مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
الجزء الأول - خلال المدة من أكتوبر سنة 1996 إلى يونيه سنة 2000 - صـ 132

(فتوى رقم 160 بتاريخ 22/ 2/ 1997 ملف رقم 54/ 1/ 339)
جلسة 18 من ديسمبر سنة 1996
(10)

- عقد إدارى - طبيعته القانونية - تحكيم - طبيعته - مجلس الدولة - اختصاص - مدى جواز ادراج شرط التحكيم الاختيارى فى العقود الادارية.
تبين للجمعية العمومية من مطالعة أوراق الموضوع انه عرض على اللجنة الثانية من لجان الفتوى بمجلس الدولة بجلستها المنعقدة بتاريخ 30 من أكتوبر سنة 1996 مراجعة مشروع العقد المزمع إبرامه بين كل من المجلس الأعلى للآثار وشركة جلتسير سلفرنايت الانجليزية بخصوص الاعمال التكميلية لأعمال تنسيق الموقع الخارجى لمتحف آثار النوبة بأسوان وكذلك العقد المزمع إبرامه بينهما بخصوص استكمال أعمال بالمتحف المذكور. وقد بدا للجنة الثانية لدى مراجعة حذف البند (السادس عشر) من العقد الاول والبند (الثانى والعشرون) من العقد الثانى حيث تضمنا نصا يقضى بفض ما قد ينشأ عن العقدين من منازعات بطريق التحكيم أمام مركز القاهرة للتحكيم التجارى الدولى وذلك على سند من أن الاختصاص انما ينعقد لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها فى فض المنازعات التى قد تنشأ عن العقود الادارية ونظرا لما تبين للجنة الثانية من أن الرأى الذى اتجهت إلى ترجيحه وان كان يتفق مع ما أقرته المحكمة الادارية العليا فى حكمين لها صادرين فى 20 فبراير و13 مارس سنة 1990 الا أن هذا الرأى يخالف ما انتهى اليه رأى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فى فتواها الصادرة بجلسة 17/ 5/ 1989 والمؤيدة بفتواها الصادرة بجلسة 7/ 2/ 1993 والذى خلصت فيهما إلى جواز الاتفاق على الالتجاء إلى التحكيم فى العقود الادارية وطبقا لنص المادة (66/ ب) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 التى تقضى باختصاص الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بنظر المسائل التى ترى فيها احدى لجان قسم الفتوى رأيا يخالف فتوى صدرت من الجمعية العمومية ارتأت اللجنة بجلستها المنعقدة بتاريخ 27 من نوفمبر سنة 1996 احالة الموضوع للجمعية العمومية "للاختصاص" - لاحظت الجمعية العمومية ان المسألة القانونية المطروحة عليها ثار فى شأنها خلاف فى الرأى وصدرت فى خصوصها أحكام قضائية وفتاوى تباينت الآراء فيها فقد سبق للجمعية العمومية ان أفتت بجلستها بتاريخ 17/ 5/ 1989 (ملف رقم 54/ 1/ 265) بجواز الاتفاق على الالتجاء إلى التحكيم فى العقود الادارية وذلك على سند من أن المادة (58) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 ورد بها ما يقطع صراحة بجواز التجاء جهة الادارة إلى التحكيم فى منازعاتها العقدية ((ادارية ومدنية)) حينما نصت الفقرة الثالثة من المادة المشار اليها على الزام أية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة بالا تبرم أو تقبل أو تجيز اى عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين فى مادة تزيد قيمتها على خمسة آلاف جنيه بغير استفتاء ادارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة ولانه لو أن الاتفاق على التحكيم أمر محظور على جهة الادارة ما كان المشرع الزمها أصلا بعرض هذا الاتفاق أو تنفيذ حكم المحكمين على مجلس الدولة للمراجعة وانه ازاء عدم وجود تشريع خاص ينظم التحكيم فى منازعات العقود والتى تكون جهة الادارة طرفا فيها فأنه يتعين الرجوع فى ذلك إلى الشروط العامة للتحكيم واجراءاته الواردة بقانون المرافعات والتى لا تتعارض مع طبيعة الروابط الادارية وأنه ليس مؤدى هذا الاتفاق سلب الولاية المعقودة للقضاء الادارى فى هذا الشأن لان المقصود من نص المادة (10) من قانون مجلس الدولة هو بيان الحد الفاصل بين الاختصاص المقرر لمحاكم مجلس الدولة ومحاكم القضاء الادارى بيد أنه صدر عن المحكمة الادارية العليا حكم بجلستها المنعقدة فى 20/ 2/ 1990 فى الطعن رقم 3049 لسنة 32 القضائية والذى تأيد بحكمها الصادر فى الطعنين رقمى 1675 و1956 لسنة 30 القضائية بجلستها المنعقدة فى 13/ 3/ 1990 بعدم جواز الاتفاق على ما يخالف القاعدة العامة المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة والتى تجعل الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة بالعقود الادارية منوط بمجلس الدولة وبجلسة 7/ 2/ 1993 انتهت الجمعية العمومية إلى جواز الاتفاق على اللجوء للتحكيم فى العقود الادارية تأييدا لفتواها الصادرة بجلسة 7/ 5/ 1989 وأوردت فى هذا المقام أن النص فى المادة (10) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالمنازعات الخاصة بالعقود قصد به التأكيد على استبعاد أى اختصاص لمحاكم القضاء العادى بمثل هذه المنازعات وهو اختصاص كان قائما فى بعض القوانين السابقة على القانون المشار إليه فأراد المشرع بهذا النص أن يقطع الصلة بين المحاكم العادية ومنازعات العقود الادارية ولكنه لم ينكر حق الاطراف فى عرض مثل هذه المنازعات على هيئة التحكيم خاصة اذا كان العرض على هذه الهيئة على مثل الحالة المعروضة على الجمعية لا يستبعد عند نظر المنازعة إعمال القواعد القانونية الموضوعية التى تطبق على العقود الادارية. وقضت المحكمة الادارية العليا بجلستها المنعقدة فى 18/ 1/ 1994 فى الطعن رقم 886 لسنة 30 القضائية بأن الاتفاق على التحكيم لا ينزع الاختصاص من المحكمة وانما يمنعها من سماع الدعوى طالما بقى شرط التحكيم قائما - لاحظت الجمعية العمومية أيضا أنه صدر قانون جديد ينظم التحكيم فى المواد المدنية والتجارية وهو القانون رقم 27 لسنة 1994 ونصت المادة (1) منه على أن "... تسرى احكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من اشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التى يدور