مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 565

(71)
جلسة 26 من مارس سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: حسنين رفعت وعزت عبد المحسن وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضيتان رقما 444 لسنة 7 القضائية و730 لسنة 8 القضائية

( أ ) عقد التزام المرافق العامة. "اسقاط الالتزام". اللجنة المشار اليها بالمادة السادسة من القانون رقم 155 لسنة 1960 باسقاط التزام مؤسسة خطوط القاهرة والمادة السادسة مكررة المضافة بالقانون رقم 224 لسنة 1960 - ينحصر اختصاصها فى تقدير قيمة التعويض والالتزامات المنصوص عليها فى المادتين الرابعة والخامسة من هذا القانون - لا يمتد الى بحث مدى شرعية تصرف الملتزم الى الغير فى بعض أصول المرفق أو الى تقرير عدم نفاذ مثل هذا التصرف.
(ب) شركة. صورية. ثبوت أن الشركة قد استوفت أوضاعها القانونية وأشهر عنها - وجوب معاملتها كشخص قانونى مستقل - على صاحب الشأن أن يستصدر حكما على عكس ذلك من جهة الاختصاص.
(جـ) قرار ادارى. "صحته". تتحدد بالأسباب التى قام عليها ومدى سلامتها على أساس الأصول الثابتة فى الأوراق وقت صدور القرار ومدى مطابقتها للنتيجة التى انتهت اليها - بحث ذلك من صميم اختصاص القضاء الادارى.
(د) ملكية. "حيازة". قرار ادارى. صحته. تقدير شرعية قرار الاستيلاء المطعون عليه من عدمه - لا يقتضى بحث ملكية الشركة المطعون ضدها للسيارات موضوع النزاع - ليس لجهة الادارة من جانبها أن تهدر القرينة التى قررها الشارع للحائز باعتبار أنه صاحب الحق الذى يحوزه.
(هـ) قرار ادارى. "شكله". ليس للأوامر الادارية أشكال ولا أنواع تحصرها - يتوفر الأمر الادارى قوامه بمجرد صدوره بطريقة قاطعة وتنفيذية - قد يستنتج الأمر الادارى من مجرد أعمال التنفيذ المادية.
(و) قرار ادارى. "تنفيذ مباشر". حالة الضرورة. طريق استثنائى محض لا يلجأ اليه الا فى حالات محددة على سبيل الحصر - حالات ذلك هى وجود نص فى القانون يبيح اتخاذ هذا السبيل أو قيام حالة الضرورة - أركان حالة الضرورة.
1 - ان اللجنة المنصوص عليها فى المادتين السادسة والسادسة مكررة من القانون رقم 155 لسنة 1960 ينحصر اختصاصها فى تقدير قيمة التعويض والالتزامات المنصوص عليها فى المادتين الرابعة والخامسة من ذلك القانون، وقد تكلمت المادة الرابعة عن التعويض الذى يمنح للشركة التى أسقط التزامها عن الموجودات والمنشآت التى لا تؤول دون مقابل الى مانح الالتزام وشرحت أسس هذا التعويض وعناصره، أما المادة الخامسة فقد الزمت المؤسسات أو الشركات التى اسقط التزامها بأداء جميع المبالغ المستحقة لمانح الالتزام والناشئة عن تنفيذ عقد الالتزام وبصفة خاصة جميع المبالغ التى سحبت دون وجه حق من ايرادات المرافق التى كانوا يتولونها وظاهر مما تقدم أن اختصاص هذه اللجنة لا يمتد الى بحث مدى شرعية تصرف الملتزم الى الغير فى بعض أصول المرفق أو الى تقرير عدم نفاذ مثل هذا التصرف اذ أن سلطتها مقصورة على تقدير المبالغ التى سحبت دون وجه حق لالزام الملتزم بها التزاما شخصيا وللمؤسسة اقتضاؤها من أموال هذا الملتزم وموجودات المرفق.
2 - أنه لا وجه لقول الجهة الادارية بأن الشركة المدعية شركة صورية، اذ متى كان الثابت أن هذه الشركة قد استوفت أوضاعها القانونية وأشهر عنها فانه قانونا يجب معاملتها كشخص قانونى مستقل عن شركة خطوط القاهرة (أبو رجيلة) حتى يستصدر صاحب الشأن حكما على عكس ذلك من جهة الاختصاص، ذلك أن القانون يحمى الأوضاع الظاهرة.
3 - ان صحة القرار الادارى تتحدد بالأسباب التى قام عليها ومدى سلامتها على أساس الأصول الثابتة فى الأوراق وقت صدور القرار ومدى مطابقتها للنتيجة التى انتهت اليها وبحث ذلك يدخل فى صميم اختصاص المحكمة للتحقق من مطابقة القرار للقانون والتأكد من مشروعيته.
4 - ان نص المادة (964) من القانون المدنى على أن من كان حائزا للحق اعتبر صاحبه حتى يقوم الدليل على العكس، ومفاد ذلك أن تقدير شرعية القرار المطعون فيه من عدمه يقتضى بحث ملكية المطعون ضدها للسيارات موضوع النزاع - ما دام أن الأصل وفقا لأحكام القانون المدنى أنه لا يجوز للادارة باجراء من جانبها أن تهدر القرينة التى قررها الشارع للحائز باعتبار أنه صاحب الحق الذى يحوزه.
5 - أن الأوامر الادارية ليس لها أشكال ولا أنواع تحصرها، بل هى مجرد تعبير من الموظف المختص عن ارادته فى التصرف على وجه معين فى أمر معين ولغرض معين من أغراض وظيفته وفى حدود اختصاصه.. ويكون للأمر الادارى قوام بمجرد صدوره بطريقة قاطعة وتنفيذية، ومن ثم فقد يستنتج الأمر الادارى من مجرد أعمال التنفيذ المادية.
6 - أن التجاء الادارة الى تنفيذ أوامرها على الأفراد بالقوة الجبرية دون حاجة الى اذن سابق من القضاء - وهو ما يسمى بالتنفيذ المباشر - هو طريق استثنائى محض، لا تستطيع الادارة أن تلجأ اليه الا فى حالات محددة على سبيل الحصر اذ أن الأصل الذى يحكم هذا الموضوع هو الأصل العام الذى يخضع له الأفراد، والذى يقتضى أن تلجأ الادارة الى القضاء لتحصل على حكم بحقوقها أن كان لها ثمة وجه حق اذا ما رفض الأفراد الخضوع لقراراتها، ومن ثم فقد استقر الرأى فقها وقضاء على أن لا يسوغ للادارة فى مصر أن تلجأ الى هذا الطريق الا فى احدى حالتين:
الحالة الأولى: اذا وجد نص فى القانون يبيح الادارة اتخاذ هذا السبيل والأمثلة على ذلك واضحة من استقراء نصوص القوانين المختلفة.
