مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 582

(72)
جلسة 27 من مارس سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: على محسن وعبد الفتاح بيومى نصار ومحمد مختار العزبى ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 801 لسنة 8 القضائية:

( أ ) مرافق عامة. مهن حرة.
تنظيم المهن الحرة كالطب والهندسة والمحاماة - اختصاص الدولة به بحسبانها القوامة على المرافق العامة - تخويل أعضاء المهن الحرة بعض ذلك التنظيم تحت اشراف الدولة - لا يغير من التكييف القانونى لها، بوصفها مرافق عامة.
(ب) مؤسسات عامة. أشخاص القانون العام. هيئات التمثيل المهنى. نقابات. شخصيات معنوية.
هيئات التمثيل المهنى - توافر مقومات المؤسسات العامة - اعتبارها من أشخاص القانون العام.
(جـ) اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى. قرار ادارى.
القرارات الصادرة من هيئات التمثيل المهنى فى شأن تأديب الأعضاء والقيد فى السجلات وغيرها - قرارات ادارية مما يجوز الطعن فيها بالالغاء أمام مجلس الدولة.
(د) قرار ادارى. مهن حرة. نقابات المهن الهندسية. اختصاص مجلس الدولة. قرار وزير الأشغال بمنح لقب مهندس استنادا الى سلطته المقررة بمقتضى الفقرة (جـ) من المادة 3 من القانون رقم 89 لسنة 1946 بانشاء نقابة المهن الهندسية - قرار ادارى - الطعن فيه بالالغاء كليا أو جزئيا - اختصاص مجلس الدولة به.
(هـ) مرافعات. "دعوى".
سريان الاجراءات المقررة فى قانون المرافعات على الدعاوى الادارية - مناطه عدم وجود النص واتفاقها مع الأصول العامة للاجراءات الادارية.
(و) مرافعات. دعوى. اجراءات الدعوى. التدخل فى الدعوى. أنواعه - التدخل.
الانضمامى والتدخل الاختصاصى - شروط قبول التدخل الاختصاصى.
1 - أن تنظيم المهن الحرة كالطب والمحاماه والهندسة يدخل أصلا فى صميم اختصاص الدولة بحسبانها قوامة على المرافق العامة وتخليها عن هذا لاعضاء المهنة أنفسهم وتخويلهم نصيبا فى السلطة العامة لتأدية رسالتهم تحت اشرافها، فان ذلك لا يغير من التكييف القانونى لهذه المهن بوصفها مرافق عامة.
2 - أن القانون أضفى على كافة هيئات التمثيل المهنى شخصية معنوية مستقلة فخولها حقوقا من نوع ما تختص به الهيئات الادارية العامة، فخولها حق احتكار المهنة وقصرها على أعضائها دون سواهم، كما خولها حق فرض رسوم مالية على صورة اشتراكات جبرية تحصل فى مواعيد دورية، ثم سلطة أصدار قرارات واجبة التنفيذ فى شئون أعضائها وتأديبهم، وسلطة تشريع بوضع اللائحة الداخلية ولائحة تقاليد المهنة، مما يدل على أنها قد جمعت بين مقومات المؤسسة العامة وعناصرها، ومن ثم فهى شخص ادارى من أشخاص القانون العام.
3 - أن قرارات هيئات التمثيل المهنى سواء صدرت فى موضوع التأديب من هيئاتها المختصة أو صدرت من مجلس النقابة فى مسائل القيد بالسجلات أو فى غير ذلك من الأغراض، هى قرارات ادارية قابلة للطعن فيها بدعوى الالغاء.
4 - ان القرار الذى يصدر من وزير الأشغال لمنح لقب مهندس استنادا الى السلطة التقديرية المخولة له بمقتضى الفقرة ج من المادة الثالثة من القانون رقم 89 لسنة 1946 الخاص بانشاء نقابة المهن الهندسية فيما يتعلق بتحديد الأعمال الهندسية واعتبارها كافية لمنح اللقب، انما يكون على هذا النحو قد اكتملت له جميع عناصر القرارات الادارية، وبالتالى يكون الطعن عليه سواء بطلب الغائه كليا أو جزئيا - كما هو الحال فى الدعوى الماثلة التى ينصب فيها طلب الالغاء الجزئى على أرجاع تاريخ منح المدعى لقب مهندس الصادر به وزير الأشغال من 13/ 5/ 1958 الى 12/ 6/ 1952 معقودا لقضاء الالغاء ما دام لم ينشأ مركز المدعى من القاعدة التنظيمية التى أوردها الشارع مباشرة بل استلزم الأمر صدور قرار ادارى خاص يخوله ذلك المركز القانونى ووكل ذلك الى وزير الأشغال يجريه بعد أخذ رأى مجلس النقابة بسلطته التقديرية كما سبق البيان ومن ثم فانه يسرى فى شأن الدعوى المقامة منه مواعيد واجراءات دعوى الالغاء وفقا لما نصت عليه أحكام القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة.
