المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأى
السنوات الثلاث الأولى (سبتمبر 1946 - سبتمبر 1949) - صـ 446

(فتوى رقم 115 فى 1 - 12 - 1946)
(289)

ابعاد - معاهدة مونترو - أثر قطع العلاقات السياسية
طبقا لأحكام معاهدة مونترو الخاصة بإلغاء الامتيازات الأجنبية يجب التفرقة فى إبعاد الأجانب بين الأجانب الخاضعين للمحاكم المختلطة وغير الخاضعين لها على أن قطع العلاقات السياسية نتيجة أعمال عدوانية يسقط ما قد يكون قد منح من إمتياز خاص.
إن البند الرابع من تصريح الحكومة المصرية فى إتفاقية مونترو الخاصة بإلغاء الامتيازات فى مصر بشأن إبعاد الأجانب قد نص على أنه ولو أن الغاء الامتيازات يستتبع محو كل قيد لحق الحكومه الملكيه المصرية فى إبعاد الأجانب الموجودين بالأراضى المصرية فانه ليس فى نيه الحكومه أن تستعمل فى فترة الانتقال حقها فى إبعاد أجنبى خاضع لقضاء المحاكم المختلطه إذا كان قد أقام فى مصر خمس سنين على الأقل أو أن ترفض دخوله فى أراضيها إذا كان قد غادرها مؤقتا إلا فى الأحوال الآتيه: -
أ - إذا كان قد حكم بإدانته فى جناية أو فى جنحه يعاقب عليها القانون بالحبس أكثر من ثلاثة أشهر.
ب - إذا أتى أعمالا من شأنها أن تؤدى إلى الاضطراب أو تخل بالنظام العام أو بالسكينه أو بالأداب أو بالصحه العامه.
ج - إذا كان فقيرا وعالة على الدولة.
وفضلا عن ذلك تنوى الحكومه الملكيه المصريه تشكيل لجنه إداريه إستشاريه يكون من بين أعضائها النائب العام لدى المحاكم المختلطه تعهد إليها عند الأقتضاء بالبحت فى المنازعات التى تقوم حول شخصيه الأجنبى المراد إبعاده أو حول جنسيته أو مدة إقامته فى مصر أو صحه الوقائع التى تبنى عليها الإبعاد.
وتنفيذا لهذا النص قد صدر المرسوم الخاص بإبعاد الأجانب فى 22 يونيو سنة 1939 متضمنا تطبيق الاحكام الواردة فى التصريح السالف الذكر كما أنه نص فى المادة الرابعه منه على تشكيل لجنه إستشاريه بوزارة الداخليه للنظر فى مسائل إبعاد الاجانب مؤلفه من وكيل وزارة العدل رئيسا ومن النائب العمومى أو الأفوكاتو العمومى لدى المحاكم المختلطه ومن المستشار الملكى لوزارة الخارجيه أما الاجانب الذين ينطبق عليهم التصريح السالف الذكر فهم رعايا الدول الموقعه على إتفاق مونترو الخاص بالغاء الامتيازات فى مصر وهى اتحاد جنوب أفريقيا والولايات المتحدة واستراليا وبلجيكا وبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية والدانمرك واسبانيا وفرنسا واليونان والهند ودولة ايرلندة الحرة وايطاليا والنرويج وزيلنده الجديدة وهولندة والبرتغال والسويد.
وكذلك الدول المبينة فى المرسوم بقانون رقم 88 الصادر فى 11 اكتوبر سنة 1937 بشأن توسيع إختصاص المحاكم المختلطة بالنسبة لرعايا بعض الدول وهى ألمانيا والنمسا والمجر وبولونيا ورومانيا وسويسرا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا.
