مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
الجزء الأول - خلال المدة من أكتوبر سنة 1996 إلى يونيه سنة 2000 - صـ 471

(فتوى رقم 745 بتاريخ 7/ 7/ 1997 ملف رقم 86/ 6/ 266)
جلسة 21 من مايو سنة 1997
(18)

- ادارة محلية - تفويض - تأديب - مدى جواز التفويض فى الاختصاصات التأديبية المقررة للمحافظين إلى نوابهم أو إلى رؤساء الوحدات المحلية بالمحافظة.
لاحظت الجمعية العمومية أن المسألة القانونية المطروحة عليها والمتعلقة بمدى جواز التفويض فى الاختصاصات التأديبية ثار فى شأنها خلاف فى الرأى وصدرت فى خصوصها أحكام قضائية وفتاوى تباينت فيها الآراء سبق للمحكمة الادارية العليا أن قضت بجلستها المعقودة فى 8 من ديسمبر سنة 1987 فى الطعن رقم 1584 لسنة 32 القضائية الى أن (ولاية التأديب لا تملكها سوى الجهة التى ناط بها المشرع هذا الاختصاص فى الشكل الذى حدده لما فى ذلك من ضمانات قدر المشرع أنها لا تتحقق الا بهذه الأوضاع). وانتهت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فى 19 من مارس سنة 1986 (ملف رقم 86/ 6/ 329) الى عدم مشروعية التفويض فى الاختصاصات التأديبية بركيزة من أن النطاق التأديبى الذى حدده القانون لسلطات التأديب واختصاصاتها لا يجوز المساس به لما قد يؤدى اليه من تعديل فى هذه السلطات وادماج جهات توقيع الجزاء فى جهات التعقيب عليه. ثم أكدت على هذا الاتجاه بجلستها المنعقدة فى 4 من فبراير سنة 1987 (ملف رقم 58/ 1/ 36) وأوردت فى هذا المقام قولها ولا يجوز لمن كانت له سلطة تأديبية معينة أن يفوض غيره فى مزاولتها الا بنص قانونى خاص يجيز له التفويض فى ممارسة هذا الاختصاص بالذات وذلك لما للسلطة التأديبية من طبيعة خاصة حدة بالمشرع إلى قصر مزاولتها على سلطات معينة يمتنع عليها التفويض الا بنص خاص - وفى المقابل من ذلك فقد سبق أن أفتت الجمعية العمومية بجلستها المنعقدة فى 2 من مايو سنة 1987 (ملف رقم 86/ 6/ 365) الى جواز تفويض مدير النيابة الادارية سلطاته التأديبية الى الوكلاء العامين ومن فى حكمهم وارتكزت الجمعية العمومية فى ذلك الى القول بأنه وقد خلا كل من قانون النيابة الادارية وقانون العاملين المدنيين بالدولة السارى من نص يجيز لمدير النيابة الادارية بصفته هذه أو بصفة ما له من سلطات الوزير أن يفوض سلطاته التأديبية الى غيره فانه يتعين الرجوع فى هذا الشأن الى أحكام القانون العام المنظم للتفويض فى الاختصاصات (القانون رقم 42 لسنة 1967) خاصة المادة (3) منه أجازت للوزراء ومن فى حكمهم (أى من لهم سلطات الوزير) أن يعهدوا ببعض الاختصاصات المخولة لهم بموجب التشريعات الى وكلاء الوزارات أو المحافظين أو مديرى المصالح والادارات العامة أو رؤساء الهيئات أو المؤسسات العامة وعلى ذلك ولما كان لمدير النيابة الادارية بالنسبة للعاملين بها السلطات المقررة فى قانون العاملين بما فيها ولاية التأديب وكان لكل من نواب مدير النيابة الادارية والوكلاء العامين (الذين يسرى عليهم ما يسرى على الوكلاء العامين) والوكلاء العامين سلطة وكيل الوزارة على النحو الوارد فى الماده (42) من القانون رقم 117 لسنة 1958 فانه لمدير النيابة أن يفوض أيا منهم فى سلطاته التأديبية أو بعضها بالنسبة للعاملين المدنيين بالنيابة الادارية. ثم أفتت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بجلستها المنعقدة فى 5 من ديسمبر سنة 1990 أنه "يجوز للمحافظ تفويض نوابه فى اختصاصاته التأديبية وذلك تأسيسا على أن النص على جواز تفويض المحافظ لنوابه فى بعض اختصاصاته جاء عاما فى نطاقه مطلقا فى مداه.. وأنه لا اخلال فيه بشئ من ضمانات التأديب ولا معقب على السلطة المفوضة من قبل السلطة التى فوضتها فيما توقعه من جزاءات أو تتخذه من قرارات فليس لهذه الأخيرة