المكتب الفنى - مجموعة مجلس الدولة لفتاوى قسم الرأي
السنتين الرابعة والخامسة - أكتوبر 1949 - سبتمبر 1951 - صـ 913

(فتوى رقم 1646 فى 4/ 9/ 1951)
(406)

قنال السويس. اتفاقية مستخدمون. جنسية مصرية
يجب فيمن يعتبر مستخدما مصرياً بشركة قنال السويس فى حكم اتفاقية 7 مارس سنة 1947 أن يكون مصرياً منذ ولادته أى متصفا بجنسية مصريه أصلية بحق الدم بطريق الميلاد من أب مصرى فى 30 - 6 - 1937 صدر القانون رقم 73 لسنة 1937 بالموافقة على الاتفاقية المبرمة مع الشركة العالمية لقناه السويس البحرية المتضمنة المتبادلة بين الحكومة المصرية بتاريخ 27 - 10 ابريل 1926 و4 مايو سنة 1936 و24 مايو سنة 1937 و14 و16 يونيو 1937.
وقد جاء بكتاب رئيس مجلس الوزراء المؤرخ فى 4 مايو سنة 1936 والموجه إلى جناب رئيس مجلس ادارة الشركه الاشاره إلى قبول الشركه أن تعين تدريجيا فى سلك المستخدمين فى مصر شبانا مصرى المولد més egyptiens بحيث تصل نسبتهم فى سنة 1958 إلى 25 فى المائة من مجموع مستخدمى الشركة... الخ.
وسبق أن أبدى قسم قضايا وزارة الداخلية عند عرض بعض حالات المرشحين للتعيين فى الشركه باعتبارهم مصرى المولد أن مفهوم اللفظ الوارد فى الاتفاق المبرم مع شركة قناه السويس ينصرف إلى من يتصف بالجنسية المصرية منذ ولادته وأكتسبها بحق الدم بطريق هذا الميلاد وكان ذلك بالكتاب رقم 7133 المؤرخ 10 سبتمبر سنه 1941.
إلا أن الحكومه المصريه لاحظت أثناء المفاوضات التى حصلت بين الحكومه والشركة خلال سنه 1949 أن الشركه لم تلتزم هذا النص بل عينت الكثير من المصريين على اعتبار أنهم مصرى المولد وكان ذلك محل ملاحظة من ممثل الحكومة المصرية حيث أشار معالى وزير التجارة والصناعة باعتباره نائبا عن الحكومة المصرية بالجلسة المنعقدة بتاريخ 28 يناير سنة 1947 بمدينة الاسماعيلية بين ممثلى الحكومة وممثلى الشركه ما يأتى:
ذكر معاليه أنه يوجد بالشركة 166 وظيفة يشغل 90 منها عناصر غير مصرية ثم استطرد قائلا بأن عدد الموظفين المصريى المولد الذين يعملون بالشركه لا يبلغون أكثر من 70 موظفاً ويجب على الشركه أن تقوم بتعيين موظفين مصريين المولد.
وقد ذكر ممثل الشركه أنها من الآن فصاعدا ستعمل على توظيف مصريين أصليين طبقا لما ذكره معالى الوزير لأنه فى سنة 1937 لم تكن العناصر المصرية الأصلية متوافرة.
لذلك أصرت الحكومة المصرية على ألا يعتبر مصرياً فى تطبيق أحكام الاتفاقية الجديدة إلا من كان مصرى المولد أى مصرياً صميما بالولادة من أب مصرى أى من انتقلت إليه الجنسية المصرية بحق الدم. ثم أضافت تقيداً جديدا على النص الذى كان وارداً فى اتفاق سنة 1937 يقصد منه استبعاد من يولد لأب مصرى يكون قد اكتسب الجنسية المصرية بالتجنس العادى طبقا للمادة الثامنة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. أو بالتجنس القانونى المشار إليه فى المادة السابعه من ذلك المرسوم بقانون باعتبار أنهم قريبين الصلة بالجنسية الأجنبية والرغبة إنما هى التمصير الحقيقى للوظائف فى هذا المرفق القومى الهام الذى سيؤول إلى الحكومة المصرية خصوصا والمعروف أن الشبان المصريين الذين يعينون حاليا هم من ستكون فى أيديهم الإدارة الرئيسيه لهذا المرفق عند أيلولته للحكومة.
