مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ القانونية التى أقرتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
الجزء الثانى - خلال المدة من أكتوبر سنة 1996 إلى يونيه سنة 2000 - صـ 1638

{فتوى رقم 506 بتاريخ 7/ 7/ 1999 ملف رقم 37/ 2/ 550}
جلسة 19 من مايو سنة 1999
{1}

- شهر عقارى - ملكية عقارية - تسجيل - رسوم تكميلية - التسجيل شرع لحماية الملكية العقارية وليس إهدارها - حكم - حجية - الحكم لا يحوز الحجية فيما جاوز المسألة المقضى فيها - الحكم الصادر برسو المزاد ليس حكما بالمعنى المفهوم للأحكام الفاصلة فى الخصومات وانما عقد بيع ينعقد جبرا بين مالك العقار المنفذ عليه ومن ثم تم ايقاع البيع عليه - تجريد مالك العقار من ملكه سدادا لرسوم تسجيله يتصادم وأبسط قواعد الحق والعدل ويتنافر مع الحماية التى قررها الدستور والقانون للملكية الخاصة.
استظهرت الجمعية العمومية ان الدستور - وهو ذروة سنام القواعد القانونية - حرص على حقوق الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها الا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى اوردها وذلك باعتبارها انها تترتب بحسب الاصل على الجهد الخاص الذى يبذله الفرد فهى ثمرة نشاطه وجهده ونتيجة عرقه وكده وهى حافزه على الانطلاق والسعى. وحتى يستأثر بالأموال دون غيره ويختص بها دون سواه ومثل هذه الأموال هى لبنات تتألف منها الثروة القومية فى بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا ومن اجل ذلك حرص الدستور على صون الملكية من كل اعتداء وحمايتها من كل افتئات فحظر مصادرتها مصادرة عامة ولم يبح مصادرتها مصادرة خاصة او فرض الحراسة عليها إلا فى الاحوال المبينة فى القانون وبحكم قضائى وجعل اجازة نزعها منوطا بتحقيق المنفعة العامة وان يكون ذلك مقابل تعويض عادل وفقا للقانون - فى سبيل الحرص والسعى نحو حماية الملكية العقارية - وهى احد صور الملكية - استوجب المشرع للاعتداد بالتصرفات التى تنصب على العقارات ويكون من شأنها انشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية او نقله او تغييره او زواله ان يكون مشهرا بطريق التسجيل. وبنص جلى المعنى واضح العبارة وقاطع الدلالة اوضح المشرع ان هذه الحقوق لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول بين ذوى الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم الا بالتسجيل ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوى الشأن وقد ابتغى المشرع من ذلك حماية ملكية العقارات وحتى لا ينفرط عقد تنظيم ثبوتها فيغدو امر ثبوتها ميدان تنازع وتصارع على نحو يصرفها عن النهوض بدورها المرجو منها للفرد والجماعة. ومن اجل ذلك فقد بات لزاما للاعتداد بملكية العقارات او الحقوق العينية الأصلية التى تنصب عليها ان يجرى تسجيلها وفقا لما تطلبه القانون وأصبح هذا هو السبيل للاعتداد بالملكية. وقد فرض المشرع على اعمال التوثيق والشهر رسوما عبارة عن رسم مقرر ورسم حفظ ورسم نسبى. وهذا الرسم الأخير يتفاوت مقداره بحسب قيمة المحرر وكان تقديره [فى ظل العمل بالقانون رقم {70} لسنة 1964 معدلا بالقانون رقم {94} لسنة 1980] يجرى بصفة مبدئية وفقا لأسس معينة. وبالنسبة للأراضى الزراعية الكائنة فى ضواحى المدن والمربوط عليها ضريبة اطيان فقد كان الرسم النسبى عن شهر المحررات الخاصة بها يحصل على اساس الثمن او القيمة الموضحة فى المحرر بحيث لا تقل عن الضريبة الأصلية السنوية مضروبة فى (250) وذلك إلى ان تتحرى مصلحة الشهر العقارى والتوثيق عن قيمة العقار الحقيقية فتستوفى المصلحة ما قد يكون باقيا من الرسم على أساس هذه القيمة التى اسفر عنها التحرى. ثم اصدر المشرع القانون رقم {6} لسنة 1991 والذى ألغى بموجبه نظام التحرى كما قضت المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى الدستورية المرفوعة من السيدة المعروضة حالتها بعدم دستورية هذا النظام الحاصل فى الحالة المعروضة ان السيدة المذكورة سعت إلى ما استوجبه القانون بتسجيل قطعة الأرض التى اشترتها حتى يعتد بملكيتها لها وسددت الرسوم المبدئية إلى مصلحة الشهر العقارى والتوثيق وفقا للاحكام القانونية المنظمة لذلك وتم التسجيل بالفعل ثم قامت المصلحة - اعمالا لنظام التحرى الذى كان معمولا به آنذاك والذى قضى بعدم دستوريته وكان قد تم الغاؤه