مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 651

(81)
جلسة 14 من مايو سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت وعزت عبد المحسن وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 95 لسنة 9 القضائية

( أ ) - عقد ادارى. "عقد توريد". "غش". المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات. تغليظها الجزاء على استعمال الغش أو التلاعب - علة ذلك.
(ب) - عقد ادارى. "عقد توريد". "غش". وصم المتعاقد مع الادارة بالغش فى تنفيذ التزاماته وتوقيع الجزاء المنصوص عليه فى المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات. شرطه ثبوت سوء نيته أى علمه بما يشوب الأصناف الموردة من غش - افتراض هذا العلم فى المتعاقد مع الادارة لا يمنع من الاعتداد بظروف الحال لنفيه عنه - مثال.
1 - ان لائحة المناقصات والمزايدات قد غلظت الجزاء على استعمال الغش أو التلاعب لعلة ظاهرة هى أن المتعاقد الذى يستعمل الغش أو التلاعب انما يقوم على خداع جهة الادارة بسوء نية وهو عالم أن ما يقوم بتوريده لها مغشوش أو مخالف للمواصفات أو بما يقع من تلاعب، يستوى فى ذلك أن يقع الغش أو التلاعب من نفس المتعاقد أو ممن يستعين بهم فى تنفيذ التزاماته التعاقدية متى ثبت أنه على علم بغشهم أو تلاعبهم ولذات العلة سوت اللائحة فى الجزاء بين المتعاقد الذى يستعمل الغش أو التلاعب وبين المتعاقد الذى يشرع فى رشوة أحد موظفى جهة الادارة أو يتواطأ معه اضرارا بها.
2 - أنه يتعين لوصم المتعاقد مع الادارة بالغش فى تنفيذ التزاماته وتوقيع الجزاء المنصوص عليه فى المادة 85 من اللائحة أن يثبت سوء نيته أى علمه بما يشوب الأصناف التى يوردها من غش، وأنه وأن كان هذا العلم مفترضا فى المتعاقد مع الادارة الا أنه متى كانت ظروف الحال تنفى هذا العلم هذا العلم عن المتعهد فانه لا يسوغ وصمه بالغش. وظروف الحال التى تنفى هذا العلم كما قد تستفاد مما قد يرد من أحكام جنائية فى شأن ما نسب الى المتعهد من غش، تستفاد أيضا مما قد يرد فى الأوراق متعلقا بمدى حسن نية المتعاقد فى تنفيذه التزاماته التى يتضمنها التعاقد بصفة عامة وحجم التعاقد فى ذاته وتعدد الالتزامات الواردة به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات والمداولة.
ومن حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
.......................................................
.......................................................
.......................................................
ومن حيث ان محصل ما نسبته الادارة الى المرحوم محمد متولى نور مورث المطعون ضدهم من غش ينحصر فى الوقائع الآتية:
(1) اللبن المورد يوم 27/ 1/ 1960، اتضح أنه مغشوش بنزع 16% من دسمه، وقيدت الواقعة جنحة برقم 781 لسنة 1960 جنح السويس ضد السيد عبد الفتاح بدوى مصطفى والسيد متولى نور (المتعهد) - ويبين من الاطلاع على الحكم الصادر من محكمة جنح السويس فى هذه الدعوى بجلسة 5/ 12/ 1960 والقاضى بتغريم المتهم الأول خمسة جنيهات والمصادرة وبراءة المتهم الثانى بلا مصروفات جنائية - ان الواقعة تتحصل فيما أثبته السيد مفتش الأغذية فى محضره المؤرخ 21 يناير سنة 1960 (وصحة التاريخ من واقع المحضر المرافق لملف الجنحة رقم 781 لسنة 60 جنح السويس هو 27 من يناير لسنة 1960) أنه انتقل الى متجر المتهم الأول مندوب المتعهد محمد حسن الحجيرى (والمعنى بالمتجر هو المستشفى الأميرى العام حسبما هو مستفاد من محضر أخذ العينة رقم 35 والاستمارة رقم 63 س - ص مكافحة الغش، ودفتر محضر أخذ عينة من 1 الى 50% وكذلك من أقوال محرر المحضر لدى هيئة مفوضى الدولة) - فوجد 50 كيلو لبن فى آنية نحاسية خاصة أخذ منها ثلاث عينات متماثلات. أرسل احداها الى معمل التحليل فوردت النتيجة أنها مغشوشة بنزع 16% من نسبة الدسم... وقرر المتهم الأول أن المتعهد الرسمى لتوريد الألبان للمستشفيات هو محمود متولى نور وأنه يقيم بالقاهرة وأن وكيله الرسمى هو طلعت مصطفى وأن اللبن الذى أخذت منه العينة أحضره المتهم الأول من حظيرة محمد حسن الحجيرى ونفى حضوره عملية الحلب وقرر أنه قام فقط بدور الناقل، وانتهت المحكمة الى أن المتهم محمود متولى نور هو متعهد توريد الألبان للمستشفيات والثابت يقينا أنه يقيم بالقاهرة ومن ثم فافتراض علمه بالغش أمر ينفيه واقع الحال وظروف الواقعة ولذلك فهو يجهل غش اللبن وبالتالى يتعين الحكم ببراءته، أما المتهم الأول فالثابت أن اللبن كان فى حيازته وقت أخذ العينة منه وهو مسئول عنه ومن ثم تكون التهمة ثابتة فى حقه.