الحالة الثانية: وهى حالة الضرورة ومقتضاها أن تجد الادارة نفسها أمام خطر داهم، يقتضى أن تتدخل فورا للمحافظة على الأمن والسكينة أو الصحة العامة بحيث لو تريثت الى حين صدور حكم القضاء لترتب على ذلك أخطار جسيمة ومن ثم قد جرى القضاء الادارى فى مصر على أنه لا تقوم حالة الضرورة الا بتوافر أركان أربعة:
أولا: أن يكون هناك خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام والأمن.
ثانيا: أن يكون عمل الضرورة الصادر من الادارة، هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر.
ثالثا: أن يكون العمل لازما حتما فلا يزيد على ما تقضى به الضرورة.
رابعا: أن يقوم بهذا العمل الموظف المختص فيما يقوم به من أعمال وظيفته.
وهذه الأركان جميعها ترجع الى أصلين معروفين من أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورة تقدر بقدرها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات والمداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن واقعات الدعوى حسبما يبين من أوراقها تتحصل فى أن المدعى (المطعون ضده) أقام هذه الدعوى أمام محكمة القضاء الادارى بتاريخ 26 من مايو سنة 1960 بصفته انتهى فيها الى طلب الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر من المدعى عليها بامتداد أثر القانون رقم 155 لسنة 1960 باسقاط التزام ترخيص النقل عن مؤسسة خطوط القاهرة أبو رجيلة الى السيارات المملوكة لشركة القاهرة للنقل والسياحة والأفراج عن هذه السيارات اليه، وفى الموضوع بالغاء هذا القرار مع ما يترتب عليه من آثار والزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحا لدعواه أنه كون مع آخرين شركة توصية بسيطة - بعقد محرر فى 23 من نوفمبر سنة 1958 تحمل اسم شركة القاهرة للنقل والسياحة غرضها تشغيل سيارات للخدمة الخاصة للهيئات والأفراد ومزاولة الأعمال والخدمات السياحية بعد أن حصلت من وزارة الاقتصاد على الترخيص رقم 52 بتاريخ 28 من فبراير سنة 1959 بالتطبيق للقانون رقم 584 لسنة 1954 الخاص بمزاولة الأعمال السياحية، وقد تعدل عقد الشركة المذكورة فى أول يونيو سنة 1959 باضافة شريكين موصيين وتخفيض رأس المال، وقد أشهر هذا التعديل فى 19 من أغسطس سنة 1959 تحت رقم 513 لسنة 1959 بمحكمة مصر الابتدائية، وباشرت الشركة عملها الذى كان فى الأعم الغالب متصلا بشئون السياحة بناء على طلب مصلحة السياحة والشركات السياحية - الا أنه على أثر صدور القانون رقم 155 لسنة 1960 باسقاط الالتزامات والتراخيص الممنوحة لبعض شركات النقل لمدينة القاهرة ومن بينها خطوط القاهرة (أبو رجيلة) استولت مؤسسة النقل العام على ثمانية سيارات مملوكة لشركة القاهرة للنقل والسياحة شاء سوء الحظ أن تكون بحظائر شركة خطوط القاهرة وذلك ظنا منها أن هذه السيارات مملوكة لهذه الشركة الأخيرة التى أسقط عنها الالتزام، واستطرد المدعى قائلا أن القرار الصادر بالاستيلاء على السيارات المشار اليها يخالف القانون ذلك أن الشركات التى نص عليها القانون رقم 155 لسنة 1960 ليست محددة باسمها فقط انما هى محددة بأغراضها أيضا بأن تكون قائمة على مرفق نقل الركاب وليست شركة القاهرة للنقل والسياحة من بينها، وأن وجود السيارات فى حظائر شركة أبو رجيلة مرجعه أن هذه الشركة كانت تأوى هذه السيارات مقابل أجر شهرى أما أن زوجة عبد اللطيف أبو رجيلة شريكة فى الشركة فلا أثر له اذ لم يشمل القانون رقم 155 لسنة 1960 كل ما يقوم به السيد عبد اللطيف أبو رجيلة من نشاط تجارى.
وقد دفعت الحكومة بعدم اختصاص محكمة القضاء الادارى تأسيسا على أن الشركة الطاعنة شركة صورية دعامتها أبو رجيلة نفسه وقوامها سيارات مهربة من المرفق ومشتراة بمال المرفق مما يجعل النزاع فى حقيقته واقعا بين أبو رجيلة شخصيا ومؤسسة النقل العام وبذلك يدخل اختصاص اللجنة المشار اليها فى المادة السادسة من القانون رقم 155 لسنة 1960 والمادة السادسة مكررة من القانون رقم 224 لسنة 1960 دون غيرها، هذا الى أن الفصل فى هذه الدعوى يستلزم أن تتطرق المحكمة الى بحث مستندات ملكية السيارات موضوع النزاع وما اذا كانت من متعلقات الالتزام وموجودات المرفق من عدمه بحيث يخرج عن اختصاص محكمة القضاء الادارى، وعلى وجه الخصوص يخرج عن اختصاص الهيئة المختصة بطعون الأفراد ويدخل فى اختصاص هيئة العقود الادارية - كما دفعت الحكومة بعدم قبول الدعوى تأسيسا على أنه ليس ثمة قرار ادارى صادر بالاستيلاء على سيارات الشركة المدعية، وكل ما فى الأمر أن مؤسسة النقل العام قد وضعت يدها على هذه السيارات فور صدور قانون اسقاط الالتزام لوجودها بالجراج الخاص بالمرفق وهو مجرد عزل عادى لا تتوافر فيه عناصر القرار الادارى - وعن الموضوع طلبت الحكومة رفض الدعوى تأسيسا على أن السيارات المشار اليها قد استوردت لحساب المرفق ودفع ثمنها من أمواله وهى بذلك تعتبر من موجودات المرفق سواء استخدمت فعلا فى الغرض الأصلى الذى استوردت من أجله أو لم تستخدم اذ ما كان يجوز للملتزم طبقا لعقد الالتزام أن يتصرف فيها الأبناء على ترخيص بذلك من البلدية الأمر الذى ينبئ عن سوء النية والتواطئ.
