مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع
السنة التاسعة والأربعون (من أول أكتوبر 1994 إلى آخر سبتمبر سنة 1995) - صـ 128

(فتوى رقم 63 في 19/ 1/ 1995 - جلسة 4 من يناير 1995 - ملف رقم 88/ 1/ 54)
(43)
جلسة 4 من يناير سنة 1995

( أ ) عقد - عقد الوكالة - تعريفه - الوكالة هي في الأصل من العقود الرضائية التي تتم بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين متطابقتين ما لم يكن التصرف القانوني محل الوكالة شكلياً - إذا كان محل الوكالة هو البيع وهو عقد رضائي، تنعقد بين طرفيها فور تلاقي إرادتهما - لطرفي عقد الوكالة أن يطلبا إلى مصلحة الشهر العقاري توثيق هذا العقد لقاء أداء الرسم المقرر - يجب على مصلحة الشهر القيام بتلك الخدمة بعد التثبت من أهلية المتعاقدين ورضائهم دون البحث وراء الإرادة الظاهرة لطرفي العقد وصولاً إلى الإرادة الحقيقية لهما التي قصدا سترها - تطبيق.
(ب‌) إثبات - القرائن - القرينة سواء كانت دليلاً للإثبات أو طريقاً معيناً منه هي النتيجة التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة - القرينة نوعان: النوع الأول - قضائية يستنبطها القاضي من ظروف الدعوى - النوع الثاني - قانونية يستنبطها المشرع ويضمنها نص القانون - للقرينة القضائية عنصران: العنصر الأول: واقعة ثابتة يختارها القاضي وتسمى علامة أو أمارة. والعنصر الثاني: عملية استنباط يقوم بها القاضي ليصل من الواقعة الثابتة إلى الواقعة المراد إثباتها - عنصرا القرينة القضائية من عمل القاضي الذي تتسع سلطته في هذا الشأن على خلاف الحال في القرينة القانونية إذ لا عمل فيها للقاضي والعمل كله للقانون - تطبيق.
(ج) عقد - عقد بيع - عقد وكالة - (شهر عقاري).
منشور الشهر العقاري رقم 12 لسنة 1986 - جميع التوكيلات التي تنص على أن للوكيل عن نفسه وبصفته الحق في البيع لنفسه دون الرجوع للموكل ودون أن يكون للأخير الحق في إلغاء الوكالة لتقاضيه الثمن تعتبر عقود بيع عرفية يستلزم تحصيل الرسوم المقررة عنها - مصلحة الشهر العقاري بهذا المنشور تكون قد نصبت من نفسها - بلا موجب يتيح لها ذلك - قاضياً رقيباً على طرفي العقد وجعلت قبض الثمن بمثابة قرينة قانونية ورتبت عليها أثرها وهو ما لا يتأتى إلا بنص في القانون - قرينة قبض الموكل للثمن في عقد الوكالة يقدرها القاضي المختص وفقاً لظروف كل حالة وملابساتها والاعتبارات الحاكمة لها - تطبيق.
تبين للجمعية العمومية بداية من استعراض واقعات الموضوع، أن طلب الرأي فيه لا يتعلق في جوهره بحالة واقعية بعينها، صدر فيها إفتاء من إدارة الفتوى، على ضوء من صياغة المحرر المقدم للتوثيق لمصلحة الشهر العقاري في هذه الحالة على هيئة عقد وكالة، وذلك بغية الوقوف على صحيح حكم القانون واجب الاتباع في شأنها، وإنما يدور طلب الرأي في حقيقته حول مدى جواز تعميم ما خلص إليه الرأي في خصوص تلك الحالة بمنشور يتضمن حكما عاماً، يجرى تطبيقه، وينسحب إلى جميع ما يقدم من محررات لتوثيقها، دون نظر إلى ظروف كل حالة وملابساتها وما يحوطها من اعتبارات حاكمة، وهو ما لجأت إليه مصلحة الشهر العقاري والتوثيق بإصدار المنشور رقم 12 لسنة 1986. مما يقتضي الوقوف على مدى قانونية ما ورد بذلك المنشور من قاعدة مفادها أن التوكيلات التي تتضمن النص على أن للوكيل عن نفسه وبصفته الحق في البيع لنفسه دون الرجوع إلى الموكل، ودون أن يكون للأخير الحق في إلغاء الوكالة لأنه تقاضى الثمن، تتضمن عقود بيع عرفية، مما يستلزم تحصيل الرسوم المقررة عنها.