وقد وضع نص المادة السادسة من الاتفاقية الجديدة كما يأتى:
"يجب أن يكون المرشح المصرى مولوداً لأب يعد مصريا بالتطبيق للمواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أو النصوص المعادلة من أى تشريع جديد فى هذا الشأن.
أى يشترط فى المرشح أن يكون مصرى المولد. ولا يكفى مجرد الميلاد لأى أب مصرى بل نص على قيد جديد بأن يكون اكتساب الأب الجنسيه المصرية بناء على مواد معينة بخلاف المادتين الثامنة والسابعة.
كما نص فى المادة الثالثة فقرة ثالثة من اتفاقية 7 مارس سنة 1949 على ما يأتى:
أن تضم اللجنة المشكلة بمعرفة الشركه لفحص ترشيحات المصريين ووضع كشف المرشحين الذين تنتخب منهم إدارة الشركه شخصية مؤهلة تختارها الحكومة.
وقد جاء فى المذكرة الإيضاحيه أن القصد من إيجاد مندوب الحكومة سالف الذكر هو اشتراكه مع الشركه فى استعراض المرشحين للوظائف والمفاضلة بينهم.
كما جاء فى تقرير هيئة لجنتى المالية والتجارة والصناعة بمجلس الشيوخ عن مشروع القانون الخاص بالموافقه على الاتفاق المبرم مع الشركه العالمية لقناة السويس البحرية تحت باب تمصير الشركه "بند الموظفين" ما يأتى:
أنه لوحظ أن من يعدون مصريين بينهم فى الواقع متمصرون ومعظمهم إنما يشغل الدرجات الدنيا فليس من بينهم فى وظائف خارج الدرجة وهى أرقى الوظائف إلا أربعة هم جميعا متمصرون ويقتصرون على الوظائف الإدارية ولا يوجد واحد من المصريين فى الدرجة الأولى وقد قصد فيما يتعلق بالموظفين أن يكون التمصير حقيقاً ومجدياً لا صورياً عديم القيمه فى المستقبل ففتح أمام المصريين باب وظائف الشركه كلها صغيرها وكبيرها فى كل قسم من أقسامها. ونص على اشتراك مندوب من الحكومة مع لجنه من الشركة فى استعراض المرشحين للوظائف والمفاضلة بينهم ووضعت قيود دقيقة فى تحديد الجنسية المصرية.
لذلك فان الإدارة العامة للشركات قد سارت على تطبيق النص الوارد فى المادة السادسة من الاتفاق بما يتفق مع لفظة وروحه عند مراجعة أسماء ومسوغات تعيين المرشحين ممن ترغب الشركه فى استخدامهم داخل النسبة المخصصة للمصريين مشترطه: -
أولا - أن يكون المرشح مصرياً.
ثانياً - أن يكون المرشح مولوداً لأب مصرى أى انتقلت إليه الجنسية المصرية بطريق الدم منذ ولادته.
ثالثاً - أن يكون الأب قد اتصف بالجنسية المصرية بناء على المواد من 1 إلى 5 والمادة 6 (فقرة 1 و2) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929
ولما كانت المواد سالفة الذكر تتناول فى الواقع تحديد جنسية الأشخاص:
أولا - أهالى البلاد الأصليين الذين ينطبق عليهم الأمر العالى الصادر فى 29 يونيو سنة 1900 وهم المشار إليهم فى الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وهؤلاء هم الذين يعتبرون المصريين أصلا فأولادهم يعتبرون مولودين لأب مصرى وتتوافر فيهم الشروط المطلوبة
ثانياً - الرعايا العثمانيين من أصل غير مصرى وتربطهم بمصر رابطة الإقامة بها من نوفمبر سنة 1914 إلى 10 مارس سنة 1929 وهؤلاء ما كان يجوز اعتبارهم أصلا من المصريين لو لم يتساهل المشرع معهم بالنص الخاص الوارد فى الفقرة الثالثة من المادة الأولى من ذات المرسوم بقانون وهؤلاء لم يكتسبوا الجنسية المصرية إلا بناء على نص القانون سالف الذكر وطبقا لنص المادة 18 من ذات المرسوم التى تنص على ما يأتى:
ليس لدخول الجنسية المصرية وفقدها واستردادها أى تأثير فى الماضى ما لم ينص على غير ذلك.
