مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
السنة السادسة والعشرون (من أول اكتوبر سنة 1971 الى آخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 66

(فتوى رقم 1070 بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1971 - ملف رقم 100/ 1/ 17)
(21)
جلسة أول ديسمبر سنة 1971

تفسير - تفسير النصوص القانونية - النص فى القانون رقم 81 لسنة 1969 على اختصاص المحكمة العليا بتفسير النصوص القانونية تفسيرا ملزما - مقتضى ذلك سلب الاختصاص الذى كان معهودا به الى بعض اللجان فى اصدار تفسيرات تشريعية - أساس ذلك.
بتاريخ 16 من أغسطس سنة 1969 صدر القانون رقم 50 لسنة 1969 بتعيين حد أقصى لملكية الاسرة والفرد فى الاراضى الزراعية وما فى حكمها وقد قضت المادة 21 منه بتشكيل لجنة تتولى تفسير أحكامه "وتكون قراراتها فى هذا الشأن تفسيرات تشريعية ملزمة وتنشر فى الجريدة الرسمية".
وبتاريخ 18 من يناير سنة 1970 عقدت اللجنة المشار اليها أولى جلساتها حيث عرضت عليها المسائل المقترح اصدار تفسيرات تشريعية فى شأنها فارتأت أنه فيما عدا مسألة واحدة لا محل لاصدار تفسيرات فى هذه المسائل.
ولدى بحث الشكاوى التى تقدم بها بعض الخاضعين لاحكام القانون آنف الذكر من عدم موافقة اللجنة على اصدار تفسيرات فى المسائل المنوه عنها ثار التساؤل عن مدى جواز استمرار لجان التفسير المنصوص عليها فى بعض التشريعات، ومن بينها القانون رقم 50 لسنة 1969، فى مباشرة أعمالها بعد صدور قانون المحكمة العليا رقم 81 لسنة 1969.
ومن حيث أن المادة الاولى من قانون المحكمة العليا رقم 81 لسنة 1969 تنص على أن "تنشأ محكمة عليا تكون هى الهيئة القضائية العليا بالجمهورية العربية المتحدة" كما تنص المادة الرابعة من هذا القانون على أن "تختص المحكمة العليا بما يأتى (1) الفصل دون غيرها فى دستورية القوانين اذا ما دفع بعدم دستورية قانون أمام أحدى المحاكم. (2) تفسير النصوص القانية التى تستدعى ذلك بسبب طبيعتها أو أهميتها ضمانا لوحدة التطبيق القضائى وذلك بناء على طلب وزير العدل، ويكون قرارها الصادر بالتفسير ملزما (3) الفصل فى طلبات وقف تنفيذ الاحكام الصادرة من هيئات التحكيم المشكلة للفصل فى منازعات الحكومة والقطاع العام... (4) الفصل فى مسائل تنازع الاختصاص طبقا لاحكام المواد 17، 19، 20، 21 من قانون السلطة القضائية".
ومفاد ذلك أن المشرع أعاد تنظيم اصدار التفسيرات التشريعية بأن عهد بها الى المحكمة العليا. وبهذا يكون قد نسخ الأحكام الواردة فى بعض القوانين بتشكيل لجان يناط بها هذا الاختصاص بالتطبيق لاحكام المادة الثانية من القانون المدنى التى تنص على أنه "لا يجوز الغاء نص تشريعى الا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الالغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع".
ويعزز الأخذ بهذا النظر أمران أولهما ما أوردته المذكرة الايضاحية لقانون المحكمة العليا وثانيهما طبيعة التفسيرات التشريعية.
فالمذكرة الايضاحية للقانون المشار اليه أوردت أن المادة الرابعة "بينت اختصاص للمحكمة العليا بما يشمل المسائل الآتية: (1) ... (2) تفسير النصوص القانونية التى تستدعى التفسير بسبب طبيعتها أو أهميتها وذلك ضمان لوحدة التطبيق القضائى. وقد جعل القانون تفسير المحكمة العليا ملزما وبذلك لا تكون ثمة حاجة لى الالتجاء الى اصدار تشريعات تفسيرية أو انشاء لجان لهذا الغرض".