أن تعطل اختصاصات المفوض اليه اذا باشرها فعلا وان كان لها اذا ما رأت عدم مناسبة التصرف أن تعدل بالنسبة الى المستقبل عن التفويض وأنه من المؤكد أنه يتعين على نائب المحافظ فيما فوض فيه من اختصاص المحافظ فى مجال التأديب أن يباشر اختصاصه فى حدود القانون فيراعى ما هو مقرر فيه من ضمانات ومنها أن يصدر القرار بعد توفر ما يجب فى التحقيق أيضا من ضمانات فى مواجهة العامل بالمخالفات وبأدلة الادانة مع تمكينه من الدفاع عن نفسه فالتفويض لا ينقص فى شئ منها جميعا - تبينت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع أن الثابت فى فقه القانون الادارى أنه لم ينظر الى حظر التفويض فى الاختصاصات التأديبية على أنه من الضمانات التأديبية وخلصت الجمعية العمومية الى أن الوصول الى حكمه سواء بالنسبة لمسألة مدى جواز التفويض فى الاختصاصات التأديبية يرتبط وينبثق عن جنس الولاية التى يصدر عنها القرار التأديبى الذى يثور البحث حول مدى جواز التفويض فى سلطة اصداره وهل هى تنتمى الى ولاية القضاء العقابى بما لا يسمح بالتفويض فيها أم تدخل فى ولاية القرارات الادارية التى يجوز فيها التفويض بالأحكام والضوابط المقررة فى هذا الخصوص. وفى هذا المقام تبينت الجمعية العمومية أن الجريمة الجنائية باعتبارها تمثل عدوانا على المجتمع وأمنه واستقراره فان نوع العقاب المحدد لمواجهة الجريمة يتعلق فى الغالب الأعم بشخص الجانى ويبلغ من الشدة مبلغا شديدا يبرره الحفاظ على أمن الجماعة وسلامتها وهى شدة تصل الى حد اهدار حياة الجانى أو حريته ومن ثم كان أمرا مقضيا أن ترد الضمانات بالنسبة لسلطة انزال هذا العقاب على قدر هذه الخطورة وبما يجعل الهيئات المنوط بها هذه السلطة ذات وضع تستند فيه لما نيط بها من ولاية لا يجوز التفويض فيها. وأما النظام التأديبى فيهدف الى حماية مؤسسة العمل هيئة كانت أو مرفقا عاما والجريمة هنا تتعلق بأوضاع العمل فى المرفق وعقوبتها من جنسها خطرا تتعلق كلها بالحقوق الوظيفية للموظف فهى اما تتعلق بالخصم من الراتب أو بتأجيل استحقاق العلاوات الدورية أو الترقية أو بخفض الدرجة التى يشغلها الموظف أو بالوقف عن العمل أو الفصل من الوظيفة وهو أقصى العقوبات. لذلك لم يكن التنظيم الادارى بحاجة الى توزيع السلطات العامة التى تتداول تحريك نظام العقاب التأديبى بمثل ما صنع قانون الاجراءات الجنائية ولا كان التنظيم الادارى بحاجة ماسة الى أن يقيم هيئات ذات اختصاص حاجز بالنسبة لأى من مستويات تتبع الجريمة الادارية وتوقيع الجزاء عليها. وان كان ثمة حرص على التأكيد على كفالة نوع من الضمانات التى تحمى العامل والموظف فيما عسى أن تعتسفه السلطات الرئاسية من حقوق فى العمل فاشترطت القوانين وجوب التحقيق لاثبات واقعة المخالفة ومواجهة العامل بما نسب اليه وسماع أقواله بشأنه قبل توقيع الجزاء عليه. واشترطت بعض الاجراءات بالنسبة لأوضاع توقيع الجزاءات الشديدة كالفصل مثلا فتلكم هى الضمانات التأديبية التى لا يجوز اهدارها أو التعدى عليها أو الخروج عنها والا تردى القرار التأديبى فى خدمة المخالفة وعدم المشروعية. والقرار التأديبى فى حقيقته وجوهره هو قرار يصدر عن سلطة عامة بصدد أحد أربطة القانون العام هى الرابطة الوظيفية ما بين العامل وجهة الادارة ولا يتجاوز هذا القرار فى مداه وأثره (كما سبق القول) حدود هذه العلاقة شأنه فى ذلك شأن غيره من القرارات الأخرى المنبثقة عن هذه العلاقة ومن ثم يدخل الاختصاص باصدار هذا القرار ضمن ولاية اصدار القرارات الادارية عامة بما تخضع له من ضوابط وأحكام. وقد استقر الرأى على أن هذه الولاية بعمومها لا يجوز التفويض فيها الا بنص كما لا يجوز التفويض الا الى من عينهم النص ولا يباح التفويض فى هذه الولاية بأداة أدنى من الاداة