كما تبين للجمعية العمومية أن المادة (89) من التقنين المدني تنص على أن "يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد". وتنص المادة (108) على أنه "لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه، سواء أكان التعاقد لحسابه هو أو لحساب شخص آخر، دون ترخيص من الأصيل....." وتنص المادة (145) على أن ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث، ما لم يتبين من العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام". وتنص المادة (147) منه على أن "1 - العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون". وتنص المادة (699) من التقنين ذاته على أن "الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل". وتنص المادة (700) على أن "يجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك" في حين تنص المادة (702) على أن "1 – لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء".
وتبين للجمعية العمومية أيضاً أن المادة (1) من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري تنص على أن "ينشأ في المديريات والمحافظات مكاتب للشهر العقاري تتولى شهر المحررات التي تقضي القوانين بتسجيلها أو بقيدها. وتتبع هذه المكاتب وزارة العدل..." وتنص المادة (9) على أن "جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق التسجيل ويدخل في هذه التصرفات الوقف والوصية. ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم. ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن". وتنص المادة (20) من القانون ذاته على أن "تتم إجراءات الشهر في جميع الأحوال بناءً على طلب ذوي الشأن أو من يقوم مقامهم". وتنص المادة (3) من القانون رقم 68 لسنة 1947 بشأن التوثيق المعدل بالقانون رقم 629 لسنة 1955 على أن "تتولى المكاتب توثيق جميع المحررات وذلك فيما عدا عقود الزواج وإشهارات الطلاق والرجعة و...." في حين تنص المادة (5) منه على أن "يجب على الموثق قبل إجراء التوثيق أن يتثبت من أهلية المتعاقدين ورضائهم". وتنص المادة (6) على أن "إذا اتضح للموثق عدم توافر الأهلية أو الرضاء لدى المتعاقدين أو إذا كان المحرر المطلوب توثيقه ظاهر البطلان كان للموثق أن يرفض التوثيق ويعيد المحرر إلى ذوي الشأن....". وتنص المادة (1) من القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر على أن "يفرض على أعمال التوثيق والشهر وما يتصل بها من طلبات وإجراءات الرسوم الآتية: رسم مقرر - رسم حفظ - رسم نسبي". وتنص المادة (2) على أن "يفرض رسم مقرر على ما يأتي: (1) توثيق المحررات..... (12) طلب الشهر". بينما تنص المادة (3) منه على أن "يفرض على المحررات المطلوب توثيقها الإشهادات "رسم قدره.....".
واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم، أن عقد الوكالة هو في الأصل من عقود التراضي التي تتم بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين متطابقتين، ما لم يكن التصرف القانوني محل الوكالة شكلياً. فالوكالة - إذا كان التصرف القانوني محلها هو البيع مثلاً، وهو عقد رضائي - تنعقد بين طرفيها فور تلاقي إرادتيهما على ذلك. كما استظهرت أن المشرع أجاز لطرفي عقد الوكالة، إذا ما قدرا ذلك وانصرفت إرادتيهما إليه، أن يطلبا إلى مصلحة الشهر العقاري توثيق هذا العقد لقاء أداء الرسم المقرر قانوناً. وأوجب على المصلحة القيام بتلك الخدمة، وذلك بعد التثبت من أهلية المتعاقدين ورضائهم، وأن العقد غير ظاهر البطلان. فإن تحقق لديها ذلك صار لزاماً عليها أن تقوم بتوثيق العقد، دون أن يكون لها ولاية التعقيب على محتوى العقد خارج الإطار المشار إليه. ودون أن تبحث المصلحة وراء الإرادة الظاهرة لطرفي العقد، وصولاً إلى الإرادة الحقيقية لهما التي قصدا سترها.
ولما كان من المقرر أن القرينة، سواء كانت دليلاً للإثبات أو طريقاً معيناً منه، هي النتيجة التي يستخلصها القانون أو القاضي، من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة. وهي نوعان: قضائية يستنبطها القاضي من ظروف الدعوى. وقانونية يستنبطها المشرع، ويضمنها نص القانون، وعلى ذلك فللقرينة القضائية عنصران أولهما: واقعة ثابتة يختارها القاضي وتسمى علامة أو أمارة. وثانيهما: عملية استنباط يقوم بها القاضي ليصل من الواقعة الثابتة إلى الواقعة المراد إثباتها. والعنصران معاً من عمل القاضي الذي تتسع سلطته في هذا الشأن، على خلاف الحال في القرينة القانونية، إذ لا عمل فيها للقاضي، والعمل كله للقانون. فهو الذي يحدد ركنيها، من اختيار للواقعة الثابتة، ومن جريان عملية الاستنباط. و من ثم لا يمكن أن تقوم قرينة قانونية بغير نص من القانون. ولا سلطة للقاضي فيها، والحقيقة الثانية، هنا، من عمل القانون وحده، يفرضها على القاضي وعلى الخصوم، في حين أن الحقيقة القضائية المستمدة من القرينة القضائية من عمل القاضي وتخضع لسلطانه وإرادته ولتقديره.