وبجلسة أول نوفمبر سنة 1960 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، كما قضت بجلسة 16 من يناير سنة 1962 بالغاء القرار الصادر بالاستيلاء على سيارات الشركة المدعية تنفيذا للقانون رقم 155 لسنة 1960 باسقاط الالتزام عن شركة خطوط (أبو رجيلة) وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة - وأقامت المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الادارى بنظر الدعوى بأن اللجنة المنصوص عليها فى المادة السادسة والسادسة مكررة من القانون رقم 155 لسنة 1960 والقوانين المعدلة له - اختصاصها محدود طبقا لنص المادتين المذكورتين بتقدير قيمة التعويض والالتزامات المنصوص عليها فى المادتين الرابعة والخامسة - فالمادة الرابعة اختصت بالتعويض الذى يمنح للمؤسسة التى أسقط التزامها عن الموجودات والمنشآت التى لا تؤول دون مقابل وشرحت أسس هذا التعويض وعناصر تقديره - والمادة الخامسة أوجبت التزام المؤسسات التى أسقط التزامها والمحددة فى المادة الأولى من القانون بأداء كافة المبالغ المستحقة لمانح الالتزام والناشئة عن تنفيذ الالتزام وخاصة المبالغ التى سحبت دون وجه حق - فاذا كانت الشركة المدعية ليست من الشركات أو المؤسسات التى أسقط التزامها، وكان موضوع هذه الدعوى ليست فيه مطالبة بالتعويض لا من الشركة ولا من مانح الالتزام فان الأمر بذلك يخرج عن نطاق المادتين المذكورتين وبالتالى من اختصاص اللجنة المنصوص عليها فى المادة السادسة المشار اليها ولا اعتداد فى هذا الخصوص بما تثيره الحكومة من أن الشركة المدعية شركة صورية قوامها (أبو رجيله) لأنه قول لا يعدو أن يكون جدلا لا دليل عليه، وينقضه الواقع اذ لم تأخذ به الوزارة ولا مؤسسة النقل العام بدليل أنهما لم تعرضا تظلم الشركة المدعية ومنازعتها فى سياراتها المستولى عليها على اللجنة المذكورة بل عرض الأمر على اللجنة الثلاثية المشكلة بالقرار الوزارى رقم 1145 لسنة 1960 (يراجع قرار اللجنة الثلاثية رقم 11 والمنشور فى الوقائع المصرية بعددها رقم 46 فى 16 من يونيو سنة 1960)، وبدليل أن المؤسسة نفذت قرار هذه اللجنة الأخيرة وأعادت الى الشركة سيارتين من السيارات التى تطالب بها بما لا يتفق وما تثيره الحكومة حول صورية الشركة المدعية ويزعزع جدية الأسباب التى تسوقها فى سبيل تبرير هذا الزعم - هذا بالاضافة الى أن السيارات موضوع القرار المطعون لا تدخل فى مدلول (المبالغ) فى معنى المادة الخامسة من القانون وانما هى موجودات يصدق عليها نص المادة الثالثة من ذلك القانون، ولا جدال فى أن قرار جهة الادارة فيما اذا كانت هذه الموجودات متعلقة بالمرفق المستولى عليه ومرتبطة به ومكملة له من عدمه هو قرار ادارى خاضع لرقابة المحكمة وتختص دون غيرها بالفصل فى طلب الغائه - ولا اعتداد فى هذا الخصوص فيما تقوله الحكومة من أن الأموال التى اشترى بها أبو رجيلة هذه السيارات مسحوبة دون وجه حق من ايرادات المرفق الذى كان ملتزما به وبذلك يحق للمؤسسة أن تتبع أمواله تحت أى يد كانت، لا اعتداد بهذا القول ولا صحة فيه ولا سند له من القانون ذلك أن المادة الخامسة من القانون ألزمت صاحب الالتزام بأداء كافة المبالغ المستحقة لمانح الالتزام والناشئة عن تنفيذ عقد الالتزام وبصفة خاصة المبالغ التى سحبت دون وجه حق من ايرادات المرفق، فهو التزام شخصى وللمؤسسة اقتضاؤه من أموال الملتزم وموجودات المرفق، أما القول بتتبع ما آلت اليه هذه المبالغ تحت يد الغير الحسن النية فهو قول لا أساس له من نصوص هذا القانون ولا غيره - أما القول بأن الفصل فى هذه الدعوى تستلزم أن تتطرق المحكمة الى بحث مستندات الملكية وهو بحث يخرج عن اختصاص محكمة القضاء الادارى فانه مردود عليه بأن صحة القرار الادارى تتحدد بالاسباب التى قام عليها ومدى سلامتها على أساس الأصول الثابتة فى الأوراق وقت صدور القرار ومدى مطابقتها للنتيجة التى انتهت اليها وبحث ذلك يدخل بهذه المثابة فى صميم اختصاص المحكمة للتحقيق من مطابقة القرار الادارى للقانون والتأكد من مشروعيته بصرف النظر عما يستلزمه هذا البحث ما دام لا يخرج عن نطاق هذه الأوراق وفى حدود سلطة جهة الادارة فى اصدار القرار، أما القول باختصاص هيئة العقود الادارية بنظر الدعوى فمردود بأن الشركة المدعية لا تربطها بالوزارة ولا بمؤسسة النقل العام أى التزام أو عقد ادارى حتى يثار هذا الجدل، أما عقد تأجير السيارات المعقود بين المؤسسة فلا علاقة له بموضوع هذه الدعوى ولا ينازع فيه الطرفان ثم استطردت المحكمة بالنسبة للدفع بعدم القبول بقولها "أنه استبان لها من الأوراق أن حقيقة القرار المطعون فيه الذى تطالب الشركة بوقف تنفيذه ثم الغائه هو قرار مؤسسة النقل العام بالاستيلاء على تسعة سيارات لنقل الركاب مملوكة لها وموضحة الأوصاف والمعالم فى طلباتها لمخالفته القانون تأسيسا على أن مؤسسة النقل العام قد مدت أثر قانون اسقاط الالتزام على السيارات المملوكة للشركة المدعية على خلاف أحكامه، وأنه اذ كان القرار المطلوب وقف تنفيذه ثم الغائه على هذا التحديد قد صدر من هيئة ادارية هى مؤسسة النقل العام بمدينة القاهرة بمقتضى سلطتها الملزمة التى منحها اياها القانون رقم 155 لسنة 1960 باسقاط التزام المؤسسة خطوط القاهرة وشركات أخرى بقصد احداث مركز قانونى هو سلب حيازة الشركة المدعية لسياراتها واهدار ملكيتها