وكذلك الحال فيما يتعلق بإسقاط الجنسية.
ويعتبر إتصاف هؤلاء الأشخاص بالجنسية المصرية مبتدأ من 10 مارس سنة 1929 إذ أنه ليس للدخول فى الجنسية المصرية بحكم القانون أى أثر رجعى خصوصا وأن هؤلاء الأشخاص قبل هذا المرسوم بقانون كانوا معتبرين من غير المصريين. وبالتالى لا يمكن أن يعتبر مولوداً لأب مصرى من اكتسب الجنسية المصرية بحكم هذه الفقرة إلا من يولد بعد هذا التاريخ أى بعد 19 مارس سنة 1929 وبالتالى يكون أولاده البالغين سن الرشد والذين اكتسبوا هم أيضا الجنسية المصرية بناء على هذه الفقرة لمجرد إقامتهم بمصر من نوفمبر 1914 إلى مارس سنة 1929 أو القاصرين الذين اكتسبوا الجنسية بالتبعية لاكتساب آبائهم الجنسية المصرية بهذا النص لمجرد اعتبارهم قاصرين من 19 من مارس سنة 1929 ممن لا ينطبق عليهم التحديد الخاص بالميلاد لاب مصرى إذ أن أباءهم لم يكونوا من المصريين وقت ولادتهم خصوصا وأن هذه الطائفة من العثمانيين قد تشدد التشريع الجديد فى حالاتهم وعلق اكتسابهم الجنسية المصرية على طلب اختيار صريح منهم خلال مدة معينة تالية لنشر القانون.
ثالثاً - الرعايا العثمانيين الذين لم يتوافر فى حالاتهم ركن الاقامة الثابت للطائفة السالفة الذكر والذين يكتسبون الجنسية المصريه بناء على طلب اختيار يقدم منهم فى السنة التالية لتاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وهؤلاء لا يعتبرون من المصريين إلا من تاريخ الاختيار وبالتالى لا يعتبر مصرى المولد من أبنائهم إلا من يولد بعد تاريخ ذلك الاختيار إذ فى هذه الحالة يتوافر فى حالته شرط الميلاد لأب مصرى حيث تنتقل اليه الجنسية المصرية بطريق الميلاد أى يكون قد أتصف بها بناء على حق الدم
على أن شركه قناة السويس قد عادت أخيرا الى عدم التزام نص الماده السادسة سواء من ناحية نصه أو الروح التى أملته، ورأت أنه يكفى أن يكون المرشح حاملا لشهادة جنسية مصريه وأن يكون والده حاملا لتلك الشهاده حتى ولو كان الوالد قد اكتسب الجنسية المصريه بناء على الفقره الثالثة من الماده الاولى أو المادتين الثالثة والرابعة بصرف النظر عن تاريخ ميلاد الابن أى بالتحلل من شرط الميلاد لأب مصرى واهمال المقصود من عباره مصرى المولد أو المولود لأب مصرى ورأت أنه يكفى أن يحصل محلهما مجرد أتصاف الاب بالجنسية المصريه دون حاجة لان تكون الجنسية المصريه قد انتقلت الى المرشح بحق الدم ويستدعى ذلك الاكتفاء بأن يكون المرشح قد اكتسب الجنسية المصريه بناء على حق الاقامة فى مصر أو لمجرد اكتساب والده لهما وكونه كان قاصرا فى ذلك الوقت رغم اعتراض إدارة الشركات على هذا الوضع وهى الهيئة التى تمثل الحكومة فى بحث ترشيحات المصريين بحيث يعود الحال بتطبيقه الى ما كان محلا للشكوى من قيام الشركه بتعيين المتمصرين. الامر الذى كان محل اهتمام الحكومة المصريه وعدم رضائها فى المفاوضات الاخيره كما كان محل عناية لجنة الهيئة التشريعية العليا فى تقريرها من الاتفاقية الاخيره وهو رأى ينفى الحكمة المقصوده من التحديد الدقيق سواء فى النص الوارد فى اتفاقية 1937 ممن اشترط أن يكون المرشح مصرى المولد أو فى النص الوارد فى الماده السادسة من الاتفاقية الأخيره بأن يكون المرشح مولودا لأب مصرى إذ أن الغرض من التحديد الدقيق فى كلاهما لحكمة تنتفى مع اتجاه الشركة الاخير الموضح فيما تقدم.