حولها النزاع..." ونصت المادة (2) على أن "يكون التحكيم تجاريا فى حكم هذا القانون اذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادى عقدية كانت أو غير عقدية ويشمل ذلك على سبيل المثال..." ونصت المادة (3) على أن "يكون التحكيم دوليا فى حكم هذا القانون اذا كان موضوعه نزاعا يتعلق بالتجارة الدولية وذلك فى الأحوال الآتية...". ثم نصت المادة (4) فى الفقرة (1) على أن "ينصرف لفظ التحكيم فى حكم هذا القانون إلى التحكيم الذى يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة...". ونصت المادة (10) فى الفقرة (1) على أن "اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات...". ونصت المادة (11) على أن "لا يجوز الاتفاق على التحكيم الا للشخص... الذى يملك التصرف فى حقوقه ولا يجوز التحكيم فى المسائل التى لا يجوز فيها الصلح". ونصت المادة (549) من القانون المدنى على أن "الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه." ونصت المادة (550) من القانون المدنى على أنه "يشترط فيمن يعقد صلحا أن يكون أهلا للتصرف بعوض فى الحقوق التى يشملها عقد الصلح" ونصت المادة (551) من القانون المدنى على أنه "لا يجوز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التى تترتب على الحالة الشخصية أو التى تنشأ عن ارتكاب احدى الجرائم." ونصت المادة (557) فى الفقرة (1) على أن "الصلح لا يتجزأ فبطلان جزء منه يقتضى بطلان العقد كله" وذلك إلا اذا اتفق العاقدان على استقلال اجزائه بعضها عن بعض - لاحظت الجمعية العمومية فى معرض النظر فى سوابق افتاء الجمعية العمومية وأحكام المحكمة الادارية العليا أن الجمعية العمومية وإن كانت اجازت التحكيم فى العقود الادارية فأن المحكمة الادارية العليا لم تجز التحكيم فى هذه العقود وخلافهما فى هذا الشأن متعاصر ومتداخل وفتويا الجمعية العمومية صادرتان فى مايو 1989 وفبراير 1993 وحكما المحكمة الادارية العليا صادران فى فبراير 1990 ومارس 1990 - الجمعية العمومية استندت فى اجازتها التحكيم فى العقود الادارية إلى أن الاختصاص الافتائى لمجلس الدولة يشمل عقود التحكيم طبقا للمادة (58) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 واستندت المحكمة الادارية العليا فى منعها التحكيم فى العقود الادارية إلى أن الاختصاص القضائى لمجلس الدولة المبين بالمادة (10) من قانون المجلس يقصر الفصل فى منازعات العقود الادارية على محاكم مجلس الدولة. ومن ذلك يبين ان كلا من جهتى الافتاء والقضاء قد عرض للامر من زاوية الاختصاص بالنظر فقط لذلك لم تميز الفتويان بين العقود المدنية والعقود الادارية التى يمكن ان تبرمها الاشخاص العامة سواء بسواء والتى تخضع لاختصاص المراجعة الافتائية الذى يمارسه مجلس الدولة على مشروعات العقود المزمع لجهات الادارة عقدها سواء كانت عقودا مدنية او ادارية. كما استندت المحكمة الادارية العليا إلى اختصاصها دون غيرها من المحاكم بالفصل فى المنازعات الناشئة عن العقود الادارية وجاء قولها بمخالفة شرط التحكيم لاحكام الاختصاص القضائى لمحاكم مجلس الدولة لما رأته من ان الاختصاص القضائى لمجلس الدولة يشمل على وجه الخصوص وبصريح نص المادة (10) ((المنازعات الخاصة بعقود الالتزام او الاشغال العامة او التوريد)). ثم أردف هذه العقود الخاصة بعبارة عامة هى ((أو أى عقد ادارى أخر)). وكان أهم ما ركز عليه الحكم ان عقد الالتزام محل النزاع المعروض وان كان صدر به قانون فهو فى حقيقته عمل ادارى تقوم به سلطة التشريع وانه لا يجوز لاية جهة أن تخالف بقرار فردى قاعدة عامة سبق لها ان أصدرتها. ولم يتطرق الحكم إلى بحث مدى مساس التحكيم بالاختصاص القضائى فى المنازعات المدنية والتجارية. فالقول بانجراح الاختصاص القضائى لمحاكم مجلس الدولة يثير التساؤل ايضا حول انجراح الاختصاص القضائى لمحاكم القضاء العادى فى المنازعات المدنية والتجارية وهذا ما لم تنته إليه المحاكم المدنية ثم جاء حكم المحكمة الادارية العليا الصادر فى سنة 1994 متعلقا أيضا بالتفرقة بين ولاية القضاء الكامل فى العقود الادارية وولاية الالغاء وانحسار سلطة وقف التنفيذ عن الولاية الكاملة ومشيرا إلى أن التحكيم لا ينزع اختصاص المحكمة - الجمعية العمومية فى نظرها الموضوع الماثل ومن أجل الوصول لكلمة سواء فى أمر العقود الادارية والتحكيم رأت وجوب النظر إلى هذا الأمر لا من منظور الاختصاص الافتائى أو القضائى لمجلس الدولة ولكن من منظور الطبيعة القانونية للعقد الادارى ومدى تلاؤمها مع نظام التحكيم او تنافرها معه وما هى الشروط والاوضاع التى يمكن بها اقامة هذا التلاؤم وما هى شرائط الاهلية وأوضاع الولاية التى تمكن من اقامة هذا التلاؤم أو لا تمكن منه - العقد الادارى يتميز عن العقد المدنى من ثلاثة وجوه يتردد ذكرها فى كتب الشرح وبحوث الفقه وفى الفتاوى وأحكام المحاكم بما لا حاجة معه للتفصيل والبيان انما ترد الاشارة المجملة عنها فى الموضوع المعروض للتذكير بها وللبدء بها فى استخلاص الدلالات. فالعقد الادارى أولا تبرمه هيئة عامة من أشخاص القانون العام والهيئة العامة تبرمه ثانيا لا فيما تنزل فيه منزلة الافراد وأشخاص القانون الخاص من بيع وايجار ونحوه ولكنها تبرمه فى اطار استخدامها لسلطتها وما نيط بها من امانات ادارة المصالح العامة وانشاء المرافق العامة وتنظيمها وتسييرها اى انها تبرمه بمناسبة تصديها للشأن العام للجماعة وممارستها لوسائط الرعاية والتنظيم والضبط التى ما قامت الهيئات العامة وما تبوأت مكانتها فى المجتمع على رأس الجماعة إلا للقيام بها. والعقد الادارى ثالثا وبموجب الامرين السابقين يتضمن شروطا استثنائية مما لا يعتاد فى العقود المدنية التى تبرم بين طرفين ندين وهنا تختلط علاقات التعاقد التى يعرفها فقه القانون الخاص تختلط بأوضاع الإمارة والسلطة التى ترتد فى