وهكذا فان عبارات المذكرة قاطعة فى أن اختصاص المحكمة العليا بتفسير النصوص القانونية من مقتضاه "الا تكون ثمة حاجة" الى الالتجاء الى اصدار تفسيرات تشريعية، والمقصود بذلك بطبيعة الحال عدم اصدار تفسيرات تشريعية من اللجان التى انشئت بمقتضى بعض القوانين حيث كانت تلك اللجان هى التى عهد اليها المشرع باصدار مثل هذه التفسيرات التشريعية.
كما أن القصد من التفسيرات التشريعية هو بيان حكم القانون فى مسألة معينة وتفسير ما غمض عن النص فى شأنها وذلك باصدار قرار تفسيرى ملزم تسير كافة الجهات القائمة بتطبيق النص على مقتضاه منعا للتضارب من ناحية وتفنديا لكثرة تدخل المشرع بتعديل القانون من ناحية أخرى، ولهذا كان طبيعيا أن يعهد المشرع الى جهة واحدة باصدار مثل هذه التفسيرات، وكانت هذه الجهة هى المحكمة العليا باعتبارها "الهيئة القضائية العليا" والقول ببقاء اختصاص لجان التفسير التى نصت عليها بعض القوانين مع قيام المحكمة العليا بمباشرة هذا الاختصاص يؤدى، بالاضافة الى تعارضه مع التطبيق الصحيح لقواعد الالغاء الى نتيجة غير مقبولة، اذ قد تتعارض التفسيرات الصادرة من المحكمة مع تلك الصادرة من اللجان مع أن كليهما، بحكم النص، هو تفسير تشريعى ملزم.
ويخلص من ذلك أن مؤدى النص فى القانون على اختصاص المحكمة العليا بتفسير النصوص القانونية تفسيرا ملزما سلب الاختصاص الذى كان معهودا به الى بعض اللجان فى اصدار تفسيرات تشريعية.
ولا يغير مما تقدم ان تكون المادة الرابعة آنفة الذكر قد نصت على اختصاص المحكمة العليا "دون غيرها" بالفصل فى دستورية القوانين بينما لم تورد عبارة "دون غيرها هذه بالنسبة الى اختصاص المحكمة بتفسير النصوص القانونية، فهذه المغايرة لا تعنى أن المشرع قصد الى الابقاء على اختصاص اللجان فى التفسير اذ أن مثل هذا القول ينطوى على تحميل للنص بأكثر مما يتحمل، وسيان أورد المشرع العبارة المذكورة أو لم يوردها، فالمسألة لا تعدو أن تكون مجرد تغيير فى الصياغة دون أن يقصد من ورائها الى تغيير فى الحكم القانونى.
ولهذا الوضع شبيه فى بعض القوانين. من أمثلة ذلك قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 فالمواد 8، 9، 10 منه نصت على اختصاص المجلس "دون غيره" بالفصل فى المسائل لوردة فيها بينما جاءت المادة 11 خلوا من هذه العبارة مع ان الاختصاص بنظر المسائل التى تضمنتها معقود للمجلس وحده.
بل ان قانون المحكمة العليا ذاته ينفض هذه الحجة، فعبارة "دون غيرها" لم يرد ذكرها بالنسبة الى الاختصاصين المنصوص عليهما فى البندين 3، 4 من المادة الرابعة المشار اليها وهما الاختصاص بالفصل فى طلبات وقف تنفيذ الاحكام الصادرة من هيئات التحكيم والفصل فى مسائل تنازع الاختصاص. وهذا الاختصاص الأخير كان منوطا طبقا لقانون السلطة القضائية بمحكمة التنازع، وليس من المقبول الادعاء بأن اختصاص هذه المحكمة ما زال قائما لان قانون المحكمة العليا لم ينص على اختصاصها دون غيرها بالفصل فى تلك المسألة.
