المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأي
السنتين الرابعة والخامسة - أكتوبر 1949 - سبتمبر 1951 - صـ 302

(فتوى رقم 2762 فى 28 - 11 - 1949)
(130)

مجالس بلدية - الغاؤها - مدينة - تعديل حدوده
لا بد من قانون مستقل لإلغاء مجلس بلدى كما يجب  أخذ رأى المجلس البلدى قبل تعديل حدود المدينة.
تقدم اقتراح الى مجلس الشيوخ بضم الجزء الواقع بين شارع الأهرام من بحرى وساقية مكى من قبلى الى تنظيم مصر تحقيقا للعدالة والمساواة بين سكان الجيزة وسكان المناطق المجاورة لها الخاضعة لأحكام التنظيم إذ أن سكان بندر الجيزة يدفعون علاوة على عوائد المساكن رسوما أخرى على المبانى والمحال التجارية والصناعية للمجلس البلدى فى حين أن عمليتى المياه والنور وهما مصدر الربح للمجالس البلدية لا يتولاهما مجلس الجيزة البلدى.
وقد قامت لجنة الأشغال بمجلس الشيوخ ببحث هذا الاقتراح بحضور مندوبى وزارة الأشغال العمومية وإدارة البلديات وعرض تقريرها فى هذا الشأن على مجلس الشيوخ بجلسته المنعقدة فى 26 - 1 - 1948 فوافق عليه ورأى إحالته الى وزارة الأشغال لتنفيذه وإنجاز الإجراءات لضم مدينة الجيزة (لتنظيم القاهرة) وتتبعها فيما يتعلق بأحكام التنظيم الى مصلحة تنظيم مدينة القاهرة.
وقد قامت وزارة الأشغال بالاتصال بوزارة الصحة لاتخاذ القرارات اللازمة للموافقة على إخضاع المنطقة المذكورة لأحكام تنظيم القاهرة بدلا من مجلس بلدى الجيزة - وقد أبلغتها وزارة الصحة موافقتها على ذلك فى 20 من ديسمبر سنة 1948 بعد أن قامت بعرض الموضوع فى 20 - 9 - 1948 على مجلس مديرية الجيزة الذى صادق عليه بجلسته 26 - 9 - 1948.
وقد عرضت وزارة الأشغال الأمر على مجلس الوزراء فوافق عليه بجلسته 13 - 4 - 1948.
ثم جاء أخيرا بكتاب إدارة البلديات أنه بضم المنطقة المذكورة لتنظيم القاهرة لا يبقى شئ من اختصاص مجلس الجيزة البلدى ويقتضى الأمر إلغاؤه وتطلب الافادة عما إذا كان الالغاء يحصل بقرار من وزير الصحة وبناء على أى نص من نصوص القانون رقم 145 لسنة 1944 - وعما إذا كان يكفى لضم هذه المنطقة لتنظيم مصر صدور قرار بذلك من مجلس الوزراء أم لا بد من استصدار مرسوم ملكى بتعديل حدود مدينة القاهرة بحيث تشمل مدينة الجيزة.
وحيث ان كل ما تعرض له القانون رقم 145 لسنة 1944 بنظام المجالس البلدية والقروية هو تحديد المجالس القائمة التى تسرى عليها أحكامه وكيفية إنشاء المجالس الجديدة والجهة التى تملك ذلك والوسيلة التى تتبع فى هذا الصدد كما بين الطريقة القانونية التى يجب اتباعها فى حل المجالس القائمة على أن تجرى انتخابات جديدة إذ نصت المادة (الأولى) من هذا القانون على أن المجالس البلدية التى تسرى عليها أحكام هذا الباب هى (1) المجالس البلدية القائمة الآن ما عدا بلدية الاسكندرية (2) المجالس المحلية والمحلية المختلطة القائمة الآن إلا ما استثنى بقرار من وزير الصحة (3) كل مجلس ينشأ فى بلدة يبلغ سكانها خمسة عشر ألفاً فأكثر إلا ما استثنى بقرار من وزير الصحة العمومية (4) كل مجلس ينشأ فى بلدة يقل سكانها عن خمسة عشر ألفا ويرى وزير الصحة العمومية أن ظروفها تقتضى إنشاء مجلس بلدى فيها وتنشأ المجالس الجديده بقرار من وزير الصحة العمومية يعين فيه دائرة اختصاص كل منها. وقد يتبادر الى الذهن أنه ما دام المجلس البلدى يكتسب وجوده بقرار وزارى فيصح أن يفقد وجوده بالطريقة نفسها إلا أن الشبهة لا تلبث أن تزول بالاطلاع على المادة 59 التى تنص على أنه (يجوز حل المجلس بقرار من مجلس الوزراء بناء على طلب وزير الصحة العمومية ويبين فى القرار أسباب الحل وحينئذ يجب إجراء الانتخابات الجديدة فى مدى ثلاثة أشهر من تاريخ حل المجلس على أنه لا يجوز حل المجلس مرة أخرى لنفس هذه الأسباب).
