مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
الجزء الأول - خلال المدة من أكتوبر سنة 1996 إلى يونيه سنة 2000 - صـ 463

(فتوى رقم 744 بتاريخ 7/ 7/ 1997 ملف رقم 58/ 1/ 79)
جلسة 21 من مايو سنة 1997
(17)

- أزهر - تفويض - تأديب - مدى جواز تفويض فضيلة شيخ الأزهر وكيل الأزهر فى لاختصاصات التأديبية بالنسبة للعاملين بالأزهر غير شاغلى وظائف الادارة العليا.
استظهار الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع ان العاملين المدنيين بالأزهر الشريف (فيما عدا أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر وأعضاء الادارات القانونية بهيئات الأزهر) يسرى عليهم فى شئونهم الوظيفية أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة بمراعاة أحكام قانون تنظيم الأزهر والقانون رقم (19) لسنة 1973 وقد خول المشرع فضيلة شيخ الأزهر الاختصاصات المقررة للوزير وخول فضيلته وكيل الأزهر سلطات وكيل الوزارة المنصوص عليها فى القوانين واللوائح ومن ثم تكون السلطات المخولة للوزير ورئيس الادارة المركزية المختص بقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة معقودة لكل من صاحب الفضيلة شيخ الأزهر ووكيل الأزهر بالنسبة للعاملين المدنيين بالأزهر الذين يسرى عليهم هذا القانون واجاز المشرع بالمادة ((3)) من القانون رقم (42) لسنة 1967 للوزراء ومن فى حكمهم أن يعهدوا ببعض الاختصاصات المخولة لهم بموجب التشريعات إلى وكلاء الوزارات - لاحظت الجمعية العمومية أن المسالة القانونية المطروحة عليها والمتعلقة بمدى جواز التفويض فى الاختصاصات التأديبية ثار فى شأنها خلاف فى الرأى وصدرت فى خصوصها أحكام قضائية وفتاوى تباينت فيها الآراء سبق للمحكمة الادارية العليا ان قضت بجلستها المعقودة فى 8 من ديسمبر سنة 1987 فى الطعن رقم 1584 لسنة 32 القضائية إلى أن (ولاية التأديب لا يملكها سوى الجهة التى ناط بها المشرع هذا الاختصاص فى الشكل الذى حدده لما فى ذلك من ضمانات قدر المشرع أنها لا تتحقق الا بهذه الأوضاع) وانتهت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فى 19 من مارس سنة 1986 (ملف رقم 86/ 6/ 329) إلى "عدم مشروعية التفويض فى الاختصاصات التأديبية بركيزة أن النطاق التأديبى الذى حدده القانون لسلطات التأديب واختصاصاتها لا يجوز المساس به لما قد يؤدى إليه من تعديل فى هذه السلطات وادماج جهات توقيع الجزاء فى جهات التعقيب عليه". ثم أكدت على هذا الاتجاه بجلستها المنعقدة فى 4 من فبراير سنة 1987 (ملف رقم 58/ 1/ 36) واوردت فى هذا المقام قولها أنه "لا يجوز لمن كانت له سلطة تأديبية معينة أن يفوض غيره فى مزاولتها إلا بنص قانونى يجيز له التفويض فى ممارسة هذا الاختصاص بالذات وذلك لما للسلطة التأديبية من طبيعة خاصة حدت بالمشرع إلى قصر مزاولتها على سلطات معينة يمتنع عليها التفويض إلا بنص خاص" - وفى المقابل من ذلك فقد سبق ان افتت الجمعية العمومية بجلستها المنعقدة فى 20 من مايو سنة 1987 (ملف رقم 86/ 6/ 365) إلى "جواز تفويض مدير النيابة الادارية سلطاته التأديبية إلى الوكلاء العامين وممن فى حكمهم" وارتكزت الجمعية العمومية فى ذلك إلى القول بأنه وقد خلا كل من قانون النيابة الادارية وقانون العاملين المدنيين بالدولة السارى من نص يجيز لمدير النيابة الادارية بصفته هذه أو بصفه ما له من سلطات الوزير ان يفوض سلطاته التأديبية إلى غيره فأنه يتعين الرجوع فى هذا الشأن إلى أحكام القانون العام المنظم للتفويض فى الاختصاصات (القانون رقم 42 لسنة 1997) خاصة المادة (3) منه أجازت للوزراء ومن فى حكمهم أى من لهم سلطات الوزير ان يعهدوا ببعض الاختصاصات المخولة لهم بموجب التشريعات إلى وكلاء الوزارات أو المحافظين أو مديرى المصالح والادارات العامة او رؤساء الهيئات او المؤسسات العامة وعلى ذلك ولمنا كان لمدير النيابة الادارية بالنسبة للعاملين بها السلطات المقررة فى قانون العاملين بما فيها ولاية التأديب وكان لكل من نواب مدير النيابة الادارية والوكلاء العامين الأول (الذين يسرى عليهم ما يسرى على الوكلاء العامين) والوكلاء العامين سلطة وكيل الوزارة على النحو الوارد فى المادة (2) من القانون رقم (117) لسنة 1958 فأنه لمدير النيابة ان يفوض أيا منهم فى سلطاته التأديبية أو بعضها بالنسبة للعاملين المدنيين بالنيابة الادارية. ثم افتت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بجلستها المنعقدة فى 5 من ديسمبر سنة 1990 "أنه يجوز للمحافظ تفويض نوابه فى اختصاصاته التأديبية وذلك تأسيسا على ان النص على جواز تفويض المحافظ لنوابه فى بعض اختصاصاته جاء عاما فى نطاقه مطلقا فى مداه.. وأنه لا اخلال فيه بشئ من ضمانات التأديب ولا معقب على السلطة المفوضة من قبل السلطة التى فوضتها فيما توقعه من جزاءات أو تتخذه من قرارات فليس لهذه الاخيرة ان تعطل اختصاصات المفوض إليه إذ باشرها فعلا وان كان لها إذا ما رأت عدم مناسبة التصرف أن تعدل بالنسبة إلى المستقبل عن التفويض وأنه من المؤكد انه يتعين على نائب المحافظ فيما فوض فيه من اختصاص المحافظ فى مجال التأديب أن يباشر اختصاصه فى حدود القانون فيراعى ما هو مقرر من ضمانات ومنها أن يصدر القرار بعد توفر ما يجب فى التحقيق أيضا من ضمانات فى مواجهة العامل بالمخالفات وبأدلة الادانة مع تمكينه من الدفاع عن نفسه فالتفويض لا ينقص فى شئ منها جميعا" - تبينت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع ان الثابت فى فقه القانون الادارى أنه لم ينظر إلى حظر التفويض فى الاختصاصات التأديبية على أنه من الضمانات التأديبية وخلصت الجمعية العمومية إلى أن الوصول إلى كلمة سواء بالنسبة لمسألة مدى جواز التفويض فى الاختصاصات التأديبية يرتبط وينبثق عن جنس الولاية التى يصدر عنها القرار التأديبى الذى يثور البحث حول مدى جواز التفويض فى سلطة اصداره وهل هى تنتمى إلى ولاية القضاء العقابى بما لا يسمح بالتفويض فيها أم تدخل فى ولاية القرارات الادارية التى يجوز فيها التفويض بالأحكام والضوابط المقررة فى هذا الخصوص. وفى هذا المقام تبينت الجمعية العمومية ان الجريمة الجنائية باعتبارها تمثل عدوانا على المجتمع وأمنه واستقراره فأن نوع العقاب المحدد لمواجهة الجريمة يتعلق فى الغالب الأعم بشخص الجانى ويبلغ من الشدة مبلغا شديدا يبرره الحفاظ على أمن الجماعة وسلامتها وهى شدة تصل إلى حد اهدار حياة الجانى او حريته ومن ثم كان أمرا مقضيا ان ترد الضمانات بالنسبة لسلطة انزال هذا العقاب على قدر هذه الخطورة وبما يجعل الهيئات المنوط بها هذه السلطة ذات وضع يستبد فيه بما ينط بها من ولاية لا يجوز التفويض فيها، وأما النظام التأديبى فيهدف إلى حماية مؤسسة العمل هيئة كانت او مرفقا عاما والجريمة هنا تتعلق باوضاع العمل فى المرفق وعقوبتها من جنسها خطرا وتتعلق كلها بالحقوق الوظيفية للموظف فهى أما تتعلق بالخصم من الرتب او بتأجيل استحقاق العلاوات الدورية او الترقية او بخفض الدرجة التى يشغلها الموظف أو بالوقف عن العمل أو بالفصل من الوظيفة وهو أقصى العقوبات. لذلك لم يكن التنظيم الادارى بحاجة إلى توزيع السلطات العامة التى تتداول تحريك نظام العقاب التأديبى بمثل ما صنع قانون الاجراءات الجنائية ولا كان التنظيم الادارى بحاجة ماسة إلى أن يقيم هيئات ذات اختصاص حاجز بالنسبة لأى من مستويات تتبع الجريمة الادارية وتوقيع الجزاء عليها. وان كان ثمة حرص على التأكيد على كفالة نوع الضمانات التى تحمى العامل والموظف فيما عسى ان تعسفه السلطات الرئاسية من حقوق فى العمل فاشترطت القوانين وجوب التحقيق لاثبات واقعة المخالفة ومواجهة العامل بما نسب إليه وسماع أقواله بشأنه قبل توقيع الجزاء عليه واشترطت بعض الاجراءات بالنسبة لأوضاع توقيع الجزاءات الشديدة كالفصل مثلا فتلكم هى الضمانات التأديبية التى لا يجوز اهدارها أو التعدى عليها أو الخروج عنها وإلا تردى القرار التأديبى فى حدمة المخالفة وعدم المشروعية. والقرار التأديبى فى حقيقته وجوهره هو قرار يصدر عن سلطة عامة بصدد أحد اربطة القانون العام هى الرابطة الوظيفية ما بين العامل وجهة الادارة ولا يتجاوز هذا القرار فى مداه وأثره كما سبق القول حدود هذه العلاقة شأنه فى ذلك شأن غيره من القرارات الاخرى المنبثقة عن هذه العلاقة ومن ثم يدخل الاختصاص باصدار هذا القرار ضمن ولاية اصدار القرارات الادارية عامة بما تخضع له من ضوابط واحكام. وقد استقر الرأى على أن هذه الولاية بعمومها لا يجوز التفويض فيها الا بنص كما لا يجوز التفويض إلا إلى من عينهم النص ولا يباح التفويض فى هذه الولاية بأداة أدنى من الاداة المانحة لها - والمشرع قد يمنح الاختصاص وينظم التفويض فيه اجازة أو حظرا او تنظيما ويحدد من يجوز تفويضه فيه وذلك على وجه الخصوص بالنسبة لهذا الاختصاص بالذات، وقد يمنح المشرع الاختصاص ويسكت عن حكم التفويض فيه فتسرى القواعد العامة بشأن التفويض على التفويض فى مثل هذا الاختصاص شريطة الا يتأبى مثل هذا الاختصاص على التفويض فلا يجوز التفويض فى اختصاصات المجالس واللجان إلى المسئولين فرادى وبمراعاة الا يتعارض التفويض مع قصد المشرع من وراء تحديد الاختصاصات وتوزيعها على نحو معين. وذلك بغير تفرقة فى هذا الشأن ما بين القرار التأديبى وغيره بالقول بعدم جواز التفويض فى هذا القرار التأديبى الا بنص خاص لعدم وجود سند لمثل هذا الاشتراط سيما وان القاعدة ان المطلق بنص على اطلاقه ما