لذلك طلبت وزاره التجاره والصناعة (الإداره العامة للشركات) إبداء الرأى فى تحديد المقصود من عباره الماده السادسة من اتفاقية 7 مارس سنة 1947 المعقوده بين الحكومة والشركه العالمية لقناه السويس البحرية (ان يكون المرشح مولودا لأب يعد مصريا).
كما طلبت الافادة عن الإجراء الذى يمكن إتخاذه لالزام الشركة بمراعاة تنفيذ حكم المادة السادسة من اتفاقية 7 مارس سنة 1949 وما يمكن اتباعه فى حالة استمرارها فى مخالفته سيما وأن امتحانات الالتحاق بوظائف الشركة تحوى عددا وافرا يزيد على احتياجاتها من المصريين الصميمين - الذين يسرى عليهم حكم المادة السادسة معنى وروحا دون لبس أو غموض - وهم لا شك أولى بالتعيين من المشكوك فى أمر جنسيتهم وأن إدارة الشركات لم توافق على تعيين المصريين الذين لا تتوافر فيهم شروط المادة السادسة ورأت استبعادهم.
وأننا نلاحظ أن مصر وإن كانت تعد فيما مضى من بلاد الدولة العثمانية إلا أنها كانت تتمتع بشخصية سياسية واجتماعية أبرزت للوطن المصرى وضعا مستقلا وأوجدت صفة خاصة للمصرى تميزه عن باقى الرعايا العثمانيين دون أن تكون هناك حاجة الى وضع قانون خاص لخلق هذه الجنسية وقد سبق أن ثار الجدل من قبل حول وجود صفة للمصرى مستقلة عن صفة غيره من العثمانيين عندما حاول بعض العثمانيين من الأصل السورى أو اللبنانى التمتع فى مصر بحقوق المصريين لمجرد إقامتهم بمصر زعما بأنهم جميعا من العثمانيين ورفع الأمر الى محكمة الاستئناف الوطنية فى شأن حقوق الانتخاب وهى الصق الحقوق بالوطنيين وأصدرت فى هذا الأمر حكما هاما بتاريخ 9 يونيو (منشور بجلسة المحاكم السنة التاسعة صحيفة 1643) لتعريف من هو المصرى وجاء فى حيثيات هذا الحكم أنه إذا تتبعت الحوادث التاريخيه والسياسية يرى أن المصرى هو كل من كان مستوطنا مصر حينما أعطيت لها الامتيازات والحقوق التى سبق ذكرها أى الاستقلال الإدارى الذى منح لمصر فى زمن المرحوم محمد على باشا - من غير نظر الى ديانته او الى جنسيته سواء كان من الأهالى الأصليين أو الذين أتوا اليها مع ساكن الجنان المرحوم محمد على باشا لأن مصر لم تكن قبل منح هذه الامتيازات والحقوق لها جنسية خاصة بها غير الجنسية العثمانية لأنها كانت ولاية غير ممتازه خاضعه للدولة العليه مباشرة ولم تنل حكومتها المستقلة الامتيازات المذكورة التى ترتب عليها اختصاصها بجنسيتها الوطنية إلا بطلب المرحوم محمد على باشا ومساعدة من كان متوطنا بمصر فى ذلك الوقت له بالمال والدماء فأعطته الدولة ومن قام معه بهذا الواجب تلك الامتيازات والحقوق المنصوص عليها فى الفرمانات السلطانية وبذلك تكونت لمصر جنسيتها فهؤلاء وذريتهم هم الذين يعدون مصريين دون من عداهم من العثمانيين ولا يمكن اعتبار من توطن بمصر من العثمانيين بعد إعطاء الامتيازات لها مصريا إلا إذا اكتسب الجنسية المصرية.