مرجعيتها ليس فقط إلى الرضاء الاتفاقى فى صياغة عقد ما ولكنها ترتد فى بعض وجوه مرجعيتها إلى قوامة الدولة على المجتمع وسلطانها عليه لحماية الجماعة وتنظيم شئونها العامة وتسيير مصالحها العامة ومن قوامة الدولة على الشأن العام تتفرع التفاريع إلى الهيئات والمصالح وسائر الوحدات العامة التى تنقسم نوع نشاط ومكان إقليم ومجال تخصص. ومن جهة فأن الشأن العام هو شأن الجماعة مصالح وأوضاعا ومقاصد منشودة والجماعة تشخصها الدولة وتقوم عليها من الناحية المؤسسية التنظيمية والدولة التى يدرسها القانون الدولى العام بوصفها شعبا على إقليم عليه حكومة هذه الدولة يرسم الدستور كيانها التنظيمى العام وهى لا تتشكل من هيئة واحدة ولكنها تتكون من الناحية التنظيمية من هيئات كبرى تتوزع عليها مراحل تشكل العمل العام وذلك بما عرف من سلطات التنفيذ والتشريع والقضاء وهى مع تشكلها بالتنسيق بين هذه الجهات فهو تنسيق يحفظ قدرا من التوازن لا يمكن احداها من استيعاب مكنة القيام وحدها بالعمل العام. فالدولة كتنظيم مشخص للجماعة يستمد من هذا التشخيص مبرر قيامه ويستمد منه شرعية نفاذ القول على الغير بشأن أوضاع الجماعة حفظا وضبطا وتسييرا وتنمية فى كل المجالات هذه الدولة تقوم على مفهوم النيابة عن الجماعة والتمثيل لها وهو تمثيل يخضع لاصول ثلاثة أولها: تعدد التنظيمات الاساسية التى تتشكل منها الدولة فلا تكون كيانا تنظيميا واحدا وثانيها: اختلاف أساليب التشكل لهذه التنظيمات وفقا لاختلاف المهام الموزعة عليها باعتبار ان سلطة التقرير تكون بالانتخاب وسلطة التنفيذ ذات القوة المادية تكون بالتعيين من أعلى مع خضوعها لقرارات السلطة الاولى وسلطة الرقابة على الشرعية تقوم استقلالا بمراعاة توازن السلطتين الاوليين وكل ذلك هو الدولة. وثالثها: ان وظائف التقرير والتنفيذ لا تستمد أى من الجهات شرعية ممارستها الا بوصف هذه الجهة ممثلة أو نائبة عن غيرها. فلا يوجد من يتصرف فى شأن عام إلا وهو مفوض بذلك لا اصيلا عن نفسه ولا صاحب شأن بذاته هيئة كان أو مجلسا أو فردا إنما هو قوام على شأن عام بموجب وصف تمثيلى وصفة تفويضية أتته من مستند عام دستورا كان أو قانونا أو لائحة أو قرارا فرديا وهو ما يعبر عنه بالاختصاص فى مجال القانون العام لهيئة او فرد هو تفويض تستمد منه الجهات المختصة هيئة كانت أو فردا صلاحيتها فى اصدار العمل العام او التصرف فى أى شان عام. ومن جهة اخرى فأن اى تصرف يصح وينفذ على نفس المتصرف وما له بموجب توافر شروط أهلية المتصرف التى تمكنه من الزام نفسه بقول يصدر عنه واى تصرف يصح وينفذ فى حق غير المتصرف بموجب ما يتوافر للمتصرف من ولاية امضاء القول على هذا الغير. والولاية خاصة أو عامة وهى خاصة ان كانت توافر فيها مكنة امضاء قول على الغير اذا كان شخصا معينا أو جماعة محصورة وقابلة للتعيين كل بذاته. وهذه الولاية أما ان تكون نيابة مصدرها القانون كالولى الشرعى على طفله أو مصدرها القضاء كالوصى المعين على الصبى او مصدرها الاتفاق كالوكالة او التفويض ونحوه. واما ان تكون ولاية عامة ان توافر لها مكنة امضاء القول على غير ليس محددا ولا محصورا ولا معينا وهى ما يتعلق بالدولة فى الشئون العامة وما يتفرع عن اجهزتها وتنظيماتها وهيئاتها ووحداتها وافرادها. وهو لا تقوم ولا بمستند شرعى من دستور أو قانون أو لائحة أو قرار فردى. والاصل المرجوع اليه حالة عدم وجود النص هو الاباحة فيما يتعلق بتصرف الشخص فى شئون ذاته وماله أما فى أحوال الولاية خاصها وعامها فإن الأصل الرجوع إليه بشأنها إذا لم يوجد مستند شرعى الأصل ساعتها هو المنع لأنه لا مضاء قول لشخص على غيره إلا بمستند يجيز هذا المضاء ولا سلطان لأحد على غيره ولا امرة لشخص على من سواه الا بحكم شرعى يجيز هذا النفاذ على الغير. فليس من سلطة عامة الا وهى مقيدة ومحدودة بمستند شرعيتها. والعقد الادارى ثانى وسيلتين للجهات القوامة على العمل العام فى التصرف وتسيير المصالح العامة وادارة الشئون العامة وأولى الوسيلتين هو القرار الادارى وهما يتفقان فى ضوابط اعمالهما باعتبارهما صادرين عن ولاية تستند لاختصاص مفوض باجراء التصرف فى شأن يتعدى ذات مصدر القرار إلى مال ومصالح وشئون هو امين عليها بموجب حكم شرعى. وفى نطاق ما جرى شرعا تخويله به وتفويضه فيه. وبقدر ما تكون السلطة وبقدر ما تنفسخ المكنة بقدر ما ترد القيود والضوابط وقد تسنح الروادع والسلطة المكفولة للادارة العامة فى العقد الادارى تقابلها القيود التى ترد على ارداتها فى التعاقد وممارسة الشئون العامة وملكية الدولة للمال العام والخاص الذى تشرف عليه اشخاص القانون العام ادارة واستغلالا وتصرفا أنما ترد عليه من القيود والضوابط ما تصل مخالفة بعضه إلى حد الجريمة وكل ذلك بحسبان ان مال الدولة عاما كان أو خاصا مملوك لا لمن يديره ولا لمن هو مخول مكنة استغلاله أو التصرف فيه انما هو للدولة كشخص اعتبارى عام. والدولة لا تستوعب اراداتها كاملة فى ارادة أى من مكوناتها العامة أو الوحدات التى تنقسم إليها الوظائف المؤداة والارادة العامة للدولة هى جماع ما توزعت عليه اعباء القيام بالعمل العام بحكم الدستور والتشريعات والقرارات. وتصح ارادة اى من الوحدات العامة فى الاستغلال والتصرف باعتبار ما هى مفوضة فيه من اختصاص زمان أو مكان أو مجال عمل وتخصص وبحسبانها أمينة ونائبة فيما تقوم به من اعمال وهذا هو مفهوم الاختصاص الحاكم لوجوه نشاط الاشخاص العامة ولا تصح اراداتها مفوضة فى العمل الا بشروط التفويض الصادر اليها والمنظم لارادتها من أحكام موضوعية واجراءات وردت بالتشريعات وهذا هو أساس الالتزام بأحكام التشريع والاجراءات المرسومة عند إعمال ارادة اى من الجهات العامة. والامر أمر ولاية عامة ولا تمارس ولاية عامة الا بشرطها المضروب وفى نطاقها المعين وبالقيود الضابطة لها. وهو أمر نيابة لا تمارس الا بشرطها