كما لا يسوغ الاستناد الى عدم النص فى القانون رقم 81 لسنة 1969 أو فى مذكرته الايضاحية على الغاء لجان التفسير المشار اليها فى بعض التشريعات للقول ببقاء اختصاصها، أو الاحتجاج بأن المشرع فى المذكرة الايضاحية "استعمل صيغة المستقبل بالنسبة للاستغناء عن انشاء اللجان التفسيرية مما ينبئ عن اتجاهه الى بقاء القائم منها وقت صدوره وامكان انشائها فى المستقبل والا لكان قد أورد ما يدل على الانشاء بدلا من استعمال عبارة الاستغناء التى تؤدى الى الالتجاء الى الحظر". لا يسوغ الاحتجاج بشئ من ذلك لأن للالغاء، حسبما سبق البيان، صورا متعددة من بينها أن يعيد المشرع تنظيم الموضوع الذى سبق لتشريع قديم أن قرر قواعده، ففى هذه الحالة ينطوى التشريع الجديد على الغاء للتشريع السابق، كما أن عبارات المذكرة الايضاحية من العموم بحيث تنصرف الى الماضى والمستقبل، فنلغى لجان التفسير القائمة. دون الغاء ما صدر عنها من تفسيرات - ولا تنشأ لجان جديدة. وليس من شك فى أن عبارة "لا تكون ثمة حاجة الى انشاء لجان لهذا الغرض" الواردة فى المذكرة تعنى حظر انشاء اللجان فحظر الانشاء والاستغناء عن الانشاء تعبيران لمفهوم واحد.
وبالمثل لا محاجة فى القول بأن "تخويل اللجنة المنشأة بالقانون رقم 50 لسنة 1969 اصدار تفسيرات تشريعية" انما هو بمثابة تفويض من السلطة التشريعية التى أصدرت القانون للجنة المذكورة فى اصدار تفسيرات تشريعية له، والغاء هذا التفويض يكون بالنص على ذلك صراحة أو ورود نص فى قانون المحكمة العليا يتعارض معه وهو ما تفتقر اليه نصوص القانون الأخير فضلا عن ورود ديباجته خالية من الاثارة الى القانون رقم 50 لسنة 1969 الذى انشأ اللجنة" - لا محاجة فى هذا القول لأن اختصاص تلك اللجنة، وما شابهها، قد الغى ضمنا بصدور قانون المحكمة العليا، واذا كانت ديباجة هذا القانون قد خلت من الأشارة الى القانون رقم 50 لسنة 1969 فان هذا الاغفال لا يستفاد منه رغبة المشرع فى الابقاء على لجنة التفسير المنصوص عليها فيه، بل ان واقع الحال ان المشرع فى قانون المحكمة العليا لم يكن فى حاجة الى تلك الأشارة اكتفاء بالقواعد الاصولية فى الالغاء سيما وان القانون رقم 50 لسنة 1969 ليس هو القانون الوحيد الذى قضى بتشكيل لجنة لتفسير أحكامه، وانما نصت قوانين أخرى متعددة على انشاء مثل هذه اللجان كالقانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد ايجار الاماكن (معدلا بالقانون رقم 133 لسنة 1963) وقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وقانون خفض البدلات رقم 30 لسنة 1967، وبالتالى كان الأمر سيمتد الى الأشارة لكثير من القوانين دون مقتضى.
وأخيرا لا يسوغ الاستناد الى القانون رقم 86 لسنة 1969 الصادر بتعديل قانون تنظيم مجلس الدولة للقول ببقاء لجان التفسير. ذلك ان المادة 44 من هذا القانون قد نصت بعد تعديلها على أنه "على كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أى قانون أو قرار جمهورى ذى صفة تشريعية أو تشريع تفسيرى او لائحة أو قرار تنفيذى للقوانين واللوائح والقرارات ان تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لصياغته. ويجوز لها أن تعهد اليه باعداد هذه التشريعات". كما نصت المادة 47 معدلة على أن "تختص الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بابداء الرأى مسببا: ( أ ). (ب). (ج)... (د). كما تختص بمراجعة مشروعات القوانين وكذا مشروعات التشريعات التفسيرية أو اللوائح أو القرارات التى يرى قسم التشريع احالتها اليها لأهميتها...".