5 - الاصل أن اجراءات قانون المرافعات المدنية والتجارية وأحكامه لا تطبق أمام القضاء الادارى الا فيما لم يرد فيه نص خاص فى قانون مجلس الدولة وبالقدر الذى لا يتعارض مع الأصول العامة للمرافعات الادارية وأوضاعها الخاصة بها.
6 - قد تكفل قانون المرافعات فى شأن التدخل الاختيارى بالنص فى المادة 153 منه على أنه يجوز لكل ذى مصلحة أن يتدخل فى الدعوى منضما لأحد الخصوم أو طالبا الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى، وأبرز هذا النص التمييز بين نوعين من التدخل أولهما التدخل الانضمامى ويقصد به تأييد أحد الخصوم فى طلباته، فالمتدخل يبغى من تدخله المحافظة على حقوقه عن طريق الانضمام لأحد الخصوم دفاعا عن حقه فى الدعوى ومن صورة فى دعاوى الالغاء تدخل المطعون فى ترقيته خصما ثالثا منضما للحكومة فى طلب رفضها وقد قضت هذه المحكمة بأن التدخل جائز بطلب الانضمام الى أحد الخصوم ممن يعتبر الحكم الصادر فى الدعوى حجة عليه والنوع الثانى وهو التدخل الخصامى يقصد به المتدخل المطالبة بحق لنفسه فهو يدعى لنفسه حقا يطلب الحكم له به، ويشترط لقبوله شرطان.
(1) أن يدعى المتدخل لنفسه حقا، ومن ثم فانه يشترط فى المصلحة التى تبرر قبول التدخل فى هذه الحالة كل الشروط اللازمة لقبول الدعوى وهى أن تكون المصلحة قانونية حالة وقائمة، شخصية ومباشرة.
(2) قيام الارتباط بين الطلب الذى يسعى المتدخل للحكم لنفسه به وبين الدعوى الأصلية ووجود الارتباط هو الذى يبرر تقديم هذا الطلب وتقدير الارتباط متروك للمحكمة التى يقدم اليها الطلب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل فى أن المدعى أقام دعواه طالبا الحكم بأرجاع أقدميته فى لقب مهندس الى 12/ 6/ 1952 بدلا من 13/ 5/ 1958 وما يترتب على ذلك من آثار. وقال المدعى فى بيان ذلك أنه من الحاصلين على دبلوم الفنون والصناعات وأنه منح لقب مهندس فى عام 1958 طبقا لنص المادة 3 من القانون رقم 89 لسنة 1946 الخاص بأنشاء نقابة المهن الهندسية - وقد أوضح فى الاستمارة التى تقدم بها لمنح اللقب ما قام به من أعمال هندسية، ثم فحصت وقررت النقابة قبولها، غير أن الوزارة فى الوقت الذى اعتمدت فيه منح اللقب لزملائه بتاريخ 12/ 6/ 1952 لم توافق على منحه هذا اللقب الا من 13/ 5/ 1958، وذلك رغم عدم وجود مميز بينه وبين زملائه ومع وحدة ظروف وطبيعة أعمالهم جميعا الآمر الذى يجعل تصرف الوزارة فى شأنه مشوبا بالتعسف خصوصا اذا ما لوحظ أن اللقب فى ذلك التاريخ المتأخر تم بناء على نفس المبررات والأعمال القديمة التى تضمنتها ذات الاستمارة المقدمة عام 1952 وليس بناء على مبررات جديدة استجدت بعد ذلك كما هو مبين بكتاب النقابة رقم 2710 المؤرخ فى 12/ 9/ 1959 والذى جاء فيه أن النقابة لا ترى ولم تر أن هناك خلافا فى العمل بين الشاكين وبين زميلهما اللذين منحا اللقب فى 12/ 6/ 1952 اذ يقوم الجميع بأعمال واحدة، وأنها ترى أن هذه الأعمال كافية كما توصى فعلا بمنحهم جميعا اللقب على أساسها.