وينبنى على ما تقدم توضيح مركز الاجانب فى مصر بصفة عامة ويستفاد منه أنه يجب التفرقة بين الاجانب الخاضعين لقضاء المحاكم المختلطة والذين لا يخضعون لقضائها وفيما يتعلق بالأجانب عموما الذين لا يخضعون لقضاء المحاكم المختلطة فان تصريح الحكومة فى مؤتمر مونترو السالف الذكر لا ينطبق عليهم ولذلك فالحكومة المصرية لها أن تستعمل حقها فى إبعادهم فى أى وقت ولا يرد على هذا الحق أى قيد سوى مراعاة قواعد القانون الدولى وهى تقضى بأن هذا الإبعاد تقوم به الدولة استنادا على ما لها من حق البقاء وصيانة النفس فالدولة تملك إبعاد الاجنبى الذى يهدد الامن العام والنظام فيها والذى يثبت أن بقاءه فى أرضها يسبب ارتباكا لها أو يكون خطرا على الأمن فيها أو على علاقتها الخارجية ومن أمثلة الأسباب التى من أجلها تبعد الدولة الأجانب إرتكابهم الجريمة وإن كانت الجريمة مما لا يعاقب عليها قانون دولته ونشر الدعاية ضد الدولة والبغاء والإتجار بالنساء والأطفال والنشرد. وعلى العموم أنه ليس فى الإمكان وضع قاعدة عامة لتبين الحالات التى يجوز فيها الابعاد والتى لا يجوز فيها والدول من أجل ذلك تملك شيئاً كثيراً من حرية التقدير والتصرف وكل ما يمكن وضعه من القيود على هذه الحرية هو أن يكون الإبعاذ بسبب المحافظة على صالح عام وبقصد رفع الضرر عن الدولة أو منع خطر يهددها فلا يصح أن يكون الابعاد لسبب شخصى أو بغرض الانتقام أو أن يكون الابعاد طريقة غير مباشرة لتسليم الشخص إلى محاكم دولته إلا إذا أتبعت الاجراءات الخاصة بالتسليم وقد إستقر الرأى على أن الدولة التى تريد الابعاد هى الحكم فيما يصلح أن يكون سبباً للابعاد على أن يكون حكمها صادراً عن حسن نية وألا تتعسف فى إستعمال الحق.
ويلحق بهذه الطائفة الأجانب الخاضعون لقضاء المحاكم المختلطة ولم يكتسبوا حق الإقامة فى مصر لعدم إقامتهم فيها خمس سنين على الأقل طبقاً لتصريح الحكومة المصرية فى مؤتمر مونترو السالف الإشارة اليه أما عن تحديد مدة الإقامة فى مصر التى تخول للأجنبى الخاضع لقضاء المحاكم المختلطة الإستفادة من أحكام ذلك التصريح فقد أوضحه سعادة رئيس لجنة قضايا الحكومة والمستشار الملكى لوزارة الخارجية سابقاً بالمذكرة المؤرخة 21 - 11 - 1945 المرفق بها مشروع الرفض الذى رأى توجيهه إلى السفارة البريطانية والذى أخطرت به وزارة الداخلية فى 14 - 11 - 1945 وقد ورد فى هذه المذكرة ما يأتى:
(تقدم وزارة الخارجية المصرية تحياتها إلى السفارة البريطانية وتتشرف بالإحالة إلى مذكرة السفارة البريطانية المؤرحة 22 - 7 - 1945 (36 - 29 - 458) بشأن تفسير البند الرابع من تصريح الحكومة الملكية المصرية والذى تحددت فيه مدة الإقامة التى يجب توافرها فى الأجنبى حتى يعتبر حائزاً لصفة المقيم Resident أثناء فترة الإنتقال التى حددها الإتفاق.
وقد سبق للحكومة المصرية أن رأت أن مدة الخمس سنوات المذكورة فى البند الرابع من تصريح مونترو يجب إعتبارها مدة الخمس سنوات السابقة مباشرة على تاريخ التوقيع على الاتفاق طبقاً لما أوضحته هذا لمذكرة الدورية المؤرخة فى 20 سبتمبر سنة 1939 باعتبار أن ذلك التفسير هو المقصود من نص البند الرابع من تصريح مونترو فلا يستفيد من الحكم الخاص بصفة المقيم إلا الأجانب الذين كانت لهم وقت التوقيع على الاتفاق إقامة بموافقة الحكومة المصرية لا تقل عن مدة الخمس سنوات.
والحكومة المصرية تشاطر الحكومة البريطانية الرأى فى أنه قد يكون هناك قدر من الابهام فى نص البند الرابع من تصريح مونترو لاغفاله تعيين التاريخ الذى تحتسب منه مدة خمس سنوات الاقامة غير أن ذلك لا يمنع من الأخذ بالتفسير السابق بيانه وهو الذى جاء بشأنه فى مذكرة السفارة البريطانية أنه لا يمكن القول بأنه تفسير غير جائز كما أنه تفسير ليس فى ظاهره أى تعارض مع نص البند الرابع من تصريح مونترو.