(ب) اللبن المورد يوم 26/ 4/ 1960، تم تحليله بمعرفة مستشفى السويس العام ووجد مطابقا للمواصفات، وبعد أن قبل وختمت أوانيه وسلمت للمتعهد لتوصيلها لباقى الوحدات فاجأه السيد مفتش الأغذية "بمطبخ" مستشفى الأمراض الصدرية أثناء تسليم اللبن لأخذ عينة منه فاذا به يقلب الآنية التى تحتويه بعد فض أختامها فى حوض المطبخ ويفتح عليه صنبور المياه، وبسؤاله أفاد بأن اللبن كان قد تجبن - ورأت الادارة أن هذا التصرف من جانب المتعهد دليل قاطع على أنه قام بغش اللبن فى الطريق بعد سبق تحليله وقبوله، وأنه قد خشى أخذ عينة منه كى لا ينكشف الغش فقام بسكبه بالحوض وفتح عليه صنبور الماء ليتعذر أخذ عينه منه، وقد قيدت هذه الواقعة جنحة رقم 1968 لسنة 1960 جنح السويس ضد عبد الفتاح بدوى مصطفى لأنه فى يوم 26/ 4/ 1960 بدائرة قسم السويس حال دون أداء مفتش الأغذية لوظيفته بأن سكب اللبن عند محاولة الأخير أخذ عينة منه للتحليل ووضع قسط ماء مع الألبان الموردة لباقى الوحدات الصحية فى العربة المعدة لنقل هذا اللبن - وحكمت محكمة جنح السويس بجلستها المنعقدة بجلسة 31/ 12/ 1961 بحبس المتهم المذكور شهرا واحدا مع الشغل. وتقرر المنطقة الطبية (المدير المساعد الوقائى) بكتابها المؤرخ 21 من يونيو لسنة 1961 المرافق لملف الدعوى أن... المتعهد وفقا لنص العقد مسئول عن توريد اللبن لوحدات ومستشفيات وزارة الصحة بالسويس وأنه من ثم يكون مسئولا عن توصيل اللبن لهذه الوحدات بعد تحليله بمعرفة مستشفى السويس العام التى تقوم بتحليل اللبن لجميع الوحدات.