لها وادخالها فى موجودات المرفق المستولى عليه وهو قرار ادارى لا معقب عليه لسلطة أخرى أعلى منها، ومن ثم فهو قرار ادارى استكمل كافة مقوماته وبالتالى يجوز الطعن فيه بالالغاء، ومن ثم يكون الدفع المبدى من الحكومة بعدم قبول الدعوى على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضه، ولا يؤثر فى ذلك عدول المؤسسة عن هذا القرار عدولا جزئيا بالأفراج عن سيارتين من هذه السيارات ولا تأجير السيارات السبعة الباقية للشركة المدعية لأن تأجيرها تم بعد رفع الدعوى، كما أنه لا صحة لما ذهبت اليه الحكومة من أن الدعوى قد رفعت قبل الأوان بمقولة أن الشركة المدعية لم تنتظر انقضاء الستين يوما على تقديم تظلمها من هذا القرار ما دام أن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون لا يزال قائما ونافذا حتى نظر طلب وقف التنفيذ - ثم استطردت المحكمة بالنسبة للموضوع بأن أوضحت أن السيارات السبعة المملوكة للشركة المدعية والمستولى عليها كلها سيارات لم تعمل فى المرفق فى أى وقت ومعدة أصلا لأغراض السياحة من وقت استيرادها ومرخصة من ادارة المرور برخص سياحية باسم الشركة المدعية قبل صدور قانون اسقاط الالتزام بمدد متفاوته أقلها تزيد على سنة، ومن ثم فهى لا تعتبر من موجودات المرفق أصلا ولا من الموجودات المرتبطة به ولا المكملة والمتممة له وبالتالى فلا يصدق عليها وصف الموجودات التى قضى القانون فى مادته الثالثة بأن تؤول الى مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة، ومن ثم فان القرار المطعون فيه اذ صدر بالاستيلاء على هذه السيارات باعتبارها من موجودات المرفق يكون قد قام على واقعة غير صحيحة مما يفقده ركن السبب ويجعله مخالفا للقانون، ولا اعتداد بما تثيره الحكومة من أن هذه السيارات قد استوردها بائعها بقصد استعمالها فى المرفق الملتزم به واشتراها بأموال سحبها من ايرادات هذا المرفق لا اعتداد بذلك فى مجال هذه الدعوى لأن مخالفة الملتزم لشروط عقد الالتزام جزاؤها فى هذه الحالة اسقاط الالتزام وهو ما حصل فعلا نتيجة هذه المخالفة وغيرها من المخالفات على ما هو واضح من المذكرة الايضاحية لقانون اسقاط الالتزام ولا يتعدى أثرها بأى حال من الأحوال الى الغير حسن النية وهو هنا الشركة المدعية التى اشترت هذه السيارات ودفعت ثمنها ورخصتها برخص سياحية تحت سمع المختصين وبصرهم، هذا الى أن بعضها مرخصا به فعلا بأرقام سياحية عند شرائها، أما احتياج المرفق لها فهو قول غير صحيح بدليل أن مؤسسة النقل العام قبلت تأجيرها للشركة المدعية لاستعمالها فى أغراض السياحة - وأوضحت المحكمة عن ركن الاستعجال المقرر لطلب وقف التنفيذ، بأن الثابت من الأوراق أن رأس مال الشركة المدعية ممثل أغلبه فى السيارات المستولى عليها وفى استمرار الاستيلاء على هذه السيارات خطر يتعذر تداركه، ولا يؤثر فى ذلك أن الشركة المدعية استأجرت هذه السيارات لأن الثابت أنها تدفع ايجارا شهريا عنها يبلغ 1470 جنيها فى حين أن صافى أرباحها عن المدة 27 نوفمبر سنة 1958 الى 31 من ديسمبر سنة 1959 مبلغ 4015 جنيه و908 مليم، فلو أدخل هذا الايجار فى حساب الأرباح والخسائر لاستغرق كل أرباحها وأطاح بأكثر رأسمالها مما يعرضها لخطر محقق يتعذر تداركه فيما لو انتهى الأمر بافلاسها.
ومبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله حين رفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر الدعوى ذلك أن الثابت أن الملتزم أبو رجيله كان يسحب مبالغ طائلة من ميزانية المرفق ليستورد بها سيارات بموجب تراخيص استيراد وكان يهرب من هذه السيارات ما يروق له ويستخدمها فى نشاطه السياحى أو يبيعها للغير، ومن ذلك يبين أن هذه السيارات تعد مسحوبات بالمعنى المقصود بالمادة الخامسة من القانون رقم 155 لسنة 1960، ولا يغير من الأمر شيئا تحويل هذه المبالغ الى سيارات اذ لا يصح أن يستفيد الانسان من تحايله على القانون، وقد نصت المادة السادسة من هذا القانون على أن تتولى اللجنة تقدير قيمة التعويض والالتزامات المنصوص عليها فى المادتين السابقتين ولاشك أن تقدير قيمة المبالغ التى سحبت دون وجه حق من ايرادات المرفق والبت فى مصيرها يدخل والحالة هذه فى صميم اختصاص اللجنة المذكورة، ولا وجه لقول الحكم المطعون فيه أن الحكومة لم ترض تظلم الشركة المدعية ومنازعتها على اللجنة المذكورة بل عرض الأمر على اللجنة الثلاثية المشكلة بالقرار الوزارى رقم 145 لسنة 1960، ذلك أن الشركة هى التى التجأت الى اللجنة الثلاثية سالفة الذكر، ولا تثريب على المؤسسة أن هى نفذت القرار الصادر من هذه اللجنة بالافراج عن السيارتين من السيارات المتنازع عليها هذا الى أن الفصل فى هذه الدعوى يستلزم أن تتطرق المحكمة الى بحث مستندات ملكية السيارات موضوع النزاع وما اذا كانت من متعلقات الالتزام وموجودات المرفق من عدمه وهو بحث يخرج عن اختصاص محكمة القضاء الادارى - كما وأن الحكم المطعون فيه أخطأ حين رفض الدفع بعدم قبول الدعوى، اذ الثابت أنه ليس ثمة قرار قد صدر لا صراحه ولا ضمنا بالاستيلاء على هذه السيارات ولا يعدو أن يكون الأمر مجرد عمل مادى لأن المركز القانونى للشركة أنما نشأ عن القاعدة القانونية ذاتها، هذا الى أن الشركة الطاعنة أقامت طعنها قبل انقضاء الستين يوما المقررة لكى تبحث الادارة التظلم المقدم منها، كما أن الثابت