وحيث إنه وإن كان لا يوجد قانون لاكتساب الجنسية المصرية وفقدها إلا أنه توجد قواعد عمومية متفق عليها بين علماء القوانين المتبعة فى العمل عند جميع الأمم سواء كان عندها قوانين للجنسية أم لا وهذه القواعد هى بالاجمال: -
أولا - إن عدم وجود قانون الجنسية لا ينفى وجودها لأن وجودها يتوقف على وجود الحكومة المستقلة للامة صاحبة الجنسية لأن قوانين الجنسية لم توضع لتقريرها وإنما وضعت لبيان الشروط والاجراءات التى يلزم توفرها واتباعها أو فقده
ثانياً - إن كل إنسان لا بد له من جنسية يتجنس بها عند ولادته وقد اختلفوا فى هذه الجنسية فقال بعضهم أنه يتبع جنسية والديه وقال آخرون أنه يتبع جنسية البلدة التى ولد فيها وجرت الدولة العلية على هذا القول فى المادة الثامنة من قانون تابعية الدولة الصادر فى شوال سنة 1285.
وعلى ضوء المعالم البارزة التى جلاها الحكم السالف الذكر صدر قانون 30 يونيو سنة 1900 واستمد المشرع نصوص هذا القانون من الحكم المذكور معترفا بالحقيقة الواقعة من وجود جنسية مصرية مستقلة عن الرعوية العثمانيه ابتداء سنة 1848 كما أنه فى 9 مايو سنة 1928 وضعت لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب تقريراً عن المرسوم بالقانون الصادر فى 26 مايو سنة 1936 ورأت اللجنة ضرورة اسناد الجنسية المصرية الاصلية إلى الأمر الصادر فى 29 يونيو سنة 1900.
وفى 10 مارس سنة 1929 نشر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 فى شأن الجنسية المصرية مبينا أصولها بصيغة قاطعة معينة فتكلم عن الجنسية المصرية الأصلية وهى تلك الجنسية التى يتصف بها الشخص منذ ولادته وهى مضادة للجنسية المكتسبة. إذ أن هذه الأخيرة عبارة عن جنسية أخرى غير الجنسية التى يتصف بها الشخص وقت ولادته وتعتبر جنسية لاحقة لحقت الشخص فيما بعد لأى سبب من الأسباب وقد أخذ التشريع المصرى الصادر فى سنة 1929 بالمبدأ السليم القائل بإسناد الجنسية المصرية إلى الأمر العالى الصادر فى 30 يونية سنة 1900 وقطع كل شك فى ذلك بإدماج هذا الأمر ذاته فى الفقرة الثانية من المادة الأولى منه باعتبار أن الجنسية الأصلية لا تحتاج إلى تشريع إلا لتنظيمها أما وجودها فمنوط كما أبدى الحكم الصادر من محكمة الاستئناف الوطنية فى سنة 1898 بوجود الأمة ذات الكيان المستقل فالأشخاص المشار إليهم فى الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 هم المثل البارز للاتصاف بالجنسية الأصلية.
