المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأى
السنوات الثلاث الأولى (سبتمبر 1946 - سبتمبر 1949) - صـ 414

(فتوى رقم 339 بتاريخ 25 - 6 - 1949)
(270)

أحوال شخصية - اختصاص - محاكم شرعية - مجالس ملية
المحكمة الشرعية هى صاحبة الولاية العامة فى مسائل الأحوال الشخصية فيما عدا المسائل الدينية لغير المسلمين وما يرتبط بها فيختص بها المجلس الملى على أن قواعد الشريعة الإسلامية بالنسبة إلى المصريين جميعاً مسلمين وغير المسلمين هى التى تحدد أسباب الميراث وشروطه إلا إذا إتفق جميع غير المسلمين على عكس ذلك.
ولما كانت جهات الأحوال الشخصية فى مصر هى جهات دينية تطبق أحكام قوانينها الدينية فى مسائل الأحوال الشخصية التى تعرض عليها فمتى عرفنا الجهة القضائية المختصه بالفصل فى مسائل تحقيق الوراثة وهل هى المحاكم الشرعية أم المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس إستبان لنا تبعاً لذلك القانون الواجب التطبيق.
ولم يعد بخاف على أحد أن المحاكم الشرعية هى صاحبة الولاية العامة فى مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة إلى المصريين ما دامت لا تدخل فى إختصاص محكمة أخرى بمقتضى نص تشريعى. واختصاص هذه المحاكم الشرعية مبين فى لائحة ترتيبها (مواد 5 إلى 10) ولم تقصر هذه اللائحة الاختصاص المشار إليه على المصريين المسلمين وحدهم دون المسيحيين بل شمل إختصاصها جميع المصريين مسلمين وغير مسلمين.
وعلى ذلك يخضع المصريون المسيحيون لقضاء المحاكم الشرعية فى مسائل الأحوال الشخصية فيما عدا المسائل الدينية وما يرتبط بها إذ يخضعون فيها لقضاء الملة التى يتبعونها طبقاً للشروط والأوضاع المرعية على التفصيل الآتى بيانه:
أما المجالس الملية فالأصل فى إختصاصها أنه مقصور على غير المسلمين من المصريين ويرجع هذا الإختصاص إلى الخط الهمايونى الصادر من الدولة العثمانية فى 8 فبراير سنة 1856.
وقد نظم المشرع المصرى القضاء الملى لبعض الطوائف الغير إسلامية فأصدر أمراً عالياً فى 14 مايو سنة 1883 بشأن الأقباط الأرثوذكس وأمراً عالياً فى أول مارس سنة 1902 بشأن الإنجيليين وأمراً ثالثاً فى 18 نوفمبر 1905 بشأن الأرمن الكاثوليك. وتنص هذه الأوامر العالية الثلاث بأن إختصاص القضاء الملى مقيد بأبناء الطائفة التى يمثلها المجلس الملى إذ يشترط فيها إتخاذ ملة الخصوم. فإذا إختلفت الملة كانت المحاكم الشرعية صاحبة الولاية العامة المختصة كما أن هذا الإختصاص الملى مقيد بأنواع من الأحوال الشخصية تتصل كلها بالمسائل الروحية كالزواج وما إليه أما غيرها من مسائل الأحوال الشخصية كالأهلية والوصاية والقوامة فلا تدخل مطلقاً فى اختصاص القضاء الملى ومسائل المواريث وما يرتبط بها من الوصاية لا تدخل كذلك فى إختصاص القضاء الملى إلا إذا أضيف شرط إتفاق الخصوم إلى إتحاد الملة.
وفى 9 فبراير سنة 1910 أى بعد زوال السيادة العثمانية عن مصر صدر القانون رقم 80 لسنة 1915 يقرر إستمرار إختصاص الجهات الدينية المشار إليها.
وأن للمحاكم الشرعية الولاية بالنسبة للمصريين فى مسائل الأحوال الشخصية فيما عدا الأحوال التى تختص بنظرها المجالس الملية وهى الأحوال المرتبطة بمسائل روحية كالزواج أو بأحوالى اختصاص تحكيمى فى مسائل المواريث وما إليها إذا كان الخصوم من ملة واحدة وقبلوا تطبيق ديانتهم.
ويلاحظ بالنسبة لولاية جهات الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالمواريث أن الإختصاص أصلا للمحاكم الشرعية وهى تطبق فى المواريث أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة للمصريين ولكن يستثنى من ذلك حالة إتفاق أطراف الخصومة ممن يتحدون مذهباً على إختصاص الجهة الملية التى يتبعونها فإذا تخلف أحد هذين الشرطين وهو إتفاق الخصوم واتحاد المذهب عهد بالإختصاص على وجه الإنفراد إلى المحاكم الشرعية التى تعتبر صاحبة الولاية العامة فى مسائل الأحوال الشخصية كما تقدم.