(جـ) اللبن المورد فى يوم 31/ 5/ 1960 تم تحليله بمعرفة مستشفى السويس العام ووجد مطابقا للمواصفات وقبل وختمت أوانيه وسلمت الى مندوب المتعهد لتوصيلها لباقى الوحدات ولما أخذت منه عينه عند تسليمه لمستشفى الصدر وأرسلت لمعامل الوزارة للتحليل واتضح أنها مغشوشة باضافة 9% ماء وقيدت تلك الواقعة جنحة برقم 3484 لسنة 1960 جنح الأربعين ضد كل من أحمد عبد الكريم الحجيرى ومحمود متولى نور لأنهما فى يوم 31/ 5/ 1960 بدائرة قسم الأربعين عرضا للبيع لبنا غير محتفظ بخواصه الطبيعية ومغشوشا على النحو المبين بتقرير التحليل المرفق مع علمهما بذلك - ويبين من الاطلاع على الحكم الصادر فى الواقعة آنفة الذكر بجلسة 28/ 3/ 1961 أنه صدر ببراءة المتهمين - وقال بالنسبة للمتهم الثانى بأنه يقيم بالقاهرة ومن ثم لا يمكن اطلاقا القول بأنه ارتكب الجريمة وقد يقال أنه باع للمستشفى الأميرى لبنا مغشوشا مع علمه بالغش ويفترض العلم بالغش اذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة وهذا يستقيم لو أن المتهم الثانى هو الذى باع بشخصه، وانما الواقعة أن المتهم الثانى متعهدا لبيع الألبان وله مندوب عنه حيث قرر المتهم الأول هو محمد حسن الحجيرى بينما هو يقيم بالقاهرة ومن ثم فلا محل لافتراض علمه بالغش، أما بالنسبة للمتهم الثانى فقال الحكم المذكور - انه كان يوصل اللبن وقرر أنه ليس الا ناقلا لللبن من نائب المتعهد ابن عمه محمد حسن الحجيرى الى المستشفى كما قرر أنه مزارع ولم يثبت خلاف ذلك، ومن ثم يكون افتراض علمه بالغش غير متوافر اذ انه ليس من المشتغلين بالتجارة كما أنه لم يبع أو يعرض للبيع بل هو نائب عن المتهم الثانى أو مندوبه... وترى المحكمة أنه لا يمكن القول بأن محمد حسن الحجيرى قد ارتكب الجريمة اذ أنها شائعة بينه وبين المتهم الأول... من منهما غش اللبن وهل علم محمد حسن الحجيرى بالغش اذ... كل هذه الأمور يقوم عليها الشك.. وحيث يوجد الشك يتعين الحكم بالبراءة.
ومن حيث ان الثابت من البيان السالف للوقائع أن بعض كميات اللبن التى تم توريدها من المتعهد ثبت غشها - على النحو السالف ايضاحه.
ومن حيث انه يبين من الاطلاع على نصوص العقد المبرم مع مورث المطعون ضدهم أن المادة (17) من الشروط العامة قد نصت على أنه "يجب على صاحب العطاء المقبول أن يودع فى مدة لا تجاوز عشرة أيام تبتدأ من اليوم الثانى لاخطاره بكتاب موصى عليه بقبول عطائه تأمينا يوازى 10% أو أن يكمل التأمين المؤقت الى ما يوازى 10% من مجموع قيمة الأصناف أو العملية التى رست عليه وذلك لضمان تنفيذ العقد.." ونصت المادة (27) من العقد على أنه "يفسخ العقد ويصادر التأمين النهائى وذلك بعد أخذ رأى مجلس الدولة وبدون اخلال بحق المصلحة فى المطالبة بالتعويضات المترتبة على ذلك فى الحالات الآتية "اذا استعمل المتعهد الغش أو التلاعب فى معاملته مع المصلحة وحينئذ يشطب اسمه من سجل المتعهدين ولا يسمح له بالدخول فى مناقصات حكومية هذا علاوة على ابلاغ أمره الى النيابة عند الاقتضاء - كما قضت الاشتراطات الاضافية فى البند الثانى منها على أنه "فى حالة رفض بعض الأصناف بمعرفة مدير المستشفى أو من ينوب عنه يجب على المتعهد نقلها حالا بمجرد صدور أمر شفوى من المدير وابدالها فى ظرف ساعة واحدة وألا يصير شراؤها من الغير بدون منح مهلة أخرى اليه، ويجب فى هذه الحالة خصم فرق الثمن وقيمة الغرامة مضافا اليها 5% مصاريف ادارية، ويتم الشراء وتوقيع الخصومات سالفة الذكر فى حالة التأخير فى التوريد أيضا وفى حالة عدم قيام المتعهد بتنفيذ أى شرط من شروط العقد ثلاث مرات فى ظرف ثلاثين يوما يكون لوكيل الوزارة الحق فى فسخ العقد بواسطة خطاب بسيط موصى عليه ومصادرة التأمين للحكومة - أما الأصناف التى تورد كل خمسة عشر يوما فيكون لوكيل الوزارة الحق فى الغاء العقد ومصادرة التأمين فى حالة عدم قيام المتعهد بالتوريد حسب المواصفات والشروط فى خلال شهرين من التاريخ الذى يحدد للتوريد" ونص البند الرابع من الاشتراطات الاضافية على أنه "اذا ورد المتعهد أو مندوبه صنفا من الأصناف الواردة بهذا العقد مغشوشا أو تالفا فيجب ضبط كميات الأصناف المغشوشة أو التالفة ويبلغ الأمر الى أحد مندوبى الضبط القضائى المختصين بتنفيذ أحكام القانون رقم 48 لسنة 1941 الخاص بقمع الغش والتدليس لاتخاذ الاجراءات القانونية - كما نصت تلك الاشتراطات فى البند الخامس منها على أنه اذا ارتكب المتعهد أو مندوبه غشا غير ضار بالصحة فى توريد أى صنف من أصناف تعيينات يترتب عليه زيادة فى وزنه أو تغيير نوعه أو معالمه أو عناصره أو غير ذلك بقصد ادخاله على المستشفى بدل الصنف الجيد المشترط توريده وكان المستشفى فى حاجة الى هذا الصنف ففى هذه الحالة يحسب الثمن مخفضا بنسبة الغش ويعلى بالأمانات ويقدم المتعهد للمحاكمة حتى اذا حكم بالمصادرة صودر المبلغ الى جانب الحكومة ويكون احتساب الثمن بمعرفة قسم مراقبة الأغذية وتقديره فى ذلك نهائى غير قابل للطعن فيه بأية حال من الأحوال.
