعتماد على بحث السجلات والملفات ومستندات الصرف ولم تعتمد شهادات المعاصرين عن مدة الخدمة التى استبعدتها باعتبار هذه الشهادات دليل يحتمل الصدق وعدمه وانتهت أخيرا بعد التردد فى أمرها الى اطراح الأخذ بها لعدم الثقة فيها وعدم وجود قاعدة تلزمها بها، وما دامت الوزارة هى صاحبة الرأى فى تقدير الشهادات المقدمة من صاحب الشأن لاثبات مدد خدماته السابقة فى التعليم الحر، والأمر فى ذلك متروك لوزنها وتقديرها فانه ليس للقضاء الادارى أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لديها من دلائل وشواهد وقرائن أحوال اثباتا أو نفيا فى خصوص صحة أو عدم صحة قيام الواقعة المراد التدليل عليها بالشهادات المتقدم ذكرها، واذ كان الثابت من التفتيش الادارى بالوزارة أنه أجرى تحقيقا دقيقا للتحرى عن حقيقة المدد المطالب بضمها انتهت الى عدم ثبوتها فانه كان من المتعين الاعتداد بنتيجة هذه التحريات واهدار الشهادات المقدمة من المدعى طالما لم يثبت أن الادارة أساءت استعمال سلطتها، ولا يمكن القول أن عدم مبادرة الوزارة الى تحقيق طلب المطعون ضده يعد اهمالا منها ذلك أن الوزارة قد ضمنت اليها المدارس الحرة ومدارس مجالس المديريات جملة فى غضون عام 1950 وقد آثار هذا الضم مشاكل كثيرة اقتضى حلها بعض الوقت ومن ثم فليس صحيحا ما أخذه الحكم على الادارة من تراخ والحكم اذ ذهب الى ذلك فان استخلاصه يكون غير سائغ وهو ما أدى به فى النهاية الى مخالفة القانون.
ومن حيث أنه يتبين من مذكرة المفتش الادارى المؤرخة فى 14/ 4/ 1953 نتيجة فحص مدة خدمة المدعى الأولى بمدرسة الأمة الابتدائية أنه ظهر من الاطلاع على ملف المحفوظات رقم 3 - 22/ 259 وجود عقد يفيد سابقة اشتغال المدعى مدرسًا بهذه المدرسة لمدة سنة تبدأ من 1/ 9/ 1934 الى أغسطس سنة 1935 كما وجد ضمن مرفقات هذا الملف شهادة تحقيق شخصية المدعى وجدول توزيع الحصص بالمدرسة وارد به اسمه ضمن هيئة التدريس بها كما جاء بتلك المذكرة أن اغلاق المدرسة قد حال دون اجراء مزيد من البحث عن حقيقة المدة، كذلك تبين من مذكرة التفتيش الادارى المؤرخة فى 24/ 2/ 1952 بنتيجة بحث مدة خدمة المدعى الثانية بمدرسة ولى العهد بعابدين سابقا (مدرسة الأقباط الابتدائية للبنين بحارة السقايين الآن) أنه ظهر من الرجوع الى دفتر أحوال الموظفين بها أنه صرف ماهيته ابتداء من 21/ 10/ 1936 لغاية أغسطس سنة 1937 ولم يذكر بعد ذلك تاريخ اليوم الذى أخلى طرفه فيه.
واذا كانت هذه الأبحاث المستقاة من ملفات المدرسة الأولى المحفوظة بالوزارة ومن سجلات المدرسة الثانية قد كشفت عن حقيقة سابقة اشتغال المدعى بهاتين المدرستين فان هذه الحقيقة التى أسفرت عنها تلك الابحاث وبعد سنوات طويلة من تاريخ مطالبة المدعى بضم مدة اشتغاله بالتعليم الحر، لا شك تقوم قرينة مطمئنة تماما على صحة ما ورد بالشهادات الصادرة من ادارة هاتين المدرستين بسابقة اشتغال المدعى بها خلال المدد الواردة بها، وأنه اذا كانت الأبحاث لم تثبت جميع هذه المدد فان ذلك مرجعه الى التراخى فى اجراء هذه الأبحاث، وليس عدلا أن يضار المدعى بعدم اجراء البحث والتحقيق فى الوقت المناسب حتى اندثرت معالم اثبات المدد بزوال المدرسة الأولى ووفاة صاحبها وكل ذلك لا يد للمدعى فيه، هذا بالاضافة الى أن تنظيم المدارس الحرة لم يبدأ الا بعد صدور القانون رقم 40 لسنة 1934 بشأن تنظيم تلك المدارس الذى ألزمها بابرام العقود مع مدرسيها لا تقل مدة كل منها عن سنة وبامساك السجلات وانشاء الملفات التى تكفل انتظام وحسن سير العمل بها، ولذلك كان من الطبيعى ألا يعثر فى ملفات الوزارة الخاصة بالمدرسة الأولى على عقد باستخدام المدعى بها قبل نفاذ أحكام هذا القانون.
ومن حيث انه ولئن كانت الادارة حرة فى تقدير الدليل على صحة أو عدم صحة الشهادات التى يقدمها المدرسون بسابقة اشتغالهم بالتعليم الحر وتستقل فى ذلك بسلطة تقديرية واسعة الا أن هذا مشروط بداهه بأن تكون النتيجة التى انتهت اليها الادارة فى هذا الشأن هى مما تؤدى اليه الوقائع الثابتة فى الأوراق أما اذا كان استنتاجها غير سائغ، فان الأمر يخرج عن سلطة الملاءمة والتقدير التى نستقل بها ليدخل فى دائرة التطبيق القانونى السليم اذ يتعذر القول فى هذه الحالة أن القانون قد طبق تطبيقا سليما، واذ انتهى الحكم المطعون فيه الى أحقية المدعى فى الافادة من قرار 5/ 3/ 1945 وقضى لصالح المدعى بضم مدد خدمته السابقة بالتعليم الحر التى اطمأن الى ضمها وكان استخلاصه بحق سائغا من واقع ما احتواه ملف الدعوى من أوراق، فانه يكون قد أصاب الحق فى قضائه ولا وجه للطعن عليه، ويتعين لذلك رفض الطعن والزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا مع الزام الحكومة بالمصروفات.