ثم تقدم المهندس عبد المنعم صالح الشرقاوى بجلسة 20/ 4/ 1960 بطلب قبوله خصما متدخلا منضما للمدعى لتشابه حالتيهما فى التسوية، وقد قررت المحكمة قبول طلبه الذى أنصب على ذات الطلبات بالنسبة للقرار الصادر بمنحه لقب مهندس مؤسسة على نفس الاسانيد التى أوضحها المدعى.
وأجابت الجهة الادارية على الدعوى بأن الفقرتين ب وج من المادة 3 من القانون رقم 89 لسنة 1946 بشأن نقابة المهن الهندسية والتى يطلب المدعى منحه اللقب بالتطبيق لأحكامهما تنص على أن يعتبر مهندسا تحت التمرين من حصل على دبلوم الهندسة التطبيقية العليا أو من حصل عليه من طلبتها الموجودين بها عند صدور هذا القانون، ويعد المهندس تحت التمرين مهندسا متى امضى خمس سنوات بعد تخرجه فى أعمال هندسية يعتبرها وزير الأشغال بعد أخذ رأى مجلس النقابة كافية لمنحه لقب مهندس، ويعتبر مهندسا مساعدا من حصل على دبلوم الفنون والصناعات أو دبلوم مدرسة الفنون الجميلة (قسم العمارة) أو على شهادة هندسية معادلة معترف بها من وزارة المعارف العمومية ويعد المهندس المساعد مهندسا اذا كان قد أكتسب قبل صدور هذا القانون لقب مهندس بقرار وزارى وكان عند منحه اللقب فى الدرجة السادسة على الأقل أو اذا مارس بعد تخرجه أعمالا هندسية يعتبرها وزير الأشغال بعد أخذ رأى مجلس النقابة كافية لمنحة لقب مهندس وذلك لمدة لا تقل عن عشر سنوات. ويتضح من تلك الأحكام القانونية أنه لا بد للمدعى لكى يمنح لقب مهندس من ممارسة الاعمال الهندسية لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وقد أعطى القانون لوزير الاشغال ولاية تحديد هذه الأعمال الهندسية، وهل تعتبر كافية لمنح القائم بها لقب مهندس من عدمه، وحكمه هذا النص واضحة وهى مراعاة الدقة فى منح هذا اللقب حيث لا يتمتع به الا من تثبت كفائته فى العمل الهندسى طوال تلك المدة بحيث يكون كفأ للعمل وتحمل المسئولية، وهذا ما لم يتوافر فى حالة المدعى. كما أودعت الادارة ملف خدمة المتدخل وطلبت رفض الدعوى بالنسبة له أيضا لما ساقته من حجج ردا على طلب المدعى لتشابه حالة كل منهما.
وبجلسة 25/ 12/ 1961 قضت المحكمة بقبول تدخل المهندس عبد المنعم صالح الشرقاوى فى الدعوى وبأحقيته هو والمدعى فى ارجاع أقدميتهما فى لقب مهندس الى 12/ 6/ 1952 بدلا من 13/ 5/ 1958 مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الحكومة بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بطلب التدخل بأن المادة 153 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 77 لسنة 1949 تنص على أنه يجوز لكل ذى مصلحة أن يتدخل فى الدعوى منضما لأحدى الخصوم أو طالبا الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى، كما بينت المادة 154 من القانون المذكور اجراءات التدخل وذلك بصحيفة تعلن للخصوم أو بطلب يقدم شفاهة فى الجلسة فى حضورهم ويثبت فى محضرها والثابت من الأوراق أن المتدخل راعى هذه الاجراءات كما أن له مصلحة جدية فى التدخل منضما الى المدعى لوحدة الطلبات، ومن ثم ترى المحكمة قبول تدخله. وفى الموضوع قالت المحكمة أن منح اللقب الهندسى لحملة دبلوم الفنون والصناعات الذين لم يكتسبوه بقرار وزارى سابق على صدور القانون رقم 89 لسنة 1946 منوط باشتغالهم فى الأعمال الهندسية مدة لا تقل عن عشر سنوات مع ترك تقدير هذه الأعمال لوزير الأشغال بعد أخذ رأى مجلس نقابة المهن الهندسية، ومن ثم فان تقدير هذه الأعمال والحكم على كفايتها لمنح اللقب من عدمه ليس وليد ارادة الوزير منفردة بل هو جماع ارادتين تتمثل احداهما فى وزير الأشغال باعتباره