مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ القانونية التى أقرتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
الجزء الثانى - خلال المدة من أكتوبر سنة 1996 إلى يونيه سنة 2000 - صـ 1899

{فتوى رقم 344 بتاريخ 21/ 6/ 2000 ملف رقم 7/ 2/ 197 و7/ 2/ 198}
جلسة 19 من ابريل سنة 2000
{2}

- تأمين اجتماعى - التأمين على عمال المقاولات - مناط تطبيقه - عدم جواز مطالبة اصحاب العقارات بالقرى فى ظل الوضع الراهن بسداد اشتراكات التأمينات عن اعمال البناء التى يقومون بها.
استظهرت الجمعية العمومية أن نظام التأمين الإجتماعى يقوم بصيغتين صيغة لائحية تنتظم بالتشريعات المحددة للمراكز القانونية والإستحقاقات المتبادلة بين أطراف العلاقة وصيغة عقدية تنتظم بالعلاقة العقدية وتستمد الحقوق المتبادلة فى شأنها بما يتوافق عليه أطراف هذه العلاقة بما يبرمونه من عقود. ولكن نظام التأمين بكلتا الصيغتين اللائحية والعقدية انما يتميز بطبيعة قانونية أساسية واحدة وهى أنه علاقة بمقتضاها يؤدى المؤمن إلى المومن له مالا أو إيرادا مرتبا أو عوضا آخر فى حالة وقوع حادث أو تحقق خطر أو حلول أجل وذلك نظير أقساط أو دفعات تبدأ تأديتها سلفا والتأمين بصفة عامة سواء أكان تأمينا إجتماعيا أو فرديا إنما يقوم على فكرة تبادل المساهمة فى الخسائر حيث يلعب المؤمن - شركة كان أو فرد أو هيئة قومية - دور الوسيط بين المؤمن لهم جميعا يقوم بتجميعهم وتقاضى ما قدمه كل منهم من مساهمة فى الخسائر المحتملة ثم دفع التعويض لمن لحقه منهم خسارة جراء تحقق الخطر وتنظيم المساهمة فى الخسائر انما يقوم على أسس فنية تعتمد على دراسات دقيقة فى احتمالات تحقق الخطر المؤمن ضده بالنسبة إلى جميع المؤمن لهم وذلك طبقا لقوانين الإحصاء بدراسة أحوال هذا الخطر ومرات تحققه وعدد المعرضين له من المؤمنين وتقرير أساس متوسطات حصول هذا الخطر والنسبة التى يستحق عنها التأمين وعلى أساس هذه الأصول التقديرية يتم حساب اكتوارى لأقساط التأمين التى يلتزمها المؤمنون وهى المقابل المادى الذى يدفعونه تغطية للأخطار المؤمن منها فالقسط التأمينى لا يتحدد جزافيا بطرق تحكمية وإنما يتحدد بكل دقة فى ضوء دراسات الإحتمالات والإحصاء التى تتم فى شأن الأخطار المؤمن منها على النحو الذى تغطى به الأقساط هذه الأخطار دون زيادة أو نقصان مضافا إليه تكاليف نفقات مثل هذه التأمينات وهذا الحساب العلمى الدقيق لأوضاع هذا التأمين هى التى تحقق معنى التعاون التأمينى بين أفراده وهو ما يترتب عليه أن الخلل المتصور فى مثل هذا الحساب إنما يكفى لوصم هذا التعاقد بالضرر الذى يخل بدوره بمشروعية التعاقد ذاته. أخضع المشرع فى القانون رقم 79 لسنة 1975 المشار إليه والقرارات الوزارية الصادرة تنظيم لأحكامه عمال المقاولات لحكم التأمين الوارد بالنصوص المذكورة وألزم صاحب العمل بإداء اشتراكات التأمين المذكورة على أساس الأجر المستحق للمؤمن عليه حيث حدد نسبة من هذا الأجر يلتزمها المؤمن له ونسبة أخرى منه يلتزمها صاحب العمل ذاته وقد حدد قواعد تحصيل هذه الإشتراكات وطريقة حسابها وهذه الأحكام يتكون محلها من عدة عناصر منها الأشخاص الملتزمين وفق مقتضاها وهم العمال الواجب التأمين عليهم وأرباب الأعمال ومنها الاساس الحسابى لتعيين الاشتراك التأمينى وأجر العامل المؤمن عليه والذى يتقرر وفقا له حصته وحصة صاحب العمل فى التأمين