مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
السنة السادسة والعشرون (من أول اكتوبر سنة 1971 الى آخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 63

(فتوى رقم 1069 بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1971 - ملف رقم 7/ 1/ 22)
(20)
جلسة أول ديسمبر سنة 1971

(1) تقادم - أحكام التقادم المنصوص عليها فى القانون المدنى - تسرى فى العلاقة بين الحكومة والأفراد كما تسرى فى علاقة الأفراد بعضهم والبعض - التمسك بالتقادم المسقط أمر متروك لتقدير الحكومة حسبما يتراءى لها من اعتبارات - أساس ذلك.
(2) تقادم - اكتمال مدة التقادم لا يستتبع انقضاء الالتزام بقوة القانون وانما يتعين أن يدفع بالتقادم وأن يقبل هذا الدفع - عدم جواز استرداد المبالغ التى تم دفعها رغم تقادم الدين بمضى المدة طالما لم يدفع بالتقادم - أساس ذلك.
1 - صدر القرار العسكرى رقم 197 لسنة 1941 بتخويل وزير الرى (الاشغال) أو من يندبه سلطة اصدار قرارات استيلاء مؤقته على العقارات اللازمة لشئون الرى تنفيذا لبرنامج تيسير رى الزراعات الشتوية والاستزادة من زراعة الحبوب الغذائية. وبناء على هذا الامر صدر القرار الوزارى رقم 18075 لسنة 1941 بتفويض المفتش العام للمشروعات ومفتش المشروعات بالوجه القبلى فى اصدار قرارات الاستيلاء المؤقته المشار اليها. ولما صدرت قرارات الاستيلاء قامت تفاتيش المشروعات بالاستيلاء على الاراضى وتنفيذها على الطبيعة واخطرت تفاتيش المساحة المختصة للسير فى اجراءات صرف الايجار لاصحاب الشأن، الا أن هذا الصرف تراخى أما بسبب عدم توافر الاعتمادات المالية أو لتأخير تفاتيش المشروعات فى الاخطار عن تاريخ الاستيلاء الفعلى أو لاعطاء الاولوية لصرف تعويضات نزع الملكية.
وباستطلاع رأى ادارة الفتوى والتشريع المختصة فى مدى خضوع المبالغ المستحقة لأصحاب الشأن لاحكام التقادم بأنه لما كانت لا توجد رابطة عقدية بين الوزارة وبين المستولى على أطيانهم كما لا يوجد اتفاق سابق على تحديد الايجار المستحق فمن ثم فان أصحاب الشأن يستحقون اقتضاء ريع عن هذه المسطحات وانه يجب على المصلحة التمسك بالتقادم بالنسبة الى المبالغ التى مضى على عدم صرفها اكثر من خمس عشر سنة.
ولما كانت المصلحة ترى أفضلية عدم التمسك بالتقادم فى مثل تلك الحالات، لذلك طلبت اعادة النظر فى الموضوع مع الافادة بالرأى فى مدى جواز استرداد المبالغ التى تم صرفها بعد مضى أكثر من خمس عشرة سنة على استحقاقها.
ومن حيث ان المادة 387 من القانون المدنى تنص على أنه "لا يجوز للمحكمة أن تقضى بالتقادم من تلقاء نفسها، بل يجب ان يكون ذلك بناء على طلب المدين...".
وواضح من هذا النص ان التقادم، بحسب الاصل، لا يعد من النظام العام وانه يتعين للقضاء به ان يتمسك به المدين. ومرد ذلك الى أن التقادم المسقط انما يقوم على مظنه الوفاء وضمان استقرار الاوضاع، وبالتالى فان الدفع به أمر يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة كما يتصل بضميره ولذلك جعله القانون خيارا بيده بحيث يكون له ألا يتمسك بالتقادم اذا كان يعلم ان ذمته مشغوله بالدين وتخرج من الدفع بسقوطه.
ومن حيث انه يبين من استقراء أحكام القانون المدنى الخاصة بالتقادم ان المشرع لم يميز فى هذه الاحكام بين ديون الافراد وديون الحكومة، ومن ثم فان هذه الاحكام تسرى جميعها فى العلاقة بين الحكومة والافراد كما تسرى فى علاقة الافراد بعضهم والبعض سواء بسواء.
وترتيبا على ما تقدم يكون للحكومة أن تتمسك بالتقادم المسقط بالنسبة لما عليها من ديوان ان رأت فى ذلك مصلحتها أو استقرار اوضاعها، كما يكون لها ألا تتمسك به ان راعت أن ذمتها ما زالت مشغوله بالدين وانه لا يجدر بها ان تتمسك بتقادمه، وهى الأمينة على حقوق الأفراد الذين ركنوا الى الثقة فى وفائها وقصرت بهم ظروفهم عن ملاحقه المطالبه بحقوقهم.
ولا يسوغ الاحتجاج فى هذا الصدد بأن عدم تمسك الحكومة بالتقادم يتطلب أهلية خاصة تستند الى نص من قانون تأسيسا على أن التمسك بالتقادم من شأنه سقوط الدين وبالتالى تحقيق وفر مالى للخزانة العامة، وقد خلا القانون من نص يعهد باختصاص فى هذا الشأن الى القائمين على شئون الدولة أسوة بما نص عليه القانون رقم 29 لسنة 1958 الخاص بالتصرف فى أموال الدولة بالمجان، ولذلك يتعين على من يمثل الدولة فى خصوصية مطالبتها بالدين ان يتمسك بالتقادم طالما لم يورد القانون نصا بجواز النزول عن التمسك به - لا يسوغ الاحتجاج بذلك لان الأمر لا يعتبر تنازلا عن مال أو حق آل الى الدولة بل هو حق للدائن، والجهة الادارية بتمسكها بالتقادم تكسب هذا المال لجانبها ومن ثم لا يتطلب الامر اهلية خاصة سواء فى حالة التمسك بالتقادم أو عدم التمسك به.
2 - ومن حيث أنه بالنسبة الى طلب استرداد المبالغ التى تم صرفها لأصحاب الشأن بعد مضى المدة المقررة لسقوط الحق فيها، فان الأصل المسلم أنه اذا اكتملت مدة التقادم فلا يقع انقضاء الالتزام بقوة القانون، وان الالتزام مهما طالت مدته لا ينقلب من تلقاء ذاته من التزام قانونى الى التزام طبيعى، وانما يتعين ان يدفع بالتقادم وان يقبل هذا الدفع. ومن ثم فان المدين الذى يوفى ما عليه رغم مضى المدة القانونية ودون أن يدفع بالاسترداد باعتبار انه قد دفع غير المستحق، اذ التقادم لا يبرئ الا المدين الذى دفع به.
ولا يغير من هذا النظر ما نصت عليه المادة 386 مدنى من أنه "يترتب على التقادم الفضاء لالتزام ومع ذلك يتخلف فى ذمة المدين التزام طبيعى" ذلك ان هذا النص ينطوى على حذف المعلوم تطبيقا للقاعدة الاصولية التى مؤدها أن حذف المعلوم جائز، ومقتضاه أنه يترتب على التقادم اذا فضى به انقضاء الالتزام، وذلك يمكن ادراكه من أعمال هذا النص مع نص المادة 387 التالية له والتى قررت أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضى بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب المدين.
لهذا انتهى رأى الجمعية العمومية الى ما يأتى:
أولا: أن التمسك بالتقادم أمر متروك لتقدير الحومة حسبما يتراءى لها من اعتبارات.
ثانيا: أنه لا يحق للحكومة طلب استرداد المبالغ التى تم صرفها لاصحاب الشأن رغم تقادم الدين بمضى المدة.