المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأى
السنوات الثلاث الأولى (سبتمبر 1946 - سبتمبر 1949) - صـ 96

(فتوى رقم 1 - 34 - 1 - 102 بتاريخ 24 فبراير سنة 1947)
(57)

مسئولية الدولة - مظاهرات
تعتبر الدولة غير مسئولة عن الاضرار التى تحدث نتيجة للمظاهرات والاضطرابات إلا إذا ثبت وقوع تقصير فاحش من جانبها فى اتخاذ الاجراءات المناسبة لمنع وقوع الضرر وفى تعقب الجانيين.
يلاحظ من الوجهة القانونية أنه لا تترتب قبل الدولة أية مسئولية دولية ما لم تكن قد أخلت بواجب من الواجبات الدولية المفروضة عليها وتلك المسئولية لا تنشأ إلا بين دولة ودولة حكمها فى ذلك حكم العلاقات الدولية عامة فيخرج بهذا أية مسئولية تنشأ بين الدولة والأفراد إذ المرجع فى ذلك لحكم القانون الداخلى لا القانون الدولى العام وعلى أى حال فلا مسئولية ما لم يثبت وقوع عمل خاطئ أو غير مشروع من الدولة.
وفيما يتعلق بمسئولية الدولة عن الاضرار التى تحدث نتيجة للمظاهرات والاضطرابات وتلحق بالأجانب المقيمين فى أرضها فالأصل إنما هو تقرير عدم مسئولية الدولة عن تلك الاضرار باعتبار أن جميع الأعمال التى تقوم بها لحفظ الأمن تعتبر من الأعمال المتعلقة بسيادة الدولة وأن مطالبتها بتعويض فى هذه الحالة يعتبر اجراءا ماسا بأعمال السيادة إلا أنه يؤخذ فى الاعتبار دائما عند بحث مدى مسئولية الدولة اثبات وقوع تقصير فى بسط حمايتها على الأجانب المقيمين فى بلادها استنادا إلى أن ذلك يمكن أن يعتبر عملا خاطئا صادرا من جانبها.
وأساس مسئولية الدولة فى هذه الحالة إنما هو ثبوت التقصير الفاحش من جانبها فى اتخاذ الاجراءات المناسبة لمنع وقوع الضرر بالقدر المستطاع وفى تعقب الجانيين الذين قاموا بارتكاب أفعال مخالفة للقانون ألحقت ضررا بالأجانب ومن ثم فان مجرد وقوع الضرر لا ينهض أساسا للمسئولية ما لم يكن ناتجا من اهمال جسيم بل ينفى عن الدولة المسئولية قيامها باتخاذ الاجراءات المناسبة ومدى الاجراء المناسب مرجعة طبيعة الحال وما أحاط بها من الملابسات أو تداخل من عوامل فجائية إذ لا يمكن مطالبة الدولة باتخاذ المستحيل بل ينحصر واجبها فى اتخاذ الاجراءات الممكنة ومن أدعى مسئولية الدولة فى مثل هذه الأحوال فعليه اللجوء إلى القضاء إذا شاء.
وقد أتيح للدول فرصة مناقشة المذاهب المختلفة فى مسئولية الدولة عند اجتماعها سنة 1930 بناء على دعوة عصبة الأمم فى مؤتمر تجميع قواعد القانون الدولى العام الخاص بمسئولية الدول عما يصيب الاجانب المقيمين على الاقليم من ضرر فى أشخاصهم وأملاكهم وقد ناقش أعضاؤه مختلف المبادئ والنظريات المتعلقة بالنظرية الدولية فى هذا الصدد وقد اكتفى بتدوين المبادئ التى تم الاتفاق عليها على شكل مواد وقد نصت المادة العاشرة على أنه "فيما يتعلق بالاضرار التى تلحق بأجانب عن عمل الأفراد لا تكون الدولة مسئولة إلا إذا كان الضرر اللاحق بالأجنبى ناشئا عن تقصير الدولة فى اتخاذ ما تستلزمه الحالة من الاجراءات لمنع وقوع العمل الذى سبب الضرر أو إصلاحه أو توقيع العقوبة على فاعله.
إلا أنه يلاحظ أن الكثير من الدول مع تمسكها بالمبدأ الخاص بعدم وجود أى التزام قانونى بالتعويض ترى فى بعض الحالات منح تعويضات بباعث من العطف والرحمة أو لداعى المجاملات السياسية وقد سارت مصر فعلا فى أكثر من مناسبة على صرف تعويضات من باب العطف والمساعدة كما تفعل فى حالات الكوارث والنوازل فقد ترى التدخل فيها للتخفيف من أثر الأضرار وأحدث قرار أصدرته فى هذا الشأن قرار مجلس الوزراء الصادر فى سنة 1935 وقد جاء فيه أن الوزارة لا تسأل قانونا عن التعويضات فى مثل هذه الظروف غير أن المجلس يرى من باب الاحسان تشكيل لجنة لنظر هذه التعويضات وقد حدث مثل ذلك فى سنة 1930 على أثر الحوادث التى وقعت فى الاسكندرية والقاهرة وقد أصدر مجلس الوزراء قرارا فى 14 سبتمبر سنة 1930 بتشكيل لجنة لفحص ما يقدم من الطلبات فى هذا الصدد والفصل فيها بالرفض أو تقدير التعويض المناسب على الأسس المحددة فى ذلك القرار وقد جاء به أن الحكومة ليست مسئوله فى الحق والقانون عن تعويض ما حصل من الضرر فى تلك الحوادث والواقع فوق ذلك أن ما بذله رجال الحكومة من الجهد الشديد وما اتخذ من تدابير الحيطة والمحافظة على النظام كان له أكبر الأثر فى اتقاء كثير من الاضرار وفى تخفيف ما لم يكن ثمت سبيل إلى اتقائه من الأخطار غير أنه يحسن مع ذلك أن تنظر الحكومة على سبيل التعطف والرأفة فى أمر التعويض على من حصلت لهم اضرار فى سياق تلك الحوادث، وقد جرت الحكومة فى الحالات المتقدمة على غرار ما اتبع عقب حوادث سنة 1919 من تشكيل لجان وكل اليها النظر والفصل فى طلبات التعويض عن الحوادث المذكورة.
وبتطبيق المبادئ القانونية والدولية المتقدم بيانها على وقائع حوادث 21 فبراير و4 من مارس سنة 1946 يتضح عدم وجود تقصير من جانب السلطات المصرية وبالتالى لا يمكن القول بوجود أية مسئولية على الدولة يترتب معها وجود التزام قانونى بالتعويض عن الأضرار التى تكون قد لحقت بالأجانب الموجودين فى مصر دون تفرقة بين جنسياتهم.