ومن حيث انه يتعين بادئ ذى بدء للفصل فى هذه المنازعة تحديد المقصود بعبارة "اذا استعمل المتعهد الغش أو التلاعب فى معاملته مع المصلحة." الواردة فى المادة (27) من الشروط العامة المطابقة فى هذا الشأن لنص المادة (85) من لائحة المناقصات والمزايدات.
ومن حيث انه يبين من الرجوع الى شروط العقد المبرم مع المدعى والى اللائحة المشار اليها، يبين أنها فرقت فى الحكم بين مجرد قيام المتعاقد بتوريد أصناف مخالفة للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وبين ارتكابه التلاعب أو غش فى معاملته - فجزاء توريد أصناف مخالفة للمواصفات هو رفض الأصناف وتكليف المتعهد بتوريد غيرها أو قبول الأصناف المخالفة مع تخفيض ثمنها أو قيام جهة الادارة بشراء أصناف مطابقة للشروط على حسابه وانهاء العقد فيما يختص بتلك الأصناف المخالفة ومصادرة التأمين بما يوازى 10% من قيمة كل ذلك مع توقيع غرامة تأخير واقتضاء المصروفات الادارية (البند الثانى من الاشتراطات الاضافية والمادتين 102، 105 من لائحة المناقصات والمزايدات) أما جزاء استعمال الغش أو التلاعب فهو فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسمه بين المتعهدين المسموح لهم بالدخول فى مناقصات الحكومة.
أن لائحة المناقصات والمزايدات قد غلظت الجزاء على استعمال الغش أو التلاعب لعلة ظاهرة هى أن المتعاقد الذى يستعمل الغش أو التلاعب انما يقوم على خداع جهة الادارة بسوء نية وهو عالم أن ما يقوم بتوريده لها مغشوش أو مخالف للمواصفات أو بما يقع من تلاعب يستوى فى ذلك أن يقع الغش أو التلاعب من نفس المتعاقد أو ممن يستعين بهم فى تنفيذ التزاماته التعاقدية متى ثبت أنه على علم بغشهم أو تلاعبهم... ولذات العلة سوت اللائحة فى الجزاء بين المتعاقد الذى يستعمل الغش أو التلاعب وبين المتعاقد الذى يشرع فى رشوة أحد موظفى جهة الادارة أو يتواطأ معه اضرارا بها.
ومن حيث انه يتعين لوصم المتعاقد مع الادارة بالغش فى تنفيذ التزاماته وتوقيع الجزاء المنصوص عليه فى المادة (85) من اللائحة أن يثبت سوء نيته أى علمه بما يشوب الأصناف التى يوردها من غش، وأنه وان كان هذا العلم مفترضا فى المتعاقد مع الادارة الا أنه متى كانت ظروف الحال تنفى هذا العلم هذا العلم عن المتعهد فانه لا يسوغ وصمه بالغش، وظروف الحال التى تنفى هذا العلم كما قد تستفاد مما قد يصدر من أحكام جنائية فى شأن ما نسب الى المتعهد من غش، تستفاد أيضا مما قد يرد فى الأوراق متعلقا بمدى حسن نية المتعاقد فى تنفيذه التزاماته التى يتضمنها التعاقد بصفة عامة، وحجم التعاقد فى ذاته وتعدد الالتزامات الواردة به.