على رأس الجهاز الادارى بوزارة الأشغال، وثانيهما أعضاء مجلس نقابة المهن الهندسية وهم صفوة رجال الفن من المنتجين للزود عن كرامة المهنة والغيرة على مستواها، فاذا رأى مجلس النقابة توافر شروط المنح لمجموعة من الموظفين من حملة دبلوم الفنون والصناعات وعرض الأمر على الوزير للاعتماد فما على الوزير الا اعتماد المنح للجميع أو رفضه بالنسبة للجميع، أما أن يلجأ الى اعتماد طلبات البعض دون الآخرين رغم وحدة مكان وطبيعة العمل فأن قراره هنا يكون مشوبا بسوء استعمال السلطة. ومما يدعم هذا النظر أن اعتماد الوزير لمنح المدعى والمتدخل لقب مهندس الذى تم عام 1958 لم يستند الى دعائم جديدة كانت مفتقدة وقت منح اللقب الى السيدين/ أحمد عنتر ومحمد خيرى وقد كشف عن هذا كتاب النقابة رقم 2310 المؤرخ فى 12/ 9/ 1959 وما دام أن الاعتماد قد تم من جانب الادارة استنادا الى تلك الأعمال التى كانت مطروحة تحت نظرها عام 1952، فأن منح الآخرين اللقب دون المدعى والمتدخل يكون ضربا من اساءة استعمال السلطة يتعين معه تعديل قرار منحهما اللقب الى هذا التاريخ أسوة بزملائهم.
ومن حيث أن الطعن يقوم من ناحية الشكل على الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد تأسيسا على أن التكيف الصحيح لهذه الدعوى أنها دعوى الغاء القرار السلبى بعدم منح المدعى والمتدخل لقب مهندس مع زملائهما الذين منحوه فى 12/ 6/ 1952 اذ أنهما يطلبان ارجاع أقدميتهما فى هذا اللقب الى ذلك التاريخ. وقد نص القانون عل أن ترفع دعوى الالغاء خلال أجل محدد هو ستون يوما من تاريخ نشر القرار أو اعلانه الى صاحب الشأن أو علمه به وينقطع هذا الميعاد بالتظلم من القرار. ولما كانت هذه الدعوى قد رفعت بعد هذا الميعاد بل بعده بحوالى سبع سنوات فان الدعوى تكون غير مقبولة. ومن ناحية الموضوع استند الطعن الى أن المشرع فى الفقرة ج من المادة الثالثة من القانون رقم 89 لسنة 1946 الخاص بانشاء نقابة المهن الهندسية خول وزير الأشغال ولاية تحديد الأعمال الهندسية ومدى اعتبارها كافية لمنح القائم بها لقب مهندس من عدمه وأن رأى مجلس النقابة فى هذا الشأن انما هو رأى استشارى للوزير أن يأخذ به أو يطرحه. والحكمة من ذلك مراعاة الدقة فى منح هذا اللقب حتى لا يتمتع به الا من تثبت كفاءته وقدرته على تحمل الأعباء والمسئولية التى يفرضها هذا اللقب وترك تقدير ذلك للوزير باعتباره على رأس الجهاز الادارى المشرف على المهندسين - واذ استبان وجه الحق وهو أن المشرع خول وزير الأشغال ولاية تحديد الأعمال الهندسية واعتبارها كافية لمنح اللقب واعتد فى هذا السبيل بارادته هو، فان تقرير هذا اللقب أنما هو سلطة تقديرية يمارسها الوزير. واذا كانت سلطة الادارة التقديرية لا معقب عليها الا اذا أساءت استعمالها، فانه ما دام لم يثبت أن الادارة حين رفضت منح المطعون ضدهما لقب مهندس فى سنة 1952 لم تكن مدفوعة بعوامل أو أغراض شخصية وانما كانت تبغى الصالح العام فانها تكون قد التزمت الجادة ولم تنحرف عن سوء السبيل، ومن ثم فان الحكم المطعون فيه اذ قضى على خلاف ذلك يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
ومن حيث أنه يتعين بادئ ذى بدء التعرض للتكيف الصحيح للدعوى وما اذا كانت من قبيل طلبات التسوية أم هى من صميم دعاوى الالغاء، وذلك توطئة للنظر فى جواز تدخل الخصم الثالث ثم لقبولها سواء من ناحية الشكل أو من ناحية الموضوع نزولا على جوهر الحق الذى يطالب به المدعى ومن المسلمات أن تكييف الدعوى وبيان حقيقة وضعها انما يخضع لرقابة المحكمة والى ما تنتهى اليه فى صدده.
