مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى قسم الرأي
السنة الثامنة والنصف الأول من السنة التاسعة (من أول أكتوبر سنة 1953 إلى آخر مارس سنة 1955) - صـ 108

(فتوى رقم 6151 في 9 من أكتوبر سنة 1954)
(87)

حكم - الحكم بحبس المدين الممتنع عن أداء النفقة المقررة عليه - لا يعتبر عملاً ولائياً بل حكماً قضائياً - أساس ذلك - المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - أثر ذلك - قابلية هذا الحكم للطعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف - عدم جواز تنفيذه قبل استنفاد طرق الطعن أو فوات مواعيدها.
يستفاد من نص المادة 347 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، أن القاضي في دعوى الامتناع عن أداء النفقة يفصل في خصومة بين المحكوم له بالنفقة والمحكوم عليه بها بعد تحقيق أدلة الدعوى والتحق من يسار المحكوم عليه. والفصل في الدعوى ينتهي بالرفض أو بإصدار عقوبة مقيدة للحرية وهي الحبس، وقد عبر الشارع عن عمل القاضي الصادر في الدعوى بلفظ "الحكم". ومتى أسبغ الشارع على عمل القاضي صفة الحكم، وقضى هذا الحكم في خصومة فإن هذا الحكم يكون قد صدر عن وظيفة القاضي الأساسية وهي الوظيفة القضائية، ولم يصدر عن تصرف ولائي. والأصل في العمل القضائي الصادر من القاضي بحكم وظيفته القضائية أن تجرى عليه القواعد العامة المتعلقة بالإجراءات، فيكون للخصم المحكوم عليه حق الطعن فيه, وذلك على خلاف الأعمال الولائية، فلا يطعن الطالب فيها وإنما يجوز له التظلم منها بطرق خاصة. ومثل هذا ما نصت عليه المادة 361 من ذات المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 من أن تحقيق الوفاة أو الوراثة على وجه ما ذكر يكون حجة في هذا الخصوص ما لم يصدر حكم شرعي بإخراج بعض الورثة وإدخال آخرين. وسواء كان ضابط التفرقة بين الحكم القضائي والعمل الولائي طبيعة الإجراءات التي تتبع في كل منهما، أو طبيعة الموضوع الذي يصدر فيه أمر القاضي، فعلى أي الضابطين تعتبر الأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية بالحبس نتيجة امتناع المحكوم عليه من أداء النفقة مع قدرته عليها أحكاماً صادرة عن الوظيفة القضائية للقاضي وليست مجرد تصرفات ولائية، لأنها تفصل في حق المقرر لصالحه النفقة في استصدار حكم بحبس المدين بها إجباراً له على أدائها بعد سماع أقوال الطرفين وفحص أدلتهما. ومن ثم لا يتيسر القول بأن هذه الأحكام لا تقبل الطعن فيها بالمعارضة أو الاستئناف. ولا يغير في هذا الخصوص من الأمر شيئاً أن تكون دعوى الحبس محققة لأثر الحكم الصادر بالنفقة، إذ هي - على أي حال - ترفع إلى المحكمة الجزئية التي أصدرت حكم النفقة أو التي بدائرتها محل التنفيذ على الوجه المبين بالمادة 347 بدعوى مبتدأة مستقلة في موضوعها عن موضوع الحكم الصادر بتقرير النفقة. والحبس في مواد النفقات وإن قصد به التخويف والحمل على الأداء فهو من ناحية أخرى عقوبة مقيدة للحرية قصد بها الزجر، والعقوبة لا تصدر من القاضي بصفتها من الأعمال الولائية. ويؤيد هذا المعنى ما استحدثه الشارع في قانون العقوبات عند تعديل هذا القانون عام 1937 ففرض في المادة 293 عقوبة الجنحة على كل من يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ صادر بالنفقة مع قدرته عليه مدة ثلاثة أشهر بعد التنبيه عليه بالدفع. ولرفع التعارض بين حكم المادة 347 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وبين نص المادة 293 من قانون العقوبات صدر المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 الذي يقضي بعدم جواز تطبيق نص هذه المادة إلا بعد استنفاد الإجراءات المتبعة في المادة 347 سالف الذكر. ونصت المادة الثالثة من نفس المرسوم بقانون على استنزال مدة الحبس المحكوم بها تطبيقاً لحكم المادة 347 من مدة الحبس المحكوم بها وفقاً للمادة 293 من قانون العقوبات، الأمر الذي يؤكد أن الحكم الصادر من القاضي الشرعي بحبس المحكوم عليه بالنفقة هو حكم يتضمن عقوبة مقيدة للحرية ولا يصح لذلك اعتباره عملاً ولائياً. ولا يجدي القول بأن حق وزير العدل في تنظيم إجراءات الحبس مستمد من نص المادة 381 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 سالف الذكر، الذي خول له سن لائحة بإجراءات تنفيذ أحكام هذا المرسوم بقانون - لا يجدي القول بذلك لأن تعليمات الحبس صدرت بالمنشور رقم 963 لسنة 1911 في حين أن الحق المخول لوزير العدل بمقتضى المادة 381 لم ينشأ إلا في عام 1931 بصدور المرسوم بقانون آنف الذكر. وبمقتضى هذا الحق أصدر وزير العدل قراراً في 19 من يوليو سنة 1934 مستنداً إلى المادة 381 يقضي باستمرار العمل بلائحة الإجراءات وتنفيذ أحكام المحاكم الشرعية الصادرة في 4 من إبريل سنة 1902، وليس في هذه اللائحة الأخيرة ما يمس الأحكام الصادرة بحبس المحكوم عليه بالنفقة. أما ما ساقته وزارة العدل من أن الذي دعا إلى إصدار هذه التعليمات هو أن طلبات التنفيذ بالحبس ملحوظ فيها صفة الاستعجال للحصول على النفقة التي هي القوت الضروري، فإن علاج ذلك لا يكون بتعليمات إدارية لا سند لها من القانون كما لا يصح بقرار من وزير العدل أن تمنع إجراءات الطعن في الحبس استناداً إلى الحق المخول له في المادة 381 السالف ذكرها، لأن قرار وزير العدل يعتبر منشئاً لحكم جديد يتعارض مع نص المادة 344 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 التي تقضي بأن الأحكام الصادرة من أول درجة لا يجوز تنفيذها إلا بعد مضي ميعاد الاستئناف، ما لم يكن التنفيذ المؤقت مأموراً به في الحكم أو منصوصاً عليه في هذه اللائحة.
ويخلص من كل ما تقدم، أن الأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية بحبس المدين لامتناعه عن أداء نفقة مقررة مع قدرته على ذلك قابلة للطعن بالمعارضة أو الاستئناف. ولا يجوز تنفيذها قبل صيرورتها نهائية باستنفاد طرق الطعن فيها أو بفوات مواعيدها.