وقد اعتبر المشرع بعد ذلك متصفا بالجنسية المصرية طائفة أخرى نص عليها فى الفقرة الثالثة من المادة الأولى وهم العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة فى القطر المصرى فى 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الاقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون وقد اتفق الفقهاء على القول بأن المشرع فى هذه الفقرة قد توسع فى منح الجنسية المصرية فأضفاها على أشخاص غير مصريين أصلا بل هم طائفة كل صلتها بمصر مجرد الإقامة بها من سنة 1914 إلى 1929 ومن المسلم به أن الجنسية المصرية التى تلحقهم فى هذه تعتبر جنسية مصرية مكتسبة إذ ليست هى الجنسية التى لحقتهم من الميلاد خصوصا وأن مجرد الإقامة وحدها على إقليم دولة من الدول لا يكفى وحده لاكتساب جنسيتها وكان ذلك مما دعى شارحو قانون الجنسية المصرية إلى القول بأنه كان من الطبيعى اعتبار تلك الطائفة من الاجانب تحقيقا لعملية الاتصال بين الجنسية المصرية والجنسية العثمانيه القديمه وكان لهذا القول تأثير كبير عند وضح التشريع الحديث للجنسيه بالقانون رقم لسنة 1950 إذ قرر هذا القانون صراحة أن الجنسيه المصريه المكتسبه لا تلحق تلك الطائفة إلا بناء على طلب اختيار يقدم منهم فى مهلة معينة يعتبرون عند فواتها من غير المصريين.
ثم تكلم المشرع بعد ذلك فى المادتين الثالثة والرابعة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 على طائفة أخرى من العثمانيين لم تتوافر فى حالتها ركن الإقامة المستمرة من 5 نوفمبر سنة 1914 إلى 10 مارس سنة 1929 وجعل دخولهم الجنسيه المصرية منوطا بتقديم طلب اختيار تأكيداً لصفتهم الأجنبية عنها.
وقد نصت المادة الخامسة من ذلك المرسوم بقانون على أن دخول الجنسية طبقا للمواد السابقة يشمل الزوجة والأولاد القصر بحكم القانون وقد اتفق شراح تلك المادة على هذا النص ظاهر كل الظهور بالنسبة إلى الأشخاص المتصفين بالجنسية المصريه الأصلية المشار إليهم فى الفقرة الثانية من المادة الأولى باعتبار أن هذه الجنسية تلحق الأولاد بمجرد ولادتهم إذ تنتقل الجنسية المصريه بطريق الدم أما بالنسبة للاشخاص المتصفين بالجنسيه المصريه المكتسبه أى التى لحقتهم فقط بناء على نصوص القانون ولم تكن هى جنسيتهم الأصليه وهم الاشخاص المشار إليهم فى الفقرة الثالثة من المادة الاولى وفى المادتين الثالثة والرابعه فانه من الطبيعى عدم إمكان نقل الجنسيه المصريه إلى أولادهم إلا بنص تشريعى خاص لأن هؤلاء الأولاد كانوا يتصفون عند ولادتهم بجنسية أخرى غير الجنسيه المصريه فكان الواجب لمنح القصر منهم الجنسية المصريه إيجاد حكم تشريعى خاص حتى تلحقهم هم أيضا جنسيه مصريه مكتسبه ولولا هذا النص لما صح اطلاقاً القول باتصافهم بالجنسية المصريه ولذلك أورد المشرع بالنسبه إليهم هذا النص أسوة بالحكم الوارد فى المادة 16 بالنسبه إلى أولاد المتجنسين بالجنسيه المصريه بجامع انصاف كل منهم بجنسيه مصريه مكتسبه لم تكن هى جنسيتهم الأصليه.
أما عن التاريخ الذى تلحق فيه الجنسية المصرية الأشخاص سالفى الذكر فإنه يجب التفرقة بين الجنسية المصرية الاصلية الخاص بمن أشير إليهم فى الفقرة الثانية من المادة الاولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والجنسية المصرية المكتسبة التى لحقت من عداهم بالنسبة إلى الاشخاص المتصفين بالجنسية المصريه الاصليه فإن هذه الجنسية موجودة من أجيال ويمكن إرجاع تنظيمها تشريعيا إلى الأمر العالى الصادر فى 29 يونيه سنة 1900 فهى موجودة على الاقل من ذلك التاريخ وإن كانت طبقا لما يستفاد من نص المادة الاولى من ذلك الأمر العالى ترجع إلى سنة 1848.
