مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى قسم الرأي
السنة الثامنة والنصف الأول من السنة التاسعة (من أول أكتوبر سنة 1953 إلى آخر مارس سنة 1955) - صـ 122

(فتوى رقم 412 في 7 من ديسمبر سنة 1954)
(100)

شهر عقاري - أكل البحر - الحق في التعويض عنه بالحصول على جزء من طرح البحر - يعتبر حقاً شخصياً - عدم وروده ضمن الحقوق الشخصية الواجب شهرها - عدم جواز شهر التصرفات التي ترد عليه.
إن مواد القانون رقم 73 لسنة 1953 الخاص بطرح النهر قد جرت على تعريف حق أصحاب أكل النهر من طرحه بأنه تعويض. وقد نظم القانون وسائل هذا التعويض وذلك بتوزيع طرح النهر الذي يظهر على أصحاب أكل النهر طبقاً لما يقرره وزير المالية والاقتصاد وبالتفصيل الوارد في نصوص القانون ويكون سند ملكيتهم لهذا الطرح هو قرار وزير المالية والاقتصاد بعد تسجيله. ولا مشاحة في أن حق صاحب أكل النهر على العقار المتآكل قبل أن يأكله النهر هو حق عيني وذلك يصدق على حق صاحب الأكل بعد تعويضه وصدور قرار وزير المالية بالتوزيع. والأمر مختلف بالنسبة إلى حق صاحب الأكل في الفترة بين تاريخ أكل النهر لأرضه وتاريخ ظهور طرح النهر وصدور قرار وزير المالية بتوزيع هذا الطرح، أي في الفترة التي لا تكون هناك أرض يمكن أن يباشر صاحب أكل النهر عليها عملاً مادياً مما يخوله إياه القانون من انتفاع واستغلال. ولا يكون له سوى مجرد حق في التعويض قبل الحكومة لما أكله النهر من أرضه بآخر مما طرحه النهر أو يطرحه. وعناصر الحق العيني لا تتوافر في حق صاحب أكل النهر فليس هناك شيء معين يمكن أن يباشر عليه صاحب الحق سلطانه من استعمال واستغلال وتصرف، والعكس هو الصحيح، أي أن هذا الحق هو من قبيل الحقوق الشخصية؛ إذ ألزم القانون أصحاب أكل النهر أن يلجأوا إلى السلطة الإدارية لتعويضهم عن أكل النهر في مواعيد حددها. وبدهي أن لصاحب هذا الحق أن يلجأ إلى القضاء لإثبات حقه في التعويض إذا أخلت بهذا الحق السلطة الإدارية، فصاحب حق التعويض عن أكل النهر إذن يلجأ إلى جهة الإدارة أو إلى القضاء للحصول على هذا الحق، بينما يلجأ صاحب الحق العيني إلى القضاء للمطالبة بحماية هذا الحق. وفرق بين طلب الحق أصلاً وبين طلب حمايته؛ إذ أن صاحب الحق العيني هو صاحب سلطة يلزم الكافة بتركه يباشرها دون مزاحم، أما صاحب الحق الشخصي فليس من سبيل إلى إمكان الحصول عليه إلا برضا من الطرف الآخر أو جبراً عنه عند الامتناع، وهذا هو سبيل صاحب أكل النهر في الحصول على حقه في طرح النهر. وليس صحيحاً ما قيل من أن حق صاحب أكل النهر هو حق شخصي حالاً عيني مآلاً بمقولة إن هذا الحق لا بد وأن ينتهي إلى تعويض صاحب الحق بعقار آخر من طرح النهر، ذلك أن المادة 11 من القانون رقم 73 لسنة 1953 الخاص بطرح النهر وأكله تقضي بأنه "إذا خصص للمنافع العامة طرح نهر كان مستحق التوزيع عوض أصحاب أكل النهر عما كانوا يستحقونه من ذلك الطرح وفقاً لقواعد التعويض المنصوص عليها في قانون نزع الملكية للمنافع العامة". ومعنى ذلك أن طرح النهر الذي يظهر والذي يستحق تعويضاً لأصحاب أكل النهر قد ينقلب إلى حق في التعويض المالي فقط إذا خصص هذا الطرح للمنفعة العامة. وفي هذه الحالة لا يئول حق صاحب أكل النهر إلى حق عيني عقاري وإنما قد يكون التعويض مآلا. وكذلك يمكن الوصول إلى هذا الوضع إذا ما افترضنا صدور قرار وزير المالية مجحفاً لأحد أصحاب أكل النهر سواء بتعويضه بأقل مما يستحق أو بعدم تعويضه أصلاً؛ فإن التجائه إلى القضاء لا يمنح إلا حقاً في التعويض المالي إذا ما سجل أصحاب الطرح قرار توزيعه عليهم وتعذر بذلك استرداده منهم بعد استقراره في ملكهم. ويزيد الأمر إيضاحاً أن القانون رقم 48 لسنة 1932 الخاص بطرح النهر وأكله الذي حل محله القانون رقم 73 لسنة 1953 كان يقضي بعدم توزيع طرح البحر إذ مضت عليه خمس سنوات دون توزيع. فإذا وضعت تلك القاعدة إلى جانب القاعدة التي كان معمولاً بها في اللائحة السعيدية التي تنظم طرح النهر والصادرة في سنة 1858 وهي أن تعويض أكل النهر لا يوزع من الطرح السابق لحدوث الأكل أمكن القول بأنه قد لا يترتب على أكل النهر تعويض أصلاً.
وفيما يتعلق بقانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 فإن هذا القانون يلزم أصحاب الشأن المتقدمين لشهر تصرفات عقارية أن يقدموا ضمن سندات أملاكهم (المادة 71 فقرة ثالثة) البيانات اللازمة والمفيدة في تعيين العقار، وعلى الأخص بيان موقعه ومساحته وحدوده، فإن كان من الأراضي الزراعية وجب ذكر اسم الناحية والحوض ورقم القطعة، أي البيانات الكافية والنافية لكل جهالة. وأكل النهر لا يمكن أن يكون محلاً لهذه البيانات لأنه معدوم، ولا يمكن القول بأنه يمكن إيضاح هذه البيانات من السجلات؛ إذ أن قصد الشارع من النص على وجوب تقديم تلك البيانات هو إمكان مطابقتها على الطبيعة إذا لزم الأمر، وهذا أمر مستحيل في الحالة المعروضة. ولما كانت الحقوق الشخصية الواجبة الشهر طبقاً لهذا القانون قد وردت فيه على سبيل الحصر، ولم يرد من بينها حق التعويض من أكل النهر؛ فمن ثم يتعين اعتبار ذلك الحق من الحقوق الشخصية التي لم يوجب القانون شهرها.