فالقانون أحاط الحل وهو أقل خطورة من الالغاء بضمانات عديدة منها صدور القرار من مجلس الوزراء لا من الوزير وحده ومنها وجوب تسبيب هذا القرار ومنها عدم تكرار الحل لسبب واحد فمن المحال أن يكون قد قصد الى إلغاء المجالس البلدية بمجرد قرار من الوزير.
وحيث أنه لم يرد بالقانون 145 لسنة 1944 نص خاص بالغاء المجالس والوسيلة القانونية التى تتبع فى هذا الشأن فيجب والحالة هذه تحديد معنى الغاء مجلس بلدى الجيزة. فان كان المقصود بالالغاء هو اعدام الشخص المعنوى ذاته لا مجرد حل الهيئة التى تمثله وهو ما نميل الى القول به فلا بد من معالجة الأمر بقانون مستقل أو بتعديل القانون 145 لسنة 1944 خصوصا اذا روعى الى جانب النصوص السالفة الذكر نص المادة 69 ومفاده ان شئون التنظيم فى الجهات التى بها مجالس بلدية تختص بها هذه المجالس دون غيرها ولا يتأتى مع قيامها سلبها هذا الاختصاص وأصل المسألة مرده إلى أن الدستور اعتبر المديريات والمدن والقرى أشخاصاً معنوية تمثلها مجالس ولا شك فى أن الجيزة مدينة قائمة بذاتها قبل صدور الدستور سنة 1923 بل أنها كانت وما زالت عاصمة مديرية من مديريات الدولة معروفة باسمها.
وتنص المادة 132 من الدستور على ما يأتى: "تعتبر المديريات والمدن والقرى فيما يختص بمباشرة حقوقها أشخاصاً معنوية وفقاً للقانون العام بالشروط التى يقررها القانون وتمثلها مجالس المديريات والمجالس البلدية المختلفة. ويعين القانون حدود اختصاصها" كما تنص المادة 133 من الدستور على ما يأتى: "ترتيب مجالس المديريات والمجالس البلدية على اختلاف أنواعها واختصاصاتها وعلاقتها بجهات الحكومة تبينها القوانين" ويراعى فى هذه القوانين المبادئ الآتية:
أولا: اختيار أعضاء هذه المجالس بطريق الانتخاب إلا فى الحالات الاستثنائية التى يبيح فيها القانون تعيين بعض أعضاء غير منتخبين.
ثانياً: اختصاص هذه المجالس بكل ما يهم أهل المدرية أو المدينة أو الجهة وهذا مع عدم الاخلال بما يجب من اعتماد أعمالها فى الأحوال المبينة فى القوانين وعلى الوجه المقرر بها.
ثالثاً: نشر ميزانيات حساباتها.
رابعاً: علانية الجلسات فى الحدود المقررة بالقانون.
خامساً: تداخل السلطة التشريعية أو التنفيذية لمنع تجاوز هذه المجالس حدود اختصاصها أو أو أضرارها بالمصلحة العامة وإبطال ما يقع من ذلك.
وبمقتضى المادة 132 نرى أن حدود اختصاص المديريات والمدن يجب أن تعين بقانون وهنا يثور فى الذهن تساؤل مزدوج.
1 - هل القانون مقصود به القانون بمعناه الضيق الذى تضعه السلطة التشريعية أم هو القانون بالمعنى الواسع أى النصوص عامة كالمراسيم والقرارات واللوائح.
2 - هل الذى يجب تعيينه بقانون هو حدود الاختصاص الإقليمى أم حدود الاختصاص النوعى أو بعبارة أخرى هل هو حدود اختصاص المديرية والمدينة من ناحية المكان أم حدود اختصاصها من ناحية الوظيفة.
