المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأي
السنتين الرابعة والخامسة - أكتوبر 1949 - سبتمبر 1951 - صـ 84

(فتوى رقم 161 فى 15 مايو سنة 1950)
(29)

عقود - ذهب - شرط الدفع به - فرنك ذهبى اتفاق تلغراف
أن الفرنك الذهبى مجرد وحده حسابية معروف وزنه وعياره مغاير  للفرنك الفرنسى وشرط الدفع به فى الاتفاقات الخاصة بالتلغراف  يعتبر شرطا صحيح
فى 2 من أغسطس سنة 1914 صدر أمر عال فى شأن السعر الإلزامى لأوراق البنكنوت الصادرة من البنك الأهلى نص فى المادة الأولى منه على ما يأتى: -
"أوراق البنكنوت الصادرة من البنك الأهلى المصرى يكون لها نفس القيمة الفعلية التى للنقود الذهبية المتداولة رسميا فى القطر المصرى.
وعلى ذلك فكل ما يدفع من تلك الأوراق (لأى سبب وبأى مقدار) يكون دفعا صحيحا وموجبا لبراءة الذمة كما لو كان الدفع حاصلا بالعملة الذهبية بصرف النظر عما يخالف ذلك من الشروط والاتفاقات الحاصلة أو التى تحصل بين أصحاب الشأن. وذلك بصفة مؤقتة وإلى أن يصدر أمر جديد".
فهذا النص يقضى بإعطاء أوراق البنكنوت الصادرة من البنك الأهلى سعرا إلزاميا يجعل له نفس القيمة التى للنقود الذهبية المتداولة رسميا فى مصر، ويترتب على ذلك منع اشتراط الوفاء بهذه العملة.
وبالرجوع إلى النظام النقدى الذى كان قائما فى مصر عند صدور هذا الأمر لمعرفة المقصود بالعملة الذهبية المتداولة رسميا فى مصر يتبين أنه كانت هناك عملات كثيرة متداولة فى مصر قبل الاصلاح النقدى الذى لم يتم إلا فى سنة 1885، ففى عهد محمد على باشا الكبير حدد سعر قانونى لتسعة أنواع من العملة الأجنبية ولنوعين كانا موجودين فى مصر من قبل ومن ذلك الريال أبو طاقة والقطعة الفرنسية ذات الخمسة الفرنكات والجنيه الانجليزى والجنيه الذهبى الفرنسى والجنيه التركى وغيرها.
وفى 14 من نوفمبر سنة 1885 صدر مرسوم الاصلاح النقدى (وعدل فى سنة 1887) وهذا المرسوم هو أساس السياسة النقدية مصر، وهو الذى كان ساريا عند صدور الأمر العالى السابق الأشارة اليه فى سنة 1914.
وبموجب هذا المرسوم جعلت وحدة النقود المصرية هى الأجنبية - واستبعدت جميع العملات الأخرى عدا ثلاثة هى الجنيه الانجليزى والوينتو (القطعة الفرنسية ذات العشرين فرنكا) والجنيه التركى - وقد حدد لهذه العملات الثلاثة سعر قانونى
"فعبارة النقود الذهبية المتداولة رسميا فى القطر المصرى" الواردة فى الأمر العالى الصادر فى سنة 1914 تعنى إذن (1) الجنيهات المصرية (2) الجنيهات الانجليزية (3) الفرنكات الفرنسية (4) الجنيهات التركية.
وبمناسبة صدور بعض أحكام من القضاء ذهبت إلى أن الأمر العالى الصادر فى 2 أغسطس سنة 1914 لا يسرى على الاتفاقات ذات الصيغة الدولية وبعض أحكام أخرى ذهبت إلى أن الأمر لا يتعدى حدود الديار المصرية فلا يطبق إلا على أحوال الوفاء داخل القطر، صدر المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935 ناصا فى ديباجته على ما يأتى: -
وبما أن ألحاجة تدعو فيما يتعلق بنظام النقد المصرى إلى تحديد آثار شروط الدفع ذهبا فى العقود التى يكون الإلتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية والتى تكون قد قومت بالجنيهات المصرية أو الإسترلينية أو بنقد أجنبى آخر كان متداولا فى مصر (الفرنك والجنيه التركى).
ثم نصت المادة الأولى على أنه: -
"تبطل شروط الدفع ذهبا فى العقود التى يكون الإلتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية والتى تكون قد قومت بالجنيهات المصرية (أو الاسترلينية أو بنقد أجنبى آخر كان متداولا قانونا فى مصر (الفرنك والجنيه التركى) ولا يترتب عليها أى أثر".
"ولا يجرى هذا الحكم على الإلتزام بالوفاء بمقتضى المعاهدات أو الإتفاقات الخاصة بالبريد أو التلغراف أو التليفون".