المضروب وفى نطاقها المعين وبالقيود الضابطة لها. وعلى اى من وصفى الولاية او الانابة فليس للولى ان يولى غيره فيما ولى عليه الا بإذن من ولاه وليس لنائب ان ينيب غيره فيما فوض فيه إلا بإذن من أنابه ومن هنا تظهر قاعدة ان التفويض لا يرد على تفويض. والعقد الادارى يرد فى نطاق الاختصاص المعين للجهة العامة المتعاقدة فلا يجاوز هذا الاختصاص وليس لجهة عامة مسئولى عن مرفق معين ان تنزل عنه لغيرها على خلاف ما أجازه التشريع الذى أقامها على هذا المرفق وليس لها أن تعدل من أسلوب الادارة والتسيير بما يجاوز ما رخص التشريع لها به ولا أن تفوض غيرها فى شأن لم يجز لها التفويض فيه صراحة. وجهة الادارة العامة أيضا مقيدة فى تعاقداتها بما رسمه التشريع من اجراءات تتعلق بطريقة اختيار المتعاقد معها وطريقة إتمام التعاقد معه وشروط ذلك وضوابطه واحواله. كما انها مقيدة بأوضاع ورسوم تتعلق بممارستها لسلطاتها التعاقدية واستيفاء حقوقها العقدية من الطرف المتعاقد معها وأسلوب استخدامها لامكانات انهاء العلاقة العقدية أو فسخها أو غير ذلك - لاحظت الجمعية العمومية من إستقراء أحكام ((قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية)) الصادر به القانون رقم 27 لسنة 1994 انه يكشف عن ان التحكيم هو اتفاق يجرى بين طرفى النزاع بارادتهما الحرة (المادة 4) واتفاق التحكيم هو اتفاق طرفين على الالتجاء للتحكيم "لتسوية كل أو بعض المنازعات" (المادة 10) وشرط جواز الاتفاق على التحكيم ان يجرى من شخص "يملك التصرف فى حقوقه" وشرط جواز الاتفاق عليه ان يكون فى المسائل التى "يجوز فيها الصلح" (المادة 11) وبالصلح ينزل كل من الطرفين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه (المادة 549 مدنى) وشرط صحة الصلح ان يعقده من يكون "أهلا للتصرف بعوض فى الحقوق التى يشملها عقد الصلح" (المادة 550 مدنى) والا يكون "فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام" (المادة 551 مدنى) بمعنى أن شرط صحة اتفاق التحكيم أن يكون من يعقد اتفاق التحكيم اهلا للتصرف بعوض فى الحقوق التى يشملها اتفاق التحكيم والا يكون التحكيم فى مسائل متعلقة بالحالة الشخصية ولا بالنظام العام. فاتفاق التحكيم من حيث أركانه وشروط صحته هو تصرف مما يدور بين النفع والضرر وهو أن لم يكن صلحا يسوى ويحسم نزاعا قائما أو محتملا بين طرفين فهو بمثابة صلح لأنه اتفاق على الالتجاء للتحكيم لتسوية نزاع قائم أو محتمل ويصدق فى شروط صحته ما يصدق فى شروط صحة الصلح من حيث كونه يلزم لصحته ما يلزم لصحة التنازل بمقابل. ومن جهة اخرى فإذا كان الصلح يقوم طرفاه بحسم النزاع بينهما بتنازلات متقابلة فهما فى التحكيم يعهدان إلى هيئة يتفقان عليها ان تحسم هذا النزاع بينهما والتنازلات المتقابلة فيه هى التسليم المتقابل المسبق من الطرفين بقضاء الهيئة على اى منهما للآخر فهو تنازل متبادل ومتقابل عن احتمال كسب ومن هنا فهو ينعقد بالاتفاق وبالارادة الحرة وتلزمه اهلية التصرف بمقابل كما يصرح قانون التحكيم وفقه التحكيم وقضاؤه. والتحكيم نابع من طبيعة الحق المتنازع عليه. وفى صدد بيان طبيعة التحكيم قضت المحكمة الدستورية العليا بأن "التحكيم هو عرض لنزاع معين بين طرفين على محكم من الاغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما على ضوء شروط يحدادنها ليفصل هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائيا من شبهة الممالأة مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة فى جوانبها التى أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضى الرئيسية..." (الدعوى الدستورية رقم 13 لسنة 15 القضائية جلسة 17/ 12/ 1994) كما قضت محكمة النقض بأن "حكمة تشريع التحكيم تنحصر فى أن طرفى الخصومة يريدان أن يمحص إرادتهما واتفاقهما تفويض اشخاص ليست لهم ولاية القضاء فى ان يقضوا بينهما أو يحسموا النزاع بحكم أو بصلح يقبلان شروطه فرضاء طرفى الخصومة هو اساس التحكيم وكما يجوز لهما الصلح دون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهما فى اجراء هذا الصلح أو فى الحكم فى النزاع" (الطعون رقم 369 لسنة 22 القضائية جلسة 2/ 4/ 1956 ورقم 908 لسنة 49 القضائية جلسة 14/ 4/ 1983 ورقم 1965 لسنة 50 القضائية جلسة 12/ 2/ 1985 ورقم 573 لسنة 51 القضائية جلسة 3/ 12/ 1986) كما قضت المادة 396 من القانون رقم 119 لسنة 1952 (16) تابع مبادئ الجمعية العمومية جلسة 18/ 12/ 1996 الخاص بأحكام الولاية الخاصة على المال بأن ينزل التحكيم "منزلة اعمال التصرف اعتبارا بأنه ينطوى على التزامات متبادلة بالنزول على حكم المحكمين..." ومن ثم يتعين فيه اذن محكمة الاحوال الشخصية للوصى عن ناقص الاهلية لصالح هؤلاء. (الطعن رقم 51 لسنة 36 القضائية جلسة 14/ 4/ 1971) وقضت بأن "التحكيم طريق استثنائى لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضى العادية وما تكفله من ضمانات ومن ثم فهو مقصور حتما على ما تنصرف ارادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم... (وجب) ان تتضمن مشارطة التحكيم تعيينا. لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين ويتسنى رقابة مدى التزامهم حدود ولايتهم" (الطعون رقم 275 لسنة 36 القضائية جلسة 16/ 2/ 1971 ورقم 9 لسنة 42 القضائية جلسة 6/ 1/ 1976 ورقم 698 لسنة 47 القضائية جلسة 26/ 3/ 1981) وقضت بأنه "ان كانت ولاية الفصل فى المنازعات معقودة فى الاصل للمحاكم الا أن المشرع أجاز للخصوم - خروجا على هذا الاصل - أن يتفقوا على احالة ما بينهم من نزاع على محكمين يختارونهم ليفصلوا فيه بحكم له طبيعة أحكام المحاكم واذ كان المحكمون يستمدون ولايتهم فى الفصل فى النزاع من اتفاق الخصوم على اختيارهم للفصل فيه فأن ما يصدر خارج المحاكم بغير هذا الاتفاق لا يكون حكما له المقومات الاساسية