أن قرار اللجنة الثلاثية التى عرضت الشركة تظلمها عليها صدر بتاريخ 29 من مايو سنة 1960 أى بعد ايداع الطعن سكرتارية المحكمة بثلاثة أيام - ثم استطردت الحكومة قائلة أن الحكم الطعين أقام قضاءه على أسباب موضوعية غير سائغة. ذلك أن مجرد استيراد هذه السيارات بقصد ترخيصها لمرفق النقل العام وأداء ثمنها من ميزانية المرفق يجعلها ولو حكما من متعلقات ذلك المرفق وموجوداته سواء استخدمت فعلا للغرض الأصلى الذى تم الاستيراد من أجله أو لم تستخدم، ونتيجة لذلك فان تصرف الملتزم دون الحصول على ترخيص سابق من البلدية هو تصرف باطل لوروده على مال لا يصح التصرف فيه قانونا للغير، وبالتالى فانه لا يمكن أن يترتب على هذا التصرف أن يكون حق الغير جديرا بالحماية، ولا وجه لقول الحكم المطعون فيه أن البلدية قد رفضت تسيير سيارات ثلاثة من السيارات المتنازع عليها على خطوط المرفق، ذلك أن هذا الرفض لا يعنى أن هذه السيارات غير صالحة للعمل على خطوط مرفق النقل باجراء بعض التغييرات الطفيفة فيها، أما عن السيارات المرسيدس الثلاث (الميكروباس) فانها قد استوردت لاستخدامها فى المرفق وقد نص على ذلك صراحة بظهر تراخيص الاستيراد، أما عن جدية الشركة المطعون ضدها فلا ينال منها أن شركة التوصية التى أنشأها المهندس محمود عرفان برأس مال قدره 000ر30 جنيه ساهمت فيها السيدة زوجة الملتزم أبو رجيلة فى أول الأمر بحصة قدرها 19000 جنيه بصفتها شريكة موصية، وهو ما يكشف بذاته عن نية التحايل - اذ وقد بانت صلة محمود عرفان بأبى رجيلة على النحو السالف بيانه فانه لا محل لافتراض أنه لم يكن يعلم بأن السيارات المشار اليها مشتراه من أموال المرفق يؤكد ذلك أن هذه السيارات جميعها كانت موجوده وكان مرخصا لبعضها بالسياحة قبل أن يؤسس محمود عرفان شركته وكانت الحسابات الخاصة بالسياحة قبل بيعها متداخلة ومتشابكة مع حسابات خطوط القاهرة، كما يقوم بمراجعتها محاسب واحد وكانت هذه السيارات تأوى بحظائر أبو رجيلة وكان يتولى صيانتها عماله، كما أنه لا وجه لقول الحكم المطعون فيه أن المرفق لا يحتاج الى هذه السيارات وأنها لم تعمل فى خطوط القاهرة لنقل الركاب، ذلك أن المؤسسة لم تزعم فى أى وقت أن الباعث على استيلائها على السيارات المتنازع عليها حاجتها الماسة اليها وانما الأمر لا يعد وأن يكون مجرد فرز وتجنيب من جانبها للموجودات التى آلت اليها، كما أنه لا وجه للتحدى بالرخص السياحية التى تحملها هذه السيارات اذ لا يمكن الاحتجاج بهذه الرخص لاثبات أى شىء، فقلم المرور لا يسعه أن يرفض منح الأرقام المعدنية التى يطلبها أى صاحب سيارة أو بمنحه الرخصة التى يطلبها وفقا للتخصيص الذى يراه.
وقد قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا أقرت فيه وجهة النظر الواردة فى الحكمين المطعون عليهما، وانتهت الى قبول الطعنين شكلا ورفضهما موضوعا.
كما قدمت الحكومة مذكرة رددت فيها وجهة نظرها بالنسبة للدفعين بعدم الاختصاص وعدم القبول، ومن ناحية رفض دعوى وقف التنفيذ والموضوع - كما قدم المطعون ضده مذكرة أثناء تحضير الطعن طلب فيها تأييد الحكمين المطعون عليهما.
ومن حيث أنه استبان لهذه المحكمة من الاطلاع على الأوراق أن الشركة المدعية هى شركة توصية بسيطة يديرها المهندس محمود محمد عرفان الشريك المتضامن، وقد تكونت بعقد مؤرخ فى 23 من نوفمبر سنة 1958 بينه وبين شركاء موصين وأهم أغراضها تشغيل سيارات للخدمات الخاصة بالأفراد والهيئات ومزاولة الأعمال والخدمات السياحية وتنظيم الرحلات، واستوفت اجراءاتها القانونية وأشهر عقدها بالقلم التجارى بمحكمة القاهرة الابتدائية فى 24 من الشهر المذكور تحت رقم 560 وقيدت بالمسجل التجارى فى 25 منه، وتعدلت بعد ذلك بادخال شريكين جديدين ويخفض رأسمالها فى أول يوليه سنة 1959 وقد أشهر هذا التعديل بدوره وفقا للقانون، ومن ثم فقد تحققت لها شخصيتها القانونية وذمتها المالية المستقلة عن ذمة الشركاء - وفى سبيل تحقيق غرضها اشترت سيارات تتفق والأعمال السياحية من السيد عبد اللطيف راضى أبو رجيله بتواريخ مختلفة وبعضها كان مرخصا فعلا برخص سياحية قبل الشراء وبعضها قامت الشركة المدعية بترخيصه للسياحة عقب الشراء مباشرة على وجه التحديد بأكثر من سنة على صدور القانون رقم 155 لسنة 1960 باسقاط التزام مؤسسة خطوط القاهرة (أبو رجيله) وغيرها من الشركات الواردة على سبيل التحديد والحصر فى المادة الأولى من القانون المذكور - وباشرت الشركة المدعية أعمالها وعلى الأخص نشاطها السياحى واستصدرت فى 8 من نوفمبر سنة 1959 رخصة من مصلحة السياحة بمزاولة الأعمال السياحية تحت رقم 52 طبقا للقانون رقم 584 لسنة 1954، وكانت الشركة المدعية (المطعون ضدها) تقوم بايواء السيارات التسعة فى حظائر خطوط القاهرة (أبو رجيلة) كما كانت تعهد اليها بأعمال الصيانة بالأجر، وفى عشية قانون اسقاط الالتزام كانت سيارات الشركة المدعية فى مأواها فاستولت عليها مؤسسة النقل العام التى آل اليها التزام النقل العام بمدينة القاهرة بمقتضى القانون المذكور على أنها من موجودات المرفق الذى كان معهودا به لخطوط القاهرة وتظلمت الشركة المدعية من هذا القرار بتظلمات قدمتها الى وزير الشئون البلدية والقروية والى وزير مؤسسة النقل العام فى 24 من مايو سنة 1960 وقد انتهى الأمر فى هذه التظلمات الى الافراج عن سيارتين من هذه السيارات.