المانحة لها. والمشرع قد يمنح الاختصاص وينظم التفويض فيه (اجازة أو حظرا أو تنظيما) ويحدد من يجوز تفويضه منه وذلك على وجه الخصوص بالنسبة لهذا الاختصاص بالذات. وقد يمنح المشرع الاختصاص ويسكت عن حكم التفويض فيه فتسرى القواعد العامة بشأن التفويض على التفويض فى مثل هذا الاختصاص شريطة ألا يتأبى مثل هذا الاختصاص على التفويض فلا يجوز التفويض فى اختصاصات المجالس واللجان الى المسئولين فرادى وكذلك يتعين بمراعاة ألا يتعارض التفويض مع قصد المشرع من وراء تحديد الاختصاصات وتوزيعها على نحو معين. وذلك بغير تفرقة فى هذا الشأن ما بين القرار التأديبى وغيره بالقول بعدم جواز التفويض فى هذا القرار التأديبى الا بنص خاص لعدم ورود سند لمثل هذا الاشتراط سيما وأن القاعدة أن المطلق يبقى على اطلاقه ما لم يرد ما يقيده والعام يبقى على عموميته ما لم يرد ما يخصصه. ولا محاجة فى ذلك بأن ولاية التأديب لها أهمية وطبيعة خاصة لأن هذه الأهمية تظل ولاية اصدار القرارات الادارية بصفة عامة ولا يخفى على أحد خطورة هذه السلطة وتلك الولاية بعامة اذ بها ينفذ القول على الغير فى مركزه القانونى (منحا ومنعا وتنظيما) وفى حريته وماله وكل ذلك لا يقل فى خطورته وأثره عن القرار التأديبى الذى لا يتعد حدود العلاقة الوظيفية وآثارها. وقد انتهت المحكمة الادارية العليا بجلستها المعقودة فى 2 من مارس سنة 1980 (الطعن رقم 198 لسنة 28 القضائية) الى جواز التفويض فى سلطة ازالة التعدى على الأموال العامة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة المخولة للوزير الى رؤساء الهيئات العامة على سند مما قضت المادة (3) من القانون رقم 42 لسنة 1967 فى شأن التفويض فى الاختصاصات من أنه يجوز للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب التشريعات الى رؤساء الهيئات العامة التابعة له. وكذلك الشأن بالنسبة لسلطة المحافظ المختص فى ازالة التعدى على أملاك الدولة المخولة له بموجب المادة 26 من قانون نظام الادارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 فقد اعتدت المحكمة الادارية العليا فى حكمها الصادر بجلستها المعقودة فى 17 من ديسمبر سنة 1988 (الطعن رقم 1281 لسنة 33 القضائية) بالتفويض الصادر من المحافظ فى هذه السلطة الى رؤساء الوحدات المحلية للمدن والمراكز - المشرع فى مجال تحديد السلطة الادارية التى تملك سلطة انزال العقاب التأديبى قد وزعها ما بين الرئيس المباشر ورئيس الادارة المركزية المختص والسلطة المختصة على نحو متدرج ومتفاوت قاصدا من ذلك تخويل كل سلطة من هذه السلطات قدرا من الهيمنة والسيطرة على العامل بما يحقق مصلحة العمل من ناحية وينأى عن الجمع والتركيز سواء بالنسبة لسلطة انزال العقاب أو التعقيب عليه من ناحية أخرى ومؤدى هذا القصد وحفاظا على تحقيقه فأنه يشترط لاباحة التفويض فى الاختصاصات التأديبية الا يفضى الى الجمع بين سلطة توقيع الجزاء وسلطة التعقيب عليه أو التداخل فى توقيع الجزاءات أو الجمع بينها أو أن يملك الأدنى وظيفة سلطة توقيع جزاء أشد مما يعلوه وظيفة من جراء هذا التفويض - لما كان ذلك وكان قانون نظام الادارة المحلية المشار اليه قد أجاز للمحافظ أن يفوض بعض سلطاته واختصاصاته الى نوابه ورؤساء الوحدات المحلية الأخرى بالمحافظة فمن ثم فانه يجوز له تفويض اختصاصاته التأديبية الى هؤلاء بما لا يؤدى الى التداخل فى الاختصاصات أو جمع بينها سواء بالنسبة للتدرج فى سلطة توقيع الجزاء أو بالنسبة الى التعقيب عليه - مؤدى ذلك: جواز تفويض المحافظ بعض اختصاصاته التأديبية الى نوابه أو الى رؤساء الوحدات المحلية بالمحافظة بما لا يؤدى الى التداخل فى الاختصاصات أو جمع بينها سواء بالنسبة للتدرج فى سلطة توقيع الجزاء أو بالنسبة الى التعقيب عليه.