ولقد يقال ان النص على اختصاص قسم التشريع والجمعية العمومية بمراجعة "التشريعات التفسيرية" يستفاد منه ان المشرع بعد صدور قانون المحكمة العليا ينظر الى لجان التفسير باعتبارها قائمة، وأية ذلك أنه استلزم عرض "التشريعات التفسيرية" على قسم التشريع لمراجعتها واجاز للقسم احالتها الى الجمعية العمومية اذا ما ارتأى مقتض لذلك بسبب اهميتها. وليس من المقبول أن تكون هذه المراجعة توطئة لاستصدار التفسير من المحكمة العليا وانما المقصود أن تكون المراجعة تمهيدا لاستصداره من اللجان التى نصت بعض التشريعات على تشكيلها وتخويلها هذا الاختصاص.
غير أن هذا القول مردود بأن قانون تنظيم مجلس الدولة، حتى بعد تعديله، لم يعرض الى "التفسيرات التشريعية" التى كان الاختصاص باصدارها منوطا ببعض اللجان ثم عهد به الى المحكمة العليا بصدور القانون رقم 81 لسنة 1969. وتفصيل ذلك ان ثمة فارقا جوهريا بين "التشريع التفسيرى" الذى أشار اليه قانون تنظيم مجلس الدولة، وبين "التفسير التشريعى" الذى أشارت اليه النصوص الخاصة بتشكيل اللجان أنفة الذكر ثم قانون المحكمة العليا فالأول هو تشريع بالمعنى الفنى، ولا يصدر الا من ذات الجهة التى أصدرت التشريع المفسر اذ قد يرى المشرع أن المحاكم أو الجهات القائمة على تفسير النص وتطبيقة لم تصل الى معرفة قصدة الحقيقى من قانون سبق له وضعة فيعمد عندئذ الى اصدار قانون جديد يفسر به القانون القديم، ويطلق على القانون الجديد اسم "القانون التفسيرى أو القانون المفسر".
ومما يؤكد أعتبار هذه "التشريعات التفسيرية" تشريعات بالمعنى الفنى صياغة المادة 44 من قانون تنظيم مجلس الدولة أنفة الذكر، اذ بعد أن اوجبت فى فقرتها الأولى على كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أى قانون أو قرار جمهورى ذى صفة تشريعية أو "تشريع تفسيرى" أن تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لصياغته، اضافت فى فقرتها الثانية انه يجوز لها أن تعهد اليه بأعداد "هذه التشريعات".
ومن أمثلة القوانين التفسيرية المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935 الذى صدر تفسيرا للأمر العالى المؤرخ 2 أغسطس سنة 1914 بشأن السعر الالزامى لاوراق البنكنوت الصادرة من البنك الأهلى المصرى، والقانون رقم 227 لسنة 1959 بتفسير حكم المادة 73 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959، والقانون رقم 89 لسنة 1962 الذى صدر لتفسير أحكام القانون رقم 153 لسنة 1961 بعدم جواز تعيين أى شخص فى الهيئات أو المؤسسات العامة أو شركات المساهمة التى تساهم فيها الدولة سنوية أو بمرتب سنوى قدره 1500 جنيه فأكثر الا بقرار من رئيس الجمهورية.
ففى هذه الأمثلة تصدر القوانين التفسيرية من المشرع ذاته، وهذه القوانين هى التى قصدتها نصوص قانون مجلس الدولة عندما أوجبت عرض مشروعاتها على قسم التشريع لمراجعتها واجازت للقسم احالتها الى الجمعية العمومية اذا ما ارتأى ذلك بسبب أهميتها. وتلك القوانين أو التشريعات التفسيرية تختلف اختلافا بينا عن "التفسيرات التشريعية" ولذلك جاءت صياغة النصوص مختلفة، فقانون تنظيم مجلس الدولة أورد عبارة "التشريع التفسيرى" بينما أوردت النصوص الخاصة بتشكيل لجان التفسير عبارة "التفسير التشريعى".
لهذا انتهى رأى الجمعية العمومية الى أنه بصدور القانون رقم 81 لسنة 1969 أصبحت المحكمة العليا هى وحدها صاحبة الاختصاص فى تفسير النصوص القانونية تفسيرا ملزما.