مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
الجزء الأول - خلال المدة من أكتوبر سنة 1996 إلى يونيه سنة 2000 - صـ 648

(فتوى رقم 1256 بتاريخ 16/ 11/ 1997 ملف رقم 86/ 4/ 1362)
جلسة 24 من سبتمبر سنة 1997
(5)

- تأمينات اجتماعية - معاش - استحقاقه - عدم أحقية قاتلة زوجها عمداً فى معاشه.
استعرضت الجمعية العمومية فتواها الصادرة بجلستها المنعقدة فى 20/ 3/ 1985 (ملف رقم 86/ 4/ 1002) التى خلصت فيها الى استحقاق السيدة/ روح عطية لمعاشها المستحق عن زوجها بعد قتلها اياه عمداً واستند الرأى الى أن استحقاق المعاش انما ينشأ للمستحق من القانون مباشرة دون أن يأتيه ايلولة من المتوفى فلا يعتبر تركة ولا ينشأ بعلاقة وارث بمورث ومن ثم لا تسرى فى شأنه قاعدة حرمان الوارث أو الموصى له من الميراث أو الوصية اذا قتل المورث أو الموصى عمداً وعدواناً ولا يثور بشأنه أن القتل مانع من الميراث وأن أحكام التأمين الاجتماعى والمعاشات العام منها أو الخاص بطوائف بعينها من العاملين وأن كانت فى حقيقتها نظماً تأمينية الا أنه وقد خصها المشرع بتنظيم قانونى متكامل فتخضع لهذا التنظيم وحده دون الأحكام التى تنظم عقد التأمين فى عمومها وقد قضت المادة (44) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 بعدم جواز حرمان المتنفع أو صاحب المعاش أو المكافأة لأى سبب من الأسباب وانه أمام صراحة هذا النص ووضوح عباراته فلا يجوز تأويله وصولاً الى حكم مانع من الاستحقاق. كان هذا هو ما انتهت اليه الجمعية العمومية فى افتائها السابق الصادر سنة 1985 - الجمعية العمومية اعادت النظر فى هذا الأمر وخلصت الى أن الجمعية العمومية فى نظرها الحالى للموضوع تؤكد (بداءة) على أن المعاش ليس تركة ولا يخضع فى شروط وموانع استحقاقه وتحديد الانصبة فيه لاحكام وقواعد الميراث والتركة وانما يخضع فى ذلك لاحكام النظام القانونى العقدى أو اللائحى للتأمين بنصوصه ومبادئه وقواعده الاصولية التى تمثل الاطار العام لتنظيم العلاقة التأمينية التى ينشأ عنها هذا المعاش - الملاحظ بداية انه يستقر النظر فى فقه القانون الادارى بحسبانه احد فروع القانون العام على ان العلاقات التى تربط بين الأطراف المختلفة فى مجال القانون العام إنما تعتبر علاقات لائحية تنشئها التشريعات بمستوياتها المتباينة دون ان تكتسب اصل قيامها وانتهائها وأحكامها المتبادلة والمنظمة من شروط عقدية يشرطها أطراف هذه العلاقات بمحض ارادتهم المتبادلة وبتوافق هذه الارادات. كما أنه يستقر النظر أيضاً فى هذا الشأن على ان الصيغة اللائحية هى ما يفرق اربطة القانون العام عن روابط القانون الخاص المعتمدة على توافق الارادات بحسبان ان العقد شريعة المتعاقدين - الملاحظ ايضا انه ان كان يستقر هذا المعنى فان ثمة ما يصل بين علاقات القانون العام وعلاقات القانون الخاص من حيث الطبيعة القانونية للعلاقة النوعية المعنية. والحاصل ان العلاقة الوظيفية ان انبنت على أساس الروابط اللائحية التى لا يملك أى من طرفيها تعديلها الا بالاداة اللائحية التشريعية المناسبة على خلاف علاقات عقد العمل التى تنبنى على أساس التوافق الارادى من طرفيها بحسبان الحاكمية المستمدة من التوافق الارادى فى الاطار التشريعى العام الضابط ان كان ذلك كله كذلك الا ان كلا علاقتى العمل اللائحية والعقدية أنما تجمعهما الطبيعة القانونية لنوع العلاقة من حيث جوهرها ومؤداها القانونى فى اطار المراكز القانونية المتبادلة فهى فى الحالين من حيث الطبيعة القانونية تظل علاقة عمل يميزها عمل العامل تحت ادارة صاحب العمل أو اشرافه ويميزها انها تمارس لقاء أجر يؤديه صاحب العمل للعامل. وبالمثل بالنسبة لنظام التأمين فهو يقوم بصيغتين صيغة لائحية تنظمها قوانين المعاشات والتأمينات بما تستقر به العلاقة على اسس لائحية تتنظم بالتشريعات المحددة للمراكز القانونية والاستحقاقات المتبادلة بين أطراف العلاقة وصيغة عقدية تنظم بالعلاقة العقدية وتستمد الحقوق المتبادلة فى شأنها بما يتوافق عليه اطراف هذه العلاقة بما يبرمونه من عقود. ولكن نظام التأمين بكلتا صيغتيه اللائحية والعقدية انما يتميز بطبيعة قانونية اساسية واحدة وهى انه علاقة بمقتضاها يؤدى المؤمن الى المؤمن له مالا أو ايراداً مرتباً أو عوضاً آخر فى حالة وقوع حادث أو تحقق خطر أو حلول أجل وذلك نظير أقساط أو دفعات