أما بالنسبه إلى الجنسية المصريه المكتسبه فان مردها إلى القواعد التى قضت بمنحها وقد نصت المادة 18 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنه 1929 على أنه ليس لدخول الجنسيه المصريه وفقدها واستردادها أى تأثير فى الماضى ما لم ينص على غير ذلك ولما كانت الطوائف العثمانيه المشار إليها فى الفقرة الثالثه من المادة الاولى وفى المادتين الثالثه والرابعه قد اكتسبت الجنسيه المصريه بمقتضى الأحكام الخاصة بهم التى وردت فى ذلك القانون وقد كانت لهم من قبل صفه مستقلة تماما من صفه المصريين فإنه لا يمكن استرداد الجنسية إلى ما قبل 10 مارس سنه 1929 بل إنه بالنسبة إلى من يكتسبون الجنسية المصرية طبقا للمادتين الثالثة والرابعة فان اكتسابهم لهذه الجنسية لا يكون إلا من تاريخ اختيارهم لهذه الجنسية الأمر الذى من الجائز اتمامه خلال سنة من تاريخ نشر المرسوم بقانون سالف الذكر.
وكذلك الحال بالنسبة إلى أولادهم القصر الذين يكتسبون الجنسية المصرية فان تاريخ اكتسابهم لهذه الجنسية يكون ذات التاريخ الذى يكتسب فيه آباؤهم تلك الجنسية.
ولما كانت المادة السادسة من الاتفاقية المبرمة بين الحكومة المصرية والشركه العالمية لقناة السويس البحرية فى 7 مارس سنة 1947 قد نصت على أنه يجب أن يكون المرشح المصرى مولودا لأب يعد مصريا بالتطبيق للمواد من 1 - 5 والمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أو النصوص المعادلة من أى تشريع جديد فى هذا الشأن فاننا نرى أن الثابت من هذا النص أن الاتفاقية تقضى بأن يكون المرشح متصفا بالجنسية المصرية الأصلية دون المكتسبة إذ يجب أن تكون الجنسية المصرية قد لحقته بطريق الدم أى بطريق الميلاد من أب مصرى ويكون الأب قد اتصف بالجنسية المصرية عن طريق أحكام معينة وعلى ضوء هذا التحديد الواضح المعالم يجب بحث حالة المرشحين الذين يجوز تعيينهم باعتبارهم من المصريين وبالتالى فانه لا يكفى إطلاقا لتوافر شروط الاتفاقية أن يكون المرشح حاصلا لشهادة جنسية مصرية وأن يكون والده حاصلا على تلك الشهادة إذ من الجائز أن يكون كلا منهما قد اتصف بالجنسية المصرية المكتسبة بينما أن أعمال النص يقضى أن يكون المرشح متصفاً بالجنسية المصرية الأصلية ويجب بحث جنسية المرشح ذاته فان كان مولوداً لأب يتصف بالجنسية المصرية طبقا لحكم الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنه 1929 اعتبر الشرط الموضح فى الاتفاقية سارياً فى شأنه طالما كان مولودا بعد 29 يونيو سنة 1900 أما من عدا هؤلاء من الذين كانوا من الطوائف العثمانية التى اكتسبت الجنسية المصرية طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من المادة الأولى والمادتين الثالثة والرابعة فلا يمكن القول بتوافر شروط الماده السادسة من الاتفاقية فى شأنهم إلا بالنسبة لمن يولد منهم بعد تاريخ اتصاف والده بالجنسية المصريه حتى يمكن أن ينطبق عليهم شرط الميلاد لأب مصرى وبالتالى فلا يكفى المرشح أن يقدم شهادة بدخوله الجنسيه المصرية طبقا للمادة الخامسه من المرسوم بقانون رقم 19 لسنه 1929 حتى يمكن القول بتوافر شروط الاتفاقيه فى حالته بل يجب بحث سند دخول والده فى الجنسيه المصريه على ضوء الأسس المتقدم بيانها إذ الثابت أنه بالنسبه لمن كان منهم مولودا لأب اكتسب الجنسيه المصريه طبقا للفقرة الثالثة من المادة الأولى أو المادتين الثالثة والرابعه إنما يعتبر مولوداً لأب غير مصرى طالما أنه قد ولد قبل 10 مارس سنة 1929 باعتبار أنه كان قاصرا فى ذلك التاريخ وأنه لم يكتسب الجنسيه المصريه إلا بحكم تشريعى خاص يضفى عليه الجنسية المكتسبة التى لم تكن قطعا جنسيته الأصلية التى لحقته وقت الميلاد.