للاحكام...." (الطعن رقم 2186 لسنة 52 القضائية جلسة 6/ 2/ 1986). فهيئة التحكيم تقوم بولاية القضاء فيما حدده اتفاق الخصوم من مجالات الخصام فيما بينهم والولاية هنا ولاية خاصة لان شرط صحتها أن تقوم بإتفاق يتعين به الخصوم ويتحدد به مجال النزاع بينهم وموضوعه وما يرون من اجراءات وشروط لحسمه. والولاية الخاصة كما سبق البيان هى امضاء القول على الغير المعينين بذواتهم او باوصافهم. ومن استقراء احكام القانون يظهر أن الولاية الخاصة تقوم على مفهوم النيابة أو التفويض سواء كان مصدرها القانون كالولى الطبيعى أو القاضى فى الوصاية او الاتفاق فى الوكالة. ففى التحكيم وجه نيابة أتت من كونه ينشئ ولاية خاصة بامضاء قول المحكمين المختارين المتفق عليهم امضاء قولهم على اطراف الخصومة المحتكم فيها وهو ما اسمته محكمة النقض بأنه تفويض الخصوم للغير فى القضاء بينهم والحكم فى النزاع الناشب فيهم. ولكن ثمة فارق جوهرى بين أوضاع النيابة أو التفويض التى يسفر عنها التحكيم وبين النيابة فى صورتها التقليدية لأن النائب فى التصور القانونى العادى هو من يعبر عن ارادة المنوب عنه بينما الامر فى التحكيم ان هيئة التحكيم تصدر حكما فى النزاع وهو حكم لا بد ان يكون لاحد الخصمين ضد الاخر والنائب هنا يمكن أن يقضى ضد المنوب عنه. ولكن يستقيم مفهوم النيابة أو التفويض فى التحكيم بمراعاة أن هيئة التحكيم تكون مفوضة بالحكم لا عن كل من اطراف الخصومة على حدة وانما تقوم مفوضة من الطرفين المتخاصمين معا بموجب ارادتهما المشتركة التى التقت على تحكيم هيئة معينة لحسم النزاع القائم بينهما. وان الطرفين المتخاصمين يتنازعان ولا يلتقيان فى شأن موضوع النزاع وهما لم يلتقيا بشأن هذا النزاع على امر الا على اناطة امر الفصل فى النزاع إلى هيئة اتفقا على اقامتها وتعينها وان يكون قولها هو الفصل فى امرهما. ومفهوم الارادة المشتركة هنا هو ما يقوم به التوافق بين كون هيئة التحكيم مفوضة ولها وضع نيابى بالنسبة للطرفين المتخاصمين وبين كونها مستقلة عن افرادهما وعن مشيئة كل منهم فى شأن موضوع النزاع لأن الهيئة تستمد ولايتها من الخصمين جميعا بحسبان ارادتهما المشتركة ارادة واحدة منشئة لهيئة التحكيم. وغنى عن البيان أن من يختاره كل من الخصوم بهيئة التحكيم لا يعبر عن وجهه نظر هذا الخصم ولا يمثله لأن المحكم المختار من أى من الخصوم ليس صاحب قرار منفرد ولا ارادة متميزة. انما الارادة المشتركة التى فوضت الغير فى التحكيم هى ارادة تكونت بها هيئة متميزة عن الاختيارات التمهيدية لافراد الخصومة - لاحظت الجمعية العمومية انه على وفق ما ورد فيما سبق فأنه لا ترد مكنة تصرف لذى ولاية يمضى بها قوله على غيره أو فى شأن غيره وما له لا ترد الا بنص مسوغ لذلك سواء كانت ولاية خاصة او عامة ولا ترد مكنة تصرف لجهة عامة فى مال للدولة الا بموجب كونها مفوضة فى ذلك بقواعد الاختصاص بنص تشريعى أو بناء على نص تشريعى والاصل فى شأن أمور الولاية هو المنع وعدم النفاذ الا بعمل تشريعى أو أن يكون مرجوعا إلى عمل تشريعى. ومن جهة أخرى فأنه فى مجال بيان الاختصاص الوظيفى الذى هو تفويض فى شأن ولاية عامة لا يرد تفويض على تفويض ولا يجوز لمفوض فى اجراء أمر ما أن يفوض غيره فى ذلك أو ينزل عن اختصاصه إلى غيره الا أن يكون مأذونا له بذلك باجازة تستند إلى التشريع أو بعمل تشريعى والا أمكن لكل جهة عامة أن تتنازل عن اختصاصها إلى غيرها. وحتى لو كان ثمة عمل تشريعى يجيز التفويض فى الاختصاص من المختص أصلا إلى غيره فلا يجوز أن يجرى هذا التفويض المأذون به إلى مفوض غير ذى ولاية عامة ولا يجوز النزول عن الاختصاص الوظيفى إلى غير موظف عام ولا يجوز لجهة عامة أن تنزل عن اختصاصها إلى جهة خاصة. وان لجوء اية جهة عامة للقضاء ذى الولاية العامة فى نزاع يتعلق بعقد ادارى هو الاستعمال الطبيعى لحق التقاضى أما لجوؤها فى ذلك إلى التحكيم فهو يفيد الاستعاضة عن القضاء بهيئة ذات ولاية خاصة وهو تحكيم لجهة خاصة فى شأن يتعلق بصميم الاداء العام الذى تقوم عليه الدولة وما يتفرع عنها من أشخاص القانون العام وهو تحكيم لجهة خاصة فى شأن يتعلق بتسيير المرافق العامة وتنظيمها وادارتها. وكل ذلك لا تملكه جهة عامة ولا تملك تقريره هيئة عامة الا باجازة صريحة وتخويل صريح يرد من عمل تشريعى. واذا كان القضاء مستقرا - فى الانزعة الخاصة وبين أشخاص القانون الخاص - على انه لا يصح اتفاق التحكيم من وصى على قاصر الا أن يكون مأذونا له بذلك من محكمة الاحوال الشخصية ولا يصح من وكيل الا أن يكون مأذونا له باجراء اتفاق التحكيم ولا يصح الا ممن يملك التصرف بذاته أو بقوامة عليه اذا كان ذلك كذلك فلا يصح اجازة التحكيم من جهة عامة بشأن عقد ادارى بغير أن يكون موافقا على ذلك بعمل تشريعى. والحال أن المادة 23 من قانون التحكيم سالف الذكر تنص على أن "يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الاخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو انهائه أى أثر على شرط التحكيم الذى يتضمنه اذا كان هذا الشرط صحيحا فى ذاته" ومفاد هذا النص أن شرط التحكيم الوارد فى العقد هو بمثابة اتفاق مستقل بذاته وتقوم صحته فى ذاته ولو كان فى عقد بطل أو فسخ أو انهى بما يعنى أن شروط صحته تتميز عن شروط صحة العقد وما يلحقه من أوضاع قد تستوجب فسخه أو انهاءه أو بطلانه وبما يعنى فى صدد المسألة المعروضة ان صلاحية جهة الادارة لابرام العقد الادارى وفق شروط الابرام واجراءاته التى ترد بالقانون واللوائح هذه الصلاحية لا تفيد بذاتها صلاحية جهة الادارة عينها فى ابرام شرط التحكيم لتميز موضوع العقد عن شرط التحكيم فى شروط الصحة وأوضاع النفاذ والاستمرار. والحال أيضا ان العقد الادارى يتضمن بطبيعته شروطا استثنائية تقيم لجهة الادارة المتعاقدة وجه سطوة ونفوذ فى العلاقة العقدية القائمة مع الطرف الآخر وبما يتلاءم مع موضوع عقد يتعلق بتسيير المرافق العامة وانه مما يتعارض مع هذه الطبيعة أن يرد شرط التحكيم فى المنازعات التى تقوم بين أطراف هذه العقود وما تفترضه من مشاركة طرفى العقد فى تشكيل هيئة التحكيم تشكيلا اتفاقيا. واذا كان المشرع لم يشأ أن يخضع المنازعات الناشئة عن العقود الادارية لاختصاص جهات القضاء المدنى وحصر منازعاتها بالقضاء الادارى بحسبانه اختصاصا حاجزا لمنازعات هذا النوع من العقود لما تتميز به من أوضاع تتعلق بسلطات الهيئات العامة وبشئون المرافق العامة وتسييرها اذا كان هذا هكذا فان منازعات العقود الادارية تكون اكثر نأيا عن طبيعة نظام التحكيم وهيئاته. ويعتبر شرط التحكيم متنافيا مع ادارية العقد. والحال كذلك ان اجازة التحكيم طبقا لاحكام قانون التحكيم الصادر به القانون رقم 27 لسنة 1994 تفيد اجازة أن يتضمن شرط التحكيم ان يكون المحكمون أجانب أو أن يكونوا هيئة اجنبية او أن يناط اختيارهم كلهم أو بعضهم بجهات أجنبية وذلك طبقا للمادة (5) التى تجيز لاطراف التحكيم الترخيص للغير ولجهات ومنظمات خارج مصر بإتخاذ الاجراءات الواجبة الاتباع فى مسألة ما. واجازة التحكيم أيضا تفيد اجازة ان يتضمن شرط التحكيم اخضاعه باتفاق طرفيه للقواعد النافذة فى اى منظمة أو مركز تحكيم بمصر أو خارجها. وذلك طبقا لحكم المادة (25) واجازة التحكيم ايضا تفيد اجازة اختيار غير اللغة العربية لغة للتقاضى ولاجراءات التحكيم وذلك طبقا للمادة (25) من القانون كما ان اجازة التحكيم تجيز لاطرافه الاتفاق على أن يكون الحكم الذى تصدره هيئة التحكيم بين طرفى الخصومة حكما غير مسبب طبقا لما تنص المادة (43) من القانون. وكل ذلك مما يسوغ تقريره ما دام طرفا التحكيم قد اتفقا عليه فى الانزعة المدنية والتجارية ولكنه مما لا يسوغ التسليم به فى العقود الادارية لعدم التسليم بأهلية الجهة الادارية المتعاقدة بالاقرار بذلك بغير عمل تشريعى محدد وواضح الدلالة فى اقرار هذا الأمر كله أو بعضه على سبيل التعيين والتبيين - نص المادة (1) من قانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 وردت به عبارة "تسرى احكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من اشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التى يدور حولها النزاع..." الجمعية العمومية وقفت عند هذه العبارة تستجلى معناها وتتفحص مفادها وما اذا كانت وردت مقصود بها سريان احكام هذا القانون على العقود الادارية - من الجلى فى مناهج التفسير أن اللفظ العام يعتبر ظنى الدلالة فى عمومه بينما اللفظ الخاص يعتبر قطعى الدلالة فى خصوصه لأنه ما من عام الا وخصص على ما يقول علماء الاصول فى الفقه. ويظهر ما سبق جميعه مدى التباين والتنافى بين العقد الادارى من حيث طبيعته القانونية المميزة له عن العقود المدنية وبين اتفاق التحكيم وذلك من حيث صلاحية آية جهة عامة فى عقد اتفاق التحكيم ومدى ما تتسع إليه ولايتها فى ابرامه. والحاصل أن التحكيم كما تشير المادة (4) من القانون هو اتفاق بين طرفى نزاع "بارادتهما الحرة" والاصل حرية الارادة فى العقود المدنية ولكن الاصل هو تقييد الارادة فى مسائل القانون العام قرارات كانت أو عقودا ادارية. والارادة تستكمل حريتها بتوفير شرائط كما لها كارادة القاصر تستكمل بإرادة الوصى عليه واذن المحكمة حيث يشترط الاذن وارادة الجهات العامة انما تجرى كلها تفويضا وفق مسوغ تشريعى مجيز ولا بد من توافره لاعمال الولايات العامة مع الاعتبار بأن الولايات العامة انما تجرى مخصصة بالزمان أو المكان أو بمجال العمل والتخصص كما تجرى مقيدة بالشرائط والضوابط التى تضعها القوانين واللوائح لاعمالها ولاجراءات هذا الاعمال والتحكيم كما سبق البيان يصح فيما يصح ترك الحق فيه بمقابل بحسبانه يصح فيما يصح الصلح فيه - بالنسبة للاعمال التحضيرية التى صاحبت اعداد قانون التحكيم الصادر برقم 27 لسنة 1994 فالحاصل وفق افتاء سابق للجمعية العمومية صدر منها بجلسة 19 من يونية 1996 أن الاعمال التحضيرية للقانون هى مما يلقى الضوء على أحكام القانون عند اعمالها بعد صدوره بمراعاة ما يستخلص منها من ادراك للتوجهات العامة التى توضح مقاصد التشريع وأسباب اعداده والتوجهات العامة والسياسات العامة التى اريد به تحقيقها والمسائل التى اريد به علاجها. ولكن كل ذلك لا يصل به الحال إلى اعتبار ما ورد بالمذكرات الايضاحية ولا بأقوال المناقشين لمشروع القانون اعتبارهما بمثابة تفسير لنصوصه لها وجه الزام أو لها حجية ترجيح وتغليب لوجه تفسير على وجه تفسير آخر مما تتسع له نصوص القانون ذلك أن النص الذى يولد بالقانون انما يكون تطور وتبلور وتعدلت مفاهيمه وأحكامه من مراحل اعداده الاولى وفى مرحلة مناقشة نصوصه بحيث أن النص المولود انما يكون تجاوز العديد من الآراء التى احاطت به من مناقشيه عند اعداده كذلك فأن آراء من ساهموا فى اعداده انما هى محض آراء فردية واجتهادات شخصية لا تفيد أن لأحدهم أو لجماعتهم وجه ولاية فى حصر معانى القانون بعد صدوره فى تفاسيرهم ورؤاهم الذاتية. والقانون انما يصدر عن ارادة جماعية تتأتى من جمهور الموافقين عليه المصوتين له فى المجلس النيابى كما تتأتى من الاجهزة الاولية التى أعدت مسودته وطرحت ملاءمات اصداره الاولى. وهو فى كل مراحل اعداده تتناوله جهات عديدة وهيئات شتى ولجان وتشمله مناقشات ودراسات ثم تتناوله مناقشات مجلس الشعب. وهو ان صدر فهو يصدر بموافقة أغلبية أصوات الحاضرين ورغم مخالفة اقلية الاصوات له ولكنه ينسب إلى المجلس كله لا إلى جمهور الموافقين وحدهم. وكل ذلك بصرف النظر عن اعيان الموافقين وبصرف النظر عن التباين الكبير الذى يفترض قيامه بين اسباب موافقة كل من الموافقين وأسباب مخالفة كل من المخالفين وبصرف النظر عن العدد الذى بلغته الأغلبية والعدد الذى تحددت عنده الاقلية ولذلك فأن صدوره يحرره من الارادات الفردية التى شكلت حجم التأييد له وكذلك يحرره من وجوه الاعتراض الفردى الذى حدا بالاقلية إلى معارضته وهذا التحرر من اعيان المصوتين وارادتهم الفردية يفصل بين النص وبين التفسيرات والاجتهادات الشخصية التى كشفت عنها محاضر مناقشته وعادة ما لا تكشف هذه المحاضر الا عن آراء من تكلموا بالجلسات وحرروا رأيهم فيما رأوه فهمهم لاحكام النص وهم بالضرورة ليسوا كل من صوت للقانون ولنصوصه وأسهم بصوته فى اصداره وليس من يقين ولا من ظن راجح يمكن به القول بأن الساكت انما وافق أو خالف لذات ما جهر به الناطق موافقه أو اعتراضا وليس من منهج ولا معيار يمكن به أخذ الساكت بالمتكلم فى فهمه ودوافعه وعناصر ترجيحه. وكل ذلك لا تقوم به قرينة قانونية لها وجه أرجحية على أن فردا متحدثا او مذكرة ايضاحية قد استوعبت نصوص القانون وحصرتها فى اطار مقولات ذلك الفرد او المذكرة. وليس من السائغ حصر نطاق القانون فى ارادة فردية معبرة عنه وهو صدر عن ارادة جماعية شاملة وليس من السائغ حصر القانون فى ارادة باطنة تستخلص من نية فرد أو افراد ساهموا فى تنشئته الاولى. والأليق والأبين أن تستخلص أحكامه من وجوه الارادة الظاهرة المفصحة عن ذاتها من نص عباراته وفى اطار التنظيم المتماسك الذى صاغته أحكامه التفصيلية أو من مقاصد تشريعه البادية التى تستقرأ من مواده وفقراته وعباراته وذلك كله فى اطار صلته بالهيكل التشريعى العام والآثار الموضوعية التى تترتب على المراكز القانونية التى أنشأها وصلته بسائر المراكز القانونية التى يسفر عنها اعمال الهياكل التشريعية المتداخلة من أحكام القوانين الاخرى وصلاتها المتبادلة. ومع تقدير كل ذلك رأت الجمعية العمومية استعراض ما ورد بالاعمال التحضيرية لقانون التحكيم لاستخلاص الدلالات العامة فى شأن صلة التحكيم بالعقود الادارية. كان احيل مشروع قانون التحكيم التجارى بمجلس الشعب إلى لجنة مشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية وجاء فى تقرير هذه اللجنة المرسل إلى رئيس مجلس الشعب فى 31 من يناير سنة 1996 جاء به ان نظام التحكيم يتيح سرعة الفصل فى المنازعات الناشئة عن العلاقات التجارية الدولية ويعطى الطمأنينة للمستثمرين وان قواعد التحكيم بقانون المرافعات وضعت للتحكيم الداخلى فهى لا تحقق الهدف المنشود ولا تغنى بالنسبة إلى التحكيم الدولى "لما له من طبيعة خاصة" وذكر التقرير ان اللجنة فضلت وضع قانون تحكيم عام فى المواد المدنية والتجارية يطبق على نوعى التحكيم الداخلى والدولى" ومن هذا المنطلق عدلت نصوص المشروع وعنوانه والغت مواد التحكيم فى قانون المرافعات (م 501 - 513) وحذفت عبارة "تجارى دولى" من مادة الاصدار الاولى وعدلتها بما يجعل التحكيم شاملا "سواء أكان تجاريا أو غير تجارى داخليا او دوليا. وذكر أنه صار الشريعة العامة للتحكيم" أيا كانت طبيعة المنازعة التى يدور بشأنها التحكيم وأيأ كان وضعه "وصار عنوان القانون أنه تحكيم "فى المواد المدنية والتجارية" وليس فى "التحكيم التجارى الدولى". ثم ورد بالتقرير ان المشروع يسرى على كل تحكيم يجرى فى مصر" سواء أكان بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص. وأيا كانت العلاقة التى يدور حولها النزاع وقد قصد من هذه العبارة سريان هذا القانون على العقود الادارية كى يصبح حكمها تقنينا لما إنتهى إليه افتاء مجلس الدولة فى هذا الشأن". ثم عرض المشروع بمجلس الشعب وبجلسة 6 مارس سنة 1994 ذكرت مقررة اللجنة أن "اللجنة استقرت على أن يكون التحكيم متعلقا بالمعاملات المدنية والتجارية سواء كانت داخلية أو دولية". وبالجلسة ذاتها ذكر أحد أعضاء مجلس الشعب أن التحكيم مفروض الا يشمل الانزعة بين الاشخاص العامة بعضها وبعض لأن ذلك من اختصاص الجمعية العمومية بمجلس الدولة فرد وزير العدل بأن المذكرة الايضاحية أشارت "إلى جواز الاتفاق على التحكيم فى منازعات العقود الادارية فهل سيادتكم تختلف معنا فى هذا وان العقود الادارية يجوز التحكيم فيها هذا أمر انتهى بإفتاء مجلس الدولة وأفتت الجمعية العمومية بهذا أكثر من مرة وأصبحت مسألة ليست محل خلاف" ثم أشار إلى أنه ليس هناك ما يمنع شخصين عامين من اللجوء فى خلافهما إلى التحكيم "التحكيم جائز فى المنازعات والعقود الادارية لأن اتفاق "التحكيم جائز بين أشخاص القانون العام بالاتفاق بينهم". وكان عضو مجلس الشعب الدكتور/ ادوارد الدهبى قد أشار بجلسة 20 فبراير سنة 1994 إلى أن المستثمرين يتمسكون دائما فى عقودهم بشروط التحكيم وان الميزة الكبرى لمشروع القانون أنه جمع بين التحكيم الداخلى والدولى. ثم ذكر ان التحكيم يقوم على مبدأ حرية الارادة لان لطرفيه الحرية الكاملة فى اختيار المحكمين وقواعد التحكيم ومكانه ولغته والحرية هى محور التحكيم. ثم لما نوقشت المادة (2) من مشروع القانون فى جلسة 6 مارس سنة 1994 وهى المادة الخاصة بالتحكيم التجارى وامثله لما يشمله من عقود ذكر سيادته أنه لا وجه لاشتمال النص على امثلة للقيود "عندما تساءلت لماذا هذه الأمثلة فقيل لى أنها من أجل أن نتفادى النص صراحة على العقود الادارية" وقال أن فتويين لمجلس الدولة حسمتا جواز التحكيم فى العقود الادارية "ونحن نلف وندور لكى لا نقول العقود الادارية" واقترح حذف الامثلة الواردة بالنص وأن يضاف اليه عبارة "ويشمل ذلك كافة العقود الادارية". فرد رئيس مجلس الشعب "انى اخشى ما أخشاه اليوم والتحكيم يكون بإرادة الدولة - أنه اذا وردت هذه العقود بالأسم فى القانون فان الدولة عندما تتعاقد مع غيرها وخصوصا فى مجال استخراج الثروة الطبيعية وعقود المفاعلات النووية أن تطلب الدولة المتعاقدة أو الشركة توافر شرط التحكيم وتستند إلى النص صراحة فى القانون" وذكر سيادته بما كان من الغاء المادة (8) من مشروع قانون الاستثمار المتعلقة بقبول الحكومة المصرية للتحكيم "حتى لا يقال أن الدولة بإرادتها التشريعية قد