والواقع إن الشارع لم يأت فى هذا المرسوم بقانون بأى حكم جديد - كما قال بحق فى المذكرة الإيضاحية - إذ أن نص الأمر العالى الصادر فى سنة 1914 يقضى بأن ما يدفع من تلك الأوراق (لأى سبب كان وبأى مقدار) يكون دفعا صحيحا وموجبا لبراءة الذمة كما لو كان الدفع حاصلا بالعملة الذهبية.
فعبارة "لأى سبب" تشغل الإلتزام الدولى والإلتزام الداخلى فيندرجان تحت حكم هذا النص سواء بسواء، ولكن المشرع أراد إزاء ما قام من خلاف فى التفسير أن "يزيد مقاصدة وضوحا" كما ورد فى المذكرة الإيضاحية فأصدر المرسوم بقانون السابق الإشارة اليه موضحا ومفسرا للأمر العالى الصادر سنة 1914 دون أن يأتى فيه بأى حكم جديد.
فالفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935 إذن ليست استثناء من حكم أبطال التعامل بالنقود الذهبية المتداولة رسميا فى مصر فيما يتعلق بالنقود ذات الصبغة الداخلية وحدها بل من الحكم العام الذى لم تأت الفقرة الأولى من هذه المادة إلا لزيادة مداه وضوحا.
ثم أن عبارة الإتفاقات الخاصة بالبريد أو التلغراف أو التليفون قد وردت بغير تخصيص ومن ثم تشمل الإتفاقات الداخلية.
على أن الواقع أن الأمر العالى الصادر فى سنة 1914 (والمفسر بالمرسوم بقانون رقم 46 لسنة 1935) لا يسرى على المعاهدات والإتفاقات الخاصة بالبريد أو التلغراف أو التليفون بلا حاجة إلى نص خاص، ولم يرد نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون المشار اليه إلا إيضاحا وتوكيدا ككل أحكام هذا المرسوم بقانون.
ذلك أن مدى التشريعين واحد - على ما سبق البيان - إذ هو إبطال شرط الدفع ذهبا فى العقود التى قومت بالجنيهات المصرية أو الاسترلينية أو بنقد أجنبى آخر كان متداولا قانونا فى مصر.
فالبطلان - وهو أثر لإعطاء الأوراق التى يصدرها البنك الأهلى المصرى سعر إلزاميا - مقصور على شروط الوفاء بإحدى العملات المتداولة رسميا فى مصر وهى كما توضح فيما سلف الجنيهات المصرية والجنيهات الانجليزية والفرنكات الفرنسية والجنيهات التركية.
أما شرط الدفع بالذهب فى المعاهدات والاتفاقات الخاصة بالتلغراف والتليفون (معاهدة لندن سنة 1912 ومدريد سنة 1931 مثلا) والإتفاقات المبرمة بين الحكومة المصرية وشركتى ماركونى وايسترن فليس مقوما بالفرنك الفرنسى (الذى كان يعتبر متداولا قانونا فى مصر وتسرى عليه الأحكام السابقة) بل بالفرنك الذهبى الذى هو مجرد وحدة حسابية مبين وزنه وعياره صراحة فى المعاهدات المذكورة (وزنه 10/ 31 من الجرام وعياره عن 900ر0 ومقسم إلى مائة جزء)
وقد ورد ذلك صراحة فى المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون 45 لسنة 1935 حيث قالت:
"ومما تجب ملاحظته أنه فيما يتعلق بالمعاهدات الخاصة بالبريد أو التلغراف أو التليفون التى يشترط فيها الدفع بالفرنك الذهبى أن الفرنك الذهبى فيها (وهو مجرد وحدة للعمليات الحسابية وزنه 10/ 31 من الجرام وعياره من الذهب الخالص 900/ 1000 مغاير للنقود الفرنسية التى يطلق عليها ذلك الاسم وعلى وجه الخصوص مغاير للمسكوكات المستعملة فى بلاد الاتحاد اللاتينى والتى كانت متداولة رسميا فى القطر المصرى، ومع ذلك وتفاديا لكل لبس فى هذا الصدد رؤى من الأفضل أن ينص صراحة على أن القانون الجديد لا يجرى حكمه من حيث بطلان شرط الدفع ذهبا على ما يكون فى المعاهدات والإتفاقات المذكورة من شرط الدفع بالفرنك الذهبى".
ولذلك انتهى رأى القسم إلى أن شرط الدفع بالفرنك الذهب المنصوص عليه فى المادة 12 من الإتفاق المبرم بين الحكومة المصرية وشركتى ماركونى والمادة السادسة من الإتفاق المبرم بين الحكومة وشركة ايسترن هو شرط صحيح.