فضلا عن ظروف هذا السداد وأحواله الزمنية والمكانية. الحكم - بحسب الأصل - خطاب من المشرع يرد بفعل ملزم يتوجب على المكلف بمقتضى هذا الحكم اتيان ذلك الفعل والحكم بهذا النحو يتكون من عناصر أساسية فهو يستلزم وجود فاعل كما يحتاج إلى استطاعة هذا الفعل بمعنى عدم استحالته ومن هذين يتكون ما يمكن تسميته "محل الحكم" وهو يتشكل من عناصر الزمان الذى يتعين أن يتم فيه الحكم والمكان الذى يتعين أن يحصل فيه والشخص الذى يقوم به والموضع الذى يحصل فيه الحكم والهيئة التى يتم على شاكلتها هذا الحكم ومحل الحكم قد يكون هو علة تطبيق الحكم ويشترط ثبوت أوصافه المعتبرة التى تجعله محلا ويقوم على أساسها الحكم فإن هذه الأوصاف فى خصوص ذلك المحل إذا انتفت تجعل المحل وإن لم يكن معدوما فهو فى حكم المعدوم لتعذر العلم بالأوصاف المماثلة فيه لغيره من المحال المعلوم أوصافها وبالتالى فإن الحكم يتوقف فى هذه الحالة وإن كان قائما إلا أنه يتعطل ما يرد به من إلزام متعين - الحاصل أنه يلزم لسريان أحكام قانون التأمين الإجتماعى أن يكون ثمة تأمين قائم وأن يكون المؤمن عليه معينا سلفا تعيينا دقيقا وأن يكون القسط التأمينى مقدرا على وجه الدقة وفق الأصول المحاسبية المعتمدة فى هذا المجال وإذا كان هذا القسط يتحدد بحسب نسبة من أجر العامل المؤمن عليه فإنه يتعين تحديد هذا الأجر وكل هذه العناصر الجوهرية تدخل فى محل هذه الأحكام بحيث يترتب على اختلال هذه العناصر أو بعضها اختلال المحل ذاته بحسبان أن مقدار المعاش أو التعويض المستحق عند تحقق آجاله يقدر على نحو دقيق وفق المسدد من عامل معين لاقساط مقدرة حسب معدل الاجر الحقيقى الفعلى وإلا فإن القول بوجود إشتراك تأمينى لعامل غير معلوم ودون معرفة للأجر الحقيقى الذى يتقاضاه ارتكانا على معيار صورى تحكمى أو أفتراضى يتنافى مع الأسس الفنية التى يقوم عليها نظام التأمين أساسا. الأمر الذى يوصم هذا الأشتراك التأمينى بعيب الضرر الذى يخل بدوره بمشروعيته - تطبيقا للأصول المتقدمة ولما كان عمال البناء بالقرى لم يعلم أحوالهم من حيث تعيينهم تعيينا دقيقا ومدى إمتهانهم ومهارتهم فى هذا العمل ومقدار أجورهم هذا مع ما يتلبس فى البناء فى القرى من أحوال خاصة كاشتراك أهل الأسرة الواحدة الذين لا يحترفون حرفة البناء فى تشييد المبانى فى القرى أو اشتراك عمالة غير محترفة أو على أقل تقدير تمارس أعمالا أخرى منبته الصلة بأعمال المقاولات كأعمال الزراعة والفلاحة وغير ذلك وهو الأمر الذى لم يتناوله بالتنظيم القرار الوزارى الصادر بالتأمين على عمال المقاولات مما من شأنه انتفاء بعض العناصر الجوهرية لمحل الحكم المتعلق بوجوب أداء اشتراكات التأمين على النحو المتقدم حيث لا يمكن الزام أصحاب العقارات بالقرى بأداء اشتراكات تأمين لمؤمن عليهم مجهولين ولم يسبق تعيين أجورهم تعيينا دقيقا ولا يعلم أجر المثل لكونها ليست بالعمالة المحترفة أو المنتظمة التى يتحدد حسب مهارتها هذا الأجر ومن ثم تختل عناصر هذا المحل الذى يتوقف معه الحكم فيكون فى حق أصحاب العقارات بالقرى غير ملزم لانعدام مناط الحكم أو علته وهو محله والقاعدة أن المشقة تجلب التيسير وأن جهل من له الحق يصيره كالمعدوم فينتهى الأمر إلى براءة الذمة إلى حين امكان تنظيم المسألة بحيث ينضبط إثبات صفات محل الحكم بالقرى ليتمكن قانون التأمين الإجتماعى من اجراء أحكامه على ضوء الممكنات وقتئذ.‏