مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى قسم الرأي
السنة الثامنة والنصف الأول من السنة التاسعة (من أول أكتوبر سنة 1953 إلى آخر مارس سنة 1955) - صـ 21

(فتوى رقم 26 في 17 من يناير سنة 1954)
(16)

حكم - صادر من القضاء الإداري بإلغاء قرار ترقية فيما تضمنه من حرمان المدعي أو تركه أو تخطيه - كيفية تنفيذه.
إنه وإن كانت القاعدة الأصلية أن الأثر اللازم لإلغاء القرار هو اعتباره كأن لم يكن، ووجوب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدوره، ومن ثم اعتبار الترقية المحكوم بإلغائها كأن لم تكن - إلا أن القضاء في فرنسا قد استقر منذ زمن بعيد على التخفيف من هذا الأثر بالنسبة إلى الترقيات التي يتبين للمحكمة أنها صحيحة في ذاتها لتوافر الشروط التي يستلزمها القانون للترقية، إلا أن الإدارة تكون قد تجاوزت سلطتها بعدم ترقية المدعي، ففي هذه الأحوال يكون القرار الإيجابي الصادر بالترقية سليماً من الناحية القانونية. إلا أنه يكون في الوقت عينه قد انطوى على قرار سلبي بالامتناع عن ترقية المدعي، وهذا القرار السلبي هو الذي يتكشف للمحكمة بطلانه لمخالفة القانون، أو لإساءة استعمال السلطة؛ ولهذا فهي تحكم بإلغاء القرار الصادر بالترقية فيما تضمنه من ترك المدعي أو حرمانه من الترقية. وهذا ما يسمونه في فرنسا بالإلغاء النسبي annulation relative ولا يعدو الأثر اللازم لمثل هذا الإلغاء عدم الاحتجاج بالقرار المحكوم بإلغائه على المدعي لانطوائه على إهدار لحقه، مما حدا ببعض الفقهاء في فرنسا إلى أن يقترح العدول عن الصيغة التي درج عليها مجلس الدولة في هذا النوع من الإلغاء، وهي الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من إضرار بالمدعي إلى صيغة أخرى أدق في الدلالة على المعنى المقصود، وهي إلغاء امتناع الإدارة عن ترقية المدعي؛ ومن ثم فإن هذا النوع من الإلغاء لا يستتبع بذاته أن يلغى فعلاً القرار الصادر بالترقية ما دام تجاوز الإدارة سلطتها في ذلك القرار محصوراً في إنكارها لحق المدعي مما يترتب عليه أن يكتفي - كلما أمكن ذلك - بتصحيح وضع المحكوم له مع الإبقاء على الترقية المطعون فيها. وتطبيقاً لما تقدم فإنه إذا كان المدعي قد رقي أثناء نظر الدعوى، فإن كل ما يجب على الإدارة عمله - تنفيذاً للحكم - هو رد أقدميته في الدرجة المرقى إليها إلى تاريخ صدور القرار المحكوم بإلغائه، كما أنه إذا وجدت عند تنفيذ الحكم درجة خالية فإن المحكوم له يرقى عليها ترقية منسحبة إلى ذلك التاريخ. أما إذا لم توجد درجة خالية فلا يكون هناك مفر من الإلغاء لإيجاد درجة يرقى عليها المحكوم له.
على أن هناك فروضاً تكون فيها ترقية موظف معين ممن شملهم القرار المطعون فيه، معيبة من الناحية القانونية، وتكشف المحكمة عن هذا العيب في أسباب حكمها، وقد لا يكون هذا الموظف هو آخر من رقي ثم تحكم المحكمة بإلغاء القرار فيما تضمنه من ترك المدعي. ومثال ذلك أن يشمل القرار ترقية موظف لا تتوافر فيه الشروط القانونية، كأن لا يكون حاصلاً على درجة جيد في نسبة الاختيار، أو درجة متوسط على الأقل في نسبة الأقدمية، ولا يكون هذا الموظف هو آخر من شملهم القرار، ففي مثل هذه الحالة يكون تنفيذ الحكم بإلغاء ترقية هذا الموظف بالذات. وإذا كان آخر من رقي بالقرار المطعون فيه قد نقل إلى وزارة أو مصلحة أخرى، أو كان قد رقي إلى درجة أعلى، فإن مثل هذا الثقل أو الترقية إلى درجة أعلى إذا لم يترتب على أيهما إخلاء الدرجة التي كان يشغلها هذا الموظف والتي هي محل الطعن واستمرارها شاغرة إلى وقت تنفيذ الحكم، لا يغني عن وجوب الإلغاء الفعلي لإيجاد درجة يرقى عليها المحكوم له؛ ذلك لأنه إذا كانت الدرجة التي كان يشغلها آخر من رقي بالقرار المطعون فيه قد شغلت مرة أخرى بعد نقله أو ترقيته إلى درجة أعلى ولم تكن هناك درجات أخرى خالية عند التنفيذ، فإنه يتعين على الإدارة إلغاء القرار الصادر بشغل هذه الدرجة، ثم ترقية المحكوم له عليها ترقية منسحبة إلى تاريخ القرار الملغى. على أنه إذا حكم بإلغاء ترقية موظف معين، وألغيت هذه الترقية فعلاً، فإن هذا لا يستتبع ترقية من حكم لصالحه بدلاً منه؛ ذلك لأنه لما كان يجوز رفع دعوى الإلغاء من كل ذي مصلحة فإن الحكم بالإلغاء لا يكون مؤسساً في جميع الأحوال على إهدار حق المدعي، بل يجوز أن يكون قبول الدعوى راجعاً إلى وجود مصلحة للمدعي في إلغاء القرار، وإن لم يمس هذا القرار حقاً ثابتاً له، وفي هذه الحالة يكون سبب إلغاء القرار المطعون فيه هو مخالفة الشكل، أو قواعد الاختصاص، أو غير ذلك من الأسباب التي لا تتعلق بالمدعي شخصياً؛ ومن ثم فإن تنفيذ الحكم في مثل هذه الحالة لا يستلزم ترقية المحكوم له دون غيره، بل يلغي الترقية المحكوم بإلغائها ويعود الموقف كما كان قبل صدور القرار، لتنظر جهة الإدارة من جديد في الترقية بمراعاة القواعد التي كان معمولاً بها في ذلك الوقت.