مجلس الدولة - المكتب الفنى - المبادئ التى قررتها الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
الجزء الأول - خلال المدة من أكتوبر سنة 1996 إلى يونيه سنة 2000 - صـ 837

(فتوى رقم 28 بتاريخ 11/ 1/ 1998 ملف رقم 54/ 1/ 343)
جلسة 10 من ديسمبر سنة 1997
(1)

- عقد إدارى - تحكيم - مدى صحة شرط التحكيم فى منازعات العقود الإدارية التى جرى إبرامها قبل صدور فتوى الجمعية العمومية بعدم صحة هذا الشرط.
استعراض الجمعية العمومية افتاءها السابق بجلستها المنعقدة فى 18 من ديسمبر سنة 1996 بعدم صحة شرط التحكيم فى منازعات العقود الادارية تأسيسا على أن لجوء أية جهة عامة للقضاء ذى الولاية العامة فى نزاع يتعلق بعقد إدارى هو الاستعمال الطبيعى لحق التقاضى أما لجؤها فى ذلك للتحكيم فهو يفيد الاستعاضة عن القضاء بهيئة ذات ولاية خاصة وهو تحكيم لجهة خاصة فى شأن يتعلق بالإداء العام الذى تقوم به الدولة وما يتفرغ عنهما من أشخاص القانون العام، وهو ما لا تملكه جهة عامة ولا تملك تقريره هيئة عامة إلا باجازة صريحة وتخويل صريح يرد من عمل تشريعى وأن صلاحية جهة الادارة لابرام العقد الإدارى وفق شروط الابرام واجراءاته التى ترد بالقوانين واللوائح لا تفيد بذاتها صلاحية جهة الادارة عينها فى ابرام شرط التحكيم باعتبار أن هذا الشرط وفقا لحكم (23) من قانون التحكيم يعتبر اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى من حيث الصحة وأوضاع النفاذ والاستمرار. وأنه إذا كان شرط التحكيم فى منازعات العقود الخاصة لا يصح لناقصى الأهلية إلا باكتمال أهليته وصيا ومحكمة فانه فى منازعات العقود الادارية لا يصح إلا باكتمال الارادة المعبرة عن كمال الولاية العامة فى اجرائه ولا تكتمل الولاية هنا الا بعمل تشريعى يجيز شرط التحكيم فى العقد الادارى بضوابط محددة وقواعد منظمة أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للإذن به فى أية حالة مخصوصة - لاحظت الجمعية العمومية أنه على إثر صدور هذا الافتاء قام المشرع بإصدار القانون رقم 9 لسنة 1997 بتعديل قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية باضافة فقرة جديدة الى المادة (1) منه تنص على أنه "وبالنسبة الى منازعات العقود الادارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة. ولا يجوز التفويض فى ذلك "وهو ما يؤكد أن التحكيم لم يكن جائزا فى منازعات العقود الادارية حتى تدخل المشرع بالنص على اجازته بموجب التعديل المشار اليه - لما كان من المسلم به أن العقود الادارية شأنها شأن سائر العقود المدنية تتم بتوافق ارادتين على احداث أثر قانونى معين وتقوم على الأركان الثلاثة وهى الرضاء والمحل والسبب بما يتعين معه أن تكون هذه الأركان جميعا مستوفية لشرائط صحتها: والرضاء يجب أن يكون صادرا من جهة الادارة المختصة ذات الولاية وفقا للأوضاع المقررة من حيث الشكل والاختصاص وأن يكون خاليا من عيوب الرضاء المعروفة فى النظرية العامة للالتزام مما قننه القانون المدنى ومن بين هذه العيوب الغلط فى الواقع أو القانون ومن الجلى أن النظر فى عيوب الارادة لا يتعارض مع الأسس العامة للعقود الادارية كما لا تعارض بين أركان العقد بصفة عامة وبين خصائص العقد الادارى من حيث المحل فيجب أن يكون قابلا للتعامل فيه غير مخالف للنظام العام أو الآداب والسبب فيجب أن يكون مشروعا. فاذا ما نشأ العقد صحيحا قامت قواعده مقام قواعد القانون بالنسبة لطرفيه تطبيقا لما نص عليه القانون المدنى فى المادة (147/ 1) من أن "العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التى يقررها القانون". وتعين تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبما يتفق ما يوجبه حسن النيه. أما إذا لم يكن العقد مستجمعا لأركانه كاملة مستوفية لشروطها فان تخلف ركن من أركانه أو شابه عيب من العيوب كان العقد باطلا أو قابلا للابطال بحسب الأحوال - طبقا لأحكام المواد (121) و(122) و(123) من القانون المدنى يكون العقد قابلا للابطال لغلط جوهرى فى الواقع أو القانون إذا كان المتعاقد الآخر قد وقع فى مثل هذا الغلط أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه - الحاصل أنه فى سبيل بيان بعض تطبيقات الغلط فى القانون الذى يجعل العقد قابلا للإبطال قد يتفق على أن مسألة قانونية يبت فيها القضاء على نحو معين ويجرى تعامل الناس على مقتضى الرأى الذى سار عليه القضاء ثم يرجع القضاء عن رأيه الى رأى آخر ففى مثل هذه الحالة يجدر اعتبار الغلط فى القانون مؤثرا فى صحة العقد. كما استقر القضاء على أن ثبوت واقعة الغلط من مسائل الواقع التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع فى كل حالة على حده - لما كان شرط التحكيم يعتبر اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى فإنه يلزم لنفاذه توافر الأركان والشروط المتطلبه قانونا من رضاء صحيح غير مشوب بعيب من العيوب ومحل قابل للتعامل فيه وسبب مشروع. فاذا ما ثبت أن قبول جهة الادارة لشرط التحكيم كان نتيجة لغلط فى القانون وكان المتعاقد الآخر على صلة بهذا الغلط فإن كان مشتركا فيه أو كان عالما به أو كان من السهل عليه أن يتبينه فإن هذا الشرط يكون قابلا للإبطال بعد ثبوت الغلط على الوجه الذى تسفر عنه الحقيقة القضائية عند النزاع وشأن الغلط فى القانون هنا شأن الغلط فى الواقع من حيث انجراح الارادة به وما يترتب على ذلك من قابلية العقد للإبطال أما اذا لم يكن هناك غلط شاب قبول جهة الإدارة لهذا الشرط أو كان هناك غلط لم يتصل به المتعاقد معها على إى من الوجوه سالفة الاشارة فإن الشرط يكون لازما إعمالا لما تلاقت عليه إرادة الطرفين؛ مع مراعاة أن تطبيق ذلك ينبغى أن ينظر اليه فى كل حالة على حده - مؤدى ذلك: النص فى العقد ملزم مع مراعاة ما قد تسفر عنه الحقيقة القضائية فى كل حالة من قابلية الشرط للإبطال بثبوت انجراح الارادة بعيب الغلط طبقا لأحكام القانون المدنى فى هذا الشأن.