ومن حيث انه بتطبيق ما سلف بيانه على الدعوى الماثلة يبين أن الوزارة اذ وقعت جزاء الغش ومصادرة التأمين المدفوع من المدعى، انما ابتنت ذلك على ثلاث وقائع، وتخلص الواقعة الأولى الصادر فيها الحكم بجلسة 31 من ديسمبر لسنة 1960 حسبما سلف بيانه فى أن النيابة قد وجهت الى عبد الفتاح بدوى مصطفى - انه فى يوم 26 من أبريل سنة 1960 بدائرة قسم السويس (مستشفى الأمراض الصدرية) حال دون أداء مفتش الأغذية وظيفته بأن سكب اللبن عند محاولة أخذ الأخير عينة منه وقد قضت المحكمة بحبس المتهم لمدة شهر لثبوت التهمة عليه وتجمل الواقعة الثانية والصادر فيها الحكم بجلسة 8 من مارس لسنة 1961 فى القضية رقم 3483 لسنة 1961 أن النيابة قد اتهمت أحمد عبد الكريم الحجيرى ومحمود متولى نور (المدعى ومورث المطعون عليهم) بأنهما فى يوم 31 من مايو لسنة 1960 عرضا لبنا غير محتفظ بخواصه الطبيعية ومغشوشا، وقد قضى فى هذه الدعوى حسبما سلف الاشارة ببراءة المتهم الأول على أساس أنه قرر أنه ناقل للبن الى المستشفى الأميرى وأنه زارع وأنه لم يثبت للمحكمة خلاف ذلك ومن ثم يكون افتراض علمه بالغش غير متوافر، كما أنه لم يبع أو يعرض للبيع بل هو نائب عن المتهم الثانى أو مندوبه فى توصيل هذا اللبن الى المستشفى... أما المتهم الثانى (المدعى) فقد قالت المحكمة فى أسبابها أن الثابت أنه - يقيم بالقاهرة فلا يمكن القول اطلاقا أنه ارتكب الجريمة، وقد يقال انه باع للمستشفى لبنا مغشوشا مع علمه بالغش وهذا يستقيم لو أن المتهم الثانى باع بشخصه - انما الواقعة أن المتهم الثانى متعهد لبيع الألبان وله مندوب عنه حيث قرر المتهم الأول هو محمد حسن الحجيرى بينما هو مقيم بالقاهرة ومن ثم فلا محل لافتراض علمه بالغش - وقضت المحكمة ببراءته - وبالنسبة للواقعة الثالثة والتى صدر فيها الحكم فى القضية رقم 781 لسنة 1960 بتاريخ 5/ 12/ 1960، فانه يتضح من مطالعة هذا الحكم أن النيابة اتهمت عبد الفتاح بدوى مصطفى ومحمود متولى نور بأنهما فى يوم 27 من يناير سنة 1960 قد عرضا لبنا مغشوشا مع علمهما بغشه وقد قضت المحكمة بادانة المتهم الأول على أساس أن الثابت أن اللبن كان فى حيازته وقت أخذ العينة منه.. وقد جاء فى أسباب الحكم بالنسبة للمتهم الثانى (المدعى) أن المتهم الأول قرر أن المتعهد الرسمى لتوريد الألبان للمستشفيات هو محمود متولى نور ويقيم بالقاهرة ووكليه الرسمى مصطفى طلعت.. والثابت يقينا أنه يقيم بالقاهرة ومن ثم فعلمه بالغش أمر ينفيه واقعة الحال - وقضت المحكمة ببراءته.
