المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأي
السنتين الرابعة والخامسة - أكتوبر 1949 - سبتمبر 1951 - صـ 745

(فتوى رقم 2274 فى 12 - 5 - 1951)
(323)

موظفون - رد ما دفع بدون وجه حق - الزام مدنى
لا يتعلق بالوظيفه - عدم جواز الحجز على المرتب أو المعاش إذا دفعت الجهة الإدارية لأحد الموظفين مبلغا يزيد عما يستحقه فإنه يلتزم برده وإذا امتنع يعتبر دينا فى ذمته تجرى فى شأنه المطالبة القضائية وهذا الدين لا يتعلق بأداء وظيفته فلا يجوز استيفائه بطريق الحجز على المعاش.
صرفت البلدية لأحد الموظفين السابقين إعانة غلاء بالنسبة إلى معاشه تزيد عن المستحق قانوناً ورأت بعد ذلك خصمه من المعاش فاحتج الموظف السابق مستنداً إلى المادة 7 من لائحة المعاشات الصادرة فى سبتمبر سنة 1930 وطلب وقف الخصم من معاشه.
ونرى بادئ الأمر إنه لا وجه للحجاج بحكم المادة الثانية من لائحة صندوق المعاشات التى تنص على أنه لا يجوز للبلدية ولصاحب الشأن المنازعة فى أى معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ تسلم السركى المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن. إذ ينصرف معناها إلى المنازعة فى أصل المعاش بينما يدور النزاع الحالى حول مجاوزة إعانة الغلاء المقررة بالإضافة إلى أصل المعاش. فالحجز لهذا الأمر لو صح قانوناً لا يرمى إلى المنازعة فى أصل المعاش حتى يجوز التحدى بنص المادة 8 من لائحة صندوق المعاشات.
وينص القانون الصادر فى 26 من فبراير سنة 1890 بالنسبة إلى موظفى ومستخدمى الحكومة والقانون الصادر فى 2 اكتوبر سنة 1918 بالنسبة إلى موظفى ومستخدمى مجالس المديريات والمجالس البلدية والمحلية وبلدية الاسكندرية على عدم جواز الحجز على ماهيات الموظفين وعلى ما يستحقونه من ماهيات إضافية كالمكافأة على أداء عمل إضافى أو بدل السفر إلا إذا كان الحجز وفاء لدين مطلوب للحكومة أو لأحد فروعها على الموظف بسبب يتعلق بأداء الوظيفة أو لدين نفقة محكوم بها من جهة الاختصاص بشرط ألا يزيد ما يحجز من مرتب الموظف الأصلى أو مرتبه الإضافى فى كلتا الحالتين على الربع.
ويحرم القانونان السابقان الحجز على المعاشات وعلى ما يقوم مقام المعاش من مكافأة أو حق فى صندوق التوفير المستحقة للموظفين السابقين أو لورثتهم إلا إذا كان الحجز وفاء لدين مستحق على الموظف بسبب متعلق بأداء الوظيفة أو لدين نفقة محكوم بها من جهة الاختصاص بشرط ألا يزيد القدر الذى يحجز فى هاتين الحالتين على ربع المبالغ المستحقة.
ومن حيث إنه يبين من هذه النصوص أن المبالغ التى يحل الحجز بمقتضاها على مرتب الموظف أو معاشه فى الحدود التى بينها القانون الصادر فى 12 اكتوبر سنة 1918 هى تلك التى تستحق للحكومة أو البلدية بسبب يتعلق بأداء الوظيفة وهذا التعلق بأدائها هو ضرورة قصد بها إلى أن يباح فى دائرتها المحددة هذا الحجز الذى ينفر منه الشارع أشد النفور كما أريد بها أن يحظر الحجز فيما يجاوز هذه الدائرة الضيقة المقصورة على تلك المسئولية التى تنشأ بسبب يتصل اتصالا مباشراً بتأدية الوظيفة لا تلك التى تتولد عن سبب أجنبى عن هذا التعلق أو مجاوز له.
ومن حيث إنه من البداهة أن تسلم الموظف خلال خدمته علاوة غلاء تزيد على المقرر له بمقتضى قرار مجلس الوزراء بجعله ملزما برد ما قبضه من غير وجه حق وهذا الالتزام لم ينشأ عن تقصيره أو تفريطه فيما يتصل اتصالا وثيقا بتأدية وظيفته بالصورة التى ينبغى أن تؤدى بها بل عن سبب أجنبى عن هذا كله هو أنه تسلم من غير وجه حق ودون سبب مبالغ تزيد على ما تخوله إياه القرارات التنظيميه العامة من علاوة غلاء وهذا القبض وإن كانت الوظيفة تحيط به وتلابسه باعتباره قد تم من جانب البلدية خلالها إلا أن كيفية تأدية هو قبضه ليس مستحقا له أصلا بناء على وفاء خاطئ مما يجعله ملزما بالرد وفقا لقواعد الأثراء ونزولا على حكم المادة 181 من القانون المدنى التى تقضى فى بندها الأول بأن كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقا له وجب عليه رده.
(تراجع مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدنى الجزء الثانى ص 448)
وحيث إننا لا نعدم من بين الفقهاء الذين تصدوا للتعليق على مدى تطبيق هذا القانون من يجنح إلى التضييق فى تفسيره لا إلى التوسعة فيه ركونا منهم إلى عدم الانحراف عما تغياه المشرع فنرى المرحوم الدكتور أبو هيف بك يضرب مثلا لما يكون مطلوباً للحكومة أو المجالس البلدية من الموظف بسبب ما يتعلق بأداء الوظيفة حالة الصراف الذى يثبت الجرد تأخير بعض مبالغ فى ذمته.
(أبو هيف بك طرق التنفيذ والتحفظ ص 189 نبذة 306 طبعة 1923)
وهذا التضييق فى التفسير الذى تابعه فيه الكثرة الغالبة من الشراح مرده الى أن الشارع قد تخرج فى إباحة هذا الحجز أشد التحرج فلم يجزه إلا لضرورة ملجئة والضرورة تقدر بقدرها وفى غير اطارها ينتفى مقتضاها التشريعى الذى شرع الحجز من أجله فاذا انتفى هذا المقتضى قام المانع من الحجز وتحقق سبب الحظر المستند إلى دواعيه وما دواعيه الا الرغبة فى حسن سير العمل الحكومى وتأمين القائم عليه والمرحمة بصاحب المعاش والحدب عليه.
(قارن الأستاذ الهلالى باشا "شرح القانون المدنى فى العقود" ص 561 نبذة 785)
(قارن أيضا المرحوم الدكتور أبو هيف بك التنفيذ ص 197 نبذة 319 طبعة 1933 القاهرة)
ومن حيث أن لجوء البلدية الى خصم مستحقاتها من المعاش هو صورة من الحجز تحت يد النفس على معاش لا يجوز الحجز عليه قانونا فى خصوصية الحالة المعروضة بناء على ما أسلفناه من اعتبارات.
ومن حيث انه لا مناص من أن يوصى البلدية بأن تكف فورا عن خصم أى شئ من معاش المذكور لتعارض هذا الإجراء تعارضا صريحا مع النهى الوارد بأحكام القانون رقم 17 لسنة 1918.
وبناء على ما تقدم نرى أن تطلب البلدية رد المبالغ التى تسلمها زيادة على علاوة الغلاء المقررة له - فاذا أصر على عدم ردها فلا مناص من رفع دعوى مدنية على حضرته برد ما دفع اليه بغير حق.