ومن حيث أن هذه المحكمة سبق أن قضت:
ان تنظيم المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة يدخل أصلا فى صميم اختصاص الدولة بحسبانها قوامة على المرافق العامة وتخويلهم عن هذا لأعضاء المهنة أنفسهم وتخويلهم نصيبا فى السلطة العامة لتأدية رسالتهم تحت اشرافها، فان ذلك لا يغير من التكييف القانونى لهذه المهن بوصفها مرافق عامة.
وقد أضفى القانون على كافة هيئات التمثيل المهنى شخصية معنوية مستقلة وخولها حقوقا من نوع ما تختص به الهيئات الادارية العامة، فخولها حق احتكار المهنة وقصرها على أعضائها دون سواهم، كما خولها حق فرض رسوم مالية على صورة اشتراكات جبرية تحصل فى مواعيد دورية، ثم سلطة اصدار قرارات واجبة التنفيذ فى شئون أعضائها وتأديبهم، وسلطة تشريع بوضع اللائحة الداخلية ولائحة تقاليد المهنة، مما يدل على أنها قد جمعت بين مقومات المؤسسة العامة وعناصرها، ومن ثم فهى شخص ادارى من أشخاص القانون العام وقراراتها سواء صدرت فى موضوع التأديب من هيئاتها المختصة أو صدرت من مجلس النقابة فى مسائل القيد فى السجلات أو فى غير ذلك من الأغراض، هى قرارات ادارية قابلة للطعن فيها بدعوى الالغاء.
واذ كان من المعلوم أن القرار الادارى هو افصاح الجهة الادارية المختصة فى الشكل الذى يتطلبه القانون عن ارادة ملزمة بمالها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد احداث أثر قانونى معين يكون ممكنا وجائزا قانونا.
فان القرار الذى يصدر من وزير الأشغال لمنح لقب مهندس استنادا الى السلطة التقديرية المخولة له بمقتضى الفقرة ج من المادة الثالثة من القانون رقم 89 لسنة 1946 الخاص بانشاء نقابة المهن الهندسية فيما يتعلق بتحديد الأعمال الهندسية واعتبارها كافية لمنح اللقب، انما يكون على هذا النحو قد اكتملت له جميع عناصر القرارات الادارية. وبالتالى يكون الطعن عليه سواء بطلب الغائه كليا أو جزئيا - كما هو الحال فى الدعوى الماثلة التى ينصب فيها طلب الالغاء الجزئى على ارجاع تاريخ منح المدعى لقب مهندس الصادر به وزير الأشغال من 13/ 5/ 1958 الى 12/ 6/ 1952 معقود لقضاء الالغاء طالما لم ينشأ مركز المدعى من القاعدة التنظيمية التى أوردها الشارع مباشرة بل استلزم الأمر صدور قرار ادارى خاص يخوله ذلك المركز القانونى وأوكل ذلك الى وزير الأشغال يجريه بعد أخذ رأى مجلس النقابة بسلطته التقديرية كما سبق البيان ومن ثم فانه يسرى فى شأن الدعوى المقامة منه مواعيد واجراءات دعوى الالغاء وفقا لما نصت عليه أحكام القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة.
ومن حيث انه فيما يتعلق بطلب التدخل الحاصل فى الدعوى:
فان الأصل أن اجراءات قانون المرافعات المدنية والتجارية أو أحكامه لا تطبق أمام القضاء الادارى الا فيما لم يرد فيه نص خاص فى قانون مجلس الدولة وبالقدر الذى لا يتعارض مع الأصول العامة للاجراءات الادارية وأوضاعها الخاصة به.
وقد تكفل قانون المرافعات فى شأن التدخل الاختيارى بالنص فى المادة 153 منه على انه يجوز لكل ذى مصلحة أن يتدخل فى الدعوى منضما لأحد الخصوم أو طالبا الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى، وأبرز هذا النص التميز بين نوعين من التدخل أولهما التدخل الانضمامى ويقصد به تأييد أحد الخصوم فى طلباته، فالمتدخل يبغى من تدخله المحافظة على حقوقه عن طريق الانضمام لأحد الخصوم دفاعا عن حقه فى الدعوى، ومن صوره فى دعاوى الالغاء تدخل المطعون فى ترقيته خصما ثالثا منضما للحكومة فى طلب رفضها، وقد قضت هذه المحكمة بأن التدخل بطلب الانضمام الى أحد الخصوم أو ممن يعتبر الحكم الصادر فى الدعوى حجة عليه، والنوع الثانى وهو التدخل الخصامى يقصد به المتدخل المطالبة بحق لنفسه فهو يدعى لنفسه حقا يطلب الحكم له به، ويشترط لقبوله شرطان.