لم يرد ما يقيده والعام يبقى على عموميته ما لم يرد ما يخصصه - ولا محاجة فى ذلك بأن ولاية التأديب لها أهمية وطبيعة خاصة لان هذه الأهمية تظل ولاية إصدار القرارات الادارية بصفة عامة ولا يخفى على أحد مدى خطورة هذه السلطة وتلك الولاية بعامة واذ بها ينفذ القول على الغير فى مركزه القانونى (منحا ومنعا وتنظيما) وفى حريته وماله وكل ذلك لا يقل فى خطورته واثره عن القرار الذى لا يتعد حدود العلاقة الوظيفية وآثارها. وقد انتهت المحكمة الادارية العليا بجلستها المعقودة فى 2 من مارس سنة 1980 (الطعن رقم 198 لسنة 28 القضائية) إلى جواز التفويض فى سلطة ازالة التعدى على الأموال العامة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة المخولة للوزير إلى رؤساء الهيئات العامة على سند مما قضت المادة (3) من القانون رقم (42) لسنة 1967 فى شأن التفويض فى الاختصاصات من أنه "يجوز للوزير ان يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب التشريعات إلى رؤساء الهيئات العامة التابعة له وكذلك الشأن بالنسبة لسلطة المحافظ المختص فى ازالة التعدى على املاك الدولة المخولة له بموجب المادة 26 من قانون نظام الادارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979" فقد اعتدت المحكمة الادارية العليا فى حكمها الصادر بجلستها المعقودة فى 17 من ديسمبر سنة 1988 (الطعن رقم 1281 لسنة 33 القضائية) بالتفويض الصادر من المحافظ فى هذه السلطة إلى رؤساء الوحدات المحلية للمدن والمراكز - المشرع فى مجال تحديد السلطة الادارية التى تملك سلطة انزال العقاب التأديبى قد وزعها ما بين الرئيس المباشر ورئيس الادارة المركزية المختص والسلطة المختصة على نحو متدرج ومتفاوت قاصدا من ذلك تخويل كل سلطة من هذه السلطات قدرا من الهيمنة والسيطرة على العامل بما يحقق مصلحة العمل من ناحية وينأى عن الجمع والتركيز سواء بالنسبة لسلطة إنزال العقاب أو التعقيب عليه ومؤدى هذا القصد وحفاظا على تحقيقه أنه يشترط لاباحة التفويض فى الاختصاصات التأديبية الا يفضى التفويض إلى الجمع بين سلطة توقيع الجزاء وسلطة التعقيب عليه أو التداخل فى توقيع الجزاءات أو الجمع بينها او أن يملك الأدنى وظيفة سلطة توقيع جزاء اشد مما يعلوه وظيفة من جراء هذا التفويض - لما كان ذلك وكانت المادة 3 من القانون رقم 42 لسنة 1967 وقد اجازت للوزراء ومن فى حكمهم ان يعهدوا ببعض الاختصاصات المخولة لهم إلى وكلاء الوزارات فمن ثم يكون لشيخ الأزهر وبصفته يملك الاختصاصات المقررة للوزير بالنسبة للعاملين المدنيين بالازهر الذين يسرى عليهم قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ان يفوض سلطاته التأديبية إلى وكيل الازهر بما لا يؤدى إلى التداخل فى الاختصاصات التى يملكها المفوض فيها أو جمع بينها سواء بالنسبة إلى التدرج فى سلطة توقيع الجزاء أو بالنسبة إلى التعقيب عليه - مؤدى ذلك: جواز تفويض فضيلة شيخ الازهر وكيل الازهر فى الاختصاصات التأديبية بما لا يؤدى إلى التداخل فى الاختصاصات أو الجمع بينها سواء بالنسبة إلى التدرج فى سلطة توقيع الجزاء أو بالنسبة إلى التعقيب عليه.