ومن حيث أن مبنى الدفع بعدم الاختصاص، أن الشركة الطاعنة شركة صورية دعامتها أبو رجيله نفسه وقوامها سيارات مهربة من المرفق مما يجعل النزاع فى حقيقته واقعا بين أبو رجيلة شخصيا وبين مؤسسة النقل العام وبذلك يدخل ضمن اختصاص اللجنة المشار اليها فى المادة السادسة من القانون رقم 155 لسنة 1960 والمادة السادسة مكررة المضافة بالقانون رقم 224 لسنة 1960 دون محكمة القضاء الادارى، هذا الى أن الفصل فى هذه الدعوى يتطرق الى بحث مستندات ملكية السيارات موضوع النزاع وهو ما يخرج عن اختصاص محكمة القضاء الادارى.
ومن حيث أن اللجنة المنصوص عليها فى المادتين السادسة والسادسة مكررة من القانون رقم 155 لسنة 1960 ينحصر اختصاصها فى تقدير قيمة التعويض والالتزامات المنصوص عليها فى المادتين الرابعة والخامسة من ذلك القانون، وقد تكلمت المادة الرابعة عن التعويض الذى يمنح للشركة التى أسقط التزامها عن الموجودات والمنشآت التى لا تؤول دون مقابل الى مانح الالتزام وشرحت أسس هذا التعويض وعناصره، أما المادة الخامسة فقد ألزمت المؤسسات أو الشركات التى أسقط التزامها بأداء جميع المبالغ المستحقة لمانح الالتزام والناشئة عن تنفيذ عقد الالتزام وبصفة خاصة جميع المبالغ التى سحبت دون وجه حق من ايرادات المرافق التى كانوا يتولونها. وظاهر مما تقدم أن اختصاص هذه اللجنة لا يمتد الى بحث مدى شرعية تصرف الملتزم الى الغير فى بعض أصول المرفق أو الى تقرير عدم نفاذ مثل هذا التصرف، اذ أن سلطتها مقصورة على تقدير المبالغ التى سحبت دون وجه حق لالزام الملتزم بها التزاما شخصيا وللمؤسسة اقتضاؤها من أموال هذا الملتزم وموجودات المرفق ومتى كان ذلك وكان الثابت أن الشركة الطاعنة قد توافرت فيها كافة عناصر ومقومات الشخصية المعنوية المستقلة عن شركة خطوط القاهرة (أبو رجيلة) وهى على هذا الأساس خرجت عن عداد الشركات والمؤسسات التى أسقط عنها الالتزام، وكان موضوع هذه الدعوى ليست مطالبة بتعويض لا من الشركة ولا من مانح الالتزام، فان الأمر يخرج عن اختصاص اللجنة المذكورة.
كما أنه لا وجه لقول الجهة الادارية بأن الشركة المدعية شركة صورية، اذ متى كان الثابت أن هذه الشركة قد استوفت أوضاعها القانونية وأشهر عنها فانه قانونا يجب معاملتها كشخص قانونى مستقل عن شركة خطوط القاهرة (أبو رجيله) حتى يستصدر صاحب الشأن حكما على عكس ذلك من جهة الاختصاص، ذلك أن القانون يحمى الأوضاع الظاهرة.
ولعل الجهة الادارية قد استشعرت هذا الوضع مما حدا بها الى عدم عرض تظلم الشركة المدعية ونزاعها فى سياراتها المستولى عليها على اللجنة المنصوص عليها فى المادة السادسة والسادسة مكررا من القانون رقم 155 لسنة 1960 المشار اليها، بل تركت هذا التظلم يعرض على اللجنة الثلاثية المشكلة بالقرار الوزارى رقم 1145 لسنة 1960 التى عهد اليها السيد وزير الشئون البلدية والقروية بالاقليم المصرى باتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ القانون رقم 155 لسنة 1960، بل وقامت هذه الجهة بتنفيذ قرار هذه اللجنة الأخيرة وأعادت للشركة المدعية سيارتين من السيارات التى تطالب بها مما لا يتفق مع ما تثيره فى الدعوى الماثلة من صورية الشركة المدعية لعلمها أن مرد الأمر فى هذه الصورية الى الجهة المختصة التى أناط بها الشارع تقرير ذلك على ما نوهت المحكمة.
ولا اعتداد أيضا بما تقوله الجهة الادارية بأن الفصل فى هذه الدعوى يستلزم أن تتطرق المحكمة الى بحث مدى صحة مستندات الملكية وهو أمر يخرج عن اختصاص القضاء الادارى، ذلك أن صحة القرار الادارى تتحدد بالأسباب التى قام عليها ومدى سلامتها على أساس الأصول الثابتة فى الأوراق وقت صدور القرار ومدى مطابقتها للنتيجة التى انتهت اليها وبحث ذلك يدخل فى صميم اختصاص المحكمة للتحقق من مطابقة القرار للقانون والتأكد من مشروعيته.
هذا الى أنه مهما كان الأمر بالنسبة لموضوع ملكية الشركة المطعون عليها للسيارات موضوع النزاع، فان الثابت على ما سلف ايضاحه أن هذه الشركة كانت تحوز هذه السيارات وتظهر عليها بمظهر المالك، وهى حالة رتب المشرع عليها آثارا قانونية.
أن نص المادة 964 من القانون المدنى على أن من كان حائزا للحق اعتبر صاحبه حتى يقوم الدليل على العكس، ومفاد ذلك أن تقدير شرعية القرار المطعون فيه من عدمه يقتضى بحث ملكية المطعون ضدها للسيارات موضوع النزاع - ما دام أن الأصل وفقا لأحكام القانون المدنى أنه لا يجوز للادارة باجراء من جانبها أن تهدر القرينة التى قررها الشارع للحائز باعتبار أنه صاحب الحق الذى يحوزه.
ولا خلاف بين أطراف هذه المنازعة فى أن الشركة المطعون عليها كانت تحوز هذه السيارات عند صدور القانون رقم 155 لسنة 1960 المشار اليه.