والرأى عندى أن حكمة القانون فى المادتين 132 و133 من الدستور مقصود بها القانون بمعناه الضيق أى القانون الذى تضعه السلطة التشريعية ويبدو ذلك جلياً من استقراء مناقشات لجنة الدستور وأنا لننقل هنا ما دار من مناقشات فى تلك اللجنة بصدد كلمة القانون الواردة فى الفقرة أولا من المادة 133 التى تقول أن اختيار أعضاء هذه المجالس يكون بطريق الانتخاب إلا فى الحالات الاستثنائية التى يبيح فيها القانون تعيين بعض أعضاء غير منتخبين.
فتساءل حضرة على المنزلاوى بك من هم الأعضاء المعينون أى غير المنتخبين الذين أشير إليهم فى العبارة أولا من هذه المادة فأجابه حضرة عبد العزيز فهمى (بك) باشا بأن القاعدة العامة أن يكون أعضاء هذه المجالس منتخبين ولكن النص أجاز للبرلمان أن يضع قوانين ينص فيها على أعضاء معينين.
حضرة توفيق دوس (بك) باشا. وطبعاً هذا لا يكون إلا فى حدود القانون الذى يضعه البرلمان.
ومن هذه المناقشة القصيرة يتبين بجلاء أن المقصود بكلمة القانون فى الفقرة أولا من المادة 133 هى القانون بالمعنى الضيق.
أما كلمة القانون فى المادة 132 فلم تدر بشأنها مناقشات فى لجنة الدستور لسبب بسيط هو أن الذى أضاف الفقرة الأخيرة إلى هذه المادة هو اللجنة الاستشارية التشريعية فيجب والحالة هذه الاسترشاد بالنص الفرنسى الذى صاغت به اللجنة هذه الفقرة. والنص الفرنسى يقول: ويعين القانون حدود اختصاصها.
Leur circonscription est fixée par la loi
وهنا عبرة اللجنة عن المقصود بكلمة "loi" وهى القانون بالمعنى الضيق. ولو أرادت اللجنة القانون بالمعنى الواسع لعبرت مقصودها بكلمة par les textes.
هذا عن السؤال الأول.
أما عن السؤال الثانى وهو المقصود بحدود الاختصاص الواجب تعيينها بقانون هل هى حدود الاختصاص الإقليمى أم حدود الاختصاص النوعى أو بعبارة أخرى هل هى حدود اختصاص المديرية والمدينة من ناحية المكان أم حدود اختصاصها من ناحية الوظيفة.
والرأى الذى نعتنقه أن المقصود فى هذه المادة هو حدود الاختصاص المكانى والدليل على ذلك:
1 - النص الفرنسى للفقرة Leur circonscri ption est fixée par la loi.
2 - أن حدود الاختصاص الخاص بالوظيفة لا يرد ذكره إلا فى صدد الكلام عن الهيئة الممثلة لهذا الشخص المعنوى وهو ما عالجه المشرع ليس فى هذه المادة 122 بل فى المادة الثانية 133.
3 - بمقارنة المادة 132 بالمادة التالية لها وهى 133 نجد أن المشرع تصدى فى مادة 133 لتنظيم اختصاص مجالس المديريات وهذا بلا شك هو الاختصاص النوعى أى الاختصاص من حيث الوظيفة وهذا ما يقطع بأن الاختصاص الذى عناه المشرع فى المادة 132 هو الاختصاص المركزى (المكانى)
وإذا كان ذلك كذلك فإلغاء مجلس بلدى الجيزة الذى هو فى حقيقته اعدام لمدينة الجيزة كوحدة من الوحدات الإقليمية ذات الشخصية المعنوية وإلحاقها بحدود مدينة القاهرة لا يتأتى إلا بقانون ولا يكفى فى هذا الشأن صدور قرار من مجلس الوزراء ولا يقدح فى هذا الفهم ما قد يقال من أن العرف الإدارى قد جرى أن يكون إنشاء المراكز وتعديل حدودها المكانية بقرار وزارى إذ يكفى لدحض هذا الطعن أن الدستور لم يعتبر المركز وحدة إقليمية ذات شخصية معنوية كما هو الحال بالنسبة للمديرية وبالنسبة للمدينة ولذا نجد أن الشارع حين أراد إنشاء مديرية الفؤادية أنشأها بقانون لا بمرسوم ولا بقرار وزارى وتجمل الإشارة هنا إلى أن المادة 11 من القانون توجب أخذ رأى المجلس البلدى مقدماً قبل تغيير حدود المدينة ومعنى ذلك أنه يجب قبل اتخاذ الاجراءات التى أشرنا إليها أن يؤخذ رأى مجلس بلدى الجيزة وبلدية القاهرة فى هذا الشأن.