تنازلت عن الاختصاص القضائى صراحة فى عقود معينة وبالتالى فنقول ان ذكر هذه العقود بالذات قد يورث نوعا من اللبس". وذكر وزير العدل ان الدكتور/ اداورد الدهبى خلط بين المادتين (1) (2) وأن الامثلة "التى وردت فى المادة (2) لا شأن لها بالعقود الادارية" وانها ليست كلها من عقود الدولة انما يمكن أن يبرمها أفراد فى علاقاتهم الخاصة وذكر سيادته المادة (1) هى "التى تقطع بافتاء مجلس الدولة... هو جواز التحكيم فى العقود الادارية.... فى قولها أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية..". فرد الدكتور/ ادوارد الدهبى قائلا أن "المادة (1) قالت كل تحكيم من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص هذا كلام لا يعنى أبدا - لا صراحة ولا ضمنا - العقود الادارية - لأن أشخاص القانون العام تدخل فى منازعات كثيرة ومعاملات كثيرة تنطبق عليها أحكام القانون المدنى وليست عقودا ادارية اى لا يكفى أن يكون أحد اطراف العقد شخصا عاما أو الدولة لكى يكون العقد عقدا اداريا هذا له شروط اخرى.. لذلك فان رأيى أنه يجب ان ينص صراحة على العقود الادارية...". ثم عرض رئيس المجلس التصويت على اقتراح الدكتور/ الدهبى بالنص الذى قدمه وفيه عبارة "ويشمل ذلك كافة العقود الادارية" فلم يوافق عليه الا اقلية ولم توافق الاغلبية على نص اضيفت فيه هذه العبارة ورفضتها - الجمعية العمومية استخلصت من هذا العرض للاعمال التحضيرية فيما يتعلق بالمسألة المثارة أن مشروع القانون اعد اصلا لينظم التحكيم فى المنازعات الدولية ثم ورد استحسان أن يتضمن تنظيما عاما للتحكيم فى المنازعات الدولية والداخلية ليحل محل مواد قانون المرافعات التى كانت تنظم التحكيم فالقانون اساسا صدر ليعالج المسائل المدنية والتجارية. وبالنسبة لخضوع منازعات العقد الادارى للتحكيم المنظم بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فأن هذا القانون فى اى من مراحل اعداده وحتى صدر لم يشمل قط على حكم صريح بخضوع العقود الادارية لهذا القانون. وعندما قدم أحد الاعضاء اقتراحا بأن يتضمن القانون عبارة صريحة بهذا المعنى عرض اقتراحه بنصه على المجلس للتصويت فرفض الاقتراح وتبين من المناقشات ان صاحب الاقتراح ذكر ان كان ثمة حرص على تفادى النص صراحة على العقود الادارية عند إعداد المشروع ولذلك تضمن المشروع أمثلة لعقود هى مما يغلب على العقود الادارية ان تكون من بينها. كما ان رئيس مجلس الشعب أوضح فى المناقشات ما يخشاه من أن النص على العقود الادارية فى القانون يشجع المتعاقدين مع الدولة على طلب ادراج شرط التحكيم فى عقود الدولة معهم وان قانون الاستثمار استبعد النص على التحكيم تفاديا لهذا الامر. وان وزير العدل عندما أكد فى المناقشات شمول قانون التحكيم لمنازعات العقود الادارية بما تضمنته المادة (1) من عبارة "أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التى يدور حولها النزاع" فقد كان سيادته دائما فى كل مرة ذكر فيها هذا الرأى كان يكرر الاشارة إلى ان الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة انتهت إلى جواز التحكيم فى هذه العقود ومن ثم كان قول سيادته مستندا إلى ما تبنته الجمعية العمومية وقتها ولم يكن محض استخلاص حتمى من العبارة العامة الواردة بالنص "ايا كانت طبيعته". بما يعنى ان الامر متروك لما يسفر عنه الترجيح فى التفسير من نظر ولما يستقر عليه الامر من بعد - الحاصل أن المادة (1) تضمنت النص على كل تحكيم "بين أطراف من اشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعته.." وقد انكر صاحب الاقتراح المرفوض ان القانون يتضمن نصا صريحا عن العقود الادارية ذكر أن ورود الاشخاص العامة لا يفيد ذكرا صريحا للعقود الادارية لان الاشخاص العامة تبرم عقودا مدنية فى العديد من معاملاتها ولم يستفد سيادته من العبارة العامة فى هذا النص حتمية اشتمالها على العقود الادارية. ومن ثم فان اثنين من المتحدثين عن النص اختلفا فى تفسيره أثناء جلسة الموافقة على القانون بما يستبعد معه ان الموافقين على القانون كانوا جميعا يقصدون من هذه العبارة شمولها للعقود الادارية والعبرة هنا بالارادة الجماعية وليس بالاجتهادات الفردية ما دام الامر يتعلق بالنص وبمدى حسمه فى الاشارة إلى حكم محدد. ولما اريد الحسم بنص صريح رفض هذا الاقتراح - بالنسبة لفتاوى الجمعية العمومية السابقة التى أجازت التحكيم فى العقود الادارية فقد كان يقابلها أحكام للمحكمة الادارية العليا فى ذات الفترة رفضت خضوع العقود الادارية لنظام التحكيم وأحد هذه الاحكام لم يعتد بهذا الشرط فى قانون صادر بعقد امتياز لان القانون اشتمل على موافقة فردية تخالف نصا عاما مجردا. والحاصل أن شمول نظام التحكيم أو عدم شموله لمنازعات العقود الادارية لا يتعلق فقط بما اذا كان قانون التحكيم يسع هذه العقود أو لا يسعها انما يتعلق أيضا بصحة شرط التحكيم من حيث توافر كمال أهلية ابرامه لمن يبرمه فى شأن نفسه وماله وتوافر كمال ولاية ابرامه لمن يبرمه فى شأن غيره أو مال غيره والاصل عند عدم النص صحة ما يجريه الشخص فى شأن نفسه وماله والاصل عند عدم النص عدم صحة ما يجريه الشخص فى شأن غيره وماله. واذا كان شرط التحكيم فى منازعات العقود الخاصة لا يصح لناقص الاهلية الا باكتمال أهليته وصيا ومحكمة فانه فى منازعات العقود الادارية لا يصح هذا الشرط الا باكتمال الارادة المعبرة عن كمال الولاية العامة فى اجزائه ولا تكتمل الولاية هنا الا بعمل تشريعى يجيز شرط التحكيم فى العقد الادارى بضوابط محددة وقواعد منظمة أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للأذن به فى اية حالة مخصوصة وذلك بمراعاة خطر هذا الشرط فلا تقوم مطلق الاباحة لاى هيئة عامة أو وحدة ادارية أو غير ذلك من أشخاص القانون العام - مؤدى ذلك: عدم صحة شرط التحكيم فى منازعات العقود الادارية.