ومن حيث انه من ناحية دفع الحكومة بعدم قبول الدعوى بمقولة أنه ليس ثمة قرار ادارى بالاستيلاء على سيارات الشركة المدعية وكل ما فى الأمر أن مؤسسة النقل العام قد وضعت يدها على هذه السيارات فور صدور قانون اسقاط الالتزام لوجودها بالجراج الخاص بالمرفق وهو مجرد عمل مادى لا تتوافر فى عناصر القرار الادارى الذى يجوز الطعن فيه بالالغاء، كما نوهت جهة الادارة فى سياق هذا الدفع الى أن الدعوى رفعت قبل الأوان لأن المدعية تظلمت من قرار الاستيلاء فى 24 من مايو سنة 1960 وبذلك يبدأ موعد الطعن فى قرار الرفض الحكمى بعد 60 يوما أى فى 23 يوليو سنة 1960 فانه قد استبان لهذه المحكمة من الاطلاع على صحيفة الدعوى وتظلمات الشركة المدعية ومرافعة الحاضرين عنها أن حقيقة القرار الذى تطالب الشركة بوقف تنفيذه ثم الغائه هو قرار مؤسسة النقل العام بالاستيلاء على سيارات معينة لنقل الركاب مملوكة لها وموضحة الأوصاف والمعالم فى طلباتها لمخالفته للقانون تأسيسا على أن مؤسسة النقل العام قد مدت أثر قانون اسقاط الالتزام الى السيارات المملوكة للشركة المدعية على خلاف نصوص القانون التى جاءت صريحة فى قصور أثره على شركات محددة بالاسم أسقط عنها التزام النقل العام بمدينة القاهرة فهو قانون ذو غرض محدود ولا يسوغ أن يشمل شركة لم تكن فى يوم من الايام صاحبة التزام أو صاحبة ترخيص لاستغلال مرفق نقل الركاب - ومتى كان الأمر كذلك وكانت الأوامر الادارية ليس لها أشكال ولا أنواع تحصرها، بل هى مجرد تعبير من الموظف المختص عن ارادته فى التصرف على وجه معين فى أمر معين ولغرض معين من أغراض وظيفته وفى حدود اختصاصه ويكون للأمر الادارى قوام بمجرد صدوره بطريقة قاطعة وتنفيذية، ومن ثم فقد يستنتج الأمر الادارى من مجرد أعمال التنفيذ المادية.
واذ كان الثابت على النحو السالف بيانه أن القرار المطلوب وقف تنفيذه ثم الغاؤه صدر من هيئة ادارية هى مؤسسة النقل العام بمالها سلطة ملزمة خولها أياها القانون رقم 155 لسنة 1960 باسقاط التزام مؤسسة خطوط القاهرة وشركات أخرى حددتها المادة الأولى منه، وقضى فى مادتيه الثانية والثالثة بأن يؤول اليها (أى الى مؤسسة النقل) مرافق النقل العام وموجوداتها وكافة المنشئات والموجودات المرتبطة والمكملة والمتممة لها - ذلك بقصد احداث أثر قانونى سداه ولحمته سلب حيازة الشركة المدعية لسياراتها اهدار ملكيتها لها ادخالها فى موجودات المرفق المستولى عليه وهو قرار نهائى لا معقب عليه لسلطة أخرى أعلى، ومن ثم فهو قرار ادارى استكمل كافة مقوماته وبالتالى يجوز الطعن عليه بالالغاء.
ومن حيث أنه من جهة أخرى فانه لا صحة فيما ذهبت اليه الحكومة من أن الدعوى مرفوعة قبل الأوان بمقولة أن الشركة المدعية لم تنتظر انقضاء الستين يوما على تقديم تظلمها من هذا القرار وذلك أنه حسبما استقر قضاء مجلس الدولة فى هذا الصدد من أن الدعوى المرفوعة أمام القضاء الادارى بالطعن فى قرار ادارى نهائى دعوى مقبولة ولو كان صاحب الشأن قد تظلم من القرار الى الجهة الادارية المختصة ولم يبت فى تظلمه قبل رفع الدعوى اذ التظلم أنما يواجه أمرا تاليا لاكتساب القرار صفته النهائية التى تجعله قابلا للطعن، واذ كانت المواعيد مقصودا بها افساح المجال العام جهة الادارة لاعادة النظر فى قرارها فأن غرض الشارع يكون قد تحقق اذ عمدت الادارة الى البت فى التظلم قبل انقضاء فسحة الميعاد التى منحتها، أو اذا بكر ذوو الشأن بمراجعة القضاء وأنقضى هذا الميعاد أثناء سير الدعوى دون أن تجيبهم الادارة الى طلباتهم.
ومن حيث أنه لما سلف وللأسباب الأخرى التى ساقتها محكمة القضاء الادارى والتى سبق التنويه عنها يكون الدفعين بعدم الاختصاص وعدم القبول لا يستندان على دعامة سليمة من القانون مما يتعين معه رفضهما.
ومن حيث أنه بالنسبة للموضوع، فان المستقى مما سلف بيانه أن الشركة المطعون ضدها قد استوفت كافة الاجراءات اللازمة لتمتعها بالشخصية القانونية المستقلة عن شخصية الشركاء فيها بما يستتبع ذلك من استقلال ذمتها عن ذمة هؤلاء الشركاء، وقد قامت هذه الشركة فى سبيل تحقق أهدافها بالتعاقد مع عبد اللطيف أبو رجيلة على شراء السيارات السبع محل النزاع، ويبين من الأوراق حسبما ذهبت محكمة القضاء الادارى بحق أن هذه السيارات جميعها لم تعمل أصلا بالمرفق منذ استيرادها، وليست من الطراز المستعمل فيه، فثلاثة منها من طراز (O. M) رفضت البلدية عن طريق لجنتها المختصة تسييرها فى المرفق لعدم مطابقتها لشروط المواصفات الخاصة بالسيارات التى تعمل فيه ووضعتها مؤسسة النقل فى مذكرتها مستند رقم 1 حافظة الحكومة بأنها استوردت وهى مصممة تصميما كاملا للأغراض السياحية، وثلاثة سيارات أخرى microbris من غير الطراز المستعمل فى المرفق، أما السابعة فسيارة مرسيدس كبيرة لم تستعمل فى المرفق ومرخصة باسم السيد عبد اللطيف أبو رجيلة للسياحة منذ 21 فبراير سنة 1958 تحت رقم (41) سياحة ثم بيعت للشركة المدعية فى 10 ديسمبر سنة 1958 - هذا وان السيارات المذكورة معدة حسب وضعها لأغراض السياحة منذ استيرادها ومرخص لها من ادارة المرور برخص سياحية باسم الشركة المدعية قبل صدور قانون اسقاط الالتزام المذكور بمدد متفاوته أقلها تزيد على السنة، فمن ثم لا تعتبر من موجودات المرفق أصلا، ولا من الموجودات المرتبطة به ولا المكملة والمتممة له التى قضى القانون رقم 155 لسنة 1960 فى مادته الثالثة بأن تؤول الى مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة - ولا يغير من هذا النظر ما تثيره الجهة الادارية الطاعنة من أن هذه السيارات قد استوردت أصلا بمبالغ سحبت من ايرادات المرفق أو أن الملتزم قد تصرف فيها على نحو يخالف الالتزامات المفروضة عليه فى عقد الالتزام، ذلك أن هذه الأمور قد تصلح سببا فى اسقاط الالتزام وهو ما حصل فعلا نتيجة لمثل هذه المخالفة وغيرها من المخالفات حسبما هو واضح من المذكرة الايضاحية لقانون اسقاط الالتزام، أو أن تتخذ سندا لاقتضاء تلك المبالغ من الملتزم تنفيذا لهذا القانون الأخير أو من غيره ممن يثبت تواطؤه معه فى تهريب هذه الأموال اضرارا بالمرفق بالوسائل التى رسمها القانون.