والحاصل أن مصلحة الشهر العقاري، بما أوردته بالمنشور رقم 12 لسنة 1986 المستطلع الرأي في شأنه من أن جميع التوكيلات التي تنص على أن للوكيل عن نفسه وبصفته الحق في البيع لنفسه دون الرجوع للموكل، ودون أن يكون للأخير الحق في إلغاء الوكالة لأنه تقاضى الثمن، تعتبر متضمنة عقود بيع عرفية، يستلزم تحصيل الرسوم المقررة عنها، تكون قد نصبت من نفسها، بلا موجب يتيح لها ذلك، قاضياً رقيباً على طرفي العقد، تتسلل إلى عقدهما للكشف عما به من مكنونات قصداً سترها ملتفتة بذلك عن العلاقة الظاهرة بينهما التي يجب كأصل عام الاعتداد بها، وذلك كله دون أن يكون للمصلحة أدوات القاضي ومكناته التي خولها له القانون. كما تكون المصلحة بما أقامت عليه تقديرها بأن مثل التوكيلات التي يرد بها النص المذكور متضمنة عقود بيع، دون الربط بين كل حالة وملابساتها والاعتبارات الحاكمة لها، تكون، قد جعلت قبض الثمن بمثابة قرينة قانونية، ورتبت عليها أثرها، وهو ما لا يتأتى إلا بنص في القانون، طبقاً لما توضح. والحاصل أيضاً أن ما ينبئ عنه قبض الثمن في التوكيلات المنوه عنها بالمنشور، وحدود ذلك، في غيبة من نص القانون الذي يجعل من واقعة قبض الموكل للثمن في عقد الوكالة قرينة على وقوع البيع، إنما يقدره القاضي المختص في كل حالة على حده، بما له من سلطة وما أتاحه له القانون من أدوات تعينه على تقصي الحقيقة والكشف عنها، في ضوء من ظروف كل حالة وملابساتها والاعتبارات الحاكمة لها. وما تسفر عنه الحقيقة القضائية في هذا الشأن هو وحده الذي تنتفي به الإرادة الظاهرة لطرفي العقد، ففي هذه الحالة فقط يجرى التعامل على المحرر "العقد" لا بحسب ظاهره ولكن بحسب مستوره الذي كشفت عنه الحقيقة القضائية. وغني عن البيان، إضافة إلى ما تقدم، أنه إن لم يكن الثمن المقبوض نقوداً، طبقاً لصريح المادة (418) من التقنين المدني، فقد انتفى ركن جوهري من أركان عقد البيع.
ولا حجة في القول بأن من شأن عدم اعتبار التوكيلات التي يرد بها النص المشار إليه بالمنشور رقم 12 لسنة 1986 متضمنة عقود بيع عرفية، ضياع حقوق الخزانة العامة في تحصيل رسوم شهرها، بحسبان أن رسم الشهر لا تستحق إلا مقابل أداء خدمة شهر المحرر، وما لم يجر ذلك استجابة لطلب صاحب الشأن، لا يستحق الرسم. بالإضافة إلى أن توثيق تلك العقود بحسب وصفها الظاهر ليس من شأنه البتة أن يرتب الأثر المقرر قانوناً للشهر فيما يتعلق بعقود البيع العرفية المقول بتضمن التوكيلات لها، وبخاصة فيما يتعلق بالحقوق العينية العقارية، بل سيبقى أثر مثل هذه العقود مقتصراً على أطراف العقد في حدود الالتزامات الشخصية لا ترتب نقلاً لملكية تلك الحقوق، ولا سبيل إلى ذلك إلا بطلب شهرها في محرر يكشف عنها، وتمام ذلك لقاء أداء الرسم المقرر قانوناً.

لذلك

انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى ما يأتي:
1 - أنه لا تقوم قرينة قانونية تفيد أن كل توكيل وردت به عبارة، أن للوكيل عن نفسه وبصفته الحق في البيع لنفسه دون الرجوع إلى الموكل، ودون أن يكون للأخير الحق في إلغاء الوكالة لأنه تقاضى الثمن، يعد بيعاً. وتقرير ذلك رهين بما تكشف عنه الحقيقة القضائية في كل حالة، بحسب ظروفها وملابساتها والاعتبارات الحاكمة لها.
2 - تقدر الرسوم وفقاً لظاهر ما يرتضيه طرفا المحرر في كل حالة، وذلك في الحدود المشار إليها.