1 - أن يدعى المتدخل لنفسه حقا، ومن ثم فانه يشترط فى المصلحة التى تبرر قبول التدخل فى هذه الحالة كل الشروط اللازمة لقبول الدعوى وفى أن تكون المصلحة قانونية حالة وقائمة، شخصية ومباشرة.
2 - قيام الارتباط بين الطلب الذى يسعى المتدخل للحكم لنفسه به وبين الدعوى الأصلية ووجود الارتباط هو الذى يبرر تقديم هذا الطلب وتقدير الارتباط متروك للمحكمة التى يقدم اليها الطلب.
ولما كان من الواضح أن تدخل المهندس/ عبد المنعم صالح الشرقاوى فى الدعوى هو لا شك من قبيل التدخل الخصامى - وليس تدخلا انضماميا كما صدر بذلك خطأ الحكم المطعون فيه - ما دام يدعى بحق لنفسه مغاير لطلب المدعى اذ هو يطعن فى قرار آخر غير القرار الصادر لصالح المدعى بمنحه لقب مهندس محل الدعوى. وانه ولئن كان تدخل المهندس المذكور باعتباره تدخلا خصاميا بحسب أصله كقاعدة عامة محل نظر فى دعاوى الالغاء التى ينصب الطلب فيها على خصومه عينية للقرار الادارى المطعون فيه - وذلك نزولا على مقتضى الاجراءات والأوضاع الخاصة بنظام التداعى أمام القضاء الادارى بالنسبة لما يتميز به من حيث التظلم الوجوبى ومواعيد رفع التظلم ثم ايداع عريضة الدعوى الذى تنعقد به المنازعة وتعتبر به مقامة فى الميعاد القانونى ما دام الايداع قد تم خلاله، وكلها أمور ظاهرة الاختلاف مع الاجراءات التى ينص عليها قانون المرافعات المدنية والتجارية. الا أنه فى ذات الوقت بحالته المماثلة فى الدعوى تدخل غير مقبول لانتفاء شرط الارتباط بين الطلب الذى أنصب عليه وبين طلب المدعى فى الدعوى الأصلية، فكل من المدعى والمتدخل يطعن فى قرار مستقل وأن كان قد انطوى على هذين القرارين من حيث الشكل قرار صادر فى تاريخ واحد، ومن الطبيعى ألا يقوم التشابه فى الطلبات اطلاقا مقام الارتباط الذى عناه الشارع أو قصد اليه، فسبيل التداعى عند تخلف هذا الشرط لا يكون الا عن طريق الدعوى المبتدأه لا عن طريق التدخل وبهذه المثابة فان الحكم المطعون فيه وقد جرى على خلاف النظر المتقدم فانه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وفى تأويله ويتعين لذلك الغاؤه والقضاء فى هذا الشق منه بعدم قبول طلب التدخل المقدم من المهندس/ عبد المنعم صالح الشرقاوى مع الزامه بمصروفاته.
ومن حيث انه فيما يتعلق بالدعوى الأصلية فان المشرع قد تكفل فى القانون الصادر بتنظيم مجلس الدولة بالنص على أن ميعاد رفع الدعوى الى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الالغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار الادارى المطعون فيه فى الجريدة الرسمية أو فى النشرات التى تصدرها المصالح أو اعلان صاحب الشأن به. واذ كان الثابت من الرجوع الى ملف القيد بنقابة المهن الهندسية رقم 22889/ 1 الخاص بالمدعى السيد/ فائق ميخائيل مقار المودع فى الطعن أن المدعى علم بالقرار المطعون فيه الصادر بمنحه لقب بتاريخ 13/ 5/ 1958، وأن هذا العلم تحقق لديه بيقين منذ 18/ 5/ 1958 التاريخ الذى تسلم فيه الشهادة التى طلبها من النقابة بتاريخ هذا اللقب. واذ كان ذلك كذلك ولم يودع المدعى عريضة دعواه سكرتارية محكمة القضاء الادارى الا فى 11/ 3/ 1959 فان الدعوى تكون قد رفعت بعد الميعاد، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبولهما شكلا مع الزام المدعى بمصروفاتها.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول طلب التدخل والزمت المتدخل بمصروفات هذا الطلب وبعدم قبول الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات.