المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأي
السنتين الرابعة والخامسة - أكتوبر 1949 - سبتمبر 1951 - صـ 205

(فتوى رقم 147 فى 30 يولية سنة 1951)
(81)

مجلس الدولة - تنفيذ أحكامه - المسئولية الشخصية للوزير
أن الوزير الذى يمتنع عن تنفيذ حكم مجلس الدوله يعتبر مسئول شخصيا بصفة أصلية وتعتبر الحكومة مسئولة معه بطريق التضامن بصفة تبعية أو احتياطية.
وقد يتبين من الاطلاع على حكم محكمة القضاء الإدارى أن حضرة صاحب المعالى الوزير كان مختصما فى هذه الدعوى بصفته الشخصية لا بوصفه وزيرا ودفع بعدم مسئوليته عن التعويض بمقولة أن الامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعى قد أملته المصلحة العامة وحدها. فلم يكن ذلك بسبب دوافع شخصية لديه. وقد رفضت المحكمة هذا الدفاع وحكمت على معاليه شخصيا بالتعويض مسببة ذلك بما يأتى:
"ومن حيث لا نزاع فى أن المدعى عليه الثالث كان وقت صدور الحكم فى 5 من مايو سنة 1948 وبعد إعلانه بالتنفيذ فى 14 أغسطس سنة 1948 وحتى أوائل يناير سنة 1950 وزيرا. ولا نزاع أيضا فى أصراره على عدم تنفيذ الحكم المذكور طيلة مدة توليه الوزارة - وذلك رغما من إنذاره بتاريخ 10 من أكتوبر سنة 1948 بوجوب التنفيذ. ولا شك أن موقفه المتقدم ذكره من الحكم ينطوى على مخالفة الشئ المقضى به وهى مخالفة قانونية لمبدأ أساس واصل من الأصول القانونية تمليه الطمأنينة العامة وتقضى به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية استقراراً ثابتا - ولذلك تعتبر المخالفة القانونية فى هذه الحالة خطيرة وجسيمة لما تنطوى عليه من خروج سافر على القوانين فهى عمل غير مشروع ومعاقب عليه بالمادة 123 من قانون العقوبات التى نصت على أن كل موظف استعمل سطوة وظيفته فى توقيف تنفيذ حكم أو أوامر أو طلب من المحكمة أو أى أمر صادر من جهة اختصاصه يعاقب بالعزل والحبس. ومن ثم وجب اعتبار خطا المدعى عليه الثالث (الوزير) خطأ شخصيا يستوجب لمسئوليته عن التعويض المطالب به. ولا يؤثر فى ذلك انتفاء الدوافع الشخصية لديه أو قوله بأنه يبغى من وراء ذلك تحقيق مصلحة عامة وذلك أن تحقيق هذه المصلحة لا يصح أن يكون عن طريق إرتكاب أعمال غير مشروعة".
ثم استطردت المحكمة من ذلك إلى بيان مسئولية الحكومة فقالت أن اقرارها بمسئوليتها عن التعويض لا يرفع عن معالى الوزير مسئوليته ما دام أن وظيفته هى التى مكنته من إرتكاب الخطأ الشخصى أساس التعويض المطالب به فهو يعد بذاته دليلا على وجود خطأ مصلحى تسأل عنه الحكومة. إلى يعد الخطأ الشخصى متى وقع من الموظف أثناء تأدية وظيفته أو بمناسبة تأديتها دليلا على خطأ تسأل عنه الحكومة لإهمالها الرقابة والإشراف على موظفيها.
وواضح من هذا الحكم أن المدين الأصلى بالتعويض المحكوم به هو حضرة صاحب المعالى الوزير شخصيا باعتباره محدث الضرر أما الحكومة فهى مدينة بصفة تبعية أو احتياطية لإهمالها الرقابة والاشراف وهما أساس مسئولية المتبوع عن أفعال تابعة. فاذا دفع المدين الاحتياطى إلى الدائن فهو إنما يدفع عن المدين الأصلى ومن ثم يمكنه الرجوع على هذا الأخير بكل ما دفعه طبقا للمادة 175 من القانون المدنى.
ولا وجه لتحمل الحكومة بدين محكوم به على معالى الوزير بصفته الشخصية كما لا وجه للتحدى بأن الحكومة ومعاليه كانا قد أسسا دفاعهما على أن عدم تنفيذ الحكم كان تنفيذا لسياسة الوزارة لأن هذا الدفاع قد رفضته المحكمة.
لذلك فانه لا مجال للشك فى التزام معالى الوزير شخصيا بمبلغ التعويض المطالب به فاذا كانت الحكومة قد دفعته عنه تعين عليها أن ترجع به عليه ويمكنها فى سبيل الحصول على هذا الدين خصم ربع مرتب معاليه أو معاشه بطريق المقاصه لأن هذا الدين يستحق بسبب يتعلق بأداء وظيفته.