والأشخاص الذين يلزم توافر إتفاقهم لإمكان إختصاص المجلس الملى هم الذين تعطيهم الشريعة الاسلامية الحق فى الميراث فالشريعة الإسلامية هى التى تحدد صفة الورثة فى تركات غير المسلمين من المصريين؛ وليست شرائعهم إذ هى لا تطبق إلا عند إتفاق الورثة المعينين فى الشريعة الإسلامية وبغير ذلك لا يكون لقصر إختصاص المجالس الملية على حالة الإتفاق معنى لأن الورثة المعينين فى القانون الدينى يقبلون تطبيق هذا القانون ولم يقصد المشرع بإشتراط الإتفاق لإعطاء الإختصاص التحكيمى للمجلس الملى إلا حماية أصحاب الشأن الآخرين الذين تقضى الشريعة الإسلامية دون القانون الدينى باستحقاقهم للميراث أو تجعل لهم الشريعة الإسلامية نصيب أكبر فى التركة من النصيب الذى يقرره لهم القانون الدينى فقواعد الشريعة الاسلامية بالنسبة للمصريين جميعاً المسلمين وغير المسلمين هى التى تخدم أسباب الميراث وشروطه وموانعه وبعبارة أخرى هى التى تبين الاستحقاق وتعين الورثة.
فإذا إتفق الورثة المتحدين من الذين تعينهم أحكام الشريعة الإسلامية على رفع الأمر إلى مجلسهم الملى فيكون له فى هذه الحالة إختصاص تحكيمى كما سبقت الاشارة إلى ذلك.
وفى نظر البعض أن إختصاصه هذا لا يؤدى إلى تطبيق القانون الملى حتماً بل يجب لتطبيق هذا القانون فى نظر هذا الفريق من الشراح أن يتناول إتفاق الورثة هذا التطبيق بمعنى أنه يجب أن يتفقوا صراحة على أن قانون الملة هو الذى يطبق دون الشريعة الاسلامية فإذا اتفقوا على إختصاص المجلس الملى دون النص على تطبيق القانون الطائفى لهذا المجلس فالمجلس الملى يصبح مختصاً ولكن يتعين عليه تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية لأن الاتفاق لم ينصب إلا على الاختصاص القضائى ويبقى الاختصاص التشريعى خاضعاً للقانون العام وهو الشريعة الإسلامية.
وقد تأيدت وجهة النظر هذه بحكم محكمة النقض الأهلية الصادر فى أول أبريل سنة 1943 فى قضيتى الطعن رقم 66 لسنة 10 قضائية ورقم 14 لسنة 11 والمنشور فى مجلة المحاماة فى السنة الخامسة والعشرين ص 71 رقم 37 وقد ورد به المبادئ القانونية الآتية:
(1) إن المواريث عموماً ومنها الوصية هى وحدة واحدة وتسرى الأحكام المتعلقة بها على جميع المصريين مسلمين كانوا أو غير مسلمين وفق الشريعة الاسلامية باعتبارها الشريعة العامة.
(2) الاحتكام إلى المجلس الملى فى مسائل المواريث لا يكون إلا إستثناء فى حالة الميراث الخالى عن الوصية. فإذا لم يتفق ذوو الشأن وهم الورثة على حسب الشريعة الاسلامية بإعتبارها المصدر للاحكام العامة فى ذلك الاحتكام كان لا مناص من التقاضى أمام جهة الأحوال الشخصية ذات الولاية العامة وهى المحكمة الشرعية ويستوى معه فى ذلك الميراث الايصائى إذ النوعان مرتبطان كل إرتباط أحدهما بالآخر.
(3) إن المقصود بالأحوال الشخصية التى من إختصاص المجلس المذكور لا يمكن أن تكون إلا المواد المذهبة أو الزوجية التى لا تتصادم مع القواعد الأساسية العامة فى التشريع والتقاليد إزاء الطوائف الملية جميعاً والتى لم يرد الشارع الخروج عنها بأى حال.
أما عن إختصاص المحاكم الشرعية فى إصدار الاعلامات الشرعية المثبتة للوراثة فهو ثابت لها بالنسبة للمصريين المسلمين وغير المسلمين طبقاً للمادة 355 وما بعدها من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والتى تنص على أن تحقيق الوفاة والوراثة تكون أمام المحاكم الجزئية حسب الاختصاص المبين فى المادة 525 وتنص المادة السالفة الذكر على أن ترفع الدعاوى فى مواد إثبات الوراثة والوفاة والوصية أمام المحكمة التى فى دائرتها أعيان التركة العقارية كلها أو بعضها الأكثر قيمة أو أمام المحكمة التى فى دائرتها محل إقامة المدعى عليه ولم تقصر هذه المواد الاختصاص المشار إليه على المسلمين دون غيرهم من غير المسلمين بل جاءت عبارات عامة تشمل جميع المصريين المسلمين وغير المسلمين.
أما بالنسبة إلى المجالس الملية فى الوقت الذى نشأ فيه النزاع الذى نحن فى صدده فهى تختص بإصدار الاعلامات الشرعية المثبتة لوراثة الخصوم التابعين لهذه الملة بشرط أن يتفق على هذا الاختصاص هؤلاء الورثة أى أصحاب الشأن فى التركة طبقاً لما تبينه أحكام الشريعة الاسلامية إعتبارها مصدر الاحكام العامة فى ذلك كما سبق أن أشرنا إليه.