ولذلك فاننا نرى تأييد ما سارت عليه وزارة التجارة والصناعة فى صدد تطبيق حكم المادة السادسة من الاتفاقية الخاصة بشركة قنال السويس على الوضع المتقدم بيانه
أما عن الإجراء الذى يمكن اتخاذه لإلزام الشركه بمراعاة تنفيذ حكم المادة السادسة من اتفاقية 7 مارس سنة 1947 السالفة الذكر فانه من المسلم به أن قناه السويس تعتبر أكبر مرفق عام حيوى بالنسبة إلى مصر وامتياز الشركه الخاص بإدارة هذا المرفق الذى قارب الانتهاء يجعلها ملتزمة بالشروط التى رأت الحكومة المصرية وضعها لتمصير إدارة الشركة تمصيراً حقيقيا للمبرر الهام الذى أوضحته الوزارة فى كتابها وهو أنه من المعروف أن الشبان المصريين الذين يعينون حاليا هم من ستكون فى أيديهم الإدارة الرئيسية لهذا المرفق عند أيلولته للحكومة.
وأننا نلاحظ أن قيام الشركة بمخالفة حكم المادة السادسة من اتفاقية سنة 1947 يعتبر إخلالا خطيرا بأحكام تلك الاتفاقية ونظرا لمساس هذا الإخلال بأمر جوهرى فى نظر الحكومة المصرية لأن اشتراطات تلك المادة مقصودة لذاتها لحكمة هامة فى شأن هذا المرفق العام فان مثل هذا الاخلال قد يمكن أن يصل إلى مرتبة الإخلال بشرط صادر من السلطة المانحة للامتياز فى كيفية إدارته مما قد يدعو إلى إعادة النظر فى شأن الامتياز ذاته خصوصا إذا لاحظنا أنه لا يمكن للشركة الادعاء بحق الانفراد بالبت فى هذا الأمر بعد أن تبين ما فى مضمون تلك الاتفاقية من وجوب اشتراك مندوب من الحكومة مع لجنة من الشركه فى استعراض المرشحين للوظائف والمفاضلة بينهم الأمر الذى أوضحته صراحة لجنتى الماليه والتجارة والصناعة بمجلس الشيوخ كما أنه مما يزيد فى خطورة موقف الشركة ما أوضحته إدارة الشركات بوزارة التجارة والصناعة - التى يعتبر مديرها العام مندوب الحكومة فى لجنة المرشحين - من أن كشف المرشحين الذين نجحوا فى امتحانات الالتحاق بوظائف الشركة يحوى عددا وافرا يزيد على احتياجاتها من المصريين الصميمين (أى المتصفين بالجنسية المصرية الأصلية) الذين يسرى عليهم حكم المادة السادسة معنى وروحا دون لبس أو غموض وأنها لم توافق على تعيين هؤلاء الذين تريد الشركة تعيينهم بالمخالفة لحكم المادة السادسة.
ولذلك فإننا نرى أن تقف وزارة التجارة والصناعة - التى تنوب عن الحكومة المصرية فى مراعاة تنفيذ الاتفاقية الخاصة لشركة قنال السويس - من هذا الأمر موقفاً حازماً فيرسل معالى وزيرها إلى الشركة كتابا يلفت فيه نظرها إلى ما فى موقفها من إخلال بحكم اتفاقية سنة 1947 وإلى الإثارة الخطيرة التى يمكن أن تترتب عليه ويطلب منها تأكيدا صريحا بمراعاة أحكامها فيما يتعلق بتعيين المصريين.