والحكومة المصرية تقر ما جاء فى مذكرة السفارة البريطانية بالبند 4 من أن التفسير الذى يقضى بأن مدة الخمس سنوات المشار اليها هى السابقة مباشرة على تاريخ إثارة النزاع بشأن الاقامة بمصر ومن شأنه منح صفة المقيم إلى أجانب لم تكن لهم بمصر صفة وقت توقيع اتفاق مونترو وهو تفسير لا يمكن قبوله.
وقد جاء فى مذكرة السفارة البريطانية أن الحكومة البريطانية ترى أنه يقصد من البند الرابع من تصريح مونترو أن يمنح إمتياز صفة المقيم بمجرد إكمال مدة الاقامة المحددة إلى الأجانب الذين كانوا فى تاريخ التوقيع على إتفاق مونترو مقيمين فى مصر بموافقة الحكومة المصريه.
والحكومة المصرية توافق على الأخذ بهذا التفسير إلى نهاية مدة الانتقال باعتباره أرفق بهؤلاء الأشخاص. الخ...).
ويلحق بهذه الطائفة أيضاً. ويرد عليهم حق الحكومة المطلق فى إبعادهم طبقاً لقواعد القانون الدولى السالف الاشارة اليها رعايا دول الأعداء السابقين وهى إيطاليا وألمانيا وهنغاريا والنمسا ورومانيا. وفبما يتعلق برعايا إيطاليا فقد سبق أن أشرنا فى كتابنا رقم 82 المؤرخ 17 - 11 - 1946 المرسل لوزارة الخارجية بشأن المذكرتين الواردتين من الوكالة الايطالية بمصر الأولى بطلب إعادة القضاة الايطاليين فى المحاكم المختلطة ودفع مرتباتهم مدة الحرب والثانية بطلب حق الاقامة للأجانب المنصوص عليه فى معاهدة مونترو بالنسبة للرعايا الايطاليين بأن الحكومة المصرية لم تعلن الحرب على إيطاليا ولكنها قامت بتنفيذ الأحكام الواردة فى معاهدة الصداقة والتحالف التى عقدت بينها وبين بريطانيا العظمى بلندن فى 26 أغسطس سنة 1936 وتحقيقاً لذلك قطعت الحكومة المصرية علاقتها مع إيطاليا ونتيجة لذلك قررت الحكومة المصرية فصل القضاة الايطاليين الملحقين بالمحاكم المختلطة طبقاً لمعاهدة مونترو لأنها لم تستطع أن تقبل أن يباشر أى فرد من الرعايا الإيطاليين أية سلطة فى مصر خصوصاً ولاية القضاء بعد قطع علاقتها مع إيطاليا.
وفضلا عن ذلك فقد دخلت القوات الإيطالية الأراضى المصرية وإحتلت فعلا جانباً كبيراً منها بينما قامت الطائرات بشن غارات متوالية على المدن المصرية كان من نتائجها تخريب المدن وقتل السكان.
ويستخلص مما تقدم أنه فى الواقع كانت حالة الحرب قائمة بين مصر وإيطاليا رغم عدم قيام إحدى الدولتين بإعلانها على الأخرى اذ أن إيطاليا باعتدائها على الأراضى المصرية وتوغل جيوشها فيها قد قامت بعمل إيجابى يعتبر فى نظر القانون الدولى عملا من أعمال الحرب.
وغنى من البيان أن قيام حالة الحرب بين الدول يؤثر على المعاهدات القائمة بينها اذ كان المعمول به فيما مضى أن حالة الحرب تلغى جميع المعاهدات لكن الرأى الراجع الآن عند شراح القانون الدولى إيجاد تفرقة بين الأنواع المختلطة من المعاهدات واعتبار أثر الحرب عليها مختلفاً عليها باختلاف هذه الانواع وعلى العموم يمكن القول أنه لا توجد قاعدة دولية ثابتة بشأن أثر الحرب على المعاهدات ما عدا بعض أنواع منها وذلك لإختلاف آراء الشراح وتباين القواعد والاحكام التى أخذت بها المعاهدات التى أبرمت فى القرن التاسع عشر وفى القرن العشرين بقاعدة الغاء الإتفاقات الخاصة بالإمتيازات والحصانات بين الدول التى يقوم بينها الحرب سواء كانت هذه الإتفاقات متعددة الأطراف أو غير متعددة الأطراف.