ومن حيث أنه اذ أضيف الى ما سلف بيانه أن الشركة المدعية وقد توافرت فيها مقومات الشخصية المعنوية المستقلة عن شخصية شركة خطوط القاهرة (أبو رجيلة) كانت تضع يدها على السيارات المتنازع عليها، وتظهر عليها بمظهر المالك، وهى حالة رتب عليها المشرع آثارا قانونية حسبما سلف ايضاحه اذ يعتبر الحائز هو المالك حتى يقوم الدليل على العكس وجعل وسيلة من يريد اهدار هذه القرينة أن يرفع دعوى أنكار الحق، ومع وضوح ما سلف فان الادارة قد أهدرت هذه القرينة بغير الطريق الذى رسمه المشرع واستولت على سيارات الشركة المدعية عن طريق التنفيذ المباشر على ما فى ذلك من مخالفة للقانون، ذلك أن التجاء الادارة الى تنفيذ أوامرها على الأفراد بالقوة الجبرية دون حاجة الى اذن سابق من القضاء - وهو ما يسمى بالتنفيذ المباشر execution céoffice - وهو طريق استثنائى محض، لا تستطيع الادارة أن تلجأ اليه الا فى حالات محددة على سبيل الحصر اذ أن الأصل الذى يحكم هذا الموضوع هو الأصل العام الذى يخضع له الأفراد، والذى يقتضى أن تلجأ الادارة الى القضاء لتحصل على حكم بحقوقها أن كان لها ثمة وجه حق اذا ما رفض الأفراد الخضوع لقراراتها، ومن ثم فقد استقر الرأى فقها وقضاء على أن لا يسوغ للادارة فى مصر أن تلجأ الى هذا الطريق الا فى احدى حالتين:
الحالة الأولى: اذا وجد نص فى القانون يبيح للادارة اتخاذ هذا السبيل والأمثلة على ذلك واضحة من استقراء نصوص القوانين المختلفة.
الحالة الثانية: وهى حالة الضرورة، ومقتضاها أن تجد الادارة نفسها أمام خطر داهم، يقتضى أن تتدخل فورا للمحافظة على الأمن أو السكينة أو الصحة العامة بحيث لو تريثت الى حين صدور حكم القضاء لترتب على ذلك أخطار جسيمة ومن ثم قد جرى القضاء الادارى فى مصر على أنه لا تقوم حالة الضرورة الا بتوافر أركان أربعة:
أولا: أن يكون هناك خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام والأمن.
ثانيا: أن يكون عمل الضرورة الصادر من الادارة، هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر.
ثالثا: أن يكون العمل لازما حتما فلا يزيد على ما تقضى به الضرورة.
رابعا: أن يقوم بهذا العمل الموظف المختص فيما يقوم به من أعمال وظيفته.
وهذه الأركان جميعها ترجع الى أصلين معروفين من أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورة تقدر بقدرها.
ومن حيث أنه فى ضوء الواقعات سالفة الذكر وبعد اذ ثبت بحسب الغرض الذى منح من أجله الالتزام وبالنظر الى الشروط والمواصفات أن السيارات المذكورة لم تستخدم اطلاقا فى المرفق وغير لازمة لاستمرار سيره ولا أدل على ذلك من قبول مؤسسة النقل العام تأجير السيارات السبع الى الشركة المدعية لاستعمالها فى أغراضها، واذ لم يقم من ظروف الحال حالة ضرورة ملجئة تسوغ للادارة اتخاذ قرارها على هذا النحو باتباع سبيل التنفيذ المباشر للاستيلاء على هذه السيارات رغم حيازة الشركة المدعية (المطعون عليها) لها، فانها تكون قد خالفت القانون، اذ أن وسيلة من يريد اهدار القرينة القانونية التى رتبها المشرع للحائز باعتباره صاحب حق، هو رفع دعوى بانكار هذا الحق على ما سلف ايضاحه.
ومن حيث أنه عن ركن الاستعجال المبرر لطلب وقف التنفيذ، فان الثابت على ما أوضح الحكم المطعون فيه أن رأس مال الشركة المطعون ضدها ممثل أغلبه فى السيارات المستولى عليها، وفى استمرار الاستيلاء على هذه السيارات خطر محقق يتعذر تداركه، ولا يؤثر فى ذلك أن الشركة المطعون ضدها قد استأجرت هذه السيارات، ذلك أن قيمة ايجار هذه السيارات فى سنة قد يستغرق أرباحها ورأسمالها مما يعرضها بدوره لخطر محقق يتعذر تداركه فيما لو انتهى الأمر بافلاسها.
ومن حيث أنه يخلص مما تقدم أنه اذا ذهب الحكمان المطعون فيهما الى رفض الدفعين بعدم الاختصاص، وبعدم قبول الدعوى، وفى الدعوى المستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون، وفى الدعوى الموضوعية بالغاء القرار المذكور فان الحكمين المذكورين يكونان قد صادفا وجه الحق والقانون واذا ذهب الطعنان المقدمان من الادارة على خلاف هذا المذهب فانهما يصبحان ولا سند لهما من القانون - واذا كان الطعنان مرتبطين فقد قررت المحكمة ضمهما لصدور حكم واحد فيهما - والقضاء بقبولهما شكلا ورفضهما موضوعا والزام الجهة الادارية الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بضم الطعن رقم (444) لسنة 7 القضائية الى الطعن رقم (730) لسنة 8 القضائية، وبقبولهما شكلا، وبرفضهما موضوعا وألزمت الحكومة بمصروفات الطعنين.