مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى قسم الرأى
السنة الثامنة والنصف الأول من السنة التاسعة (من أول أكتوبر سنة 1953 إلى آخر مارس سنة 1955) - صـ 275

(فتوى 3721 فى 24 من يونية سنة 1954)
(250)

دعوى - سقوطها - المادة 104 من القانون التجارى التى توجب فى خلال مدة معينة رفع الدعوى على الوكيل بالعمولة وأمين النقل بسبب التأخير فى نقل البضاعة أو بسبب ضياعها أو تلفها - تعارض هذا النص مع تعريفه البضائع - وجوب الاعتداد بنص المادة 104 - أساس ذلك.
تنص المادة 104 من القانون التجارى على أن كل دعوى على الوكيل بالعمولة وعلى أمين النقل بسبب التأخير فى نقل البضائع أو بسبب ضياعها أو تلفها تسقط بمضى مائة وثمانين يوما فيما يختص بالإرساليات التى تحصل فى داخل القطر المصرى، وبمضى سنة واحدة فيما يختص بالإرساليات التى تحصل للبلاد الأجنبية، ويبتدئ الميعاد المذكور فى حالة التأخير أو الضياع من اليوم الذى وجب فيه نقل البضائع، وفى حالة التلف من يوم تسليمها، وذلك مع عدم صرف النظر عما يوجد من الغش أو الخيانة. وتنص الفقرة السادسة من البند السادس والعشرين من تعريفة البضائع على أن كل مطالبة عن دفع تعويض عن أى فقد أو تلف يجب أن تقدم من صاحب الشأن شخصياً....... وفى ميعاد قدره 180 يوما من تاريخ بوليصة الرسالة وإلا سقط حقه فى المطالبة لانقضاء الميعاد.
ومن استقراء النصين المتقدمين يبين لأول وهلة أن تعريفة البضائع قد خالفت حكم المادة 104 من القانون التجارى وتعارضت معه صراحة بالنسبة للمطالبة فى حالة التلف، مما يقتضى تساؤلا عن طبيعة حكم المادة 104 ومدى ما يتسم به من إلزام، وما إذا كان هو المتعين الإعمال أم نص الفقرة السادسة من البند 26 من التعريفة.
صدرت التعريفة بمقتضى القرار الوزارى رقم 6 لسنة 1930 وهى أساس التعاقد بين الجمهور والمصلحة، باعتبار أن الراسل إنما يتعاقد مع المصلحة وفقاً للقوانين والتعاريف المعمول بها وهو يوقع بما يفيد ذلك عند إبرام عقد النقل. والتعريفة - باعتبارها قرارا وزارياً - لا تعدل قانوناً، ولا يجوز بحال أن يتغير حكم المادة 104 من القانون التجارى بقرار وزارى إذ لا يعدل القانون إلا بقانون. وهى أى التعريفة باعتبارها القانون الاتفاقى للمتعاقدين تثير بحثاً فيما إذا كان يجوز للمتعاقدين أن يتفقاً على مدة مخالفة للمدة المنصوص عليها فى القانون وقيمة هذا الاتفاق عند حصوله.
لا جدال فى أن المدة المنصوص عليها فى المادة 104 من القانون التجارى هى مدة سقوط، وقد حرص المشرع على بيان طبيعتها هذه إذ استعمل لفظ تسقط "كل دعوى.... تسقط بمضى....". ومن المتفق عليه أن مدد السقوط حاسمة لا تقبل تعديلا بحال، ولئن كان البعض قد أجاز الاتفاق على إطالتها إلا أنه يمتنع بإجماع الرأى تقصيرها، ومهما يكن من أمر فإنه حتى بفرض الأخذ بالرأى القائل بأن هذه المدة مدة تقادم فإن الحكم لن يتغير إذ نص القانون المدنى على عدم جواز الاتفاق على أن يتم التقادم فى مدة تختلف عن المدة التى عينها القانون.
ويخلص مما تقدم أن المادة 104 من القانون التجارى لها طابعها الإلزامى ولا يجوز الفكاك من حكمها وتقصير المدة المنصوص عليها فيها، وأى اتفاق مؤداه ذلك لغو متعين الإهمال. وحكم هذه المادة من الوضوح بمكان بالنسبة لحالة التلف إذ يبدأ حساب المدة من يوم تسليم البضاعة، على أنه يحتاج إلى تفصيل لا مغنى عنه بالنسبة لحالتى الضياع والتأخير؛ إذ يتعين البحث عن مقصود الشارع بما يقرره "ويبتدئ الميعاد المذكور فى حالة التأخير والضياع من اليوم الذى وجب فيه نقل البضائع....".