وفقا لما سبق بيانه - بمطالبة السيدة المذكورة برسوم تكميلية وضرائب تصرفات عقارية جاوزت الأربعين الف جنيه بزعم ان قطعة الأرض المشار إليها تبلغ قيمتها 175 الف جنيه لأنها تقع داخل كردون المدينة وستصبح فى المستقبل ارض بناء. وازاء عجز تلك السيدة عن السداد تم التنفيذ على قطعة الأرض المملوكة لها وجرى طرحها فى مزاد علنى ورسا المزاد على المصلحة نظير ثمن قدره عشرون الف جنيه. وهكذا فقدت السيدة المذكورة ملكية ارضها لسداد جزء من رسوم تسجيلها التى قدرتها المصلحة والتى ما شرعت اصلا الا لحماية تلك الملكية وليس اهدارها ولم يقف الأمر عن هذا الحد بل أصبحت السيدة المذكورة مدينة للمصلحة بباقى الرسوم وهى امور تناقض طبائع الاشياء وتتصادم وأبسط قواعد الحق والعدل وتتنافر مع الحماية التى قررها الدستور والقانون للملكية الخاصة فلا يجوز ان يكون التسجيل المقرر لاثبات الملكية العقارية وحمايتها وسيلة للعدوان عليها واقتلاعها من جذورها ولا يصح ان تقدر مصلحة الشهر العقارى قيمة الأرض المراد تسجيلها بمبلغ 175 الف جنيه وتتمسك بحقها فى استئداء رسوم التسجيل طبقا لهذه القيمة بدعوى انها القيمة الحقيقية ثم تقوم المصلحة وهى بصدد استئداء تلك الرسوم جبرا بشراء تلك الأرض بعشرين الف جنيه فى مزاد علنى لم يتقدم إليه احد سواها. وقد طرقت السيدة المذكورة ابواب المحاكم وسعت بين مختلف اروقتها لتدفع عن نفسها ما لحقها من عسف وجور فحصلت على حكم من المحكمة الدستورية العليا يقضى بعدم دستورية نظام التحرى الذى طبق عليها وفقا لما سبق بيانه. واذا كانت محاكم القضاء العادى قد قضت برفض الدعاوى المقامة منها بشأن تقدير الرسوم التكميلية الا ان الأحكام الصادر فى هذا الشان اقتصرت على بحث المسائل المتعلقة بتقدير الرسوم دون التصدى لمدى مساس ما جرى بالملكية التى شرعت رسوم تسجيلها حماية لها. وبعد ان ضاقت الأرض على السيدة المذكورة بما رحبت واكتملت مأساتها بتجريدها من ملكيتها بغير اثم اقترفته كما هو الشأن فى المصادرة ودونما تعويض كما هو الشأن فى نزع الملكية للمنفعة العامة لاذت بالمصلحة التى استشعرت فداحة الضرر الذى لحق بتلك السيدة وطلبت الرأى فى الموضوع من إدارة الفتوى المختصة - لما كان من المسلم ان الحكم لا يحوز حجية الأمر المقضى فيما جاوز المسألة المقضى فيها ومن ثم فإن الاحكام الصادرة بشأن تقدير الرسوم التكميلية فى الحالة المعروضة تقتصر حجيتها على ما قضت به دون ان يتجاوز ذلك إلى الاجراءات اللاحقة التى ادت إلى فقد ملكية الأرض لسداد جزء من رسوم تسجيلها. أخذا فى الاعتبار ان من المستقر عليه ان الحكم الصادر برسو المزاد ليس حكما بالمعنى المفهوم للاحكام الفاصلة فى الخصومات وانما هو عقد بيع ينعقد جبرا بين مالك العقار المنفذ عليه وبين المشترى الذى تم ايقاع البيع عليه ومن ثم يترتب على صدور حكم مرسى المزاد وتسجيله الآثار التى تترتب على عقد البيع الاختيارى وتسجيله فهو لا يحمى المشترى من دعاوى الفسخ والالغاء والابطال الأمر الذى يتعين معه تحقيقا للعدالة واعلاء للمبادئ الدستورية التى كفلت صون الملكية الخاصة وحمايتها من كل عدوان رد قطعة الأرض المشار إليها إلى السيدة المذكورة. وفيما يتعلق بمقدار الرسم النسبى على شهر المحرر المشار إليه فإن الجمعية العمومية اذا تؤكد على ان حجية الأحكام تسمو على قواعد النظام العام بحيث لا يجوز اهدارها او الانتقاص منها إلا انه اذا كان الحكم قد انكر على المدعى حقه ورغم ذلك تبين للمدعى عليه ان الحكم بهذه المثابة قد أحله من التزام واجب عليه قانونا فلا تثريب عليه فى هذه الحالة اذ هو اوفى بالتزامه وطرح الحجية المقررة لصالحه جانبا ما دام أنه بذلك لم يخل بالنظام القانونى الذى يقوم على تطبيقه او بالحقوق والمراكز المكتسبة للغير - لما كان المشرع فى القانون رقم {70} لسنة 1964 المشار إليه قد حدد فى المادة (21/ أ) قبل تعديلها بالقانون رقم {6} لسنة 1991 اسس تقدير قيمة الاراضى الزراعية التى يحسب على اساسها مقدار الرسم النسبى على تسجيلها فاعتد بالقيمة الموضحة فى المحرر بحيث لا تقل عن الضريبة الأصلية السنوية مضروبة فى (250) وكان الثابت ان الارض محل المحرر المشهر فى الحالة المعروضة من الأراضى الزراعية ومربوط عليها ضريبة اطيان مقدارها 700ر7 جنيه ومن ثم فانه يتعين الاعتداد فى تقدير قيمتها بما قرره المشرع فى هذا الشأن.