ويخلص مما تقدم أنه بالنسبة للواقعة الأولى وهى سكب اللبن أن المدعى لم يكن متهما فيها وانما وجهت التهمة الى عبد الفتاح بدوى على اعتبار أنه حال دون أداء مفتش الأغذية لوظيفته عند محاولة الأخير أخذ عينة من اللبن المورد لمستشفى الأمراض الصدرية، وليس فى الوقائع ما يستدل منه المدعى (مورث المطعون ضدهم) قد اشترك فى غش هذا اللبن - بفرض ثبوت غشه. أما بالنسبة الى الواقعتين الأخريين والخاصتين باللبن المغشوش المورد بتاريخ 27 من يناير لسنة 1960، 31 من مايو لسنة 1960 فقد قضى فى الجنحتين رقمى 781 لسنة 1960، 3483 لسنة 1960 جنح الأربعين ببراءة المدعى لانتفاء علمه بالغش - وابتناء على ما تقدم فان هذه القرينة المستقاة من واقع الأحكام الجنائية - والتى نفت عن المدعى علمه الافتراضى بالغش الذى وقع فى الألبان الموردة - هذه القرينة لها اعتبارها فى التقدير عند توقيع الجزاء الادارى - وهو مصادرة التأمين - فاذا أضيف الى هذا القرينة انه لم يثبت اداريا من واقع ملف الدعوى أن المدعى كانت له يد فيما وقع من غش ممن استعان بهم فى أداء التزاماته، وأنه ساهم فيه بطريقة أو أخرى، وأن المستقى من واقع الأوراق أن المدعى (مورث المطعون ضدهم) كان قد تعاقد مع وزارة الصحة على توريد بعض المواد الغذائية لوحداتها ومستشفياتها بالسويس خلال عام 59/ 1960 ابتداء من أول يوليو سنة 1959 لغاية 30 من يونيو سنة 1961 وبلغت قيمة مختلف أنواع الأغذية التى التزم بتوريدها تنفيذا لهذا العقد 12640 جنيها و747 مليما وكان من بينها توريد 48885 كيلو من اللبن الحليب بلغ ثمنها حسبما هو مبين بالكشف الملحق بالعقد 2199 جنيها و825 مليما والملاحظ فى هذا الصدد أن كل ما شاب التوريد من غش أو تلاعب خلال مدة العقد الثلاث وقائع سالفة الذكر - ومن ثم فالقول بافتراض علم المدعى بالغش الذى وقع بالألبان الموردة فى التواريخ المحددة فيما سلف أمر تنفيه ظروف الحال وظروف الدعوى الماثلة - لا سيما اذا أدخل فى الاعتبار أنه بالنسبة لعقود التوريد وهى تقتضى توريد أصناف متعددة لجهات متفرقة وعلى فترات دورية لا يسوغ القول بأن يقوم المتعهد الأصلى بتنفيذ التزاماته وحده من غير الاستعانة بمجهودات غيره فى أعمال التنفيذ، وألا وضع أمام استحالة مطلقة، وأنه بالبناء على ما تقدم واذ جرى العرف على السماح بهذه الاستعانة فى الحدود المقررة والجائز فى العقود الادارية، فانه من غير المستساغ أن يوقع جزاء مصادرة التأمين - وهو جزاء - فى الدعوى الماثلة الا اذا قام الدليل المقنع من واقع الأوراق على تواطؤ المدعى أو علمه بغش أو تلاعب من استعان بهم فى تأدية التزامه، والقول بغير ذلك يؤدى الى احجام الموردين فى الدخول فى المناقصات العامة، وقد يكون منهم الأكفاء وحسنو السمعة.
ومن حيث أنه مما لا جدال فيه فى أن المدعى مسئول مسئولية عقدية قبل الوزارة بحيث يحق لها أن تحاسبه عما يقع من أخطاء فى تنفيذ العقد أو توقع عليه الجزاءات التى يقضى بها عن التأخير فى التوريد وعن مخالفة الأصناف الموردة للمواصفات ولو كان ذلك راجعا الى غش من استعان بهم فى تنفيذ تعهداته ولكن المسئولية لا ترتفع الى حد وصمه هو باستعمال الغش أو التلاعب الأمر الذى يؤدى الى توقيع الجزاء المنصوص عليه فى المادة (27) من الشروط ما لم يثبت علمه بالغش أو التلاعب حسبما سلف البيان.
ومن حيث انه لكل ما تقدم فان مصادرة التأمين استنادا الى حكم المادة 27 من الشروط العامة لا يقوم حسبما سلف البيان على أساس سليم وينبنى على ذلك أن من حق المدعى مطالبتهما برد المبلغ الذى صادرته مضافا اليه المصاريف التى تكبدها فى الحدود على النحو الوارد بالحكم المطعون فيه - وعلى هذا الأساس يكون الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى سليما فى النتيجة التى انتهى اليها.
ومن حيث أنه لكل ما تقدم يتعين الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الحكومة بالمصروفات..