وهذه المادة تجد لها أصلا تاريخيا فى المادة 108 من القانون التجارى الفرنسى فقد كانت تنص على أن تحسب المدة فى حالة الفقد من التاريخ الذى وجب فيه نقل البضائع. والصياغة الأولى للمادة 108 فرنسى كانت تقرر أن يبدأ سريان المدة من تاريخ بوليصة الشحن ثم عدل عن هذا الرأى وتقرر حساب المدة من اليوم الذى وجب فيه نقل البضائع. وفى ذلك ما يوضح أن المشرع إنما يعنى بالتاريخ الذى وجب فيه نقل البضائع أمرا آخر غير تاريخ بوليصة الرسالة وإلا كان قد أبقى المادة على صياغتها الأولى. والواقع أن اليوم الذى يجب فيه نقل البضائع هو اليوم الذى يستطيع فيه أمين النقل تصديرها بالفعل وتتوافر له فيه إمكانيات ذلك، وهو يغلب أن يكون تاليا ليوم تقديمها للشحن بمدة تطول أو تقصر حسب الأحوال ويصعب التنبؤ به سلفا؛ ذلك أنه يتوقف على مقدار البضاعة وتعدد الشحنات المصدرة إلى جهات فى طريق واحد ووفرة وسائل النقل وحظ كل ذى شأن فى ذلك... وحكمة التشريع تأبى أن يتخذ تاريخ بوليصة الرسالة مبدأ لحساب المدة؛ ذلك أن الغاية التى استهدفها المشرع بالمادة 104 هى وضع قيد زمنى على المخاطر التى يتعرض لها أمين النقل مقدراً فى ذلك الطبيعة الخاصة لهذه المخاطر..... وأمين النقل لا يتعرض لتلك المخاطر قبل تصدير البضاعة؛ ذلك أنه فى الواقع لا يكون قبل التصدير إلا مجرد مودع لديه.
ويكفى المتشكك فى وجوب الممايزة بين تاريخ بوليصة الرسالة والتاريخ الذى يجب فيه نقلها أن يستعيد نص المادة 96 من القانون التجارى، إذ تقرر أن تذكرة النقل يجب أن تكون مؤرخة "وهذا هو تاريخ بوليصة الرسالة" وأن يبين فيها جنس ووزن أو حجم الأشياء المراد نقلها فضلا عن الشروط المتفق عليها بين الطرفين فيما يتعلق بالميعاد المعين للنقل "وهذا هو التاريخ الذى يجب فيه نقل البضائع". ومن استقراء هذه المادة يتضح أن تذكرة النقل يحدث أن تتضمن التاريخ الذى يجب فيه نقل البضائع، وهنا لا صعوبة فى الأمر إذ يجرى على حساب مدة الـ 180 يوماً من التاريخ المضروب بتذكرة النقل. أما إذا خلت تذكرة النقل من هذا البيان، كما يجرى عليه العمل بمصلحة السكك الحديدية للاعتبارات العملية التى أجملناها فى صعوبة التحكم سلفاً فى إمكانيات النقل، فإن هذه المدة تحسب من يوم السفر الفعلى للبضاعة؛ ذلك أن خلو تذكرة النقل من بيان الموعد المحدد له يتضمن تفويضاً من المرسل لأمين النقل فى تحديده وقبولا منه لأن يتم النقل فى تاريخ ترك تحديده لأمين النقل - هذا التاريخ ينبئ عنه التاريخ الذى يحصل فيه السفر بالفعل، فتاريخ السفر الفعلى للبضاعة هو اليوم الذى يجب فيه نقلها والذى أنيط تحديده فى هذا الغرض لأمين النقل.
من أجل هذا يتعين الاعتداد بالتاريخ الفعلى لسفر البضاعة واتخاذه بداية لحساب مدة الـ 180 يوماً التى يتعين مطالبة مصلحة السكك الحديدية خلالها بالتعويض عن التأخير والضياع وبتاريخ تسليم البضاعة فى حالة التلف، وذلك إعمالاً لمقتضى الفهم السليم للمادة 104 من القانون التجارى، وبدون تقيد بما تقرره تعريفة البضائع.