تبدأ تأديتها سلفا - الجمعية العمومية عند تحديدها الأسس العامة الجوهرية التى تميز علاقة التأمين ومطالبه انما تتابع أحكام القانون المدنى فى المواد (747 إلى 771) - استظهار الجمعية العمومية مما تقدم أن التأمين بكل صوره وأشكاله قوامه التزام المؤمن بأن يؤدى الى المؤمن له أو الى المستفيد الذى اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو أى عوض مالى آخر فى حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المؤمن منه وذلك فى نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن. وأن العلاقة بين المستفيد من التأمين والمؤمن عليه فى كل الأحوال اشتراط لمصلحة الغير - استظهار الجمعية العمومية ان علاقة التأمين سواء جرت بصيغة لائحية أو عقدية فان واحداً من أسس قيامها الجوهرية ان يكون استحقاق التأمين للمؤمن له أو للمستفيد ناتجاً عن وقوع حادث أو حلول أجل أو تحقق ضرر وذلك كله بموجب واقعة قانونية لا دخل لارادة المستحق فيها وان الحادث او الأجل انما ينبغى ان يتحقق بغير ترتب ارادى مباشر مقصود من المستحق المؤمن له أو المستفيد. وان القول بغير ذلك يؤدى الى تحقق الاستحقاق بمحض توجه ارادة المؤمن له او المستفيد الى ذلك أو بموجب اصطناعه المقصود به ترتيب الاستحقاق ترتيباً اراديا. وهذا أمر ينهار به نظام التأمين وتختل علاقاته. لذلك فان المشرع فى القانون المدنى حرص على تأكيد معنى الاستحقاق بموجب وقوع الحادث أو تحقق الضرر أو حلول الاجل بغير طريق الاصطناع الارادى أو الترتيب المقصود بأثره من جانب المستحق. ومن ذلك ان المشرع اسقط الاستحقاق حال الانتحار بحسبان ان الانتحار فعل ارادى يرتب الوفاة واستثنى من ذلك انتحار فاقد الارادة بحسبان ان الاستحقاق ينبغى ان يدور مع الحادث المتجرد من التوجه الارادى للمستحق مؤمنا عليه أو مستفيداً. ويؤكد هذا المعنى ما نصت عليه المادة (768) من القانون المدنى بحسبان المؤمن يكون "مسئولا عن الاضرار الناشئة عن خطأ المؤمن عليه غير المتعمد" وانه لا يكون مسئولا عن "الخسائر والاضرار التى يحدثها المؤمن له عمداً أو غشاً..." - من جهة أخرى انتظم المشرع أحكام التأمين الناشئ عن علاقة العمل (عقدية كانت أم لائحية) بقانون التامين الاجتماعى المشار اليه وحدد فيها حالات استحقاق المعاش للمؤمن له أو لغيرهم من المستحقين فى حالة وفاته سواء أثناء الخدمة أو بعد انتهائها وحدد شروط الاستحقاق فى كل حالة وسكت عن أثر قتل المستفيد المؤمن له عمداً أو بتحريض منه على استحقاق المعاش وهو سكوت غير مقصود به (بلا ريب) تقرير أحقية القاتل فى معاش عن المؤمن له لما فى ذلك من تعارض مع القواعد الحاكمة للعلاقة التأمينية والتى تأبى أن يستفيد القاتل من قتل من أزهق روحه (عمداً) بغياً وعدواناً ولا ان يترتب التأمين بموجب فعل إرادى من المستحق له. يضاف الى ذلك أن علاقة التأمين من الوفاة الناشئة عن علاقة العمل والتى ينتظمها بأحكامه قانون التأمين الاجتماعى المشار اليه تستوى مثلاً والعلاقة التأمينية الناشئة عن عقد التأمين المنظمة أحكامه بنصوص القانون المدنى فى أنهما يؤمنان من خطر الوفاة بمفهومها كواقعة مادية محضة وحادثة محتملة الوقوع وغير موكول وقوعها الى ارادة المؤمن له أو المستفيد فان أحدثتها ارادة المؤمن له أو المستفيد انحسرت الحماية التأمينية عمن أحدث بفعله الحدث الذى بحدوثه يترتب استحقاق التأمين ومن ثم لا غرو فى أن يخضع المعاش فى استحقاقه لهذا الحكم القانونى الذى يعبر عن أحد القواعد الأصولية العامة فى التأمين فلا تستحق قاتلة زوجها عمداً من معاشه أو مستحقاته شيئاً - لا محاجة فى ذلك بما تقضى به المادة (44) من قانون التأمين الاجتماعى المشار اليه من أنه لا يجوز حرمان المؤمن عليه أو صاحب المعاش من المعاش أو تعويض الدفعة الواحدة كلياً أو جزئياً لأى سبب من الأسباب لأن الحرمان الذى يحظره هذا النص هو حرمان من ثبت استحقاقه للمعاش بحرمانه منه بعد ثبوت أحقيته فيه - وغنى عن البيان ان ثبوت أصل استحقاق المعاش لا يقوم الا بتحقق شروط هذا الاستحقاق وانتفاء موانعه فمن انتفى فى شأنه أحد شروط الاستحقاق أو تحقق فى شأنه أحد موانعه (كما هو الشأن فى الحالة المعروضة) لا يستحق من الأصل معاشاً ولا يُعَدَّ منع المعاش عنه حرماناً مما يحظره هذا النص - مؤدى ذلك: عدم أحقية قاتلة زوجها عمداً فى تقاضى معاش عنه.