ولا شك عندى أن الغرض من الإتفاق الذى عقد فى مونترو بتاريخ 8 مايو سنة 1937 بين مصر والدول الموقعة عليه هو إلغاء الإمتيازات فى مصر غير أنه روعى فيه إستبقاء بعض هذه المزايا مؤقتاً فترة من الزمن نهايتها فى 15 أكتوبر سنة 1949 فلذلك نرى أن الحكومة المصرية تستطيع أن تعتبر معاهدة مونترو غير قائمة بينها وبين إيطاليا لان هذا الإتفاق لا يخرج عن نطاق المعاهدات الخاصة بالامتيازات التى تعتبر غير قائمة فى حالة نشوب الحرب طبقاً للعرف الدولى المعمول به كما سبق البيان خصوصا وأنه يعد سنة 1941 إشتدت الغارات الجوية الايطالية على مصر وتوغلت الجيوش الإيطالية فى الاراضى المصرية حتى قربت من الإسكندرية فى شهر يوليه سنة 1942 فكل هذه الاعمال التى تعتبر فى نظر القانون الدولى من أعمال الحرب قد نخطت الحكومة الايطالية مراحل قطع العلاقات مع مصر.
ونود ملاحظة أن وزارة الخارجية سبق أن بحثت هذا الموضوع ورفعت به مذكرة مؤرخة 12 مايو سنة 1946 إلى مجلس الوزراء قد أشير فيها إلى أن الحرب بين دولتين تلغى المعاهدات التى تكون بينهما. وفيما يختص بإيطاليا فان مصر ولو أنها لم تعلن الحرب عليها صراحة غير أنها قطعت العلاقات الدبلوماسية معها وأصابتها إعتداءات حربية من جهتها ولذلك فإن الحكومة المصرية إعتبرت قرارات اتفاقية مونترو ملغاة بالنسبة للإيطاليين فشطبت من المحاكم المختلطة وظائف القضاة الايطاليين وألغت المحاكم القنصلية الإيطالية كما أن الخطابات التى تبودلت فى مونترو بين الوفدين المصرى والايطالى والتى كانت تقوم مقام معاهدة إقامة قد أصبحت هى الاخرى باطلة.
ولذلك فإن الرعايا الإيطاليين لا يمكنهم فيما يختص بالإبعاد الرجوع إلى قرارات مونترو وأصبحوا جميعهم خاضعين للقانون العام.
كما أن للحكومة المصرية أن تمنع كل إيطالى غادر مصر قبل أو فى أوائل الحرب من العودة اليها كما أنها فى معظم الحالات يمكنها تبرير قرارها هذا فى كل حالة على أساس النشاط السياسى لصاحب الشأن.
وقد رفع حضرة صاحب الدولة وزير الداخلية مذكرة إلى مجلس الوزراء ذكر فيها أنه بمناسبة إعادة تنظيم إدارة الجوازات والجنسية شكلت لجنة من حضرات أصحاب السعادة والعزة وكيل وزارة الداخلية ومحافظ الاسكندرية وبحثت جملة مبادئ بعضها يتعلق بإقامة الاجانب فى مصر فأقرت مذكرة قررت اسقاط مزايا معاهدة مونترو بالنسبة لرعايا ايطاليا وهنغاريا والنمسا ورومانيا أسوة بألمانيا وأوصت بالتوسع بقدر الامكان فى إبعاد من لا فائدة منهم من رعايا الاعداء السابقين والتخلص بقدر المستطاع من رعايا الدول المتحالفة أو المحايده الذين اضطرتهم ظروف الحرب للبقاء فى مصر.
وقد وافق مجلس الوزراء على هذه المذكرة بجلسة 30 يوليو سنة 1946 أما بالنسبة للأجانب الخاضعين لقضاء المحاكم المختلطة ولم يكونوا تابعين لإحدى دول الأعداء السالفة الذكر الذين قد اكتسبوا حق الإقامة فى مصر فتلزم الحكومة المصرية فى شأنهم بمراعاة الأحكام الواردة فى البند الرابع من تصريحها فى اتفاق مونترو الخاص بإلغاء الامتيازات فى مصر حتى تنتهى فترة الانتقال المحددة للمحاكم المختلطة سنة 1949. وعلى ذلك فانه لا يمكن للحكومة أن تبعدهم إلا إذا توافرت فى أحدهم الشروط الموضحة فى ذلك التصريح وهى أن يكون قد حكم بإدانته فى جناية أو فى جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس لأكثر من ثلاثة أشهر أو إذا أتى أعمالا من شأنها أن تؤدى إلى الإضطراب أو تخل بالنظام العام أو بالسكينة أو بالآداب أو بالصحة العامة أو إذا كان فقيراً وعالة على الدولة.